Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية سند الكبير الفصل الخامس 5 - بقلم شيماء سعيد

 


رواية سند الكبير الفصل الخامس 5




في غرفة وعد…
انتبهت على صوت الباب لتقوم من تلك الدوامة التى غرقت بها بالماضي، قامت من مكانها بثقل تزيل أي أثر لدموعها ثم فتحت الباب، ابتسمت إلى تلك المرأة التي لم ترى منها شر أبداً رغم شدتها و قوة شخصيتها…
بحنان أم فتحت لها ذراعيها لتلقي بنفسها داخل أحضانها تود أن تشعر بالقليل من الأمان بين أسوار هذا البيت المخيف، حركت السيدة حكمت كفها على خصلاتها قائلة :


_ ليكي وحشة يا وعد، بقى كدة تنسي جدتك حكمت سنتين كاملين…
أغلقت وعد عينيها ثم أخذت نفس عميق قبل أن تقول بحزن طفيف :
_ حقك عليا يا تيتة بس صدقيني كدة أحسن ليا و ليكم إحنا مش شبه بعض…
أخذتها السيدة حكمت من كفها و دلفت بها للغرفة مغلقة الباب خلفهما ثم جلست بجوارها على الفراش لتنام الأخرى على صدرها، ابتسمت العجوز قائلة بعتاب :
_ قلوبنا كلنا اتعلقت بيكي حتى قلب سند، ليه يا بنتي البعد، ليه فتحتي باب جهنم على نفسك؟؟ سند مش بيكره في حياته اد الكذب و الغدر…
قالت بقهر :
_ الوجع مش ليكم بس كان ليا أنا كمان، وجودي من البداية في الكفر ده كان غلط كبير، الكبير كان عايزني أبقى جارية له يعمل فيها كل حاجة و كمان تبقى أرنبة كل يوم عيل، أنا مستحيل أعيش الحياة دي مع واحد مفيش جوايا له أي مشاعر…
بمكر قرصت السيدة حكمت وجهها ثم قالت بعيون خبيرة :
_ من امتا فينا من الكدب يا وعد، بقى عيونك اللي كانت بتطلع قلوب عمرها ما حبت سند عليا أنا الكلام ده؟!… يا بنتي ليه مصممة تتعبي قلبك و قلبه و قلوبنا كلنا معاكي…
هربت بعينيها منها هامسة بتوتر :
_ كان وقتها انبهار كبير من شخصيته.. وقتها كنت هبلة و أول مرة أشوف شخص كدة بس أنا خلاص كبرت و فهمت، تيتة أنا عايزة أمشي أنا و جوزي من هنا من غير غدر سند أو مشاكل منه، الكلام فات أوانه أنا دلوقتي ست متجوزة لو فعلاً ليا مكانة عند حضرتك.. ساعديني أمشي من هنا…
أومأت العجوز بصمت، معها حق عن أي حب تتحدث و الأخرى تزوجت و انتهى الأمر… الصرخات الآتية من الأسفل جعلتها تنتفض لتفتح الخادمة الباب بلا سابق إنذار صارخة :
_ الحقي يا ست الناس…
وقفت السيدة حكمت مستندة على عصاها قائلة بقوة :
_ في إيه يا بت اخلصي…
ابتلعت الخادمة ريقها قائلة برعب :
_ الست همت نزلت الجنينة من غير ما نحس بيها و الغفر جابوها من شوية بتبكي و تصرخ، و الغفير بيقول إن جوز الست وعد كان معاها و هو السبب في اللي حصل ليها و سيدي سند أمر بحبسه في المخزن…
سقط قلبها أرضا، سند يلعب معها بزوجها الذي ليس له دخل بأي شيء يحدث، نظرت إلى السيدة حكمت التى كل ما يهمها الآن حفيدتها فقط، قائلة بغضب :

_ مش قولتلك يا تيتة حفيدك ناوي على غدر، أنا مش هسمح له يقرب من محمد ده على جثتي…
تركتها السيدة حكمت و نزلت إلى محل وجود همت لتنزل هي الأخرى لتطمئن على همت و ترى هذا اللعين، اقتربت من همت قائلة بلهفة :
_ همت يا حبيبتي مالك…
ابتعدت همت عنها برعب لتتعحب هي من الموقف إلا أن جدتها قالت بهدوء و هي تضم حفيدتها :
_ معلش يا وعد همت تعبانة و مش فاكراكي عشان كدة خافت منك، اهدي بقى يا قلب جدتك…
تركت وعد المكان متجهة إلى غرفة المكتب، لن تترك زوجها بين يدي سند الكبير….
____________
بغرفة المكتب…
فتحت الباب بلا سابق إنذار، ليظل على حاله يتابع الأوراق أمامه بهدوء، اقتربت منه بغضب أعمى ثم ضربت على المكتب بقوة صارخة :
_ مالك و مال جوزي يا كبير عايز منه ايه؟!…
إلى هنا و انتهى هدوءه المزيف، ألقى القلم من بين أصابعه على الأوراق و أزال نظارته الطبية ثم قام من مقعده و عينيه عليها يتابع رد فعلها، نزل بصره إلى صدرها الذي يعلو و يهبط ليعود لوجهها الذي يطلق منه نيران نارية، بأقل من ثانية كانت محصورة أمامه و الفاصل بينهما خطوتين قائلا بنبرته الحادة :
_ عيدي كلامك تاني يا دكتورة عشان كنت مركز في شغلي مش في الطريقة الهمجية اللي دخلتي بيها….

لا تنكر توترها و خوفها من نظراته إلا أنها حدقت به بتحدي قائلة :
_ لأ سمعت كويس يا كبير بس مش عايز ترد، الكلام مش جاي على هواك، و آخر حاجة تهمني إن الكلام ييجي على هواك أنا عايزة جوزي و بس يا سند…
شهقت بألم من ضغط كفه على فكها و كفه الآخر يقيد شفتيها، لمعة عينيه مرعبة كأنها ألقت عليه قطعة من النيران أصابته بمنتصف وجهه، يحترق من نظراتها و حديثها الذي يأكله بلا رحمة، حرك وجهه يمينا و يسارا ثم همس بفحيح :
_ كلمة سند الكبير على رقبته، و أنا بقولك لو عايزة لسانك يبقى بين ايديك انطقي كلمة جوزي دي تاني، أدفنك و آخد العزا قبل ما غيري ينام جانبك على سرير واحد….
كلمة سند الكبير سيف علي رقبته لو خرجت منه سيفعلها لو روحه بها، حاولت التحرر من بين يديه إلا أنه ضغط عليها أكثر لتصرخ بقوة :
_ ابعد أيدك عني أنت بتوجعني…
ابتسم إليها بملامح مخيفة قائلا :
_ ما أنا عايز أوجعك يا روحي، اتوجعي و خافي يا وعد عشان تقدري تعيشي…
رفعت عينيها لتقابل عينيه، كلمات لم يقدر اللسان على قول كلمة منها قالتهم العين، إلى أين سيصل معها لا يعرف و لا يود أن يعرف، تعلق بها لتأخذ عينيه جولة رائعة على وجهها الجميل، سحرها البسيط يجذبه و يجعل بداخله رغبة مميتة بتذوق تلك الفاكهة المحرمة ، حبست أنفاسها و شعرت بالتعري أمام عينيه التى تأخذ منها ما يريد صاحبها، بللت شفتيها الجافة بطرف لسانها قبل أن تقول بتوتر :
_ مش عيب على الكبير أما يبقى نفسه في حاجة مش بتاعته؟!..

إبتسم لها بخبث و هو مازال كما هو مردفا بنبرة لعوبة :
_ لأ مش عيب خصوصاً لما تبقى الحاجة دي مكتوب عليها مباح للجميع، بس مش الكبير اللي يدوق حاجة خارجة من بوق غيره…
أصابها الغضب ، قدر بكل جدارة على كسر قطعة من روحها، ترقرقت الدموع بداخل مقلتيها بكبرياء أنثى مقهورة إلا أنها ردت عليه بجمود :
_ صدق اللي قال البجاحة ليها ناسها، الحاجة اللي خارجة من بوق غيرك دي نفسها هي اللي بتجري وراها، لآخر مرة بقولك سيب جوزي بدل ما أبلغ عنك.. البلد دي فيها حكومة يا كبير…
أبتعد عنها و عاد للجلوس على مقعد مكتبه يباشر عمله، الكلمة تردها ألف كلمة مع أنه لا يريد منها إلا الصمت، هو مغلول من إسم هذا اللعين الذي تحمله من المفترض أن تحمل اسمه هو، منذ متى يريد امرأة و لا يقدر على الحصول عليها؟!…
جن جنونها من بروده لتأخذ الأوراق من أمامه بحركة جنونية و تلقي بها على الأرض صارخة :

_ بطل البرود ده بقولك جوزي فين يا سند، محمد ملوش علاقة بأي حاجة حصلت في البيت ده من سنين، لما أكلمك تبص و ترد عليا فاهم…
رفع حاجبه بتساؤل كأنه يقول لها “حقا”، سند ظهره على المقعد واضعا ساقا على الآخر قبل أن يشير لها على باب الغرفة قائلا بصرامة :
_ قولتلك خافي على لسانك بس شكله عامل ليكي مشاكل و عايزة أقطعه، أخرجي برة حالا بدل ما أنولك المراد و تعيشي الباقي من عمرك خرسة…
_ و لا يهمني أعلى ما في خيلك اركبه، مش هسكت على…… اااااه..
قالتها و هي تشعر بعدم لمس ساقيها للأرض حملها على ظهره صاعدا بها إلى غرفته وسط صريخها الذي لم يعطي لها أو له أي إهتمام، وصل للغرفة ليدخل بها و يغلق بابها بقدمه، ألقى بها على الفراش لتصرخ بألم قبل أن تقول :
_ إيه الهمجية و الجنان ده، أنت فاكر بالطريقة دي مش هاخد حقي…
سحب الحزام من على خصره ضاربا به الفراش بجوارها مردفا بتحذير :
_ مش لما أعمل ليكي حاجة ابقي خدي حقك، مش هقفل عليكي الباب بالمفتاح ، بس عايزك تخرجي من باب الأوضة دي و وقتها اياكي تلومي حد إلا عنادك و غبائك، فاهمة…
مازال يرى لمعة التحدي ليعطي لكفها الموضوع على الفراش ضربة خفيفة ثم قال بصرامة أشد :
_ فاهمة عايز أسمع ردك…
لأول مرة تشعر بالعجز و قلة الحيلة أمامه هو، لأول مرة تعلم أنها بلا سند أو يد تمسح دموعها و تربت على ظهرها، ابتلعت ريقها بقهر و حسرة هامسة بنبرة متقطعة :
_ فاهمة مش هخرج، بس خرج محمد بلاش تسبب له أي أذى بسببي هو ملوش أي ذنب، بلاش تزيد على ظلمك لكل الناس ظلم…
شعر بنشوة لذيذة مع نطقها لإسم غريمه بلا كلمة زوجي، أزالت الملكية و هذا يرضي ما بداخله، ارتدي حزامه مجيبا ببرود قبل أن يخرج من الغرفة :
_ اسمعي الكلام و لما أبقى مزاجي رايق ممكن أخرجه، مش بس من الحبس تحت لأ ممكن كمان من البيت كله على رجله سليم و ده انجاز عظيم….
_____________
بعد عدة ساعات…
بمخزن بالبيت…
يعلم أن نهايته على يد وعد بيوم من الأيام، من ليلة أمس و هو ملقى بتلك الغرفة التي لا يرى بها حتى بصيص نور من الشرفة، ماذا فعل لكل هذا لا يعرف…
تنهد بعمق مع إغلاق باب المكان وراء أحدهم، أمامه احتمالين الخروج أو القتل و بكلا الأحوال ستكون نهاية هذا السجن…
جلس من دلف على أحد المقاعد فقال بسخرية :
_ منور يا أستاذ محمد..
أجابه الآخر بمرح متوتر :
_ منور ايه يا باشا أنا مش شايف حاجة هو هنا مفيش نور على الأقل نتعرف على بعض…
أردف سند بضيق :
_ لأ في بس أنا مليش مزاج له، خلينا نتكلم مع بعض شوية في هدوء، قولي بقى مالك و مال الهانم الصغيرة قربت منها أصلا ليه؟!..
بالبداية لم يعرف من هي، إلا أن طيفها الرائع مر أمام عينيه ليبتسم بشكل تلقائي مثل الأحمق قائلا :
_ هي جت و طلبت مني ندور على عروستها همت الصغيرة قعدت أدور معاها و لما فقدت الأمل قولتلها هجبلك واحدة جديدة فضلت تصرخ لحد ما لقيت رجالتك جايين بيا هنا من غير أسباب…
تعجب سند من حديثه هل شقيقته ذهبت إليه بنفسها رغم أنها تخاف من الجميع، و فوق كل هذا و ذاك نبرة صوته التي ربما سمعها من قبل و يعلم هوية صاحبها، قام من مكانه مردفا و هو يقترب من زر الإضاءة :
_ هنا في قواعد يا أستاذ و أولها إنه ممنوع خروجك من الشقة إلا بأمر مني عشان كدة أنت هنا، تقدر تقول قرصة ودن…
_ هو إحنا في مدرسة مش هنطلع إلا بإذن المدير؟!..
قهقه سند بطريقة لا تمت للمرح بصلة ثم قال بعدما أضاء المكان :
_ لأ مش في مدرسة، أنت في دار الكبير في كفر عتمان الكبير، خليك هنا يومين تلاتة لحد ما تعرف تعيش هنا إزاي طالما مطول معانا يا جوز الدكتورة…
أخذ محمد ثواني مغلقا عينيه ليعتاد على الضوء بالمكان ثم فتحها قائلا بغضب :
_ سند بيه أنا مش شغال عندك و لا حتى مراتي ، دي فترة مؤقتة و هنمشي بس طالما دي طريقة الحياة هنا نبقى نمشي من دلوقتي… و شكرا جداً لحد دلوقتي على كرم الضيافة يا كبير…
_ فاكر نفسك ممكن تخرج من هنا تبقى بتحلم..
قالها سند و هو يدور بوجهه إليه لأول مرة يرى غريمه وجها لوجه عن قرب، ماذا بهذا الأحمق حتى تهرب منه و تأخذه هو ؟!.. الغباء كله منه لأنه صدقها بالماضي عندما رفضت عقد قرانه عليها بحجة أنها تريد عقد القران ليلة الزفاف…
أول ما عينه وقعت على زوجها أصابه الجمود غير مصدق لما يراه، أردف بتردد و بلا وعي :
_ أنت… حمد…
____________

يتبع…..

reaction:

تعليقات