رواية صرخات انثى الفصل التاسع 9 - بقلم اية محمد
.
(اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على من بالصَّلاةِ عليهِ تُحطُّ الأوزار، وتُنال منازل الأبرار، ورحمة العزيز الغفار. اللَّهمَّ إنا نسألُكَ من خيرِ ما سألكَ منه محمد نبيك ورسولك ، ونعوذ بك من شر ما استعاذ بك منه محمد نبيك ورسولك، اللَّهمَّ إنا نسألُك حبَّهُ.. وحُبَّ من يُحِبُّه، وحُبَّ كلِّ عملٍ يُقربُنا الى حُبِّه..❤)
سكن جسده بين يدها، بعدما فشل بمحاربة الأغماء الذى أحاطه بقوةٍ، فاستسلم بين يدها وأخر ما يسكن أذنه صوت صراخها ولوعة قلبها بإسمه، احتضن مايسان وجهه بيدها، فلطمه برفقٍ وهى تصرخ ببكاءٍ حارق:
_عمــــــــــــران... لأ متسبنيش يا عمران من فضلك.
رفع علي يده بصعوبة يحرك باب مكتب أخيه الزجاجي، فكسر تصنم جسده وركض إلى أخيه يتفحص نبضه، فعاون الممرض على حمله على السرير المنتقل، فأسرعوا به للمصعد.
استدار علي إليها فوجدها مازالت تجلس أرضًا والصدمة تجعلها لا تشعر بأحدٍ، لسانها لا يكف عن ترديد نفس الجملة:
_عمران متسبنيش!
انحنى علي إليها بشفقةٍ، فقال:
_مايا قومي معايا.
رفضت الانصياع إليه وأبعدت يده عن ذراعها، وعادت تكرر نفس كلماتها وكأن عقلها مغيبًا عن الواقع تمامًا، جذبها علي بقوةٍ جعلتها تنصاع إليه، فوقفت ترتجف من أمامه ودموعها لا تكف عن الزوال.
كونه طبيبًا يعلم بأنها على بوادر إنهيارها، حالتها لا تطمن بالمرةٍ، انشطر قلب علي خوفًا على أخيه وزوجته التي ترنح جسدها فاقدة الوعي بين ذراعيه، فحملها وهرع للأسفل، قاصدًا سيارته ليتبع سيارة الإسعاق للمشفى، ولسانه لا يغفل عن ذكر الله والدعاء لاخيه بالنجاة.
******
لم يفارق منزله منذ الأمس، قضى يومه بالكامل برفقتها، في محاولةٍ لتعويضها عما فعله دون قصدًا منه، فمقت ذاته بعد أن تبادلا الحديث طوال اليوم ولحظات جمعتهما أثناء تحضير الغداء، حرم ذاته من نعيمٍ مقدر له فلم يشعر بأنه تزواج الا اليوم، وها هما الآن يشاهدان فيلمًا ويتناولان الذرة سريعة التحضير (فشار)، ويضمها لصدره بمرحٍ لخوفها من أحداث الفيلم الرعب، فترجته بدلالٍ:
_إقلب يا جمال عشان خاطري أنا بترعب من الأفلام دي.
ضحك وهو يجيبها ساخرًا:
_هتفهمي إنتي الدماغ دي ازاي البنات ملهمش في العنف أخركم مسلسل تركي حلقة طبيخ أو مسلسل هندي من اللي ميدخلش عقل عيل في كيجي وان!
لكزته بغضب فتفادها وهو يضمها بتملكٍ وصوت ضحكاته الجذابة تزرع بسمتها دون تردد، فتوقف وهو يقربها إليه هائمًا بعينيها التي قبض عليها تتأمله بنظرةٍ سحرته، اختطف بضعة لحظات خاصة بهما ليقاطعهما صوت هاتفه الموضوع على الطاولة من أمامه.
ضيق عينيه باستغرابٍ وهو يتفحص الوقت، مرددًا بدهشة:
_غريبة إن يوسف بيتصل بالوقت ده!
وجذب الريموت يخفض مستوى التلفاز، ثم رفع الهاتف يجيبه:
_أيوه يا يوسف خير في حاجة؟
راقبته صبا باهتمامٍ وخوف حينما تحولت ملامحه الهادئة لأقرب لصدمة جعلتها تهمس له بقلقٍ:
_في أيه يا جمال؟
انتفض بجلسته وهو يصيح بهلعٍ:
_أمته حصل الكلام ده؟
انتظر لسماع ما يقول بعنايةٍ، وأجابه وهو يركض للغرفة:
_ابعتلي عنوان المستشفى أنا جاي حالًا.
أسرعت صبا من خلفه، فوجدته يجذب ملابسه من الخزانة ويرتديها على عجلةٍ من أمره، حتى كاد بالتعثر وهو يرتدى بنطاله، فسألته بتوترٍ:
_جمال في أيه؟
رد عليها بحزنٍ جعلها تلتمس حبه الشديد لاصدقائه:
_عمران نقلوه على المستشفى، بيقلوا حالة تسمم.
وزرر قميصه بعشوائية ثم جذب مفتاح سيارته ومتعلقاته ليتجه للمغادرة وهو يلقنها بتعليماته:
_اقفلي الباب عليكي كويس، وأنا هبقى أكلمك على الفون.
وقفت خلف الباب تراقبه وهو يتجه للمصعد، فرفعت صوتها إليه قبل أن ينغلق باب المصعد:
_ابقى طمني يا جمال.
هز رأسه لها وهو يكمل ارتداء جاكيته بالمصعد، فركض لسيارته ليتبع عنوان المشفى المرسل إليه من قبل يوسف.
*******
ركض به فريق التمريض لغرفة الجراحه، فأسرعت ليلى التي وصلت للتو بعد اتصال يوسف بها، فوجدته يقف خارج غرفة العمليات جوار علي، فما أن رآها حتى ركض إليها يخبرها بخوفٍ:
_عمران يا ليلى عشان خاطري إبذلي أقصى ما بوسعك عشان تنقذيه.
ربتت على يده بحنانٍ وحزنٌ يتغلبها:
_متقلقش يا يوسف، خير إن شاء الله.
ولجت لداخل الغرفة راكضة فاتبعها علي الذي استعد بالتعقيم ليتبعها هاتفًا:
_من فضلك يا دكتورة ليلى أنا مش هسيب أخويا.
اكتفت بإشارة صغيرة له ثم هرعت للداخل لتبدأ بتفحص نبضه وتهييء عمران للتدخل الجراحي إن لزم الأمر.
بينما بالخارج يجلس يوسف على المقعد ورأسه ساكنًا بين يديه، فتفاجئ بجمال يرنو إليه بأنفاسه اللاهثة:
_يوسف طمني على عمران .
أشار إليه ورأسه يعود للأسفل بحزنٍ:
_لسه محدش خرج من جوه.
جلس جواره هامسًا باختناقٍ:
_مش هيجراله حاجة، هيقوم إن شاء الله.
رفع عينيه للأعلى وهو يردد بصوته المحتقن:
_يا رب.
*********
_إنت بتقول أيـــــــــه، لأ مستحيل ده يحصل أكيد في حاجة غلط أتاكد؟
قالها راكان بصدمة استحوذت على معالمه فجعلته أقرب للاصابة بذبحة صدرية، ومن حوله رجاله عاجزون عن التدخل بأمره، فما أنا وضع راكان سماعة الهاتف حتى سأله رافاييل شريكه الخفي:
_ما الأمر راكان، ماذا حدث؟
مال بجسده ليستند على المكتب من أمامه باهمالٍ، وهو يحرر كلماته الثقيلة:
_حجزت الحكومة المصرية على شحنة الأدوية بالميناء قبل دخولها.
جحظت عين الأخير، فصرخ بعدم استيعاب:
_اللعنة! إن علم الرؤساء بما حدث سنهلك جميعًا، لا تنسى راكان هذة الشحنة الثالثة التي يتم تصديرها خلال هذا العام، لن يقبلوا بخسارة تلك المبالغ الطائلة عبثًا.
وتابع مستنكرًا لما يحدث:
_وأين رجالك الذين يعملون داخل الميناء ما لي لا آراهم، ولماذا تدفع لهم إن لم يقومون بمهامهم؟
جذب الكوب الفارغ وأشار لأحد رجاله فسكب له من الخمر، ليتجرعه مرة واحدة ثم ازاح العالق بشفتيه وهو يردد بحقدٍ:
_رجل من رجالي أكد لي بأن هناك ظابط مصري هو المسؤول عن كل ما يحدث.
رفع حاجبيه باستغرابٍ:
_من هذا؟
أجابه باحباطٍ وهو يسند يديه لجبينه:
_لا أعلم ولكنه ليس سهلًا بالمرة، يحارب أي شخصًا يورد أدوية فاسدة داخل مصر، حاولت أن أصل لأي معلومة إليه ولكني فشلت حتى بمعرفة إسمه الحقيقي!
امتعضت معالم رافاييل حتى بدى، وكأنه على وشك قتله:
_هل تخبرني بأنك عاجز بالكشف عن شرطي حقير يدمر ما فعلناه بعد تلك السنوات! إن كنت عاجز فلتترك لنا مهمة البحث عن رجلٍ أخر يكون منفذنا داخل مصر غيرك!
ابتلع ريقه بتوترٍ من ازعام الآخر لضعفه وعدم قدرته على التصدي لذاك الشرطي، فقال:
_سأكتشف من يكون وأعدك بأنني سأقتله بيدي!
رُسمت بسمة ساخرة على وجه من يراقبهما من الخارج، فتسلل للخارج قبل أن يكشف وجوده أحدًا، ومضى بطريقه لغرفته القابعة بالطابق الأول من المنزل الخارجي بفيلا راكان، فألقى بثقل جسده على الفراش مرددًا بمكرٍ:
_وريني هتكشفني إزاي وأنا جنبك وسابقك بعشر خطوات!
واستند آدهم برأسه على ذراعه مطلقًا صفيرًا باستمتاعٍ لما يدور من حوله، وهمس بوعيدٍ جعل حدقتيه السوداء أشد قتامة:
_هانت ورقبتك هتبقى تحت رجليا إنت واللي وراك!
******
الساعات تمضي ومازال قلبها عاجزًا عن الخفق، عينيها المتورمة معلقة على باب الغرفة، بانتظار أي بصيص أملًا يمنحها السكينة، قدميها تؤلمها بشدة وعلى وشك أن تفقد قدرتها على حمل جسدها المترنح، ومع ذلك صمدت قدر المستطاع، اقترب منها جمال وأشار برفق على الأريكة المعدنية القريبة من باب الغرفة:
_ مايسان مينفعش اللي بتعمليه بنفسك ده، ريحي رجلك شوية على الأقل لحد ما يخرج وتطمني عليه.
هزت رأسها بنفيٍ، وباصرارٍ قالت:
_مش عايزة أقعد، أنا كويسة.
انضم يوسف إليه في محاولةٍ لاقناعها:
_اللي بتعمليه ده غلط وهيضرك، اهدي عشان صحتك، وبعدين علي لسه مطمنا من شوية المفروض تكوني اهدى من كده.
رضخت إليهما بقلة حيلة، فتحركت لتجلس على طرف الأريكة ومازالت عينيها تراقب الباب بدموع تغرق وجهها، فما أن انفتح حتى هرولت إليه.
نزعت ليلى الكمامة عن فمها ثم قالت ببسمة هادئة:
_الحمد لله حالته مستقرة، وشوية وهيتنقل في أوضة عادية.
ضمت مايسان صدرها وكأنه تربت على قلبها النازف، وسألتها بلهفةٍ:
_طب ممكن أدخله؟
لفت يدها من حولها وهي تحاول أن تطمنها:
_مفيش داعي،دكتور علي جوه معاه وشوية وخارج.
وأحاطتها ليلى وهي تشير لها على غرفتها:
_ادخلي انتي بس يا مايا ريحي شوية عشان حالة الإغماء اللي عندك متتكررش تاني.
وأشارت ليلى للممرضة التي أتت إليها، فأخبرتها برسمية:
_اذهبي بالسيدة مايسان لغرفتها،اجعليها تتناول طعامها ودوائها.
أومأت الممرضة في طاعة، واسندتها لغرفتها القريبة من ردهة المشفى، وحينما تأكد يوسف من رحيلها سأل زوجته بشكلٍ صريح:
_طمنيني يا ليلى، عمران كويس فعلًا؟
ارتسم الحزن على معالمها فهي تعلم ماذا يعني عمران له، فاستمدت نفسًا مطولًا وهي توزع نظراتها بينه وبين جمال المترقب لسماع ما ستقول،ثم قالت :
_مخبيش عليك يا يوسف السم اللي أخده خطير بيوقف خلايا المخ والجسم كله في أقل من نص ساعة، حظه الكويس إنه مشربش غير كمية قليلة، وكمان مساعدة مايا له بأنه يطرد اللي شربه قلل من الخطورة ، بس أنا مقدرش أجزم إنه متضررش غير لما يسترد وعيه، ولو لقدر الله حصل شيء فهيكون بشكل مؤقت لإن الكمية مكنتش كبيرة.
وتابعت برزانة وهي تتابع الدمعات اللامعة بعين زوجها:
_خلينا منسبقش الاحداث ونستنى لما يفوق.
رفع جمال يده على كتف يوسف وردد:
_متقلقش عمران قوي وهيعدي منها.
هز يوسف رأسه بخفةٍ، وعاد يتساءل باهتمامٍ:
_علي عرف الكلام ده؟
أجابته بتأكيدٍ:
_مقدرتش أخبي عنه شيء خصوصًا إنه كان معانا جوه لحظة بلحظة.
وتابعت ببسمة هادئة رسمت على وجهها الأبيض:
_دكتور علي شخص متفهم ودكتور شاطر وعارف إزاي يسيطر على مشاعره.
قاطعهم صوت الباب مجددًا، ليجدوا علي يدفع السرير المتحرك برفقة الممرض، فأسرع يوسف وجمال إليه، عاونوه حتى نقلوه معًا لغرفته، فأسرعت ليلى والاطباء بغرس الأبر والأجهزة لجسده المرتخي بين أيدهم باستسلامٍ.
تحرك علي لأقرب مقعد قابله بالغرفة، فألقى بثقل جسده وعينيه الباكية لا تفارق وجه أخيه الصغير، ابنه الذي لم ينجبه بعد، علي الصامد القوي ليس كذلك إن مس الأذى أفراد عائلته، لا يعلم ماذا سيفعل إن علمت والدته بالأمر.
دنى جمال من السرير، فما أن رأى صديقه هكذا حتى انهمرت دمعاته وصاح بشراسةٍ:
_أكيد الزبالة دي ورا اللي حصل خصوصًا بعد اللي عمران عمله فيها يوم الحفلة.
انتبه علي لحديثه، فنهض عن مقعده وأسرع إليه متسائلًا:
_تقصد أيه يا جمال؟
استدار إليه يخبره بحزنٍ:
_ألكس يوم الحفلة كانت عايزة تدمر العلاقة بين مايسان وعمران، فاتفقت مع اتنين رجالة يعتدوا على مايسان وتصورهم، وعمران عرف باللي كانت ناوية تعمله بهدلها قدام الناس وقالها تبعد عنه، أكيد هي اللي سممته.
احتدت معالمه غضبًا، فردد من بين انفاسه المختنقة:
_حق أخويا مش هسيبه حتى لو كنت في قبري.
وجذب هاتفه ثم خرج يتصل بمسؤول الأمن داخل الشركة، وطالبه بفض تسجيلات الكاميرات وبالأخص مكتب عمران، بينما قام بابلاغ الشرطة التي أتت على وجه السرعة لتحقق بالأمر، استنادًا على شهادة جمال والاطباء وأخرهم بالتسجيلات المطروحة من أمامهم والتي ظهرت به ألكس وهي تضع السم بقهوة عمران، وعلى الفور تحركت الشرطة للقبض عليها.
*******
الليل يجوب بسواده الأفق ومازالت بغرفتها يغادرها النوم تاركها تعاني بمفردها، عينيها الزرقاء تجوب خزانتها بنظرة تحمل الحنين لما يخترق قلبها، حاولة جاهدة البقاء والابتعاد عما بوسوس لها قلبها ولكنه بالنهاية انتصر بمعركتها الخاسرة، فنهضت بآلية تامة تغلق باب غرفتها جيدًا، ثم فتحت خزانتها لتجذب صندوقها الذهبي العتيق.
لامسته فريدة بأصابعها المرتجفة، ويدها تمر على تفاصيله بعنايةٍ وكأنه تحفر داخلها ألف ذكرى، حتى تحرر رافعته، تطلعت لما بداخله بأعينٍ لامعة بالدموع، ومع محاولاتها بعدم البكاء الا أنها فشلت كعادتها بحجبها، يكفيها ارتداء قناع جمودها الزائف بالخارج، هي الآن ضعيفة أمام ما تحمله من أوجاع ممسدة بذكرياتها القابعة بيدها.
حملت تلك الزهرة التي أحاطها الزمان فجعلها جافة كجفاء قلبها، مررت يدها عليها وهي تتذكره، رسمت صورة إليه في نفس لحظة لامسها للزهرة، وفجأة انتفض جسدها بعنفٍ حينما ضربتها كلماته التي لا تتركها.
«قصتنا نهايتها كانت في اللحظة اللي طالبك فيها أخويا سالم يا فريدة، إنتِ دلوقتي محرمة عليا حتى لو رفضتيه مستحيل هيكون في شيء بيجمعني بيكِ»
ذكرى أخرى هاجمتها وكل ما يتردد لها سماع جملته بصوته الغائب
«فوقي من الوهم ده، لا أنا ولا إنتِ هنقدر نواجه العيلة، متنسيش إن جدك ممكن يقتلك لو شك بس إنك ممكن تسببيله العار.»
مالت على الفراش وهي تكبت آذنيها وخاصة حينما رأت أخر مشهد جمعهما، تذكرت كيف كانت تتوسل إليه وهي تردد ببكاءٍ:
_أحمد إنت كده بتقتلني، أرجوك متتخلاش عني، حارب علشاني أنا مش هقدر أقف قصاد بابا وجدي لوحدي، أنا محتاجة إنك تكون معايا وجنبي.
منحها نظرة أخيرة من عينيه الدامعة قبل أن يوليها ظهره بكل كبرياء:
_الست اللي عين أخويا تيجي عليها تبقى محرمة عليا.
جلدتها كلماته واخترقت سهام قلبها النازف، استمدت قوتها من العدم ولحقت به حيث محل وقوفه، لترسم بسمة باهتة وبسخرية قالت:
_هو فين أخوك ده، يعرف أيه عنك وعني!!
وتابعت بصراخ أنثى ذُبحت على يد من عشقته من طفولتها:
_أخوك طول عمره عايش في انجلترا ميعرفش عني حاجة، وأول ما افتكر إنه له أهل نازل وعينه عليا وبدل ما تعمي عينه اللي جت عليا بتتنازل عني بمنتهى البساطة كده يا أحمد، فين رجولتك وفين حبك وغيرتك عليا!
أغلق عينيه بغضب عصف داخله قبل أن تتشربه بشرته، فقال من بين اصطكاك أسنانه دون أن يستدير لها:
_امشي من هنا يا فريدة، أنا مش عايز أذيكي بايدي!
هزت رأسها وهي تجيبه بحقد:
_ماشي يا أحمد، همشي وهوافق على أخوك.
وتابعت بكرهٍ شديد:
_بس أقسم بالله لأكسرك وهخليك تتمنى الموت كل ثانية هكون فيها جنب أخوك، هدفعك تمن السنين اللي قضتها كلها في حبك، هدفعك تمن انتظاري للحظة اعلانك لحبنا قدام جدك والعيلة، هدفعك تمن ضعفك وهروبك... تمن استسلامك وتخليك عني وبكره تشوف.
وغادرت تاركته من خلفها يبكي حتى سقط أرضًا يلتاع من فرط ألمه، ليته أخبرها الحقيقة وترجاها بأن تتزوج أخيه ربما حينها لن تموت باليوم ألف موتة، ربما ظل قلبها على قيد الحياة.
تدفق الدمع على وجنتها ويدها تكبت شهقاتها خشية من أن يستمع إليها أحدًا، ذكرياتها قاتلة حد النخاع، لدرجة لا تستطيع بها تذكر ما مضى، كل ذكرى تذبح فؤادها وبالأخص بتلك الايام التي قضتها بعد خطبتها من سالم، كانت تحاول بكل طاقتها أن تثير غيرة حبيبها، عله يعود لرشده ولكنها كانت تعود بنتيجة معاكسة لما تنتظره، كانت هي من تتألم وليس هو، وما زاد الأمر الا تعلق سالم بها وتحديد يوم زفافهما على وجه السرعة، بعد أن قرر أن تنتقل للعيش معه ومع باقي أفراد العائلة بانجلترا.
حملت فريدة بأصابعها المرتعشة ساعة رجالية موضوعة بين أغراض الصندوق، وزجاجة من البرفيوم رفعتها نصب عينيها الباكية لتجوبها لذكرى أسوء يوم بحياتها بأكملها، نثرت البرفيوم على يدها، وقربته لانفها بتأثرٍ، أخر مرة قامت باستخراج محتويات الصندوق منذ خمسة عشر عامًا، وكل فترة تقوم بشمه يكون على فترات متباعدة بعد عدة معارك تخوضها مع ذاتها فتبتعد أعوام وحينما تنتصر تعود للصندوق الذي قذفها الآن لتلك اللحظة، لحظة انتهائها من زينتها وارتدائها فستانها الأبيض، لحظة ركضها لغرفته فولجت خفية من الشرفة بعد أن طالبت الجميع بدقائق تنعزل بها مع ذاتها.
ولجت تبحث عنه بلهفة، فوجدته يقف بشرفته يتكئ على الاريكة المقابلة له وعلى ما يبدو كان يبكي!
صوت أنفاسها العالية جراء ركضها جعله يستقيم بوقفته، لا يريد أن يستدير، يخشى أن يصدق حدسه وتكون أمامه، فتحرر صوتها ليحطم مرآة حقيقته حينما نادته باكية:
_أحمد.
استدار للخلف ببطء لينغز قلبه دون رحمة وهو يرأها من أمامه بفستانها الأبيض الذي حلم رؤيتها به يومًا تزف إليه، ابتلع ريقه الجاف بمرارةٍ وادعى الجمود لمرته الاخيرة، هاتفًا بخشونة:
_أيه اللي جابك هنا؟!
الجفاء كان طريق التعامل معهما منذ أخر لقاء وأخر قسم منحته إياه، كانت كل مرة تتصنع سعادتها برفقة أخيه وهو يعلم بأنها تقتص منه، وبين قرارة نفسه يتمنى أن تظل تدعي سعادتها لتحاول قمع وجعه.
دنت منه فريدة قاتلة بداخلها كل ذرة كبرياء داخلها، وسقطت أرضًا تتمسك بساقه وتردد بانهيارٍ زلزله:
_متعملش فيا كده يا أحمد، أنا مقدرش أكون لراجل غيرك، أنا حبيتك إنت وأتمنيتك إنت، أبوس إيدك أتكلم ودافع عن حبنا، أحمد أنا لو حد تاني قربلي غيرك هموت نفسي، أرجوك إتكلم.
كور يده بقوةٍ واستمد عون أنفاسه، فانحنى يجذبها لتقف أمام رمادية عينيه، ثم قال بصوتٍ شبيه للباكي:
_فات الأوان يا فريدة، اتقبلي الأمر الواقع إنتِ دلوقتي بقيتي مرات أخويا.
تمسكت بذراعيه القابضة عليها ورددت ببكاء:
_لا يا أحمد لسه معانا وقت، تعالى نهرب عشان خاطري.
جحظت عينيه صدمة مما استمع إليه، فنهرها بشدة:
_انتي مجنونة يا فريدة نهرب فين، مكنتش أعرف انك انانية ميهمكيش غير نفسك وبس، مفتكريش في سمعة العيلة بعد اللي بتفكري فيه ده، مفكرتيش في أختك! مفكرتيش في اخواتي!
وتركها وهو يشير لها بالخروج:
_اطلعي من أوضتي ومن حياتي كلها وانسيني، انسي إن ليكِ ابن عم اسمه أحمد، إنسيني يا فريدة.
تفادت سقوطها أرضًا ونهضت تتأمله بنظرة محطمة، فقالت بصوتها الخافت:
_إنت كده حكمت عليا بالموت يا أحمد، والله العظيم لو خرجت من الباب ده هموت.
زاح عنه قناع جموده، فتهاوت دمعاته على وجهه فرأتها لأول مرة وتمعنت بتطلعها إليه عساه يتراجع عن قراره، دنى منها بخطواته البطيئة حتى أصبح قبالتها، فقال بصوته المحتقن من الدموع:
_ارحميني يا فريدة، كفايا عليا كل ده كفايا أرجوكِ، عشان خاطري اخرجي من هنا ومتبصيش وراكِ، انسيني وانسي أي وعد كان بينا، متزرعيش الكره بيني وبين أخويا من فضلك.
وتابع وقد انهمرت دمعاته على خديه:
_إنتِ أكتر واحدة عارفة الحساسية اللي بينا لاننا مش من نفس الأم أي قرار هتحصل دلوقتي هيتقال إني بأخد حق أمي منهم، من فضلك بلاش أنا ما صدقت إن اخواتي مصطفى وإيمان يعيشوا عيشة طبيعية مش هحرمهم من حقوقهم عشان انانيتي.
تحجرت دمعاتها بعينيها وهي تتطلع إليه مهزومًا، ضعيفًا، يترجاها بأن تنساه وتمضي برفقة أحضان رجلًا غيرها!
جابهته وهي تصيح بقوة جعلته يتابعها بدهشة:
_موافقة أطلع من هنا واتجوز أخوك وأعيش حياتي بس عندي شرط واحد يوم ما تخلى بيه أنا هخلى بوعدي ليك.
بالرغم من مرارة ألمه الا أنه تساءل بفضول:
_شرط أيه؟
تابعت رماديته بنظرة محبة لكل تفاصيله واجلت صوتها مرددة:
_هتعاقب وهتحمل مقابل أنك تعيش حياتك كلها لوحدك من غير جواز، موافق؟
ترقبته بصبرًا واهتمامًا، توقعت رفضه التام لشرطها المحال، وحينها ستملي شروطها الاخرى، ولكن خاب أملها حينما ابتسم وهو يجيبها:
_أنا مستحيل هخليكي تعيشي الوجع اللي أنا بعيشه دلوقتي يا فريدة، فاطمني مش هرتبط بأي ست على وجه الأرض.
انزلقت دمعاتها تدريجيًا لسماع كلماته، أيعشقها بتلك الدرجة التي تجعله يخشى أن تخوض وجعًا بزواجه بأخرى ويحتمل وجعه الآن وهي تفارقه!
انسحبت الكلمات عن لسانها واستدارت عنه واقفة تتطلع لباب الغرفة وكأنه باب مصيرها الأسود، وقبل أن تخطو للخارج عادت إليه راكضة لاحضانه، فبقى متخشبًا أمامها لا يقوى على رفع ذراعيه بالرغم من حاجته لعناقها.
فهمست إليه بدموع:
_احضني لأخر مرة يا أحمد.
انصاع إليها فرفع ذراعيه يحاوطها باكيًا بتأثرٍ، وفجأة ابعدها بخوف،من طفولتهما يخشى أن يلمس يدها، يحافظ عليها أكثر من حياته، والآن ينجرف خلف شيطانه!!
ابتعدت عنه واتجهت لمغادرة غرفته وقبل أن تخرج اتجهت للسراحة، فمدت يدها وهو يراقبها، فوجدها تجذب ساعته والبرفيوم الخاص به ثم هرولت من أمامه وكلما ابتعدت سحبت روحه من خلفها، فسقط على المقعد يبكي وهو يصرخ بوجعٍ:
_يا رررب!
أغلقت فريدة صندوقها وعينيها يملأها الكره، فاعادته لمحله وكأنها تحمل شيئًا منفرًا، ثم عادت لفراشها وهي تبعد هاتفها الذي يحمل رسائله المعتاد لمراسلتها كل فترة، وهي تردد بجحود:
_اتعذب وإتألم يا أحمد بحق وجعي وقهري عمري ما هسلملك ولا هريح قلبك.
وتابعت ويدها تجذب الصورة الموضوعة على الكومود التي تحمل مايسان وشمس، فقالت وعينيها تراقب مايسان بشفقة:
_مكنتش عايزاكي تعيشي اللي عيشته يا مايا، بس الحمد لله النهاردة حسيت بالأمل عمران فعلًا بيحبك زي ما توقعت، وبكره هيشوف ده بنفسه وهيندم على معاملته ليكي بس وهو معاه فرصة يقدر يصلح بيها أخطاءه وهتقدري تتقبلي ده، المهم انكم بالنهاية مع بعض!
*******
النهار على مشارفه ومازال يجلس على مقعده جوار أخيه، ينتظر أن يستعيد وعيه بلهفةٍ وخوف، لم يمل من مراقبته ولم يغفو له عين، يخطف إليه نظرة ويعود لزوجة أخيه الغافلة على المقعد المجاور إليه بعدما رفضت رفض قاطع تركه، كان يخشى أن يحدث لها سوءًا فحينما يجدها تتنفس بصورةٍ طبيعية يجلس باستقامةٍ، فتلصص له صوت همهمة تصدر من عمران، فنهض وإتجاه إليه، ينحني على شفتيه ليستمع ما سيقول، فناداه بصوت واهن:
_علي.
أجابه بحماسٍ لاستعادته وعيه:
_أنا جانبك يا عمران سامعني!
هز رأسه وحاول فتح عينيه الثقيلة، راسمًا ابتسامة صافية:
_حاسس بيك من لما كنت بالعمليات.
طبع قبلة على جبينه ويده المتشابكة بالأبر مرددًا بصوته المتقطع من فرط كبته للبكاء:
_كده تعمل في أخوك كده، أنا كان هيجرالي حاجة، ربنا اللي عالم أنا واقف على رجلي ازاي؟
أعاد غلق عينيه بتعبٍ، ولسانه يردد:
_حقك عليا، أنا اللي عملت كده في نفسي لما سمحت لواحدة آآ..
قاطعه بحزمٍ:
_بلاش تتعب نفسك بالكلام عن الرخيصة دي، الشرطة مسكتها وبيحققوا معاها، مستحيل هتخرج منها بسبب التسجيلات اللي قدمناها.
منحه ابتسامة متشفية وقال:
_تستاهل.
ربت على كتفه وهو يجذب الغطاء لصدره العاري:
_ارتاح وبكره هنتكلم.
وكاد بالتراجع لمقعده، ولكنه عاد يخبره بحزنٍ:
_عمران إنت لو حاسس نفسك كويس هصحي مايا تطمنها عليك لإن حالتها صعبة أوي ورافضة تروح أو ترتاح، نايمة على الكرسي هنا ومش راضية تتحرك.
حاول رفع رأسه ليراها ولكنه لم يتمكن، فرفع علي السرير بالقابض المتحكم به، فتمكن من رؤيتها جيدًا، راقب معالمها بنظرة حزينة طعنها الألم بنبرته:
_كانت عايزة تشرب السم ورايا، كل مدى بكتشف إني كنت حيوان ومغفل.
ابتسم علي ومازحه باشمئزاز:
_قولنالك وأنت مصدقتش.
وأشار وهو يتجه إليها بلهفة:
_هصحيها.. هتفرح أوي.
وإتجه إليها علي، فناداها عن قرب:
_مايسان... مايا.
حركت رأسها بإنزعاجٍ، حتى بدأ عقلها بالاستيقاظ لمكان وجودها، فانتفضت بجلستها وهي تردد بهلعٍ:
_أيه يا علي، عمران جراله حاجة؟
ابتعد عن مرمى بصرها لتتمكن من رؤية زوجها وهو بجيب:
_مهو زي القرد أهو يا بنتي استهدي بالله.
اتجهت نظراتها إليه، فابتسمت رغم الدمعات المتدفقة من حدقتيها مرددة بفرحةٍ:
_عمران!
وهرعت إليه تحتضنه وقد تحرر بكائها، ضمها بذراعه الأيمن، فحاول جاهدًا رفع ذراعه الأخر ولكنه لم يستجيب لحركته رغم حركته الخافتة تحت مراقبة علي إليه وقد تسنى له معرفة ما سيواجه أخيه بالبداية، فانسحب بهدوءٍ تاركًا لهما مساحتهما الخاصة.
تنهيداتها كانت تضرب صدره بعنفٍ وشراسة، فهمس لها بتعبٍ:
_مايا بصيلي.
استجابت له فرفعت وجهها إليه، فوجدته يبتسم لها وقال بأنفاسٍ ثقيلة:
_أنا كويس فبلاش تتعبيني بدموعك دي عشان مش خاطري.
وحذرها بصرامة جاهد لها من وسط سعاله:
_والا هنادي علي يروحك.
هزت رأسها بخوفٍ:
_لأ خلاص.
وأزاحت دمعاتها، فرفع عمران الغطاء وهو يشير لها:
_اطلعي هنا جنبي.
تلفتت حولها بتوترٍ:
_بس علي آآ..
قاطعها وهو يجاهد نومه المستجيب للمسكنات:
_متقلقيش علي مش هيدخل علينا.
انصاعت إليه لحاجتها بالبقاء جواره، فوجدته يضمها لصدره فاحتضنته بقوةٍ ألمت جسده الذي استجاب للنوم سريعًا.
******
سطعت شمس يومًا جديد، فتسلل ما حدث لعمران لفريدة وشمس والجميع، فأسرعوا للمشفى ومن خلفهم راكان الذي يصطحب آدهم بأي مكان يذهب إليه خشية من أن يتعرض له أحد من منافسيه بعد أن سبق له الدفاع عنه كثيرًا، فاجتمعوا بغرفته جميعًا بحضور يوسف وجمال وسيف.
جلست فريدة على المقعد القريب من فراش ابنها تهدر بغضب:
_ازاي ده كله يحصل لابني ومحدش فيكم يكلمني، جاوبني يا علي؟!
رد عليها بهدوءٍ:
_كنت خايف على حضرتك، فاستنيت لما اطمنت عليه وأهو الحمد لله بخير وربنا لطف بينا.
انفلتت أعصابها بصراخ:
_ده مش مبرر، أنا مش هعدهالك يا علي سامعني!
ومسدت على يد عمران وهي تتساءل بثباتٍ زائف:
_عمران يا حبيبي طمني حاسس بأيه؟
أجابها ببسمة هادئة:
_أنا كويس يا حبيبتي متقلقيش.
ربت جمال على ساقه بحنان:
_شد حيلك كده، مش واخد عليك بالوضع ده.
أضاف يوسف ممازحًا ليخف حدة الاجواء بين علي ووالدته:
_عمران شكله كده زهق من خلقنا فقالك أجي أريح هنا يومين تلاته فكره إننا هنسيبه، لمينالك الشلة وهنقضيها هنا لحد ما تقول روحني أنا بقيت زي الحصان.
ضحك وهو يشير له:
_ماشي يا يوسف بكره تشوف.
دنى راكان منه فوضع باقة الزهور على الكومود مرددًا برسمية متعجرفة:
_سلامتك يا عمران.
منحه ابتسامة صغيرة مجاملة، بينما تعلقت عينيه بآدهم الذي قال ببسمة بشوشة:
_حمدلله على سلامتك يا عمران باشا.
ابتسم له بامتنان:
_الله يسلمك يا آدهم تسلم.
أمسكتها عينيه وهي تتهرب من نظرات راكان إليها، فتسللت للخارج بخفةٍ ظنًا من أن لا أحدًا يراها، فتسلل من خلفها فوجدها تتجه للكافيه الخاص بالمشفى، فجلست على المقعد بحزنٍ تام، نظراته أصبحت تسبب لها اشمئزاز، كانت تود إخبار علي بأن عليها الانفصال عنه سريعًا، ولكن ما حدث لعمران غير مخططاتها.
فاقت شمس على صوت احتكاك المقعد المقابل لها، تطلعت أمامها فوجدت آدهم يجلس قبالتها ببسمته الهادئة مرددًا بنظرة ماكرة:
_حسيتك هتنسحبي من جوه وفعلًا شكي كان بمحله.
تعمقت بنظرتها المشتتة إليه، ورددت بحيرةٍ:
_إنت عايز مني أيه يا آدهم؟
زوى حاجبيه باستغراب:
_أنا!
استندت بذراعيها على الطاولة وهي تجابهه بقوةٍ:
_متحاولش تتهرب من اجابة سؤالي.
ونهضت وهي تجذب حقيبتها لتخبره قبل مغادرتها:
_خليك بعيد عني يا آدهم أنا بسببك بقيت بكره خطيبي ومش شايفاه أساسًا.
نهض قبالتها مربعًا يديه أمام صدره يرد ساخرًا على اتهامها:
_ملقتيش شمعة لغضبك وكرهك ليه غيري!
ودنى منها ومازالت تقف قبالته مندهشة من حديثه:
_بالنسبة لسؤالك فاجابته مش محتاج أتهرب منها يا شمس، سبق وقولتلك إني مبخافش من مخلوق على وجه الأرض.
وانحنى يهمس لاذنيها:
_إجابة سؤالك هي أني من أول ما عيني وقعت عليكي وجوايا مشاعر مشلتهاش في قلبي لواحدة ست قبل كده.
لعقت شفتيها بارتباكٍ، فمنحها ابتسامة هادئة متابعًا بحديثه:
_وواثق إن في مشاعر ليا جوه قلبك بتحاولي تداريها كل مرة بقابلك فيها بس عيونك فضحاكِ يا شمس!
وتركها شاردة بكلماته وبمصرحته الجريئة وغادر على الفور.
*****
نهضت عن فراشها وأسرعت لنافذة غرفتها تترقب البوابة الرئيسية الخاصة بالمشفى بلهفةٍ وخوفٍ، لأول مرة يغيب عن رؤيتها هكذا، المساء قد شارف على قدومه ولم يأتي حاملًا للزهور ككل صباح، ارتعبت فطيمة وبدى عقلها يصور لها أشياءًا كثيرة، كتركه لها وتخليه عن دوام علاجها مثلما طلبت منه.
تهدلت دموعها دون توقف، كانت تطالبه بالبعد وهي الآن تلوم نفسها وتكاد بصفعها لما فعلته، طوال تلك الشهور كان قبالتها، صباحًا مساءًا، لم يغيب عن عينيها كل تلك المدة.
انتبهت للممرضة التي تنظف الغرفة من حولها، فاتجهت إليها تسألها بلهفةٍ:
_عذرًا، كنت أود سؤالك أين الدكتور علي لم آراه منذ الصباح؟
أجابتها الممرضة بنزقٍ:
_لا أعلم ربما مشغول مع حالات أخرى.
واستكملت عملها متجاهلة وجودها تمامًا، فجذبت مقعدها قرب الشرفة وجلست تراقب الطريق بلهفة انتظار الصغير لعودة والده!
*******
استجابت مايسان لفريدة وشمس وعادت برفقتهما للمنزل لتغير ملابسها المتسخة، فما أن ولجوا للمنزل حتى صعدت الفتيات للأعلى، بينما اتجهت فريدة للخادمة التي تشير لها على الصالون باشارة أن هناك ضيوف بانتظارها، فاتجهت إليها متسائلة باستغراب:
_مين؟
أتاها صوت كان محبب لقلبها بيومٍ ما يجيبها:
_أنا يا فريدة.
التفتت خلفها، فبرقت بعينيها بدهشةٍ ولسانها يهمس بعدم تصديق:
_أحمد!
.......... ❤
*******______******
•تابع الفصل التالي "رواية صرخات انثى" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق