رواية ظلمها عشقا الفصل السادس عشر 16 - بقلم فرح صالح
♡ الفصل _ السادس عشر ♡
وقفت تتطلع الى الطفلة الصغيرة الممسكة بيد شقيقها الاصغر بأبتسامة .. سرعان ما اتسعت حين تحدثت اليها بصوتها الطفولى المحبب الى القلب
: ابلة فرح ممكن نقعد معاكى انا ومازن ... اصل ماما قالبة الشقة وبتنضفها وقالت لينا نطلع عندك.
بهتت ابتسامة فرح بعد جملتها الاخيرة وقد لاحظت اصرار سمر على هذا التوقيت من كل يوم ليظلوا معها حتى موعد نومهم ، ولكنها لم تعترض او تتأفف من حضورهم فقد ملأوا يومها بالبهجة والسعادة فى اوقات غياب صالح فى عمله ، وحتى بعد حضوره يمضى معهم الوقت فى المرح والمزاح.
تراقب بشغف طريقة تعامله الرقيقة والحانية معهم ترى بعينيها مدى عشقه لاطفال اخيه وعشق الاطفال له ، لتعاود وتهاجمها مرة اخرى تساؤلاتها عن اسباب رفضه لانجاب..
لكنها سرعان ما تلقيها خلفها حتى لا تلقى بظلالها السوداء على حياتهم ، تستمر فى تجاهل كل ماقد يعكر صفو حياتهم معا.
افاقت من شرودها على سؤال تالين لها يظلله الرجاء بعد ان لاحظت التغير فى ملامح فرح واختفاء ابتسامتها
: ممكن يا ابلة فرح .. انا بحب اقعد معاكى انا ومازن وبنحب الحكايات اللى بتحكيها لينا.
شعت الابتسامة فوق وجه فرح تهتف بمرح وهى تشير ناحية الداخل
: تعالوا يلا ادخلوا ... دانا مجهزة الفشار ومستنية من بدرى علشان نتفرج على الكارتون سوا.
هللت تالين تصفق بكفيها يصاحبها مازن مقلدا لها دون ان يدرك ما يقال بسنوات عمره الثلاث .. يتبع خطى شقيقته الى الداخل ، ليمضوا وقتهم فى مشاهدة افلام الكارتون.
وقد استلقى كل منهما فوق الاريكة بأسترخاء تتوسطهم فرح وقد وضعوا رأسهما فوق فخذها تتلاعب بخصلات شعرهم، لكن ما ان سمع صوت فتح الباب حتى دب فى جسدهم الحماس ينهضون سريعا ثم يهرولون بأتجاه الباب وهم يهتفون بفرحة وسعادة
: عمو جه .. عمو صالح جه يا ابلة فرح.
نهضت فرح هى الاخرى تتبعهم لتراه وهو يقوم يحمل كل طفل فوق ذراعه يبتسم لهما بحنان مقبلا اياهم على وجنتهم ، هامسا لهم بعدة كلمات تعال بعدها هتافهم الحماسى يسارعون للنزول عن ذراعه وعينيهم تشع الفرحة والحماس وهو يقوم باعطاء احد الاكياس لهم.
اخذوا ينظرون بداخله بعدها بتلهف غافلين عن تحرك صالح مقتربا منها بخطوات بطيئة وعينيه ، تتوهج نظراته بشوق وحرارة جعلت وجنتيها تتلون بالخجل..
زاد توهجا حين وصل اليها ينحنى فوق وجنتها يلثمها برقة يسألها بنعومة
: ايه يا ابلة فرح هو عمو صالح مش وحشك .. ولا انتى مش عاوزة تتشالى زيهم ؟!
ضربته بخفة تشير بعينيها ناحية الاطفال الغافلة عنهم هامسة بأحراج
:صالح العيال هيسمعوك.
لثم وجنتها مرة اخرى بقبلات خفيفة اخذت طريقها الى شفتيها يهمس فوقهم
:طب ما يسمعوا .. هو انا بقول حاجة غلط ولا بعمل حاجة غلط .. دانا حتى مؤدب.
ثم سرعان ما ابتعد عنها ودون ان يملها الفرصة سوى لشهقة تفاجئ عالية وهو ينحنى عليها يحملها بين ذراعيه متجاهلا هتافها له حتى ينزلها يدور بها حتى اصبح ظهره للاطفال تستكين بين ذراعيه حين رأت تلك النظرة تراقبه ينحنى عليها ببطء ، وعينيه تلتمع بحنان شغوف كانت هى اكثر من مستعدة له ..
لكنه توقف فى منتصف الطريق ينحنى بنظره الى اسفل يتطلع الى وجه ابن اخيه وقد تعلق بقدمه يحدثه بكلمات متعلثمة
:وانا كمان عمو ثالح .. ارفع فوق .. زى فرح.
كتمت فرح ضحكتها تدس وجهها بعنقه حين سمعته هتف به بغلظة مضحكة
:لا يا مازن مش دورك .. روح العب مع تالين وكل شكولاتة .. وبعدين نشوف الموضوع ده.
لكن أتى صوت تالين تسأله بجدية هى الاخرى وقد وقفت بجواره من الجانب الاخر
:طيب ايه اللى فى الكيس التانى ده يا عمو ؟
اجابها صالح بجدية هو الاخر
:ده كيس الحلويات بتاع ابلة فرح .. انتوا ليكم واحد وهى ليها واحد.
تالين وقد عقدت حاجبيها بتفكير عابس قائلة
:بس كده ظلم ياعمو .. المفروض كل واحد فينا ليه واحد لوحده..!
فجأة انفرجت أساريرها تهتف بحماس
:خلاص ... يبقى احنا ناخد احنا الكيس ده .. وانت تشيل ابلة زى مانت عاوز.
تعالت ضحكة فرح يهتز جسدها بقوة بين ذراعيه وهى تراه يقف مبهوت وعينيه مصدومة من كلمات الصغيرة ، والتى وقفت امامه تبادله النظرات بثبات غير عابئة بذهوله تمضغ فى فمها قطعة حلوى فى انتظار اجابته..
لتجيبها فرح بدلا عنه قائلة بجهد وصوت يتخلله الضحك
:وانا موافقة يا تالين وعمو كمان موافق .. مش كده يا عمو صالح.
وضعت كفها فوق وجنته ترفرفذ برموشها له وهو تسأله بصوت مشاغب طفولى جعله يلتفت اليها هذه المرة وقد اختفى عنه ذهوله ويمرر عينيه فوق ملامحها ببطء شغوف جعلها تشتعل خجلا تتملل بين ذراعيه ، لكنه احكم الامساك بها يضمها الى جسده اكثر وهو يجيب ببطء وعيونه هائمة بها
:طبعا يا عيون عمو صالح .. اى حاجة تقوليها انا موافق عليها .
ضغطت فوق شفتيها تهز رأسها وعينيها تتسع تحاول ان تنهيه على ما ينوى حين راته ينحنى عليها ببطء ، ترى نيته فى عينيه وقد زاد اشتعالها..
لكن فى منتصف الطريق توقف بغتة يغمض عينيه وهو يضغط فوق اسنانه بغيظ حين تعال صوت مازن الباكى وهو يصرخ
:عمو ... تالين اخدت الشيكولاتة تاعتى.
صدحت ضحكة فرح عالية لكن سرعان ما ضغطت شفتيها معا بقوة تقطعها فوراً حين فتح عينيه ينظر اليها يسألها بغيظ وحنق
:عجبك اووى اللى بيحصل ده مش كده؟!
هزت رأسها لها بالايجاب وعينيها بابتسلية تنفرج شفتيها عن ابتسامة واسعة ، مرحة جعلته يزمجر فى وجهها بشدة..
قبل ان يضعها ارضا يلتفت الى مازن يمسك بيده ثم بيد تالين المعترضة قائلا بحزم يتجه نحو الباب الخارجى
:شوفوا بقى انتوا تنزلوا عن ابوكم .. وتحكوا ليه الموضوع ده وتشوفوا رأيه ايه...
تسمرت قدمى تالين تجذب نفسها من يده قائلة بصوت راجى متوسل
:لا يا عمو مش عاوزين ننزل .. احنا عاوزين نبات هنا معاك.
هز راسه لها بقوة قائلا برفض قاطع
:لاااا .. لااااا مفيناش من بيات انتوا تتعشوا وتنزلوا زى الحلوين كده عند ابوكم .. وبكرة ابقوا تعالوا.
زمت تالين شفتيها تتطلع اليه بحزن ورجاء لكنها وعندما وجدت بأن ليس لها الفرصة لتغير رأيه وقد وقف بثبات مكانه ينظر اليها بتحدى وحزم تلتفت الى فرح قائلة برجاء وصوت مستعطف
:علشان خاطرنا يا ابلة قولى له يرضى .. واحنا والله هنكون مؤدبين.
انحنت فرح عليها تقبل وجنتها بحنان قبل ان ترتفع مستقيمة ببطء وهى تتطلع له وعلى وجهها ابتسامة بات يعرفها جيداً ..
ابتسامة اصبحت تعلم جيداً تأثيرها عليه ، تستغلها احسن استغلال وبالفعل اتت بتأثرها المطلوب بتسارع ضربات قلبه وحرارة جسده والتى اخذت تتعالى مع كل خطوة منها نحوه وهى مازالت تبتسم تلك الابتسامة ليرفع سبابته يهزها برفض قائلا بتلعثم محذراً
:لااا .. لااا بقولك ايه خليكى عندك .. انا مش هتهز ولا هغير كلامى .. بصى .. انا ..بقولك .. اهو .
شهق بقوة يغمض عينيه حين شعر براحتيها تستقران فوق صدره تمررهم فوقه ببط ونعومة ، جعلت من عضلاته تشتد اسفلهم تقترب منه حتى غلفته رائحتها اللذيذة تذبيه شوقا لها ، ترتجف اوصاله استجابة حين همست بانفاسها الدافئة بجوار اذنه بنعومة وتدلل وقد شبت فوق اطراف اصابعها حتى تطاله
:علشان خاطرى توافق ومتزعلش العيال ولا تزعلنى .. ولا انت عاوز تزعلنى يا صالح..!
صالح يهمهم بكلمات متقطعة رافضة بارتجاف فى محاولة واهنة منه للرفض والتماسك وقد زادت من اقترابها منه تلف ذراعيها خلف عنقه تزداد التصاقا به..
حتى زفر أخيراً باستسلام وهو يلف خصرها بذراعه يقربها منه
:خلاص يا فرح اللى تحبيه .. وانا هكلم ابوهم اعرفه.
صرخوا جميعا بفرحة تهتف تالين بسعادة بعدها وهى تمسك بيدى شقيقها وتسرع فى اتجاه الغرفة المعدة لاطفال
: تعال يا مازن بسرعة اوريك الاوضة اللى هننام فيها انا وانت.
اخذته واختفت عن انظارهم وحين حاولت فرح الانسحاب من بين احضانه حتى تلحق بهم شدد ذراعه حولها يسألها غامزاً اياها بخبث وشقاوة
:على فين يا بطل .. استنى عندك هنا رايحة فين .. دانا لسه محتاج اقناع يامااا.
فرح وهى تحاول التملص من بين ذراعيه تهتف به بحرج مصطنع
:صالح عييب .. العيال معانا.
المعت عينيه بشقاوة ومكر يزيد من الصاقها به ينحنى نحو وجنتها يقطمها بين اسنانه قبل ان يهمس فوقها
:عيب دلوقت بقى عيب ... طب اعملى حسابك محدش هينجدك من ايدى الليلة لا عيال ولا غير عيال.
دفنت وجهها بين حنايا عنقه تلف ذراعيها حول عنقه هامسة برقة وصوت مرتعش
:وانا مش عاوزة حد ينجدني.
ابعدها عنه ببطء يتطلع نحوها بعيون مشتعلة وانفاس متسارعة يراها تقضم شفتيها باسنانها وهى تخفض عينيها عنه خجلاً ، رغم محاولتها التظاهر منذ برهبة بالعكس ، ليزداد الوهج بعينيه كنار حارقة ينحنى عليها ينوى احتضان شفتيها بشفتيه بدلا عن اسنانها والتى اشعلته بحركتها تلك..
لكن تأتى نداء تالين كسرينة انذار تالفة جعلتهم يقفزا بفزع بعيد عن بعضهم ومازالت تالين تكرر ندائها بصوتها الطفولى الرفيع ليشير لها بيده قائلا باحباط وضيق
:اتفضلى ياختى .. اتفضلى روحيلها يا ابلة فرح .. انا عارف هى ليلة طويلة ملهاش اخر...
ارتفعت ضحكتها المرحة تختطف قلبه معها قبل ان تقبله فوق وجنته ثم تبتعد عنه غامزة له بمرح تهرع نحو الاطفال ، لكن اوقفها ندائه لها لتلتفت له باسمة ليسألها بهدوء
: فرح انتى كنت عارفة ان مليجى خالك رجع تانى الحارة.
اخفضت وجهها عنه بخجل كانت بمثابة الاجابة له ليهز رأسه هامسا بتأكيد
:طبعا كنت عارفة .. استحالة سماح تخبى عليكى حاجة زى دى.
همت بالرد عليه وعلى ملامحها امارات الاسف والاعتذار
:خلاص يا فرح ومتخفيش مش هعمل له حاجة هو خالك برضه.
جرت نحوه كطفلة سعيدة تلقى بنفسها بين ذراعيه تحتضنه وقد اطمن قلبها ولكن ليس على سلامة خالها بل عليه هو فقد اخفت عنه الامر خوفاً من عواقب غضبه..
فلم تريد ان تكون سبب وقوعه فى المشاكل خاصة مع احد افراد اسرتها.
ظلا كما هما للحظات صامتة استكان كل منهم فى حضن الاخر كانت لهم كالنعيم وراحته ، حتى اتى صوت تالين يناديها مرة اخرى لتبتعد عنه باسمة برقة تلقى بقبلة سريعة فوق وجنته ثم تهرع من المكان ، بينما وقف هو يتابعها بعيون عاشقة لكل تفاصيلها وابتسامة سعيدة انارت قلبه قبل ملامحه.
******************
:العيال فين ياسمر مش سامع ليهم حس؟!
سال حسن سمر بعد خروجه من الحمام بعد ان ازاح عن جسده تعب يوم عمل شاق بالاستحمام ، يلقى بالمنشفة فوق المقعد المجاور لها .
وقد جلست تتابع احدى المسلسلات لتجيبه وهى تشيح بيدها بلا مبالاة دون ان تزيح عينيها عن التلفاز
:منصور فى اوضته جو بيلعب على تليفونه وتالين ومازن عند عمهم فوق.
احتقن وجه حسن غضبا يتهتف بحدة وهو يجلس فوق المقعد
:تانى يا سمر هو كل يوم العيال فوق انا مبقتش اشوفهم خالص.
لم تعيره سمر اهتماما تولى التلفاز كاملانتباهها ، ليظل حسن يتطلع اليها بغيظ من تجاهلها هذا له ولحديثه فيهتف بها بحنق
:طب ايه .. هيفضلوا فوق كده مش هتبعتى ليهم يتعشوا معانا.
التفتت اليه ببطء تلقى بما فى يدها من مسليات بالطبق قائلة ببرود
:لا مش هنادى عليهم .. هما شويا وهينزلوا .. وبعدين مالك كده داخل بزعابيبك عليا كده ليه..!
نهض حسن من مقعده يصرخ بها بغضب
: علشان زودتيها يا سمر .. بقالى اكتر من اسبوع مابشوفش العيال ياما نايمين الصبح قبل ما اخرج ياما عند عمهم لنص الليل ما
بينزلوش الا لما بنام .
زفرت سمر تلوى شفتيها بضيق ثم تساله بحدة
:المطلوب ايه دلوقت علشان الليلة دى تعدى بدل ما نقلبها نكد وغم؟
صرخ بها حسن هو الاخر وقد طفح به الكيل واصبح يضيق صدره من تصرفاتها مؤخرا قائلا
:ابعتى هاتى العيال وخليهم ينزلوا حالا .. ميطلعوش فوق تانى انا بقولك اهو.
احتقن وجهها من لهجته هذه معها تهم بالصراخ عليه هى الاخرى ، لكن اتى رنين هاتفه مقاطعا لتلك المشاجرة ليندفع حسن يختطف الهاتف من فوق الطاولة ليعقد حاجبيه بقلق حين راى هاوية المتصل ثم يسرع برد عليه سريعا قائلا بلهفة
:خير يا صالح .. حاجة حصلت .. حد من العيال حصله حاجة؟
فور نطقه باسم صالح اسرعت سمر ناحيته تلتصق به ترهف السمع لحديثهم ، لكن حسن ابتعد عنها يكمل محادثته قائلا بهدوء رغم الضيق البادى فوق وجهه
:طيب تمام يا صالح .. لاا خلاص مااشى ..تصبح على خير.
انهى مكالمته ثم القى بالهاتف فوق المنضدة مغادراً بعدها المكان لتهتف سمر تناديه ثم تسأله بفضول
:حسن .. صالح كان عاوز منك ايه مقولتليش!
لم يجيبها بل توجه لغرفة النوم بخطوات سريعة غاضبة لتهرول خلفه تدلف الى غرفة النوم تهتف به
: انت هتنام .. مش هتستنى العيال علشان تتعشوا سوا !
استلقى حسن فوق الفراش على جانبه بغاية النوم قائلا بحدة
:خلاص مش طافح وهنام .. والعيال هيباتوا عند عمهم الليلة .. على الله نفسك تهدى بقى وترتاحى.
ارتفع حاحبيها بذهول من رده الحاد عليها ، فلاول مرة ترى هذا الجانب من شخصيته رغم سنوات زواجهم الطوال .. تشعر بالتوجس ومن حالته تلك وبأنها قد زدادت من الضغط عليه فى الفترة الاخيرة.
لذا اسرعت باللجوء الى حيلتها القديمة معه والتى لم تخيب أبداً فى تهدئته ورجوعه كالحمل الوديع اليها تقترب من الفراش وهى تهمس بأسمه بنعومة أغراء قائلة
:حسن يا حبيبى .. وقلب سمر من جوه .. انت هتنام وتسيبنى اقعد لوحدى !
ابتسمت بثقة تنحنى عليه تمسك بالغطاء حتى تزيحه عنه لكنها تراجعت بصدمة حين هتف بها بخشونة وقسوة سمرتها مكانها
:اخرجى واقفلى النور والباب وراكى يا سمر انا عاوز انام.
همت بالحديث اليه مرة اخرى لكنها تراجعت حين وجدته يتقلب الى الجانب الاخر يعطى لها ظهره ، وقد رفع الغطاء حتى راسه ينهى بذلك اى محاولة منها للحديث فوقفت لبرهة تراقبه بتوتر وذهول وقد كانت هذه اول مرة تراه غاضب بتلك الطريقة تقف عاجزة عن التصرف معه.
**************
دخلت الى الغرفة الخاصة بالاطفال حتى تستطلع ان تتمكن حقا من جعل الاطفال يخلدوا الى النوم ، فبعد تناولهم العشاء وامضاء الوقت بمرح وصخب ، حتى قرر صالح خلودهم الى النوم رغم معارضتهم الشديدة لذلك..
لكنهم يخضعوا أخيراً لامره بعد وعده لهم ان يجعلهم يأتون للمبيت يوما آخر ليغمز لها خفية بأنتصار بعد اسراع الطفلين ومغادرتهم للغرفة فى سباق وهمى اقامه بينهم ، وقد وقفت تراقب معركة الارادة الدائرة بينهم بتسلية وابتسامة مرحة..
ينحنى عليها قائلا لها بصوت اجش ماكر
:استعد يا بطل .. ثوانى وجايلك ..
انيم ولاد الجنية دول واجيلك هوا بس اوعى تنامى.
ابتسمت تلثمه على وجنته قائلة له بنعومة
: هستناك يا عيون البطل .. بس متتأخرش عليا .
ابتعد عنها يهتف بسرعة وتلهف يتجه خلف الاطفال
:ثوانى وهرجعلك مش هتاخر عليكى .. هنيمهم فى ثوانى.
لكن الامر تعدى الثوانى فقد انتهت من توضيب الفوضى فى المكان وتغيير ملابسها للنوم ، وهو لم يظهر حتى الان لتقرر الذهاب لاستطلاع الامر..
لتتسمر قدميها امام باب الغرفة حين وجدت تالين تتوسط الفراش وقد جلست بين جسد شقيقها وجسد صالح .. قد استرخت ملامحه حد النعومة ، بعد ان استغرق فى النوم هو وشقيقها تتلاعب باناملها داخل شعرهم وهى تغنى لهم تهويدة بصوتها الطفولى الرقيق..
لكنها ما ان لمحت فرح واقفة تتابع ما يحدث بذهول حتى توقفت عن الغناء ترفع سبابتها الى فمها تشير لها بالصمت، ثم تنهض من مكانها ببطء وهدوء شديد خشية ايقاظهم تقترب من فرح تمسك بيدها قائلة
:اوف أخيراً عرفت انيم عمو .. تعبنى اوى بس انا ففضلت اغنيله لحد ما نام.
كادت فرح ان تنفجر بالضحك من طريقة تلك الصغيرة واسلوب حديثها الناضح ، لكنها اسرعت بوضع يدها فوق شفتيها تمنع نفسها حين رمقتها تالين بنظرة محذرة صارمة قبل ان تمسك يدها وتتجه بها نحو الفراش الاخر قائلة بجدية شديدة
:تعالى يلا انتى كمان علشان تنامى.
حاولت فرح الاعتراض لكن قُبِلَت محاولتها من قبل تالين بالرفض والاصرار ؛ لتستسلم أخيراً لارادة الصغيرة تستلقى فوق الفراش بجوارها لتحتضنها تالين بين ذراعيها كالطفلة الصغيرة.
ثم اخذت تغنى لها مرة اخرى تلك التهويدة بصوت رقيق ناعم شعرت معه فرح بمرور الوقت بثقل جفنيها رغم مقاومتها للنوم ، لكنها استسلمت أخيراً تسقط فى النوم هى الاخرى دون ان تشعر..
بينما تحضن تالين بين ذراعيها حتى تنهبت حواسها تستيقظ من سباتها حين شعرت بالطفلة تسحب برفق من بين ذراعيها ، لتزيد من احتضانها اليها بحماية ، لكن اتى صوت صالح الخافت الرقيق يطالبها بتركها لتتركها له.
تراقبه بعيون ناعسة وهو يحمل الطفلة بين ذراعيه ينقلها للفراش الاخر بجوار شقيقها ثم يدثرهما جيداً.
قبل ان يتجه نحوها ويستلقى بجوارها يجذبها الى احضانها ، لتندس فى دفأ صدره تلف خصره بذراعيها ، بينما يقبل قمة رأسها وهو يتنفس بعمق رائحتها داخل صدره ، ليزيد من ضمها اليه وقد شعر بانه قد ملك العالم طالما هى بين ذراعيه هامسا لها بعتب
:كده تسبينى للبت دى تنيمنى زي العيل الصغير وتاخدك انتى فى حضنها .. اعملى حسابك دي اخر مرة هيباتوا هنا.
رفعت وجهها تتطلع نحوه بنظرات راجية تضع يدها على وجنته قائلة بتوسل ولهفة
:لا يا صالح علشان خاطرى .. انت متعرفش انا فرحانة اد ايه انهم معانا النهاردة.
اهلكته تلك النظرة فى عينيها ونبرة صوتها المتوسلة له ليسألها بتحشرج وصوت مرتجف متردد
: بتحبيهم اووى كده ؟!
واد كده فرحانة انهم معاكى..!
اجابته دون لحظة تردد واحدة او تفكير يظهر عشقها الشديد فى نبراتها
: اووى يا صالح بحبهم اووى وبحب الاطفال كلها بعشقهم.
تجمد جسده وكلماتها تخترق قلبه كالرصاصة تمزقه تلك السكين الحاد مرة اخرى ، لينسحب بجسده بعيداً عنها .. لكنها اسرعت بالتشبث به وقد شعرت بتغيره هذا ، والذى لاتدرى له سببا.
تنحنى عليه تقبله بيأس تحاول اخراجه من حالته تلك باظهار مدى حبها له ان لم يكن بالكلمات ، فلتكن بالافعال لكنه ظل على حالة الجمود هذه.
حتى تسللت اليها الهزيمة حين ظل على جموده تحاول الانسحاب للخلف بعيداً عنه ، لكنها شهقت فوق شفتيه حين دس اصابعه فى خصلات شعرها يمسكها بقسو.ة من الخلف يمنع ابتعادها عنه ينقض على شفتيها يقـ.بلها
بشراسة اد.متها ، وسرقت منها الانفاس.
يتعامل معها بخشونة لم تعهدها منه حتى تركها أخيراً بشفاه دا.مية وانفاس متسارعة عالية ينظر اليها بعيون مظلمة عاصفة ، جعلت الخوف يتسرب داخلها لاول مرة منه ..
تهم بسؤاله عما به لكنه لم يمهلها الفرصة بل انسحب من الفراش يجذبها نحوه ، ليرفعها بين ذراعيه ثم يحملها ويغادر بها نحو غرفتهم يدفع بابها بعـ.نف ، ثم يتجه بها ناحية فراشهم يلقيها فوقه لتسري قشعريرة الخوف فى جسدها وهى تراه يزحف بجسده فوقها بملامحه المنقبضة الخشنة وقد ازداد ظلام وعـ.نف عينيه كوحش يستعد لانقضاض على فريسته .
****************************
جلس صباحاً يرمقها بنظراته يحاول بيأس الالتقاء بعينيها ، لكنها اخذت تتهرب منه تتصنع الانشغال بمساعدة الاطفال على تناول طعام الافطار تتجاهله تماماً ؛ فتجعله يشعر فى لحظة بمدى حقارته فلأول مرة يتعامل معها بكل هذا العنف فى علاقتهم الخاصة لدرجة اد.متها بشدة.
وقد ظهرت امام عينيه بشرة عنقها وكتفيها المكدومة نتيجة عنف شفتيه فوقهم ، لا يدرى اى جنون قد اصابه ليلة امس..
فقد اصبح الحديث عن هذا الموضوع يثير به اسوء ما فيه .. يجعله كالوحش يرغب بالتنفيس عن غضبه والظلام بداخله وقد حدث وفقد السيطرة لاول مرة وترك لظلامه السيطرة عليه لليلة امس ، ليصبح عنيفاً قاسياً معها.
وها هى النتيجة امامه تجلس امامه تتجنبه كانه مرض الطاعون ، لكنه لم يستسلم يمد يده يتلمسها وهو يناديها برقة ، لكنها اسرعت بسحب ذراعها بعيد عنه وقد ارتجف جسدها كما ظهر لعينيه بأنه رعب منه وهذا اصابه بمقتل وجعل من ضرورة حديثهم معا الآن وفوراً ..
لذا التفت نحو الاطفال يهتف قائلا بحزم
:يلا يا تالين خدى مازن وانزلى عند ماما وانا هجبلكم حاجات حلوة وانا جاى بالليل.
رفعت تالين عينيها اليه برجاء تسأله
:وتخلينا نبات هنا النهاردة كمان يا عمو؟
هم بالرد عليها لكنها اسرعت بالالتفات نحو فرح وقد ادركت بذكائها قيامه برفض طلبها ، فتحدثها تطلب منها التحدث اليه واقناعه بتوسل شديد .. جعل فرح تبتسم لها بحنان وهى تربت فوق وجنتها بحنان تهز رأسها لها بالموافقة .
ثم تلتفت اليه ببطء وتوتر ظهر بوضوح فى حركة جسدها تهمس له بصوت مرتجف رغم تهربها من النظر نحوه
:ممكن توافق يا صالح..
جعله مظهرها هذا وصوتها مرتجف يشتعل غضبا من نفسه ليأتى رفضه على طلبها غاضب حاد فيجعلها تنتفض فى مقعدها خوفاً
ورعباً منه ، وقد ازاد شحوب وجهها حتى اصبح ڪالورقة البيضاء وهى تخفض وجهها تنكمش على نفسها كطفلة صغيرة مرتعبة.
زفر بحدة يتشدد فڪه هو يراها امامه
بتلك الحالة ، تنتهى قدرته على التحمل لا يستطيع تحمل المزيد من هذا ، لينهض عن مقعده بعنف وينهضها معه يجذبها نحو صدره يحتضنها بقوة اليه ، وما ان احاطها بذراعيه حتى سقطت جميع الجواجز بينهم..
تنهار فى البكاء تدفن وجهها فى عنقه وقد تعالت شهقات بكائها تتقطع لها نياط قلبه يهمس لها بأرتجاف وصوت حمل كل اسف وندم العالم
:اسف .. والله اسف انا مش عارف حصل لى ايه ... حقك عليا مش هتتكرر تانى صدقينى..
ازداد تشبثها به كانها تجد الراحة من المها بين ذراعيه وتنسى بأنه كان المتسبب به ، ليزيد هو أيضاً من احتضانها بحماية يود لو يدسها بين ضلوعه يمتص كل حزنها والمها بداخله.
يهمس بالمزيد والمزيد من اعتذاره واسفه بصوت متوسل اجش حتى هدئت أخيراً شهقاتها ، لبيعدها عنه ببطء ينحنى عليها يقبل جفنها بنعومة يزيح بشفتيه دموعها بعيداً ، ثم ينحدر بهم بقبلات ناعمة وهى تغمض عينيها مستسلمة له تماماً..
حتى شعرت بلهيب انفاسه فوق شفتيها لتفيق من استسلامها هذا تبتعد عنه شاهقة بجزع قائلة
:صااالح ... العيااال.
زفر باحباط وقد تهدجت انفاسه يبتعد عنها هو الاخر بتردد وبطء ، يلتفت نحو الاطفال ليجدهم يتابعوا ما يحدث بعيون فضولية لا تدرك شيئ وافواهم تمضغ طعامهم ببطء ، ثم يلتفت اليها مرة اخرى يسألها برجاء وتوسل
: سامحتينى؟!
هزت رأسها له بالايجاب تبتسم له برقة لتشع عينيه بالسعادة يسألها مرة اخرى كانه يحتاج الى تأكيد اخر منها
: يعنى مش زعلانة منى خلاص يافرح؟
اومأت له مرة اخرى ليقوم بوضع كفه خلف رأسها يجذبها نحوه مقبلاً جبينها بتبجيل ورقة ، وهو يغمض عينيه براحة واطمئنان للحظات كانت لها كالبلسم يشفى المها..
قبل ان يبتعد عنها مبتسما لها بنعومة وعينيه ترق بنظراتها عليها لبرهة ثم يلتفت الاطفال هاتفا بهم بحزم
: يلا يا عيال علشان تنزلوا معايا وانا نازل الشغل.
اسرعوا بالنهوض عن مقاعدهم يسرعوا فى اتجاه الباب الخارجى يقفون فى انتظاره ليحدث فرح قائلا بهدوء
: يمكن اتاخر شوية فى الرجوع ورايا مشوار كده هخلصه ... علشان كده لو اتاخرت عليكى ابقى اتعشى انتى ونامى.
اسرعت تهز راسها له بالرفض قائلا بحزم
: لا انا هستناك لما ترجع حتى ولو بعد الفجر برضه هستناك.
ارتفعت بسمته تزين ثغره يهز رأسه لها بالموافقة ثم يهمس لها بسلام مودعا يتجه ناحية الباب يتبع الاطفال ، لكنه توقف بعد فتحه للباب يلتفت اليها مرة اخرى هامسا بنعومة وصوت اجش رائع كان كوقع الموسيقى فى اذنيها
:بت يا فرح .. هتوحشينى لحد بالليل .
التمعت عينيها يتراقص قلبها بالفرحة تهمس له بخجل وصوت مرتعش رقيق
:وانت كمان هتوحشنى .. متتأخرش عليا .
هتفت تالين بهما تقطع حديث عينيهم بعد ان طال عليها الانتظار قائلة بملل
:طيب مدام انتوا الاتنين هتوحشوا بعض خلينا كلنا هنا وبلاش حد فينا ينزل.
صدحت ضحكة فرح المرحة فى المكان بعد حديثها هذا ، بينما صالح ينحنى عليها يحملها على ذراع وعلى ذراعه الاخر اخيها قائلا بصوت حازم مرح ومشاغب
: انت مالك يا بت انت بالكلام ده .. ولا انت ما بتصدقى انتى تمسكى فى اى حاجة .. المهم انك متنزليش من هنا.
ثم اخذ يدغدغها بوجهه تتعال ضحكاتها الصاخبة حتى اختفوا خلف الباب بعد ان اغلقه خلفهم يسود الصمت المكان بعد رحيلهم تشتاقه روحها منذ الان ولم لكن يمر على غيابه عن سوى ثوانى معدودة.
***************************
فور دخولها للمكتب صباحاً واستعدادها ليوم عمل جديد
لكنها شهقت بفزع حين اتى صوت نسائى اجش من خلفها يسألها بحدة
:انتى سماح اللى شغالة هنا عند عادل المحامى؟
التفتت خلفها لتجد اثنان من النساء متشحات بالسواد داخل يبدو على ملامحهم الحدة والشراسة ، لتقف للحظات تنظر اليهم بتوجس وخشية قبل ان تهمس لهم مترددة تؤكد هويتها لهم
:ايوه انا سماح خير فى حاجة؟
لتدفعها احدهم فى كتفها بيدها هاتفة بشراسة
: طب ما تنطقى على طول .. ايه هنشحتها منك..!
تراجعت سماح للخلف بعنف اثر الدفعة تصرخ بهم بغضب
:فى ايه ياست انتى مالك وهو حد داس ليك على طرف؟
اقتربت منها السيدة الاخرى تصرخ بها
بتهدد
:بت انتى صوتك ميعلاش عليا .. اوعى تكونى فاكرة نفسك حاجة .. لا فوقى .. داحنا جيلك مخصوص نفوقك ونعرف مقامك.
صرخت بها سماح هى الاخرى وقد كسى وجهها الشراسة والغضب
:جرى ايه يا وليه منك ليها .. انتوا جاين تجروا شكل على الصبح ولا ايه .. يلا اطلعوا بره من هنا.
فور أن انتهت من صراخها حتى اندفع عادل الى داخل يسألها بحدة
:فى ايه يا سماح ايه الزعيق ده .. حصل ايه؟
وامام عينيها تبدل حال السيدتين فور رؤيته وانمحت عن وجهيهما شراستهم وحل مكانها المسكنة والحزن يلتفتون اليه تحدثه احداهما قائلة بضعف
:ينفع كده يا استاذ؟!
الابلة اللى بتشتغل معاك تبهدلنا كده وتعلى صوتها علينا!
تطلع عادل نحو سماح يجدها تهز رأسها له بالنفى ، لكنه ظهر عدم تصديقه لها فى نظراته يلتفت نحو السيدة يسألها بأدب
:خير يا حاجة حصل ايه لكل ده؟!
اجابته السيدة بصوت متحشرج وبكاء مصطنع اجادت صنعه
:أبداً محصلش مننا حاجة غير اننا سالنا عليك وكنا عاوزين نقعد نستناك بس مرضيتش وكانت عاوزة تطردنا بره وبهدلتنا يا استاذ.
مرة اخرى التفت عادل الى سماح ولكنه هذه المرة كانت عينيه تنطق بالغضب ، بينما وقفت هى كلمقيدة لايمهلاها الفرصة للنطق بكلمة دفاعا عن نفسها امام كل هذا الكذب ..
وليزاد الطين بله حين جذبت احدى السيدتين الاخرى تهتف به وهى تبكى بحرقة
:يلا بينا من هنا يا شربات والنعمة ما قعدة فى المكان ده دقيقة واحدة .. كفاية بهدلة فينا من حتة عيلة اد عيالنا.
خرجتا معا من المكتب فوراً دون اى فرصة لحديث اخر فتحدث سماح فوراً خروجهم تنفى عنها اتهامهم لها قائلة
:صدقنى يا استاذ عادل الكلام اللى بيقولوه ده محصلش وانا كنت....
قاطعها عادل بحزم وهو يتحرك من مكانه يتجه لمكتبه قائلا لها بخشونة وتجهم
: جهزى ملفات قضايا النهاردة واتاكدى من الورق كويس وحصلينى...
دخل مكتبه يغلق خلفه الباب بحدة ، اما هى فقد علمت بانها اضاعت فرصتها للدفاع عن نفسها حين صمتت وتأخرت فى دفاعها عن نفسها ، والذى ادانها امامه..
ولكن ماذا تفعل فقد اخذت على حين غرة لا تدرى كيف حدث كل هذا ولا كيف اصبحت هى المدانة فى نظره.
_______________
•تابع الفصل التالي "رواية ظلمها عشقا" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق