رواية سجينة جبل العامري الفصل السابع 7 - بقلم ندا حسن
"أشعلت النيران بقلب الجميع تتخذها سبيلًا للهرب من سجنها، تحلم بالفرار فانقلب كل شيء على رأسها وأشتعلت النيران بقلبها"
"وقفت "زينة" في مُنتصف الغرفة بين ابنتها وشقيقتها تنظر إليهم وهم يبادلونها النظرات المستغربة بعدما استمعوا إلى حديثها الذي لم يدلف عقلهم..
تقدمت منها "إسراء" تنظر إليها بغرابة تتسائل:
-قصدك ايه أننا هنمشي دلوقتي؟ وبعدين فين حقك وحق وعد اللي جينا علشانه؟
تابعت النظر إليها هي الأخرى وقالت بجدية:
-أنا مش عايزة أسمع أي أسئلة ولا أي كلام
أشارت شقيقتها بيدها إليها وهي تود حقًا أن تفهم ما الذي تريد فعله فتابعت:
-يعني ايه.. زينة إحنا جينا هنا علشان كده مش علشان نتمرمط ونرجع تاني
أكملت "زينة" مؤكدة على حديثها بقوة كما كانت:
-قولتلك لازم نمشي من هنا وكلامي يتسمع لحد ما نخرج من الجزيرة
تسألت "إسراء" باستغراب تحت أعين الطفلة الصغيرة التي تتابع ما يحدث:
-طب ليه كل ده
نظرت إلى ابنتها التي تقف معهم، لا تريد أن تتحدث أمامها أو تشرح أي شيء لا يجب أن تعرفه.. عادت بالنظر إلى شقيقتها قائلة بجدية:
-هما مش ناويين يدوني حقي.. عايزين نقعد هنا ووعد تقعد معاهم لكن ناخد حقنا ونمشي لأ
تسائلت مرة أخرى بعين مُتسعة:
-يعني ايه؟
أردفت "زينة" بعد أن تنهدت بعمق:
-يعني لازم إحنا نمشي من هنا لأنهم مش هيسمحولنا نعمل ده
أقتربت منها "إسراء" ونظرت إليها بقوة.. تفوهت قائلة بجدية:
-زينة بس إحنا لو رجعنا دبي تاني هنعيش إزاي
تقدمت "زينة" من الفراش تجذب حقيبة ظهر صغيرة ثم أجابتها:
-هتصرف.. أنا هتصرف متقلقيش
نظرت إليها وتابعت قائلة بصوت جاد:
-يلا.. سيبي الهدوم مش هناخد حاجه غير الموبايلات والشواحن وجوازات السفر.. مش هنعرف نطلع من الجزيرة بحاجة
تذكرت "إسراء" أن لا طريقة للخروج من الجزيرة سهلة عليهم فسألتها:
-هنخرج من طريق النيل ولا الغابة
تنهدت الأخرى بضيق كبير وهناك ثقل تشعر به على صدرها ولكنها بدأت بفعل ذلك الشيء فعليها الانتهاء منه:
-النيل.. أنا مضمنش الغابة دي فيها ايه ولا هنخرج منها إزاي
أكملت وصلة الأسئلة الذي وقعت بها قائلة وهي تتابع حركاتها بعينيها الزرقاء:
-ومين هيعدينا النيل
ابتسمت بارتياح وهي تحاول أن تجعلها تطمئن مردفة:
-أول ما نخرج من القصر ونقرب على النيل هكلم عماد صاحب يونس يقرب مننا أنا اتفقت معاه أنه هينقلنا.. يارب بس محدش من الحرس اللي هناك يشوفه
تابعت وهي تتقدم من باب الغرفة بحزم:
-حطوا الحاجة في الشنطة أنا هنزل أعمل حاجه وطالعه
هبطت "زينة" على الدرج مُتجهة إلى الأسفل تتلفت هنا وهناك بعينيها لترى أي أحد من العائلة ولكن الجميع كانوا متواجدين في غرفهم بالأعلى..
توجهت إلى المطبخ وهي تسير سريعًا، دلفت إليه ولم تشعل الضوء داخله بل أكملت المسير في العتمة إلى أن وصلت إلى الباب المتواجد به لتعبر منه إلى خلف القصر مباشرة دون أن يراها أحد من الحرس..
فتحت الباب بهدوء وبطء شديد.. أخرجت رأسها لتنظر إلى الخارج ربما يكن أحد هناك ولكن لم ترى أحد فخرجت إلى خلف القصر تختلس النظرات بعينيها في كل إتجاه وقد كانت أحضرت من قبل ما ستحتاج إليه في مهمتها..
سارت بهدوء دون أن تصدر أي صوت إلى شجرة كبيرة متواجدة أمام سور القصر كان خلفها جردل كبير قليلًا فتحت الغطاء ونزعته من عليه وهي ترفع رأسها تنظر إلى الأعلى خوفًا من أن يراها أحد.. ثم حملته على يدها الاثنين وسارت تسكب ما به في كل مكان يقابلها.. على الأرضية والأشجار بأوراقها حتى جدران القصر من الخلف.. لقد كان بنزين سريع الاشتعال سيساعدها في الهروب من هنا.. تركته في الأرض ثم ألقت بعض الأخشاب وفوقهم قطعة قماش كبيرة..
توجهت لتحمل الجردل مرة أخرى وسكبت فوق الأخشاب ورائحته النفاذة تدلف إلى أنفها بقوة.. تركته مرة أخرى على الأرض..
عادت للخلف خطوة وتقدمت من باب المطبخ.. نظرت إلى كل ما فعلته ثم أخرجت القداحة من جيب بنطالها الجينز أشعلتها وألقت بها على الأرض فنشبت النيران سريعًا دون أي مجهود.. نظرت إليها بعينين واسعة وهي تراها تصعد إلى الأشجار وتتأكل في الأرض مُتجهة إلى الجانبين وترتفع مع تلك الأخشاب الذي ألقتها في الأرض.. اتسعت شفتيها بابتسامة واسعة وهي ترى أن ما رغبته بات قريبًا للغاية منها وستبتعد عن هنا في الحال..
دلفت إلى الداخل سريعًا وأغلقت الباب كما كان وكأنها لم تفعل شيء وسارت بهدوء وبطء لتخرج إلى ردهة المنزل تتلفت ثم عندما أدركت أن المكان أمن تحركت سريعًا وقدميها تبتعد عن بعضهم بقوة لتصعد إلى الأعلى تنتظر ما سيحدث من مرج وهرج بعد قليل لتتخذ هذه الفرصة سبيلًا للهرب"..
مر كل هذا على ذاكرتها وهي تبتعد عن قصر العامري فقد حدث كل هذا قبل قليل، قبل أن تخرج من القصر وتحصل على الحياة.. تود لو تصفق لنفسها لأجل حصولها على الفرار منه..
سارت بسرعة هي وشقيقتها وابنتها بيدها تبتعد عن هنا بفرحة كبيرة والإبتسامة على وجهها مرتسمة باتساع.. تتابع وهي تسير بخطوات اشبهت الركض البيوت الخاصة بهم الغريبة ككل المناطق النائية..
يالا الفرحة.. أكان يريدها أن تستمر معه هنا؟ على هذه الجزيرة الغريبة هي وكل سكانها.. الذين يضعون الثوم والبصل مربطين بأحبال في شُرف المنازل؟
لقد لازت بالفرار وما بقيٰ إلا دقائق كي تكون خارج الجزيرة وهم في الخلف يحاولن إخماد النيران.. خرجت ضحكة مباغتة منها وهي تشعر بالانتصار فوجدت تلك اليد القوية تقبض على ذراعها فجأة دون سابق إنذار..
نظرت إلى شقيقتها مُعتقدة أنها هي من أمسكت بيدها ولكن يد شقيقتها كانت جوارها فاستدارت واقفة تنظر إليه!!..
إنه هو! وقع قلبها بين قدميها واختفت تلك الضحكة التي كانت على شفتيها منذ قليل وذراعها في قبضة يده يضغط عليه بقوة وغل شديد وملامح وجهه لا تنذر بالخير أبدًا..
وقفت إسراء جانبها تقترب منها تحتمي بيها وفي نفس الوقت تحاول أن تحميها من نظرته إليها وقبضة يده التي استشعرت قوتها..
شعرت بالخوف وهي ترى "عاصم" يقف خلفه والسلاح بيده ونظرات عينيه موجهة إليها بقوة وكأنه يتوعد لها وبجواره ذلك "جلال" يقف مثله خلف جبل ينتظر الإشارة منه والجميع في حالة صمت..
ضغطت "زينة" على يد ابنتها بقوة تتمسك بها خوفًا من أن يأخذها منها عنوة.. عيناها تنظر إليه بحدة تتابع نظرات عيناه الخضراء المخيفة..
ضغط على يدها بقوة ونظر إلى شقيقتها بطرف عينه ومرة أخرى إلى ابنتها التي تمسكت بوالدتها فابتسم هو بشر ينظر إليها قائلًا بجمود:
-مش كنتي تقوليلي إنك عايزة تمشي علشان اسهلك الطريق!
تابعت النظر إليه دون حديث وقد شعرت أن سمائها انطبقت على الأرض من أسفلها ودمرت كل شيء.. لم تقوى على الحديث بل تنظر إليه بصمت تام لا تعلم ما الذي من المفترض أن تقوله ولا حتى تفعله.. ولا تدري ما الذي سيفعله هو بها..
أكمل وهو يجذبها من ذراعها بعنف وقسوة:
-تعالي.. الوقت دلوقتي ميسمحش أنكم تنزلوا النيل
تحطمت أحلامها وذهب كل ما فعلته لأجل الفرار هباء فلا شيء أتى بنفع مع ذلك الجبل الصلب الذي احتارت في وصفه..
بعد أن جعلت الحريق ينشب في القصر ويلتهي به الجميع وهو من بينهم.. وذهبت على أول الطريق وخرجت من القصر وأقتربت من الوصول إلى النيل والخروج من الجزيرة.. أتى هو لينهي كل هذا كأنه لم يحدث من الأساس.. لقد أتى في الوقت المناسب حقًا..
شعرت بالسخرية الغريبة لأجل كل ما عاشته هنا إلى الآن أهو إلى هذه الدرجة مسيطر ومتحكم ليفهم ما حدث ويأتي خلفها بهذه السرعة..
سارت معه وهو يجذبها عائدين إلى القصر استدارت برأسها تنظر إلى الخلف ترى النيل كان على بعد خطوات منها يبدو أنها كُتب عليها أن ترى وتعلم الكثير عن الجزيرة وأهلها.. لم يكن مقدر لها الخروج بهذه السهولة..
وقف "جبل" أمام بوابة القصر بعد أن عادوا إليها مد يده إلى حقيبة ظهرها جذبها منها ثم أعطاها إلى "عاصم" الذي أخذها منه وأشار إليه قائلًا:
-دخل الآنسة إسراء ووعد وخد بالك منهم كويس
أقتربت "إسراء" من "زينة" تقف جوارها وفعلت ابنتها المثل تتمسك بيدها بقوة وصاحت قائلة:
-وزينة هتروح فين؟
ابتسم إليها بسماجة وبرود قائلًا:
-متقلقيش أنا هاخدها معايا مشوار وراجعين..
تسألت مرة أخرى بجدية وقلق:
-مشوار فين.. خدنا معاها
نظر إليها بقوة وتابع يُجيبها بخشونة:
-ادخلي.. شوية وهترجع
تركت "زينة" يد ابنتها ونظرت إلى "إسراء" بجدية وهدوء حتى لا تجعلهم يشعرون بالقلق وقالت:
-ادخلي متقلقيش عليا
لم تكن تكمل رفع شفتيها عن بعضهم البعض لتتحدث مع شقيقتها إلا وكان هو تحدث بصرامة وقوة موجه حديثه إلى "عاصم":
-عاصم.. دخلهم
أشار "عاصم" إلى "إسراء" أن تدلف فنظرت إلى شقيقتها ودلفت على مضض وهي قلقة للغاية مما يحدث الآن وبيدها ابنة شقيقتها...
بعد أن دخلت من بوابة القصر نظرت إلى "عاصم" بعينين بريئة قلقة للغاية تدعوه أن يطمئنها فشعر هو بذلك بعد أن دلف وأغلق البوابة ناظرًا إليها
تقدم منها قائلًا بجدية:
-متقلقيش شوية والهانم هتيجي
ضغطت على يد الصغيرة التي تتمسك بها وهو يتابع النظر إلى عينيها بعمق وهدوء وكأنه يحكي أشياء لا تستطيع شفتيه الحديث بها.. استمع إلى صوت "جلال" وهو يخرج حمحمة رجولية فحمحم هو الآخر من بعده وهبط إلى أسفل ينظر إلى الصغيرة..
ابتسم إليها قائلًا بود وحب:
-اطلعي فوق اوضتك ارتاحي شوية وماما هتيجي
أومأت إليه برأسها فسارت مع "إسراء" متجهين إلى الداخل وهو معه حقيبتهم الذي تحوي أغراضهم..
بينما في الخارج نظر "جبل" إلى زينة بعد غلق البوابة نظرة ارعبتها شعرت أنها ترى شيطان في هيئة انسان من بعدها.. تحدث قائلًا بقسوة:
-أما إحنا عندنا مشوار مهم هيخليكي تفكري مليون مرة قبل ما تعملي أي حركة زي دي..
جذبها من يدها خلفه وهو يسير يكمل الطريق يتخطى القصر وكأنه يتوجه إلى الجبل؟..
نظرت إلى الطرف الآخر ورصدت بعينيها الجبل من بعيد ثم نظرت إليه هو ولم تستطع أن تستنتج ما الذي يريد أن يفعله معها!..
يطبق يده القوية على يدها بقوة وعنف شديد يجذبها خلفه عنوة عنها يُسير هو بسرعة وهي تحاول خلفه أن تجاري حركات قدميه ولكنها لا تستطيع ليس لأنه سريع بل لأنها أعصابها قد خارت منها منذ أن قبض على يدها في أول مرة.. يحطم كل أحلامها بتلك القبضة القوية التي أشارت لها أنها "في قبضته"..
كان ظنها صحيح وجدته يُعبر بها الجسر الفاصل بين طريق القصر والجبل، نظرت إليه بعينيها لم ترى إلا عنقه من الخلف وهو يُسير بها يجذبها بحدة، تذكرت تهديده لها وتلك الكلمات التي خرجت منه في المرة السابقة أنها لم ترى ما يحوي الجبل بعد.. ما الذي كان يقصده وما الذي يريد أن يفعله بها!..
سار بها إلى أن وصل إلى مقصده ولم يكن غير "الجبل" ترك يدها ووقف ينظر إليها بعينيه الخضراء التي أصبحت مخيفة أكثر من السابق بكثير أسفل ضوء القمر..
بقيت تنظر إليه مباشرة داخل عينيه لا تدري كيف تحملت ذلك وكأنه هو الآخر أخذ نظرتها إليه تحدي فتابع واستمر ينظر إليها يُخيفها فأبتعدت بعينيها السوداء تنظر في الفراغ المحيط بهم والسكون الذي بعث بقلبها الرعب والفزع.. وتلك الصحراء المخيفة كمن يقف أمامها..
وجدته يبتسم بزاوية فمه يبتعد عنها خطوات بسيطة للغاية وقف أمام منطقة معينة هبط بجسده العلوي للأسفل ينحني إلى الأرضية.. تابعته باستغراب شديد فوجدته يزيح بعض الرمال بيده ليظهر غطاء خشبي صغير مثبت بالأرض الرملية رفعه بيده ثم وقف شامخًا.. وقفت هي مذهولة لم تكن تدري ما الذي عليها فعله الآن يبدو أن القادم أسوأ بكثير مما سبق.. تنفست بعمق والرهبة تكاد تقضي عليها..
تابعت نظراته الشامتة لها ورأته وهو ينظر إليها ثم وضع قدمه أسفل ذلك الغطاء يضغط بها على شيء ما لم تراه جيدًا ثم استمعت إلى صوت عالي يصدر من الجبل فنظرت إليه سريعًا لتراه وهو يُفتح!..
لم تكن أي كلمات أو معاني تعبر عما تشعر به في هذه اللحظة من الذهول والخوف والتردد الذي أصابها والندم الذي احتل كيانها بسبب عودتها إلى هنا ووقوفها بوجهه.. لما أردت أن ترى ذلك الجبل لما؟!
الآن فقط علمت أن حديث "يونس" كان صحيحًا مئة بالمئة وهي الوحيدة الغبية الفضولية عندما رأت العتمة تخرح من الداخل وجانب كبير منه أبتعد عن الآخر ليفتح مرر إليه..
ابتسم باتساع وهو يتابع نظراتها وتعابير وجهها المزعورة فتقدم منها يقبض على يدها قائلًا بكبر:
-ولسه مشوفتيش حاجه
دفع الغطاء الخشبي بقدمه ليعود كما كان وجذبها من يدها بعنف وقوة وسار إلى الداخل في الظلام الدامس وهي بيده تسير خلف لا ترى أي شيء وفجأة اشتعلت الأضواء لا تدري كيف.. هناك ضوء في الداخل كأي بيت عادي رأته وهو يضغط بيده على زر في الحائط أعاد إغلاق الجبل مرة أخرى مع استمرار ذلك الصوت العالي المزعج..
نظرت إليه فابتسم بشر إليها ثم تابع في جذبها من يدها إلى الداخل تسير وهي ترى حوائط الجبل من الداخل ذات اللون الأصفر الرملي معلق عليها في كل جانب وكل أنش سلاح مختلف الشكل والهيئة عن سابقه..
لم تكن تركز في أي شيء ولا حتى الطريق الذي يُسير به معها بل كانت تنظر إلى الأسلحة المتواجدة بكل مكان.. بينما وهي تعبر معه من المرر إلى الآخر الأكثر اتساعًا استدارت بوجهها تنظر إلى الأمام بعد أن رأت عينيها القدر الكافي من الأسلحة ولكنها فزعت وصرخت عاليًا تلتصق به متمسكة بذراعه وهذا بعد أن رأت رأس ذئب معلقة أمامها في بداية الممر الأخر ولم تكن تراه..
تحدث بخشونة قائلّا وهو ينظر إليها:
-قلبك خفيف للدرجة دي.. اتقلي
حاولت أن تتنفس بهدوء وانتظام بسبب تلك الفزعة وابتعدت عنه تاركة يده تنظر إليه باستغراب جلي وإلى الآن لم تعلم ما الذي سيحدث..
دلف بها إلى الداخل ووقف في ساحة كبيرة وكأنها منتصف الجبل لم تختلف كثيرًا عن الخارج كانت مليئة بالأسلحة والصناديق الخشبية الموضوعة في كل مكان وهناك أبواب حديدية على بعد مسافات منتظمة..
دارت بعينيها في كل إتجاة ثم عادت إليه بهما فنظر هو إليها ثم سار يخطو خطواته ببطء شديد جوارها يُسير حولها صانعًا دائرة يمشي عليها بانتظام..
أردف بكلمات بسيطة ببطء وهدوء ولكن الكلمات هذه لا تحتوي إلا على القسوة:
-أنتي عارفة أنتي عملتي ايه؟
لم يجد منها رد فأعاد السؤال مرة أخرى بخشونة أكثر:
-عارفة ولا مش عارفة
لم تكن تعلم ما الذي ينتظرها بعد فتحدثت بقوة وعنفوان تدفعه إليه بلا مبالاة:
-عارفة كويس أوي وأنا قولتلك قبل كده مش خايفة منك ولا من عشرة زيك وهامشي يعني هامشي
تقدم منها ناظرًا إليها بهدوء وعينيه مثبتة عليها ثم دون أي إنذار منه قبض على خصلات شعرها صارخًا:
-لأ مش عارفة أنتي عملتي ايه.. الحريقة اللي عملتيها دي لو كانت زادت ولا محدش شافها كانت كلت الجزيرة كلها المخزن اللي ورا القصر مليان متفجرات يا غبية
استمرت في النظر إليه بعينيها المتسعة بعد صدمتها فيما قاله، وجهها قريب من وجهه للغاية حيث أنه يتمسك بخصلات شعرها يجذبها نحوه:
-الله وكيل لو حصل حاجه مكان هيكفيني اقتلك وارميكي للديابة
ضغط على شفتيه السفلية بعصبية وغضب شديد يسألها بعنف وشراسة:
-أنتي عايزة ايه بالظبط مش قولتلك هتجوزك غصب عنك.. قولت ولا مقولتش
صرخت بوجهه بشراسة أكثر منه وكرهها له وبغضها على هذه الحياة هو من يقودها:
-أنا مش هتجوزك لو هتقتلني
أشتدت قبضتة على خصلاتها وهو يصرخ بوجهها:
-أنا مش هقتلك أنتي هخليكي تتمني الموت ومش هتطوليه سامعة
رفعت يدها الاثنين تدفعه بهم ليبتعد عنها بعد أن ألمها رأسها بسبب قبضته القوية عليها:
-أبعد عني
أشتد أكثر وأكثر وهو يحركها من رأسها قائلّا بتأكيد وثقة قاسية:
-هو أنتي لسه شوفتي حاجه.. خروجك من الجزيرة دي مش هيحصل
نفت حديثه وما يقوله معترضة على بقائها معه قائلة بجدية وصوت عالي:
-لأ هيحصل غصب عنك يا جبل أنت عايز مني ايه قولتلك مش هبلغ مش هعمل حاجه هنسى خالص إني جيت هنا
تابعها بنظرات وقحة يبعثر نظرات عينيه على جسدها:
-أنا بقى عايزك.. أرملة أخويا وأنا أولى بيكي وببنته
بصقت بوجهه بشراسة وغل بعد أن رأت نظرته الطامعة بها وحقارة عيناه في النظر إليها:
-أنت قذر
طمس بيده على وجهه يغمض عينيه ومازال مُمسكًا بخصلاتها فأبعد يده عن وجهه ورفعها عليها صافعًا وجنتها بقوة هائلة وعنف ضاري ثم أجاب بسخرية:
-ما أنا عارف
دفعها للأمام من خصلات شعرها المُمسك به متوجهًا نحو إحدى الأبواب الحديدية وقام بوضع يده على الزر في الحائط ليُفتح فوقف أمام الباب ودفع رأسها للداخل..
تحدث بقسوة وشراسة وهو يضغط على خصلاتها:
-هنا مخزن للسلاح وفي واحد كمان زيه
جذب رأسها وعاد بجسدها إلى الخلف ثم سار دافعًا إياها إلى باب آخر بعد أن فتحه بنفس الطريقة أدخل رأسها مرة أخرى يكمل بقوة وعنف:
-هنا متفجرات
مرة أخرى يجذبها ويعيد ما يفعله ولكن هذه المرة اختلفت حيث دفعها إلى غرفة بها أشخاص وهو يقول بغلظة وتكبر غير مبالي بأي شيء:
-هنا اللي عصوا أوامري ومافيش بشر يعرف يوصلهم
مرة أخرى وأخرى وهي ترى أشياء لم تتخيل أن تراها في حياتها مذهولة وتشعر بالزعر والرعب الشديد قلبها ينتفض داخل أضلعة عقلها يصرخ بالهرب وجميع حواسها تبكي قهرًا على حالها وتندب حظها العثر الذي أوقعها مع ذلك الذئب البشري والذي عرفته على حقيقته الآن فقط وكل ما سبق ما كان إلا لهو معه وما هو قادم سيكون أصعب من المستحيل..
وقف عند آخر غرفة تراها عينيها فتحها ثم لم يدفع بها رأسها بل دفع جسدها بالكامل في الداخل بقوة وعنف لتقع على الأرضية في الظلام المعتم لا ترى شيء إلا عندما دلف هو الآخر وأشعل الضوء..
وقف أمامها شامخًا تنعكس صورته عليها وكأنه وحش كاسر، حيوان بري شرس لا تستطيع وصفه، وضع يده بجيب بنطاله وقال بهدوء وبرود:
-هنا بقى مكان للتعذيب.. المكان ده مخصص للي زيك تقدري تاخدي فكرة
أشار إليها بعينيه كي تنظر حولها، وقفت على قدميها ومازال لسانها ملجم لا تستطيع الحديث، سارت بعينيها ببطء شديد وريبة لا مثيل لها، تعبر من أصفاد إلى سلاسل إلى أدوات تعـ ـذيب لم تراها من قبل، تعبر إلى مقعد ليس به إلا مسامير في كل إتجاه، جحظت عينيها وهي ترى الأداة المسماة بكمثرى الألم وذلك كاسر الأصابع وكسارة الأعناق وغير ذلك من أدوات بشعة المظهر..
استمرت في الاستدارة تنظر من هنا إلى هناك حتى عادت بعينيها مرة أخرى إليه، وقفت قليلًا تنظر إليه بعمق تتذكر غرفة الأسلحة وغيرها من المتفجرات والأشخاص المتواجدين في الداخل وهذه الغرفة.. من هو! يستطيع أن يفعل كل ذلك دون أن يهاب أحد
الشرطة لا تعلم بكل ما يفعله؟ لا تعلم أنه مهرب أسلحة لا تعلم أنه مجرد قـ ـاتل عليه أن يكون بالسجون لا تدري أنه حاكم ظالم.. لا تدري بوجود تلك الجزيرة الغريبة كليًا..
وجدته يقترب منها بهدوء ومازالت يده في جيوب بنطاله وقف أمامها مباشرة نظر إلى داخل عينيها وارعبتها تلك النظرة وقد علمت حجم الخطر الذي وقعت به.. ما كان في السابق ماهو إلا غنج..
أردف بصرامة قائلًا:
-اللي شوفتيه ده نقطة في بحر جبل العامري
نظر إليها بشماتة أتى بها من الأعلى إلى الأسفل ينظر إليها بكل غرور وعنجهية وما دفن داخل نظرته كان خبث وقذارة:
-لسه عايزة تمشي من الجزيرة؟
حاولت أن تستجمع شتات نفسها، زفرت بقوة وبدأت في التنفس بانتظام محاولة منع التوتر والتردد من حديثها ثم تفوهت بتعلثم:
-جبل لو سمحت أرجوك.. سيبني أمشي أنا بجد دي مش عيشتي ولا ده مكاني.. أنا وأنت مستحيل ننفع مع بعض أنا متنازلة عن كل حاجه واعتبرني مجتش
أجابها بنفس النبرة الواثقة القوية:
-بس أنتي دخلتي مزاجي بقى يا غزال.. وأنا بحب اللي زيك وترويضك عندي
اعترضت على كلماته وصاحت بعنف:
-أنا مش بتروض.. أنا حرة
يعلم أن حديثها السابق ما هو إلا استعطاف لأجل أن يتركها فقال بقوة وجدية شديدة:
-كنتي حرة ولا فاكرة إن بكلمتين ناعمين يبقى خلاص لا الجو ده ينفع مع يونس مش جبل العامري
صرخت بوجهه عاليًا وهي تبتعد عنه:
-يعني عايز ايه
أغمض عينيه الخضراء جزئيا بنظرتها المخيفة يسخر منها:
-كنا اتفقنا جوازنا امتى؟ آه الخميس الجاي
صرخت به مرة أخرى وهي تقترب منه تشير بيدها بكل الشراسة القابعة داخلها وضرواة عنفها يخرجان عليه:
-مش موافقة سامع مش موافقة وهعمل المستحيل علشان أمشي من الجزيرة الملعونة دي
أومأ إليها برأسه مع تحركات شفتيه بكلمة واحدة بمنتهى السهولة:
-ماشي..
أخرج هاتفه من جيب بنطاله لحظات يضغط على بعض الأيقونات به ثم رفعه على أذنه يهتف بجدية:
-عاصم.. هات الآنسة إسراء
وقف لحظات ثم نظر إليها ساخرًا يكمل بمكر:
-آنسة ايه بقى هات المدام إسراء واتنين من الرجالة وتعالى
أقتربت منه سريعًا بعد أن أصابها الذعر تصرخ بعنف تدلي بكلماتها الموافقة لما قاله:
-خلاص.. خلاص موافقة
نظر إليها شامتًا مُبتسمًا باتساع وهتف إلى "عاصم" على الطرف الآخر:
-خلاص يا عاصم أجلت الموضوع
أمسك بذراعها يجذبها منه لتتقدم إليه وصدح صوته قائلًا:
-عايزك تفهمي إني أقدر أعمل اللي عايزة في أي وقت.. الله وكيل ادفنك هنا ولا حد هيسأل فيكي فاهمه؟
لم تجب عليه فأراد أن يستمع إلى صوتها:
-ردي
أجابته وهي تنظر إليه ذليلة تبتعد بعينيها عنه:
-فاهمه
ضغط على يدها وأكمل حديثه بتهديد صريح وبين يتابع نظرات عينيها المنكسرة:
-اللي جاي ده بتاعي.. أوامري وكلامي هو بس اللي بيمشي أي حركة كده ولا كده أنتي عارفه أنا هعمل ايه
رفعت عينيها إليه تنظر إلى معالم وجهه التي تشعر أن عليها غضب من الله تنظر إلى جمال عينيه الخضراء ولكنه فقدها بسبب تلك النظرة البغيضة، تفوهت بإسمه:
-جبل
نظر إليها بعناية ينتظر أن تتحدث فتابعت بقوة ومقت له وشراستها لم تقتل داخلها رغم أنه يرى انكسارها:
-أنت أقذر واحد شوفته في حياتي
صفعها بقوة وقسوة ضارية ليلتف وجهها للناحية الأخرى بسبب قوة صفعته إليها واستمعت إليه يقول بغلظة:
-أنتي لسه مشوفتيش القذارة بتاعتي بس اوعدك في أقرب فرصة يا غزال
وضعت يدها على وجنتها تنظر إليه بغل وبغض لا نهاية أو مثيل له فابتسم باتساع وهو يجذبها من يدها مرة أخرى قائلًا:
-هرجعك القصر ومش هوصيكي يا غزال.. اجهزي كويس
تضاربت أمواج حياتها وثار بركان حزنها فاختفت السحاب من سمائها ليحل محلها الظلام الدامس الذي كوى نيران قلبها فما كان منها إلا أن ترضخ لمعذبها ومن سحب منها روحها لتقع سجينة له ولكل ما يهوى..
كلما مرت على إحدى نجوم السماء تسألها بعينيها متى الخلاص من سجنه وعذابه ترى السماء دامسة الظلام كحياتها لا يُنيرها إلا بعض النجوم تتمثل في الذكريات الراحلة..
دقت باب عقلها تحاول أن تأخذ منه فكرة أخرى للهرب ولكنه هابه وانطوى خوفًا من طيشه الشرس وأفعاله المشينة.. لم يبقى سوى قلبها تطالبه بأن يدلها فما كان منه إلا أنه رضخ كما عقلها يبتعد أميال عن ذئب بشري عذبها فقط بنظراته المخيفة..
كان قلبها وعقلها وكل حواسها منذ لحظات فقط يرفرفون من كثرة السعادة بعد الاقتراب من الخروج من تلك الجزيرة الملعونة الآن كل منهما تفرق خوفًا من بطش جبل العامري فوقعت سجينة له وبقيت داخل قبضته ليمسك بها من ذلك المعصم المتألم فترضح لشهواته وكل ما يهوى..
❈-❈-❈
بقيت يوم كامل تحاول أن تفكر في كيفية الخلاص من ذلك المجرم القـ ـاتل، عينيها أتت بالقصر وبكل زاوية به تحاول أن تحدد مكان تستطيع الهرب منه.. تفكر بطريقة أخرى للخروج من الجزيرة ولكن كل محاولتها باتت فاشلة ولم تستطع أن تحصل على الطريقة المناسبة..
غدًا اليوم الموعود، اليوم الذي حدده ليعقد قرآنه عليها وهي تبغضه وتبغض كل ما يأتي منه.. كيف تتخلص من هذا العذاب وهو يضغط عليها بشقيقتها، لا تستطيع أن تخاطر بها إنه شخص لا يعرف للرحمة طريق ولم تدق بابه أبدًا رأت ذلك بعينيها أمس وهي ترى الأشخاص المكبلين في الغرفة لا حول لهم ولا قوة ورأت ذلك من قبل خلف الجبل وهو يقـ ـتل بدم بارد ولم يرف له جفن
يستطيع أن يفعل ما هددها به فلن يكون أمامها سوى ما أراد.. لن يكون أمامها أي اختيار سوى أن تكون سجينته بإرادتها وأن تكون امرأة قابلة للترويض على يده بعد أن تصبح زوجته..
الأمر ثقيل للغاية عليها أن تُكتب على إسم رجل آخر غير زوجها الراحل "يونس" الرفيق والسند الذي كان في حياتها فهو لأمر أصعب من المستحيل..
ولكن ان تضحي بحياتها أهون بكثير من أن تضحي بشقيقتها وابنتها.. هي تعلم كيف تكون صلبة وقوية وكيف تكون امرأة لا تنحدر للرياح..
دلفت من شرفة الغرفة إلى "إسراء" و "وعد" ابنتها جلست على الفراش أمامهم تنهدت بهدوء تنظر إليهم بتردد..
ثم ابتلعت ما وقف بجوفها وقالت بجدية:
-في حاجه لازم تعرفوها
انتبهت إليها "إسراء" وأقتربت منها تجلس أمامها بهدوء:
-ايه يا زينة
تنفست الأخرى بعمق وأخرجت ما كان بصدرها ثم ألقت قنبلتها فجأة دون سابق إنذار:
-أنا هتجوز جبل
اخترقت الكلمات هذه أذن الطفلة الصغيرة فنظرت إلى والدتها بينما وقفت "إسراء" على قدميها مرة أخرى تنظر إليها باستغراب كلي ودهشة صارخة:
-ايه؟ تتجوزي جبل؟ البني آدم اللي مش معروف هو حيوان ولا إنسان ده
حركت كتفيها ونظرت بهدوء محاولة التماسك أمامهم:
-مافيش حل تاني غير ده
تابعت النظر إليها باستفهام وتسألت بحدة غير معتادة عليها:
-حل تاني لإيه أصلا أنا مبقتش فاهمه تصرفاتك أنتي حتى مقولتيش اخدك فين امبارح
بمنتهى البساطة أجابتها قائلة بهدوء وجدية:
-اخدني نتمشى وعرض عليا الجواز وأنا وافقت
أشارت إليها بيدها إلى حوائط القصر وهي تتحرك أمامها بعنفوان لا تصدق أن شقيقتها ستفعل ذلك بنفسها:
-وافقتي إزاي.. أنتي مستعدة تقعدي هنا في المكان ده، ده إحنا يعتبر محبوسين أصلًا أخرنا سور القصر
تنهدت "زينة" بعمق وأكملت تهتف بحزن كي تجعل شقيقتها تصدق ما تقوله:
-ده الحل الوحيد علشان أخد حقي أنا ووعد.. بصراحة أنا فكرت في الموضوع هتصرف إزاي لو رجعت دبي من غير فلوس
أشارت إليها بكف يدها قائلة بتسرع وقوة تكمل باشمئزاز واضح:
-نشحت أنا مستعدة نشحت ولا أننا نفضل هنا أنتي مش شايفة طريقتهم ولبسهم ولا شايفة أخته دي عامله إزاي ومامته بتبص لينا إزاي غير الطريقة المريبة اللي عايشين بيها والسلاح اللي في كل مكان
حاولت أن تستمر في الكذب الذي تقوله تقنعها بحديث هي من الأساس ليست مقتنعة به:
-أنا هتجوزه علشان أضمن حقنا لأننا مش هناخده غير بالطريقة دي هو قالها صريحة.. هما محتاجين بس وعد تقعد معاهم شوية
وجدت الأخرى تنظر إليها لا تصدق ما تقوله عينيها الزرقاء تتسع عليها تتابع ملامحها وحركاتها العفوية فضبطت حركاتها وتابعت بهدوء:
-وبعدين أنا فكرت في الموضوع وعرفت احسبها خلاص أنا قررت
وقفت "إسراء" مستقيمة وسألتها تنظر إليها بتعمق:
-أنتي متأكدة من اللي بتعمليه ده
أومأت الأخرى إليها وأجابتها بثقة وتأكيد كاذب:
-آه طبعًا متأكدة
أقتربت منها وجلست أمامها مرة أخرى تضع كف يدها على يد شقيقتها وتحدثت بلين وهدوء تحسها على أن قرارها خطأ:
-زينة أنا قلقانة وخايفة.. أنتي مش شايفة حتى هو نفسه نظراته عامله إزاي
بدلت الأدوار ووضعت هي يدها عليها تربت بهدوء وحنو قائلة بصوت خافت خارت كل قواه:
-إسراء أنتي خايفة من ايه وأنا معاكي.. متخافيش
نظرت إلى ابنتها "وعد" التي لم تتحدث منذ أن تفوهت بذلك القرار الغبي الذي تود أن تموت ولا تفعله فسألتها بهدوء مبتسمة:
-مالك يا وعد
نظرت إليها الطفلة ببراءة وقالت بصوتها الرقيق تتسائل:
-أنتي هتتجوزي عمو جبل بجد
أومأت إليها والدتها وهي تشعر بغصة داخل قلبها تتعمق أكثر كلما ذكرت أنها ستتزوج منه عنوة عنها فأكملت الصغيرة بحزن:
-طب وبابا
أقتربت منها والدتها أخذتها تضمها بضراوة تشعر أنها تود لو تجعلها تدلف إلى داخل قلبها كي ترحمها من بطش عمها القـ ـاتل.. أجابته بهدوء وعقلانية:
-بابا الله يرحمه يا وعد واللي بيحصل ده يا حبيبتي مش حرام ولا عيب
وقفت "إسراء" مرة أخرى تقول باعتراض:
-افتكري إني قولتلك لأ
ابتعدت "زينة" عن الطفلة وأجابت شقيقتها بحدة وعنف فقد خارت قواها وذهبت كل تبريرات هذا القرار الفاشل:
-حتى لو.. فين جوازات السفر؟ فين الفلوس ولا حتى موبايلتنا كل حاجه معاه لو خرجنا من هنا هنتشرد
أجابتها بقوة وثقة:
-أحسن من جوازك منه
نظرت إلى البعيد بعينيها وهي تعلم أن حديث شقيقتها صحيح مئة بالمئة.. شقيقتها تقول كل هذا دون أن تعلم أي شيء عنه ماذا أن علمت بما يفعله!..
❈-❈-❈
"اليوم التالي مساءً"
تم عقد القرآن وهي مغيبة عن الواقع تمامًا، كانت في ذلك الوقت تجلس تنظر في الفراغ تفكر في حياتها القادمة معه وما ستواجهه وكيف ستكمل في هذا المكان ومع هؤلاء البشر...
أجابت على المأذون بعد أن ربتت والدته على قدميها وهي مغيبة تمامًا عن جلستهما قالت موافقة فقط بعد أن نظرت إلى شقيقتها وابنتها حيث أنها كانت تود التراجع في آخر لحظة فحثها على النظر إليهم وقد وقعت أسفله..
تنهدت وهو يقول بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.. سخرت من حديثه قائلة أي خير هنا؟ ومع قـ ـاتل؟
بينما هو ذلك الرزين العاقل كان يشعر بالسعادة لأنه جعلها تأتي أسفل يده وترضخ لما أراد رغمًا عن أنفها..
أظهر إليها قوته وجبروته فعادت إلى الخلف تتقهقر مطالبة بالرحمة والغفران وهو لا يعرف طريق للرحمة..
يتشوق لجعلها ترى تلك القذارة تخرج منه على حقها فهي عندما نعتته بذلك الاسم لم يكن قد فعل به شيء ولكنه الآن سيكون على حق..
ينظر إليها وإلى انكسارها بتشفي وسعادة والإبتسامة ترتسم على زاوية شفتيه وهي تبتعد بعينيها عنه..
شقيقتها تنظر إليها وترى الخوف والكسرة بعينيها لا تفهم لما فعلت بنفسها ذلك فقط حتى تأخذ مالها منه أو لأنه من الأساس حكم بالسجن المؤبد عليهم داخل الجزيرة لذلك حاولة الهرب؟
ابتعدت بطرف عينيها إلى عاصم الشاهد على هذه الزيجة فوجدته ينظر إليها بكل قوته تخترق نظراته جسدها وعينيها فأبتعدت عنه تنظر إلى البعيد بتوتر لا تفهم ما دخله الأن بما يحدث..
بينما فرح التي لعنت ما حدث بين شقيقها وزوجة الآخر الراحل، تلعن الساعة التي دلفت بها إلى منزلهم، تنظر إليها بمقت وكراهية فلم تكن تريد لهم أن يكونوا معهم هنا في القصر وخصوصًا تلك الفتاة ذات العينين الزرقاء التي تتصنع الدلال والرقة فهي تراها حية كبيرة تلتف حول العنق.. تراها وهي تود أن تخطف "عاصم" منها وتتابع نظراتها إليه ونظراته إليها.. أنها فتاة قذرة تود لو تخنقها بيدها الاثنين حتى تزهق روحها وترحل إلى الأبد أو تعفو عنها وتبتعد عن الجزيرة وكأنها لم تكن..
كانت السيدة "وجيدة" أسعد من في تلك الجلسة، لقد نالت ما أرادته وخططت إليه وأخذت ابنة ولدها وفلذة كبدها إلى أحضانها للأبد حتى وإن كانت والدتها تجلس رغمًا عنها ولكنها تثق في قدرات "جبل" ابنها وتعلم أنه إن أرادها سيجعلها تجلس هنا بينهم بكل إرادتها ومحبة منها..
بينما الخدم والحرس وكثير من الفضوليين لم يعلموا ما السر وراء هذه الزيجة وكيف تمت بهذه السرعة...
وقف خلفها حيث أنها كانت تقف أمام فراشه بعد أن صعدت معه إلى الغرفة وضع يده على كتفها من الخلف يحركها ببطء وتروي على طول كتفها..
ثم تحدث قائلًا بقوة وعنف يخرجان من بين كلماته:
-أهلًا بيكي في سجن جبل العامري
جعلها تستدير وتنظر إليه، وضع عيناه الخضراء أمام عينيها السوداء مباشرة ثم تسائل بقسوة ساخرة:
-فاكرة لما قولتي إني أقذر واحد شوفتيه في حياتك.. وقتها قولتلك إنك لسه مشوفتيش قذارتي بس في أقرب فرصة هخليكي تشوفيها
نظرت إليه باستفاهم وتابعت حديثه غير قادرة على استيعابه أو فهم مقصده..
فلم يعطي إليها الفرصة حيث دفعها على الفراش في الخلف على ظهرها وتقدم منها قائلًا بعنف وشراسة:
-جه الوقت تشوفي قذارتي
نظرت إليه بخوف ورهبة كبيرة ولكنها حاولت التغلب عليها وتظهر إليه تلك المرأة القوية.. لكنه لم يعطي إليها الفرصة لفعل ذلك بل تمثل إليها في صورة الذئب البشري حقًا الذي شبهته به من قبل لكن الآن لقد تعاملت معه وشعرت به وبكل ندبة تركها عنوة على جسدها.. تمثل في هيئة حيوان مفترس اغتال ما بقيٰ من شقيقه واستحله بالقوة والعنف فقط ليشبع غرائزه الحيوانية وليرها أنه "جبل العامري" المتحكم الوحيد في كل شيء على هذه الجزيرة.. حتى هي وإن كانت صعبة الترويض..
❈-❈-❈
"يُتبع"
رواية سجينة جبل العامري
للكاتبة ندا حسن
حبايب أنا لما قولت عندي فكرة رواية صعيدي عايزة أعملها ومتحمسة ليها علشان أحمسكم بس مش أكتر لكن انتوا عارفين أكيد أنا مش بوقف رواية بتنزل علشان رواية تانية.. الحالة الوحيدة اللي بنوقف فيها علشان شهر رمضان غير كده لو في ظروف..
•تابع الفصل التالي "رواية سجينة جبل العامري" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق