رواية نيران العشق والهوى الفصل الرابع 4 - بقلم هدير ممدوح
الفصل الرابع
جثم الليل على الأرض، وندى مازالت حبيسة تلك الحجرة..
جالسة على الفراش مشخصة أبصارها لسقف الغرفة، كانت عيناها تفيضان دمعاً؛ دمع الخذلان والحزن والخوف في آن واحد...
رمشت بعينها و رفعت يداها قائلة بتضرع :
_يارب انجدني، يارب ماليش غيرك ياكريم..
وأنغمست في بكاء مرير أستمر لمدة من الزمن.. واستقامت واقفة تنظر إلى الغرفة علها تجد سبيل للخروج... ولكن كيف والحجرة فارغة من كل شيء فكانت ذات مساحة صغيرة، فراش يتوسطها، وطاولة منزوية بأحدى أطرافها، وخزانة ملابس صغيرة مكونة من ضلفتين.. تنهدت بقلة حيلة وجلست على الفراش مرة أخرى ، تشعر وكأن تلك الجدران ستطبق عليها حتى تزهق روحها..
ولا تعلم كم مر من الوقت هنا، ولكنها علمت أنها ظلت حبيسة لساعات طويلة..
رأت الباب وكأن أحد يحاول فتحه، فاستعدت واقفة للمواجهة ليدفع الباب وتدلف منه إمرأة ببطن منتفخ دليل على حملها بطفل، وبيدها صنية صغيرة يتوسطها طبقان بهم طعام تقدمت منها المرأة ووضعت الطعام بمنتصف الفراش قائلة:
_جبتلك الوكل ياندى اجعدي كلي لجمة قبل ما تنامي.
ردت ندى بنبرة تجلى بها الحزن قائلة:
_وكيف أنام و عينيا جفت النوم يا مرات خالي..
زفرت زوجة خالها بعمق قائلة:
_مفيش بأيدي حاچة اعملها يا ندى أرضي بالمكتوب..
قاطعتها ندى بعجل :
_لا في ايدك يامرات خالي..
وجذبت كف يدها وهي تحاول تقبيلها واستطردت..
_احب على يدك ابعتي خبر لـ أيوب باللي هيحصل..
شهقت المرأة قائلة بذعر وهي تبعد يدها قائلة:
_مجدرش اعمل كِدة خالك يطلقني ويرميني أنا وولادي برة البيت، ترضيلي خراب البيوت يا ندى.
قالت ندى بغصة باكية:
_لا يامرات خالي بس أنتي لو مكاني هتعملي إيه، مش هجولك أعملي غير اللي يراضي ضميرك وبس.
قالت زوجة خالها بجمود:
_الأكل عندك كلي و ابجي اركني الطباق على جنب..
قالت جملتها تلك وولت تغادر الغرفة، مغلقة الباب خلفها.
بينما تنهدت ندى بقلة حيلة،وجلست على فراشها.
••••••••••
انقضى الليل وانفلق الصباح
وكالعادة اجتمع الجميع أولاً على مائدة الطعام ومن ثم غادر كلاً منهم لعمله.
جالسة بخيتة وإسعاف واعتماد وسهر على حدا.. لتهتف اعتماد وهي تقطم من ثمرة التفاح التي بيدها:
_اتجدملك عريس ياسهر.
سلط الجميع انظارهم عليها باهتمام..
فقالت سهر:
_لا يما أنا مش عاوزة اتجوز دلوج.
هتفت بخيتة بخبث:
_ليه يابت اعتماد اللي جدك معاهم عيل واتنين ولا تكونيش مستنية تحضري الماجستير..
وارتفع أصوات ضحكتها الساخرة هي وإسعاف عالياً.
ردت سهر بحدة قائلة:
_ ع تضحكي على إيه ياخالة إسعاف ما انتي أهو جوزتي بتك لواحد عينه زايغة وبنتك مش مرتاحة معاه بحجة انها كبرت وهي كانت لسة عيلة يدوب 18 سنة صُح ولا لأ.
قالت إعتماد بشموخ:
_بت أمك صحيح يابت.
وهتفت إسعاف بامتعاض :
_عينه زايغة بس جيبه مليان.
صدح صوت بخيتة :
_طلعتي بلسانين يابت إعتماد.
غمغمت إعتماد بحنق:
_لا، وانتي حد ضاحك عليكي وجالك ان بتي خرسة ولا إيه يا بخيتة، وبعدين أنا يوم ما اجوز بتي هجوزها من عيلة تشرف، نسب، وحسب، وولاد أصول..
أشاحت " بخيتة"وجهها للجهة الاخرى ولم تبالي بحديثها فاسترسلت "إعتماد" قائلة:
_جومي يابتي خلينا نجعد لحالنا شوي.
هزت سهر رأسها بنعم واستقامت واقفة وذهبت خلف والدتها.
•••••••
جلست إعتماد و ابنتها بجانب بعضهم فقالت إعتماد بتريث:
_اسمعي يابتي أنتي خلاص كبرتي وآن الأوان تتجوزي دبلومك وخلصتيه جعدة ليه تاني.
قالت سهر بحنق:
_يما انتي شايفة إني كبرت، بس اللي انا شوفته انك هتعملي كده عشان توري الناس ان بتك اتجوزت وهي صغيرة والقطر مفتهاش أنا عارفة دايماً رامية ودنك على اللي جال واللي جالشي..
قاطعتها إعتماد بحدة قائلة:
_كلام ايه ده يابت، أنتي فاكرة إني هعمل كدة عشان ارضي الناس لا يابتي حد يرمي ضناه..
قالت سهر بضيق:
_ومين هو العريس يما؟!
اجابت إعتماد ببهجة:
_هتتجوزي من عيلة الفايد، عيلة كبيرة وليها اسم وسمعة فالنجع.
هتفت سهر باعتراض:
_عيلة الفايد يما، اللي البلد كلها عارفة انهم ناس جاسية و واعرة، لا مش موافجة.
قالت إعتماد بحدة:
_لا هتوافجي..
وهدأت نبرتها واسترسلت..
_اسمعي يابتي أنا معاكي فكل اللي جولتيه بس أنتي ياحبة عيني هتاخدي ولدهم مدحت وده غلبان وفحاله وهيسعدك جولتي إيه.
اجابت سهر بضيق:
_حاضر يما سبيني أفكر و ابجا أردلك خبر..
سبحان الله وبحمده🤍 سبحان الله العظيم
لا تعلم كيف غفت فهي ظلت تبكي حتى جفت أعينها من الدمع، استعادت نفسها وتأهبت للوقوف منتظرة القادم...
انفرج الباب على عاقبيه ودلف راضي قائلاً بغلظة:
_اتمنى تكوني نمتي كويس ياعروس، عشان تفوجي لعريسك.
اشاحت ندى بوجهها للجهة الاخرى ولم تنظر،أو تعقب عليه..
فألقى هو كيساً من البلاستك اعلى الفراش وقال بحنق:
_بلاش دلع ماسخ يابت، والكيس اللي رميته على السرير ده فيه لبس ليكي على العشا تكوني جاهزة فاهمة.
للمرة الثانية لم تعيره ندى إي اهتمام ولم ترد على حديثه فذهب هو صافعاً الباب خلفه بحدة، ارتجف على أثارها جسدها فاتجهت للفراش باكية، وقالت بتضرع:
_استغيث بقدرتك يارب انجدني ماليش غيرك ياكريم.
دفع الباب مرة أخرى وطلت منه "يسر" زوجة خالها قائلة بعجل:
بصي يابتي، انا كمان عندي بنات عشان كِدة هساعدك.
وثبت ندى قائمة وابتهجت ملامحها..
واسترسلت يسر قائلة:
خالك طلع من البيت دلوجتي، يلا جومي وياي كلمي أيوب على التليفون الأرضي ماشي.
هتفت ندى قائلة:
_طيب بما أنه مفيش، خليني أمشي من إهنا.
قالت يسر على عجل:
_لا ده يطين عيشتي لما يعرف، وهو في حد غيري فالبيت.
تمتمت ندى قائلة:
_خلاص خليني أكلمه.
غمغمت يسر:
_يلا تعالي وراي.
ذهبت ندى خلفها مغادرين تلك الحجرة.
وتوقفوا بمنتصف المنزل أمام طاولة صغيرة يتوسطها هاتف أرضي.
قالت يسر:
_هروح أجف جدام الباب لخالك يجي على غفلة وانتي سرعي، ربنا يعديها على خير يلا..
هزت ندى رأسها عدة مرات وأمسكت بسماعة الهاتف، دونت رقم أيوب الذي تحفظه عن ظهر قلب، وانتظرت قليلاً، فلم يأتيها رد..
حاولت عدة مرات ولكن الحظ لم يحالفها..
فأتاها صوت زوجة خالها "يسر"قائلة:
_إيه مش بيرد.
هزت ندى رأسها بيأس قائلة:
_مردش يا مرات خال..
تقدمت منها زوجة خالها وهتفت:
_أنا عملت اللي عليا وحاولت أساعدك، يلا خلينا نعاود.
أزاحت ندى دمعة ذرفت من طرف عينيها قائلة:
_لا أستني، أنا هكلم هدى أختي وهي هتتصرف.
هزت يسر رأسها بشفقة على حالتها قائلة:
_شهلي بس أنتي، و أنا هرجع اقف على الباب للمحروس يجي.
مرت" يسر" من أمامها لترفع ندى سماعة الهاتف وقامت بـ الإتصال بشقيقتها ثواني قليلة حتى أتاها الرد من " هدى"، والتي قالت على الفور:
_أيوة ياخال.
ندى بعجل:
_أنا ندى ياهدى أسمعي و متقطعنيش خالك عاوز يجوزني العمدة غصباً عني، كلمي أيوب يا هدى متسبيش أختك.
جائها صوت شقيقتها المذعور قائلة:
_عمدة إيه وجواز إيه فهميني براحة ياندى.
قصت لها ندى طريقة خداع والدتها وما صدر من خالها، وأنهت حديثها قائلة:
_هتساعدي أختك صح ياهدى.
فتلك اللحظة جائتها زوجة خالها مهرولة وهي تقول:
_جه، جه سيبي السماعة من أيدك يلا..
تركت ندى سماعة الهاتف دون ان تستمع لرد شقيقتها وفبضت يسر على عضدها وهي تسحبها ناحية الحجرة..
هدر صوت راضي قائلاً:
_البت دي بتعمل إيه برة الأوضة يا يسر.
ردت يسر بتوتر وتهتهة:
_اصل يعني، هو...
هتفت ندى بامتعاض :
_كنت عاوزة أدخل الحمام يا خال إيه ممنوع.
رمقها خالها بشمئزاز قائلاً:
_لا مش ممنوع يابت أختي، يلا أدخلي مكانك.
ولجت ندى داخل الغرفة و أغلقت يسر الباب من الخارج..
•••••••••••••••
في سرايا وهدان المنشاوي..
ولجت هدى على عجل ووجدت أعتماد جالسة على الأريكة هرولت إليها قائلة:
_ألحجيني يا مرات عمي.
انتفضت إعتماد قائلة:
_في إيه يابت فزعتيني..
توقفت هدى تلتقط أنفاسها الهاربة وقالت:
_ندى واجعة في مصيبة ومفيش حد هيجدر يطلعها منها غير أيوب، دليني على مكانه بسرعة.
عقدت اعتماد حاجبيها وقالت ببرود:
_خير مصيبة إيه اللي واجعة فيها السنيورة.
كظمت هدى غيظها قائلة:
_مرات عمي مش وجت اي حاچة دلوك أنا محتاجة أيوب، جوليلي فينه.
وضعت إعتماد يدها بمنتصف بطنها وقالت :
_وأنا أعرف منين فينه..
زفرت هدى بقلة حيلة و أسرعت للطابق الذي تقطن به والدتها، وبخطوات بطيئة لحقتها إعتماد ووقفت خلف الباب تسترق السمع للحديث الدائر بينها وبين والدتها..
واقفة هدى أمام والدتها التي كانت جالسة بأريحية تشاهد التلفاز، وصدح صوتها عالياً:
_الكلام اللي سمعته ده صُح يما، بجا عاوزة تجوزي ندى للعمدة؟!
شهقت إعتماد من خلف الباب واضعة يدها على فمها قائلة بخفوت:
_ولية جادرة وتعملها، تلاجيها مفكرة ان بجواز بتها للعمدة هتلوي دراعي، ماشي يابخيتة يا انا يا انتي، خلينا نشوفوا ردك.
هتفت بخيتة بجمود:
_أيوة هجوزها للعمدة، ماله راجل وسيد الرجالة ونسب يشرف.
قالت هدى بسخرية:
_ده يعرك يما، إيه فاكرة ان الناس دي عبيطة ومحدش فاهم إيه الغرض من الجوازة دي.
قالت بخيتة بحدة:
_مالكيش صالح أنتي أطلعي منيها.
صرخت بها هدى قائلة:
_الجوازة دي مش هتم، وهخبر ولد عمها..
وكادت ان تستدير لتخطو للأمام، فقبضت بخيتة على يدها قائلة بحدة:
_اسمعي يابت بطني أختك النهاردة هتتجوز العمدة ومحدش هيجدر يمنع الجوازة دي تتم.
قالت هدى بتحدي:
_مش هتم يما ويانا يا انتي..
ودفعت يد والدتها عنها وخطت أمام الباب لتجد إعتماد بوجهها عاقدة ساعديها أمامها قائلة:
_اسمعي، ولدي مالوش دخل بمواضيعكم، واحدة عاوزة ترمي بتها للنار بيدها إيه دخل ولدي أنا.
هدر صوت بخيتة من خلفهم:
_أنا مهرميش بتي فالنار يا إعتماد.
ردت إعتماد بحنق:
_اومال ده أسمه إيه ما أكيد مش هتعملي كِده عشان بتك عتحبه، ده الطمع والغل مالي جلبك بس بتك هي اللي هتدفع تمن عمايلك.
أيدت هدى كلام إعتماد قائلة:
_مرات عمي عندها حق يما، النار مش هتحرق غير ندى وهتعيش طول عمرها مش مسامحة..
صمتت بخيتة قليلا بدا عليها التفكير..
وهتفت هدى:
_أنا هروح لـ مصطفى الشغل وهخليه يكلم أيوب واخدهم ونروح نجيب أختي..
دفعتها إعتماد للداخل قائلة:
_جولتلك ولدي مالوش صالح خليكي مُطرحك أحسنلك، وانتي يا بخيتة أحكمي بناتك ودخلي دي جوة فاهمة.
ألقت إعتماد حديثها، و أمسكت بمقبض الباب وصفعته خلفها بعنف..
فنظرت هدى لوالدتها الصامتة وتحدثت:
_حرام عليكي اللي هتعمليه ده يما ندى ذنبها إيه..
وكادت هدى ان تخطو للأمام حتى قبضت بخيتة على معصمها قائلة:
_مش هخليكي تطلعي من إهنا، أنا هتصرف.
..........صلي على محمد.........
صدح صوت المكبرات من المسجد معلنة عن آذان العشاء..
الدموع غزت مقلتيها، وضربات قلبها في إخفاق شديد.. وأصبحت تدور برأسها تلك الأسئلة..
أهل تلك النهاية؟
هل ستتزوج من ذلك الرجل..
ابتسمت ساخرة كالبلهاء الفاقدة لعقلها وتمتمت بخفوت:
_مش جوازة دي جنازة.
و انتفضت من على فراشها كمن مسه الجن وغمغمت:
_أيوة هجتل نفسي كدة مش هتجوز العمدة، ده الصح محدش هيساعدك ياندى محدش هيحبك..
علا صوت الأذان مكبراً الله أكبر الله أكبر.
ليعلم الجميع ان الله اكبر وأعظم من أي شيءٍ في الكون.
ورددت ندى خلفه بخفوت وغمغمت وهي تتحدث مع نفسها:
_لا ياندى أنتي نفسك مش ضعيفة، ربك جادر وهينجدني..
وازاحت دموعها وقالت بيقين:
_وأنا ظني فيك ياربي لا يخيب.
انفرج الباب، وطلت من خلفه زوجة خالها راضي "يسر" وقالت:
_أمك واختك برة وخالك راح يجيب المأذون وأيوب لسه مجاش..
دب الخوف ثنايا قلبها و ارتعبت من القادم، فتقدمت من زوجة خالها وقالت:
_يبجا طلعيني وانا ههرب ووعدكم مش هتشوفوا وشي تاني
شهقت يسر قائلة:'
_وه، أنتي عاوزة البلد كلها تجيب سيرتك ويجولوا هربت يوم فرحها.
قالت ندى بوهن:
أنا تعبت يا مرات خالي جوليلي أعمل إيه واتصرف ازاي.
ردت يسر بجمود:
_اجهزي وسبيها على الله، أنا هطلع دلوك، شوية وهدخل اشوفك تكوني جهزتي.
خرجت يسر دون إي إضافة لحديثها، وجلست ندى على فراشها باكية وهي تقول:
_هنت عليكي كيف يما.
"بالخارج"
إزداد الأمر حماسة مع قدوم المأذون لعقد القران والعمدة عبد الجليل ومعه راضي،وفرقة خلفهم تدق الطبول..
أصبح الأمر أشبه بساحة حرب وطرق الطبول معلناً عن بداية المعركة.
هم الآن داخل المنزل، واقفة يسر وبخيتة و ابنتها هدى بجانب الطاولة التي سيتم عليها عقد القران جلس العمدة وراضي والشيخ وانضم لهم أربعة من الرجال..
رفع عبدالجليل "العمدة" أنظاره إلى بخيتة قائلاً:
_يلا يا أم العروسة قبل ما نبدأ سمعينا أحلى زغروطة..
كادت ان ترفع يدها لفمها، وافتعال ما قاله العمدة حتى قاطعهم هذا الصوت الذي لم يكن غير لـ أيوب :
_وجفوا كل اللي بيحصل ده.
طالعته هدى بإبتسامة مُرحبة، ورمقت العمدة بأخرى شامتة..
تقدم ايوب منهم وخلفه مصطفى، فترك "عبد الجليل" مقعده وطالع أيوب بنظرة تحدي قائلاً:
_يامرحب يا مرحب،شرفوا ولاد عم عروستنا..
نظر مصطفى لزوجة عمه بوجه محتقن غضباً وقال:
_كدة يا مرات عمي متعزمناش دي حتى عيبة في حقك..
أشاحت بخيتة بوجهها للجهة الأخرى ولم تتفوه بشيء، فقال أيوب:
_بس كويس لحجنا ياولد عمي، يلا يا هدى روحي هاتي أختك خلينا نمشي، ولعب العيال ده يخلص.
هتف العمدة بحدة:
_أنت عـ تستهبل يا واد أنت ولا إيي دي عروستي ومش همشي من غيرها.
قاطع المسافة التي تحيل بينهم ونظر إلى عينه مباشرة فأرتد العمدة الي الوراء، وقال بصوت صارم مخيف:
_بعد من طريقينا ياعمدة وألا..
رد العمدة بحنق:
_وإلا إيه ياولد وهدان.
وبلمح البصر أخرج أيوب سلًاحا من جلبابه وقام بإطلاق طلقة في الهواء، فارتجفت الأجساد الواقفة، ومن بينهم العمدة...
واسترسل أيوب:
_أنا مش جاي في خير، وسمعني كده يا عمدة جُلت إيه.
انكمش العمدة ووقف جانبًا و أتسع الطريق أمام أيوب..
فرمق أيوب هدى وهز رأسه، ففهمت هي حديثه وقالت:
_فين ندى يا مرات خال..
غمغمت يسر بخفوت:
_تعالي وراي .
سارت هدى خلفها بصمت، و توقفوا أمام الغرفة التي بها ندى..
بالداخل وضعت ندى يدها على قلبها والدموع سلكت طريقًا على وجنتيها تدعو الله من داخلها بأن تخلص من ذلك الكابوس..
دفع الباب، و انتفضت ندى من انفراجه بذلك الشكل العنيف، فاستقامت قائمة عندما رأت شقيقتها و ابتهج فؤادها قائلة بترقب:
_أيوب جه صح؟!.
"بالخارج "
واقفاً "راضي" بجانب العمدة وهدر بحدة:
_ساكتة ليه يا فتحية هتسيبي ولد وهدان ياخد البت ويمشي.
تحدثت فتحية بتريث:
_واعمل إيه يعني ده جاي بالسلاح..
تحدث مصطفى بسخرية:
_أنت وهو واجفين كيف جوز الحريم كِده، وعاوزينها هي اللي تعمل..
هتف عبد الجليل بحدة:
_أنا ساكت بس عشان ميحصلش مشاكل غير كده كنت...
قال أيوب بنبرة تجلى فيها الغضب وهو يشهر السلاح بوجهه:
_كنت إيه ياعمدة.
أرتد العمدة إلى الوراء قائلاً:
_لا أنا مش هسمح بالإهانة دي أنا ماشي يا راضي.
قال راضي بتعجب:
_مالك كشيت كدة ورايح فين يا عبد الجليل..
رد عبد الجليل وهو يمر من أمامهم ناظراً لـ أيوب بتحدي:
_ همشي بمزاجي بس مش هسيب حجي ياولد وهدان.
رمقه ايوة بلا مبالاه..
هرولت ندى من الغرفة، وتوقفت بالقرب منهم تطلع إليه..
كم وددت لو تركض إليه وتعانقه، فهي الآن بحاجة لامتصاص كل ذلك الحزن و الخذلان الذي أثقل فؤادها، ولن تجد بغير حضنه الأمان.
بينما تفحصها أيوب.. ناظراً لوجهها الذي كسى ملامحه الحزن والوهن وأعين ذابلة بسبب البكاء..
طوى الخطوات الفاصلة بينهم؛ بخطاه السريعة وقبض على معصمها، واندفعوا مغادرين منزل خالها.. فتح باب سيارته وقال بصوتٍ اجش:
_أطلعي
صعدت ندى دون التفوه بشيء و أغلق هو الباب باحكام وصعد مكانه وقاد السيارة ناسفاً الطريق نسفاً من شدة عصبيته.
"في سرايا عائلة وهدان "
قامت ورد برص الأطباق على مائدة الطعام، التي اجتمعت عليها إسعاف وبخيتة وسلمان وسهر..
واعتماد أخذت الطرقة ذهاباً وإياباً أمامهم،حتى تحدثت ورد قائلة:
_ست إعتماد الكل منتظرك على الوكل اجعدي.
توقفت اعتماد وقالت:
_لا هستنى أيوب مش عارفه أتأخر ليه؟
هزت ورد رأسها بتفهم وغادرت من أمامها.
لتهفت سهر :
_تعالي يما هو أخوي عيل، اجعدي أنتي بس زمانه جاي.
قالت بخيتة بتهكم:
_إيه يا إعتماد خايفة عليه كأنه بنت طالعة لحالها، ماهو مصطفى معاه.
جزت إعتماد على اسنانها بغيظ و استدارت ترمقها بعضب قائلة:
_اعملك إيه،إذا كان قلبك على ولدك حجر، وبعدين هما مش متعودين يتأخروا كده.
قال سلمان بضجر:
_سيبكم من حديتكم الفاضي ده، و أنتي يا إعتماد اتهدي و اجعدي خيالتيني معاكي وأنتي رايحة جاية فوق روسنا..
كادت ان تتحدث إعتماد وترد عليه فقاطعها، دخول ندى وخلفها أيوب والباقية..
عقدت إعتماد حاجبيها قائلة:
_أنتي جيتي كيف، مش كنتي هتتجوزي النهاردة!
استمع الجالسون على المائدة لها، ونظروا لبعضهم بتعجب وغمغمت بخيتة بدهشة :
_هتتجوز!..
هدر أيوب بحدة:
_أنتي كنتي عارفة يما.
توترت إعتماد وردت:
_يعني سمعت هدى وفتحية ياولدي، وخوفت اجولك تتصرف غلط وتتأذي..
هتفت هدى على عجل:
_لا يا أيوب أنا جيت طلبت مساعدة أمك الأول ورفضت.
رمقتها اعتماد بغيظ..
وصدح صوت فتحية قائلة:
_يلا يا هدى هاتي أختك وخلينا نطلع..
وكادت ان تمر من أمامها حتى هدر أيوب قائلاً:
_وجفي يا مرات عمي..
توقفت فتحية أدراجها ولم تتحرك او تنبث بشيء فقط كانت توليهم ظهرها.
لـ يردف أيوب مكملاً:
_ليه،عملتي كِده ليه، إيه مصلحتك؟.
استدارت فتحية قائلة بحنق:
_ كنت عاوزة لينا ضهر وسند حد يحمينا ويجدر يجيب حقنا.
قال أيوب بتعجب:
_يحميكم!
ومن مين؛ من أهلك وناسك.
ازدادت حدة فتحية قائلة:
_أنا عاوزة اشفي غليلي منكم واخد حج جوزي اللي مات بسببكم ، وأحرق جلوبكم.
هذه المرة صدح صوت ندى قائلة بحدة:
_أنا الوحيدة اللي كنت هتحرق يما، وأنا اللي كنت هدفع تمن أغلاطك، وجولتلك كذا مرة أبويا ده نصيبه إيه ذنبنا أحنا، واللي عاوزة تاخدي ججك منه مات.
هتفت بخيتة:
_أنا صلحت غلطي معاكي، أنا اللي كلمت أيوب ووقفته جدام أخوي والعمدة، وبعدين أبوكي ليه فالبيت نصيب وفكل شيء نملكه نصيب، فين حجنا.
قال أيوب بنفاذ صبر:
_حد جصر معاكي في حاچة، الأرباح بتتقسم على الكل نعمل إيه تاني يعني.
ردت فتحية بتهكم:
_ده بعد ما نتذل ليكم، خلاص صاحب الشأن مات ومعنديش واد يجولي خدي يما، بستنى حد يمن علينا كل أول شهر، والكل يشمت فيا.
زفر أيوب بعمق قائلاً:
_أنتي اللي شايفة كِده، دي مشكلتك ولو على الشغل، عاوزة تحطي إيدك عليه خلاص أنزلي و اشتغلي معانا.
هدر سلمان الذي كان يقف بصمت يتابع حديثهم:
_كلام إيه ده يا أيوب، معندناش حريم تنزل تشتغل، وفضوها سيرة يلا، اللي عاوز يجعد ياكل يتفضل، واللى مش عاجبه كلامي يخبط دماغه فالحيط..
رمقته فتحية بغضب واعتلت درجات السلم سريعاً وانسحب خلفها هدى وندى.
دلف عتمان الغفير قائلاً:
_ايوب بيه في واحد أسمه هشام برة عاوز يشوفك..
يتبع
بقلمي:هدير ممدوح
•تابع الفصل التالي "رواية نيران العشق والهوى" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق