رواية براثن اليزيد الفصل الثاني و الثلاثون 32
أربعة أشهر مروا سريعًا لم يشعر بهم أحد، لأن الأجواء كانت مليئة بالسعادة والحب، لا يعكر صفو حياتهم سوى بعض الأشياء اللازم وجودها في حياتنا كما أي شخص..
أصبحت مروة في بداية الشهر التاسع من حملها، لقد استرجعت كل ما فقدته في غياب زوجها عنها، هو من أهتم بها بالكامل، كل شيء يخصها كان هو المشرف عليه، ليضمن سلامتها وسلامة طفله القادم..
استعادت السعادة والفرح الذي غاب عنها في غيابه، رأت حياتها بشكل مختلف بعد عودته إليها وأيضًا وهي تشعر بطفل منها ومنه يكبر داخل احشائها..
لم تكن تستطيع أن تشعر بأنها عادت إليه وأصبحت زوجته مرة أخرى بسبب خوفها وقلة ثقتها به، بسبب عدم شعورها بالأمان جواره بعدما حدث ولكن هو غير كل شيء، رأته “يزيد” زوجها وحبيبها ووالد طفلها، رأته من عشقته بحنانه ورجولته..
الآن تعيش معه حياة زوجية سعيدة بعيد عن عائلته وعائلتها، بعيد عن قيل وقال فقط هي وهو..
بينما هو لا يستطيع وصف شعور السعادة وهي جواره، حقًا كانت روحه بعيده عنه في بُعدها، لم يكن يتخيل نفسه أن يعشق إلى هذه الدرجة!..
حياته وقفت عليها بالمعنى الحرفي، يذهب لعمله صباحًا، يعود ليرى العاملة التي أحضرها لها لتكون جوارها، يساعد زوجته فيما تحتاج، يشرف على دوائها.. كل شيء هو كان يفعله لها.. ولا يستطيع شرح حالته ومدى سعادته بوجودها..
دق باب منزل والدها فوقفت شقيقتها على قدميها لتذهب وتفتح الباب بينما “يزيد” وقف من مكانه وذهب ليجلس جوارها على الأريكة ثم مال عليها وتحدث قائلًا بجدية:
-ما يلا نروح بقى يا مروة كفاية كده
نظرت إليه بجدية ثم أردفت قائلة وهي تعود بظهرها للخلف:
-حاضر يا حبيبي بس أما بابا يطلع من تحت نسلم عليه ونمشي
اعتدل في جلسته وهو ينظر إلى باب الغرفة عندما رأى ذلك البغيض يقف أمامه، ابن عمها والذي أصبح زوج شقيقتها بعد عقد القرآن منذ أسبوع مضى، تحولت ملامح وجهه للضيق وقد كان هذا واضح وبشدة ثم نظر إلى زوجته ووضع يده على كتفها يرفع قماش فستانها الذي انخفض عنها ليظهر عنقها وكتفها الأبيض بسخاء..
نظرت إليه مبتسمة بهدوء محاولة أن تعلم ما الذي يفكر به بعد رؤية “تامر” وتلقي إليه نظرة أيضًا بألا يتمادى معه، تقدم منهم “تامر” قدم يده إلى “مروة” يسلم عليها ثم انتقل إلى “يزيد” والذي رفع يده بعد وقت بعدما نظرت إليه “مروة” تحثه على ذلك بعصبية..
جلس “تامر” معهم بعدما تسألوا عن أحوال بعضهم، وجدت “مروة” أن زوجها لا يتجاوب ويبدو عليه الغضب الشديد من بعد رؤية “تامر” حقًا لا تعلم لماذا لا يحبه هكذا فهو طيب القلب ولم يفعل له أي شيء سيء بدون أسباب، ولكن تفاديًا للمشاكل يجب أن يذهبوا..
مالت عليه وتحدثت بصوت خافض قائلة بجدية بينما شقيقتها منشغلة مع زوجها:
-أنا بقول نمشي أحسن، هروح الحمام يكون بابا طلع ونمشي على طول
نظر إليها مبتسمًا بهدوء وبراءة لا تُحكى وللحق قد خافت منها للحظات، وقفت بهدوء وهي تستند على يده الذي رفعتها ثم ذهبت خارجة من الغرفة لتذهب للمرحاض..
خرجت بعد لحظات من المرحاض متوجهة للمطبخ ورأت شقيقتها به، نظرت إليها ثم تساءلت بهدوء وهي تتقدم للداخل:
-بتعملي ايه
أجابتها الأخرى وهي تفرغ العصير في الاكواب أمامها بهدوء:
-بجيب حاجه يشربوها
تقدمت مروة للداخل، أفرغت بعض المياة في كوب ورفعته على فمها لتروى عطشها ثم استمعت إلى صوت ارتضام حاد في الخارج، أخفضت الكوب ونظرت إلى شقيقتها بدهشة ثم خرجت كلتاهما سريعًا ليروا ما الذي يحدث..
دلفت “مروة” ومعها شقيقتها إلى غرفة الصالون لتجد “يزيد” يجلس فوق جسد “تامر” مكبلة بقدميه يسدد له اللكمات في وجهه بشدة وقوة
صرخت فيه بحدة وهي تتقدم إليه بعصبية وجنون وقد خافت على ابن عمها في تعرف زوجها جيدًا:
-يزيد أنتَ اتجننت سيبه
أمسكتها شقيقتها سريعًا خائفة عليها من طيشهم هم الاثنين عندما وجدت “تامر” دفع يزيد عنه ليعود للخلف وقد اصطدم رأسه بحافة المقعد الخشبي، وقف “تامر” على قدميه ثم جذب “يزيد” من قميصه مسددًا له لكمة لم يستطع صدها له بسبب ألم رأسه الذي كان يفتك به..
صرخت “مروة” مرة أخرى وهي تدفع “ميار” عنها قائلة بحدة وخوف على كلاهما:
-سيبيني يا ميار دول هيموتوا بعض
لم تتركها شقيقتها بل تمسكت بها أكثر لتبعدها عنهم وهي ترى “يزيد” يدفع “تامر” للجلوس على المقعد مسدد له لكمة أخرى أسفل عينه اليمنى:
-اسيبك ايه أنتِ مش شايفه عاملين إزاي، وهما مش هيرجعوا غير لما كل واحد يفضي اللي عنده
لكمة خلف أخرى ودفعة خلف أخرى وهي تصرخ بهم لعل أحد يرضخ لها ويكتفي مما يفعله ولكن ليس هناك مُجيب إلا عندما اكتفوا هم بأنفسهم، وقع “تامر” على الأرضية ممدد جسده عليها لا يتحرك بينما جلس “يزيد” جواره يسند رأسه إلى الأريكة خلفه ويزيل بيديه خط الدماء الذي خرج من شفتيه..
نظر إلى “تامر” مبتسمًا ليبادله الآخر الابتسامة ثم أصبحت ضحكات عالية لم يفهمها أحد سوى “ميار” و “تامر” ومعهم “يزيد” أما “مروة” وقفت تنظر ببلاهة إليهم كيف يضحكون بعد هذه المعركة!..
تحدثت “ميار” وهي تقف جوارها قائلة بابتسامة عريضة وعقلانية:
-كده بقوا صافي يا لبن
وقف “يزيد” على قدميه ثم جذب “تامر” من يده ليقف ثم عانق كل منهم الآخر وهم يضحكون فاستمع “يزيد” إلى صوت زوجته تتحدث بانزعاج:
-يزيد يلا أنا عايزة أمشي
أبتعد عن “تامر” ونظر إليها بهدوء وهو يعلم أن فعلته لن تمر مرور الكرام معها، استمع إلى صوت شقيقتها تقول:
-ليه بقى دا القاعدة هتحلو بعد الصلح ده
استدارت بجسدها ثم قالت وهي تتقدم إلى الباب لترحل بعد أن أخذت حقيبتها:
-معلش أنا تعبت وعايزة أمشي
نظر زوجها إليها وهي تختفي فتقدم خلفها ليذهب، استمع إلى صوت “تامر” يقول بسخرية وضحك:
-هدعيلك الليلة تعدي عليك بسلام
ابتسم له ثم رحل وهو يفكر كيف سيجعل تلك المجنونة تفهم ما حدث..
تقدمت “ميار” من “تامر” مبتسمة بسخرية وتهكم ثم قالت:
-لأ بس كان باين عليك جامد ويزيد بيعمل منك بوفيتك
تقدم إليها هو الآخر بانزعاج وهو يقول بسخرية وحدة:
-نعم ياختي اومال اللي أنا عملته ده كان ايه
جلست على الأريكة لاستفزازه وتحدثت ببرود قاتل:
-لأ بس بصراحة يزيد كان أجمد خلاك تشوف شوية لكاكيم محصلتش
-بقى كده؟.. طيب
تقدم منها وهو يتوعد إليها فوقفت سريعًا تركض من أمامه وهي تعتذر قائلة بأن “يزيد” هو من خسر وأن زوجها هو من كان الأقوى في ذلك اللقاء الذي أخرج فيه كل منهم ما كان يكنه للآخر حتى يستطيعوا أن يكملوا حياتهم مع بعض بصورة طبيعية..
____________________
فتح باب المنزل بالمفتاح الذي معه، دلفت إلى الداخل ودلف هو خلفها ثم أغلق الباب وهو يبعد نظره عنها قدر الإمكان، طوال الطريق وهي صامتة لا تتحدث فقط تنظر إلى الأمام وقد كان الانزعاج يظهر عليها بوضوح، تصرفه بالنسبة إليها تصرف طائش مجنون ربما، ولكن هو هكذا شعر بالراحة الشديدة، لقد توعد أن يرد له تلك اللكمة التي أعطاه إياها في المشفى وكان من قبلها حتى يريد أن يفعل ذلك، وعاد الأمر بالنفع عليهم هم الاثنين لأنهم تخلصوا من حمل الكراهية داخل قلوبهم، أو ربما لم تكن كراهية لنقول أنه كان عدم قبول بينهم والأن الأمر سيصبح طبيعيًا..
ربما عليها أن تفرح لأنهم مؤكد سيلتقون في كثير من المناسبات وهذه المشاجرة ستمنع حدوث أشياء كثيرة..
دلف إلى داخل غرفته عندما وجدها جلست في الصالون وفتحت التلفاز، دلف إلى المرحاض وهو يحل أزرار قميصه ليخلعه عنه، وقف أمام المرآة وقد رأى أن هناك دم أسفل شفتيه وبها فتحة ظاهرة بوضوح، بالإضافة إلى تلك الكدمه البسيطة تحت عينه اليمنى وألم رأسه ولكن على أي حال فهو أفضل بكثير من “تامر”..
عند تذكره ابتسم باتساع وهو يتذكر كيف سدد اللكمات له بحرافية ونال منه، ربما سيحتاج ليأجل زفافه الآن..
خرج إليها بعد أن أغتسل وبدل ملابسه، جلس على المقعد المقابل لتلك الأريكة التي تجلس عليها، نظر إليها من الحين إلى الآخر ثم تحدث بعد وقتٍ قليل قائلًا بجدية سائلًا إياها:
-في ايه بقى البوز ده هيفضل كتير؟..
أدارت وجهها ناحيته لتنظر إليه بتهكم رافعة إحدى حاجبيها مُجيبة إياه بسخرية:
-وهو المفروض يكون فيه حاجه تانية غير البوز ده؟
ابتسم بتهكم مثلها وتحدث بلا مبالاة وهو يعود للخلف بظهره:
-آه المفروض
انزعجت من ذلك البرود وتلك الابتسامة فردت عليه بحدة وعصبية وهي تتذكر ما فعله بمنزل والدها:
-أنتَ بتستعبط ولا ايه تصرفك ده تصرف صبياني طايش
اعتدل وتقدم للإمام مشبكًا أصابع يديه ببعضهم سائلًا إياها باستغراب ودهشة قائلًا:
-ليه شيفاني مراهق؟..
وقفت على قدميها أمامه ثم ووضعت يدها الاثنين بخصرها تنظر إليه بدقة ثم سألته قائلة:
-طيب طلما أنتَ مش مراهق ليه عملت كده
مرة أخرى يبتسم باتساع وهو يراها هكذا، لماذا تعطي الأمر حجم أكبر من حجمه؟.:
-وليه متقوليش أن هو اللي بدأ مش أنا.. الله
ابتسمت بسخرية شديدة متحدثة بثقة وتأكيد وهي تقول بحدة رافعة يدها أمام وجهه:
-لأ يا حبيبي مش هو، صحيح مكنتش موجودة لكن أنا عارفه جوزي كويس
استمعت إلى ضحكاته العالية عقب كلماتها، نظرت إليه بضيق وانزعاج شديد، رأته يعود برأسه للخلف وهو يضحك بقوة فهتفت اسمه بحدة ليقول غامزًا لها بعينيه الوقحة محاولًا السيطرة على نفسه:
-طب وجوزك شاطر في ايه تاني
صاحت بحدة وهي تضرب الأرض بقدمها بعصبية شديدة هاتفه اسمه بقوة:
-يــزيــد
نظر إليها بخبث ومكر قائلًا بجدية جعلها تبدو حقيقية للغاية كي يتخلص من تذمرها هذا:
-غرضي شريف وحياتك، بطمن عليكي معايا خايف أكون مش بعرف أعمل حاجه غير الضرب
أطلقت تآوه عالٍ من بين شفتيها ووضعت يدها على بطنها المنتفخة للغاية ثم انحنت قليلًا على نفسها، وقف سريعًا من مكانه متوجهًا إليها بعد أن شعر بالخوف والقلق من ذلك التغير المفاجئ لها، رفع رأسها للأعلى وأبعد خصلاتها للخلف قائلًا بلهفة وخوف شديد ظهر عليه الآن:
-مالك فيه ايه حاسه بوجع؟..
أجابته بحدة وهي تدفعه في صدره بعيدًا عنها قائلة بعصبية وحنق منهم هم الاثنين:
-السافل اللي جوا ده مش بيبطل ضرب فيا.. سافل زي واحد أعرفه
انحنى “يزيد” وجلس على ركبته اليمنى فـ بقى وجهه أمام بطنها تمامًا ووضع يده عليها وابتسم وهو يشعر بحركة ابنه داخل بطنها ولم تكن هذه أول مرة يشعر بوجودة وحركاته داخلها، تحدث بحنان وحب قائلًا:
-الباشا ده يعمل اللي هو عايزه
-ما أنتَ مش خسران حاجه
وقف أمامها مرة أخرى أمسك بكف يدها ثم رفعه إلى فمه ليقبله بحنان ولين، نظر إلى عينيها الجميلة ذات السحر الخاص به، أردف بجدية وهدوء:
-على فكرة الموضوع مش مستاهل العصبية دي، أنا واخده بهزار معاكي لأننا أكيد مش عايزين نتخانق مع أنك احرجتيني قدامهم
تحدثت هي الأخرى مثله بهدوء وجدية لتجعله يفهم مدى السوء بذلك الفعل الصبياني:
-وأنتَ كمان احرجتني عايزني أعمل ايه لما ادخل ألاقيك قاعد فوقه ونازل فيه ضرب ده لو مكنش علشان ابن عمي يبقى علشان جوز أختي على الأقل
أردف هو الآخر وهو يوضح لها أهمية ذلك الشيء الذي قاموا به معًا للصلح بينهم:
-على فكرة ميار مزعلتش وكانت متفهمة وعارفه ليه عملنا كده على عكسك.. إحنا مش بنطيق بعض وأنتِ عارفه كده كويس الخناقة دي كل واحد خرج اللي عنده للتاني وهنبقى كويسين المفروض تفرحي لأن أكيد هنتجمع في مناسبات كتير ومش عايز يبقى فيه حاجه بنا
سألته مضيقة عينيها وهي تعلم الإجابة ومتأكده منها ولكنها تود أن تسمعها منه:
-مين اللي بدأ وليه
ضحك مرة أخرى بقوة، هي تعلم من الذي قام بذلك لما تتساءل الآن؟. نظر إليها وتحدث وهو يقدم نفسه إليها بطريقة مسرحية:
-جوزك يا روحي… حسيت أني محتاج اضربه فقومت وروحت مديله بالبوكس في وشه
-مجنون والله
أبتعدت عنه بعد أن قالت تلك الكلمات ثم ذهبت للداخل لتبدل ملابسها، بينما جلس هو مكانه مرة أخرى ينظر إلى التلفاز، ثواني واستمع إلى صوت هاتفه يعلن عن وصول مكالمة، ذهب إلى تلك الطاولة جوار باب المنزل الذي وضع عليه الهاتف والمفاتيح بعد دخوله..
وجدها شقيقته من تحادثه، أجاب عليها وتحدث معها بمرح وسعادة وانتقل منها إلى زوجها “سامر”، خرجت “مروة” من الغرفة وطلبت منه أن تتحدث إليها..
أخذت الهاتف وجلست على الأريكة لتقول بمرح وسعادة:
-ناس معفنة بصحيح لسه فاكرة تسألي علينا..
أجابتها مرة أخرى وهي تضحك بصوت عالٍ:
-لأ شهر العسل شكله جامد واخدك مننا
ضحكت معها مرة أخرى وهي تستمع إلى كلماتها ثم أجابت على سؤالها بهدوء وجدية:
-آه الأسبوع الجاي
استمعت إلى صوت الأخرى تسألها باهتمام أكبر:
-امتى علشان نيجي
-لأ لسه مش عارفه امتى بالظبط الدكتورة قالت إنه الأسبوع الجاي أكيد بس هروح يوم السبت علشان تحدد اليوم ممكن يكون تاني يوم أو في نص الأسبوع الله أعلم لسه مش عارفه
تحدثت معها قليلًا ثم ودعتها وأغلقت الهاتف لتنظر إلى “يزيد” الذي كان يشاهد التلفاز وقالت بعد تفكير:
-يزيد أنا جعانه.. قوم اعملي حاجه أكلها
نظر إليها بهدوء ثم وقف على قدميه دون حديث وذهب باتجاه المطبخ، استدار إليها يقول بحب وهو يقف بعيد:
-عيوني ليكي
ابتسمت بوجهه برقة ثم أجابته:
-يسلموا عيونك الحلوين
____________________
“بعد أسبوع”
قلبه يخفق بقوة، لا يدق بهدوء وانتظام بل بسرعة شديدة لا يعلم من أين أتت، عقله لا يقف عن التفكير، خائف وبشدة، مشاعر كثيرة تداهمه لا يستطيع شرحها بالتفصيل ولكن جميعها خوف وقلق..
وقف في الرواق أمام غرفة العمليات يأتي ويذهب بقلق شديد، يضغط بيده على بعضهما، ومرة أخرى يضع يديه بخصره، ثم يقف بعيد يخلل يده في خصلات شعره بعنف..
لا يستطيع أن يتوقف عن ذلك أنه يشعر بأن روحه دلفت معها إلى الداخل، يعلم أنهم سيكونوا بخير ولكن مع ذلك هو قلق وخائف..
أنها في الداخل منذ وقت طويل جدًا أعتقد أنها لن تأخد كل ذلك الوقت ولكن قد أخذت، الجميع يجلس هنا شقيقتها وصديقتها “نهى”، “تامر” ووالدها..
عاد إليهم مرة أخرى ليقترب من باب غرفة العمليات محاولًا أن يسترق السمع لما يحدث ولكن لا جدوى في ذلك..
شعوره غريب، متضارب لا يفهم ما هو فقط يريدها الآن في هذه اللحظة أن تخرج هي وطفله من الداخل بخير..
وقف “تامر” جواره والذي كان يشعر بقلقه بينما كان والدها يقرأ في مصحف صغير في يده وشقيقتها منشغلة مع صديقتها، تحدث بعد أن وضع يده على كتفه قائلًا بهدوء داعمًا إياه:
-متقلقش هيبقوا بخير بإذن الله
أومأ إليه بالايجاب وابتسم بوجهه وهو يعلم أن كلماته صحيحة بإذن ربه، ذهب بعيدًا مرة أخرى وهو يرفع رأسه للأعلى متمتمًا بين نفسه باسم الله وذكره العظيم:
-يارب
في تلك اللحظة استمع إلى صوت بكاء صغيره!.. لقد خُلق، أنه الآن موجود معهم!..
سريعًا دون التفكير ذهب إلى الباب مرة أخرى ليسترق السمع ويستمع إلى صوت صغيره!.. بينما وقف الجميع جواره يبتسمون بسعادة غامرة، وقد حلت عليهم حقًا أكثر من السابق بحلول ذلك الصغير..
______________
-آه، أيوه.. خبيث
كلمات متقطعة خرجت من بين شفتيها دون دراية منها وهي مازالت تحت تأثير المخدر، ابتسمت “ميار” وهي تستمع إليها بينما وقف زوجها جوارها يمسك بيدها ويمرر يده الأخرى أعلى رأسها..
تحدثت مرة أخرى وهي تنظر إلى الأعلى بعين “يزيد” الواقف جوارها وقالت بضيق:
-سافل.. عايز فرصة
وقفت “ميار” وذهبت لتقف جوارها الناحية الأخرى هتفت باسمها لتستدعي انتباهها ولكنها أكملت حديثها قائلة:
-فرصة ويبقى سافل وقليل الأدب
وضع يزيد يده سريعًا على فمها فهي على وشك التحدث في أمور خطأ، هو أدرك أنها ستفعل ذلك لأنها لم تكن تقول له هذه الكلمة إلا في مواقف معروفة بالنسبة إليهم:
-يخربيتك هتفضحينا اسكتي
خرجت ضحكات “ميار” العالية عقب كلمات زوج شقيقتها لتستدعي انتباه زوجها ووالدها، نظروا إليها باستغراب فلم يسمع أحد منهم ما قالته “مروة”..
أزاح يده عن شفتيها لتتحدث مرة أخرى وهي تبتسم ببلاهة وسخرية:
-عايز دسته عيال… ابقى هاتهم أنتَ
نظر إلى شقيقتها وأردف قائلًا بـ إرهاق وتعب شديد وبينما هناك ابتسامة على شفتيه:
-أعمل ايه في أختك اللي هتفضحني دي؟.
أجابته ضاحكة وهي تنظر إلى شقيقتها ثم إليه:
-موقفك صعب أوي الصراحة
سألها باستغراب بعد أن لاحظ عدم وجود صديقتها هنا، لقد انشغل بزوجته بعد أن خرجت من غرفة العمليات:
-هي صاحبتك مشيت
-آه علشان جوزها
استمعوا إلى صوت “مروة” من جديد تهلوس إلى يزيد معترفة إليه بشيء وهي تضحك بألم:
-علبة السجاير اللي لقيت عليها مايه… أنا اللي غرقتها في البحر
ضحك على حديثها وطريقتها وهو يضغط على يدها بين يده، تعتقد هي أنه لا يعلم؟. أنه يعلم منذ أن رأى علبة السجائر وهي بالمياه في حوض غسيل الصحون..
بقيت مروة على هذه الحالة لبعض الوقت وهي تحت تأثير المخدر تتحدث بكلمات أحيانًا لا يفهمها ولكن تجعله يبتسم بشدة هو وشقيقتها وقد كان يحمد الله أن والدها لا يستمع إلى شيء فقد قالت أشياء كثيرة لا تُحكى، يا له من تأثير فظيع..
ثم ذهب منها المخدر كليًا ليبقى الألم هو معها وهي تشعر بجرح بطنها الغائر بينما هو جوارها ولم يتركها..
تساءلت بهدوء وهي تنظر إليه قائلة:
-إياد فين؟..
أجابها بجدية وحنان وهو يراها بهذا الشكل الصعب لقد خضعت لعملية جراحية صعبة في بطنها:
-دكتور الأطفال بيكشف عليه يا حبيبتي
أغمضت عينيها بضعف مرة أخرى، بينما هو شدد على يدها لتسمعه يقول بقلق شديد متسائلًا:
-تعبانه أوي؟.
أجابته بحركة خفيفة من رأسها يسارًا ويمينًا وهي مغلقة عينيها وقد كانت تشعر بآلام الشديد نتيجة إلى ذهاب المخدر من جسدها..
ذهبت “ميار” ووالدها وزوجها للخارج حتى تستطيع “مروة” أن ترتاح قليلًا وبقى هو فقط معها..
دقائق أخرى مرت ثم دق الباب لتدلف إليهم واحدة من ممرضات المشفى تحمل الطفل بين يديها، دلفت إلى الداخل ووقفت حيث والده ثم هتفت قائلة بابتسامة:
-إياد يزيد الراجحي
ترك يد زوجته التي كانت فتحت عينيها بعد أن استمعت إلى تلك الكلمات، وقف على قدميه ثم نظر إلى الصغير بين يدي الممرضة، أعطته إياه ببطء، حمله على يده ببطء شديد وراحة غريبة سارت في جسده، ما هذا الشعور الغربب؟..
لقد شعر بفرح، سعادة، خفق قلبه بقوة، جسده ارتجف للحظة، لا يدري ما الذي يحدث ولكن ربما لأنه يحمل طفله بين يديه؟..
طفل كان يتمناه منذ زمن وقد أتى إليه من أعظم امرأة عرفها بحياته؟.، ما هذا الشعور؟. إنه رائع، أن يرى قطعه منه أمامه هكذا شيء لا يوصف..
إن يلمسه بيده ويعلم بداخله أن ذلك الصغير منه ومنها سويًا هذا قمة السعادة حقًا، لقد تجمعت الدموع داخل عينيه ولكنه حاول السيطرة عليها قدر الإمكان ليشعر بتلك اللذة التي وقعت عليه..
دقق النظر به، إنه صغير للغاية يكاد يختفي بين يديه، لا يوجد شعر كثير على رأسه يُعد على الأصابع، عينيه مغلقه ولكنها صغيرة وضيقه للغاية، أنفه صغير ويشبه أنف والدته، شفتيه بارزة يعتقد أنها مثله هو، ألم يأخذ منه سوى الشفاه؟.. وكانت بشرته بيضاء مثل والدته أيضًا.. ابتسم “يزيد” وهو يقترب منها ليجلس جوارها على الفراش..
أنزل الطفل بين يديه إلى مستواها لتستطيع أن تراه بوضوح، ظلت تنظر إليه وهي تبتسم بسعادة ممررة يدها بحنية على وجهه..
خرجت الدموع من عينيها دون قصد ولكن فرحتها به لا توصف ومشاعرها تجاهه لا تستطيع أن تعرف ما هي..
أنها أشياء كثيرة غريبة ولأول مرة تشعر بها ولكن جميعها تشير إلى السعادة والراحة الشديدة..
تحدثت وهي تزيل دموعها قائلة بابتسامة عريضة بينما تنظر إليه بحبٍ شديد وشغف رائع:
-شفايفه زيك بالظبط
ابتسم هو الآخر وتحدث بسخرية قائلًا بينما ينظر إليها وإليه:
-مش فاهم يعني هو ملقاش حاجه يخدها مني غير شفايفي، عايز يبقى عامل بوز البطة طول الوقت
ضحكت بصوتِ عالٍ على كلماته، ثم سريعًا ضغطت بأسنانها على شفتيها حتى لا تضحك هكذا فذلك يتعبها وبشدة..
رفعه “يزيد” بهدوء ثم وضعه في ذلك الفراش الصغير الخاص بالأطفال، وتوجه إليها جلس جوارها وتحدث قائلًا بحبٍ وحنان كبير:
-حمدالله على سلامتك يا حياتي
ابتسمت بهدوء واجابته بينما تتذكر أنه قالها كثيرًا:
-الله يسلمك بس أنتَ قولتها كتير أوي
أمسك بيدها ورفعها إلى فمه يقبلها باشتياق وشغف وكأنه لا يصدق وجودها معه ثم تحدث قائلًا:
-مش مصدق أن بقى فيه ولد مني ومنك… كنت مفكر أن عمري ما هشوفه
ضغطت على يده قائلة بجدية وهي لا تود تذكر تلك الأيام ولا أي شيء بها:
-ممكن تنسى اللي حصل.. خلينا هنا
أومأ إليها برأسه مؤكدًا حديثها ورفع يدها إلى فمه ليقبلها مرة أخرى بشغف واشتياق جارف بادلته إياه، دق الباب ثم دلفت إليهم شقيقتها التي توجهت نحو الطفل قائلة بابتسامة عريضة:
-قمر أوي بجد… بابا مكنش عايز الممرضة تدخله ليكم كان عايز يقعد بيه
ابتسموا بسعادة ثم تحدثت “مروة” قائلة بضيق بعد أن تعبت من هذه الوضعية المجبرة:
-يزيد ارفعني شويه عايزة أقعد تعبت
وقف ثم وضع وسادة عريضة فوق رأسها لتكون خلف ظهرها عندما تجلس وتريحها، وضع يده حول جسدها محتضنًا إياها ليستطيع التحكم بجسدها ورفعه، جذبها إلى الأعلى قليلًا فصاحت بصوت عالٍ وقد اجتاحها الألم:
-يـزيـد.. براحه، براحه
وضعت يدها الاثنين على ذراعيه تضغط عليهم بقوة وقد اشتد الألم بسبب حركتها، هتف قائلًا بخوف:
-ملحقتش ارفعك يا مروة اهدي
تحدثت “ميار” قائلة بجدية وهي تتجه لتساعده عندما حركها هكذا مرة واحدة:
-لأ براحه هي هتحتاج معامله خاصة شوية لأن الجرح بيشد عليها
كان وجهه قريب من وجهها للغاية وهو مازال محتضن جسدها كي يرفع وهي تضغط بكلتا يديها على ذراعيه بسبب الألم، نظر إليها قائلًا بندم:
-أنا آسف يا حبيبتي مش قصدي
أغمضت عينيها بضعف واراحت رأسها قرب صدره بينما أتت “ميار” وساعدته بهدوء في رفعها إلى الأعلى قليلًا دون أن يهتز جرحها حتى لا يشتد عليها مسببًا لها الألم..
دلف “تامر” ووالدها إلى الداخل، ذهب والدها وجلس جوارها يتحدث معها بهدوء وذهب “يزيد” يجلس جوار “تامر” على الأريكة ثم وضع يده على ركبته قائلًا بسعادة:
-عقبالك يا أبو نسب
-يارب ياعم بس كده الفرح اتأجل خلاص
نظر إليه “يزيد” مبتسمًا بسخرية شديدة وتحدث بتهكم صريح قائلًا له وهو يشير إلى وجهه:
-اتأجل علشان مروة ولدت ولا علشان اللي في وشك ده
لقد اختفت الآثار الذي كانت على وجه “يزيد” أما “تامر” يختفى تدريجيًا ولأن حالته كانت أسوأ من “يزيد” إلى الآن لم تختفي كليًا، نظر إليه بضيق وانزعاج ثم قال:
-لأ علشان جمالك أنتَ ومراتك
ضحك “يزيد” بصوتٍ عالٍ وبادله الآخر الضحك أيضًا، اقتربت عليهم “ميار” وجلست على المقعد أمامه ثم قالت موجهه حديثها إلى زوج شقيقتها:
-يزيد أنا هاجي أقعد معاكم الفترة دي لحد ما مروة تكون كويسه
وافقها الرأي سريعًا مؤكد حديثها فهو يحتاج لشخص آخر معه بعد ما علم ما تعانيه:
-آه أكيد الموضوع صعب شويه أكيد هنحتاجك
نظر إليها “تامر” بانزعاج شديد، كيف لها أن تذهب وتجلس معهم في نفس البيت، كيف ستبقى هناك مع شخص غريب عنها تجلس وتأكل وتنام، حتى أنها لم تقول له ما تنويه تحدثت فقط!..
رأته ينظر إليها بانزعاج فجأة لا تدري لما، وقف “يزيد” ليذهب إلى زوجته ويرى كيف حالها الآن قبل أن تأتي الطبيبة لتراها مرة أخرى..
جلست “ميار” جوار زوجها وسألته بجدية واستغراب رُسم على ملامحها:
-مالك ملامحك اتغيرت فجأة كده
تحدث بخفوت ونظرة حادة قليلًا سائلًا إياها باستغراب ودهشة:
-أنتِ إزاي هتروحي هناك ويزيد معاها وإزاي تقعدي هناك أصلًا
أجابته بدهشة واستنكار هي الأخرى ولم تفهم ماذا يريد من هذا الحديث:
-يزيد ده جوز أختي لو مش واخد بالك وأختي محتاجه ليا
أردف بخفوت وهدوء مُجيبًا إياها بعد أن زفر بضيق:
-مقولناش حاجه لكن تروحي تقعدي وتباتي طب إزاي يعني
-ومين قال إني هبات.. أنا هروح الصبح وأرجع بالليل، أنا عارفه كويس أن ماينفعش لكن عايزة أقولك أن يزيد عمره ما بصلي ربع بصه كده ولا كده وأكيد أنتَ واثق فيا
ابتسم بهدوء ثم قال بجدية:
-على فكرة أنا أقصد علشان راحتك، وعارف الكلام اللي بتقوله لكن ده شيء غصب عني ماقدرش أصلًا اقبله
أومأت إليه بهدوء وتفهمت ما قاله جيدًا لأنه معه حق هو زوجها وله حق في ذلك، يجب ألا تنام في بيت رجل غريب عنها حتى ولو كان “يزيد”..
جلسوا سويًا لبعض الوقت، وبعد خروج الطبيبة دق الباب ليجد والدته تدلف إلى الداخل مبتسمة بفرح ومن خلفها شقيقه الأكبر..
دلفت والدته للداخل وهي تهلل متحدثة بصوتٍ عالٍ وكأن السعادة لا تسعها الآن بسبب إنجاب ولدها طفل:
-يا ألف نهار أبيض يا ألف نهار مبروك
تقدمت من يزيد الذي وقف على قدميه من جوار زوجته ثم جذبته لاحضانها بسعادة كبيرة مربته على ظهره وهو يبادلها العناق مبتسمًا بهدوء:
-ألف مبروك.. دا يوم المنى إني أشيل ابنك على ايديا
تركته وتوجهت إلى زوجته الجالسة على الفراش تستند بظهرها للخلف، نظرت إليها مبتسمة ولكن بخجل حاولت قدر الإمكان أن تتخطاه، مالت عليها لتحتضنها هي الأخرى كما ابنها فبادلتها “مروة” مبتسمة بهدوء شديد وقد اعتقدت أنها لن تبادلها..
وأعتقد “يزيد” ذلك أيضًا ولكن زوجته يومًا بعد يوم تبهره بطيبة قلبها وحنانها الدائم على الجميع..
تحدثت والدته لها وهي تبتعد عنها بهدوء ناظرة إليها بندم شديد لم يتركها إلى الآن:
-ألف مبروك يا بتي ألف مبروك حمدالله على سلامتك
أجابتها “مروة” بخفوت وهي تنظر إليها مبتسمة بـ إرهاق شديد:
-الله يسلمك
توجهت من بعدها إلى فراش الصغير لتقف أمامه وتراه وهو نائم لا يدري بأي شيء يحدث من حوله، لقد كان صغير للغاية يحمل ملامح من والده ووالدته معًا لقد تبينت ذلك، ترقرق الدمع داخل عينيها وهي تراه أمامها، طفل تمنته منذ زمن تحمله لابنها..
نظرت إلى ولدها وهي تود البكاء بشدة وتحدثت بخفوت وكأنها تطلب الأذن منه لكي تقوم بحمله على يدها:
-أشيله؟..
أومأ إليها “يزيد” مبتسمًا بسعادة لتحول والدته هكذا، وكم كان يود أن تكون هكذا منذ البداية!.. لو كانت هكذا حقًا لكان كل شيء تغير وأصبح الأفضل على الإطلاق..
تقدم منه شقيقه وعانقه بشدة وهو يبارك له بخفوت ونظرة حزن وألم ترتسم على ملامحه بسبب ما فعله سابقًا ولكنه يحاول رسم الابتسامة بصعوبة:
-ألف مبروك يا يزيد يتربى في عزك
ربت “يزيد” على ظهره بقوة ثم هتف عقب كلماته:
-ألف مبروك على الجوازة إن شاء الله قريب نبارك على الخلفه
أبتعد عنه ثم نظر إلى زوجته باحترام قائلًا بخجل وقد كان هذا أول لقاء لهم سويًا منذ ذلك اليوم المشؤوم:
-حمدالله على سلامتك
-الله يسلمك
نظر إلى والدته التي كانت تحمل الطفل بسعادة غامرة ووجهها يبتسم تلقائيًا وهي تحرك يدها بحنان على رأسه وتبتسم بفرح وقد وجد ذلك الطفل الحب الكبير في قلبها القاسي، وخلق بداية الحنان داخلها ليكون هو مالك قلبها الأول.
____________________
“بعد مرور أسبوع”
دلف إلى غرفة نومه وهو يضحك بصوتٍ عالٍ، توجه ناحية الفراش الذي كانت هي تتمدد عليه ثم جلس أمامها ممسكًا بيدها، وتحدث قائلًا بدهشة:
-مش معقول اللي بيحصل بره ده، أمي ماسكه في إياد ومش مخليه حد يشيله
ابتسمت بوجهة برقة وهدوء مجيبة إياه بصوتٍ هادئ:
-حاسه أنها كانت مستنياه أكتر مننا
تحدث بشغف وحب جارف، وقد لعب الاشتياق دوره معه وقال وهو يقترب منها:
-لأ أبدًا محدش استناه قدي ولا في حد فرحان بيكم قدي، فرحتي بيكم مفيش حد في الكون ده كله وصلها
ضغطت على يده وابتسمت بسعادة ثم قالت بضيق وانزعاج من أصوات الموسيقى العالية:
-صوت الأغاني ده وجع دماغي بجد
-الأغاني بس؟.. بودي اطلعك بره تشوفي أختك وأمي بيعملوا ايه
سألته باهتمام وقد كانت تريد معرفة الإجابة منه:
-صحيح ريهام بره؟..
وضع كفها بين يديه الاثنين ونظر إليها قائلًا بهدوء محاولًا شرح الموقف لها:
-بصراحة أنا اللي عزمتها، كانت عندي امبارح في المصنع في شغل متبادل في المكان اللي هي فيه حاليًا.. اعتذرت عن الحاجات اللي عملتها وبصراحة كده عديت الموضوع بس هي زي ماهي وعزمتها على السبوع النهاردة… اتمنى تصرفي ده ميكونش زعلك
ابتسمت بوجهة وحركت رأسها يسارًا ويمينًا دليل على عدم انزعاجها فأكمل هو موضحًا:
-مش هتشتغل معايا وكمان مش هيرجع كلامنا زي الأول مجرد سلامات بس من بعيد هي بردو كانت في يوم من الأيام صاحبتي وكنت بعتبرها زي يسرى
نظرت بعينيه ذات اللون الزيتوني الآن وتحدثت سائلة إياه بصوتٍ خافض وهي تبتسم بسخرية:
-مفكر إني هشك فيك ولا ايه
-لأ طبعًا بس أنا حبيت أقولك لأني أخدت عهد على نفسي مش هخبي عنك أي حاجه حتى لو كانت صغيرة
أومأت إليه ثم قالت:
-هات إياد شويه
وقف على قدميه وذهب إلى الخارج ليحضر الطفل إلى والدته، أتى به ودلف إلى الداخل مرة أخرى، وضعه على قدميها من بعيد وجلس أمامها كما كان ليراها تتحدث قائلة وهي تنظر إليه:
-شبهك أوي على فكرة
تذمر “يزيد” قائلًا بانزعاج وهو ينظر إلى طفله الذي لم يأخذ منه إلا شفتاه حتى عينيه تشبه والدته متعددة الاختلافات:
-شبهي ايه بس ده ماخدش مني حاجه غير بوز البطة ده
ابتسمت بسخرية وهي ترفع يده إلى وجه زوجها تمررها على خده براحه ثم قالت بتهكم:
-ربنا يكون في عونها اللي هتتجوزه
عاد إلى الخلف ينظر إليها باستغراب ثم أردف بجدية وانزعاج شديد اصتنعه:
-نعم ياختي مجبتش معاكي نتيجة بوز البطة ولا ايه؟..
أطلقت ضحكة رنانة من بين شفتيها وقد تآوهت بعدها بشدة لتضغط بأسنانها على طرف شفتيها وقالت له مبتسمة:
-ده كله إلا دي.. دي عملت أحلى شغل معايا
نظر إليها بدهشة واستنكار سريعًا أدرك كلماتها وهي تجاريه فيما يقصده ليصفق بيده الاثنين بقوة وهو يهتف عاليًا بمرح:
-بركاتك يا بطوط
ضحكت عليه وهو يفعل هكذا بيديه وحركاته سوقية للغاية، أقترب منها بهدوء وشغف بعد أن صمت ونظر إليها بحبٍ واحترام، قرب وجهه منها ليضع يده خلف رأسها يقربها إليه ثم طبع شفتيه على جبينها في قبلة حنونة للغاية..
وأنزل رأسه ليتجه ناحية طفله الصغير طابعًا قبلة أخرى أعلى رأسه مثلما فعل مع والدته ونظر إليها قائلًا بعشق خالص ونظرة حنونة شغوفة من عينيه الزيتونية لتقابل زُرقة البحر خاصتها:
-بحبك أوي يا مروتي، بحبك ومقدرش استغنى عنك لحظة واحدة
نظرت إليه بعينيها الساحرة الذي تسحره في كل مرة يقترب منها بها، وضعت يدها على جانب وجهه الأيسر تمررها عليها بحنان وحبٍ خالص تبادله إياه ثم قالت بهدوء وشغف:
-وأنا بموت فيك يا أبو إياد ومقدرش أبعد عنك لحظة واحدة
____________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية براثن اليزيد ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق