رواية لحن الزعفران (كاملة جميع الفصول) حصريا عبر كوكب الروايات بقلم شامه الشعراوي
رواية لحن الزعفران الفصل الاول 1 - بقلم شامه الشعراوي
أفراد عائلة الراشد
فيروزة بطلة الرواية: فتاة جميلة لديها روح مرحة ولطيفة ذات الشعر الذهبي و العيون الفيروزية مزيج بين الأخضر والأزرق، عندها ٢٧ سنة الابنة الكبري والمتبنيه للواء عامر الجارحى وزوجتة نازلى.
أنيس: الابن الثانى لعامر عمره ٢٣ والذي مازال يدرس فى كلية الطب ولكنه تم تعينه طبيباً فى أحدي المستشفيات بسبب تفوقه وذكائه.
أدم: تؤام أنيس ظابط ويعمل مع والده فى الداخليه ويختلف فى الملامح عن أخيه قليلاً.
عمر: الابن الرابع شاب مرحاً يعشق الضحك والسعادة ويلقب بمجنون العائلة لديه عين بندقية مثل اخويه فى تانية هندسة.
لارين: الابنة الصغرى والمدللة لابيها لديها عيون عسلية وشعر قصير بلون القهوة فى ثالثة ثانوى .
أبناء العم
العم خالد وزوجته نادية لديه ولدين : وليد وهو شاب طويل وعريض يعمل محاسباً فى شركة العائلة وخاطب ابنة عمه فيروزة، عمره ٣٠ سنة.
طارق: فى نفس سن عمر فهو صديقه ويدرس معه فى نفس الكلية.
العم أحمد وزوجته حسناء لديه بنتين وولدين:
أسمائهم سارة والتى فى نفس عمر أنيس وأدم.
سهر الابنة الصغرى بنفس عمر لارين وصديقتها المقربة.
معاذ: شاب طموح وذو روح خفيفة عمره ٢٥ سنة معيدا فى كلية الهندسة.
على: عمره ٢٢ سنة فى رابعة تجارة.
الجدة سعاد: عمرها ٧٥ سنة
(الفصل الأول)
كل منا يفقد شيئاً عزيزاً عليه فرصة، إمكانيات، مشاعر لا يمكن اسعادتها، كل هذا جزء من كوننا نعيش ولكن فى رؤوسنا نخزن الذكريات فى غرفة صغيرة، غرفة كرفوف المكتبة ولنعي الأعمال التى كتبتها قلوبنا، علينا أن نصنفها وننظمها ببطاقات ونزيل عنها الغبار من حين لآخر، ونجدد لها الهواء ونغير الماء فى أوانى الزهور، بكلمات أخرى...ستعيش إلى الأبد فى مكتبتك الخاصة..
انهمر المطر ولطمت المياه النوافذ، وزلزلت الجدران بصواعق الرعد، وومض البرق كالنذر وصرخت الرياح كعزيف الجان..كانت جالسة على الاريكة تحتسي فنجاناً من القهوة الفرنسية التى تعشقها أرتشفت القليل منها ثم وضعتها على الطاولة الجانبية، وبدأت تدون بعض الكلمات فى مذكراتها..
-في بعض الجراح عطايا .. وفي قسوة العيش أحياناً هدايا ..
كن على ثقة بأن الخير دائماً حولك، وبالقرب منك ..
قد يأتيك مختبئاً في زحام مصيبة .. وأشجان بلية .. ودموع فقدٍ حارة ..
فلا تبتئس .. حتى أوجاعنا رحمة من الله
قمـة آلطـمـآنينة:
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}
“ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك عدلٌ فيّ قضاؤك ”
كن علي يقين تآم آنه لن يسـتثـنيك مـنهآ
أمان وسلام وإستسلام وتسليم وطمأنينة ورضا ..
أمورنا مرتبة في السماء ، نظن أننا نختار ، نظن بأننا نقرر ، ثم تأتي * كن * فيكون !
ونعرف أننا لا نملك من أمورنا شيء .
لن ينسَ الله خيراً قدمته ، و هماً فرّجته ، و عيناً كادت أن تبكي فأسعدتها !
عش حياتك على مبدأ :
"كـن مُحسناً حتى وإن لم تلق إحساناً " ليس لأجلهم بل لأن الله يحب المُحسنين .
بعد ما انهت كلماتها ووضعت زهرة حمراء فى المذكرة ثم أغلقتها ووضعتها فى ذاك الصندوق الفضي الخاص بها، طرقات خفيفة تطرق بابها تحدثت متسائلة:
- مين ؟.
أتاها صوت أخيها بعد ما فتح الباب وولج إليها قائلاً: أنا عمر ينفع أدخل ولا لأ.
أرتسمت أبتسامة خفيفة على ثغرها وقالت:
- أدخل ياعمر هو أنا أقدر أقولك لأ.
جلس بجانبها ثم أمسك فنجانها ليرتشفه على دفعه واحدة وقال:
- ينفع كدا تشربى قهوة من غيرى دا انا كدا أزعل .
- معلش المرة الجاية هبقى اقولك قبل ما اشربها لوحدي.
أستدار "عمر" ينظر إلى النافذة وهو يقول:
- يابنتى المشكلة مش فى إنك تشربيها لوحدك أنتي الوحيدة فى البيت دا اللى بتعمليها مظبوطة وانا لما بصدق ألقيكى عملها.
- خلاص ياسيدي كل لما أجى اعمل ليا هعملك معايا مرضى كدا.
نظر إليها بابتسامة قائلاً:
- طبعا مرضى المهم إيه اللى مسهرك لحد دلوقتي الوقت متأخر أوي والجو برا متلج على الأخر.
تحدثت "فيروزة" بهدوء قائلة:
- مش نعسانة وبعدين أنا بحب السهر فى الشتاء أوى وبحب صوت المطر والرعد حاجه كدا عسل من الآخر.
- الشتا عسل والله أنتى اللى عسل عمرى ماشوفت حد بيحب الشتاء زيك، سيبك من الكلام دا انا عايزك فى موضوع مهم لا يحتمل تأجيله أكتر من كدا.
نظرت إليه بشك وهى تقول:
- موضوع ايه أنا شاكة فيك ياواد أنت ومش مستريحه ليك شكلك عامل مصيبة.
- اختااااه لا تقلقي وبعدين أنتى تعرفى عن أخوكي حبيبك كدا.
لوت شفتيها الوردية وقالت بسخرية:
- دا أنت أبو كدا هو أنا هتوه عنك يعنى ياعمر.
- أممممم هو انتى دايما فقساني.
- اعملك اي ما أنت كتابك مفتوح قدامى وبعدين ما تخلص تقولى هببت ايه ياقدرى المهبب.
أشاح وجهه بعيدا عنها ليقول وهو يطرقع أطراف يديه:
- الصراحة ومن غير زعيق وصويت أنا عايز ١٠٠٠٠ تالاف جنية.
صاحت بصوتٍ عالٍ قائلة:
ناااااااعم عشر ايه ياخويا جت عشر عفاريت يعفرتوك ويجننوك أكتر ما انت مجنون.
- أنا قولتلك ايه من غير زعيق وصويت مش بتسمعي الكلام ليه يااستاذة انتي وبعدين فيها ايه يعني دا انا طالب مبلغ قليل خالص .
نظرت إليه بدهشة قائلة: نعم مبلغ ايه اللي قليل هما ١٠٠٠٠ تالاف بالنسبالك رقم قليل هو انت ليه محسسني انك طالب ١٠٠ جنية.
أمسك يديها بتوسل وقال:
- وحياة عيالك ياشيخة أنا محتاج الفلوس دي ضرورى ربنا يسترك ساعدي عبد فقير ومحتاج تدخلى الجنة.
- وهما فين عيالى دول يااهبل وبعدين انت هتشحت ولا ايه وليه محسسني أنك مش لاقى تأكل.
- ياروزا ما انتي مش فاهمة ليه انا محتاج المبلغ دا.
- اتفضل قولى محتاجه فى إيه.
زفر "عمر" بهدوء وقال:
- علشان ادفع مصاريف الجامعة بدل ماترفد منها
تحدثت "فيروز" بذهول قائلة: ليه هو انت كنت كل دا مدفعتش المصاريف طب والفلوس اللي بابا ادهالك وديتها فين.
أبتعد عنها ليقول بتوتر: عايزة الحقيقة ولا الكدب.
- الحقيقة طبعاً.
- أنا صرفتهم ، قطبت حاجبيها بضيق ليكمل حديثه سريعاً: متبصيش كدا ما انا اعملك ايه يعنى أبوكى كان مانع عنى الفلوس وانا كنت بصرف من مصاريف الجامعة ولو روحت قولتله أكيد هيقتلنى.
- طب والله لو قتلك تستاهل علشان انت عيل مستهتر ولما منعك من الفلوس دا كان عقاب بسيط ليك بسبب أفعالك المستفزة.
- طب هتساعديني ولا لأ ما هو أنا ماليش غيرك اللى أطلب منها الفلوس، وكمان علشان عارف انك الوحيدة فى البيت دا بتساعديني دايما ومش بتتاخرى عليا بس دلوقتى شكلك هتتخلى عنى ومش هتعبريني خلاص مش مهم أنا هبقى اتصرف، جاء أن يذهب إلى الخارج امسكته من يديه وقالت بإبتسامة ساحرة:
- وأنا عمرى ما هتخلى عنك أنت مش مجرد أخويا الصغير ياعمر لا أنت بالنسبالى اخويا وابنى وروحى واغلى حد فى حياتى استنى ما تمشيش..
أتجهت إلى الخزانة وأخرجت مبلغاً مادياً من الصندوق وأعطته أياه، بينما تحدث هو قائلاً: بس دول أكتر من اللى طلبتهم.
ابتسمت "فيروزة" بود وحب أخوى قائلة: الزيادة خليهم معاك علشان لو احتاجتهم فى حاجه.
ألتمعت عيناه بالدمع ثم اقترب منها وضمها إلى أحضانه:
- بجد أنتى أجمل وأحسن أخت فى الدنيا ربنا يديمك ليا وميحرمنيش منك ولا من حنانك عليا، بجد أنا مبسوط أن عندي اخت زيك.
ربتت على ظهره بحنان وهى تقول: خليك عارف ان أنا جنبك في اي وقت تحتاجني فيه تمام.
- تمام.
*************
فى مكان آخر كان جالس صاحب البدلة السوداء فى أحدي المقاهى الليلية، أقتربت منه فتاة ذات شعر الأحمر الناري ترتدي ثوباً قصيراً من اللون الأسود وتضع أحمر شفاه قاتم مما جعلها أكثر فتنة تسير على الأرض، مدت يديها بكأس من الخمر فأخذه منها ووضعه أمامه ثم جذبها من ساعد يديها ليتخل توازنها فاحتواها بذارعيه وقبلها على خديها قبلة خاطفة ليقول بصوت هادئ: اتاخرت عليا النهاردة أوي.
تحدثت تلك الفتاة التى تدعى "لارا" قائلة:
- بسبب تغير الجو والمطر كانت الشوارع زحمة فعشان كدا اتاخرت عليك.
- ماشي يابطل المهم انك جيتي بالسلامة.
نظرت إليه وهى تبتعد وقالت متسائلة:
- هتعمل ايه مع خطيبتك هتستمر فى الجوازة دي ولا هتسيبها.
تحدث "وليد" وهو يشعل تلك السيجارة ليقول بغموض:
- أكيد هسيبها بس بعد ما أخد اللى عاوزه منها.
- وايه بقا اللى انت عاوزه منها يابيبى.
نظر إليها من مقدمة رأسها إلى أخمص قدميها ثم أبتسم:
- مش مهم تعرفى الا قوليلى عملتي إيه مع محاسن لسه مصممه أنك تسيبى الشغل.
- عايزة اسيبه ولكن محاسن ماسكة فيا بايديها وسنانها ومش راضية تسبني بتقولى أنتى اللى مشغلة المكان ولو مشيت شغلها هيخسر كتير.
أردف "وليد" قائلاً: الصراحة هى عندها حق لولاكي كان البار دا اتقفل من بدرى.
تحدثت بملل وهى تعبث بخصلات شعرها:
- طب انت شايف ايه أفضل مستمرة ولا اوقف الشغل هنا واشوف مكان تانى غير دا.
- خليكي هنا احسن بدل ماتروحى مكان تانى ولسه هتاخدي وقت لحد مايكون ليكي أسم هناك لكن هنا أنتى ليكى شهرة وبتقدري تعملى كل اللى عيزاه والكل تحت أمرك.
- امممممم خلاص مدام انت شايف كدا افضل هنا، ايه رأيك نقوم نرقص شوية.
امسكها من يديها ليتجه بها إلى ساحة الرقص لتبدا سهرتهم مثل كل ليلة.
استيقظت "فيروز" على تلك الضوضاء الصاخبة الذى ازعجتها لتفرك جفن عينيها بكف يديها الرقيقة، أعتدلت فى جلستها وهى تنظر فى الساعة لتجدها ١٠ صباحاً ثم نهضت بكسل وبعد مرور نصف ساعة أتجهت إلى الأسفل لتجد والدها يستشيط غضباً، شعرت بوخزة جارحة فى قلبها مثل وخزات الخنجر عندما رأته يتحدث بغضب مع صديقه قائلاً:
- لارين بتكون بنتي الوحيدة و مش هسمح لأى حد مهما يكون أن هو يزعجها او يمس شعرة منها.
تحدث صديقة "رؤوف" محاولاً تهدئته:
- أهدى يا عامر الأمور ما تتحلش بعصبيتك دي.
نظر إليه بضيق وقال:
- أهدى أزاى ها انا مصدقت أن ربنا رزقني بيها بعد وقت طويل وفى الاخر يجي مدرس متخلف زي دا يضربها دا أنا هطبق الدنيا على دماغه هو لسه شاف مني حاجه.
- عارف إن الزفت دا غلطان بس مش لدرجة انك تتسبب فى حبسه انت كدا قطعت عيشه وهتشرد عياله ودا ميرضيش ربنا، فاهدئ كدا وأوزن الأمور بعقل و بلاش تهور.
جلس على أحد المقاعد القريبة منه بزهق ليقول:
- أنت متعرفش أن بنتى دي غالية عندى قد ايه لما أتولدت هونت عليا موت أختها وخايف عليها ليجرالها أى حاجه وأخسرها زيها، أنا عانيت كتير فى حياتي بعد موت أول بنت ربنا رزقني بيها قعدت سنين بعدها محروم من الخلفة لحد ما فقدنا الأمل أنا ومراتي علشان كدا روحت أتبنيت فيروزة من الملجأ كان عمرها أربع سنين أول ما عينى وقعت عليها حسيت باحساس غريب معرفتش أوصفه لحد دلوقتى ومش فاهمه، وبعدها بشهر ربنا كرمنا ومراتي حملت وخلفنا ٣ صبيان فى كل مرة كان نفسي يكون عندي بنت من دمي كنت حاسس بنقص جوايا برغم وجود فيروزة مكنتش مكتفى وفضلت أدعى ربنا فى كل صلاة لحد ما رزقنا بأجمل بنوتة
تنهد "رؤوف" وهو يربت على ذراعيه قائلاً:
أنا عارف أنت مريت باوقات صعبه ولكن أياك تظلم حد ياخالد أنت عمرك ما كنت كدا و ياريت تخرج المدرس بلاش تشرد أسرته هو كدا خد اللى يستحقه وزيادة.
- ماشى بس هربيه الأول وبعدها هبقى أخرجه.
سارت بخطوات بطيئة فقد بدأت تتعود على تلك الكلمات التى تقال من والدها، فهى تشعر بداخلها بأنها لا يحق لها أن تحزن منهما فقد أخرجوها من تلك الدار وانفقوا عليها وأغمروها بالحنان والعطف فهى ممتنه لهم بذالك، اقتربت منهما وابتسمت ابتسامة رقيقة حتى لا تشعرهم بشئ فقالت وهى تقبل يديه: صباح الخير يابابا.
أبتسم إليها ليقول بهدوء: صباح الخير ياحبيبتى صاحية متأخر النهاردة مش عادتك يعنى.
- راحت عليا نومة ومحستش بنفسي غير وانا صاحية على صوتك هو فى حاجه مزعلة حضرتك.
ربت على يديها برفق قائلاً:
- لا ياحبيبتي مفيش حاجه مزعلاني متشغليش بالك أنتي وبعدين أنتى كويسة حاسس أنك فيكي حاجه ملامحك مطفيه ومش منورة زي كل مرة بشوفك فيها.
نظرت إليه "فيروز" قائلة:
- ابدا يابابا أنا زي الفل هو بس هتلاقيني علشان لسه صاحية مش أكتر، ثم أستدارت قليلاً تنظر إلى صديق والدها لتقول بمرح:
- ايه دا عمو رؤوف أنت هنا يارجل مش تكح أو تقول اي حاجه كدا تلفت أنتباهي أنك موجود.
ضحك بخفة وقال: ياسلام ياختي على اساس أنك مكنتيش شيفاني دا انتى سوسة.
- أعمل إيه بس ياعمو كل لما اشوف بابا فى أى حته عيني مابتشوفش غيره.
- العب سمعت ياعامر بنتك البكاشة بتقول ايه دا بتأكل بعقلنا حلاوة.
أحتواها بين ذراعيه ليقول مبتسماً: بنتي حبيبتي تقول وتعمل اللى هى عايزاه.
أردف صديقه قائلاً بهدوء: ماشى ياسيدي ربنا يديمكم لبعض اه صح انت مش ناوي تجوزها بقا يمكن تبطل لماضة شوية.
زفر "عامر" بضيق وقال: لما نشوف الزفت ناوي على ايه بقاله سنتين بيشطب فى أم الشقة اللى مش بتخلص دي.
- ما يتنيل يقعد معاكم هنا فى القصر بدل ما يقعد فى شقة بعيد عنكم والمكان هنا ماشاء الله واسع وكبير .
- والله أنا وأبوه غلبنا معاه وهو مصمم على رأيه لما نشوف أخرتها ايه.
هبت "فيروزة" واقفة وكأن لدغتها أفعى فهى تخشي هذا اليوم التى ستتزوج به وتترك تلك العائلة، ثم قالت بتوتر :
- أنا هقوم اشوف ماما محتاجين مني أي حاجه أعملهالكم.
نظر إليها والدها وأجابها: لا ياروزا ومامتك هتلاقيها قاعدة فى الجنينة مع مرات عمك.
*******************
مساءً، فى مستشفى الهلال الخاصة..
كان جالسة "أنيس" فى مكتبه مجتمعاً مع بعض الأطباء لمناقشة بعض الأمور المتعلقة بتجديد وتطوير المستشفى، بعد مرور ساعة خرجوا الأطباء بعد الاتفاق الذى دار بينهما، تحدثت الممرضة قائلة:
-دكتور أنيس كنت محتاجة من حضرتك تمضيلى على طلب الاستقالة دا.
أردف "أنيس" ببرود وقال:
- وأنا مش همضى وياريت يا أنسة تتفضلى على شغلك وتبطلى كل شوية تقدميلى طلب استقالتك الشغل هنا مش لعبة مش وقت ما تزهقى وتقرري تمشى هنحققلك رغباتك.
تحدثت بنفس البرود قائلة: وأنا مش تحت أمرك اتفضل أمضى.
- ولو ما مضتش هتعملى ايه يعني!
- ولا حاجة همشى ومش هتعرفلى طريق يا أنيس وابقى وريني هتوصلى أزاى .
اطلق صوت ضحكٍ عالٍ وهو يعبث بالقلم ليقول باستفزاز: امممم قلبك بقا ميت ياديدي ثم أستدار بالكرسي ليعيطها ظهره، و أكمل حديثه:
- ماشى ياستى أبقى وريني هتعملى ايه ويلا بقا طرقينا مش ناقص وجع دماغ واه متنسيش تبعتيلى عمو عبده بالقهوة، يلا ياماما يلا ياحبيبتي برا مش عايز عطلة ورايا شغل.
أردفت "دارين" بضيق وغضب قائلة: طيب يا أنيس أنا هوريك هعمل ايه ماشى انت اللى جبته لنفسك، ثم غادرته وأغلقت الباب خلفها بقوة.
بعد بضع دقائق فُتح الباب بخفة لتنظر الأخرى بداخله ابتسمت بهدوء وهى تراه يضع رأسه بين يديه ويبدو عليه الإرهاق، تحدثت بنبرتها الجميلة قائلة:
- دكتور أنيس تسمحلي بالدخول.
رفع رأسه إليها ثم أبتسم بسعادة ليهب واقفاً اقترب منها ليضمها برفق قائلاً: ياعمرى أنتى ايه المفاجأة السعيدة دي بجد فرحت بشوفتك.
- ايه رأيك فى المفاجأة دي عجبتك.
- طبعا عجبتنى جدا أنتى بقالك فترة كبيرة مجتيش تزورينى هنا.
مدت يديها إليها لتعطيه بوكيه الورد الأبيض قائلة:
- واديني ياسيدي جيت أزورك.
اردف بسعادة غامرة وقال: يااااه ياروزا وكمان جيبالى ورد دا انتي عسل اوي ابقى تعالى بقا كل يوم زورينا.
- أى خدمة علشان تعرف بس ان اختك بتحبك قد ايه.
قبل جيبنها برفق قائلاً:
- حبيبة أخوكى أنتى المهم إيه مناسبة الزيارة السعيدة دى.
- مفيش مناسبة حبيت أجى ازورك ونخرج نتعشى برا بقالى فترة مقعدناش مع بعض والشغل بقا واخدك منى ياأنوسه.
- قلب أنوسه من جوا ويلا ياست البنات هخرجك أحلى خروجه.
فى مطعم هادئ وراقي وضع الجرسون أمامهما الطعام تحدثت "فيروزة" متسائلة بهدوء: أنيس هى مين البنوتة اللى كانت
(الفصل الثانى)
فى صالة التدريب كان يقف اللوء "عامر" يشرح لبعض الخريجين الجدد بعض المعلومات الخاصة بالمهمة الجديدة وكان من ضمنهم ابنه "أدم"، تحدث عامر بجدية: اتمنى تكونوا فهمتوا ايه المطلوب منكم هناك مش عايز أى غلطة لان قصدها حياتكم وكمان المقدم "عمران" هيبقى القائد بتاعكم والمسؤل عنكم هسيبكم دلوقتى تتعرفوا عليه وهيعرفكم أكتر عن المهمة اللى هتقوموا بيها.
تقدم منهما "عمران" ليضربون له السلام تعظيماً ووقارً لمقامه، فهم يسمعون عنه كثيرآ فهو ظابط مخابرات ذو شخصية قوية وله انطباع حاده وعمره ٣٢ سنة ومن أمهر وأكفأ الظباط فى مقر المخابرات وهذة فرصتهم حتى يتعلمون من خبرته.
وقف أمامها بوقار ليقول بصرامة وهو يعطى لهما ملف:
- دا ملف فيه فى كل المعلومات اللى تحتاجوها وطبعا دى اول مهمه هتكون لينا مع بعض وفى شوية حاجات كدا لازم تعرفوها هقولكم عليها لكن مش دلوقتى، واه كمان لازم تبقوا عارفين أى مهمه هنقوم بيها هنواجه الموت و ممكن منرجعش منها ف اللى خايف على نفسه وروحه يقدر من دلوقتى يتفضل يعتذر عن طلوعه للمهمة دى.
أردفوا بحماس بأنهم على أستعداد لتلك المهمة، بينما قال "أدم" بسعادة: وياترى بقا المهمة دى طالعنها فين.
نظر إليه :عمران" بطرف عينيه قائلاً بنبرة تحمل قدراً من السخرية:
- هو حد قالك أن احنا طالعين رحلة سعيدة نفرفش على نفسنا فيها ونغير جو، لا صحصح كدا معايا انت وهو احنا رايحين للموت برجلينا والمهمة اللى رايحنها فى سيناء على الحدود وهنتعامل مع أرهابيين وناس مسلحة والغلطة الواحدة هناك هتقضي على الكل مش عليك و بس فهمتوا انا مش عايز اشوف استهتار من أى حد فيكم، أستدار بضهره مبتعداً عنهما قليلاً ليكمل حديثه مرة أخرى: قدامكم ست ساعات تجهزوا فيها لان هنتحرك بإذن الله تعالى على بليل و يلا اتفضلوا مش عايز تأخير.
********************
فى غرفة "فيروزة" كانت تضع سلسلة فضية على عنقها الطويل لتقوم بتحسسها وهى تبتسم برضا على مظهرها الهادئ واللائق فهى تعشق تلك الاكسسوارات والأمور الهادئة، أخذت هاتفها وحقيبتها ومفتاح سيارتها وأتجهت إلى باب غرفتها لتجد "وليد" واقفاً مستنداً على ذاك الباب..
نظرت إليه باستغراب قائلة: وليد انت بتعمل ايه هنا ووقف كدا ليه.
نظر إليها بنظرات ذات معنى ثم قال:
- هى الهانم خارجة ولا ايه ؟
زفرت فيروزة بهدوء وقالت: اه خارجة عندك مانع .
- وياترى على فين العزم إن شاء الله.
- خارجة مع "لارين" والبنات هنشتري شوية حاجات من المول.
تحدث "وليد" ببرود: بس أنتى مدتنيش خبر بأنك خارجة ولا حتى استأذنتِ منى ياهانم.
أردفت بتعجب قائلة:
- بس أنا استأذنت من بابا وهو وافق ومرفضش.
وضع يديه فى جيبه وقال ببرود:
- اولا مفيش الكلام دا الأذن تاخديه منى انا مش من أبوكى أنتى ناسية إن أنا خطيبك يا أستاذة ومش مسموح ليكي الخروج غير بأذني أنا فاهمة.
- أنت ازاى بتكلمنى كدا مش معنى انك خطيبى تتعامل معايا بالشكل دا وتتحكم فيا بالطريقة دى.
اقترب منها لتتراجع هى للخلف ليقول:
- لا ياحلوة من أول ما اتولدتى وانتى بقيتي بتعتي واتحكم فيكى بالطريقة اللى تعجبني ويلا اتفضلى كدا زي الشاطرة تغيري هدومك لان مفيش نزول.
تحدثت فيروزة بضيق من تحكماته قائلة:
- يعنى ايه مفيش نزول انا خارجة مع اخواتى و
قاطع كلماتها ليردف بغضب: أنا قولت كلمة تتسمع ياهانم أنتى فاهمة و إلا قسماً بالله هتشوفى وش تانى منى أتمنى متشوفهوش لأنك لو شوفيته هتكرهى نفسك اوى يافيروزة.
نظر إليه بنظرات غاضبة: لا بقا دى مابقتش عيشة انت شكلك اتجننت على الأخر
أمسكها من يديها بعنف ليردف بصوتٍ عالٍ : صوتك دا ميعلاش عليا تانى ومفيش خروج، ومن هنا ورايح كل حاجة هتبقى بحساب معاكى وكلمتى هتتسمع.
ليدفعها على الفراش لتسقط عليه بقوة وضعت يديها على ذراعها التى تؤلمها من قبضته ترقرقت دمعة فى عينيها لتنظر إلى تلك العلامات الحمراء على بشرتها البيضاء من أثر يديه، ليغادر غرفتها صافعاً الباب خلفه.
بعد مرور بضع من دقائق من الوقت مازالت جالسة كما هى جاءت جدتها إليها تحمل بيديها كأسين من العصير الليمون بالنعناع الفرش، وضعتهم على الطاولة بجانبها لتربت على شعرها بحنان لتقول بمزيج من القلق:
- "فيروزة" حبيبتى مالك "وليد" قالنا تحت أنك تعبانه شوية ومش هتقدرى تخرجى مع البنات فى حاجة بتوجعك.
اردفت "فيروزة" بنبرة يكسوها الحزن: لا أنا الحمدلله بخير متقلقيش عليا ياتيتا.
-أزاى بس مقلقش عليكي يابنتى دا انتى حته من قلبى
لم تتلقى رداً منها رفعت الجدة رأس "فيروزة" المنخفضة أرضاً ثم قامت بالتحديق إلى وجهها لترى تلك الدمعة العالقة بطرف رموشها الكثيفة لتفر الدمعة هاربة من عينيها إلى وجنتيها المصتبغة بحمرة خفيفة، ذهلت الأخر من رؤية علامات الحزن تكسى وجهها لتقول بقلق:
- روزا بنتى فيكي ايه ياقلب جدتك أنتى ليه الدموع والحزن اللى ظاهر عليكي فى حاجه مزعلاكى او حد عملك حاجة.
أخذت "فيروزة" تمسح دموعها الساقطة بكف يديها الصغيرة لتقول بنبرة باكية: ابدا مفيش أى حاجة وكمان انا مش زعلانة خالص.
- ازاى مش زعلانة خالص احكيلي ايه اللى مخليكي تعيطي كدا
نظرت إليها بعيون دامعة قائلة: وليد...
- ماله "وليد" حصل حاجة مابينكم !
انهمرت عينيها لتؤمى رأسها بالإيجاب لتقول: انا بجد تعبت من تصرفاته وتحكماته فيا وهو اللى منعنى من الخروج ونزل قالكم أنى تعبانه وانا مفيش فيا أى حاجة ومابقتش عارفة هو بيعمل معايا كدا ليه.
أردفت الجدة" قائلة:
- أهدى ياحبيبتى يمكن كان هو مدايق من حاجة وجت فيكى أنتى.
هزت رأسها بضيق قائلة: لا ياتيتا دى مش أول مرة يعمل كدا معايا أنا حسيت انه هيضربنى وكمان معاملته اتغيرت معايا أوى مبقاش زى مكنا فى أول الخطوبة كان بيعاملنى كويس ومكنش بيرفض ليا طلب وعمره ما زعقلى أو قال كلمة تزعلنى لكن دلوقتى لا مبقاش يفرق معاه زعلى وعلى طول بقى يقول لا على كل حاجة اجى اعملها حتى دا مش بيسأل عنى غير كل فين وفين ويوم لما يجي يسأل يتخانق معايا بسبب وبدون سبب انا بقيت حاسه من أفعاله انه مش بيحبنى ولا عايز يكمل طب لو هو فعلا كدا ليه ميسبنيش ويريحنى بدل ما كل شوية يحصل ما بينا خناقات ومش طايق ليا كلمة.
أمسكت جدتها يديها وقالت بهدوء: دا انتى شكلك شايلة منه اوى بس الأمور ماتتحلش بالطريقة دى يا "روزا" هو أكيد لسه بيحبك و كمان حاولى تهدي كدا وتبقى تقعدى معاه وتتكلمي وتقوليله كل اللى فى قلبك بهدوء وهو هيسمعك وحاولوا تشوفوا حل انتو خلاص كلها شهرين وهتتجوزوا.
تحدثت "فيروزة" قائلة:
- هو حضرتك فاكرة أن أنا محاولتش لا حاولت وكتير أوى لكن هو مكنش بيسمع منى وبيفضل يقولى بطلى شغل العيال دا انتى كبيرة وانا ما بحبش الست النكدية اللى تيجي وتناقش خطيبها فى كل حاجة هى زعلانه منها، صمتت قليلاً ثم أكملت قائلة بحزن:
- تعرفى كمان أن من ضمن الأسباب اللى مخليه يتعامل معايا كدا أنى مش بديله اللى هو عاوزه.
نظرت إليها متسائلة: وايه اللى هو عاوزه.
- عايز يقرب منى بحجة أن انا خطيبته وبنت عمه وخلاص هنتجوز وأنا رافضة الكلام لأنه حرام ولما بقوله كدا يقولى أنتى مش بتحبينى وبتعملي حاجز مابينا بأسلوبك دا ولما قولتله مش معنى أنى بحبك يبقى اسلملك نفسي وأغضب ربنا علشان رغبات حضرتك معجبهوش كلامى وقالى تمام يبقى أنتى اللى جبتيه لنفسك ومتجيش تلوميني بعدها، مفهمتش وقتها كلامه غير الفترة دى لما اتغير معايا أوى وبقى يبعد عنى، وعمل معايا مشاكل وخناقات كتير وانا استحملت وعمره ما اشتكيت لحد فيكم ولا حتى لبابا مردتش اشغله بأمورى كفاية هموم أخوات ومشاكلهم ومشاكل شغله وعارفة أن الحمل تقيل عليه وانا مش حابه ازود همه وحمله، بس ياتيتا أنا بجد تعبت من العلاقة دى ومابقتش قادرة استحمل انا طاقتى خلاص خلصت من كتر ما انا مستحملة معاه وبعدى كل حاجة بتحصلى أنا خلاص مش عايزة أكمل فى الخطوبة دى.
أردفت الجدة قائلة:
- علشان خاطرى ممكن تهدي وماتتسرعيش فى قرارك بدل ما تيجي تندمي.
- اندم لا متقلقيش أنا ندمانة من دلوقتى أنى وافقت على الخطوبة منه بس أعمل ايه قلبى حبه واتعلق بيه لكن كل دا بدأ يتلاشى مع تغيره معايا.
- ربنا يهديكم ويهدي سركم يارب وكل حاجة تتصلح.
نظرت إليها "فيروزة" بضيق وقالت:
- وأنا مش عايزة كل حاجة تتصلح أنا عايزة افركش أم الخنقة اللى حطيت نفسى فيها من بدرى بس خلاص هانت هو اصلا جاب أخره معايا.
*********************
فى أحدى المولات كانت تسير "لارين" مع اولاد عمها لتردف قائلة بفرحة: يااااه وأخيراً الواحد خرج وخد أفراج يوم من المذاكرة.
تحدثت "سهر" وقالت: اه وربنا دا انا مصدقت بابا يوافق كل شوية يقولى أنتى فى ثانوية عامة مفيش خروج اقعدي ذاكرى مش عايز دلع بس لما لقى عمو "عامر" وافق مقدرش يقول لا ويرفض زى كل مرة.
التفت "لارين" تنظر إليها:
- دا أنا قعدت أقنع فى بابا اسبوع لحد مااطلق سراحى اهم حاجة دلوقتى نروح نشترى شوية حاجات ندلع نفسنا بيها وبعدها نروح نأكل سوشي.
رمقتها "سارة" بنظرات مشمئزة لتقول: نفسي أعرف ايه سر حبكم فى الاكلة دى أزاى بتاكلوها دا انتو مقرفين.
أجابتها "سهر" : دى أحلى أكلى فى العالم كله أنتى أيش فهمك أصلا فى فن أختيار الأكلات.
- والله سبتلكم انتى وهى الفهم والفن جتكم القرف فى اختياركم وبعدين خلينا نخلص بدل ما حد منهم يرن علينا ويقولنا ارجعوا.
ذهبوا إلى محل مليئ ببعض الكتب ثم قاموا بشراء بعض الكتب الثقافية والتاريخية، "التفتت" لارين تنظر بجانبها ليقع نظرها على هذا الرف الذى يوجد عليه مذكرات مزخرفة بالورود الزهرية لتقوم بأخذ أثنين بأشكال مختلفة قد أعجبوها، تحدثت "سارة" متسائلة:
- ها يابنات فى حاجة تانية هتشتروها من هنا.
اقتربت الأخرى لتضع المذكرات على المكتب حتى تحاسب وقالت: هاخد دول كمان لاختى "فيروزة" هى بتحب المذكرات المزخرفة بالهيئة دى، ثم وجهت كلامها إلى العامل : هو مفيش عندكم استيكرات من الدانتيل الخاصة بعمل الكتب.
اردف العامل: طبعا عندنا ومن حظك الحلو أن التشكيلة دى لسه نازلة لأول مره عندنا النهاردة هجبلك كذا واحدة منها وتختاري الشكل اللى يعجبك.
- تمام.
بعد ساعتين من التجول جلسوا فى ذاك المطعم الهادئ بعد ما أكلوا، وضع أمامهم النادل مشروب الآيس كوفى المثلج...
أخذته "سهر" لتتذوقه ثم قالت بأعجاب:
- واو طعمه تحفه أوى أحسن من اللى بعمله فى البيت الراجل اللى عمله حرفياً فنان ومخترع.
نظرت إليها أختها: على فكرة أنتى أوفر أوى يا"سهر" دا طعمه عادى جدا وبعدين فين الاختراع فى دا.
- نفسي فى مرة تخرجى معانا وانتى ساكتة لازم تحطى تعليقاتك فى كل حاجة يعنى.
- أخرسى يازفتة وبعدين هو الخروج معاكم انتو الاتنين يتسمى خروجة أصلا، فينك يافيروزة والله مفيش أحلى من خروجتها الحلوة واللذيذة.
- خلاص بعد كدا متخرجيش معانا دا أنتى رخمة أوى.
قاطعهم ذاك الصوت الذى أتى من ورائهم قائلاً:
- حتى وانتم برا البيت ماسكين فى خناق بعض مفيش مرة كدا تكونوا عاقلين فيها.
نظروا إليه ثم تحدثت "سارة" مندهشة: "معاذ" أنت بتعمل ايه هنا.
- ولا حاجة كنت مع اصحابى انتو بقا ياحلوين بتعملوا ايه هنا.
- عمك وأبوك افرجوا عن الاتنين دول فجينا نتمشى شوية ونشتري شوية حاجات من المول.
- تمام لو خلصتوا يلا هوصلكم فى طريقي.
اجابته "لارين" بهدوء: احنا خلصنا بس عايزين نقعد هنا شوية.
نظرت "سهر" لاخيها: اه يامعاذ بالله خلينا قاعدين شوية الواحد كان مخنوق ياراجل مفيش حاجة بنعملها غير نروح المدرسة ومنها على الدرس وبعد الدرس للبيت ومن البيت للمدرسة الواحد زهق دى مش ثانوية عامة دى ثانوية ظلم وحبس وإرهاق ورخامة وتناحة وتعب أعصاب اه وربنا.
قرصها من وجنتيها بخفة ليقول بمرح:
- أومال أنتى فاكرة الثانوية ايه ياعسل أنتى وهى، وبعدين لازم تتعبوا فى الأول علشان تقدروا توصلوا لحلمكم وتجيبوا مجموع كدا يشرف.
تحدثت "سهر" بتذمر: دا مش مجرد تعب يامعاذ الثانوية دي انتحار ياجدع.
- معلش ياحبيبتى والله هتعدى على طول وبعدين أنا جنبك وفى ضهرك دايما ومش عايزك تتعبي أعصابك بالشكل دا المهم تعملوا اللى عليكم ومش مهم أى حاجة تانية.
- وربنا أنت احسن أخ فى الدنيا يامعاذى.
-قلب معاذك من جوا.
وضعت "لارين" يديها تحت ذقتها: ياعيني عليكي ياشابة ياللي مش لاقية حد يهون عليكي وربنا ظلم أنا خلاص مش عايزة أكمل تعليم وودوني على بيت حبيبي بلا تعليم بلا نيلة .
نظر إليها معاذ بنظرات ذات مغزى ليردف:
- بقا أنتى عايزة تروحى على بيت حبيبك امممم وماله دى حاجة حلوة والطموح جميل بردو بس لما تبقى تشوفى حلمة ودنك يا"لارين" ويلا على البيت أنتى وهى مفيش قعاد اكتر من كدا.
*******************
فى المساء كانت واقفة "نازلى" فى المطبخ تعد قهوة لزوجها وأخواته، تقدمت الأخرى منها بخطوات بطيئة وخفيفة حتى لا تشعر بها ثم قامت بفزعها فشهقت على أثرها "نازلى" وهى تضع يديها على موضع قلبها، فنظرت خلفها وجدت أبنتها تكتم ضحكتها وخزتها فى يديها قائلة: حرام عليكي يا "لارين" وقفتى قلبي يابنتي.
ضمتها "لارين" وهى تبتسم:
- أسفة يامامى قوليلى بقا بتعمل ايه.
- بعمل قهوة لابوكى.
- طب ما تعمليلى معاكى فنجان قهوة من يديك الحلوين دول.
- لا.
تممت بضيق فقالت: لا ليه بس ياماما اعمليلي فنجان واكسبي فى بنتك ثواب دماغى مصدعة وعايزة اذاكر ومش عارفة.
- لا يعني لا هعملك عصير فواكه أحسن على الاقل تتغذى بدل ما أنتى معضمه كدا وبعدين روحى شوفى أختك "فيروزة" بتعمل ايه وخليها تنزل تقعد معانا شوية.
اجابتها "لارين" بعد ما أخذت تفاحة من على المطبخ قائلة: كنت عندها من شوية وقالتلي هنام ف سبتها تنام.
قطبت جبينها بأستغراب: تنام غريبة يعنى مش من عوايدها تنام فى الوقت دا لسه بدرى، التفتت تنظر لابنتها ثم أكملت بقلق: لأحسن تكون تعبانه.
- لا ياحبيبتي هى كويسة.
مدت يديها بالصنية قائلة: أمسكي كدا روحى وديها لابوكى وانا هطلع ابص على أختك.
- حاضر.
صعدت "نازلى" إلى ابنتها لتجدها نائمة فى سابتٍ عميق قبلت رأسها بحنان ثم أطفأت لها النور وأغلقت الباب خلفها.
فى المكتب وضعت أمامهما "لارين" القهوة نظر إليها والدها قائلة: شكرا يالارين.
- الشكر لله ياحبيبى.
تحدث عمها "خالد": ايه دا يا"لارين" أنتى اللى عملتي القهوة.
- عيب عليك ياجدع انت تعرف عنى كدا بردو.
- ما انا قولت كدا بردو.
بعد نصف ساعة...
جاء موعد ذهاب "أدم" احتضنته والدته لتتساقط دموعها على كتف ابنها تحدثت قائلة: أعتذر عن المهمه دي ياحبيبى علشان خاطرى متروحش أنا مش مستغنيه عنك.
ربت "أدم" على ظهرها بحزن: مقدرش ياأمى دا شغلى و مستقبلي.
ابتعدت عنه بغضب: هو علشان مستقبلك تضحى بنفسك يا "أدم" انت رايح سيناء وهتتعامل مع أرهابيين ناس متعرفش ربنا ومابترحمش يابنى والقتل عندهم سهل، ماتقوله حاجة يا"عامر" انت ساكت ليه.
نظر إليها زوجها قائلاً: متخافيش عليه يانازلى ابنك بقى راجل مش عيل صغير تخافى عليه وبعدين هو مش لوحده معاه زملائه كلهم وبعدين ابنك قدها وهيرجع ليكى بالسلامة بإذن الله.
تساقطت دموعها مجدداً، اقترب منها "أنيس" ليقول بمرح: وبعدين معاكى ياماما ماقلنا هيرجعلك بالسلامة وزى القرد كمان ومفيهوش خدشاية واحدة وبعدين هو بيأثر فيه حاجة الجحش دا.
رفع "أدم" حاجبه الأيسر: شوفتى أبنك بيقر عليا أزاى.
- سيبك منه ياحبيبى المهم خلى بالك من نفسك.
- حاضر ياامى بس بطلى عياط علشان خاطرى.
ضمه "أنيس" بحزن: متزعلش منى يا"أدم" انا بهزر والله دا أنت تؤامى وحبيبى وبخاف عليك.
- وأنا عارف أنك بتهزر ياقلب أخوك.
اقتربت "لارين" منه بهدوء وبدأت عينيها ترقرق بالدمع:
- دومي هو أنت هتطول هناك.
لمس خديها برفق قائلاً: هقعد شهرونص هناك ياريري.
- شهر ونص بس دول كتير اوى أنا مش متعودة أنك تغيبى عننا بالمدة الطويلة دى .
- صدقينى هيعدوا هوا ياقلبى المهم كفاية عياط بقا أنتى وماما.
تحدث والده "عامر" : يلا يابنى بدل ما هما محسسني أنك رايح تستشهد ومش هترجع تانى.
اخذ حقيبته ثم قال: ابقوا سلمولي على "روزا" لان طلعتلها لاقيتها نايمة.
نظرت إليه والدته لتهز رأسها بالإيجاب.
على الجانب الأخر كان "عمران" واقفاً ينظر إلى السماء المغيمة ينتظر الشباب، وكان داخله يتحدث إلى الله.
فى جميع حواراتي مع الله لم أكن أسمع أى مقاطعة...
كانت الساعات كلها لي، كما أنني بكيت دون حرج ولم أخجل من الحديث عن مشاعري له...
لقد تكلمت كثيراً ولم أسمع صوتاً يأمرني بالسكوت كنت أشعر بالهدوء..
وكل الفوضى التى بداخلى كان يرتبها دائماً...
كم أنت كريمٌ لطيفٌ يا الله استودعك روحي وحياتي.
•تابع الفصل التالي "رواية لحن الزعفران" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق