رواية جمرية الصقر الفصل السادس 6 - بقلم سلوى عوض
بارت 6
جمريه : انت بتعمل إيه في أوضتي يا عمار؟ وايه الفلوس اللي في يدك دي ؟
حاول عمار النظر إليها وكأنه يريد التحدث، لكنه لم يستطع. فجأة، فقد توازنه و سقط على الأرض فاقدًا للوعي.
جمريه (بذعر): يا مري يا عمار!
هرعت نحوه بخوف، وتحسست جبينه لتجده ساخنًا جدًا، وذراعه ينزف بغزارة. حاولت استيعاب الموقف بسرعة، مستغلة معرفتها الطبية كونها خريجة دبلوم تمريض.
نهضت وأحضرت صندوق الإسعافات الطبية الذي تحتفظ به منذ وفاة والدها. بدأت بتنظيف الجرح وتعقيمه بحرص، ثم قامت بتضميده بإحكام. جهزت حقنة المضاد الحيوي وحقنته بها بيد ثابتة، ثم أعطته خافضًا للحرارة.
بعدما انتهت، جلست بجواره تنظر إلى وجهه الشاحب، وبدأ القلق يتسلل إلى عقلها.
جمريه (لنفسها، بتوتر): أعمل إيه دلوقتي؟ أنقله أوضته إزاي؟ لو أمي دخلت وشافت عمار هنا هتبقى فضيحة قد الدنيا.
_________________________________
في القاهرة – منزل طارق وهيام
كانت الساعة تقترب من الفجر، وصقر يجلس في غرفة المعيشة منتظرًا هيام بقلق واضح. الباب يُفتح أخيرًا، وتدخل هيام منهكة من يوم عمل طويل.
هيام (بتعب): ازيك يا صقر؟ عامل إيه؟ حمد لله على سلامتك.
صقر (بنبرة جادة): الله يسلمك. وانتي إن شاء الله كل يوم بترجعي في الوجت ده؟
هيام (بتبرير): شغلي يا صقر... ومستقبلي. أعمل إيه؟
صقر (بنظرة حادة): شغلك ينسيكي ولادك وبيتك؟
هيام : ماله بيتي؟ ومال ولادي؟ ما هما زي الفل أهو.
صقر : ولادك مش حاسين بوجودك، وناقصهم حاجات كتير.
هيام (بسخرية): ناقصهم إيه؟ ولادي في أحسن مدارس، وعندهم كل حاجة، وعندهم الدادة بتاعتهم.
صقر (مقاطعًا): والحياة مدارس ودادة؟ انتي فين من كل ده؟ وجوزك اللي مبتسأليش فيه؟
هيام (بحدة): انت قولت كل ده ومقولتش مستقبلي! وبعدين، هو لحق يشتكي لك؟ مش كفاية اشتكاني لبابا؟
صقر (بحزم): جوزك مشتكاش ، أنا اللي شفت بعيني. وعاوز أتحدد معاكي.
هيام : بعدين يا صقر... بعدين. أنا راجعة تعبانة.
صقر : بعدين إمتى؟
هيام : هاخد أجازة بكرا من المستشفى وأقعد معاكم براحتي.
صقر : إذا كان كده... ماشي.
هيام: عن إذنك بقى... أدخل أنام.
تتجه هيام إلى غرفتها، وصقر يتنهد بعمق ثم يعود هو الآخر إلى غرفته، وما زالت الأفكار تدور في رأسه.
_________________________________
في الصعيد – منزل جمريه
كانت جمريه تجلس في غرفتها شاردة، تحاول إيجاد حل للمأزق الذي وقعت فيه. نظرت حولها بخوف وقالت لنفسها:
جمريه: هعمل إيه؟ هنزله من هنا إزاي؟ أحسن حل إني أقفل على نفسي بالمفتاح وأقولهم إني تعبانة شوية.
في الطابق السفلي، استيقظت زبيده، ونظرت حولها باستغراب قبل أن تتحدث لنفسها.
زبيده: أمال البت جمريه دي منزلتش لحد دلوقت ليه؟
قطع حديثها صوت أمين وهو يدخل الغرفة.
أمين: عمار فين؟
زبيده: معرفش، لسه مجاش.
أمين: خلي يلف ورا الغوازي.
زبيده: أنا مش فايجالك دلوقتي.
تنادي زبيده على إحدى الخادمات التي تظهر بسرعة.
زبيده: روحي اندهي جمريه.
الخادمة: حاضر يا ست زبيده.
صعدت الخادمة إلى غرفة جمريه وطرقت الباب بهدوء.
الخادمة: يا ست جمريه، اصحي. الست زبيده عاوزاكي تحت.
جمريه: قولي لها إن حساسيه ضربت في جسمي وخايفة تكون من النوع المعدي، عشان كده جاعدة لحالي.
الخادمة: حاضر، ألف سلامة عليكي يا ست الناس.
نزلت الخادمة لتبلغ زبيده بما قالته جمريه.
زبيده: حساسية إيه دي؟ اسمعي يا بت، حطيلها الوكل في أطباج بلاستيك عشان بعد كده نرمي الأطباج.
الخادمة: حاضر يا ست زبيده.
تقول الخادمة لنفسها: أنا عمري ما شوفت أم جافية كده، كل اللي همها الأطباج مش بنتها.
قطعت زبيده حديثها فجأة.
زبيده: بس حضريلنا إحنا الأول نفطر.
حضرت الخادمة الفطور لهم ثم أخذت الفطور الخاص بجمريه وصعدت به إلى غرفتها. وقبل أن تصعد، نادتها زبيده.
زبيده: وريني واخده فطار إيه؟ وه وه كل ده أكل كتير عليها. خشي نجصي نصه.
الخادمة: حاضر يا ست زبيده.
تنقص الخادمة من الفطور ثم تصعد إلى غرفة جمريه وتطرق الباب.
الخادمة: الفطور يا ست جمريه، الست زبيده بتقولك بعد ما تاكلي، بالهنا حطي الأطباج في كيس عشان نرميهم.
جمريه: حاضر.
فتحت جمريه الباب، ثم نظرت إلى الطعام بحزن وقالت لنفسها: ياااه يا أمي، كل اللي همك الأطباج. فينك بس يا يوسف، تيجي تشوف حال أختك. ياااه، الوكل ده جليل جوي، أنا هسيبه لعمار أحسن عشان جرحه.
أيقظت عمار من نومه ببطء، ليستيقظ منهكًا.
عمار: أنا إيه اللي جابني هنا يا جمريه؟
جمريه: مش وقت الحديث ده، لازم تاكل عشان أنضفلك الجرح وتاخد علاجك.
عمار: حاضر، ناكلوا مع بعضينا.
جمريه: لا، أنا سبجتك وكلت. كل انت.
_________________________________
في القاهرة
صقر كان جالسًا في غرفة المعيشة ينتظر استيقاظ هيام، لكن بدلًا منها، وجد طارق يدخل.
طارق : انت اتأخرت قوي في النوم يا صقر.
صقر: والله ما نمت، مش جايلي نوم. جولت أستنى أما تصحوا عشان أكلم هيام. أنا اتكلمت معاها لما رجعت وجالتلي إنها هتاخد النهارده أجازة.
طارق : هيام؟ هيام مين اللي هتاخد أجازة؟ هي في شغلها من بدري.
صقر : إزاي ده؟ دي قالتلي إنها هتاخد أجازة وتقعد معانا.
طارق : بقالها سنين يا صقر بتقول كده.
صقر : يعني جصدك إنها بتضحك عليا؟
طارق: أنا مقولتش كده، بس هي بقالها سنين بتقول "هاخد أجازة" ومش بتاخد.
صقر: أنا هتصل بيها.
طارق: متحاولش، لأنها دايمًا مشغولة.
صقر: لا، أنا هكلمها.
يمسك صقر هاتفه ويتصل بهيام،
رأت هيام رقم صقر يظهر على هاتفها، فتنفست بملل.
هيام : يووه، عاوز إيه صقر؟ مش فاضية له، وهيفضل يقولي بيتك وعيالك. الأحسن أرد عشان مش هيبطل زن.
ترد هيام على الهاتف بنبرة باردة.
هيام: أيوة يا صقر.
صقر: مش قولتي هتاخدي أجازة النهارده وتقعدي معانا؟
هيام : جالي شغل مهم، أعمل إيه؟
صقر: وشغلك أهم من عيالك وجوزك؟
هيام: صقر، متدخلش في حياتي بعد إذنك. أنا عارفة أمشي حياتي إزاي.
يغلق صقر الهاتف في وجهها بغضب
طارق : مش أنا قلتلك؟ المهم يا صقر، إحنا لازم نسافر الصعيد ضروري.
صقر: ليه؟ فهمني.
طارق: لما نوصل البلد هقولك. أنا هجهز الأولاد، وانت جهز نفسك، وخلي عمي يجهز. أنا هبعت رسالة لهيام أعرفها إننا مسافرين.
يبعث طارق رسالة إلى هيام، وبعدما تقرأها، تتصل به سريعًا.
هيام: أنتو مسافرين الصعيد ليه؟ في حاجة؟
يمسك صقر الهاتف من يد طارق ويتحدث بنبرة حازمة.
صقر: ولادك أخدوا الأجازة، وهناخدهم يغيروا جو في البلد، وبالمرة أمك تشوف الأولاد. وانتي هتحصلينا.
هيام: أحصلكم فين؟ أنا مش هعرف آخد أجازات خالص. روحوا انتو، وابقوا سلمولي على ماما.
يغلق صقر الهاتف مرة أخرى في وجهها.
صقر : أنا لازم أروح لها المستشفى، هيام لازم تتعدل يا طارق.
طارق: مش وقته يا صقر، لازم نمشي.
صقر: مش فاهم، في إيه؟ بس هنجهز حالًا.
جهز الجميع حقائبهم للسفر، وكان الأولاد في غاية السعادة لأنهم سيذهبون إلى الصعيد. أثناء التحضير، دار حديث بين صقر والأولاد.
ياسين: خالو، ماما فين؟ مش هتسافر معانا؟
حور: ماما فاكرانا أصلًا؟ دي شكلها نسيت إن عندها أولاد.
طارق: وبعدين يا حور؟
الجد: ماما جاية ورانا يا ولاد.
يزن (بحزن): عادي يا جدو، إحنا اتعودنا على فراقها.
يحاول صقر التخفيف عنهم بابتسامة وهو يقود السيارة بنفسه.
صقر: أول ما نوصل البلد إن شاء الله، هفسحكم وأركبكم خيل، وهوريكم حاجات حلوة كتير.
الأولاد (بفرحة): بجد يا خالو؟
الجد: وكمان تجعدوا مع جدتكم، أكيد وحشتكم.
حور : تيتة نجاة شبه ماما، يبقى كده إحنا قاعدين مع تيتة وماما في نفس الوقت.
طارق (بضحك): بطلي لماضة يا حور.
_________________________________
في إيطاليا
كان ليو يجلس على مقعد خشبي في حديقة القصر، التي تمتد حتى تصل إلى البحر. الأمواج الهادئة تتكسر على الشاطئ في مشهد ساحر، لكن عينَي ليو كانتا شاردتين، وكأنه غارق في عالم آخر. تقترب منه لارا بخطوات هادئة وتحاول أن تجذب انتباهه.
لارا : النهارده قررت آخدك لمكان جديد. إيه رأيك؟... تنتظر قليلاً دون أن يرد، فتقول بصوت أعلى... ليو، بكلمك!
ليو : معلش، كنتِ بتقولي إيه؟
لارا : مالك؟ مش مركز معايا خالص اليومين دول.
ليو : مفيش... بس الكوابيس زادت و ..
لارا : افتكرت حاجة؟
ليو: مش عارف... بس الكوابيس شكلها ليها علاقة بحياتي. اللي بشوفها في الكوابيس بتصرخ وتقولي "أنقذني... أنقذني". تبقى مين؟
لارا (بفضول): طيب، شكلها إيه؟
ليو: مش فاكر شكلها كويس... بس كل مرة بشوفها، بلاقي حواليها تعابين، وأنا واقف متكتف مش قادر أتحرك، وهي بتندهلي تقولي "أنقذني".
تلتفت لارا بنظرة قلق نحو البحر للحظات، ثم تحاول أن تبدو غير مطمئنة وهي تتحدث.
لارا: خير يا ليو... متقلقش، يمكن دي مجرد أحلام ملهاش معنى.
في زاوية أخرى من الحديقة، قريبًا من بوابة القصر
(الحوار طبعا ايطالي احنا هنحكي بالمصري )
يجتمع مجموعة من الحراس تحت شجرة ضخمة، يتحدثون بصوت منخفض وهم يراقبون ليو عن بعد.
الحارس الأول : انتو مش ملاحظين إن الولد المصري ده، من ساعة ما جه، بقى كل الاهتمام حواليه؟ ياسر بيه والآنسة لارا مشغولين بيه طول الوقت. أنا متأكد إنه عامل علينا فيلم ومش فاقد الذاكرة ولا حاجة.
الحارس الثاني : أيوة، وكل يوم بيزيد اهتمامهم بيه. لو فضل كده مش بعيد ياخد كل حاجة .
الحارس الثالث (بتفكير): طيب اسمعوا، أنا عندي فكرة. نروح للمكان اللي خبطته فيه لارا بالعربية. أكيد هنلاقي هناك دليل يساعدنا نعرف هو مين.
الحارس الرابع (بحذر): بس لازم نتصرف بهدوء. لو بيترو عرف إننا بنحاول نكتشف حاجة عنه، مش هيتردد لحظة في تصفيته...
يهز البقية رؤوسهم بالموافقة، ثم ينصرفون في هدوء
_________________________________
في منتصف الليل، في الصعيد
كان أمين جالسًا على الكرسي في حجرة المعيشة، يدخن الأرجيله
أمين: حطيلي فحميتين على النار يا زبيدة.
زبيدة: ما فلحش غير في المدعوجة دي.
أمين: ما انتي طول عمرك بتخططي لكل حاجة، وأنا بس ماشي وراكي
تذهب زبيدة لتحضر الفحم بينما يظل أمين جالسًا
أمين: مرة عجربة... حرج أبو الي جابك! منك لله يا حمدان، لو مكنتش عملت تمثلية انك افتجرت مكنتش اطلجت وانا اتجوزتها ثم يضحك شكلك اتجنيت يا أمين، الله يجطعك يا زبيدة! وكمان مش عارف المدعوج عمار ده فينه
تعود زبيدة حاملة الفحم وتضعه على الأرجيلة.
زبيدة: ياكِ اتخليت يا أمين! عتحدد حالك؟
أمين: كنت عمال أسأل نفسي: الواد عمار فين دلوقتي؟
زبيدة: خد الولعة، اهيه.
تخرج زبيدة من الغرفة، لكن أمين ينادي عليها.
أمين: رايحة فين؟ تعالي هنا، بتك منزلتش النهارده من أوضتها، واصل ليه
زبيدة: جالت للخادمة إن عندها حساسية في جسمها.
أمين: وانتي طلعتِ لها واطمنتِ عليها؟
زبيدة: لأ، وإنت عايزني أتعدي؟
أمين: يا مرا يا هاملة، اطلعي اطمني على بتك!
زبيدة: ومن ميته بتهمك بتي؟
أمين: لا يا ناصحة، أنا عاوزها بس تحس إنك حنينة عليها، عشان نقدر ناخد كل اللي عاوزينه منها.
زبيدة: اجعد انت كركر في الجوزة، وأنا رايحة أنام.
تخرج زبيدة، وأمين ينظر إليها بغضب.
أمين: اتخمدي خمدة تخمدك في الندى بدري.
زبيدة وهي تتحدث مع نفسها: "أمين كلامه صح
تذهب زبيدة إلى غرفتها، وبينما هي في طريقها للصعود على السلم، تلتقي بجمريه وهي خارجة من الحمام متجهة لغرفتها.
زبيدة: فين الحساسية اللي بتقولي عليها؟ وشها زين اهو ، البت دي في سر وراها، ولازم أعرف في إيه.
زبيدة تصعد السلم بسرعة، ثم تفتح باب غرفة جمريه لتجد عمار مستلقيًا على السرير وجمريه واقفة بجواره.
زبيدة: يامرك يازبيده بتك حطت راسك في الطين.
•تابع الفصل التالي "رواية جمرية الصقر" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق