رواية ظلمها عشقا الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم فرح صالح
♡الفصل - التاسع والعشرون ♡
اقتربت كريمة من سماح ببطء ووقفت بجوارها تتململ فى وقفتها لاتدرى كيف تبدء الحديث وهى على وشك المغادرة هى واطفالها الى قرية والديها للبدء فى حياة جديدة لكنها لاتستطيع الخروج هكذا دون ان تحاول اصلاح ولو جزء مما اقترفته فى حقهم وظلت طوال الليل تعد ما ستقوله ترتب له جيداً..
ولكن حين حانت اللحظة هرب كل شيئ لتقف امامها تستجمع شجاعتها عدة لحظات تجاهلتها فيهم سماح تماما حتى استطاعت القول أخيراً بصوت خافت متردد
: سماح انا مش عاوزة قبل ما امشى تكونوا زعلانين منى..
ظلت سماح جالسة كما هى تتطلع امامها بجمود ولا يظهر على ملامح اى استجابة لتكمل كريمة برجاء وعتب
:طيب ردى عليا وكلمينى... متبقيش زى اختك فرح.
ابتسمت سماح ساخرة بمرارة قائلة
: انتى كمان زعلانة انها مش عاوزة تكلمك بعد ما جوزها كان هيروح فى داهية وانتى كنت عارفة وسكتى.
سحبت كريمة احد المقاعد تجلس عليه فى مقابلها وهى تقول برجاء
:طب اسمعينى بس.. انا والله ما كنت ناوية اعمل اللى ظاظا طلبه منى... انا كنت هاخد القرشين واخد عيالى واشوف مصلحتى بعيد عن هنا....
قاطعتها سماح ولاول مرة ترى كريمة هذا الوجه منها وهى تلتفت لها صارخة بكل الغضب ومرارة الخذلان والتى تشعر بهم فى هذه اللحظة
:مصلحتك على حساب اختى وبيتها؟!
...مجاش فى بالم وانتى بتفكرى فى نفسك تفكرى فيها وفى اللى هيحصل لها لو ظاظا قدر ينفذ اللى عاوزه بحد تانى غيرك... ده حتى مش بعيد يبقى جوزك.. وزى ما عملها مرة يعملها تانى وتالت.
شحب وجه كريمة تحاول الحديث والبحث عن كلمات تدافع بها عن تفكيرها الانانى لكنها لم تجد فتطبق فمها وتحنى رأسها من خزى فعلتها لتبسم سماح قائلة بسخرية
: اخدتى بالك دلوقت صح.... فكرتى فيها وفى اللى كان هيحصل...
تغيرت نبرتها تختنق بغصة البكاء قائلة لها بخيبة امل
: طب كنتى على الاقل تعالى ونبهينى للى بيحصل ولا عرفى فرح وبلاش تقولى لصالح لو كنت خايفة منه... بس لا انتى اتسعرتى اول ما شوفتى الفلوس ونسيتى كل حاجة الا نفسك وبس.
رفعت كريمة وجهها وعينيها مغرووقة بالدموع قائلة بندم وبصوت متحشرج
: كان نفسى ابعد عن هنا... كان نفسى ولادى مايشفوش اللى انت وفرح شوفتوه بالعيشة هنا.
نهضت سماح واقفة ببطء قائلة وهى تتطلع نحوها بحسرة والم
:وهو حصل ياكريمة وربنا يهنيكى فى حياتك.. بس عاوزة اقولك ان برغم كل اللى شوفته انا وفرح فى عشتنا مع جوزك عمرنا ما فكرنا نسيب هنا ونبعد .
عارفة ليه؟! علشانك ياكريمة...علشان منسبش اخت تانية لينا..اخت باعتنا فى اقرب فرصة من غير تفكر ثانية واحدة غير فى نفسها.
رفعت كفيها بتحذير لها حين نهضت كريمة من مقعدها تحاول التقدم منها قائلة برجاء وصوت مرتعش
: انسى ياكريمة وعيشى حياتك زى مانتى كنت عاوزة وانسينى وانسى فرح احنا خلاص مبقاش لينا حد
سارت بأتجاه غرفتها عدة خطوات
لكنها توقفت تلتفت نحوها مرة اخرى تبتسم بضعف ومرارة قائلة
:اه عوزة اقولك اللى شوفته انا وفرح وخلاكى عاوزة تهربى منه لسه بنشوفه وبنعانى منه لحد النهاردة.
دخلت غرفتها تغلق بابها خلفها وتضعه حاجز بينها وبين انسانة كانت اعز الاشخاص اليها لتنهار كريمة فى البكاء يصل صوتها الى سماح والتى وقفت خلف الباب تستمع اليها لكنها لم تجد فى نفسها القدرة على الغفران او مسامحتها ربما فيما بعد قد تستطيع الايام رأب هذا الصدع بينهم وتعود النفوس الى ماكانت عليه يوما ما.
********************
يومين وهو ينتظر فى محله يتأكله القلق والرعب حاول فيهم الوصول الى ذلك الاحمق وزوجته بعد ان تقطعت به كل السبل للوصول اليهم فقد اختفى مليجى فى اليوم الثانى من تهديده له ووزوجته هى الاخرى قد اغلقت هاتفها ولا يستطيع الوصول اليها من خلاله.
فكر ان يبعث اليها باحد يسأل عنها فى منزلها لكنه يخاف ان ينكشف امره ويدرك احد صلته بها لذا فضل فتح محله كما يفعل كل يوم والتصرف بطبيعية حتى تتضح لها الامور وعلى ضوئها يستطيع التصرف
مرت ساعة اخرى عليه قضاها فى قلقه وافكاره حتى قرر النهوض والذهاب للجلوس على المقهى المجاور لمحل صالح لعله يلمح اويستمع شيئ مما يدور وبالفعل تقدم بخطوات حتى الباب الخارجى يلقى للعامل لديه بعدة اوامر وهو فى طريقه ليصدم جسده بأخر شخص تمنى لقائه فى هذا اللحظة وهو صالح والذى ابتسم بسخرية ونظرات عينيه ثابتة لكنها أيضاً خبيثة غامضة وهو يتحدث اليه قائلة بنرة عادية مرحة
:على فين كده يا معلم...دانا كنت عاوز فى كلمتين.
صدم انور لاا بل صعق حرفيا وقد ارتعبت ملامحه تفر الدماء من جسده وعينيه تتطلع نحو صالح المبتسم بهدوء واستمتاع كأنه قط وقد اوقع فأر فى احدى الاركان حتى يستمتع باللعب معه قبل الانقضاض عليه
وهو يتحدث قائلا ببطء وعينيه تطلق له بالتحذير وهو يمد يده نحو ياقة قميص انور يعبث بها
: بس لو مشغول ولا وراك مشوار مهم انا ممكن اجيلك وقت تانى.
وجد انور نفسه يهز رأسه بالرفض دون شعور برغم مطالبة عقله له بالفرار والتحجج بأنه لديه بالفعل عمل ما يستدعى رحيله لتتسع ابتسامة صالح وتصبح ابتسامة ذئبية قائلا
: حلو اووى... يبقى اتفضل يا معلم انور واقعد على مكتبك خلينا نقول الكلمتين.
اومأ انور له رأسه كالمغيب يتراجع بظهره للخلف ومع تقدم صالح بخطواته حتى وصل اخيرا لمكتبه يلتف حوله جالسا على المقعد خلف بقوة بعد ان اصبحت قدميه كالهلام لا تقوى على حمله.
يتابع جلوس صالح المسترخى فوق المقعد المقابل له ويقوم بأشعال لفافة تبغ بهدوء وتركيز شديد قبل ان يتحدث أخيراً بنبرة عادية
: قولى يا انور... زعلت على فلوسك اللى راحت منك والقلم بتاع الست كريمة ولا لا.
اهتز جسده بعنف كمن ضربته صاعقة من مباغتة صالح له فقد ظن انه سيراوغ فى البداية ويعطى له الفرصة لتغطية على فعلته والبحث عن مخرج لكنه لم يمهل الوقت بل سدد له الضربة فى مقتل وجعله لا يستطع حتى ان ينبث بلفظ واحد وهو يستمر فى هجومه دون رحمة يكمل قائلا دون ان ينتظر ردا على سؤاله
: اكيد طبعا زعلت ده مبلغ برضه مش قليل.. انا لو مكانك كنت هزعل اكيد.
ازدرد انور لعابه بصعوبة يتصبب جبينه بالعرق حتى سال على وجهه يحاول التحدث فخرج صوته مرتعش خافت
:انا..مش عارف انت بتتكلم عن ايه...يا صالح بالظبط.
تراجع صالح براحة للخلف فى مقعده قائلا بصوت غير مبالى وهو ينظر لطرف سيجارته
:بس انا عارف يا انور... وجاى النهاردة علشان نخلص كل حاجة بينا ونقفل عليه الموضوع ده خالص.
هم انور بالانكار مرة اخرى بعدم معرفته عن اى شيئ يتكلم لكن لم يمهله صالح الفرصة ينقض عليه يجذب فوق المكتب من قميصه نحوه حتى تقابلت الاوجه والاعين تتصادم واحدة بنظرات مرتعبة واخرى شرسة قاسية يفح صاحبها من بين انفاسه
: ما قولت لك انا جاى احل واخلص... يبقى تجيلى دوغرى كده وبلاش شغل اللوع بتاعك ده معايا..ها قلت ايه.
اومأ له انور له بالموافقة بسرعة وخوف جعل ابتسامة صالح ترتسم فوق شفتيه يرفع كفه يربت فوق وجنة انور بقوة قائلا
:جدع يا انور.. كده نبقى حبايب
تركه وعاود الجلوس فى مقعده قائلا
:هااا تحب تبتدى منين بقى...انا بقول من الاول من يوم ما طلبت ايد فرح وهى رفضتك.
هز انور رأسه بالموافقة يزدرد لعابه مرة اخرى وهو يحاول استجماع شجاعته ثم يشرع فى اخباره بكل مافعله من يومها وحتى وقتهم هذا بينما جلس صالح بهدوء و اتزان بعكس ما يثور بداخله فى تلك اللحظة حتى انتهى انور اخيرا من قص كل ماحدث يتنفس بسرعة وخوف فى انتظار رد فعل صالح.
ولكن صالح سأله سؤال واحد فقط كان هو الوحيد الذى يحتاج الى اجابته فقد كان على علم بكل ما سبق الا هذا
:مليجى عرف منين انى مبخلفش.. ومتقولش بنات اخته علشان انا عارف ان ده محصلش.
ازداد وجه انور شحوبا من لهجة صالح التحذيرة قائلا وهو يرتجف وبصوت مختنق
:انور مكنش يعرف.. انا..اللى قلت كده...علشان...علشان...
نهض صالح من مقعده ببطء يكمل بدلا عنه بخشونة وقسوة
: علشان افتكر ان فرح او سماح هما اللى عرفوا خالهم مش كده يا انور.
ارتعش جسده وينتفض فوق مقعده وهو ينظر الى صالح بتضرع ورجاء يهتف
: الشيطان والله اللى لعب بيا...انا مش عارف انا عملت كل ده ازى... الشيطان صورلى ان.. ان فرح لو سابتك ممكن تحبنى زى مانا كمان بحب .....
فح صالح من بين انفاسه يوقفه وقد احتقن وجهه بشدة وعينيه تزداد شراستها
:اخرس... متكملش... الا لو عاوز لسانك ده يتقطع ويترمى تحت رجليك ويتقطع معاه حاجة تانية.
ضم انور قدميه بحماية يرتجف من كلمات صالح وهو يعلم بأنها ليست بتهديد فارغ يصرخ بأرتعاب
:هسكت خالص والله مش هتسمع ليا صوت تانى... اقولك انا هسيب المحل والحارة كلها وننسى كل اللى حصل.و اهو الحمد لله عدت على خير... وانت كويس والدنيا معاك تمام.. قلت ايه يا صالح.
لم يجيبه صالح بل نهض على قدميه يخرج هاتفه من جيبه بعد ان وصلته رسالة تطلع اليها ثم وضعه فى جيبه يتجه بعدها نحو الباب قائلا
: مستعجلش على ردى يا انور... هيوصلك هيوصلك.
سار حتى الباب الخارجى تحت نظرات انور الزائغة المرتعبة وقبل بلوغه بخطوة التفت اليه فجأة يخرج من الجيب الخاص بسترته لفافة القاها نحوه فورا قائلا
: انور الامانة دى تخصك... اظن اننت عارف هى فيها ايه.
تلقفها انور بين يديه ينظر اليها كأنها قنبلة موقوتة برغم علمه على ما تحتويه ثم يضعها امامه شاردا عن خروج صالح من المحل ووقوفه خارجه بعدة خطوات كأنه فى انتظار حدوث شيئ ما .. حتى تعالت صوت سرينة سيارة الشرطة معها ابتسامته الواثقة وهو يقف يتابع مع عدد من اهالى الحارة خروج رجال الشرطة منها ثم يسرعوا للدخول الى محل انور ما هى سوى لحظات حتى خرجوا بعدها ومعهم انور مسحوب من ياقة قميصه وهو يصرخ يستطعفهم ويترجاهم ان يتركوه حتى وقعت عينيه على صالح يرى فى عينيه وعلى وجهه القاسى رده على سؤاله له منذ قليل يدرك بأنه اذاقه من نفس الكأس قد حاول ان يذيقه منه منذ ايام وفشل.
بعدها جلس صالح ومعه عادل والذى اخذ يتحدث فى هاتفه عدة لحظات قبل ان ينهى المكالمة يلتفت الى صالح قائلا
:كده انور راح فى ستين داهية اقل ما فيها ١٥ سنة سجن اشغال بعد البلاوى اللى لقوها فى الشقة اياها.
سأله صالح بأهتمام
:طب مليجى كان موجود ساعتها
هز عادل رأسه بالنفى ليتنهد صالح براحة ليكمل عادل قائلا
:بس طبعا لسه قضية البلاغ الكاذب.. دى فيها حبس وغرامة.
هز صالح رأسه بعدم اكتراث قائلا
: مش مشكلة وهو يتربى يمكن يمشى عدل بعدها....
تصاعد صوت هاتفه مقاطعا حديثه ليخرج من جيبه يفتح الاتصال ويجيب بهدوء قائلا
:ايوه ياحسن...تحت هكون فين يعنى... طب حاضر طالع... خلاص يا حسن قلت طالع.
انهى الاتصال يلقى بالهاتف فوق المكتب عاقدا حاحبيه بتفكير ليسأله عادل بقلق
: حصل حاجة يا صالح ولا ايه؟
هز صالح رأسه بالنفى قائلا
: لاا ده الحاج عاوزنى اطلع علشان مستنيتى...
نهض عادل من مقعده وهو يتحدث قائلا بهدوء
: طب قوم اطلع... ونبقى نتقابل بليل
هز له صالح رأسه بعقل شارد ولم يلاحظ تردد عادل وتوتره فى وقفته قبل ان يكمل قائلا بأضطراب
: كنت عاوز اكلمك فى موضوعى انا و....
ازاد اضطرابه وارتباكه يشعر صالح بالشفقة عليه وهو ينهض عن مقعده ويقترب منه مربتا فوق كتفه قائلا بلين
:عارف ياعادل انت عاوز تتكلم عن مين..بس زى ما قلتلك الموضوع مش سهل خصوصا بعد اللى حصل بينك وبين ياسمين وهى عارفة ده وعاملة حسابه...
اومأ عادل له قائلا بصوت حزين
:وانا كمان عارف..انا اصلا مش مصدق نفسى ان بطلب منك انت تساعدنى..بس اعمل ايه مفيش حد تانى ادامى.
زفر صالح بقوة يربت فوق كتف صديقه لا يعلم كيف له ان يهون عليه فقد كان هو الاخر فى موقف لا يحسد عليه قائلا برفق
:هتتحل يا عادل...كل حاجة وليها وقت وبعد كده بتتنسى والدنيا بتمشى .. بس الصبر.
لم يجد عادل ما بجيب به يعلم بصدق حديثه فليس امامه سوى التمهل والصبر ولعل بعدها الفرج قريب يكافئ بمراده وقتها.
----
_______________
•تابع الفصل التالي "رواية ظلمها عشقا" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق