رواية صرخات انثى الفصل الثالث والعشرون 23 - بقلم اية محمد
(إهداء الفصل للقارئات الغاليات "بسملة مصطفى"،"أفيرونيا فكتر"،"لمياء ناصر" ، شكرًا جزيلًا على دعمكم المتواصل لي، وبتمنى أكون دائمًا عند حسن ظنكم..بحبكم في الله...قراءة ممتعة 💙)
كان يظنها تتألم لخيانته السابقة لها، وها هي تصفعه بطعنة عذاب ضميره حينما واجهته بما تخفيه، تصلب جسد عمران أمامها، حبيبته القوية التي سبق وحذرته سابقًا من الحلف بالقرآن الكريم وخاطبته بالا يحلف سوى بالله عز وجل، تلجئ لنفس طريقه من قلة حيلتها!
نظرات عينيها المنكسرة، استجابتها السابقة لقربه، واعتراضها مجددًا ومن ثم تخبره بما تخشاه جعله يكره ذاته التي كانت السبب بجلد زوجته الحبيبة، بدد عمران تلك الغصة الطاعنة لحلقه المرير، ودنى منها يلتقط المصحف الشريف بين يده ويده الاخرى تتمسك بيدها المرتعشة.
وضعه على الخزانة القريبة منه، ثم عاد يمسكها بكلتا يديه وهي تنتفض أمامه ببكاء يرتفع صوته تدريجيًا من خيبة أمالها ، تحركت يده عن راسخها لتجذب رأسها بقوة لأحضانه، ويديها المرتفعة باستسلام تمنع جسدها من الوصول لصدره، وكأنها تترك ذاتها دون رغبة منها، تتأوه وتبكي ودموعها تنهمر فوق رقبته، باعدت ذراعيها المستندة على صدره وأحاطته مشددة على قميصه بقوةٍ، فانتفضت من تقصير كتمها لشهقاتها المؤلمة، ورددت جوار أذنه القريب منها:
_لو عملتها تاني يا عمران هموت.
أبعد وجهها عنه ورفعه إليه، ليقول بوجعٍ:
_بصي في عنيا يا مايا، وقوليلي شايفة فيه مكان لحد غيرك! أنا آسف إني السبب في الحالة اللي إنتي فيها دي، أنا اللي خليتك تعيشي معايا وإنتي قلقانه من اللي جاي.
وتابع وهو يضم وجهها بيديه بحنانٍ بالغ مستكملًا:
_ أنتِ نقية يا مايا وأنا اللي هدنسك بالمعاصي اللي ارتكبتها، أنا عارف إنك بتحاربي نفسك عشان تكوني معايا وده كافي بالنسبالي.
وقربها إليه ولثم جبينها بقبلة عميقة ضمت كل ذرة حب صفها داخل قلبه لها:
_عمران زير النساء ومدمن الخمر اتقتل في اليوم اللي كان ماشي فيه على الطريق وشايف بعينه الموت بيقربله وهو كله معاصي، شريط حياته مر عليه وملقاش حاجة فيه تشفعله قدام ربنا لو روحه فارقته..
واستند بجبينه على جبينها مغلقًا لحدقتيه ليسمح بتلك الدموع بالانهمار على خديه:
_اتولد واحد جديد في نفس اليوم اللي شافك فيه بترمي كل أخطائه وراه وبتحاولي تساعديه عشان يقوم من تاني، وإتولد جواه عزيمة وقوة وهو شايف إخلاصك حتى وهو بيواجه الموت،كنتِ مستعدة تشربي السم عشان شخص ميستحقش وأخد عهد على نفسه إنه يستحقك يا مايا، يستحق طيبتك وحبك وقلبك وكل شيء حلو فيكِ، أنا اتولدتي من تاني ونفسي تقتنعي بده!
مالت برأسها لصدره تدفن ذاتها داخله، وقد شعرت بارتياحٍ يحيطها، ضمها إليه مجددًا، وقد تسنى له الشعور براحتها وأمانها داخل أحضانه، والغريب بالأمر أنها باتت مستعدة لقربه بشكلٍ أثار رغبته بها، فخاض لحظات بقربها وحينما وجدها تستجيب له خرج صوته متحشرجًا:
_إنتِ على وضوء؟
أخفضت وجهها عن وجهه بخجلٍ، واكتفت بإشارة خافتة له، فتحرك ليكون خلفها، يحاوط شعرها الطويل بيده وعينيه تبحث على سراحته القريبة منه بحيرةٍ انطلقت بهمسه الخافت:
_مش لو كنتي عايشة معايا هنا كنت لقيت دبوس ولا توكة شعر!
واسترسل بخبثٍ وهو ينحني لفراشه جاذبها خلفه من شعرها برفقٍ خشية من أن يضيع مجهود جمع خصيلاتها بخصلة كبيرة:
_خلاص مش هيكون لينا مكانين بعد النهاردة، الصبح هننقل كل حاجتك هنا.
انحنت خلف انحناء جسده، فحاولت الاستدارة لترى ماذا يفعل هذا، فوجدته يجذب جرفاته وينتصب بوقفته ليحيط بها شعرها كأنها رابطة شعر، قائلًا بسخرية:
_مع إني دافع فيها نص ثروتي تقريبًا بس مش خسارة فيكِ .
وفور أن لف خصلاتها برابطة عنقه، حتى رفع الحجاب المتدلي حول رقبتها ليطرحه على رأسها بإحكامٍ والابتسامة المحبة لا تفارق شفتيه.
أتجه أمام عينيها لزوايته المفضلة التي خصصها لعبادته، فيترك بها حاملة مصحفه وسجادته وبعض أعواد المسك، فتح خزانته يجذب سجادة لها، ففردها خلف سجادته واستدار يتفحصها، فقال بحنانٍ حينما وجدها مازالت تقف محلها:
_قربي.
إنصاعت إليه وكبتت صوت طرقات قلبها الصاخب واقتربت تقف خلفه ليكون أمامها، ارتجف جسدها بقشعرة لذيذة فور سماع صوته بقراءة القرآن، وكأنه لا يمتلك الصوت البارع بالغناء فقط، تصطدم الآن بجماله الأكثر من السابق بالقرآن، لدرجة جعلتها لا تود أن ينتهي، كل ما تفعله تغلق عينيها وتتابع كل كلمة يرددها بخشوعٍ.
انتهت صلاتهما، واستدار لها عمران ومازال جالسًا على ساقيه المنحية أسفله، فوجدها تبتسم له وتخبره بحماسٍ:
_صوتك جميل أوي في القرآن يا عمران.
تمعن بها بصمتٍ جعلها ترتبك إلى أن قطع صمته بصوته الجذاب:
_صوتي بس؟
سحبت عينيها عنه بخجل قاتل، فزحف للخلف حتى بات قبالتها، يرفع وجهها تقابل وجهه، لتستمع لهمسه الصريح:
_صوتي وقلبي وكل ما أملكه ملكك يا مايا.
استقام بوقفته يجذبها لتنهض عن الأرض، ثم تراجع بها حتى الفراش، فتمدد معها وهو يتفنن بجعلها لا تفلت عن حصاره، حتى استسلمت له أخيرًا، وباتت زوجة له أمام الله عز وجل وقد كان أول لقائهما يشهد عليه صلاتهما ووعده القاطع لها!
*******
وأخيرًا انتهى علي من توديع ضيوفه من الأطباء، وتمكن من الصعود لغرفته بعد ذلك اليوم المتعب، فما أن ولج للداخل حتى تفاجئ بها داخل غرفته تنتظره جالسة على الأريكة، وقد بدى على وجهها أنها خاضت بذلك الوقت مئات من الحروب بين بقائها ومغادرتها.
ابتلع ريقه على مهلٍ، وقال ببسمة هادئة:
_فطيمة بتعملي أيه هنا؟
نهضت عن الأريكة تفرك أصابعها بقوةٍ كادت بتمزيقهم، وخرجت حروفها مبعثرة:
_أنا آآ... آآ... يعني النهاردة آآ... وميصحش يعني آآ...
منع الابتسامة من الظهور على ملامحه، فاقترب منها بعدما ترك هاتفه ومفاتيحه على الطاولة، وما أن اقترب منها حتى قال بحنان:
_في حد عاقل يسيب أخته اللي مشفهاش كل المدة دي ويجي لدكتور ممل ومعتوه زيي!
توترت بوقفتها بارتباكٍ، وخاصة بأنها تحاول فهم ما يريد، فأتاها صوته الحنون يأمرها:
_بصيلي يا فطيمة.
رفعت عينيها الخجولة له، فوجدته يبتسم بحبٍ:
_مساحتك الخاصة اللي ادتهالك مستحيل هكسرها في يوم من الأيام الا لما أحس إنك بقيتي كويسة وقادرة تتقبلي وجودي جنبك، الاتفاق اللي بينا مش هيتغير أبدًا.
واسترسل بايضاحٍ لم يبخس به عليها:
_فطيمة أنا أكتر حد مش هتقدري تخدعيه بأنك بخير، مش لاني دكتورك المعالج، لإني بقيت حفظك أكتر ما أنا حافظ نفسي ك علي.
وتابع بنفس الابتسامة الجذابة:
_انسي أي حاجة ومتفكريش غير في اللي يسعدك إنتي وبس وهتلاقيني بساندك قلبًا وقالبًا في أي شيء هيخليكي مبسوطة وسعيدة.. زي زينب مثلًا أنا رفضت إن مراد يخدها الشقة اللي اشترهالها هنا وصممت إنها تكون جنبك باستمرار يا فطيمة.
تلألأت عينيها بفرحةٍ، وراحت تتساءل:
_بجد... بجد يا علي؟
منحها ابتسامة هادئة وهز رأسه تجاه باب غرفتها:
_ادخلي شوفي بنفسك.
اتسعت ابتسامتها بفرحةٍ، وحملت طرف قفطانها الطويل لتستعد للهرولة تجاه غرفتها، فما أن وقفت أمام الباب الداخلي الفاصل بين الغرفتين حتى وقفت تحتار بما يعتليها بتلك اللحظة، فالتفت رأسها إليه تتطلع له بتوترٍ جعله متيبس محله باستغرابٍ ودهشة مما يقلقها لهذا الحد، وفجأة اصابه وابل من الصدمة جعله يرمش بعدم استيعاب ورأسه تتحرك لتلك التي تتوسط صدره وتضمه بقوةٍ!
تهللت أساريره وقرعت طبوله ليتراقص قلبه استجابة لذلك اللحن، فأحاطها بقوة وهو يهمس دون تصديق:
_أخيرًا يا فطيمة!
وتابع وهو يغلق عينيه باستسلام:
_مش عايز حاجة تانية غير ضمتك دي!
أرادت الابتعاد عنه ولكنها وللعجب بقت خاضعة لذراعيه التي تحيطها، ضمته كانت غريبة لا تشبه ضمة والدتها الراحلة ولا ضمة شقيقتها، تلك الضمة جعلتها تختبر تلاعب أوتار قلبها بشكلٍ أرهق أنفاسها الصاعدة، ما بين حمرة الخجل بقربه وبقائها منصاعة لدفء ذراعيه ولتلك الرائحة المميزة التي تعتادها بوجوده بأي مكان، ولكنها الآن قوية ونفاذة بقدر يجعلها هادئة بقربٍ لم تحظى به من قبلٍ.
لا تعلم إلى أي وقتٍ ظلت هادئة داخل أضلعه، حتى علي بالرغم من أن هناك جانب داخله مستيقظ خشية من أن تستعيد وعيها فتعود لنوبتها لذا بحاول البقاء على وعيه الكلي ليستعد لاي نوبة قد تقتحم جسدها،وجانب أخر ينغمس بضمتها بحبٍ يجعله يلعن ذاك النصف الواعي ويدعوه ليفقد عقله مثلما بعيش هو.
كادت أن تستجيب لتلك الغفوة التي تطالبها لنيلها الراحة داخل أحضانه، ولكنها تذكرت حديثه بأمر شقيقتها الجالسة الآن بغرفتها، فحلت ذراعيها المحاطة لرقبته وتراجعت خطوتين للخلف على استحياءٍ، ومن ثم ركضت لتفتح الباب وتغلقه بوجهه كمن ترغب بصرف عفريت المشاعر التي استحضرتها، فبقى محله مبتسمًا، هامسًا:
_قطعت نص الطريق لسه النص التاني وأقدر أقول بكل ثقة إنك اتعالجتي يا فطيمة!
*****
تفاجأت زينب بوجود شقيقتها، فضيقت عينيها الفيروزية بدهشةٍ:
_انتي لاش رجعتي لبيتك أ فطيمة،ماشي المفروض اليوم عرسك؟
(إنتي رجعتي الاوضة ليه يا فاطمة، مش المفروض النهاردة فرحك).
نزعت حجابها عنها واتجهت لتجلس على الفراش وهي تجيبها بخجل:
_العلاقة بيني و بين علي ماشي بحال داكشي اللي انتي فاهمة،
زينب انا باقية كنتعالج من داكشي اللي طرا ليا،
باقي الكوابيس كتلاحقني،انا عارفة بانه علي عمره ما غيضغط عليا و غيتعامل معايا بحذر،
انا بغيت ناخد هاد الخطوة و نتقرب منه، و لكن صدقيني ما قداش،كاين حاجز بيني و بينه و ماقادراش نهرسه واخا ف شي اوقات كنحس بانه اقرب ليا من نفسي
انا كنحس معاه بحنان و احترام ما حسيتوش مع حتى شي واحد اخر.
(العلاقة بيني أنا وعلي مش زي ما أنتي فاهمه، زينب أنا لسه بتعالج من اللي حصلي، لسه الكوابيس بتطاردني، أنا عارفة إن علي عمره ما هيضغط عليا وبيتعامل معايا بحذر، ونفسي أخد أنا الخطوة دي وأقرب منه بس صدقيني مش عارفة في حاجز بيني وبينه مش قادرة أكسره مع إني أوقات بحس إنه أقرب ليا من روحي، أنا بشوف معاه حنية واحترام محستش بيهم مع أي حد)
اتجهت لتجلس جوارها على الفراش، تخبرها بابتسامة هادئة:
_انا كنت حزينة عليكي ا فطيمة،و لكن لما مراد عاودلي على الدكتور علي و على زواجكم فرحتلك بزاف،
و باين من الشوفات ديالو و اهتمامه بيك طول الحفلة بانه كيبغيك
(أنا كنت حزينة أوي عليكي يا فاطمة، بس لما مراد حكالي عن الدكتور علي وعن جوازكم فرحتلك أوي، وباين من نظراته واهتمامه بيكي طول الحفلة إنه بيحبك.)
ابتسمت تلقائيًا وقالت:
_علي فعلا رجل عظيم،هو الراجل الوحيد اللي ما كنحسش بالخوف و انا معاه خصوصا من بعد داكشي اللي اتعرضت ليه
(علي فعلًا شخص عظيم، الراجل الوحيد اللي مبحسش بالخوف وأنا معاه وخصوصًا بعد اللي اتعرضتله!)
وعاد الحزن يرتسم على معالمها، حتى أدمى الدمع عينيها، فقالت:
_كنت كنتمنى بابا و ماما يكونوا موجودين معايا في نهار بحال هدا،
انا اتحطمت لما وصلني خبر الموت د ماما و دابا زدت اتقهرت فاش عرفت بالموت د بابا.
(كان نفسي بابا وماما يكونوا موجودين معايا في يوم زي ده، أنا انكسرت لما وصلني خبر وفاة أمي ودلوقتي زادت كسرتي لما عرفت بوفاة بابا.)
وتابعت بابتسامة زارتها، ويدها تشدد على يد شقيقتها:
_وجودك معايا ازينب،غيخليني نتخطى اي حاجة خايبة عشتها و اتعرضت ليها.
(وجودك معايا هنا يا زينب هيخليني أتخطى أي وجع عشته!)
وأزحت دموعها، وراحت تتساءل بلهفة:
_المهم انا بغيتك تعاوديلي عليك،
عنداكي تكوني تخليتي على الحلم ديالك و خرجتي من القراية.
(المهم أنا عايزاكي تحكيلي عنك، أوعي تكوني اتخليتي عن حلمك وطلعتي من التعليم!!)
أجابتها سريعًا حتى لا تخيب أمالها:
_هادي هي الحاجة الوحيدة اللي كانت كتنوسني و كتخرجني من همومي أ فطيمة،كنت كنقرا بالليل و النهار حتى دخلت للطب،انا دا في السنة التانية،
مراد نقل ليا وراقيا للجامعة هنا بالنجليز،
هاد الانسان محترم و شهم و ولد الناس،ما تخلاش عليا كاع من بعد الموت د بابا،باركا انه كان كيستحمل المكالمات ديالي و السؤال ديالي عليك ديما،و اخر حاجة وعدني يلاقيني بيك و وفى بوعده.
(دي الحاجة الوحيدة اللي كانت بتسليني وبتخرجني من همومي يا فاطمة، كنت بذاكر ليل نهار لحد ما الحمد لله دخلت طب، أنا في سنة تانية، مراد نقلي أوراقي لجامعة هنا بانجلترا، الانسان ده محترم وشهم وابن اصول، متخلاش عني بعد وفاة بابا أبدًا، كفايا انه كان متحمل مكالماتي وسؤالي عنك بشكل دائم، وأخر شيء وعدني إنه هيجمعني بيكِ وفعلًا صدق بوعده!)
وأضافت بحماسٍ أضاء وجهها:
_انا بسبابه وليت كنبغي البوليس و المخابرات، و كنطلب من الله يجيبلي شي عريس بحاله ف شهامته و شكله و عضلاته و آآ.....
(أنا بسببه بقيت بحب الظباط والمخابرات وبتمنى ربنا يبعتلي عريس بشهامته وشكله وعضلاته وآآ....)
قاطعتها فاطمة بغضب مصطنع:
_زينب!!
تجاهلتها واستطردت ببسمة مازحة:
_واش انتي متأكدة انو متزوج أ فطيمة ؟
(هو انتي متأكدة إنه متجوز يا فاطمة؟)
ضحكت بصوتها الرقيق، وحطمت سقف أمنياتها:
_متزوج و عندو جوج بنيات كيحمقو ،و هادشي اللي كتقوليه حرام،هبطي لأرض الواقع و لا غتبوري أدكتورة
(متجوز وعنده بنتين زي السكر، وحرام اللي بتقوليه ده، إنزلي لسقف الواقع عشان كده هتعنسي يا دكتورة!)
لوت شفتيها بسخطٍ، ورددت باستنكارٍ:
_و لاش غنبور، هانتي زهرك طلع زوين و طيحك ف الدكتور علي،
دكتور زوين و غزال و زاز و مربي و من الهاي كلاس و كيبغيك من الفوق،
و حتى انا اكيد ربي سبحانه و تعالى غيجازيني لاني اختك و صبرت معاك ف المحنة ديالك كاينة و لا لا!
(هعنس ليه ما أنتي حظك كان جميل ووقعك في دكتور علي، دكتور وسيم وشيك وذوق جدًا ومن الطبقة المخملية الراقية وفوق كل ده بيحبك، يعني أنا أكيد ربنا سبحانه وتعالى هيكافئني عشان أنا أختك وصبرت معاكي في محنتك بردو ولا أيه؟)
تمادت بالضحك حتى احمر وجهها، وهتفت بصعوبة وهي تحاول إلتقاط أنفاسها:
_انتي كااارتة أزينب! (انتي كارثة يا زينب!)
********
تمادى الليل بفرض سيطرته وفجأة انقشع ظلامه مع سطوع شمس اليوم التالي، حيث استعد الجوكر ليغادر لطائرته الخاصة، فوجد علي بانتظاره وعلى وجهه ابتسامة مشرقة:
_خلاص هتفارقنا يا باشا؟
منحه الجوكر ابتسامة هادئة تزيد من جاذبيته:
_مضطر والله يا دكتور علي، إنت عارف إن شغلي صعب أتحرر منه ولو ليوم واحد، ده غير إن رحيم زيدان مستحيل يقبل إني أبعد عن القصر وسمحلي بده عشان وعدي لفاطيما.
وتابع وهو يربت على كتفه بملامحه الجادة:
_إنت معاك رقمي الخاص وقت ما تحتاج أي حاجة إنت أو فاطيما كلمني على طول.
احتضنه علي باحترام ينجح هيبته بطرحه على مسمع الجميع، فهمس له الأخر:
_خلي بالك من فاطيما، البنت دي اتعرضت لعذاب جحيمي وتستحق تعيش بسلام بعد الرحلة الصعبة اللي خضتها معايا ضد ناس اتعرت قلوبهم من الرحمة ومبقوش شايفين الست غير وسيلة للمتعة.
وابتعد وهو يستطرد ببسمة هادئة تمنح الراحة للأخر:
_حلال فيهم قنبلة رحيم زيدان.. فتت أشلائهم.
ارتسم الحزن بمعالمه ومع ذلك رسم ابتسامة متفهمة:
_متقلقش يا مراد، فاطمة بعنيا أوعدك إني هحافظ عليها أكتر من نفسي.
ربت على كتفه بصلابة، وكاد بالصعود للسيارة التي ينتظره سائقها ليتحرك به، ولكنه عاد يخبر الاخير بغمزة أضافت جمال لعينيه الزرقاء:
_بالنسبة للي شاغل بالك بيه وسألتني عنه امبارح فإطمن لإنه مش بس محترم ويليق بأختك، لإنه يخصني وتحت تدريبي وأنا مبكنش قائد لأي حد!
اتسعت ابتسامة علي وقد غمرته الراحة بعد حديث مراد، فوقف يراقب سيارته الراحلة بنظرة ممتنة، والآن ما عليه سوى الانتظار والترقب لخطوة آدهم القادمة.
التفت ليصعد للأعلى فخطفت عينيه نظرة لشرفتها، فوجدها تقف برفقة شقيقتها، وعلى ما يبدو لم تذق كلتهما النوم وبقيت تثرثران للصباح، إتجه علي للأعلى وطرق الباب ومن ثم ولج حينما استمع لإذن فاطمة، فقال ببسمة جذابة:
_صباح الخير،لقيتكم صاحين بدري فقولت فرصة أجي أتعرف على زينب بنفسي.
دنت إليه زينب بابتسامة بشوشة متحمسة للتعرف بزوج أختها الكبرى، وما كادت بالحديث حتى أوقفها باشارة اصبعه المحذر:
_بالمصري! اتكلمي بالمصري الله يكرمك عشان أقدر أفهمك ولو مش هتعرفي هنحتاج كده فطيمة تترجم..
ضحكت وهي تجيبه بغرور:
_لغتكم مش صعبه يا دكتور علي، سهل أي حد يتكلم بيها
اتسعت بسمته قائلًا:
_شكلنا كده هنفهم بعض، عمومًا يا زينب أنا مش عايزك تعامليني على إني جوز أختك، أنا يكون ليا الشرف لو قدرتي تحطيني في خانة الأخ اللي بسهولة تلجئي ليه بدون أي حرج، يا ترى هتقدري ولا صعبة؟
خطفت نظرة لشقيقتها وكأنها تستمد العون منها، فوجدته تهز رأسها باشارة صريحة بأنه يستحق أن تعامله كأخ، واستنادًا على حديثهما المسائي هزت زينب رأسها قائلة:
_طبعًا هقدر، لاني عندي ثقة في الاشخاص اللي بتطمن ليهم فطيمة، وسبق وجربت ثقتها بمراد زيدان وكانت في محلها فأكيد هتكون زيه يا دكتور.
منحها نظرة حنونة، وأضاف وهو يفتح الباب ليستقبل الخادم الذي انتهى للتو من صنع الافطار انصياعًا لطلب علي،فدفع الطاولة قبالتهما:
_حيث كده بقى يبقى نفطر مع بعض،عشان يكون في بينا عيش وملح ولا أيه يا فطيمة!
تخلت عن صمتها أخيرًا وقالت:
_اللي تشوفه يا علي.
جلسوا معًا يتناولان الطعام، وبدأ علي يتعرف عن زينب وعن دراستها وكل شيء متعلق بها،حتى لا تواجه أي مشاكل بعد تحويل أوراقها إلى هنا.
*******.
فتحت عينيها بانزعاجٍ، وبدأت تستوعب ما حولها، انتفضت بجلستها بفزعٍ حينما لم تجد نفسها بغرفتها، وبدأت بالهدوء ريثما تسلل لها ذكريات الأمس، فالتفتت جوارها تلقائيًا فعادت أنفاسها لمجراها الطبيعي حينما لم تجده لجوارها.
تسلل لها صوت المياه الجاري بحمام الغرفة، فتسللت مايسان تلتقط فستانها ترتديه لتلوذ بالفرار مسرعة قبل خروجه، فما أن أحكمت حجابها حتى اسرعت للباب تحاول فتحه، فتصلبت عروقها حينما وجدته موصود بالمفتاح، خُيل لها ألف سيناريو جميعهم حصدوا الهلع من حولها، وفجأة تسلل لها صوته الذكوري القوي:
_صباح الخير يا بيبي!
استدارت تقابله بنظرة مشتعلة بالغضب:
_إنت قافل الباب بالمفتاح ليه يا عمران وآ...
ابتلعت باقي كلماتها وهي تستدير سريعًا تحتمي خلف يديها بصراخ:
_إنت طالع قدامي كده إزاي!!!!
رمش بعدم استيعاب لما يحدث لها منذ طالعة الصباح، فجذب التيشرت يرتديه على بنطاله مرددًا بسخرية:
_إنتِ ناقص تطلعي على القسم تقدمي فيا قضية تحرش! في أيه على الصبح يا مايا، ما كنا كويسين من ساعات!
ارتبكت أمام حديثه الجريء ومع ذلك حافظت على اندفاع نبرتها المتعصبة:
_فهمني قافل الباب عليا ليه!!
حك ذقنه بتسليةٍ وصلت لهمس صوته المغري:
_خايف تهربي مني!
واتسعت ابتسامته وهو يصيح بفتور:
_قفلته عشان عمي وعلي أخدين إني هنا لوحدي، وأنا مش حابب لا أعرضك ولا أعرضهم لموقف سخيف لحد ما يفهموا من نفسهم إن الأوضة بقت تخصنا.
وتابع بهدوء مخادع لها:
_وطلعت من حمامي أكمل لبسي بره كالعادة يعني وحتى لو مكنتيش نايمة فأنا مش شايف نفسي أذنبت إنتِ مراتي وجوازنا داخل على السنة!!
أخفضت عينيها أرضًا ، فاقترب منها حتى رفع وجهها قبالته يجاهد ليخرج سؤاله بحرجٍ يحوم به:
_مايا إنتِ آآ.. إحممم.. كويسة؟
عبثت بحدقتيها بصدمةٍ حينما استفهمت مغزى سؤاله، فأبعدت يده عن وجهها واتجهت للفراش وهي تؤمي برأسها بخفة، فعبث بخصلات شعره بضيق من عدم تأكده إن كانت تعلم مقصده أم تطمنه على أحوالها، فلحق بها يحاول خلق جو من الحديث بينهما، فقال:
_النهاردة معزومين عند جمال، والدته سافرتله امبارح ومصممة إنها تتعرف عليكي، خديلك Shower وإلبسي عشان نتحرك.
التفتت إليه تخبره بنزقٍ:
_مش لما تتكرم وتفتح الباب الأول!
ابتسم بمشاكسة جابت غمزة عينيه على خزانته:
_لأ ما أنا خلاص نقلت هدومك في دولابي، ونظمتهم بنفسي.
جحظت عينيها بدهشةٍ:
_أمته ده؟
أجابها وهو يلف يديه حولها:
_إمبارح بعد ما نمتي قومت عشان أصلي القيام وبعدها مجاليش نوم، فشغلت نفسي بنقل الهدوم وترتيبها.
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تبعد عن عقلها تلك الفكرة التي تحررت على هيئة سؤال عابر:
_نقلت كل هدومي؟
هز رأسه مؤكدًا لها بخبثٍ، فجن جنونها وطاحت بعصبية:
_ازاي تسمح لنفسك تفتح حاجتي وأغراضي الخاصة، صحيح إنك وقح يا عمران ومدي لنفسك حقوق كتيرة أوي لمجرد أني آآ... آآ..
_آآآ أيه؟!
تساءل بخبث جعلها تزدرد ريقها وقد تخلت عنها الكلمات بحق، فدنى منها مجددًا يضمها إليه وهو يهمس ببراءة مصطنعة:
_نظمتلك فساتينك والشوذات لكن باقي حاجتك أقسملك إنهم جوه لسه في الشنطة مجتش جنبهم نهائي!
استرخت معالمها بهدوءٍ غريب، جعله يكتم ضحكة صاخبة كادت بالتمرد، وخاصة حينما استكمل بدور برائته مربتًا على كتفيها:
_يلا يا قلبي ادخلي خدي الشاور بتاعك وإخرجي عشان تلبسي، مش عايز نتأخر عليهم.
اومأت له بطاعة وولجت للخزانة تنتقي ما سترتديه، بينما هي بالداخل تعبث بحقيبة السفر الضخمة التي تحتوي أغراضها ترسخ لها الغباء، على مقاس ردائها، فإن كان صادقًا بأنه يحتفظ بأغراضها بحقيبة موصدة كيف وضعهم بداخلها من الأساس!! ذاك الوقح يظن نفسه متحاذقًا؟
خرجت كالاعصار تبحث عنه فوجدته يرفع يديه مرددًا بخشوع:
_الله أكبر.
لجئ لصلاة الضحى سريعًا قبل أن تقتص منه، فهتفت وهي تعود للخزانة مجددًا:
_ اصبر عليا يا وقح!
******
صمم علي أن تخرج زينب وفاطمة برفقته في جولة بانجلترا، وخاصة حينما استكشف انبهار زينب بها، فاستعدت كلاهن للخروج، ارتدت فاطمة فستان بسيط أسود اللون يحيط به حزام من اللون الأبيض وحجاب ابيض اللون، هبطت للأسفل برففة شقيقتها فما أن رأها علي حتى ابتسم وقال:
_جمالك اللي محتاج تأمل مش انجلترا!
منحته ابتسامة رقيقة، ووقفت لجواره تراقب زينب التي هرعت للاسفل تحمل طرف قفطانها المغربي البسيط، لتتساءل بلهفة:
_ها يا علي هتودينا فين؟
منحها ابتسامة واسعة، وقال:
_كل الأماكن اللي تخطر على بالك.. وبالمناسبة شمس كمان جاية معانا مصممة تتعرف عليكي عن قرب يا زينب.
اتسعت ابتسامتها وقالت بترحاب:
_أكيد أنا كمان نفسي أتعرف عليها، هي عندها كام سنة وبتدرس أيه؟
قص لها علي سريعًا عن عائلته، حتى والدته وعمه، كانت فاطمة تراقبه وهو ينسجم بالحديث مع شقيقتها بفرحة، علي لا يحتل قلبها فحسب، ذاك الشخص يملك قلبًا لا يعرف الخبث طريقًا إليه، فإن وجدته يتحدث أحدًا تجده بشوش الوجه بصورة تجعل من أمامه لا يود أن يفارقه، ربما لا يمتلك تفاصيل الرجال المغرية لفتيات، ولكنه يمتلك جمال خاص به، طباعه هادئة وحياته منسقة حتى بعمله هو كذلك، من يراه ويرى أخيه المشاكس الوقح يجدهما عملتين مختلفين للغاية.
خرج علي بسيارته وعينيه لا تفارق فاطمة الجالسة جواره بالأمام بعدما صممت شمس البقاء بالخلف برفقة زينب لتتعرف عليها بإريحية.
*****
انتهت مايسان من ارتداء ملابسها، فخرجت تتجه للسراحة لتعقد ححابها، وقفت أمام المرآة تجمع خصلاتها فابتسمت حينما تذكرت رابطة عنقه، فأسرعت للفراش الغير منظم تبحث عنها، وما أن رأتها حتى قربتها لأنفها تجدد أنفاسها برائحته العالقة بها، وعلى الفور لفتها حول شعرها، ومن ثم جذبت الحجاب مجددًا لترتديه.
تسمرت يدها بالهواء ومازال الحجاب يحيط بها فور رؤيته يطل عليه من الخزانة ببنطاله الجينز الأزرق وقميصه الرمادي، كانت طالته جديدة عليها ولكنه كعادته يحرص على آناقته، تابعته بإعجابٍ شديد وهو ينحني ليرتدي حذائه الرمادي اللامع، ومن ثم نهض يسألها وعينيه على يده التي تعقد رابطة الحذاء:
_خلصتي يا حبيبتي؟
لم يستمع لردها مع أنه سبق ولمحها تقف أمام المرآة، فرفع رماديته لها هاتفًا باستغرابٍ:
_مايا!
تفاجئ بها شاردة به، فابتسم ودنى ليحيطها بيديه هامسًا بتسليةٍ:
_عحبك الاستايل ده عليا؟
اشتعلت خجلًا من ملاحظته لشرودها به، فادعت استكمالها لحجابها قائلة بعدم فهم:
_استايل أيه؟
مال برأسه لها ومازالت عينيه تواجه انعكاسها بالمرآة:
_متحاوليش تدعي البراءة قدام عيوني الخبيرة يا مايا.
ومال لأذنها يهمس باغراء وغمزة عينيه:
_إنتي كمان زي القمر بالفستان ده.
دفعته للخلف بضيق:
_ممكن تبعد عايزة أخلص لبس.
ضحك بتسلية وكاد بأن يضايقها مجددًا، فوجدها تهمس له بضيق:
_عمران من فضلك.
احترم رغبتها ورفع يديه باستسلام، ومن ثم ابتعد للحائط المجاور لمرآتها يتابعها ببسمة هادئة، ويديه مربعة أمام صدره، يتابع فوضوية الاغراض المتعلقة بها وهي تجتمع جوار أغراضه المرصوصة بعناية على السراحة، بعضًا من أَحْجِبَتها ملاقاة عليها، وعُلبة من الدبابيس وغيرها من المرطبات وبعض أدوات التجميل البسيطة، وهناك على الفراش عدة فساتين ملقاة وكأنها كانت تجرب أكثر من فستان لتستقر على ذاك اللون الرصاصي الهادئ، والآن تحتار باختيار الحجاب المناسب،حتى ركنه الخاص بالصلاة تحمل سجادتها بعدما أدت فريضتها بالصباح.
راق له مظهر الغرفة التي نبضت بوجود حياة زوجية مشتركة بعد جفاء ما قضاه، انحنى تجاهها بدرجة أربكتها، فوجدته يجذب حجابًا من المجموعة المطروحة أمامهما وأشار لها ببسمة مهلكة:
_ده هيكون جميل وهيليق على ال dress.. وفتح أحد الإدراج ثم جذب لها مجموعة من الزينة قائلًا:
_ الaccessories (اكسسوارات) دي هتنطق الفستان كمان.
تفحصت ما بيده بدهشةٍ، وخاصة حينما تلقفت منه ما يقدمه، وما أن انتهت من ارتدائهم حتى تطلعت لذاتها ببلاهة، كيف استطاع أن يساعدها بتلك البساطة بينما قضت نصف ساعة تحاول أن تختار وللعجب أصاب اختيارته لنطق طالتها بشكلٍ صادم، فقالت ببسمة رقيقة:
_هتساعدني على طول بتنسيق اللبس؟
مال إليها ويده تندفع لجيب بنطاله:
_عمران سالم في خدمتك كل ما تحتاجيله مولاتي الأميرة!
تعالت ضحكاتها بشكلٍ أضحكه هو الأخر، وقطع ضحكته حينما قرص أرنبة أنفه بتوترٍ يعهده لأول مرة، لا يعلم ماذا أصابه بلوعة عشقها، فسألها:
_مايا إنتِ فعلًا كويسة، لو حاسة بتعب خليكي وأنا هعتذر منهم.
تبددت معالمها فألقت بالكحل الذي كانت تضع به القليل بعينيها ليصطدم بالسراحة من فرط انفعالاها:
_ما قولتلك إني كويسة، ليه مصمم تكسفني الله!!
وجذبت حقيبتها واتجهت للباب تصبح بعصبية تخفي بها موقفهما المحرج:
_افتح الباب عشان منتأخرش على الناس.
وحملت هاتفها الذي يصيح برنته الأولى من حقيبتها، هاتفة بحنقٍ:
_صبا بتتصل أهو عجبك كده؟
منع ابتسامته من الظهور، وجذب مفتاح الغرفة يفتحه وهو يشير لها بحبٍ:
_اتفضلي يا مايا هانم.
منحته ابتسامة خاطفة قبل أن تمر، فلحق بها للأسفل ليغادروا معًا لمنزل جمال حيث يتجمع يوسف وزوجته وجمال وصبا بانتظارهما.
********
مر الوقت بها ومازالت حببسة غرفتها منذ الأمس، حتى النوم جفاها وعدم رغبتها بتناول الطعام تركت جوفها، انتهت فريدة من ارتداء فستان من اللون الوردي وصففت شعرها بعناية ثم هبطت للأسفل تشير للخادم:
_أعد الغدا وبلغهم.
أجابها الخادم سريعًا:
_عفوًا سيدتي، السيد علي وزوجته وشقيقتها وشمس هانم خرجوا منذ الصباح، ومنذ قليل خرج السيد عمران برفقة زوجته، أما السيد أحمد فرفض تناول الطعام وكذلك الغداء.
تألم قلبها للغاية لسماع ذلك، فقالت وهي تتدعي صلابتها:
_أين هو؟
أشار بعينيه:
_بغرفته بالأعلى.
أجلت صوتها بعد مدة صمتها المرتبك:
_أحضر طباقين من الطعام وأنا سأحمله للأعلى.
هز الخادم رأسه وغادر عنها وبعد دقائق عاد يحمل ما تريد على صينية مستديرة فخمة، فأشارت له بتتابعها للاعلى حتى وصل لغرفته فحملتها عنه وقالت بثبات صارم:
_غادر إنت.
انصرف للأسفل بينما بقيت هي أمام الغرفة تحاول فتح بابها بارتباك جعلها تنتظر لخمسة عشر دقيقة تجاهد لاستعادة اتزانها الكلي، فنظفت وجهها من بقايا دموعها المنفلتة وطرقت بخفة على الباب ثم فتحت المقبض وولجت بما تحمله، فوجدته يجلس على المقعد الخارجي للشرفة، اتجهت إليه وهي تردد بغضب:
_ممكن أفهم أيه لعب العيال ده يا أحمد، ليه مأكلتش من الصبح؟!
منحها نظرة ساخطة قبل أن يميل برأسه للجانب الأخر وكأن لا وجود لها، فوضعت الصينية على الطاولة قبالته وقالت وهي تدعي الصلابة:
_على فكرة ده مش حل!
كان جامدًا وكأنه عاكفًا عن حديث البشر، فحاولت استمالة حنانه المعتاد منه:
_أنا كمان مأكلتش حاجة فجبت طبقي عشان أكل معاك، هتسبني جعانة يا أحمد؟
صمته طال ومحاولتها جميعًا تبوق بالفشل، انحنت فريدة بحذائها الانيق مستندة على حافة مقعده، ولمست يده مرددة بخفوت:
_أحمد أنا بكلمك!
أبعد يدها عن يده ونهض عن المقعد ليترك لها الشرفة بأكملها واتجه للغرفة، انهمرت دمعتها دون توقف ومع ذلك استمدت قوتها وأزاحتهما ومن ثم لحقت به للداخل، فوجدته يلف جسده بغطاء الفراش مداعيًا النوم، لحقت به وجلست جواره قائلة بحزن:
_مش عايز تتكلم معايا للدرجادي يا أحمد!
طُعن قلبها حينما تخر محاولتها محاولة تلو الاخرى أمامها، وكأنها لم تعد تملك سلطانًا عليه، رفعت فريدة ساقيها وأزاحت عنها الحذاء ثم وقفت على الفراش واتجهت للجانب الذي يوليها به ظهره، فتمددت جواره حتى بات وجهه مقابل لها، ويدها تمتد لتحيط وجهه، هامسة بتوسل:
_سكوتك هيموتني، أتكلم عشان خاطري.
مرر رماديته على كف يدها الناعم المحاط لوجهه، وردد ساخرًا:
_مش خايفة من شعور الخيانة العظيم اللي هيوجهك وأنتي هنا في سريري ولمساني!
ارتجفت يدها على خده وسحبتها وهي تنهض من جواره كلدغة عقرب سام طالتها، حديثه الساخر جعلها تصرخ بانفعال:
_إنت بتسخر مني وكل ده ليه عشان رفضتك!!
آه من قلبه الذي ينال طعنة جراء الاخرى والطعنة القاضية إنها من تتسبب له، أبعد الغطاء عن جسده ونهض يتجه إليها ببركان غضبه الثائر:
_إنتي جاية هنا ليه، اطلعي برة ومتدخليش أي مكان أكون فيه تاني.
عبست بعينيها بدهشة، لحقت نبرتها الهامسة:
_أنا مراتك!!
ضحك مستهزءًا:
_بجد فكرتك مرات أخويا!!
انهمرت دمعاتها أمامه وجلست على طرف فراشه تبكي بحرقة:
_كفايا يا أحمد، حرام عليك كفايا أنا موجوعة ومش متحملة وجع منك إنت كمان.
حن لها وقد نجحت بغزو قلبه ببكائها، فانحنى يلتقط راسخها ليجبرها على النهوض والخضوع لحضنه الدافئ، ويده تمسد على شعرها القصير بينما صوته الرجولي ينبعث بنبرة هادئة:
_هشش.. خلاص اهدي يا فريدة مش هعصبك تاني.
رفعت عينيها الباكية له وقالت:
_أنا بحبك وأنت عارف ده كويس، بس أنا مش قادرة يا أحمد إنت متعرفش أنا عشت طول السنين دي ازاي، إنت متعرفش حاجة.
منحها نظرة متعبة من كلماتها الغامضة، فسحبت نفسًا مطولًا وقالت بألم:
_ لما اتجوزت سالم كانت نظراته ليا غريبة، حتى كلامه، كان دايمًا بيرمي كلام غريب عن زوجة صاحبه اللي خانت جوزها مع اخوه، كنت بحس أنه يقصدني بكلامه وده كان قاتلني، أنا مكنتش بشوفك خالص يا أحمد عشان أخونه حتى بنظرة ليك.
وتابعت ببكاء حارق:
_حول حياتي لجحيم، بقيت بخاف من كل شيء بعمله عشان ميفكرنيش إني بخونه مع إن الحقيقة أنا كنت خاينة في خيالي واحتفاظي بذكرياتك.
ضيق عينيه بدهشة، وجذبها تجلس قبالته على المقعد يحاول سبر أغوارها، فقالت ببكاء:
_أنا كنت بروح لدكتور نفسي من كتر تصرفاته يا أحمد.
التقطت أنفاسها بعنف جعله يربت على ظهرها بألم:
_اهدي، خدي نفس ومتتكلميش غير لما تهدي.
هزت رأسها نافية، وباصرار قالت:
_لأ... سبني أتكلم وأحكيلك قبل ما ارجع أخاف من تاني.
هبطت يدها تتمسك بيده وقالت بانهيار:
_سالم عمره ما قسى عليا، لا ضربني ولا هاني مرة ولا عمل أي شيء يخليني أكرهه وده اللي كان وجعني أوي، بصاته يا أحمد كانت كلها كلام واتهامات ليا بالخيانة، كأنه بيقولي إنتي خاينة بس أنا بحبك وبعاملك كويس، حتى اما كان بيحصل بينا شيء كان بعدها بيكون غريب معايا، بيتضايق وبيتنرفز لإني مش قادرة أكون بالشكل اللي هو متوقعه! ولو حصل واتجاوبت معاه مكنتش بشوف غيرك إنت وده كان بيخليه متعصب أكتر من الأول وبالرغم من سكوته الا إن نظراته وطريقته كانت بتوصلي كل ده!
واستطردت بقهر وهي تتطلع له بنظرة قتلته:
_كرهتك أوي واتمنيت أنتقم منك بأي شكل يا أحمد لانك انت السبب في اللي أنا عشته، أنا كنت عايزة أريح نفسي من المعاناة دي وأقوله شكوكك كلها صح أنا فعلا بحب انسان غيرك بس مخنتكش كان نفسي أقوله كده..
وقالت بانكسار لحق بها:
_في اليوم اللي هو عمل فيه حادثة كان متخانق معايا بسبب برودي معاه، لبس هدومه وخرج وهو متعصب وبعدها لما جاني الخبر وروحتله المستشفى طلب مني طلب غريب أوي.
جلدته كل ما تحمله على عاتقها بمفردها، حبيبته كانت تخوض رحلة قاسية حد اللعنة، ابتلع مرارته وقال بحشرجة تكبت دموعه:
_طلب أيه؟
انتابها نوبة بكاء جعلت جسدها ينتفض بشراسة، فجذب مقعدها ليقربه من مكان فراشه الاعلى منها، وانحنى يضمها وهو يربت على ظهرها، لا ترى هي دموعها ومشاركته لوجعها، هدأت بعد دقائق وبعدت عنه تقول:
_قالي قبل ما يموت لو أحمد اتقدملك للجواز وافقي!!
وانهارت حصونها بينما تحولت تعابير وجهه لجمود تام، فبكت منهارة وكلماتها تخرج مشتتة:
_أنا كنت هموت وقتها يا أحمد، احساس أنه كان عارف بحبي ليك بعد جوازنا وسكت الفترة دي كان هيموتني، عاتبت نفسي وقتلتها ألف مرة لما فهمت وقتها معاني نظراته الغريبة ليا، كان نفسي أقوله اني فعلا حبيتك بس ده من قبل ما هو يدخل حياتي، كان نفسي أقوله اني ولا مرة خنته ولا حتى كلمتك بالتليفون ولا جمعنا أي لقاء، كان نفسي اعتذرله يا أحمد، آآ.. أنا السبب في موته أنا اللي خليته يخرج متعصب بسبب معاملتي ليه، بس غصب عني مكنتش قادره أكون معاه وقلبي معاك إنت!
ظلت لدقائق تنهار بالبكاء وحينما لم تجده يضم جسدها أو حتى يتحدث رفعت عينيها تراقبه بفضول، فوجدته يتطلع لها ببرود، وما أن تلاقت عينيهما حتى قال:
_سالم كان يعرف بحبنا من قبل ما يتقدملك يا فريدة، وطلبه الاخير ليكي كان لإن ضميره اللي مات أخيرًا فاق.
برقت بعينيها بصدمة جعلتها لا تحيل عينيها عنه، فضحكت وبكت بطريقة مجنونة، وهمهمت بجنون:
_إنت بتقول أيه... لأ ده مستحيل.. هو لو كان يعرف مكنش أكيد اتجوزني ولا آآآ...
وعادت تتطلع له من جديد، فنهضت عن مقعدها وهي تصرخ بانهيار:
_لأ.. لأ... إنت بتكدب عليا عشان أتخلص من عذاب الضمير اللي عشته، ع.. ع.. عشان انتقمت منك ورفضت طول السنين دي صح؟
وقف قبالتها وهز رأسه نافيًا لاتهاماتها، وقال بوهن أصاب صوته:
_تفتكري بعد حبي الكبير ليكي إني كنت هتخلى عنك بالسهولة دي؟
رمشت بعدم فهم، فتابع وهو يحرر كل ما دُفن داخله:
_أنا في اللحظة اللي جدك قالي فيها واجهته باللي بينا وإنك مش هتكوني لغيري وهو قالي هيرفض سالم بدون ما يقوله على اللي بينا عشان ميحصلش بيني وبينه عداء، وبعدها اتفاجئت بيه في مكتبي بيرسم عليا حوار خدعني وخلاني أستسلم وأقنعك وأقنع جدي إنه يوافق..
تراجعت عنه للخلف، تلاقت صدمات اليوم قد تجعلها تفارق الحياة بأي لحظة، ومع ذلك سألته لتستكشف ما يخفيه بعد:
_حوار أيه؟
يؤلمه رؤيتها بتلك الحالة، يؤلمه ابتعادها عنه بتلك اللحظة، ولكنه لن يصمت بعد ان ألقت لها معاناة ما تسبب أخيه الحقير بها، فقال:
_جالي المكتب، كان منهار وعايز يعرف جدي رفضه ليه، أنا محاولتش أعرف باللي بينا بأي شكل من الاشكال كنت خايف أخسره لإنه مهما كان أخويا الكبير يا فريدة، طلب مني إني اتداخل وأجوزه ليكي لانه بيحبك، وصدمني لما قالي إنه عنده كانسر في مرحلته الاخيرة وعمره متوقف على أي لحظة..
انهمرت دمعة من عينيه تقص لها عن ألم ما خاضه من خيانة،وقال:
_خدعني ودخلت على عقلي، وعدته أني هساعده وهبذل كل طاقتي عشان الجوازة دي تتم، ضحيت بقلبي وبيكِ من باب الشهامة ورحمة لجسمه المريض، مكنتش أعرف اني غبي واتلعب بيا.
ازداد اتساع زرقة عينيها بدرجة أغرقت رماديته داخلها، كانت تحاول التقاط كل كلمة منه وتعقلها الف مرة حتى تؤكد لها بأن أحمد من يتحدث، أتاها باغتة بمقتل حينما قال:
_في اليوم اللي وصلتكم فيه للمطار طعني لما كشفلي وشه الحقيقي وقالي إنه متعودش يحط عينه على حاجة ومتكتش ليه حتى لو كانت حب أخوه الوحيد، وجعني يا فريدة وأكدلي إنه عمل اللعبة دي كلها عشان يوصلك وهددني أني لو ظهرت تاني في حياتكم هيقسى عليكي ومش بعيد يواجه العيلة إنك بتخونيه معايا، طالبها مني بمنتهى الوقاحة وأنا خوفت عليكي وبعدت.
وابتسم بوجع شق صدره قبالة عينيها:
_ربنا لإنه عادل حققله الكلام اللي نسبه ليه، قال إنه هيموت وهو صغير بالعمر وفعلًا مات وهو في عز شبابه وإن كان السبب غير السرطان.
وتابع ببكاء احرق عينيه:
_بس انا معرفتش أشمت فيه سامحته وحافظت على السر ده لحد النهاردة علشان لا إنتي ولا حد من اولاده يكرهه، حتى لو جيت على نفسي واتحملت بعدك طول السنين دي كلها.
هزت رأسها بحركات متسارعة، وهمست بعدم استيعاب:
_لأ... مش قادرة أصدقك، قولي إنك بتكدب عليا يا أحمد، قولي إنك بتخدعني أهونلي من اللي أنا فيه.
واستدارت تحتضن موضع قلبها متفوهة ببكاء:
_يعني هو خدعني طول السنين دي كلها، ده أنا لحد اللحظة دي مخلصة ليه!! حرمت نفسي من كل شيء حتى إنت عشان وجع ضميري!!! أنا كنت بروح لدكتور نفسي يعالجني من اللي عشته على ايده ومتكلمتش بنص كلمة!! كان بيلاعبني!! بيلاعب أعصابي بكلامه ونظراته وهو عارف باللي كان بينا!!!
والتفتت لأحمد تشير بيدها على الباب وتضحك بانهيار مزق قلبه:
_ده أنا سايبه صوره في كل مكان حتى جناحي عشان مديش فرصة لنفسي إني أعيش حياتي وأنساه.
ورفعت كلتا يديها له:
_دفنتك بايدي يا أحمد عشان مدلكش الفرصة إنك تقربلي!! يعني انا كنت بعاقب مين طول السنين دي كلها! بعاقب نفسي أنا!! بعاقب مين قولي؟؟؟
ولعقت شفتيها الجافة الحاملة لملوحة دموعها، ورددت ببسمة وجع:
_طب إنت ليه سبتني أعاني طول السنين دي ومتكلمتش؟! طيب أنا المفروض أزعل منك وأعاقبك بكام سنة تانية والعمر خلاص مبقاش فيه أكتر من اللي راح!!!! قولي آنت أعاقبك بأيه على سكوتك كل ده، أنا حتى مش عارفة إنت مظلوم ولا ظالم يا أحمد، أنا حاسة بوجع أكبر من الأول، كأن اليوم اللي سبت ايدي فيه وسبتني بتزفله بيتعاد تاني قدامي، وأنا عاجزة.. آآ.. أنا عاجزة يا أحمد!!
ومزقت شفتيها بضغط أسنانها وهي تصيح بحقد:
_أنا بكرهه والمفروض ده اللي كان يحصل طول السنين دي.
برق بحدقتيه وأسرع إليها يتوسل لها:
_سامحيه يا فريدة هو خلاص مبقاش بينا، عشان خاطري متندمنيش إني صارحتك بالحقيقة إنتي كده بتأكديلي إني كنت صح لما خبيت عنك.
منحته نظرة قبضت قلبه، حينما تجمدت دموعها وحررت صرخات الأنثى القابعة داخلها:
_لو هيقف على باب الجنة وسماحي ليه اللي هيدخله مش هسامحه، سامعني عمري ما هسامحه يا أحمد.
وتركته وهرولت لجناحها بشكلٍ جعله يندفع خلفها وهو يناديها بلهفة:
_فريدة استني، اسمعيني!
أغلقت بابها بوجهه، وتبقى بالخارج يدق بابها بقوة ازدادت بعنف حينما تسلل له صوت تحطيم زجاج قوي يأتي من الداخل فصرخ بفزعٍ:
_فريدة افتحي الباب ده، عشان خاطري بلاش تأذي نفسك.
وطرق مجددًا بقوة:
_افتحيلي أنا مش هقدر أستحمل وجع تاني ارحميني يا فريدة وافتحي!
واسند جبينه للباب وهو يردد بصوتٍ متقطع:
_يا ريتني مقولتلك الحقيقة، ارجعي اكرهيني أفصل من العذاب ده... افتحي عشان خاطري.
تراجع أحمد للخلف واندفع بكل قوته تجاه الباب، مرة فالاخرى، مرات متتالية حتى استجاب له أخيرًا.
الزجاج المحطم يشمل الجناح بأكمله، صور أخيه التي تملأه مكسورة بين الارجاء، تفادت ساقيه الزجاج باحثًا عنها، حتى سقطت عينيها عليها تجلس بين الشظايا المحطمة تحتضن جسمها الذي يهتز بعنفٍ أختلج له قلبه، فمر من جوار الزجاج حتى بات ينحني أمامها، يرفع وجهها الباكي لوجهه المتشنج من فرط خوفه عليها، جلى صوته المحتقن قائلًا:
_حقك على قلبي أنا، غلط سالم وظلمي ليكي أي شيء تعبك وقهرك حقك عليا أنا آسف على الوجع اللي عشتيه، والله أنا كمان كنت بعاني وموجوع زيك بالظبط يا فريدة، أنا كمان اتداس عليا من أخويا، كفايا إني كنت السبب في موافقتك على الجواز، انا عشت بتألم وبعاني لحد اللحظة اللي أنا شايفك فيها منهارة، الكلام اللي حكتيه عن طبيعة العلاقة بينكم قتلني، حقك بيتخلص مني يا فريدة، ولو شايفة إن ده قليل عليا عاقبيني وأنا جاهز والله.
أخفضت رأسها للأسفل وهزت جسدها مجددًا بصمتٍ جعله يخبرها بقهر:
_اعتبريني سالم وعاقبيني، أو وأنا أحمد عاقبيني العقاب اللي يريح قلبك حتى لو هنفترق تاني بس بلاش تعملي كده في نفسك.
رفعت عينيها إليه وقد تمرد الدمع على وجنتها، فخرج همسها الخافت تترجاه:
_طلعني من الأوضة دي يا أحمد، مش عايزة أفضل بالبيت ده، من فضلك خرجني من هنا، كل ركن هنا بيخنقني!
ضمها إليه بقوةٍ جعلتها تبكي وهي تتشبث به، بينما الأخر يكبت بكائه ويعاكسه دمعاته المنسدلة على كتفيها، وصوته الذي مزقها دون رأفة:
_من بكره الصبح البيت اللي تختاريه هيكون ملكك يا فريدة.
ونهض يحملها بين ذراعيه متفاديًا الزجاج حتى خرج بها لغرفته بالطابق العلوي من جديد، وضعها على الفراش وداثرها بالغطاء ومن ثم تمدد لجوارها يربت على كتفها بحنانٍ، فانزوت بأحضانه تتشبث به هامسة بألمٍ:
_متبعدش عني تاني، خليك معايا متسبنيش!
مال برأسه على كتفها يخبرها بصوته المنخفض:
_السنين دي بكل اللي حصل فيها ومبعدتش تفتكري بعد ما بقيتي ملكي وحلالي هبعد يا فريدة هانم!
ابتسمت من بين دموعها، ورفعت وجهها له تتمعن بعينيه بعشقٍ جعله يضعف رغمًا عنه، فخشى الاقتراب وهي بتلك الحالة ولكنها سبقته على عتبة الغرام تستجديه حبًا فأتاها مرحبًا بصدرٍ رحب يقتطف ثمار عشقهما الذي طال عليه الفراق والوجع، طالت بهما الرحلة وجاهد بها أحمد للثبات دون تلك الآلآم التي تخترق قلبه، وحينما حصل عليها بالكامل وغفت لنومها بقى مستيقظًا دمعاته تنهمر على وجهه الصافن بسقف الغرفة بألمٍ، فمال بجسده إليها يراقب وجهها بوجع، يتذكر ما حدث بينهما منذ قليل بعذاب يزيد من وجعه ودموعه.
فكلما كانت تنغمس معه بين اوردة العشق كانت تفيق بهلعٍ تتمعن بوجهه بخوفٍ تمكن برؤيته داخل حدقتيه، وحينما تطمئن بأنه أحمد حبيبها وليس زوجها السابق كانت تستكين بين ذراعيه؛!
تذكر كلماته الهامسة لها:
_سالم مبقاش له وجود يا فريدة، أنا اللي جنبك ومعاكي يا حبيبتي!
جذبها وهي غافلة ليضمها، مرددًا بوهن انتابه كليًا:
_اتحملتي كل ده إزاي!! أنا اللي كان مصبرني إني كنت بشوفك قوية قدامي، طريقتك مع أولادك وفي كل شيء خلاني محسش أنك مدارية كل ده عني!!
وتابع بحزنٍ:
_يا ترى هقدر أعوضك عن كل ده؟!
...... .
********__________*********
•تابع الفصل التالي "رواية صرخات انثى" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق