رواية المتاهة القاتلة الفصل التاسع عشر 19 - بقلم حليمة عدادي
البارت 19
اقترب رجاله من "رام"، أمسكوا به بقوة وبدؤوا في سحبه لظهر السفينة وهو يقاوم بكل قوته، حاول "جان" التدخل لكن أمسكوا به، إن هذا ليس وقت الضعف أبدًا، جذب انتباه "ماريا" قوسٌ وسهامٌ كانت موجودة في المكان، بسرعة البرق حملتهم ورفعت يدها بالقوس، سحبت سهمًا وصوبته نحو الرجال الممسكين بـ"رام"، أطلقت السهم ليستقر في قدم أحدهم فسقط أرضًا يصرخ بألم، لم تترك لهم فرصة لكي يفيقوا من صدمتهم، سحبت سهمًا آخر وأطلقته على الرجل الآخر.
غضب قائدهم.. فكيف لفتاة أن تفعل هذا، تحرك من مكانه متجهًا نحوها وهو يجز على أسنانه، ما إن اقترب منها حتى رفعت يدها بالقوس وسحبت سهمًا وصوبته نحو قلبه، وملامحها تحولت للغضب وقالت:
-لو خطيت خطوة كمان هيكون السهم في قلبك.
تراجع بغضب لعدة خطوات وهو يرى رجاله ساقطين على الأرض يصرخون من الألم، مسح على شعره وتحدث بغضب:
-عقابك هيكون كبير أوي.
اقترب من رجاله أسندهم وأدخلهم لإحدى الغرف، وما إن اختفى من أمامها حتى سقط القوس من يد "ماريا"، جلست على الأرض بجسدٍ منهار لا تعلم من أين جاءت بكل هذه الشجاعة، لكن حين أحست أنها ستفقده فقدت كل ذرة تعقل لها، ووقع قلبها بين قدميها.
اقترب منها "رام"، مال بجذعه العلوي نحوها أمسك يدها بحنان، رفعت بصرها نحوه.. عيناها كانتا تتحدثان، نزلت دمعة من عينيها تحرق وجنتيها، لم يتحمل رؤية دموعها أكثر من هذا، جذبها لداخل أحضانه يمسح على شعرها بحنان قائلًا:
-ماريا، أنا آسف.
ابتعدت عنه، رفعت عينيها إليه ومسحت دموعها وقالت:
-بتتأسف ليه أنا كويسة، كنت خايفة إنك تضيع مني.
تنهد بحزنٍ شديدٍ وقال:
-متخافيش، مش هيحصل غير اللي ربنا كاتبه، احنا هنطلع من هنا.
نهضت واقتربت من أختيها واحتضنتهما، فهي ترى الخوف بأعينهما، فهي تعرفهما جيدًا، انفجرتا بالبكاء كأنهما وجدتا مكانهما الآمن، ابتعدت عنهما ومسحت دموعهما، تحدثت والابتسامة تعلو ثغرها:
-مش عايزة أشوف الدموع في عينيكم الحلوين دول.
تنهد "جان" بتعبٍ من كل شيء حدث، حاول تلطيف الجو بمزاحه:
-مكنتش أعرف إنك بتعرفي ترمي السهام.
ردت عليه بابتسامة:
-إنت لسه ماشوفتش حاجة، أنا بعرف أعمل حاجات كتير.
بعد مدة من الحديث جلسوا ينتظرون طلوع الشمس بنورها في يومٍ جديد وأملٍ جديد، لم يناموا خوفًا من أن يحصل لهم شيء من أولئك الناس الذين امتلأت قلوبهم شرًا، وبعد وقتٍ من الانتظار.. بدأت خيوط النهار تظهر لهم الأمواج وهدوء الصباح الباكر، ونسمات الهواء الباردة، لكن ما زاد استغرابهم، اقترابهم من جزيرة وليس من شاطئ مثلما قال لهم ذلك الرجل، دب القلق في قلوبهم، السفينة ما زالت وسط الأمواج وتقترب من جزيرة، فتحدث "جان" بقلق:
-الراجل دا ناوي على إيه يا رام؟
تنهد "رام".. وتحولت ملامحه للغضب، كان يفكر ماذا عليه أن يفعل في هذه المشكلة التي وقعوا بها، فهو يخشى أن يحدث شيء لأصدقائه، ولا يقدر على فعل شيء، نظر إلى "جان" وقال:
-نيته مش خير أبدًا، لازم نأخذ حذرنا منه.
بعد مدة.. رست السفينة على الجزيرة، وقفت السفينة وبدأت تصدر أصواتًا من بين الأشجار، خرج رجلٌ يبدو عليه كبر السن وجسده هزيل، نظر إليهم بتفحص كأنه لم ير بشرًا قبل ذلك، وتحدث قائلًا:
-وصلنا للجزيرة، انزلوا يلا.
أكمل كلامه ونزل راكضًا، خرج خلفه الرجال الذين أصابتهم "ماريا"، ينظرون نحوها بغضبٍ وشر، لم تهتم لنظراتهم ونظرت إلى "رام" وقالت:
-رام، نعمل إيه؟ ننزل؟
قبل أن يجيبها "رام"، سمع أصواتًا متداخلة، وفجاءة امتلأت السفينة بالرجال، كانت أجسادهم قوية، أحاطوا بهم وهم يقفون في الوسط.
لم يفهم ما يحدث، سحب الفتيات وراء ظهره لكي يحميهن من بطش هؤلاء الوحوش البشرية، وبعد دقائق.. استطاع أن يفهم الأمر، أدرك أنهم وقعوا في مأزقٍ أكبر من المتاهة التي كانوا فيها، أصبح كل ما يخشاه هو أن يحدث شيء للفتيات، تفحص المكان جيدًا علّه يجد مكانًا يستطيعون الفرار منه، لكن لا مكان للهرب، وإن حاول أن يتصرف أي تصرف فسوف يعرضهم للخطر، لا مفر لهم من هذه السفينة.
استدار نحوهم وتحدث قائلًا:
-محدش يعمل حاجة، هننزل معاهم.
لم يكن الوقت كافٍ للاعتراض أو التفكير، أومأوا برؤوسهم بالموافقة، نزلوا والرجال من خلفهم وأمامهم حتى نزلوا من السفينة، ساروا بهم بين الأشجار والمروج الخضراء، حتى وصلوا أمام بيوت متراصة بجانب بعضها بنظامٍ بلونها الأبيض الناصع، وقفوا أمامها لدقائق حتى خرج رجلٌ هيئته كالقرصان بيده سوط، تفحصهم وهو يدور حولهم، توقف ينظر إليهم لعدة دقائق، تحدث قائلًا:
-أنتوا عارفين أنتوا هنا ليه؟
ألقى سؤاله ووقف ينتظر منهم ردًا.
استجمع "رام" قواه وتحدث بحنق:
-احنا منعرفش احنا هنا ليه.
قهقه الرجل بصوتٍ عالٍ، ضرب الأرض بالسوط عدة مرات، اختفت الضحكة من ثغره، اقترب من "رام" وتحدث:
-أنتوا هنا علشان تخدموني، اللي أقصده أنتوا هنا عبيد ليّ أنا اشتريتكم.
لم يتحمل "رام" أكثر من هذا، اقترب من الرجل حتى لفحت أنفاسه الساخنة وجهه، جز على أسنانه بغضب.. وتحدث قائلًا:
-احنا أحرار مش عبيد، احنا مش هنخدم حد.
ابتعد الرجل عن "رام"، كان غاضبًا من جرأته عليه، نظر إلى رجاله.. كان ينظر إلى "إليف" نظرات أخافتها، تحدث بأمر:
-هاتولي البنت الصغيرة دي، وامسكوا الباقيين.
اقترب أحد الرجال من "إليف"، وقبل أن يصل إليها أمسك "رام" يده بقوة، حتى سمع صوت تكسر عظامها ودفعه بقوة، وقع الرجل على الأرض يتلوى من الألم، تدخل باقي الجنود حتى استطاعوا السيطرة على حركة "رام، وجان"، أمسكوا بهما بقوة وأخذوا "إليف"، كانت تبكي وتحاول الإفلات منهم، لحقت بهم "ماريا" وهي تبكي، أمسكت ذراعه لكن دفعها إلى الخلف بكل قوته، فوقعت أرضًا ورفعت يدها نحو أختها، ودموعها تنزل بغزارة و"إليف" تنظر نحوها تستغيث بها، نظراتها كانت تبوح بما لا تستطيع أن تفعله، تشعر بالعجز وليس بيدها شيء.
"رام" وهو يحاول الإفلات من أيديهم، احمر وجهه وأصبح كأسدٍ مسجون في قفص يزمجر وهو يشعر بالعجز، صاح قائلًا:
-سيبوها، أنا أهو قدامكم اعملوا فيّ اللي انتوا عايزينه.
لم يهتموا لكلامه، أمسك "إليف" من شعرها وهي تصرخ وتنظر إليه بعينين تلألأت فيهما الدموع وجسدٍ يرتجف، كانت تضع يديها على وجهها كأنها تحمي نفسها، نظر الرجل إليها.. كان مستمتعًا بخوفها وتعلو ثغره ابتسامة شيطانية، تحدث وهو ينظر إلى رجاله:
-هاتولي سكين حاد يلا.
اتسعت حدقات أعينهم بفزع، لكن ليس بيدهم شيء، حاولوا التخلص من الرجال الممسكين بهم لكن لم يستطيعوا، يشعرون بالعجز كعصفورٍ وسط قفص كُسر جناحاه.
لم تعد "ماريا" تتحمل الذي يحدث، حاولت أن تتخلص من الرجل الممسك بها، ومن شدة غضبها استجمعت قواها وضربته بقدمها في بطنه، انحنى بألمٍ وتحول لون عينيه للون الأحمر، رفع رأسه بغضب، حدث هذا في الوقت نفسه الذي مر به الحارس الذي ذهب ليحضر السكين لسيده، سحب الرجل من يده سريعًا، استدار نحو "ماريا"، وقبل أن تفهم ما يحدث غرس السكين في صدرها، فتحت عينيها وفمها بصدمة وخرجت منها صرخة دوت في المكان، تعثرت عدة مرات قبل أن تسقط، آخر شيء سمعته هو صراخ أصدقائها، هوت أرضًا دون حراك.
•تابع الفصل التالي "رواية المتاهة القاتلة" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق