Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية صرخات انثى الفصل الثامن و الخمسون 58 - بقلم اية محمد

 رواية صرخات انثى الفصل الثامن و الخمسون 58 - بقلم اية محمد 

(إهداء الفصل للقارئات الغاليات "حنان الوصيف"  ،"آية أبو جاد"،"اسراء عزت عامر"،"Hamz wmaryam "،"HALA SABER"،"سلمى محمد"،"أسماء أشرف"،"حبيبة أحمد"،"جيهان علي"،"سمر محمد" ، شكرًا جزيلًا على دعمكم المتواصل لي، وبتمنى أكون دائمًا عند حسن ظنكم..بحبكم في الله...قراءة ممتعة 💙)

حاولت أن تدفعه عنها بكل قوتها، ولكنها هزيلة أمامه مهما حاولت، قوتها كأنثى لا تضاهي قوة جسده الذكوري، أغلقت "زينب" عينيها مستسلمة لمصيرٍ قاسٍ ينتظرها، تركته يمسك يدها وهي تعلم بأنه يتعمد احداث اصابة بنفس المكان الذي إلتف معصم "سيف" من حولها. 

ترقبت لحظة مس يدها بالماء المعتج بالنيران، فلم تشعر بقطراته ولا بيد هذا اللعين تحيطها، أبعدت كفها الرقيق عن وجهها لتتفحص الجزء الأمامي للسيارة، فوجدت بابها مفتوح على مصرعيه وأحدهم يلقي بالسائق أرضًا ويكيل له اللكمات القاسية. 

ارتعش جسدها بعنفٍ، وحاولت فتح الباب الموصود جوارها ولكنه لم يفتح، ومع محاولاتها المستميتة تمكنت أخيرًا من العبور خارجًا. 

كادت أن تلوذ بالفرار من ذلك الشارع المظلم ولكنه توقفت فور أن تمعنت بظهر المستلقي فوق الرجل، تعرفت على جاكيته الأزرق المميز، مرددة بهمسٍ منخفض: 
_سيف! 

ناله لكمة أخيرة أفقده بها الوعي ووقف يجذب كتبه الملقاة أرضًا، وقبل أن يمر إليها ركله ببطنه بعنفوانٍ. 

اقترب منها يسألها وهو يتفحصها بلهفةٍ: 
_حاجة وقعت عليكي؟!   طمنيني! 

نفت بهزة بسيطة من رأسها، بينما البكاء يفترسها، وعينيها لا تفارق مقعد السائق الذي انتزعت المياه جلده المتين لحظة سحب سيف له للخارج فسُكب محتوياته عليه، متخيلة ماذا كان سيصيبها إن لفحتها تلك المياه الحارقة. 

اجتاحها فكرة الفرار من كل ما يحيط بها، استدارت زينب وأطلقت لساقيها العنان، تاركة سيف يراقبها بدهشةٍ، فانحنى يجمع أغراضه وكتبها وحقيبتها الملقية أرضًا، أسرع خلفها يناديها وكأنها باتت صماء لا تسمعه من مسافته القريبة منها. 

قبض على معصمها يوقفها صارخًا بها: 
_ممكن تقفي وتكلميني مستحيل بعد اللي حصل ده أسيبك تروحي لوحدك، أنا هوصلك. 

هزت رأسها بجنونٍ وكلمات "يمان" تسيطر عليها كالتعويذة السحرية: 
_لأ... لأ...إبعد عني... متقربليش تاني هيقتلني!!  

وتابعت وهي تنفض كفه عن ذراعها: 
_ابعد عني!! 

ارتعش جسدها لدرجة خيل لها بأنها لن تقوى أن تتقدم خطوة أخرى، فجلست على مقاعد المرور المنجرفة بجانب الطريق، تنحني بجسدها على ذراعيها، تبكي بحرقة ولسانها يهمس: 
_مش عايز يسبني في حالي ليه؟!!   الحب مش بالعافية!  أنا محبتهوش ولا قادرة أحبه، قلبي اختار شخص غيره هيفهمها ازاي!!!!! 

جلس سيف على مقربة منها، وتغاضى عما مروا به وما سيخوضه لاجلها، وبالاحرى لا يعنيه حتى وإن قتل، تستحق أن يهدر روحه لاجلها، فشاكسها ببسمته وسؤاله المخجل: 
_مين الشخص اللي اختاره قلبك؟ 

رفعت عينيها إليه مندهشة من ابتسامته ونظراته المتغزلة بها غير مبالي بما مروا به منذ قليل! 

أزاحت زينب دموعها بأصابعها ونهضت تتجه إليه، تقابله بجلسته: 
_سيف أنت لازم تبعد عني، يمان مبعدش زي ما توقعنا، كلمني فيديو على موبيل السواق اللي ركبت معاه، يمان محاصرني ومش هيتخلى عني بسهولة. 

نهض قبالتها يهدر منفعلًا: 
_ولا أنا هسيبك يا زينب، والكلب ده مهما حاول يفرقنا مش هديله الفرصة ينجح بده 

رفعت كفيها تحتضن وجهها، تردد ببكاءٍ: 
_لو اتاخرت كان شوهني. 

رق قلبه لها، فوقف عاجزًا عن احتوائها بين ذراعيه عساها تستمد الأمان منه، ولكنه مازال يحافظ على مسافته بينهما قائلًا بحب: 
_زي ما حميتك دلوقتي هحميكِ منه، عيني هتكون دايمًا عليكِ. 

وتابع وهو يراقب وجهها بعشقٍ بعدما أبعد كفيها: 
_لو محاولاته نجحت ترعبك بالشكل ده فأنتِ بتحقيقله اللي هو عايزه يا زبنب، انسيه وفكري في اللي إنتِ عايزاه، وأنا أوعدك إني هكون جنبك ومش هتخلى عنك أبدًا.. 

تعمق بعينيها الساطعة بحبه، وعينيه تضمها داخلها بحنانٍ، فنطق بترقبٍ وخوفٍ: 
_موافقة نواجه الحقير ده وإنتِ مراتي وعلى ذمتي يا دكتورة؟ 

رفرفت بأهدابها الثقيلة من دموعها بارتباكٍ، تركته وتوجهت للمقعد مجددًا، فأغلق عينيه بحزنٍ على حالتها، لا يعلم إن لم يلاحظ نظرات هذا السائق الوضيع وانجراف السيارة عن طريق منزلها ماذا كان سيحدث لها؟ 

أفاق من شروده على صوتها الذي تحرر أخيرًا: 
_مفيش داعي إننا نعمل فرح، ولو هنكتب كتابنا يكون في السر عشان ميحسش بينا. 

ابتهجت معالمه بفرحة، فاتجه يجلس جوارها، متسائلًا بضيق: 
_مش عايزة فرح؟!!

هزت رأسها تنفي اقتراحه، فتابع باستغراب: 
_ليه يا زينب؟ 

اجابته ببكاء وهي تحاول السيطرة على رعشة ذراعيها: 
_مش عايزاه يعرف بحاجة يا سيف، كده أفضل، أنا هبلغ قراري لعلي وإنت كلمه ورتب معاه. 

ردد بحزنٍ: 
_بس أنا مش موافق على قرارك ده يا زينب، إنتِ مش ناقصك حاجة عن البنات عشان معملكيش فرح وآ.. 

قاطعته بحزمٍ: 
_سيف من فضلك أنا مش عايزة أعمل فرح، مش هقدر أكون مبسوطة وأنا عارفة إنه في لحظة ممكن يبوظ الفرح أو يعمل أي شيء يخليه أسوء ذكرى ليا.. أنا عايزة أكون معاك فخلينا نتمم كل حاجة في السر. 

تفهم سبب خوفها، وبعد تفكيرًا وجد أنه الحل الأنسب، فازدرد ريقه هادرًا: 
_زي ما تحبي، المهم تكوني مرتاحة وسعيدة. 

وتابع بهدوءٍ: 
_يوسف كان واخدلي شقة جنبه في العمارة اللي اتجوز فيها هو ودكتورة ليلى، هي جاهزة بس ناقصها شوية حاجات. 

رددت دون مبالاة: 
_مش مهم، هنبقى نجهزها مع بعض بعد الجواز. 

وأي سعادة ستطوف به بعد سماع اصرارها ورغبتها بالبقاء معه، منحها ابتسامة جعلتها لا تود ترك ضمة عينيه العاشقة، تطالبه بأن يكون لجوارها، يحطم تلك الحواجز لتصبح زوجته. 

رافقها حتى المنزل، وأصر على مقابلة علي وعمران وأخبرهما على ما حدث، ورغبة زينب بأن يتم الزواج سريعًا بسرية تامة، فاتفقوا على أن يتم الزواج بعد ثلاثة أيام من الآن، بعد أن تأكد علي من رغبتها في ذلك. 
                              ******
بقيت الحاجة "رقية" برفقة "خديجة"، وعاد"يونس" و"آيوب" للمنزل، صعد متلهفًا للقاء ابنه، جذب مفتاح المنزل من ابن عمه ليفتحه سريعًا، وولج يناديه بلهفةٍ: 
_فــــــــارس! 

إلتقطت أذنيه صوت الشيخ مهران يرتل القرآن الكريم بصوته الخاشع، فاتبعه حتى وصل لغرفة الضيافة ومن خلفه آيوب، فوجده يجلس أرضًا ومن أمامه آديرا وفارس، يستمعون إليه بانصاتٍ تام. 

تنحنح يونس بخشونةٍ وتراجع للخلف فور رؤيتها، بينما استكمل آيوب طريقه للداخل بابتسامةٍ تسللت إليه، فوقف يتابع أبيه وهو يبدأ بأول دروسه عن الدين الاسلامي لها، وللعجب يراها تنصت باهتمامٍ وانبهارًا تام، عينيه غائرة بدموعٍ وابتسامة لا تفارق شفتيها. 

وفور أن انتهى من حديثه المسموع لها عبر السماعة قالت بتردد واضح: 
_سيدي الشيخ كيف أثق إن دينكم هو الدين الحق؟  

وبارتباكٍ استكملت: 
_أنا لا أقصد اهانتك ولكني أخشى أن أكون مخطئة، حسنًا أن أشعر براحة غريبة من اتخاذ قرارًا مثل هذا، ربما لإنني تأثرت بأيوب وربما لرغبتي بالالتحاق بالدين الذي مات عليه أخي وقد تحمل ظلم عمي ليبقى عليه ولكن آآ.. 

قاطعها الشيخ مهران وابتسامته البشوشة لا تفارقه: 
_فاهم يا بنتي، عشان كده هجاوبك بآيات من القرآن الكريم  ، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19]. وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [آل عمران: 85].

فالإسلامُ دين جميع الأنبياء والمرسلين، وإن اختلفت شرائعهم وأحكامهم، فإنّهم متفقون على الأصل الأول، وهو التوحيد والإسلام، فمثلاً:

أخبر الله عن نوح عليه السلام: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ *} [يونس :72].

وأخبر عن إبراهيم عليه السلام: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *} [البقرة :131].

وأخبر عن موسى عليه السلام: {يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ *} [يونس :84].

وأخبر عن حواريي المسيح: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا واشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ *} [المائدة :111].

وأخبر عن سليمان عليه السلام على لسان ملكة سبأ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [النمل :44].

وأخبر سبحانه وتعالى عن الأنبياء الذين تقدموا: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة :44].

واستطرد باستفاضة: 
_ أصل الدين واحدٌ، بعث الله به الأنبياء والمرسلين جميعاً، واتفقت دعوتهم إليه، وتوحّدت سبيلهم عليه، وإنّما التعدّد في شرائعهم المتفرعة عنه، وجعلهم الله سبحانه وسائطَ بينه وبين عباده في تعريفهم بذلك، ودلالتهم عليه، لمعرفة ما ينفعهم وما يضرّهم، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، بُعثوا جميعاً بالدّين الجامع، الذي هو عبادةُ اللهِ وحده، لا شريك له، بالدعوة إلى توحيد الله، والاستمساك بحبله المتين، وبُعثوا للتعريف بالطريق الموصل إليه، وبُعثوا ببيان حالهم بعد الوصول إليه، فاتّحدت دعوتهم  الله تعالى في إثبات التوحيد، وتقريره، وعبادة الله وحده لا شريك له ، وترك عبادة ما سواه ، فالتوحيدُ دينُ العالم بأسره من آدم إلى آخر نفسٍ منفوسةٍ من هذه الأمة.

بدت حائرة غير مستوعبة لما قاله، فتسائلت بأكثر ما يتردد لها: 
_هل يقبل الله توبتي يا عم الشيخ؟ 

ابتسم الشيخ مهران وقال: 
_ربنا سبحانه وتعالى عمره ما قفل باب التوبة في وش عبد من عباده يا بنتي، قال سبحانه وتعالى
بسم الله الرحمن الرحيم 
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَـٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. 
صدق الله العظيم. 

ارتاح بالها واطمئنت لما أقدمت عليه، فقالت بحماسٍ: 
_علمني كيف أصلي؟ 

ابتسم الصغير وقال: 
_جدو هي ازاي مش بتعرف تصلي!!  أنا أصغر منها بكتير وبعرف، أنا شاطر عنها. 

ضمه الشيخ بين ذراعيه وقال: 
_واحنا هنعلمها مع بعض يا فارس بس لما عمك آيوب يرجع ويعلمها ازاي تتوضى وتغتسل. 

تجهمت تعابيرها وأردفت بحزنٍ: 
_وإلى متى سأنتظر؟ 

اقتحم صوت آيوب مجلسهم: 
_لن أدعكِ تنتظري بعد الآن، هيا لنذهب. 

اتسعت ابتسامتها بفرحةٍ، وهمست بحبٍ ملحوظ للشيخ مهران: 
_آيوب!  

نهضت واتجهت إليه فقال: 
_انتظريني بغرفتي، سأنضم إليكِ بعد قليل. 

هزت رأسها في طاعةٍ واتجهت للغرفة، حرك آيوب يده على شعر الصغير وقال: 
_عمو يونس عايزك ومستنيك قدام الباب

كشر الصغير ولوى شفتيه بغضب: 
_مش طالع ومش عايز أتكلم معاه تاني.

نهض الشيخ مهران واتجه إليهما يعاتبه بلطف: 
_ميصحش كده يا فارس، احترم الأكبر منك ده اللي علمتهولك في دروس القرآن؟  

أخفض وجهه بحزنٍ، وقال: 
_حاضر يا جدو هروح أشوفه. 

قبل وجنته بحنان: 
_روح يا حبيبي. 

غادر أمامهما فتابعه الشيخ مرددًا بحزن: 
_ربنا يصلح لك الحال يا يونس يا ابني. 

واستدار لابنه فوجده مرتبكًا للغاية، وما أن تلاقت أعينهما حتى نطق بتوتر: 
_مش جاهز أواجهها بالحقيقة دلوقتي، خايف الموضوع يقصر فيها لما تعرف إن عمها قتل أمها وأبوها. 

أجابه بحزمٍ ينهي تردده: 
_لازم تعرف أصلها يابني، إنت مخبي عنها ديانتها وحقيقتها، إنت سمعت بنفسك إنها لسه مترددة من قرارها لازم تأكد لها إنها مش عبرية الأصل. 

ورفع يده يمسك كتفه بقوة وابتسامة أدهشت آيوب: 
_عايزك تجهز شقتك اللي فوق، عشان بعد امتحانانك نعمل فرح اسلامي في الحارة وربنا يكرم وصاحبك يقدر يخلص موضوع معتز لو كده نخلي الفرحة فرحتين بعد ما عدة خديجة تخلص. 

وتابع بدهشة: 
_سبحان الله ربنا عادل، معتز حبس يونس واستني لحد ما خديجة ولدت وخلصت عدتها  واتجوزها والزمن يعيد نفسه ويتحبس هو ويرجع الحق لصاحبه! 

كان شاردًا لا يستمع لما يقول، يتوقف استيعابه عند أول جملة نطق بها الشيخ مهران، فلعق شفتيه الجافة متسائلًا: 
_أجهز شقتي لمين؟ 

منع تلك الابتسامة من الظهور، وبجدية تامة قال: 
_لمراتك والا هتفضلوا قاعدين هنا معانا، لو هي موافقة أنا معنديش مشكلة. 

وكأنه أصابته لعنة الغباء بهذا اليوم، فقال بدهشة: 
_هنا فين!!  يا عم الشيخ أنا حكيتلك طبيعة العلاقة بينا! 

تهدلت شفتيه بابتسامةٍ هادئة، ورد عليه: 
_لما حكيتلي اللي حصل مع أهلها واسمها الحقيقي شوفت رؤيا ليكم في بيت ربنا، "سدن" نصيبك يابني. 

كان أبيه صالحًا، أحلامه أغلبها يتحقق، والآن يخبره بأن رؤيته قد جمعته بسدن زوجة له، فتخلد يقينه بأنها ستكون إليه سكنًا ومسكنًا. 

ثقة حديث الشيخ مهران أكدت لآيوب رضاه التام عن زيجته، ربما لمس معدن سدن الذي التمسه آيوب منذ رؤيتها لأول مرة. 

إتجه للغرفة فوجدها تنتظره ومازالت ترتدي اسدالها، فأشمر عن ساعديه وأخبرها أن تلحقه للمرحاض ليعلمها أول خطوات الوضوء. 

                             *******
وجده يستند على درابزين الدرج، فدنى إليه يربع يديه أمام صدره وبنزقٍ قال: 
_نعم آيوب قال إنك عايزيني! 

استدار خلفه بلهفة وابتسامة واسعة، انحنى إليه يجذبه بقوةٍ لصدره ويده تحتوي رقبته ليضمن عدم ابتعاده عنه، همس بصوتٍ احتقنته الدموع: 
_فارس!!  

انصاع الصغير أمام ضمته الحنونة، فلف ذراعيه حوله رغم استيائه منه، طالت بهما الدقائق، فأزاح يُونس دموعه وتلبس الثبات راسمًا ابتسامة عذباء يقابله بها، وهو يرفع إليه كيس بلاستيكي ممتلئ بالحلويات والعصائر المعلبة قائلًا: 
_جبتلك كل الحاجة حلوة اللي بتحبها. 

شمل بصر الصغير ما يحمله بدون اهتمام، وقال بوجومٍ: 
_شكرًا مش عايز حاجة.

استدار ليغادر، فأوقفه يونس وأعاده إليه قائلًا بحزنٍ: 
_أنا عارف إنك زعلان مني عشان اللي حصل، بس أنا مسبتهوش وأخدت حق مامتك منه، انت كنت واقف وشوفت. 

طالعه بنظرة أوجعت يونس وقال: 
_عشان كده أنا طلعت أشوفك عايز أيه، بس أنا لسه زعلان منك ومن كلامك. 

أخفض يونس رأسه أرضًا بحرجٍ منه، رفع كفيه الصغيران يقبلهما وهو يردد: 
_أنا آسف، متزعلش مني. 

انسدلت دموع الصغير وقال ليصدمه:
_مش عايزك تكون زيه عشان ماما بتحبك ولو عملت زيه هتكرهك يا بابا. 

أطاحته صدمة مهلكة، رغم حلاوة كلمته، فرفع يديه يضم وجهه ودموعه تغزو لتغرق وجهه: 
_بابا!!  إنت عارف؟!!!! 

هز الصغير رأسه وقال: 
_ديجا قالتلي من أول ما رجعت هنا بس أنا وعدتها إني مش هقولك حاجة لحد ما هي تقولك. 

جذبه لاحضانه بقوة وتحرر صوت بكائه المدفون، هامسًا بانكسار: 
_ياريتك اتكلمت وقولتلي.. 

وتابع وهو يمسد على ظهره بحنان: 
_عمري ما هبعد عنك أبدًا، هعوضك عن كل اللي شوفته مع الكلب ده، إنت عوضي بعد سنين العذاب اللي قضتها جوه الحبس يا فارس. 

وابتعد يقبل وجهه بحنان ويعيده لصدره بقوةٍ، ثم حمله بين ذراعيه وجذب الكيس البلاستيكي: 
_مش هتخلى عنك أبدًا، مكانا مع بعض... هتقعد معايا فوق. 

تعلق برقبته وفور سماع ما قال ردد بتوترٍ: 
_وماما؟ 

منحه ابتسامة هادئة، وقبل رأسه مردفًا: 
_ماما بعد ما تخرج من المستشفى هتفضل  هنا عند جدو الشيخ مهران لحد ما نشتري أنا وانت عفش جديد ونجدد البيت اللي هنقعد فيه كلنا مع بعض. 

وسأله بمكر: 
_ها هتكون راجل وتساعد أبوك ولا هتبقى طفل صغير لازق في أمه ومش عايز يسيبها. 

أجابه بحماس وهو يضمه بقوة: 
_لا هكون راجل وهساعدك. 

ربت على ظهره بحب، وصعد به للأعلى. 
                       *******
 
وقفت خلفه تقلد حركاته وتردد الآيات القصيرة التي عاونتها الحاجة رقية وخديجة بحفظها، وما أن انحنى آيوب ساجدًا، اتبعت حركته لتزيد تلك القشعرة والرجفة التي لمست قلبها وضربته في مقتلٍ، ذبذبة أرغمتها على البكاء، لمست الخشوع التام والقناعة بأنها تقف الآن بين يد الله عز وجل. 

انتهت صلاتهما فاستدار آيوب للخلف، فوجد عينيها انتفخت من البكاء ووجهها تطوفه حمرة جعلتها رقيقة للغاية، الآن بات يتمعن بها، يلاحظ تفاصيلها بتمعنٍ 

ابتسم حينما وجدها تمسح دموعها بكم الإسدال الفضفاض، فأخرج من جيبه منديلًا ورقيًا وقدمه لها. 

التقطته منه ورددت ببكاءٍ: 
_ليه آديرا مش اتولد مسلم زيك آيوب؟ 

جلس على سجادة الصلاة بشكلٍ مريح وأجابها بابتسامة جذابة:
_ومين اللي قالك إنك متولدتيش مسلمة؟  

زوت حاجبيها بدهشةٍ: 
_إنتي بتقولي أيه؟  

ضحك رغمًا عنن وابتعد عن سياق الحديث الجدي هادرًا: 
_اسمها إنت مش انتي! 

زحف حتى وصل إليها، ارتبكت من قربه الغريب لها، لم تعتاد منه على الجراءة، مد يده يبعد حجابها ليجذب السلسال المحاط حول رقبتها، وعينيه تراقب ملامحها باهتمامٍ لما سيقول: 
_إنتِ مش آديرا العبرية، إنتِ سدن المسلمة اللي اتولدت في آسرة مسلمة. 

جحظت عينيها بصدمةٍ، ورددت: 
_آيوب إنتِ بتكدبي!!   أنا آآ.... آآ... لقد ولدت بأسرة يهودية، أمي وأبي وأخي وآ... 

صدمها بما حرره لها: 
_مش صح... والدتك مسلمة وباباكِ بسببها اعتنق الدين الاسلامي، عشان كده عمك قتله وقتلها، وأخدك إنتِ ومحمد ورباكم زي ما هو عايز. 

لعقت شفتيها الجافة وهي تزدرد ريقها بصعوبة، فنهض آيوب عن محله واتجه لاحدى الخزانات الجانبية، يجذب الدفتر المحظور لها، وعاد يضعه على ساقيها قائلًا: 
_هنا هتعرفي الحقيقة كاملة، وهتتأكدي إنك سدن مش آديرا. 

تناولت منه الدفتر بأصابع مرتجفة، وفتحت أول صفحاته لتمضي رحلتها بالكشف عن الحقيقة الصادمة!
                                 *******
اقتحم عُمران غرفة شمس، فوجدها مازالت تغفو بفراشها بتكاسلٍ زاد من شكوكه، نزع عنها الغطاء مشيرًا لها: 
_قومي يا هانم. 

تفاجئت به شمس، ففركت عينيها بنعاسٍ: 
_أيه يا عُمران؟  بتقومني الساعة ١٢ ليه؟! 

ربع يديه أمام صدره بسخرية: 
_على أساس إنك مطبقة بقالك إسبوع!  إنتِ من ساعة ما رجعتي وإنتي نايمة يا حبيبتي! 

تمددت مجددًا جاذبة الوسادة لأحضانها، وهمست وهي تتثاءب: 
_مرهقة أوي يا عُمران، مكنتش عارفة أنام في بيت آدهم، ممكن لإنه مكان جديد عليا  

أطبق على شفتيه بعنفٍ، وأخذ يجوب الغرفة ذهابًا  وإيابًا مفكرًا بما يتردد إليه، فاستل هاتفه من جيب بنطاله وأرسل رسالة لعلي، وما هي الا دقائق حتى ولج للداخل يتساءل: 
_في أيه؟! 
                               *******
بشقة سيف. 

خرج من المطبخ حاملًا لوحًا اضافيًا من الثلج، مده لأخيه الذي التقطه منه وانحنى يضعه على قدم جمال المتورمة، فتأوه الاخير بألمٍ وتمتم بغضبٍ جحيمي: 
_الوقح الحقير!!!!   أشوفه بس هشرب من دمه. 

كبت يوسف ضحكاته بصعوبة بالغة، وتابع تدليك كتفيه مرددًا بثبات مهتز: 
_وإنت أيه بس اللي خلاك تسمع كلامه وتروح معاه الجيم؟ 

استدار برأسه تجاه يوسف الذي يباشر عمله بينما يقف سيف حاملًا صينية الثلج يتابعهما بمللٍ، وصاح بانفعالٍ: 
_معرفش ازاي أقنعني!!  قال أيه الهدوم اللي نقاها مينفعش ألبسها وأنا بكرش!! 

واستشهد بهما مشيرًا على بطنه: 
_بذمتكم أنا عندي كرش!! 

واساه سيف مربتًا على كتفه: 
_استهدى بالله يا بشمهندس هو الطاووس الوقح ده محدش مالي عينه الا عضلاته. 

انحنى بظهره للأسفل يفرك قدميه المتورمة، مستطردًا بغيظ: 
_مصمم إني طلعلي كرش بعد ما أمي جت هنا، بيقولي بكل بجاحة من ساعة ما أمك جت وطلعلك كرش يا جمال!!!  

وتمعن بيوسف الذي احتقن وجهه من فرط الضحك،  هاتفًا باستنكارٍ: 
_إنت بتضحك يا يوسف، البيه رماني مع الكابتن الهمجي ده أربع ساعات ولولا كلمتك تجيني كان زماني مرمي في أي مستشفى وبتضحك! 

وتابع من بين اصطكاك أسنانه: 
_ومصمم يوديني تلات أيام في الاسبوع!!  ده منظر الكابتن نفسه يفزع النفس ويقطع الخلف، تحسه لودر منحرف الزوايا، ماشي يحدف في خلق الله شمال ولمين! 

سحب يوسف المقعد المقابل لمقعده، جلس وهو يتطلع له بهدوءٍ زرع القلق بجمال الذي تساءل: 
_في أيه إنت التاني بتبصلي كدليه؟ 

أراد أن يكون بمفرده برفقته، أشار لسيف بعينيه فانسحب لغرفته، فصاح بضيقٍ: 
_ممكن تسيبك من تفاهتك مع عُمران وتقولي حكايتك أيه بالظبط؟ 

أخفض ساقيه عن الطاولة الزجاجية متسائلًا باستغرابٍ: 
_حكاية أيه؟ 

رد عليه بحدةٍ: 
_حكايتك مع مراتك يا جمال، في أيه ردتها وفي أيه قاعد هنا مع سيف ليل نهار!! 

أطلق تنهيدة عميقة لخوضه نقاشًا لا يفضله، فوجد أن الانسحاب هو الحل الأمثل، استقام بوقفته واتجه لغرفته بعيدًا عن صراخ يوسف المنفعل: 
_كل ما أكلمك في الحوار ده تسبني وتمشي!!!  عيل صغير انت! 

ألقى بثقل جسده على الفراش هادرًا بانفعال: 
_يوسف أنا راجع مدشمل وعايز أرتاح، بكره نتكلم. 

حدجه بنظرة نارية وبسخرية هتف: 
_هنتكلم أمته ان شاء الله؟  بكره افتتاح المركز ومش هكون فاضيلك! 

وضع الوسادة أعلى رأسه قائلًا بنعاسٍ: 
_يبقى بعد بكره تعالى ونتكلم، أنا قاعد ومرتاح هنا مع دكتور سيف، إنسان هادئ ومحترم بصراحة هو الوحيد اللي يستحق الثناء لإنه بيفهمني كويس أوي فعلى قد ما بيقدر بيتجاهل وجودي وده مخليني مستلطفه ودلوقتي عايزك تقفل النور وتشد الباب في ايدك... تصبح على خير يا جو. 

وسحب الغطاء على رأسه هاتفًا من أسفله: 
_متنساش البقسماط وإنت مروح لدكتورة ليلى تشرحك عملي! 

حدم غضبه المستعار وكمد غيظه، فأغلق الضوء وسحب الباب بعنف كاد بإيقاعه، واتجه للخروج قبل أن يفتك بذلك المتحاذق، فإذا بأخيه يلحق به وقد عقد نيته للتحدث بأمر شقته، فأوقفه يوسف قائلًا: 
_ارجع أوضتك يا سيف وبكره هنتكلم في حوار الشقة والجواز. 

انصاع إليه مرحبًا بتقبله لفكرة زواجه السريع بينما مضى يوسف بطريق عودته لشقته. 
                                  *******
_بتتكلم بالألغاز إنت ولا أيه؟  ما تنطق يا عُمران قصدك أيه؟! 

صاح بها علي بنفاذ صبر، بعد فشله بفهم ما يود أخيه البوح به، فلكزه عُمران بغضب وانفجر بعصبية أدهشت علي: 
_هو أيه اللي مش مفهوم يا دكتور!!  بقولك إنت كنت واخد بالك من شمس كويس ولا كنت ملهي في المستشفيات والعيانين اللي مش هنخلص منهم أبدًا. 

واستطرد وهو يلكم الحائط بغيظٍ: 
_أنا كنت عارف من الأول إنك مش الشخص المناسب اللي ينفع يشد عليها، رختلها الحبل واديها رجعت بالكارثة!!! 

هز علي رأسه بصدمة وحيرة: 
_كارثة أيه يابني آدم، فهمنــــــي شمس مالها؟ 

ابتلعت شمس ريقها بتوترٍ، وتعلقت بذراع علي تهمس برعب: 
_هو في أيه يا علي؟  أنا هموت ولا أيه؟!!! 

ضمها علي لصدره مربتًا عليها بحنان: 
_بعد الشر عليكي يا حبيبتي، إنتِ عارفة إن ربنا ابتلانا بطاووس وقح ضيفي عليهم مجنون ومختل عقليًا، بإذن الله علاجه على ايدي. 

احتدت رماديته بقسوةٍ وهدر: 

_بقى أنا مجنون ومختل!  يا أخي بدل طولة لسانك دي كنت حافظت على أختك وحطيت حد للسافل اللي استغلها ده يا آآ.. ياخويا يا كبير!! 

ترك علي شمس واندفع تجاه أخيه، يلف يده حول رقبته بنفاذ صبر: 
_يا تنطق تقصد أيه بكلامك السخيف ده يا تبلع لسانك الوقح 

أبعد كفه عنه بنزقٍ: 
_الهانم من ساعة ما رجعت من السفر وهي نايمة. 

رمش بعدم استيعاب، متسائلًا بصدمة عساه لم يلتقط مفهوم حديثه: 
_بتقول أيه؟ 

صرخ بحنقٍ: 
_نايمة بقولك!!   

عبثت معالم علي بحزنٍ بعدما تأكد بأن أخيه فقد عقله، وبدى حائرًا ما بين أن يعالجه بنفسه أم أن حالته تستدعي وجوده بمشفى الأمراض العقلية. 

اندهش عُمران من صمته وحزنه الغائر، فظنه قد التمس حجم الكارثة فقال بحدة: 
_حالًا تتصلي بيه أقسم بالله لاسافرله وأخليه عبرة لمن يعتبر، مش أخت عُمران سالم الغرباوي اللي يتضحك عليها يا علي. 

اتجهت إليه شمس تحاول استيعاب حديثه فظنته يتحدث على رحلة اليخت وقد أصر علي وآدهم الا تعلمه بذلك، فقالت بضيق: 
_هو مضحكش عليا يا عُمران أنا روحت معاه بمزاجي. 

تزاحمت النيران في مقلتيه، وصاح من بين اصطكاك أسنانه: 
_اخرسي يا شمس، هعتبره ضحك عليكي. 

تشوش رأس علي من محاولة فهمه فابتلع ريقه هادرًا: 
_أفهم أيه اللي مضايقك في نومها ويوصلك للشكل الجنوني ده؟ 

زفر بضيق: 
_الحوامل بيناموا كتير كده يا علي، الكلب ده استغل انها مراته وغواها. 

برق علي بصدمة، لوهلةٍ ظن بأنه سيترنح للخلف، فأسرعت شمس إليه تسانده وهي تتساءل بحيرة:
_هو إنت فهمت عُمران ماله!!  لو متضايق من نومي هشرب قهوة وأسهرله!

بصعوبة استدار لها يهمس: 
_روحي اوضتك يا شمس وآ.. 

صاح بغضب: 
_لا مش هتمشي غير لما تتصلي بالبيه ده وآ.. 

كمم علي فمه وقال بصدمة: 
_أوعى تقول الكلام الاهبل ده قدام أختك، إنت مش وقح إنت غبي وحمار يا عُمران!!!! 

اقتربت منهم تزفر بمللٍ: 
_حد فيكم يقولي في أيه؟   

واتجهت عينيها لعمران تردد: 
_إنت زعلان عشان ركبت مع آدهم اليخت لوحدينا يا عُمران!  خلاص متزعلش المرة الجاية هخدك معايا. 

منح أخيه نظرة يملأها الاتهامات وهدر بعصبية: 
_ الله الله يخت كمان!!!!  لا ده شغل على نضيف.

واستدار لاخيه يصبح بتهكم:
_ وإنت كنت فين وهو بيستفرض بيها في عرض البحر يا دكتور يا محترم!! 

جلس علي بمقعده متخذًا من يديه حاجز يمنع به عينيه من رؤية أخيه الذي استفز كل خلية داخله، تاركًا شمس بمواجهة الطاووس الوقح يخبرها ببسمة مخيفة: 
_ها يا شمس كنا واقفين عند مرواحك اليخت وبعدها حصل أيه؟ 

قلقت من طريقته الغريبة فتطلعت تجاه أخيها الأكبر مطالبة برجاءٍ: 
_علي!  الحقني يا علي!! 

نزع يده عن جبينه ونهض يفصل بين عناقهما، مقبلًا جبهتها وبابتسامة رسمها بتمكنٍ قال: 
_روحي نامي يا حبيبتي وسبيلي البيه ده لينا حسابات تانية مع بعض. 

ولف ذراعه حول رقبة عُمران ثم دفعه خارج غرفتها، محافظًا على ابتسامته المزيفة حتى لحظة انغلاق بابها فاستدار يقابل الاخير بجفاءٍ وصاح به: 
_عُمران خرج شمس وآدهم من دماغك، حاول تتقبل إنها أختك مش مراتك!!  

جابهه الاخير بغضب: 
_ولو أختي مينفعش أحافظ عليها يعني!! 

مرر يده بين خصلاته الطويلة مرددًا بتنهيدة: 
_لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، يا حبيبي افهم ده جوزها وكلها أيام وهتسافر تعيش معاه، حاول تستوعب ده!! 

_إنت بتقول أيه يا علي تسافر فين؟!!  شمس هتتجوز وهتقعد هنا معانا ولو الكلام ده مش عاجب البيه يخليه زي مهو وكل شيء قسمة ونصيب. 

تحرر حديثه المتعصب ليصدم علي صدمة جعلته يتجه لأقرب براد مياه يرتشف كوبين جرعة واحدة وعينيه لا تنجرفان عن أخيه الذي يطالعه بقوة وتبجح وكأنه صاحب حق. 

ترك الكوب من يده ثم قال: 
_الوقت اتاخر روح نام يا عُمران ونبقى نتكلم في المصيبة اللي بتخططلها دي بعدين.

واتجه لغرفته هادرًا بانفعال: 
_ومن غير تصبح على خير لانك متستحقهاش! 

وضع يديه بجيب جاكيته متمتمًا بغرور: 
_أستحق ولا مستحقش اللي بقوله كده كده هيتنفذ! 
                              ******"
استند على الكومود يتابعها بحزنٍ وهي تتنقل بين صفحات الدفتر بلهفةٍ ودموعها تغزو وجهها، وُلد الألم بين أضلعه، وقد رق القلب لتلك العبرية التي قذفتها الحياة إليه وهيئتها لتكن أكبر لغزٍ خاضه بحياته. 

هو الابن المتدين للشيخ الأزهري "مهران"، حياته كانت مسالمة بشكلٍ مريبًا، حتى تعرقل بها فأيقن بأنه كان يتهيء لاختبارٍ قاسٍ. 

والآن ينجرف بطريقه خلف تلك النبضة الغريبة التي خفقت داخل صدره، اختناقه لرؤيتها تبكي يجعله يخشى أن يكون قد فعلها وسقط في الحب المحظور! 

نهض آيوب عن الفراش وإتجه للأريكة التي تحتلها، جذب منها الدفتر بعدما وصلت لنصفه، وقال بنبرة حنونه: 
_كفى، فلنذهب للنوم وغدًا بإمكانك أن تستكملي. 

حاولت سحب الدفتر من بين يديه قائلة: 
_سبيه آيوب أنا مش خلص قراية. 

أبعد يدها وقال بأمرٍ قاطع: 
_سدن. 

استنكرت ندائه الغريب لها ولكن بعد قراءة النصف الأول من الدفتر باتت تصدق كل ما يخبرها به، حتى ذلك الأسم العربي، تركت ذراعه واتجهت بخطواتها البطيئة للفراش، جلست تضم وجهها بيديها وتبكي بانهيار تتمنى أن يريح ألم قلبها ، فما أصعب ما تلقته من صدماتٍ ذبح فؤادها. 

راقبها آيوب وقد تخلل له الشعور بالندم لمساعدتها بمعرفة الحقيقة، فجلس جوارها ورفع يده يطبطب على ظهرها مرددًا: 
_ماذا عساي أن أفعل سدن؟   لقد أوصاني محمدًا أن أسلمك الدفتر بعد موته ومع ذلك لم أفعلها حتى لا تظنيني أفعل ذلك لأرغمك بأعتناق الدين الاسلامي. 

استدارت إليه بعينيها المنتفخة ورددت بصوتٍ بُحت نبرته: 
_أنا لست بخير.. ضمني إليك آيوب.

احتواها بين ذراعيه بقوةٍ فانفجرت مرددة ببكاءٍ: 
_بالله عليك أخبرني ما الذي يدفع الأخ إلى قتل أخيه؟!!!   كيف فعلها؟  

لقد ظننت أنه يتألم بعد موت أبي، ظننته يعوض شوقه إليه فيقوم بتربيتي أنا وأخي. 

ورفعت رأسها القريب منه تخبره بوجعٍ: 
_منذ أن ظهرت بحياة أخي وقد انكشف عنه وجهه الحقير، لقد أرسلك الله لنا لتخلصنا من هذا الشيطان آيوب. 

مسد على ظهرها هامسًا برخامة صوته المحبب لها: 
_اهدئي فحسب... لا أريد أن أشعر بالذنب لاخبارك بالامر... أرجوكِ! 

ابتعدت عنه قليلًا هادرة بلهفة وهي تزيح دموعها بيديها معًا: 
_أنا مش عيط.. شوف! 

كلما تحدثت بكلمتها العربية تضحكه رغمًا عنها وعنه، يشعر وكأنها طفلة تحاول نطق كلمات تفوقها، تنحنح بخفوتٍ وسألها بدهشة: 
_لماذا تبقين لهذا الوقت بإسدال الصلاة؟ 

اتجهت يدها تلقائيًا لحجابها مرددة ببلاهة: 
_لإنك مازلت هنا! 

تسللت الدهشة لتعابيره، فاستكملت باستفاضة: 
_الحجة ركيا قال مش أقلع حجابي قدام أي راجل عشان حرام. 

سقط بنوبة من الضحك وانبثقت كلماته بصعوبة: 
_قدام أي راجل لكن أنا جوزك فحلال عادي. 

مسكت طرف الحجاب وتساءلت بقلقٍ: 
_يعني أقلع حجاب عادي؟ 

هز رأسه مؤكدًا ومازالت ضحكاته تتعالى حتى أدمعت عينيه، توقفت عن فك حجابها وقد ساورها الشك تجاهه، فتركت الفراش ونهضت تتجه للخارج، فسألها بذهول: 
_انتِ راحه فين؟ 

قالت دون النظر إليه: 
_إنتي بتكدبي عليا، الشيخ مهران هتقول الحقيقة. 

وتركته مصدومًا وإتجهت لغرفة الشيخ مهران تطرق بابه، أفاق آيوب من صدمته، فهرع خلفها يناديها بحزمٍ: 
_سدن توقفي الآن!! 

تريث بخطواته فور أن انفتح باب غرفة أبيه، فامتقع وجهه حرجًا لما قد يظنه به فإذا بالشيخ مهران يتساءل: 
_خير يا بنتي في حاجة؟ 

أجابته بنبرتها الشبه مفهومة: 
_آيوب عايز آديرا يقلع حجاب، الحجة ركيا قال آديرا مش اقلع حجاب قدام راجل، وآيوب قال اقلع! 

احتقنت نظرة الشيخ تجاه ابنه الذي يود أن تنشق الأرض وتبتلعه، فأجبر لسانه المصعوق على استجابة أوامره فنطق: 
_هي تقريبًا فهمتني غلط يا عم الشيخ، أنا كل اللي قولته تقلع الطرحه وتنام مهو مش معقول هتنام وهي متكفنة كده! 

بقت نظراته محيطة بآيوب بشكلٍ أقلقه للغاية، فلعق شفتيه بارتباكِ: 
_مصدقني يا حاج؟ 

سند كفه على الكف الأخر ووقف يراقبهما بثباتٍ تضاعف به ارتباك آيوب الذي يتابع والده بحرجٍ، إلى أن مزق جلباب صمته مردفًا: 
_خد مراتك وارجع أوضتكم، وقبل الفجر تنزل على وضوء صلاة الفجر يابن الشيخ مهران. 

رسالة صريحة باطنها يعلمه آيوب، فهز رأسه مؤكدًا له، وأشار لتلك التي تترقب سماع اجابة سؤالها: 
_فلنذهب هيا. 

لحقت به للداخل بعد أن رأت حالة الصمت المطبقة على الشيخ، أغلق آيوب الباب خلفهما واستدار يقابلها بضيقٍ: 
_بربك يا فتاة أي حماقة حلت عليكِ!!  

هزت كتفيها ببراءةٍ: 
_مش عارف إنت بتتكلمي عن أيه؟ 

_إنت وبتتكلمي!! يا صبر آيوب صبرني على ما ابتليتني بيه! 

هدر بها منفعلًا، اتجه للفراش ينحني للأمام بجسده، فإذا بها تجلس جواره، تراقبه بضيقٍ لظنها بأنه حزين من فعلتها، فقالت ويدها تنزع الحجاب عنها: 
_متزعليش آيوب قلعت حجاب. 

لف رأسه لها مستنكرًا جملتها، مسح بيديه وجهه هامسًا بنزقٍ: 
_هتجلطني! 

تنهد وقال بقلة حيلة: 
_مش زعلان، يلا اطلعي نامي. 

هزت رأسها ونزعت عنها السماعة الصغيرة بآذنيها، بينما نهض آيوب واتجه لخزانته، يجذب بنطال وتيشرت مريح، وخرج للحمام الرئيسي ثم عاد لها فوجدها مازالت تجلس بنهاية الفراش، تغفو وهي تضم ذراعيها لساقيها بنومة غير مريحة بالمرة، حملها وإتجه ليضعها على الوسادة بشكلٍ مريحًا، فتعلقت برقبته بفزعٍ حينما شعرت بذراعيه، ردد بنبرةٍ جذبتها إليه: 
_ أنا كنت بعدلك.. متخافيش! 

تطلعت لفيروزته بانجذابٍ، ولمرتها الثانية لا تخجل من تصريحها بحبه الشديد، فقالت بالعربية: 
_أنا بحبك آيوب. 

ازدرد ريقه الهادر بصعوبة، فاستدار ليجلس هو على الفراش ووضعها أمامه، لا يعلم كيف استيقظ قلبه واعترف بسطوة حبها المستحيل، احتضن وجهها بيده واختلفت نظراته لها، تقسم بأن حبها بات يتلألأ بمُقلتيه كسطوع البدر في ليلة تمامه، مالت بوجهها على كفه وأغلقت عينيها بحبٍ وعاطفتها تتحرك إليه،  تود أن ينزع عنها الألم ويطيب جرحها الغائر، عساه هو بلسم أوجاعها مثلما كان لأخيها. 

كأجنبية تمنت خوض تجربة عاطفية مع شخصٍ تحبه، ولكن لم يحالفها الحظ مثلما وصفته، وها هي الآن تختبر أول قطفة من درب الغرام على يد زوجها. 

أغلقت عينيها بقوةٍ تواجه تلك المشاعر الجديدة عليها، لا تعلم لما يخفق قلبها بكل هذا العنف، ربما لآنه لم يكن أي شخص، المؤكد لها لما تختبره من عاطفة وأحاسيس خاصة كانت لإنه آيوب الذي أحبته بصدقٍ، أحبت ذلك الشاب الذي خاض تسعمائة وتسعة وتسعون معركة وإنتصر بها بمعركته الألف، هو الذي قذف الحب بقلبها رويدًا رويدًا، لم تكن مفتونة به ولا بجاذبيته، بل ما جمعها به رغبة الانتقام والكره، الحبل الرفيع ما بين الحب وقد تمزق ليختل توازنها. 

أفاق آيوب من انزلاقه خلف طوفان مشاعره التي تفاجئ بأنه يحملها لها، فابتعد عنها في الحال قبل أن يتطور بهما الامور. 

وقف يلتقط أنفاسه بأعين متسعة، غير مصدق لما فعله الآن، يتطلع لها بنظراتٍ عبر فيها عن أسفه، فاستعاد ثباته وانتظام أنفاسه قائلًا: 
_لا يمكن أن يحدث شيئًا بيننا سدن، آآ.. أنا.. لا أريد أن أرتكب حماقة الآن، لست جاهزًا على تحمل مسؤولية كبيرة مثل هذة الآن... أنا لم أنهي دراستي بعد وآآ... 

اعتدلت بجلستها والألم يتسلل لتعابيرها ببطءٍ، شعور أنه مرغم ليكون معها طعنها بقسوةٍ، فرددت وهي تعتدل بنومتها لتحتل الجانب الأيسر من السرير: 
_لا عليك.. أنا أتفاهمك. 

 لعن نفسه لما تفوه به، نظرة الانكسار بعينيها كسرته هو، ولكنه عاجز عن أن يشرح لها، بالنهاية ليست ملمة لتفاصيل عالمه، أن فعل ذلك لن يسامح ذاته أبدًا، عليه أن يجد عملًا مناسبًا أولًا وأن يعلن زواجه بها بالحي الذي يسكنه ثانيًا، عليه أن يقدم لها مسكنًا مناسبًا، وحفل زفاف حتى وإن كان بسيطًا، ليست لانها وصية صديقه، لإنه إن أحبها بصدق عليه أن يكرمها ويمنحها كرامة العيش وسط عالمه كما فعلها حينما اندث بعالمها الغربي. 

وقف بمنتصف الغرفة حائرًا، يود الذهاب والنوم بغرفة والده ولكن ساقيه اللعينة لا تنساق إليه، عينيه الخائنة لا تكف عن التطلع لرجفة جسدها من أسفل غطائها، قلبه الاحمق يزيد من وتيرة دقاته وكأنه يعاقبه على ما ارتكبه. 

تمدد آيوب جوارها، وبدون ارادة منه لف يديه من حولها ليعيدها لاحضانه مستنشقًا رائحة الزيوت المنعشة المنغمسة بخصلاتها الصفراء، هامسًا لها بنبرة جعلتها تحلق بسمائه: 
_وذلك الإرهاربي أحبك رغمًا عن أنفه! 

لوهلةٍ ظنته حلمًا يعوضها عما لاقته، ولكن رائحته وأنفاسه القريبة تفصلها عن أي تفكيرًا أحمق، استدارت تواجهه وخضرتها تواجه فيروزته بكل جيوشها، ازدادت حدة أنفاسه فقال ومازال يغرق بجنتها: 
_كفى!  أقسم أنني سأنسى حتى إسمي إن بقيتي تنظرين لي بتلك الطريقة. 

ابتسمت ودموعها تنهمر دون توقف، فإذا به يزيحها عنها هاتفًا: 
_بالله عليكِ توقفي عن البكاء، سدن أنا أحبك ولكن هنا الحياة محتلفة عما اعتدتي بالخارج، هنا إن لم أكن جاهز لتحمل مسؤوليتك كاملة فأنا لست مؤهلًا لكِ، إن أحببتيني بصدق فلتنتظري حتى أنهي دراستي وحينما أنتهي من تجهيز منزلي أعدك بأنني سأتزوج بكِ هنا في حفل يشهده عائلتي وأهالي الحي بأكمله. 

تحمست لسماع الجزء الاخير من حديثه فقالت بفرحة: 
_هل يعني ذلك بأنني سأرتدي فستان زفاف؟  

هز رأسه يؤكد لها، مضيفًا: 
_وهل ينقصكِ شيئًا عن الفتيات لترتديه! 

طوقت عنقه بسعادة، وهي تردد دون توقف: 
_أحبك آيوب.... أحبك! 

نزع يديه من حول رقبته هادرًا بتوتر: 
_حسنًا لنعقد اتفاق بيننا، لا تقتربي مني لهذا الحد مجددًا والا سأسحب وعدي لكِ وحينها لا يوجد زفاف ولا فستان. 

سحبت ذراعيها وتراجعت للخلف فجذبها مجددًا مرددًا بخبث: 
_ليس لهذا الحد، بامكانك النوم بين أحضاني ولكن بحذر يا فتاة! 

كبتت ضحكاتها بصعوبة وأشارت له بموافقتها على اقتراحه، ضمها آيوب إليه وتصنع نومه حتى غفت مبتسمة، ففتح فيروزته يطالعها بحبٍ، وهمس لذاته ساخرًا: 
_مطلعتش جامد زي ما كنت متخيل، وقعت يابن الشيخ مهران!! 
                             *********
بصق الدماء من فمه بعدما تجرع أبشع أنواع العذاب، وها هو الآن يواجه ذلك الوجه الذي يصعب عليه نسيانه، سند طوله بصعوبة ليصل لطرف الحبل المعلق بسقفية المعتقل مرددًا بأنفاسٍ شاحبة: 
_الرحمة يا باشا. 

ابتسم من يقف أمامه بكبرياءٍ، فنهض عن مقعده ودث يده بجيب بنطاله الأسود، ثم دار من حوله بخطوات كانت تزلزل جسد غريمه، وبالأخص حينما قال بصوتٍ جهوري: 
_طالب مني الرحمة طيب قولي إنت رحمت مين عشان أرحمك؟! 

فتح معتز جفنيه المشقوق من أثر ذلك الجرح الغائر وسأله بخوفٍ: 
_يونس اللي زقك عليا يا باشا؟ 

تعالت ضحكات "آدهم" وانحنى بقامته الطويلة قبالة وجهه المحني: 
_تفتكر يونس ليه في قذارتك دي؟!   معتقدش إن تربية الشيخ مهران تبقى بالدناءة اللي اتربيت عليها يا معتز 

وانتصب بوقفته بعنجهيةٍ لا تليق الا سواه، مرددًا بقوة: 
_العدالة الربانية قانون وداير، وجعت في يوم حد هيجي اليوم وحد هيوجعك وهيدوسك بالجامد، ظلمت ودلوفتي بتتظلم وبتدوق من نفس الكأس ال** اللي دوقته ليونس. 

وتابع وعينيه تحدج به بشراسة: 
_اللي كنت بتتحامى فيه ومشغله لاعمالك القذرة مرمي في زنانة جنبك فبهدوء كده هتنفذ كل اللي هقولك عليه والا إنت متتوقعش اللي ممكن أخليه يعملوه فيك. 

ابتلع ريقه القاحل بصعوبة بالغة، وهدر برعب: 
_هعمل كل اللي هتقول عليه يا باشا، أنا خدامك! 

منحه ابتسامة خبيثة وردد: 
_بدأت تعجبني! 
                          *********

سيطرت الشمس بأشعتها الذهبية على ظلام الليل الدامس، وتباهت بضيائها الذي تفرد ليعلن بكبرياء بداية صباحها. 

وبغرفتها كعادتها المزعجة مؤخرًا، تقيأت ما بجوفها صباحًا وهي تدعو الله أن لا يشعر زوجها بها، فتحطم أملها مع سماع طرقات باب الحمام وبعدها انطلق صوته الرجولي الحنون يتساءل: 
_فريدة أنتِ كويسة؟  

جذبت مناديلًا ورقية تجفف بها قطرات المياه المنتشرة على فمها، فتحت الباب فاندفع إليها يساند خصرها باحكامٍ وهو يتساءل بهلعٍ: 
_إنتِ شكلك لسه تعبانه؟  كنتِ بتضحكي عليا وبتقوليلي بقيتي كويسة أديكي لسه تعبانه اهو. 

 جاهدت لتنطق بثبات: 
_أنا كويسة. 

انحنى يرفع ساقيها للفراش جاذبًا الغطاء عليها:
_لا يا فريدة مش كويسة، بقالك كام يوم على الحال ده وكل ما أكلمك تقوليلي أخده برد!! 

باصرارٍ استرسل: 
_هروح أطالبلك دكتور حالًا 

تمسكت بيده قبل أن يتجه لهاتفه وقالت: 
_مالوش داعي يا أحمد، أنا كلها ساعتين وراحه المركز عشان الافتتاح هخلي حد من الدكاترة يكشف عليا. 

وتمايلت على الوسادة بتعبٍ ورددت: 
_أنا بس عايزة أنام شوية، من فضلك خفف الاضاءة. 

جذب الريموت الالكتروني يستجيب لطلبها، ثم فرد الغطاء عليها ومال يمسد على خصلاتها القصيرة المنثورة على الوسادة، هامسًا بعشقٍ: 
_ارتاحي يا حبيبتي! 
                              *****
بعد ساعات بغرفة زينب. 

_أنا عايزة أفهم أيه اللي يخليكي متسرعة في قرار جوازك من دكتور سيف وانتي كنتي رافضة الموضوع من كام يوم بس؟!  قوليلي يا زينب إنتِ بتحاولي تخبي عني أيه، اتكلمي!! 

كلمات تحررت بغضب على لسان فاطمة بعدما علمت بقرار زواج زينب، توقفت زينب عن لف الحجاب لاستعدادها للذهاب برفقتهم للحفل. 

استدارت تواجه شقيقتها باستسلامٍ، كانت تعلم بأن هذا اليوم قادمًا لا محالة، لذا رددت بحزنٍ: 
_قررت ده عشان بحبه يا فاطمة وعشان أتخلص من علاقة حب مريضة بتطاردني لحد النهاردة. 

زوت حاجبيها باستنكارٍ: 
_علاقة حب!!   تقصدي أيه يا زينب؟ 

فركت أصابعها بتوترٍ مما ستخبرها به، فتركت مقعد السراحة واتجهت لمحلها قائلة: 
_كان في شخص في حياتي قبل ما أسافر على هنا، بس مع الوقت اكتشفت انه انسان مش طبيعي ومتملك بشكل مجنون، كنت فاكرة اني لما أسافر على هنا عمره ما هيوصلي بس كنت غلطانه، عرف مكاني وهددني كذه مرة ودكتور علي عارف الحوار ده.. 

واسترسلت باصرار: 
_ودلوقتي عايز يفرقني عن سيف لانه بيراقبني وعارف كل تحركاتي عشان كده اتمسكت بيه لإني حبيته يا فاطمة ومش عايزة أبعد عنه. 

صعقت مما استمعت إليه، خاضت شقيقتها حربًا نفسيًا طاحنة وهي أخر من يعلم بها!  ، ضمتها فاطمة لاحضانها بقوة، ولم يسعها الا أن تضمها ودموعها تنهمر رغمًا عنها، لم تملك حتى جراءة المعاتبة لاخفائها الأمر لأنها تعلم بماذا ستجيبها، ولكن ما عليها الا لتطمنها فقالت: 
_لو جوازك منه هيسعدك فاتجوزي وعيشي حياتك يا زينب، أنا كل اللي يهمني إنك تكوني مبسوطة وسعيدة في حياتك..

ضمتها بقوة ورددت: 
_هكون سعيدة طول ما انتي جنبي يا فطيمة. 

أبعدتها عنها وقالت وهي تزيح دموعها: 
_يلا كملي لبس عشان منتاخرش عليهم. 

هزت رأسها بابتسامة رقيقة، وهبطت فاطمة للاسفل تنتظر هبوط باقي أفراد العائلة

                             ********
انتهى من عقد جرفاته بحرفيةٍ جعلته أنيقًا كعادته، وفور أن انتهى من ارتداء حذائه حتى خرج من الخزانة يناديها: 
_حبيب قلبي خلص لبس ولا لسه؟ 

 زحفت لحافة الفراش تطالعه بضجرٍ، فتطلع لها بدهشة: 
_إنتِ لسه (بالـbijama.. بالبيچامة)!! 

ضمت الدمية إليها، ثم مالت بجسدها للأمام مستندة عليها، وبإرهاقٍ قالت:
_مش قادرة أقوم من مكاني فقولي هلبس ازاي!! 

واسترسلت بحزنٍ: 
_أنا حتى وشي بقى مجهد وبقيت مش بقدر أقف ولا أتحرك زي الأول.. حتى لو بصيت لواحدة غيري هسامحك لاني شكلي بقى بشع جدًا! 

جلس عُمران أمامها، وقال وهو يعقد خصلتها حول أصبعه: 
_طيب ومين السبب في  اللي انتِ فيه ده مش ابني!  

راق لها ان وجد من يعلق تهمتها عليه، فهزت رأسها مؤكدة له، هبطت يده لتحتضن جنينها ثم انحنى يحدثه بأوامرٍ مضحكة: 
_ممكن حضرتك تفهمني أيه اللي إنت عامله في حبيب قلب جوزه ده!!  متخلنيش أزعلك مني وأحرمك من صوتي الحنين ده، فاهدى على مامي كده ومتعذبهاش معاك عشان بابي يحبك ويدلعك لما تيجي. 

وتابع موضحًا بابتسامةٍ مختارة: 
_أنا حتى هصمملك رفين في الخزنة اللي بدأت فيها، واول ما أتأكد إنك ولد هخلي (الـstylist  مصمم أزياء)  يعملنا كام طقم على زوقي عشان نلبس زي بعض. 

ومال يطبع قبلة على كفه مستطردًا ببسمة خبيثة: 
_في اغراءات كتيرة لمعاليك بس ممكن عشان خاطر بابي متضايقش مامي لحد ما تشرف؟ 

ابتسمت مايا ساخرة من طريقته، ورددت؛ 
_سمع كلامك هو!! 

انتصب بجلسته يجيبها بغرور: 
_لازم يسمع كلامي يا بيبي ده لإنه لو ذكي زيي هيعرف إن مصلحته معايا أنا وهيبتدي يحاول إزاي يراضيني! 

ابتسمت رغمًا عنها ومالت تستند على كتفه مرددة بتعبٍ: 
_تعبانه أوي مبقتش قادرة أقوم من مكاني الدوخة والهبوط اللي عندي مهما انتظمت على الادوية مش بيروحوا، أنا خايفة أكون بتقل عليك يا عُمران 

ضمها بذراعٍ والاخر يمسد ابهامه على جلد يدها الرقيق: 
_حبيب قلبه  تقلي براحتك وميهمكيش جوزك جامد وميتخافش عليه يا بيبي! 

ضحكت رغمًا عنها حينما وجدته يستعرض عضلاته قبالتها، شاركها الضحك قائلًا:
_ مستعد أشيلك من هنا لحد معاد الولادة المهم نفسيتك متتقصرش.. وبالنسبة لحالة الاكتئاب المبكر ده فمتقلقيش علاجه عندي يا بيبي. 

نهض عن الفراش متجهًا للخزانة فتابعته بفضولٍ لمعرفة ما يقصده، دقائق وعاد إليها بفستان سماوي اللون وبيده الاخرى جاكيت من اللون الأبيض يخص فستان أخر غير ذلك، ولكنها لم تمانع أبدًا لتأكدها بأن القطعتين ستكون رائعًة الجمال، باتت تثق به وبذوقه الرفيع فاستسلمت له لتجده يساندها لحمام الغرفة. 

عاونها عُمران على الاغتسال ثم خرج بها للغرفة، ساندها للسراحة وجذب أدوات التجميل البسيطة يحاول اخفاء عدم تطابق بشرتها بسبب الانميا بميكب بسيط صنعه لها، وفور أن أنتهى حتى أطلق صفيرًا معجبًا: 
_أيـه الجمـال ده كله يا بيبي، أمممم شكلي هعيد حساباتي. 

تساءلت وهي تتطلع لانعكاسها بالمرآة باعجاب: 
_حسابات أيه؟ 

جذب الفستان يعاونها بارتدائه قائلًا: 
_هتعرفي دلوقتي. 

ارتدت الفستان ومدت ذراعيها ليضع لها الجاكيت فوجدته يلقيه بعيدًا ويفرد خصلات شعرها من حولها، ثم يمشطها بعناية وابتسامة عاشقة تطوفه، رددت باستغرابٍ: 
_عُمران طرحتي؟ 

ألقى مثبت الشعر من يده باهمال وانحنى يحملها للفراش، وضعها على طرفه ونزع عنها حذائها وهي تتابع ما يفعله بدهشةٍ. 

غاب عنها دقائق وعاد يحمل طاولة صغيرة، وضعها حولها وملأها بالتسالي المفيدة والعصائر والشوكولا، ومن ثم وضع فوقها حاسوبه الباهظ وقد أعده على سلسلة أفلام ديزني كما تحب. 

راقبت ما يفعله متسائلة بذهول: 
_بتعمل أيه؟ 

أجابها ببساطه وهي يفترسها بعينيه: 
_مهو لو متوقعه إني هزينك بايدي وأخدك بالجمال الزايد ده أعرضك للخلق تبقي يا بتحلمي يا أنا هركب قرون قريب يا بيبي! 

وتابع وهو يضم ذقنها كأنها طفلة: 
_حبيبة قلب جوزها العاقلة هتقعد كده مكانها معززة مكرمة تتفرج على سندريلا وسنو وايت لحد ما أرجعلها نكمل سهرتنا مع بعض. 

لم يعنيها أمر الخروج كثيرًا، فصدقًا باتت بعد حملها مرهقة بدرجة كبيرة، جذبت طبق اللوز تتناوله وهي تتطلع للشاشة باستسلامٍ تام، فاتسعت ابتسامته وانحنى يقبل خدها هاتفًا بمرحٍ: 
_حبيبة قلب بابي اللي بتسمع الكلام تأخد قلبه وعينه وكلاويه وكل شيء يملكه الا لبسي وجزمي وساعاتي وبرفاناتي والجرفات دول خارج نطاف حساباتنا. 

منحته نظرة محتقنة فغمز لها متابعًا: 
_هسيبك مندمجة مع العالم الخيالي بتاعك ده مع إنك لو ركزتي كويس هتلاقيني أجمل وأشيك من الابطال اللي يصدوا النفس دول على الأقل أنا حقيقي وملموس مش حبر على ورق.. يلا يا بيبي سلام مؤقت. 

وتركها واتجه للمغادرة وقبل أن يغلق الباب اشرأب بعنقه يشدد عليها: 
_أوعي أرجع ألقيكِ نمتي أنا حططلك تسالي تجيبك أربع خمس ساعات واللاب مطول مش هيفصل دلوقتي اطمني. 

هزت رأسها بنزق ليغادر، فاتسعت ابتسامته وقال بمكر: 
_حبيبي شكلي وحشتك أنا كمان! 

جذبت قالب الشوكولا وألقتها بوجهه صارخة بعصبية: 
_امشي يا وقح. 

نزع غلاف الشوكولا الفاخرة وتناولها مرددًا ببرود: 
_مش كنتِ حدفتيها بالمكسرات، حد يبخل على جوزه حبيبه بردو!! 

جذبت إحدى ثمار الفاكهة وألقتها بوجهه هادرة بعنف: 
_امشي يا عُمران!! 

قضم ثمرة التفاح بتلذذٍ وأشار بيده: 
_روح قلبي عارف اني مش بتعشى غير فواكه، يلا أشوفك كمان ساعتين، هتصل بيكي كل ربع ساعة أتأكد إنك صاحية مهو لازم أطمن إن مجهودي مرحش هدر. 

أغلق الباب وهو يستمع لصياحها المنفعل، فابتسم باستمتاعٍ ومضى للأسفل وهو يتناول التفاح بشهيةٍ مفتوحة، فإذا بالخادمة تستوقفه قائلة بارتباكٍ ملحوظ:
_سيدي. 

استدار تجاهها وسألها باستغراب: 
_ما الأمر؟ 

بارتباكٍ قالت: 
_هناك من يريد مقابلتك بالصالون. 

سألها بفضول: 
_من؟ 

_مرحبًا عزيزي، هل أفتقدتني؟ 

تسلل لآذنيه أبشع صوتًا قد بسمعه يومًا، أغلق عينيه بقوة ومعصمه يلتف حول بعضه بعنف كاد بأن يفجر أوردته، فاستجمع ثباته الهادر واستدار تجاه الصوت يقابلها بنظرة صلبة، وبصرامة نطق بالحارس الواقف لجوارها: 
_منذ متى ونحن نسمح للعاهرات بالدخول لمنزلنا؟!!!! 

ضحكت بطريقتها الفجة ورددت بدلال وهي تقترب منه: 
_ما بك عُمران هل تغيرت ملامحي لتلك الدرجة؟  أنا هي نفسها آلكس... حبيبتك آلكس!!! 

.......... .. 
*******__________********

   •تابع الفصل التالي "رواية صرخات انثى" اضغط على اسم الرواية 

reaction:

تعليقات