Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية سجينة جبل العامري الفصل الخامس والعشرون والاخير 25 - بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الفصل الخامس والعشرون 25 - بقلم ندا حسن 

#سجينة_جبل_العامري

#الفصل_الخامس_والعشرون

#الأخير

#ندا_حسن


"جمعتها الصدفة به عندما دلفت جزيرة العامري التي كانت عبارة عن دماء وأسلحة وملجأ لكل من هو خارج عن القانون، الآن باتت جزيرة العامري مكان ترفع منه شعائر الهوى"


عادت "زينة" إلى الخلف لتقف في آخر بقعة في المرحاض تستند على الحائط بظهرها تنظر إلى الغرفة أمامها ترى الفراش تلتهمه النيران والستائر المعلقة على باب الشرفة، ترى سجادة الغرفة تشتعل والنيران تتصاعد بشكل مخيف يدلف الدخان بكثرة إلى المرحاض ليكتم أنفاسها ويسلب منها حياتها 


لم تفعل شيء في ذلك الوقت إلا أنها تقف بعينين مُتسعة مصدومة مما يحدث لا تقوى على الحركة أو الصراخ تنتظر أن تعبر النيران إليها لتشعل المياة معها فمظهرها لا بوحي بأن هناك شيء يخمدها..


عبر شريط حياتها أمامها فلم تجد سبيل للفرحة ولو ليوم واحد ولم تجد طريق تعود منه إليه لترتمي داخل أحضانه، فلا مأوى يحتضن قلبها سوى الحزن والتعاسة..


عاشت حياتها الأولى في خديعة وكذبة مريرة لم تعبر حلقها إلا بعدما أشعرتها بمرارة العلقم ثم أكملت وحيدة ليالٍ طويلة لم يكن انيسها الوحيد سوى الذكرى الراحلة التي لم تكن إلا احتلال لقلبها المسكين، لتأتي أخيرًا إلى مذاق القسوة والجنون ترتمي في أحضان الخوف والذعر وآنات الألم وعندما أتت الفرصة لتدلف إلى عرين الذئب الذي تحول إلى صياد حنون يمسد بيده المحبة على خصلاتها ويربت بكلماته على جدران قلبها تأتي النيران المندلعة في لحظة قسوة ضارية لتأخذ منها كل شيء وأولهم حياتها فلم تدرك حينها إلا أنها خسرت كل ما ملكته ولم تكتب الفرحة يومًا لها..


استمعت إلى صرخات عنيفة في الخارج أخذت قلبها من مكانه، شعرت بالذعر والرعشة سارت في أنحاء جسدها خوفًا أن تكون شقيقتها ومستها النيران تقدمت سريعًا دون تفكير لتخرج من المرحاض تلقي بنفسها في التهلكة لأجلها ولكن قدرها اسعفها جاعلها تقف على أعتاب باب المرحاض لترى "تمارا" هي من تصرخ محاولة الخروج من الغرفة والنيران تلتهم جسدها بقسوة..


انهمرت الدمعات من عينيها وهي تراها بهذه الحالة تصارع الموت محاولة النجاة، نهش الحزن قلبها وهي تنظر إليها في هذه الحالة لتستدير "تمارا" وهي تصرخ تنظر إليها بشر ومازال الحقد يملأ قلبها ولم يزول على الرغم مما هي به وجدتها "زينة" تتقدم منها تصرخ بعنف عليها تنوي على الشر فدلفت إلى الداخل سريعًا بخطوات متعثرة تغلق الباب من خلفها بالمفتاح من الداخل..


ازدادت ضربات قلبها سرعة وهي تستمع إليها تضرب على باب المرحاض بقوة وشعرت أن قدميها لن تتحملها إلى النهاية والدخان يدلف إلى المرحاض شيء فـ شيء لتسلب أنفاسها عنوة..


تعالت صرخات "تمارا" في محاولة منها للخروج من الغرفة ولكنها تعثرت في فتح الباب..


استمع "جبل" إلى الصراخ في الأعلى فرفع بصره ليجد غرفته مشتعلة والنيران تلتهم كل ما بها يخرج الدخان إلى الخارج بكثرة ولا يظهر أي شيء بها سوى اللون الأحمر.. 


وقع قلبه بين قدميه هذه المرة ولم يشعر بجسده وهو يركض إلى الداخل يصارع الزمن في الوصول إليها قبل أن يحدث لها شيء ولكن صرخاتها المستغيثة كالمجنونة أوصلت إليه شيء آخر ليتشنج جسده بقوة يركض خلفه "عاصم" الذي أتى حاملًا طفاية الحريق ومن خلفه رجالة الذين فعلو مثله..


استكانت الصراخات فجأة قبل أن يفتح باب الغرفة ليشعر بأن حياته قد انتهت هنا، ذهبت إلى الجحيم وأظلمت مرة أخرى ليعود إلى عالمه في وسط غابة الذئاب الخاصة به يباشر قتل البرئ ويعذب المظلوم تحت مسمى أنه "جبل العامري" مساعد الشرطة المتنكر.. ذهبت حياته إلى الجحيم ليعود إلى دُجى الألم وعناء الحياة متناسيًا الهوى وجنونه والذي شعر به في حضرتها وغيابها، فاقدًا غمرة قلبها له وألقاء نفسه في أحضان روحها لتربت على كل جرح بسيط تمسد بيدها عليه ليشفو من كل جرح وندب وتترك هي لمسات الورد خاصتها على جسده.. 


فتح باب الغرفة ليجد النيران هي فقط التي تقابله تقلق عقله وتشتت روحه بمظهرها المهيب الذي أكل تقريبًا كل ما بالغرفة لتأتي الوساوس على عقله تراوده بلا هوادة أو شفقة تقدم للداخل فجذبه "عاصم" بقوة صارخًا:


-أنت بتعمل ايه استنى نطفيها


دفعه بعنف للخلف يسبه بغلظة وهو يتركهم متقدمًا للداخل بعدما حضر الجميع لتبدأ "إسراء" في الصراخ والعويل محاولة الدلوف هي الأخرى إلى الغرفة مثله ولكن "عاصم" أشار إلى والدة "جبل" بأن تمنعها عن ذلك لتقوم بأحكام قبضتها عليها هي و "فرح"


-ابعدوا عني زينة جوا 


بعدما دلف جبل لحقوا به رجالة وهم يستعملون طفايات الحريق ولكنه لم يهتم بهم محاولًا إيجادها وضربات قلبه متعالية صارخة بأنه عليه إنقاذها وإلا ماتت حياته معها وزهقت روحه بأبشع الطرق..


بدأت النيران تخمد وتظهر ملامح الغرفة ولكن لا وجود لها تحت صرخات "إسراء" وخوف الجميع يخرج صوته الجهوري بعدما نفذ صبره وأرهقت روحه:


-اخرسوا البت دي 


لم يكن يريد أن يستمع إلى العويل أو أي شيء يوحي بأنها ليست بخير ولكن أين الخير؟ دلف الجميع إلى الغرفة بعدما انطفأت النيران فدلف هو إلى الشرفة ولكن لا وجود لها ليستمع إلى أحد الحرس من الأسفل ينادي عليه فنظر إليهم بلهفة والذعر يسيطر على جسده ومهيب الموقف يجمد أطرافه جاعلًا عقله يقف عن التفكير وهو لا يحتاج تفكير إلا في هذه المواقف..


خرج "عاصم" ليقف جواره ينظر إلى ما ينظر إليه في الأسفل ليجد جسد ملقى على الأرض لا يظهر منه ملامح أخفاه الحراس عنه بغطاء..


ارتعش جسد "جبل" بقوة واخترقت الدمعات عيناه تقف خلف جفنيه مستعدة للفرار في أي لحظة، وقبضة قوية تعتصر قلبه تسحقه بين نيرانها المشتعلة.. 


رفع "عاصم" بصره إليه بصدمة ليجده واقفًا وكأنه ليس هنا، ليس معنا فقط ينظر إلى الأسفل بجسد مُتصلب في مكانه يرتعش بقوة..


دلفت "إسراء" إلى الشرفة تركض وخلفها والدته لينظروا إلى الأسفل فوقعت الصدمة على رؤوسهم، وشلت أطرافهم ليجد كل منهم طريقه للإبتعاد عن تلك الكارثة التي وقعت عليهم، أبصر "عاصم" تلك الواقفة جواره ولم يستطع بدأ ما كان يريد فعله ليجدها تصرخ بقوة عائدة للخلف ترتفع صرخاتها إلى عنان السماء ليستمع إليها كل فرض في الجزيرة تصم أذان "جبل" أول الحاضرين والمستمعين..


حاول الإقتراب منها ولكنها وقعت بين يده مغشيًا عليها تهرب من الواقع المرير الذي سلب منها حياتها عندما نال من شقيقتها الوحيدة التي كانت تجعلها تسير على دروب السعادة والصواب، الوحيدة التي انتشلتها من الغرق في كل مرة دون أن تناجيها بمحاولة إنقاذ..


كان "جبل" في عالم آخر غير الذي يعيشون به، خرج من صدمته على أقدامه الراكضة إلى الأسفل وحياته التي تتكرر أمامه بكل مشهد حب وغرام عاشه معها، حياته التي تتكرر بكل لحظة قاسية يملأها العنف والغلظة ذاقتها على يده.. أليس هناك شيء يسلب منه سوى هي؟ الوحيدة التي اكتسبها بعدما مر بأبشع الطرق إحداهما شوك والآخر جمر مشتعل والآخر ذئاب بشرية والآخر عار يلحقه من عائلته.. لم يجد إلا طريق واحد قابلها به ألا وهو العشق والوله ولم يدوم طويلًا ليشبع روحه منه فتسلب هكذا!..


وصل إليها لينحني على قدميه أمامها ترتعش يده وجسده بالكامل لتخرج الدمعات من عينه وهو يراها ساكنة لا تتحرك يأكل الغطاء كل جسدها لا يرى به شيء.. أتى خلفه عاصم بعدما ترك "إسراء" إلى والدته وشقيقته يحاولون إفاقتها من اغمائتها..


كانت المياة تحيط جسدها تغرق المكان أسفلها بعدما أطفأ الحراس النيران المشتعلة بها بالمياة..


وجد "جبل" لا يقوى على فعل شيء أو حتى رفع الغطاء عن وجهها يجلس ينظر إليها قليل الحيلة قلبه لم يعد مكانه وجسده خانه وجلس على الارض مقهور مسلوب الإرادة والفكر والروح..


مد "عاصم" يده بجراءة ليرفع الغطاء عن وجهها فأغمض "جبل" عيناه لا يريد رؤيتها رافضًا تلك الفكرة التي أتت على خلده بضراوة لا يريد إلا أن يغمرها ويشعر بها بأعماق جسده..


ظهر وجه "تمارا" المشوهة ولكنه لم يكن مدمر إلى الدرجة التي تجعل "عاصم" لا يتعرف عليها صدم مرة أخرى غير الأولى التي تلقاها في الأعلى ولكنها للحق أخف من سابقتها.. على الرغم من أنها كارثة أخرى وروح قد زهقت بطريقة بشعة وجنونية، الشفقة والرحمة مازالت هنا بالقلوب معمره ولكن هذا أفضل من أن تكون "زينة" هنا في موضعها..


ترك الغطاء ووضع يده على قدم "جبل" ناطقًا اسمه ليفتح عيناه تطل على وجه "تمارا" المحترق وجسدها الساكن أمامه، تحرك جسده وعيناه وهو ينظر إليها بصدمة كبيرة ولكن فرحته ظهرت على وجهه وهو يعود ببصره إلى "عاصم" تسأله عيناه..


دارت خيوط عقله سريعًا يرفع رأسه للأعلى ليتوصل إلى مكانها في الغرفة يقف سريعًا وقلبه يعود نبضه من جديد وقبل أن يرحل بصق على تلك الملقاة أسفل قدمه باشمئزاز ليعود إلى الأعلى ركضًا والأمل يعود داخله..


قابلتهم "إسراء" التي كانت تهبط الدرج مع والدته تساعدها والاثنين وجوههم ملطخة بالعبرات الحزينة المقهورة على "زينة" ولكن "عاصم" قابلهم صارخًا بقوة:


-مش زينة.. دي تمارا 


وصل "جبل" إلى الغرفة ليحاول فتح باب المرحاض ولكنه كان موصد من الداخل فتأكد من ظنونه تقدم معه عاصم قائلًا بجدية ولهفة:


-هنكسره يلا 


ابتعدوا الاثنين عن الباب ليتقدموا منه بقوة يدفعوا به بجانب جسدهم فلم يفتح ليعودوا يكررون تلك الفعله مرة وخلفها الأخرى والأخرى إلى أن فتح الباب على مصراعيه وظهرت "زينة" من خلفه ملقاه على الأرضية في الداخل برداء المرحاض..


عاد "عاصم" سريعًا إلى الخلف صائحًا على "إسراء" ووالدته:


-ساعدوه جوا أنا هطلب الدكتور 


ولجت شقيقتها بلمح البصر تحاول استعادة أنفاسها وهي تنظر إليها أمامها مازالت حية ترزق موجودة بينهم لم يحدث لها شيء، تنهدت مقتربة منها تطمئن عليها تمسح عبراتها عن وجهها ولكن "جبل" لم يعطي الفرصة لأحد في الإقتراب منها وهو يدفنها بجسدها داخل أحضانه يسلب روحه منها التي أخذتها معها في لمح البصر..


ضمها إلى صدره بقسوة وجنون حتى أنه شعر أن ضلوعها تتهشم بسبب قوة ساعديه عليها، عاد للخلف تاركًا مشاعره في زاوية بعيدة عنه محاولًا إنقاذها فحملها سريعًا ليقف يخرج بها من الغرفة ذاهبًا إلى أول غرفة قابلته يضعها على الفراش محاولًا أن يعيدها إلى حياته من جديد فقد اغشى عليها بسبب كثرة الدخان الذي استنشقته..


ولكن محاولاته باءت بالفشل فأشار إلى شقيقتها سريعًا قائلًا بجدية:


-هاتيلها هدوم من عندك بسرعة 


أومأت إليه برأسها وكانت في لمح البصر خارج الغرفة لتأتي والدته بزجاجة عطر من على المرآة تحاول أن تجعلها تستفيق بها تجلس جوارها ولكن لا جدوى من كل هذا..


أمسك "جبل" كف يدها بين قبضته ينظر إليها بخوف شديد ورهبته تجاهها قاتلة للحد الذي لا يتحمله فلم يكذب حينما قال أن "جبل العامري" أصبح لديه نقطة ضعف قاتلة ستؤدي بحياته إلى الجحيم وما بعده..


بقيٰ "عاصم" في الخارج بعدما طلب الطبيب لم يدلف حينما وقعت عيناه عليها في المرحاض ملقاة بتلك الملابس..


أتت "إسراء" ركضًا والملابس بيدها فأخذها منها "جبل" وأشار إليهم جميعًا بالخروج فوقفت والدته محاولة أن تبقى معه لتساعده ولكنه رفض تعريتها أمام أي أحد حتى شقيقتها ليخرج الجميع ويبقى هو فقط ليبدل لها ملابسها كي يستطيع الطبيب رؤيتها.. عندما وجدها في الداخل أدرك أنها فقط اغشيا عليها من الدخان فأطمئن قلبه واستكان..


لقد مر بدقائق قليلة كانت هي الأكثر عذاب في حياته، لم يخوض معركة ولم تنشب حرب بينه وبين أحد يتذوق بها المر بهذه الطريقة، لم يعتصر قلبه بهذه الطريقة من قبل ولم يشعر بجسده ببوادر الشلل إلا على يدها في المرة السابقة وهذه..


لم يشعر بعجزه وقلة حيلته إلا على يدها هي ليعلم تمام العلم أن حياته في يدها إن حدث لها شيء فهو هالك لا محال.. وإن بقيت معه فلن يكن هناك أحد على حال أفضل منه.. 


مشاعر الهوى والغرام الذي شعر بها معها لن يجدها مرة أخرى ولن يحاول أن يعثر عليها، لأنه يدرك تمامًا أن هذا الجنون في علاقتهم سويًا فريد من نوعه لدرجة أنه نشب بينهم هم فقط ولا يوجد مثيل له..


لن يجد "غزال" غيرها تشعره بأنه الأهم والأعظم، لن يجد "زينة" غيرها يذوب بين يديها عشقًا، ما حدث له لم يكن شيء مبالغ فيه بل كان رجل يعافر حتى تدوم حياته ولو قليلًا...


جلس جوارها على الفراش بعدما رحل الطبيب، أقترب منها جالسًا جوارها يأخذها بين ذراعيه شاعرًا بأنه يمتلك الحياة بين يده مطمئنًا على استمرار تنفسه..


تحدثت بصوت خافت مرهق:


-أنا كويسه يا جبل.. متقلقش عليا 


قال بصوت أكثر إرهاق منها وهو يمسد بيده على خصلات شعرها:


-روحي كانت بتتسحب مني يا زينة، حسيت إني بموت قلبي كان بيتعصر 


رفعت يدها على صدره بهدوء وحنان قائلة:


-بعد الشر عنك أنا والله كويسه 


دلفت شقيقتها إلى الغرفة بعدما دقت على الباب تركض ووجهها ملطخ بالدموع لتتجه إلى الناحية الأخرى من الفراش تقترب منها فتركها "جبل" على مضض متأففًا..


تحدثت بحزن طاغي على ملامحها ونبرتها وهي تنظر إليها بعمق:


-أنتي كويسه صح؟


أومأت إليها برأسها بهدوء وهي تجذبها نحوها تطمئن قلبها عليها فتحدثت الأخرى ثانيةً وهي تبكي:


-زينة خلي بالك من نفسك ومتسبنيش علشان خاطري 


مرة أخرى تحرك رأسها مؤكدة ثم قالت بهدوء:


-أنا معاكي أهو متخافيش.. أنا كويسه 


غمرة شقيقتها داخل أحضانها محاولة أن تجعلها تهدأ ثم سألت عن ابنتها بقلق وهي تبعدها عنها:


-وعد فين؟


قالت بجدية:


-نايمة


وضعت يدها على وجنتها اليمنى تحركها بخفة وحنان وأدرفت برفق:


-طيب خليكي عندها علشان متتفزعش وخدي بالك منها أنا كويسه 


حركت رأسها بالإيجاب وهي تبتعد عنها بعينان دامعة:


-حاضر.. خلي بالك من نفسك ولو أحتاجتي حاجه ناديلي 


ابتسمت لها برفق وهدوء تناظرها بحب وحنان، خرجت من الغرفة تاركة إياها مع "جبل" وأغلقت الباب من خلفها، عادت مرة أخرى إلى أحضان زوجها تلقي بنفسها بين يديه ليحتضن قلقه حزنها ويربت على أحزانها..


حركت يدها على صدره قائلة بهدوء:


-أنا كويسه 


مال برأسه على خصلات شعرها يستند عليها يضم ساعديه على خصرها يقربها منه بقوة وجنون الرهبة التي ولدت داخله من فقدانها تتشاجر مع عشقه لها.. قلبه أعتصر داخل أضلعه والخوف تربع على عرش اسمه..


ترقرقت الدموع بعينه بطريقة لا إرادية وهو يضمها إليه أكثر قائلًا بصوت ضعيف خافت:


-متعرفيش حصلي ايه.. مش هقدر اوصفلك 


أكمل يغمض عينيه يعتصرهما شاعرًا بالضعف والعجز الشديد كلما تذكر ما حدث:


-أنا من غيرك ولا حاجه، ماليش اسم ولا ليا وجود يا زينة.. أنتي بالنسبة ليا زي النفس الللي بتنفسه من غيره مقدرش أعيش 


عقبت على حديثه بنبرة خافتة رقيقة:


-أنا معاك يا جبل أهو محصليش حاجه 


رفعت وجهها إليه تعتدل في جلستها بين جسده المحيط بها لتقع عيناها على عيناه الباكية، نظرت إليه مطولًا باستغراب جلي تفكر في كم يحبها إلى الدرجة التي تجعله يبكي لأجلها وهو "جبل العامري":


-أنت بتعيط!


ذلك الطفل الذي رأته كثيرًا من المرات وُلد أمامها في لمح البصر وهو يعتدل ليواجهها يحيط وجهها بكفي يده قائلًا ببكاء:


-أنا بحبك وحياتي من غيرك مقدرش اتخيلها.. خليكي معايا يا زينة 


رفعت أناملها إلى وجنته تمحي تلك الدمعات الهابطة من عينيه وقالت برفق تطمئنه:


-أنا والله معاك ومش هسيبك


ألقت نفسها بين أحضانه مرة أخرى تشدد عليه تشعره بوجودها حتى يخرج من تلك الحالة الذي هو بها، سألته بعد قليل باستفهام:


-قولي هو ده حصل إزاي، أنا فتحت باب الحمام لقيت تمارا بتصرخ والنار ماسكه فيها أول ما شافتني جريت عليا حسيت أنها عايزة تأذيني قفلت الباب ودخلت جوا الحمام ولحد ما نفسي راح من الدخان ومحستش بنفسي 


قال بجمود وعيناه مثبتة عليها:


-تمارا ماتت 


رفعت وجهها إليه تبتعد عنه ترمقه بقوة وصدمة شديدة فتنهد قائلًا:


-النار مسبتش فيها حاجه سليمة ووقعت من البلكونة.. فكرانها أنتي لما الحرس غطا وشها وإحنا بندور عليكي، الحمدلله 


شعرت بالشفقة تجاهها وحزنت لأجل ما حدث لها ولكنها لم تفعل بها شيء إلى اليوم إنها كانت تحاول أن تأخذ ما أصبح ملك لها وهي تحاول أن تحافظ عليه:


-معقول هي اللي عملت كده 


أومأ إليها برأسه يتحدث بندم شديد بعدما أعطى لها الأمان وتركها بينهم يسير خلف خوفها منه ورغبتها الشديدة في الخروج من الجزيرة ولم يصدق حدثه الذي لم يخيب يومًا:


-أكيد هي.. كانت غلطتي إني سمحتلها تفضل هنا بس أنا راعيت الدم اللي بينا لآخر مرة وحسيت بصدقها وأنها عايزة تخرج من الجزيرة بأي شكل بس تقريبًا الغل كان أقوى منها 


سألته مرة أخرى:


-هتقول لأمها ايه 


تنهد بصوت مسموع ينظر إليها يشبع عيناه من رؤيتها وقد شعرت بنظراته الغريبة نحوها وقال:


-هروحلها بنفسي وابلغها اللي حصل 


أردفت بحزن بالغ:


-ربنا يرحمها.. قسيت على نفسها أوي 


قال بقسوة وهو يتذكر كل ما فعلته إلى اليوم، حتى عندما رحلت عن عالمهم كانت بأبشع الطرق ومن تخطيطها ولم يشعر بالشفقة نحوها ولو للحظة على الرغم من أنها كانت متربعة على عرش قلبه في يوم من الأيام:


-الغل والحقد اللي ملا قلبها هو اللي عمل فيها كده.. محدش اذاها مننا 


جذبها نحوه يغمرها بعناق حاد يروي ظمأ قلبه به، ويمحي قلقه ورهبته وحزنه الشديد به، يشعر ذاته بالحب ويطمئن روحه به، يزيل كل شعور سيء يبدله بأخر ليمحي عجزه وضعفه وهو يراها تبتعد عنه تأخذ حياته معها


قال بصوت مُحب خافت شغوف نحوها:


-المهم إنك في حضني كويسه 


قابلته تبادلة العناق أكثر حده منه تطمئن قلبها بوجوده جوارها ومعها، السند والرفيق الوحيد في رحلة لم تكن إلا أكذوبة كبيرة باتت مغمورة بها ولم تستفيق منها إلا على يده ليصبح الكون ومن عليه يمتثل به هو..


❈-❈-❈ 


"بعد مرور شهر" 


-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير 


كانت هذه آخر كلمات قالها المأذون الذي كتب عقد قرآن "عاصم" و "إسراء" فلم يطيق الانتظار أكثر ليقف على قدميه تاركًا يده متقدمًا منها يجذبها أمام الجميع بحدة وقوة كبيرة يلقيها في أحضانه يضم يده الاثنين عليها بشدة لتخفي وجهها بصدره حرجًا مما فعله أمام الجميع..


شدد بيده عليها أكثر يشعر بالسعادة تغمر قلبه بعدما طال انتظاره في امتلاكها، اليوم هو أكثر المحبين سعادة وأول العاشقين انتصارًا..


كانت ترتدي فستان أبيض اللون رقيق للغاية بحملات عريضة يصل إلى ما بعد ركبتيها بقليل به ورود بيضاء متناثرة عليه تطلق لخصلات شعرها الصفراء العنان لا تضع أي مستحضرات تجميل فقد كانت للجمال عنوان...


ابتعدت للخلف تنظر إلى الأرضية بخجل شديد تخفي وجهها الذي تحول إلى اللون الأحمر القاني ليخرج صوته الأجش وهو يرفع وجهها إليه بأنامله:


-ألف مبروك 


عقبت بحب تناظر عيناه الوقحة:


-الله يبارك فيك يا عاصم 


غمزها بعينه وهو يجذبها مُبتعدًا عنهم إلى أحد زوايا الغرفة قائلًا مبتسمًا بسعادة كبيرة:


-بموت فيكي يا ايسو 


كانت تبتسم بخجل يكاد يكون يقتلها وحمرة وجهها تزداد أكثر كلما تحدث معها بهذه الطريقة أمامهم فقالت باستغراب:


-ايسو؟


أومأ إليها بسعادة لا يستطيع وصفها، ولا يستطيع وصف الشعور الذي يحتل كيانه الآن، قال بصوت رخيم بمرح:


-آه ايسو.. من النهاردة أنتي ايسو 


وجدها تنظر إليه باستغراب على الرغم من ابتسامتها الخجولة نحوه فسألها وهو يغمزها:


-أنا ايه بقى 


تجهل ما يتحدث عنه فقطبت جبينها تطالعه باستغراب تسأله:


-ايه 


قال مبتسمًا بصوت خافت:


-عاصومي 


كررت ما قاله وعيونها الزرقاء تخترق سواد عيناه:


-عاصومي؟ 


وضع يده على قلبه عندما استمع إلى نبرة صوتها الخافتة الرقيقة ونظرة عينيها نحوه تسكره بهمساتها فقال:


-قلبه 


تذمرت عندما نظرت إلى البعيد لترى معظم الأعين موجهه نحوهم فقالت بحدة وخجل في ذات الوقت:


-عاصم 


مرة أخرى يكرر بدراما وهو يأخذ يدها ليضعها على قلبه:


-قلبه والله قلبه وروحه 


جذبت يدها سريعًا وهي تبتعد بوجهها بخجل قائلة بامتعاض:


-بس بقى بيبصوا علينا عيب كده 


أقترب منها ليمسك بيدها الاثنين بين راحتي يده متحدثًا بعقلانية:


-أنا مش عايز اسمع كلمة عيب دي تاني يا ايسو أنتي خلاص بقيتي مراتي يعني كل شيء مباح وأنا هستنى بس نعدي الفرح وده علشان خاطرك أنتي 


سألته تنظر إليه باستغراب:


-هو أنت كمان مش عايز تستنى الفرح


قال بشغف وجنون اقترابه منها يدفعه إلى فعل أي شيء ليملكها:


-أنا لو عليا اخدك معايا دلوقتي ونسك على كل حاجه إلا أنتي.. بس أنا عاقل ومقدر كل حاجه 


ابتسمت متهكمة عليه وتتذكر عندما قالت له شقيقتها أن والدتها لم توافق على تلك الزيجة لتجعله يغضب أكثر:


-يا سلام على العاقل.. اللي يشوفك كده مايشوفش اللي عملته لما زينة قالتلك إن ماما رفضت


تحولت ملامح وجهه إلى الجدية الخالصة وهو يقسم بجدية شديدة:


-قسمًا بالله كنت هخطفك وماحد كان هيعرفلك طريق 


ابتسمت أكثر بسعادة تنظر إليه ثم إلى الأرضية والخجل يكاد يقتلها لترفع بصرها أخيرًا قائلة:


-للدرجة دي بتحبني يا عاصم 


جذبها ليبتعد بها أكثر رافعًا يده إلى قلبه مرة أخرى يقول بحب واضح وبقوة:


-أنا بموت فيكي.. أنتي ساكنة جوا قلبي هنا 


حاولت أن تخفي خجلها وابتسامتها المتسعة تظهر من خلفها أسنانها البيضاء تشعر بأن حرارة شديدة تخرج من وجهها تشغله بحمرة الخجل فقالت بجدية:


-طب خلاص بقى 


تأفأف قائلًا:


-ما بلاش خلاص دي بقى قولتلك بقيتي مراتي 


قالت تبتعد بوجهها عنه:


-أنا بتكسف 


وضع أنامل يده أسفل ذقنها ليعيدها إليه مرة أخرى يغمزها بعيناه وأردف بخبث ومكر:


-هنسيكي الكسوف.. مش عايز أقولك هخليكي رقاصة على واحدة ونص 


قالت بحدة:


-عاصم عيب 


ابتسم باستغراب على ذلك الخجل المميت الذي يلازمها بطريقة غريبة ولكنه كفيل به ويستطيع أن يمحيه وكأنه لم يوجد من الأساس:


-بردو عيب.. شكلك مش هتنسي الكلمة دي غير لما نبقى لوحدنا 


استمع إلى صوت شقيقتها الساخر الذي يأتي من خلفه:


-ايه يا عاصم هي من أولها كده.. دا إحنا أكلنا الجاتوه وشربنا العصير والمأذون مشي 


استدار ينظر إليها ببغض وتحدث بكبر:


-عندك مانع؟


جلست على الأريكة ورفعت قدم فوق الأخرى تقول بقوة تنظر إليه:


-ليك حق ما خلاص بقت مراتك بس خد بالك زي ما أنا عطلت الجوازة ورجعت مشيتها أقدر افركشها


ابتسم بشر وخبث وهو يضع يده الاثنين أمام صدره يقف في مجابهتها قائلًا بشماته:


-الفركشة دي مش في ايد حد غيري أنا.. وأنا لو السيف على رقبتي مش هسيبها مهما حصل ابقي وريني شطارتك بقى 


ابتعدت عنه "إسراء" متوجهة إلى شقيقتها تقول بحنق:


-عاصم كلم زينة كويس 


جذبها سريعًا من معصم يدها لتستقر بين ذراعيه يحكم قبضته عليها قائلًا بصوت جاد متهكم:


-لأ قولي لزينة هي اللي تكلمني كويس 


كان "جبل" قد خرج مع المأذون يوصله إلى الخارج وعاد يدلف إلى الغرفة ناظرًا إليهم باستغراب وخرج صوته:


-في ايه انتوا هتمسكوا في خناق بعض تاني 


أجابه "عاصم" بجدية يضغط بيده على "إسراء" التي كانت تموت خجلًا ويضغط على حروف أخر كلماته:


-والله أنا معملتش حاجه أنا واقف مع مـــراتـــي 


ضحكت "وجيدة" بقوة لتظهر تجاعيد وجهها أكثر وهي تنظر إليه وتستمع إلى حديثه وترى أفعاله الذي يحاول بها أن يشعل النيران بقلب "زينة":


-أما أنت كياد بشكل يا عاصم.. مش طبيعي 


تحدث "جبل" بقوة ينهي ما يحدث:


-خلاص خلاص كفاية كده


عادت "إسراء" إلى الخلف مبتعدة عنه بعنف فقد قاربت الأرض على ابتلاعها من كثرة الخجل فرمقها هو الآخر بقوة مهددًا إياها بعينه ليستمع إلى صوت "جبل" الصارخ:


-ذكية يا ذكية 


أتت مهرولة إليه:


-نعم يا جبل بيه 


قال بجدية يسألها:


-العشا


أومأت إليه برأسها قائلة بعملية:


-جاهز يا جبل بيه اتفضلوا على السفرة 


أقترب إلى الداخل يأخذ "وعد" من جوار والدته قائلًا لها بحب وحنان:


-نسيب ماما تتخانق مع عاصم ونروح أنا وأنتي ناكل 


نظرت إلى الأرضية ببراءة وقالت بصوتها الخافت الرقيق:


-أنا زعلانه منك 


افتعل أنه تفاجأ من حديثها وصدم بشدة يقول باستغراب:


-ليه؟ عملت ايه أنا 


أجابته بنبرة حزينة:


-قولتلي أنك هتاخدني بره الجزيرة ومأخدتنيش


أشار إليها بيده قائلًا بحب وصدق:


-أنا لسه عند كلمتي هاخدك وهعملك كل اللي نفسك فيه.. حلو كده 


رمقته بنظراتها الحنونة الطفولية تسأله بهدوء:


-وماما وإسراء وعاصم 


تحدثت "زينة" تقاطعهم تبدأ مناوشة أخرى مع "عاصم" قائلة:


-وماما وإسراء ايه لازمة عاصم 


أجابها "عاصم" بقوة يضرب كف بالأخر مستغربًا مما تفعله معه فهي حقًا تبغضه بشدة:


-أنا مش فاهم أنتي مالك ومالي هو أنا عملتلك ايه


حركت رأسها له بلا مبالاة وبرود تام فتغاضى عنهم "جبل" يكمل حديثه مع "وعد" باهتمام:


-وماما وإسراء وعاصم وتيته وجيدة لو عايزة وكمان عمتو فرح 


أقتربت منه سريعًا تحتضنه بقوة بذراعيها الصغيرين قائلة برقة:


-أنا بحبك 


ابتسم باتساع يجيبها:


-وأنا كمان بحبك.. هناكل بقى 


أومأت إليه وهي تتمسك بيده بعدما اعتدل في وقته ليتوجه إلى الخارج:


-يلا


أشار إلى "عاصم" والجميع أن يذهبوا إلى السفر ليتناولوا العشاء فخرجت "زينة" خلفه ومن بعدها "وجيدة" فاغتنم "عاصم" الفرصة يجذب "إسراء" نحوه ينظر إلى عيناها بعمق قائلًا بشغف:


-القمر ده ملكي أنا 


نظرت إليه بحدة تبعده عنها بعنف تضع يدها الاثنين على صدره قائلة:


-عاصم بتعمل ايه 


ضم يده الاثنين على خصرها يجذبها نحوه أكثر يخرج صوته أجش:


-ما تجيبي بوسه 


صرخت عاليًا باسمه بامتعاض وهي تحاول الإبتعاد عنه والخجل يقتل ما بقيٰ منها أمامه:


-عـاصـم


استفزها وهو يقول بشغف:


-قلبه


أوشكت على التحدث وملامح وجهها عابثة خائفة من أن يراها أحد ولكن صوت "جبل" المرتفع آتاهم من الغرفة الثانية ينادي باسمه:


-عـــاصـــم


تركها لتبتعد سريعًا تخرج من الغرفة قبله فسار خلفها على مضض متأففًا يلعن ذلك الأحمق الذي يستمع إلى حديث زوجته..


صعدت "وجيدة" إلى غرفة "فرح" تناديها حتى تهبط إلى الأسفل لتأكل معهم، دلفت إلى الغرفة وجدتها تجلس في العتمة تنظر إلى باب الشرفة تطالع القمر بعينان دامعة ووجنتيها ملطخة بالدموع، ملامحها حزينة للغاية وقلبها يبكي دماء على ما أقدمت بفعله بنفسها..


دلفت والدتها لتجلس جوارها قائلة بهدوء:


-قومي يا فرح كلي معانا 


أجابتها بصوت خافت حزين للغاية يؤثر البكاء عليه:


-ماليش نفس 


سألتها والدتها بعدما جذبتها نحوها تربت عليها بخفه تنظر إليها بحزن:


-بتعيطي ليه دلوقتي 


أبعدت وجهها إلى الناحية الأخرى ومسحت بيدها على وجهها تقول كاذبة:


-عيني دخل فيها حاجه 


تهكمت والدتها تسألها:


-الاتنين يا فرح؟


قالت مرة أخرى تحاول أن تأخذها إلى الأسفل:


-قومي تعالي يلا 


أجابتها رافضة الهبوط إلى الأسفل وعيناها مازالت تذرف الدموع حزنًا وقهرًا على ما حدث لها:


-مش عايزة أنزل


ربتت والدتها مرة أخرى عليها يخرج صوتها بهدوء تتحدث معها بلين:


-أنتي محضرتيش كتب الكتاب.. عارفه أنك زعلانه عليه بس كله نصيب والقلب وما يريد 


اجهشت في البكاء بعدما تحدث والدتها تقول بقهر وندم لا مثيل له:


-أنا زعلانه على اللي عملته في نفسي


نظرت إليها والدتها مطولًا بعدما فعلته كانت تريد أن تقتلها وتأتي بروحها في يدها ولكنها في النهاية ابنتها لا تستطيع أن تفعل بها هكذا ولا تستطيع أن ترى الوجع يمسها ولكن ما حدث كان صعب للغاية لا تتحمله امرأة على فتاتها، تابعتها وقالت بجدية قاسية:


-ربنا يسامحك يا فرح ويحلي أيامك الجاية 


وقفت على قدميها تبتعد إلى الخارج تاركة إياها وحدها فلم تستطع أن تواسيها لأن ما فعلته بنفسها ليس به مجال للمواساة، لقد أخطأت كثيرًا بحق نفسها وبحق عائلتها وشقيقها، ألقت بشرفها في أحضان حقير كان من أعوان أكبر أعداء شقيقها..


جلست "فرح" وحدها تبكي بقوة وعنف يرتفع صوت بكائها وكأنها تغسل روحها تحاول أن تنقيها بعدما دنستها ودنست شرفها بفعلتها الدنيئة مع "جلال" والأخرى مع "عاصم" عندما قامت بالقاء تهمة لم يفعلها ولم يفكر بها يومًا ونصبت له محكمة أمام الجميع كاد أن يقع بها تحت حكم الإعدام شنقًا أو الأسوأ من هذا على يد شقيقها.. الآن رحل "جلال" الذي ألقت نفسها في فراشه بورقة ليس لها أي قيمة..


وهنا "عاصم" في الأسفل يحتفل بزواجه من الفتاة الذي أحبها وأرادها تلك التي عززت كرامتها ورفعت من نفسها إلى أن نالها بعد عذاب ذاقه على يد شقيقتها على عكس ما فعلته هي ذهبت لتلقي نفسها أسفل قدميه فلم تجد منه إلا الرفض القاهر..


لن يفيد الندم ولن يفيد البكاء ولكن ربما يغفر لها الله ما فعلته، ما يحدث في الأسفل الآن جعل ضميرها يستفيق من غفله كان بها فلم تستطع أن تنظر بعينين أحد بالأخص بعد ما حدث لابنة عمها "تمارا"، تخاف من أن تكون نهايتها تماثلها فحاولت اللجوء إلى ربها نادمة على كل ما فعلته إلى اليوم..


❈-❈-❈ 


خرجت "زينة" من غرفة "إسراء" و "وعد" بعدما اطمئنت عليهم سويًا متوجهة إلى غرفتها حيث قام "جبل" بتغيرها بالكامل بعدما اشتعل الحريق بها..


دلفت إلى الغرفة وأغلقت الباب من خلفها لترفع بصرها إليه على الفراش ثم دلفت في نوبة ضحك يرتفع صوتها وهي تقترب منه باستغراب شديد..


وقفت أمام الفراش قائلة باستفهام تسائلة بعدما أدمعت عينيها:


-أنت عامل كده ليه 


كان يجلس على الفراش مجردًا من ملابسه  إلا سروال صغير ينتظر حضورها، نظر إلى نفسه ثم أعاد بصره إليها قائلًا:


-ايه المضحك في الموضوع 


اعتدل في جلسته ثم وقف على قدميه مبتعدًا عن الفراش مُقتربًا منها ليستمع إلى صوتها الضاحك:


-شكلك 


جذبها نحوه بقوة يستدير بها ليلقيها على الفراش قائلًا بخبث ومكر:


-وشكلك بعد قليل 


مال عليها قبل أن تعترض يهبط إلى شفتيها يقتنص منها قبلة رقيقة حنونة، ناعمة منه إليها يبث فيها كم هو عاشق محب هادي، رفعت يدها على عنقه تقربه منه تبادله تلك القبلة الرقيقة ولكنها في لمح البصر تحولت إلى أخرى عنيفة ..


دروب العشق صنعت للعاشقين راغبين الحب وجنونه، كان هو أول العاشقين الذي انتصر على ماض كامل وفاز بها، وأخر الخاسرين الذي خسر كل شيء لم يرغبه بحياته ليحظى بها.. 


درب الهوى ميال إلى قلب مرتجف بالشغف والوله ولم يكن هناك قلب كقلبها ليحظى به، تمثل إليها في العوض بعدما قالت أنه لم يشفع له الحب بعدما انتهك روحها، لم يشفع له الغرام ولم تشفع لهفة الاشتياق، لم تشفع لوعة الفراق ولم تشفع نبرته الخافتة المطالبة بالغفران الآن تقول إن كل ذلك كان يشفع له إلى أن أصبح ملاذ قلبها ومالك فؤادها..


ألم تقل انطوت صفحة غرامة بقلبها وأغلقت عليه بعدها بأصفاد حديدية فلا يوجد مكان للحب مرة أخرى، لا يوجد مكان تزهر به الورود الحمراء وإن أزهرت فلا يحدث دون وجود أشواك، قد اكتفت، يكفي ما أخذته من الحب والغرام، يكفي أنها الآن  تدفع ثمن شيء لم تقم بفعله، أنها الآن "غزال" "سجينة جبل العامري" 


الآن يتغير كل ما قالته، فلم تأخذ شيء من الحب، لم تكتفي من الغرام ولم تحظى بالاستمتاع به إلا معه، الآن بكامل إرادتها ترفرف الفرحة داخل قلبها تقرع الطبول به يقيم احتفالية شديدة الجمال لأجل أنها هي، التي حظيت أن تكون "غزال" "سجينة جبل العامري"


❈-❈-❈ 


"يُتبع" الخاتمة

#سجينة_جبل_العامري

#الخاتمة

#ندا_حسن


 "يتغير ولو كان عاصي"


دق "عاصم" على باب الغرفة بهمجية شديدة ووجه مكفهر وملامحه مشدودة بقوة، صرخ عليها بصوته الجهوري قائلًا:


-افتحي الباب بقى حرام على أمك 


جلست على الفراش في الداخل بضيق وانزعاج شديد فهو كل لحظة والأخرى يحاول الإقتراب منها بطريقة لا تحبها، أجابته بامتعاض:


-أنت قليل الأدب وزينة كان معاها حق في اللي عملته معاك 


تنفس بعمق محاولًا أن يهدأ وتحدث من خلف الباب بصوت أهدا قليلًا:


-يا ايسو يا حبيبتي افتحي وهفهمك 


صرخت يرتفع صوتها إلى الخارج ومازالت جالسة تشعره كم انزعجت من طريقته معها:


-والله ما هفتح.. أنا كل شوية أقول بكرة يعقل بكرة يحترم نفسه 


ضرب الباب بقبضة يده القوية للغاية وصدح صوته المغتاظ منها محاولًا السيطرة على نفسه:


-يا بنت المجنونة بقالنا اسبوع متجوزين مش عارف أخد منك بوسه 


نفت حديثه بحدة صارخة:


-مش هتاخد يا قليل الأدب 


ابتسم من الخارج وعاد يردف من جديد بخبث مازحًا معها:


-طب بلاش بوسه أنا عايز حاجات تانية


قبضت بيدها على الهاتف وهي في غاية الغضب والعصبية وتفوهت بتهديد: 


-اخرس يا قليل الأدب أنا هكلم زينة اخليها تيجي تاخدني 


دق قلبه بعنف وهو يستمع إلى حديثها غير قادرًا على الإمساك بها فلو كانت بين يديه لفعل بها ما يشاء، اخترق صوته أذنها:


-اوعي تعملي كده.. إســراء بلاش جنان يخربيتك 


احمرت وجنتيها خجلًا وهي تتذكر ما الذي كان يريد فعله معها وقالت:


-الجنان اللي بجد لو سيبتك تعمل اللي عايزة 


ضرب مرة أخرى على الباب محاولًا دفعه بقوة ولكنها وصدته من الداخل جيدًا ليقول بنفاذ صبر:


-يا بنت المجنونة ده حلال.. أنتي مراتي


حاول مرة أخرى أن يهدأ من روعه، تنفس بعمق زافرًا الهواء بقوة ثم قال ضاغطًا على أسنانه:


-افتحي بس وهنتفاهم.. هفهمك كل حاجه واعملي اللي عايزاه في الآخر 


عارضته وهي تقول مُصرة على محادثة شقيقتها:


-لأ أنا هكلم زينة تاخدني 


ضرب الباب بقدمه بقوة وعنف وهو يصل إلى ذروة غضبه منها بعدما احتار في طريقة ارضاؤها:


-لو عملتي كده مش هيحصل كويس 


سألته بسخرية صارخة عليه:


-ايه خايف تنكشف على حقيقتك 


وضع جبينه على باب الغرفة يستند عليه متحدثًا بقلق خوفًا من أن تفعل ما قالته حقًا:


-خايف اتــفــضــح يخربيتك 


وقفت على قدميها تتقدم من باب الغرفة تقف خلفة قائلة بجدية شديدة:


-أمشي من قدام الباب وخلي عندك دم واحترم نفسك وبطل حركاتك القذرة دي انا محترمة 


خرج صوته بنفاذ صبر:


-يا بنت المجانين.. اومال لما كنت بقولك حاجه كده ولا كده كنتي بتعملي مكسوفه ليه طالما مش فاهمه.. أنا كده اتغشيت 


تحدثت بتذمر وضيق بعدما احمرت وجنتيها أكثر:


-أنا فاهمه كل حاجه يا قليل الأدب 


عاد مبتعدًا عن الباب يغرس أصابع يده الخشنة بين خصلات شعره بجذبها بعنف:


-ربنا ياخد قليل الأدب.. طالما فاهمه في ايه 


ابتسمت وهي تشعر بأنها قد أتت بأخره ولم يستطع التحمل:


-في إنك قليل الأدب يا عاصم وعيب أوي كده 


أقترب من الباب مرة أخرى يصرخ عليها بهمجية:


-عيب! هو ايه اللي عيب هو أنا لحقت أعمل حاجه دا أنا كل ما أقرب بس جنبك تطلعي تجري.. يا بت دا أنا كنت بحضنك وإحنا كاتبين الكتاب أكتر من كده 


أجابته ببرود تام:


-كان قدام الناس لكن هنا عايز تستفرض بيا 


حاول باللين معها وهو يغير من نبرة صوته يرق ناحيتها قائلًا:


-لأ والله دا أنا غلبان أوي افتحي بس وهنتفاهم 


قابلته بالرفض قائلة:


-لأ 


توسل إليها محاولًا أن يتوغل أعماق قلبها لتشفق عليه يتحدث بنبرة خافتة وكأنه غلب على أمره:


-طب علشان خاطري.. طب هنام بره يعني 


استشعرت حزنه من نبرة صوته فـ أعتدلت في وقفتها متحدثة بقليل من الحزن:


-ما أنت اللي خلتني اعمل كده 


خرج صوته الهادئ الماكر الذي يخفي خلفه خبث العالم وهو يهتف:


-طب خلاص افتحي وبجد مش هعمل حاجه تضايقك ولا هتكلم في الموضوع ده حتى خلاص 


سألته بجدية كي تطمئن أنه لن يقوم بفعل أي شيء مرة أخرى يزعجها:


-بجد 


أومأ من الخارج مبتسمًا بمكر شديد:


-آه بجد خلاص 


أعتدلت تفتح باب الغرفة تلبي طلبه لا تُخون ما يخرج منه تعطي إليه الأمان الكامل، فتح الباب وطل منه ينظر إليها بحزن بالغ أبرع في إتقانه أمامها يدلف إلى الغرفة دون حديث ينظر إلى الأرضية فأبتعدت عنه تولج إلى الداخل.. انتهز الفرصة يغلق باب الغرفة مرة أخرى بالمفتاح فأبصرته لتراه يأخذ المفتاح من الباب ثم تقدم إلى الداخل يلقي به أعلى ظهر خزانة الملابس!..


نظرت إليه بقوة ولم تستوعب ما فعله لتحاول التحدث وهي تبتعد عنه ولكنه لم يعطي إليها الفرصة لفعل ذلك مقتربًا منها في لمح البصر يرفعها على ذراعه متوجهًا بها ناحية الفراش ليلقي بها عليه قائلًا بخبث:


-دقت ساعة الحرب


دب الرعب أوصالها وخرج صوتها بعنف وهي تحاول أن تعتدل على الفراش تستند على مرفقيها وهو يقترب منها:


-عاصم أنت قولتلي مش هتعمل حاجه.. كده غش بجد وقلة أدب والله العظيم أمشي 


صعد على الفراش أمامها لينحني عليها ضاحكًا متهكمًا:


-غش.. غش ايه هو إحنا بنلعب 


ارتفع صوتها برهبة قائلة بغيظ:


-مش عجباك غش منا قولت قلة أدب 


أقترب أكثر يضع كف يده العريض على وجنتها اليمنى يمرره عليها بحب وهدوء ناظرًا داخل عينيها بهيام وتحدث برفق وشغف:


-أنا جوزك وأنتي مراتي يا ايسو حلالي وحقي.. وبعدين كفاية كدا بقالنا أسبوع ويــا سبحان اللي مصبرني والله 


تجمعت الدمعات بعينيها وتعلثم صوتها وهي تقول بقوة:


-لأ أصبر كمان وأبعد عني كده 


أبتعد للخلف ينظر إليها بقوة وعمق مستغربًا وخرج صوته باستنكار:


-أنتي هتعيطي ولا ايه.. اهدي متخافيش 


عاد إليها مرة أخرى عندما وجدها صامتة واعتدلت في جلستها تبتعد بنظرها عنه، تفهم ما الذي يدور بخلدها وتوقع تلك الرهبة ولكن ليس لهذه الدرجة، سألها بنبرة هادئة:


-أنتي خايفة مني طيب؟


أخفت عيناها عنه تشيح بيدها:


-معرفش بقى 


وضع يده أسفل ذقنها يعيد وجهها إليه ناظرًا إليها بحب وهدوء شديد يرسل إليها سلامات الاطمئنان والهدوء:


-ايسو أنا عمري عملت حاجه تأذيكي؟


نظرت إلى داخل عيناه وأجابته بصدق:


-لأ 


كرر السؤال مرة أخرى ويده أسفل ذقنها ينظر إلى بحر عينيها:


-طيب عمري عملت حاجه غصب عنك؟ 


أجابته ثانيةً بهدوء:


-لأ 


عاد بيده إلى وجنتها يكررها عليها ثم إلى خصلات شعرها وتفوه بنبرة خافتة هادئة أمام شفتيها:


-ممكن طيب تديني فرصة بالراحة كده نقرب من بعض وافهمك ولو مش عايزة خلاص بجد وهبعد 


أومأت إليه برأسها عندما استشعرت الصدق بكلماته:


-طيب ماشي 


ابتسم إليها بسعادة خالصة فهو إلى الآن لا يستطيع فهم كيف تمكن من الصبر إلى اليوم وهي أمامه وأسفل يده، ولكن عشقه لها هو المتحكم الوحيد به والذي يجعله يفعل كل ما يروق لها وإن كان غير ذلك لا يحدث.. لكنه منذ الكثير ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر يحلم بها وهو نائم وهو مستيقظ لدرجة توصل إليه شعوره بالجنون بسببها..


أقترب منها أكثر ليعيدها إلى الخلف بخفه ورقة وهو يشرف عليها بهدوء تام ينظر إلى عيناها بعشق خالص وشغف قاتل نحوها..


مرر يده على وجهها برقة بالغة محاولًا أن يبث الهدوء داخلها ويشعرها بالراحة وهو يبتسم إليها بهدوء، مال برأسه على وجهها أكثر ليقطف قبلة من شفتيها الوردية الصغيرة التي كانت تفتقر كل هذه المشاعر ولأول مرة.. تعيشها بين يديه..


استمتع كثيرًا في قبلتها المفتقرة للخبرة وهي تفعل ما يشاء محاولة أن تجارية شاعرة بأشياء غريبة تعصف بجسدها تجعلها تطالب بالمزيد خجلًا ليحمر وجهها كحبة طماطم..


أقترب أكثر وأكثر عندما وجدها مستكينة بين ذراعيه وشعر بحاجتها للمزيد منه الخجلة في التعبير عنه والبوح به ففعل ما تريد وهو يقترب يروي ظمأ مشاعرها يرويها بالمزيد مما يفعله ليجعلها تعيش شعور مختلف للغاية عن أي شعور عاشته بحياتها بالكامل..


فاض بحر من المشاعر بينهما ليعبر لها بأمواجه عن كم الجنون المكنون لها بأعماق قلبه، كانت له شاطئ يستقبل تلك الأمواج الثائرة برحابة صدر ليغرق رمالها بلمساته الحنونة التي احتوت كل حبة رمل منها يشعرها بأنها الشاطئ الوحيد والملجأ والسكن لكل غمرة من مياة عشقه تروي ظمأ قلبها..


أخذها بين ذراعيه محتضًا إياها بقوة يهبط بوجهه للأسفل بعدما استكانت بين يده:


-حبيبتي أنتي كويسه صح؟


أومأت إليه برأسها تنظر للبعيد لا تستطيع النظر إليه ورفع عيناها بعينيه تموت خجلًا مما حدث بينهم، اعتدل في جلسته تاركًا إياها مبتسمًا بقوة وسعادة وهو يجعلها تعود للخلف ليستطيع النظر إليها وخرج صوته المازح قائلًا:


-مكسوفه


أبعدت وجهها سريعًا حتى لا يراها يقسم أنه يرى أمامه اثنين من حبوب الطماطم أو ثمار التفاح الأحمر النادر، قهقه عاليًا وهو يجذب وجهها لينظر إليه قائلًا:


-أنتي مراتي قسمًا بالله.. أي حاجه تحصل بينا عادي 


رأى الدموع تتكون بعينيها مرة أخرى فاقترب منها سريعًا يجذبها إلى صدره يحتضنها بقوة قائلًا بصوت ضاحك:


-وأنا اللي كنت فاكر هنسيكي الكسوف، دا أنتي هتوبيني 


حاول أن يحتوي خجلها وهو يتحدث معها بهدوء يشرح لها بهدوء ما الذي يتوجب عليها فعله وكيف سيتعامل معها في الأيام القادمة يردف بهدوء ورفق وذلك الجسد الصلب الذي يبتلعها في كل مرة يجلس أمامها ولين العالم في قلبه ويخرج من شفتيه إليها..


❈-❈-❈ 


"بعد مرور خمس أشهر"


وقفت الطفلة "وعد" في الحديقة مع جدتها "وجيدة" وعمتها "فرح"، كانت تقف بجوار جدتها و "فرح" تقف على بعد خطوات بعيدة عنهم تلتقط لهم بعض الصور التذكارية على هاتف "وعد"..


أقتربت منها تأخذ الهاتف تنظر إلى الصور تنظر إليهم جيدًا ثم رفعت بصرها إليها محاولة مداراة بشاعة الصور فقالت ببراءة:


-أنا طالعه وحشه أوي.. شوفي شكلي 


مدت لها يدها تناظرها بجدية ثم قالت:


-طيب هاتي وأنا هصورك تاني أحسن من الأول 


تذمرت "وعد" بشكل طفولي وهي تقول بسخرية وضيق:


-عمتو بقالك ساعة بتقولي كده وكل مرة الصور مش بتطلع حلوة 


ارتفعت ضحكات "فرح" وهي تنظر إلى ملامح وجهها الممتعضة وقالت بحيرة فهي ليست بارعة في التقاط الصور بطريقة حرفية:


-طب اعمل ايه 


رفعت "وعد" الهاتف أمامها وبدأت تشرح لها برفق كيف تتعامل مع الهاتف وتلتقط الصورة:


-ركزي كده وثبتي ايدك والموبايل وخدي الصورة وأنا وتيته هنقف كويس 


أخذت الهاتف منها تومأ إليها برأسها قائلة:


-خلاص يلا روحي 


أومأت إليها الصغيرة تركض متجهة ناحية جدتها:


-حاضر 


صدح صوت "وجيدة" المنزعج بعدما وقفت لوقت طويل في محاولة منهم لأخذ صورة واحدة:


-صوري كويس يا فرح زهقتينا الشمس كلتنا وإحنا مستنين صورة عدلة منك 


رفعت "وعد" بصرها إلى جدتها لتقول بحزن متذكرة خالتها "إسراء" التي كانت بارعة في كل شيء في الهواتف الذكية:


-لو كانت إسراء هنا كانت صورتنا من بدري 


قد ذهبت مع زوجها "عاصم" إلى "دبي" من حيث أتت هي وشقيقتها كي تستكمل السنة الدراسية هذه، أردفت جدتها: 


-هانت وتيجي هي وعاصم بس تخلص السنة دي 


قالت "وعد" برفق وحنين:


-وحشتني أوي هي وعاصم


تأفأفت "فرح" شاعرة بالضيق من حديثهم الذي مازال يؤثر عليها في كل وقت وخرج صوتها المنزعج:


-هتتصوروا ولا لأ 


أجابتها "وعد" وهي تقترب من جدتها مبتسمة مستعدة لأخذ الصورة:


-هنتصور بس أنتي خديها حلوة يا عمتو 


قالت بنفاذ صبر معقبة على حديثها:


-يلا يا ست وعد خلصينا أنا تعبت 


أتى "جبل" من الخارج ليستمع إلى أصواتهم فتقدم إليهم قائلًا يمازحها بحب:


-ايه ده مين مزعل حبيبة بابا هنا 


حركت يدها وكأنها غاضبة في حركات طفولية للغاية غريبة عليها قائلة:


-عمتو فرح مش عارفه تصورنا خالص أنا وتيته 


أجابها والإبتسامة تزين شفتيه ينظر إليها بحب ليحصل على نظرة رضا منها:


-أنا أصوركم 


تقدم يأخذ الهاتف من شقيقته لتبتعد هي ويقف هو في مكانها أمامهم فوقفت "وعد" مع جدتها تستعد لأخذها ففعل ليهبط على الأرضية يتكأ على قدميه حتى ترى، تقدمت منه سريعًا تنظر إليها من خلال شاشة الهاتف فخرج صوتها الرقيق بسعادة:


-الله جميلة أوي 


أبعدت وجهها إلى "فرح" تهتف:


-شوفتي من أول مرة إزاي طلعت حلوة 


أومأت إليها بغيظ فهي منذ الكثير من الوقت تقف هنا محاولة فعل ما تريده منها:


-ماشي يا ست وعد 


أشارت إلى "جبل" قائلة بفرحة:


-تعالى بقى اتصور معانا 


تقدم من فرح يعطي إليها الهاتف لتأخذ لهم الصورة وعاد هو يحمل "وعد" على ذراعه متوجهًا إلى والدته يقف جوارها يحيط كتفها بذراعه الآخر ليقفوا ثلاثتهم مبتسمين:


أخفضت "فرح" الهاتف دليل على انتهاءها فهبطت "وعد" من على ذراعه راكضة نحوها تأخذ منها الهاتف لتنظر إليها باشنئزاز:


-وحشه أوي يا عمتو 


نظر إليها "جبل" ضاحكًا وكذلك والدته وشقيقته بسبب تغير ملامح وجهها التي تلعب عليها ببراعة الاطفال المعهودة، خرج صوته بجدية:


-تعالي يا وعد وأنا هصور 


أومأت إليه قائلة بمشاكسة لـ "فرح":


-يكون أحسن بردو.. تعالي اتصوري معانا 


ذهبت فرح مبتسمة على حديثها وحركاتها لتأخذ الصورة معهم حيث رفع "جبل" وعد على ذراعه الأيسر ووقفت جواره والدته وشقيقتها والتقطها بالكاميرا الأمامية بيده اليمنى فظهر الجميع بها مبتسمين بسعادة كبيرة..


تحدثت "وعد" بمرح بعدما اخفضها إلى الأرضية تنظر إلى الهاتف بعدما أخذته منه:


-شايفه يا عمتو الصور عامله إزاي.. خلي بابا يعلمك 


أجابتها بغيظ مبتسمة:


-متشكرين ياستي 


ابتسم "جبل" بسعادة وهو يتابع حركاتها الطفولية البريئة التي تأثره وتخطف عيناه من موضعها لتتوجه إليها تتابعها تتشبع من رؤيتها ورؤية كل ما يصدر عنها..


أبتعد تاركًا إياهم يمرحون سويًا فرحين بتلك الصغيرة التي أصبحت تتحدث بينهم بطلاقة وتفعل حركات أغرب منها ومنهم جميعًا متوجهًا إلى الأعلى، إلى معشوقة قلبه ومالكه روحه.. تلك التي أخذت امضاء وتوكيل صريح منه بأن حياته لعبة بيدها..


❈-❈-❈ 


ولج إلى الغرفة بعينان جائعة مشتاقة إلى حبيبة روحه، وقع بصره عليها ممددة على الفراش تنام على ظهرها تمسك بيدها الهاتف تتطلع به.. أبعدته إلى جوارها عندما دلف الغرفة ونظرت إليه لتظهر ابتسامه على محياها وهي تراه يتقدم منها..


جلس جوارها مبتسمًا ورفع يده إلى بطنها الممتلئة يمسد عليها بحنان ثم خرج صوته قائلًا:


-أخبار الحلوين ايه 


أجابته بنبرة فرحة تنظر إليه وإلى يده التي تمسد عليها:


-بيسلموا عليك 


أقترب معتدلًا منها قائلًا بشغف:


-لأ دا أنا أسلم عليهم بنفسي 


هبط برأسه بعدما أزاح قميصها يرفعه للأعلى لتظهر بطنها المنتفخة فاقترب يقبلها بحنان وهدوء متحدثًا بلهفة:


-مشتاق إني أشوفهم والمسهم بايدي 


تحقق الحلم الذي كان يسعى إليه منذ الوهلة الأولى التي أحبها بها، لم يريد إلا طفل صغير منه هو يكن له السند والعون ليعينه على الحياة ويعلمه كل ما يحب ويبغى من صدق وعدل وحكمة.. ليرث هيبة والده ومكانته.. 


تحقق الحلم الذي كان يتربع على عرش قلبه يسعى إليه في الخفاء إلى أن تربع في الحقيقة الكاملة يشعره بكم السعادة والفرحة الخالصة فقط لتحقيقه..


في ذلك اليوم الذي علم به لم تكن الدنيا تساع تلك الفرحة الخارجة من قلبه الصغير، على الرغم من أنه مثل قبضة يد ولكن شعوره حينها لم يكن يوصف ولم يستوعب إلا بعدما دلف بصدمة لدقائق يحاول إدراك كونه قريبًا سيكون أب.. 


ثم بعدها ولج صدمة أخرى أكثر فرحة وسعادة بعدما أكتشف أنه ليس صبي واحد بل اثنان، فاض كرم الله من حوله بمنه عليه برجاءه الوحيد ليكمل مسيرة رجاءه وأمله في الله أن يحفظهم ويرعاهم له..


تحدثت "زينة" قائلة وهي تعتدل:


-خلاص هانت كلها أربع شهور بس 


أعتدل جالسًا جوارها ثانية ينظر إليها باستنكار وتحدث وكأن هذه الأشهر ستمر كالهفوة:


-بس!


اتسعت ابتسامتها وهي تنظر إلى ملامحها الغير مصدقة بساطة كلماتها فقالت برفق:


-مش كتير ولا حاجه دول هيعدوا هوا 


أقترب بوجهه منها ناظرًا إليها بحب خالص وعشق لم يكن يليق إلا بها لتخرج نبرة صوته الرخيمة:


-اليوم بيعدي سنة على أي واحد مشتاق 


وضعت يدها فوق كف يده تربت عليه بسعادة وهي تشعر بكم الحب والاشتياق الذي يخرج من قلبه وروحه تجاههم:


-حبيبي ربنا يباركلك فيهم 


بدل الوضع وهو يرفع يده على كف يدها ليمسك بها يرفعها إلى فمه يقبلها بحنان خالص وتخرج نبرته تماثل نظرته نحوها:


-ربنا يقومك بالسلامة الأول وبعد كده يباركلي فيهم ويحفظكم ليا 


ابتسمت قائلة بهدوء:


-بإذن الله 


مال برأسه عليها يقترب منها أكثر ليبقى أمام شفتيها متحدثًا باغراء ومكر:


-وحشوني أوي أوي وأمهم وحشتني أوي 


أشارت إلى بطنها بيدها وهي تبتعد عنه قائلة بلا مبالاة وهدوء تام:


-ما أهم عندك الله.. عيش معاهم 


حرك رأسه نفيًا رافعًا يده إلى وجنتها يحركها عليها برفق وهدوء:


-لأ ما هما وحشوني هما وأمهم مع بعض 


سألته مضيقة عينيها عليه تشاكسة:


-الاتنين 


افتعل صوت بفمه ونفى وهو يحرك رأسه بالرفض مصححًا لها:


-تؤ، التلاتة 


أعتدلت إلى الخلف تستند إلى ظهر الفراش ثم تحدثت بجدية تبتعد عن حديثه المرهق لبدنها قائلة:


-أنا عايزة أنزل شوية علشان تعبت من القاعدة هنا لوحدي 


أومأ إليها برأسه مُصرًا على استكمال تلك المسيرة التي بدأها ليخرج صوته الخبيث الماكر: 


-هننزل بس مش أشوف الناس اللي وحشتني دي الأول 


جلست معتدلة تنظر إليه بحدة قائلة:


-هو أنت بتستهبل نفسك مش كانوا لسه واحشينك وخلصنا 


أبعد يده عنها واعتدل أمامها ينظر إليها بعمق وقوة يبادلها الشغف المخفي داخل عيونهما، أردف بجدية ومكر:


-لأ منا هفهمك كل لما بحس إني مش قادر من كتر الوحشه ببقى كده يعني 


كررت ما قالته باستنكار مضيقة ما بين حاجبيها عليه:


-الوحشه!


ترك كل ما تحدث به وطريقة حديثها واستغرابها كلمته الغريبة ليأخذ يدها مرة أخرى يقبلها بهدوء وبكل شغف العالم وحنينه خرج صوته:


-بحبك 


بادلته مشاعر الجوى التي تشتعل داخلهما بالرغبة الجامحة في التكملة إلى نهاية الدرب تجيبه بحب ورقة:


-وأنا كمان بحبك أوي 


غمزها بعينه قائلًا بصوت ماكر ضاحك:


-الله وكيل غزال وأنتي غزال 


كان يحاول أن يتحول إلى ذلك الشخص الذي يتحرك بخفه هو والرومانسية وكثيرًا من المرات كان يحاول ليبقى مظهره أمامها لا يليق به أبدًا..


قالت بجدية تهشم سقف طموحه في أن يكون نال إعجابها بمحاولاته:


-جبل.. متحاولش تبقى رومانسي يا حبيبي


سألها مضيقًا عينيه عليها مستفهمًا: 


-ليه بقى 


أردفت بجدية وهي تنظر إليه قائلة ما يحدث متنازلة عن حقها في الغزل والرومانسية:


-أنت مش رومانسي ومش عارف تبقى رومانسي فـ الموضوع تقيل.. خليك بهيبتك يا حبيبي أنا راضية


نظر إليها باستنكار وأجابها:


-مش وش نعمة 


أومأت إليه برأسها تؤكد على حديثه:


-خالص


مال برأسه عليها تاركًا كل ما قاله خلفه يميل برفق وخفه ونظرة عيناه شغوفه مقتولة في الحب ومن أحب، مال يقتنص من شفتيها ورود الحياة بألون وأشكال مختلفة.. تتحرك يده عليها بخفه ورقة وحنانه بالغ ذوروته عليها يشعرها بكم كانت لا شيء قبل أن تكون ملكه وبين يديه..


كانت تجربتها من أمر التجارب على الإطلاق ليخلق الحب من رحم المعاناة والألم الذي لم تراه إلا على يده وبالرغم من ذلك لم يكن إلا هو الذي أحبها وغير حياتها ليغير مسارها من الخديعة إلى الغرام المسحور بجنون المشاعر المختلطة كل لحظة والأخرى بشكل مختلف هستيري يسوده الشغف والحب..


هكذا كانت حياتها من مر إلى أمر إلى "جبل العامري" الذي اعتقدت أنه الأكثر إرهابًا وقسوةً وجنونًا ليبقى الآن أمامها زوج محب ورجل حنون عاقل وأب متلهف كطفل صغير لرؤية صغاره..


في ظاهره كان الأخطر على الإطلاق ككل شيء نحكم عليه من ظاهره فقط ولا ننظر إلى باطنه، ككل شخص نحكم عليه من تصرفاته الغريبة التي يرسلها إلينا ولا نرى ما في داخله، لا نرى ما يعبئ قلبه وكيانه من الداخل.. 


ربما نراه الأخطر والأكثر إجرامًا فقط من نظرة خارجية وفي باطنة حنان كل أم على أولادها ولهفة كل أب على أولاده، ربما في داخله جنون عاشق مختل مُصر على اختراق الحب بكل مقايسه وتعاليمه، ربما هو كثرة المشاعر المتأججة داخلنا ولا نشعر بها.. ربما هو كل عين نظرت إلينا بقسوة وكره وداخلها الحب مضاعف مخفي..


ربما هو كل يد امتدت لتنال منا بعنف ضاري وفي اخفاءها لم تفعل ذلك إلا لأجلنا مع اختفاء الأسباب وتبريرات ما حدث..


ربما هو "جبل العامري" كل ظاهر خطر ومجرم وكل مخفي صدق وعدل ورحمة..


❈-❈-❈ 


"بعد مرور خمسة أشهر"


أقترب "عاصم" يأخذ "يونس" طفل "جبل" الصغير الذي لم يبلغ من العمر إلا شهر ونصف ينظر إليه بحب يتمعن في ملامحه البريئة الصغيرة للغاية ثم رفع وجهه إليهم قائلًا بمشاكسة:


-للأسف شبه أمه 


تقدمت "زينة" لتأخذه منه تبصره بضيق وانزعاج قائلة بسخرية وتهكم:


-لما نشوف خلفتك هتبقى ايه 


قبل أن يتحدث أبتعدت عنه زوجته "إسراء" تقول بجدية محاولة الهرب منه:


-لأ خلفته هتبقى شبهي أنا يا زينة وإلا ممكن يجيلي ضيق تنفس 


ابتسمت تنظر إليه بشماتة معلقة على حديثها لتجعله يغتاظ أكثر:


-حتى مراتك مش مستحملاك 


تهكم عليها ناظرًا إليها بسخرية شديدة بجيبها:


-قال يعني أنتي اللي مستحملينك 


أجابته بمنتهى البرود واللامبالاة متجهة إلى الأريكة تجلس بطفلها:


-وأنت مالك 


تقدم منهم "جبل" الذي كان خارج الغرفة ليستمع إلى حديثهم فخرج صوته ساخرًا:


- الله وكيل بتحط نفسك في مواقف بايخة مع زينة يا عاصم


رمقه بعصبية محاولًا التحكم في ذاته ثم أجابه ساخرًا ناظرًا إليه ببرود:


-أنت اللي مش عارف تتحكم 


أردف "جبل" بجدية وحدة:


-خليك في نفسك 


استمع إلى ضحكات "زينة" التي صدح صوتها متحدثة بشماتة:


-شوفت محدش طايقلك كلمة 


أقتربت "إسراء" منها لتجلس جوارها تنظر إلى "يونس" الذي كان على قدميها ينام بسلام وهدوء:


-لأ بس بجد يا زينة يونس شبهك أوي نفس العيون والحواجب ونفس الشفايف حتى بصي رسمتها 


نظرت إلى الطفل الآخر "ياسين" مع جدته قائلة:


-وياسين شبه جبل 


ابتسمت "وجيدة" وهي تستمع إلى حديثهم ثم تفوهت:


-قسموها بالنص بينهم يونس شبه أمه وياسين شبه أبوه 


أقتربت منها "وعد" تجلس جوارها ثم سألتها ببراءة:


-وأنا شبه مين يا تيته


عانقتها جدتها بيد واحدة والأخرى تسند بها "ياسين" وخرج صوتها بنبرة محبة حنونة لينة تظهر لها كم تأخذ "وعد" مكانه كبيرة في قلبها:


-شبهي أنا يا حته من قلبي


أقترب "عاصم" يسير في الغرفة بمرح وتحدث ينظر إلى زينة بطرف عينه يحاول إغاظتها بعدما صمتت:


-بس أنا مش زعلان غير على مستقبل يونس لو فضل شبه أمه.. مش هيلاقي واحدة تبص في وشه


ارتفع صوتها وهي تشيح بيدها إليه بهميجة قائلة بصوت عالي:


-ما تحترم نفسك بقى والله اطردك بره وأخد مراتك وبنتك ولا ابنك اللي لسه مشفتوش


أمسكت "إسراء" في تلك الكلمات تترجاها بقوة قائلة محاولة الهرب منه بعدما اعتادت على كل تلك الأفعال التي تصدر منه بينهم هما الاثنين وتلك اللحظات الحميمة التي تلازمهم طيلة الوقت حتى في لحظات تناول الطعام:


-آه بالله عليكي يا زينة مش عايزة اروح معاه 


اتسعت خطواته ليصل إليها في خطوتين وحيدتين يقف أمامها وهي جالسة على الأريكة ليظهر طوله الفارع وكم هي صغيرة بالنسبة إليه ينظر إليها بحدة قائلًا:


-نعم يا روح أمك عايزة تروحي فين 


تراجعت في حديثها ناظرة إليه بتوتر وخرج صوتها بتعلثم:


-لأ مش قصدي حاجه يعني دا علشان تفك عن نفسك شوية بعيد عني 


مال قليلًا عليها ليجذبها من ذراعها لتقف على قدميها أمامه يحيط خصرها بذراعه قائلًا بتهكم:


-لأ أنا مبسوط كده تعالي 


نظر إلى شقيقتها قائلًا:


-وبعدين دي لسه مكملتش شهرين حمل 


أجابته ببرود:


-وايه يعني 


حرك رأسه بقوة متحدثًا بانزعاج وهو يرمقها بغضب:


-خليكي في حالك 


وقفت "زينة" على قدميها تعطي صغيرها إلى زوجها لتقف في مواجهته تصرخ بحدة:


-بقولك ايه بجد....


قاطعها "جبل" قبل أن تكمل حديثها صارخًا بقوة عليهم:


-خـــلاص كفاية وجعتوا دماغي


استدارت تنظر إليه بقوة قائلة بغضب وضيق:


-مش شايف هو اللي بيستهبل 


تحدث بنفاذ صبر:


-امسحيها فيا ياستي خلصنا 


عادت تجلس مرة أخرى تنظر إلى "عاصم" متحدثة بغضب: 


-جايلك يوم 


أخرج لها لسانه كالاطفال وهو يبتسم بقوة ثم تحولت إلى ضحكات متعالية وهو يراها تنظر إليه بغضب وشر كبير والغيظ يأكلها..


بقيت العلاقة بينهم مرسومة بهذه الطريقة وكأنهم يتمثلون في حياة القط والفأر، لا تعبر كلمة من الآخر إلى الآخر إلا عندما تمر بكل مراحل السخرية والتهكم، الغضب والعصبية لتخرج الكلمات منهم كالسهام المتلاحقة في الرماية في حرب دامية.. وكم كانت جميلة مشاكسة تشعل الجو بالمرح والحماس..


مر الوقت بينهم على هذا الحال يجلس "جبل" مع أطفاله الثلاثة يشعر بالسعادة تغمر حياته تدفع الأبواب بكل قوة تقتحمها بهمجية شديدة لتعوضه عن كل مُر ذاقه تشعره بأنها أتمت رضاءها عنه وعن عائلته جميعها ليبقى هنا بينهم يمرح وكأنه طفل صغير بين أولاده..


تجلس جواره والدته تلاعب الأطفال سعادتها لا تقل عن سعادته بهم شاعرة بأن حياتها القادمة ستكون كاملة الاختلاف يعوضها ابنها بأطفاله عن فقدان العائلة، يتربع حبها لهم في قلبها بكامل الاختلاف ليتمثل أن أعز الولد ولد الولد حقًا..


تركوا "عاصم" و "زينة" يحاربون بعض بالكلمات كما هما يحاول هو الفوز باغاظتها وجعلها تصل إلى ذروة غضبها وهي تحاول أن تغضبه بقولها أنها ستأخذ منه شقيقتها التي أصبح يعشقها حد النخاع وتخطى عشقه له العشق بذاته فلم يجد لحالته وصف وتعبير ليتحدث به..


الآن تغيرت الحياة وتغيرت الدروب.. 


من أتت إلى جزيرة العامري لتأخذ مستحقاتها، وأظهرت قوتها وحريتها ورفعت شعائر تمردها على الجميع ونظرت إليه بعينان رافضة له ولكل ما يفعل، من سارت خلف الماضي وظلمه في الحاضر وخروجه عن القانون لتسليمه إلى الشرطة ينال حكم الإعدام شنقًا، الآن تربعت على عرشها وأصبحت الجزيرة بكل أملاكها أسفل أقدامها لتبقى سيدة القصر..


من أراد ترويضها وقتل حريتها والتربع على عرش قلبها بالقسوة والعنف لم يجد إلا الحب والغرام يجذبه نحوها لتروضه هي وتخترق أسراره وتجعله بين يديها كالطفل الصغير يبكي بأحضانها وتربت على أحزان قلبه تمحي قسوته وتبدلها بلين وضعف يجتاحه إن تمثل الأمر بها..


من كانت تخاف الإقتراب منه ببراءتها وخجلها الآن زوجته قولًا وفعلًا، الآن أحبته بكل جوارها لتتخلى عن الضعف والخجل تتقدم من الموت في أخطر اللحظات لأجل أن تكون المنقذ له ويبقى لها إلى المنتهى.. الآن تعيش بين يده أسعد اللحظات وتمر بأروع المشاعر ومختلفها لأول مرة على الإطلاق لينسيها خجلها وضعها ويظهر قوتها وقوة عشقها له


فارع الطول، سليط اللسان، من رفع السلاح عليها وارتوى من جمالها، من تخطى عنفه الأفق وتحاكى عنه البشر الآن قتيل حبها، سجين نظرات زرقة عينيها، تيم فيها عشقًا وتخطاه بمراحل لا توصف، متفرغ لرغباتها وتلبية كل ما تريده.. 


الآن سجينة جبل العامري أصبحت سيدة جزيرة جبل العامري، سيدة قلبه وقصره، سيدة مشاعره، ملكة عشقه ومملكة له تحتويه في كل لحظة ضعف وقوة، الآن محي الخروج عن القانون، القسوة والظلم، العنف والغلظة، الآن محي كل ما هو كريه لا يحتمل لتتبدل أجواء الجزيرة بالهواء النقي الذي ينعش الروح ترتفع بها شعائر الحب والغرام يسودها اللهفة والاشتياق تتغير مراسيل الندم بمراسيل الهوى..


يتغير ولو كان عاصي، راغب العشق والعاشقين الفائز بفرصة النجاة من الغرق في بحر المعاصي والصعود إلى سفينة الخشوع لمقابلة الهوى والاستكانة بين أحضان الغرام والتمتع بجنون ولهفة الاشتياق والشغف.. 


يتغير ولو كان عاصي، راغب الفوز في حروب أهلية يخرج منها مغتنمًا فرصة الفوز بغنائم شعورية كالجوى والغرام، راغب الفوز بلمسات حنونة لينة كفراشات أنطلقت حرة على ورود مزدهرة فعادت منها إليه تشعره بمدى رقتها وحنانها..


❈-❈-❈ 


"تمت بحمد الله"


كل خاتمة وانتوا طيبين وبخير وسعادة اتمنى من كل قلبي تكون الرواية عجبتكم وتربعت على قلوبكم، وبجد شكرًا لأي حد كان بيرشحها أو بيرشح أي رواية ليا في العموم أنا كنت بشوف كل ده، قولولي رأيكم فيها بقى بكل حيادية♥️♥️

يتبع الفصل كاملا اضغط هنا ملحوظه اكتب في جوجل "رواية سجينة جبل العامري كوكب الروايات" لكي تظهر لك كاملة 

  •تابع الفصل التالي "رواية سجينة جبل العامري" اضغط على اسم الرواية 

reaction:

تعليقات