Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية براثن اليزيد الفصل الخامس و العشرون 25 - بقلم ندا حسن

       

 رواية براثن اليزيد الفصل الخامس و العشرون 25  

“وقد كان الحزن في هذه الليلة يسيطر
على الجميع والجميع هنا خاص
بـ “يزيد” و “مروة”
استكمل حديثه قائلًا بجدية شديدة بعد أن وقف على قدميه أمامهم:
-انتوا فعلًا أهلي، وأولى ليا بس أنا مش أولى ليكم.. ليه؟ مستكترين عليا الفرحة اللي أنا فيها؟
وقف أمام والدته سائلًا إياها باستغراب وحزن تلبسه منذ أن علم أنهم لا يريدون شيء سوى الانتقام والمال:
-مستكتره على ابنك الفرحة مع مراته؟ امتى شوفتيني فرحان؟ قوليلي يمكن مش فاكر؟ قوليلي أنا بقالي كام سنة وأنا حمار شغل ليكم؟ لحد ما بقى عندي تلاتين سنة وعمري ما فكرت اتجوز دا انتوا اللي فكرتوا ولما فكرتوا كان علشان مصلحتكم مش علشاني ووافقت.. وافقت بعد ما كلامكم غلبني بس هي وحبها وخوفها عليا غلبوني أكتر.. بتحبني أكتر منكم يا عالم
أجابته وهي تنظر إليه خائفة من أن يكون حديثه صحيح متغلبه على عرق الأمومة قائلة بجدية:
-محدش هيحبك أكتر من أهلك
صرخ بها بعنف وداخل قلبه يحترق لأجل كل شيء حدث معه:
-كدب، كل ده كدب انتوا محدش فيكم حبني هي الوحيدة اللي حبتني
استدار ليقف أمام شقيقه الذي من المفترض أنه الأكبر، ابتسم بسخرية وتكونت الدموع داخل عينيه محاولًا السيطرة عليها، تحدث قائلًا:
-الأخ الكبير أهلًا أهلًا، اللي مش بيفكر غير في نفسه ودلدول مراته
أتى ليتحدث بغضب حتى يصمت عن ذلك الحديث ولكن يزيد صرخ هو الآخر قائلًا:
-اسكت خالص.. متتكلمش خالص يا ابن الراجحي، ايه حرقتك ما أنتَ دلدول مراتك هو أنا قولت حاجه غلط ماهو ده اللي بيحصل كل يوم وفي كل ساعة وكل دقيقة وكل لحظة.. أنتَ عارف مراتك دي عملت كام حاجه تخرب البيوت العمرانه من وراك؟ طبعًا متعرفش ولو عرفت يعني هتعمل ايه؟.. ولا حاجه… بتحبوني إزاي دا أنتَ لما شوفت مراتي في اليوم إياه مغضتش بصرك عنها
نظر إليه بتقزز بينما أخيه أخفض وجهه بالأرض، ابتسم بتهكم ثم استدار إلى عمه والذي أتى دوره ليأخذ نصيبه من هذا الحديث القاسي:
-عمي الراجل الوقور الصالح.. يا مليون مرحب بيك، عارف يا عمي المفروض أنك الكبير العاقل الوحيد اللي فقد كتير بينا المفروض تقول لنفسك اتعظ لكن إزاي؟ أهم شيء الانتقام والفلوس.. مش كده؟
أبتعد عنهم جميعًا ووقف قبالتهم، نظر إليهم واحدًا تلو الآخر بهدوء والحزن يسيطر على جميع خلاياه، تحدث قائلًا بكسره وضعف:
-في ظل أنكم حسستوني أني مش مهم وانتوا شايفين سعادتي معاها.. يعني على الأقل كان المفروض تقدروا ده وتقولوا ده الواد فرحان خلاص بلاها الحكاية دي وخلوه فرحان لكن ده محصلش، هي بقى كانت بتعمل كل الحلو ليا.. كنت أنا بغلط وهي تتعذر، أضرب وهي تصالح، وأبعد وهي تقرب، هي الوحيدة اللي كانت عيلتي، هي اللي حسستني بالحب والحنان، الاهتمام..
نظر إلى والدته وأكمل مبتسمًا:
-الأمومة مش القسوة، وكانت الزوجة الصالحة بين كل ده، إزاي عايزاني أضحك عليها وابيعها كده بالساهل؟.
وضع يده بجيب بنطاله ووقف بشموخ بعد أن زال دمعه أرادت الفرار من حبس جفنه، تحدث بقسوة وجدية شديدة:
-اللي عايزينه مش هيحصل.. وأهي مراتي فوق اللي عايز يطلع يقولها يتفضل يروح وكده كده هي نص ساعة بالكتير وهقولها بنفسي كل حاجه من الألف للياء.. بس وديني ما واحد فيكم يعملها قبلي ويروح يقولها ما هيبقى ليكوا حد اسمه يزيد في الدنيا دي
نظر إلى والدته متحدثًا بحدة ونفس تلك القسوة ترافقه:
-تنسي أن ليكي ابن اسمه يزيد
ومن ثم نظر إلى شقيقه وأكمل:
-وأنتَ تنسى أن ليك أخ من الأساس، وديني وما أعبد ما هتشوفوا وشي مدا الحياة لحد ما أموت ولما أموت محدش فيكم واقف في عزايا.. ابقوا اعملوها بقى
بسرعة الرياح خرج من الغرفة وإلى خارج المنزل وعقله يكاد يتوقف عن التفكير، من كثرة ما وجد فيه الآن، لقد أخذ قراره اليوم ستعلم كل ما حدث، لن يصمت أكثر من ذلك، لن يدعها تضيع منه إلى الأبد سيقول لها كل شيء وينتهي ذلك العناء، سيذهب بها إلى أي مكان تطالب به حتى يبتعد عن الجميع..
بينما في الداخل نظرت والدته إلى ابنها الأكبر وهي تفكر في كلمات “يزيد” لقد كان يتحدث بحرقة وحزن لا يصف، لقد عانى ابنها كثيرًا وهي تزيد عليه معهم، منذ شهر وجدته مرهق، جعلتهم لا يتحدثون معه حتى يستريح، كان عليها أن تجعلهم لا يتحدثون أبدًا، لقد استمعت إلى كلمات تقطع الآن نياط قلبها، ابنها معه كامل الحق في حديثه، وهي معهم عليه كيف تعتذر منه، كيف تقول أنها كانت تريد أن تأتي بحق زوجها؟ عائلة زوجته تستحق أسوأ شيء ولكنها كانت تعاقب ابنها وليس تلك العائلة!..
_______________________
وقفت خلف باب الغرفة والدموع تجري على وجنتيها، قلبها يقرع كالجرس الذي وضع أحدهم إصبعه عليه دون أن يُحيده عنه، القهر والخذلان يسيطران عليها، لقد خذلها بأبشع الطرق، قابلته وهو متعجرف مغرور، تغير تدريجيًا أحبته إلى درجة لا توصف، عشقته، تطيق العمى ولا تطيق الأذى إليه ولو برياح تزعج عينيه، أحبته إلى درجة الجنون والهوس، عشقته إلى أن أصبحت لا تستطيع النوم سوى جواره، اعترفت بحبها إليه وهي متيقنة أنه يحبها، فعلت كل ما كان بوسعها لتعيش معه بسعادة، والآن فقط علمت لماذا لا يستطيع أن يبتعد عن أهله ويعيش معها بمنزله!.. لا تستطيع أن تصف كيف تحبه وتعشقه، كيف تخاف عليه كما لو أنه من تبقى لها من الدنيا وما فيها، لا تستطيع أن تصف أي شيء..
دلفت إلى داخل غرفة النوم ودموعها لا تتوقف عن النزول، نظرت إلى كل شيء فعلته بالغرفة، تلك الورود الحمراء الذي وضعتها بكل مكان، هذه الشموع المنتظرة لاشعالها، الفراش الموضوع عليه مكتوب منها إلى حبيب قلبها، زينة الجدران، معطر الجو الذي ينعش الغرفة برائحة الياسمين الذي يعشقها، ذلك الطعام الذي يحبه، مشروب الليمون بالنعناع أيضًا هناك..
دلفت بهمجية إلى الغرفة وسارت تبعثر كل شيء في الأرجاء، أمسكت الشموع من على الكومود والقتهم أرضًا، دعست الورود بقدميها وهي تبكي وتنتحب بصوتٍ عالٍ، أخذت المكتوب ومزقته إلى أشلاء ثم نظرت إليه بين يديها وسارت دموعها أكثر عندما علمت حجم الكارثة الذي أصبحت بها عندما نظرت إلى ذلك المكتوب!، ولكن لم تستطيع الصمود أكثر من ذلك، ألقت ما بيدها أرضًا ودفعت صينية الطعام بيدها ليتناثر على أرضية الغرفة، وتنكسر الصينية إلى أشلاء، بيدها ألقت كل محتويات المرآة لتتهشم وتصبح دون فائدة، ثم أخذت عطرها الخاص الذي يحمل رائحة الياسمين والقته ليتهشم وتتناثر قطع الزجاج على الأرضية مع الرائحة النفاذة، جذبت ملاءة الفراش والقتها أرضًا هي الأخرى ودعستها بقدميها عدة مرات، ثم ومن دون مقدمات هوت قدميها لتجلس بجانب الفراش..
جلست تبكي بقهر على كل لحظة مرت بحياتها معه، تبكي على ذلك الحب الذي اعتطه إياه، تبكي على كل شيء فعلته معه، نظرت إلى الفراش الذي كانت تنام عليه جواره، جوار شخص كان يريد سرقتها؟.. لم يكن آمين على أي شيء بها، لم يكن آمين على أي شيء يخصها، الشعور الملازم لها الآن ليس له وصف لقد كذب عليها، خدعها بحبه لها، كل ما فعله خدعه، كل تلك المشاعر خدعه؟ النظرات والكلمات؟ تلك اللحظات الحميمية أيضًا كانت خدعه؟ كيف فعلها؟ كيف تحكم بنفسه ليفعل كل ذلك؟ وضعت يدها على فمها عندما ازداد صوت بكائها.. الآن هي تائهة ولا تعلم ما السبيل للبعد عن كل ذلك؟..
داهم عقلها شيء واحد فقط وهو عمها، وقفت سريعًا على قدميها ومن دون التفكير خرجت من الغرفة، هبطت الدرج وخرجت من المنزل لتذهب إلى بيت عمها الآن سريعًا، لتعلم كل ما حدث بالماضي يجعله يفعل بها ذلك الأمر الشنيع..
بين بيت عمها بيت زوجها عشرة دقائق مشيًا على الأقدام، سارت ومازالت الدموع تخرج وكأنه أبواب السماء داخل عينيها فتحت لتمطر كل هذا الكم من الماء، تتذكر حديثه وتهديدات “فاروق” له بالحرف الواحد وهو يخضع حتى لا يفضح أمره، تتذكر كلمات الجميع لها وله وقد كان كل ذلك جزء من المسرحية عندما أراد الذهاب، يا له من وغد، هذا هو السبب الحقيقي للزواج إذًا!.. هذا هو الذي يعرفه الجميع ولا أحد يقوله لتكن المغفلة الوحيدة التي يأخذون منها ما أرادوا..
تتذكر ذلك اليوم الذي ظل يسأل به عن كل شيء تملكه لقد كان يريد معرفه أملاكها حتى يأخذها منها، تتذكر كل شيء الآن فقط فهمت ما الذي كان يحدث..
تتذكره وهو يوافقهم قائلًا أنهم أهم من أي شخص آخر..
لقد أحبته، أحبته بشدة ولا تستطيع العيش بدونه حتى الآن بعدما عملت كل شيء، أنه”يزيد” من جعل حياتها ترسم الابتسامة بنفسها ولكن كان يكذب، يخدعها لتقع بعشقه وتسلمه ما يريد بسهولة، لتعطيه كل ما تملكه هي وعائلتها..
وكأنه أتى بخنجر بارد ووضعه بنصف قلبها وهو ينظر داخل عينيها دون ذرة ندم، وهي تبتسم إليه وتقول أحبك..
وصلت إلى منزل عمها، دلفت من البوابة الخارجية إلى الحديقة وقد وجدت تامر يتحدث بالهاتف مبتسمًا بسعادة، ربما يتحدث مع شقيقتها، على الأقل يوجد هناك واحدة منهم سعيدة، رآها من بعيد فأغلق الهاتف سريعًا وأتى لها يسألها بلهفة بعد أن رأي مظهرها عن قرب:
-مالك يا مروة في ايه.. ايه اللي حصل
نظرت إليه ولا تستطيع التحدث فقط تريد البكاء، البكاء المطلق لا يصاحبه أي شيء، نظرت إليه وتذكرت غيرته من ابن عمها هل أيضًا كانت كذبه؟!.. ازدادت الدموع في الهطول وتحدثت بصعوبة سائلة إياه:
-عمي فين؟
لا يستطيع الضغط عليها وهي في هذه الحالة أشار إلى الداخل وهو يمسك يدها يساعدها على الدخول:
-جوا تعالي
دلفت إلى المنزل ورأت عمها يجلس ومعه زوجته يشربان كوبان من الشاي، انتفض عمها لمظهرها عندما وقعت عينيه عليها ووقف سريعًا متقدمًا منها يهتف بلهفة وخوف:
-مروة بنتي مالك.. حصلك ايه
خرجت الكلمات منها كالميتة لا تود إلا معرفة ما حدث فقط:
-ايه اللي حصل زمان بينكم وبين عيلة يزيد يا عمي
ساندتها زوجة عمها لتجلس على الأريكة وسألتها قائلة بجدية وخوف:
-اوعي يكون يزيد ضربك
حضرت شياطين “تامر” عندما استمع إلى هذه الكلمات من والدته، صائحًا بصوت عالي وهو يتوجه للخارج:
-ضربها!.. دا أنا أشرب من دمه
نادته سريعًا قائلة بلهفة وخوف من أن يصيب زوجها ومن خدعها بالحب مكره:
-لأ يا تامر معملش حاجه والله… علشان خاطري تعالى
فعاد مرة أخرى يسألها ما الذي حدث وتجيب بأنها تريد أن تعرف كل شيء في المقام الأول، فجلس عمها وقد بدا الحزن عليه الآن، وجلس “تامر” جوارها مطالبًا بهدوئها ثم استمعت إلى صوت عمها يقول بجدية وهو يقص عليهم الذي حدث منذ سنوات مضت:
-جدك وجد يزيد كانوا صحاب من زمان أوي من لما كانوا في الصعيد الجواني واللي لحد دلوقتي ماشين بتقاليده، كبروا وكبروا شغلهم سوا وجم على هنا ولسه صحاب والعيلتين صحاب… جالهم واحد خواجه طلب منهم يدخلوا فلوسهم في الحديد وهما في الوقت ده كانوا تجار خشب ومايفهموش حاجه في الحديد.. جدك خاف ليضيع شقاهم ورفض أما جد يزيد صمم لما الخواجه لعب في دماغه، فضوا الشراكه سوا وراح جد يزيد حط فلوسه كلها مع الخواجه وإذا فجأة يطلع نصاب وفص ملح وداب وبعديها مات جده
نعم استمعت إلى تلك الكلمات من “يسرى” ولكن ما ذنب عائلتها، ليس لهم علاقة بما حدث، لقد حظره جدها وهو لم يستمع ما ذنبهم الآن!..
استمعت إليه يكمل بحزن وأسى:
-عاشوا في فقر وحزن، جدك حاول يساعدهم سابت عم يزيد رفض رفض تام ومنعرفش ايه السبب، جدك مات.. صحيح عمره خلص بس من زعله على صاحبه، وبعديها بكام شهر مات أبو يزيد حاولت أنا أساعد بردو سابت رفض أي قرب مننا مرة واحدة كده ومن هنا بدأت العداوة وقالوا إن جدك نصب عليهم وكل اللي عندنا ده بتاعهم بس يعلم ربنا إن ده محصلش يابتي ده كان من قهرهم
كل ما فعله كذب بدافع مكذوب فيه؟!.. تحزن على ماذا الآن؟ عليه أم على عائلتها المظلومة؟ أم على نفسها وحبها؟ تحزن على من؟..
-العيلتين بعدوا عن بعض تمامًا ما عدا كامل وزاهر فضلوا أصحاب، زاهر أبوه مكنش يعرف كان خايف منه أما أنا كنت عارف وسبتهم قولت يمكن يرجعوا كل حاجه زي الأول وترجع الصلة اللي كانت بينا حتى علشان عضم التربة، بس حصل غير كده في يوم كانوا سهرانين وزاهر تقل بالكلام على كامل وقالوه كتير عننا وأننا حرامية ونصابين مستحملش كامل وضربوا بعض وهما بيضربوا بعض كامل زقه وقع على دماغه على حجرة في الأرض وساح في دمه… بعديها بكام يوم ماتت أمه وراه والعداوة زادت بس كامل خد جزاءه وانحبس ومن بعد ما خرج أهو مشوفتوش لحد النهاردة وهو مهاجر.. وأنتِ عارفه الباقي
وقفت على قدميها ووقف جوارها “تامر” فتحدثت قائلة بجدية وهي تزيل دموع عينها:
-أنا همشي.. لو مجتش هنا قبل الساعة عشرة تعالى خدني من هناك
أمسك بيدها بحدة، خائف عليها، خائف أن يصيبها مكروه وسط تلك العائلة وهو لا يعلم من الأساس ما الذي يحدث، تحدث قائلًا بجدية:
-تمشي فين؟ مش هتطلعي من هنا غير لما أفهم في ايه وايه اللي عمل فيكي كده
أردفت بجدية هي الأخرى مقدرة قلقة عليها:
-اسمعني أرجوك.. أنا مش هقدر أقول حاجه دلوقتي.. متخافش عليا أنا في بيت يزيد ومحدش يقدر يعمل فيا أي حاجه طول ما يزيد معايا
خرجت الدموع مرة أخرى على هذا الكذب الذي تتحدث به، هي لن تشعر بالأمان معه بعد الأن، فقط قالت هذا لتجعله يتركها تذهب ولكن “يزيد” ليس أمانها الآن وللحقيقة أصبحت تخاف منه..
-ممكن متقولش حاجه لميار ولا بابا، ومتنساش الساعة عشرة!
أومأ إليها ثم سارت وتركتهم، حاول الخروج معها ولكنها منعته ليبقى ينظر في أثرها ولا يدري ما الذي يحدث معها، ابنة عمه الغالية على قلبه، الذي اعتبرها شقيقته!..
خرجت وقد حل الليل على البلدة بأكملها، ازداد الهواء والبرد القارس، وضعت يدها حول صدرها تحتضن نفسها وهي تسير متجهة إلى منزل زوجها الكاذب، الهواء الطلق يزيح خصلاتها للخلف بشدة وقوة، وأعلنت السماء حزنها على ما حدث لها وأصبحت تمطر بغزارة..
أمطار السماء تهطل وأمطار عينيها معها، ماذا تقول بعد كل ما حدث، عائلتها ليس لها دخل فيما حدث معهم، لم يفعلوا شيء مشين لهم، لما إذًا فعلوا بها كل ذلك؟، لما أرادوا الانتقام منهم وهم بريئين؟ هل هو يعرف ذلك؟ مؤكد يعرف.. مؤكد
سارت البرودة داخل جسدها وهي تسير وتبكي خائفة من القادم عليهم ثلاثتهم!..
___________________
فكر كثيرًا وكثيرًا، لقد ذهب الكثير من الوقت بصحبتها وهو خائف، لو فقط تحدث معها وقال الحقيقة منذ البداية لبقيت معه، لاحترمت صدقه وحبه لها وبقيت، ولكن الآن حتمًا ستذهب..
ولكن لا يهم إن أرادت تفعل لن يمنعها هي بالنهاية زوجته ويستطيع أن يجعلها تعود إليه، تعود إلى منزله ليبقوا به ويستكملون العيش سويًا هناك كما أرادت، يحبها، بل يعشقها وسيفعل أي شيء لأجلها، لأجل اسعادها، هو كان مخطئ والآن سيصلح هذا الخطأ باعترافه على نفسه وعلى كل شيء فعله..
دلف إلى غرفة الصالون وجد رائحة الياسمين تقابله بقوة، أخذت عقله هذه الرائحة، لو تعلم ماذا تفعل به هذه الرائحة لبقى بالنسبة إليها هش ضعيف كما أضعف الرجال، ولكن مهلًا!.. كلما تقدم إلى الداخل وضحت الرؤية يرى أشياء مبعثرة في الأرض لأول مرة منذ زواجه!..
دلف إلى غرفة النوم وياليته لم يفعل!.. الفراش ليس عليه ملاءة، أوراق ممزقة على الأرضية، شموع ملقاه في كل مكان، ورود ذابلة في كل مكان أيضًا، طعام متناثر وصينية مهشمة محتويات المرآة متناثرة ومهشمة أيضًا..
ما الذي حدث وكأن عاصفة حلت على الغرفة بعد تزينها؟ نظر إلى الحوائط وجدها مزينه بكلمات لم يفهم ماهيتها، وأوراق غريبة الشكل أيضًا، ربما كانت تحضر مفاجأة له ولكن ما الذي حدث؟ لم ينتظر طويلًا فقد أخذ يبحث عنها أين هي في ظل كل هذا؟..
لم يجدها نادى بصوته ولم ترد عليه، ربما عند شقيقته ولم تستمع؟ أتى ليخرج من الغرفة وجد شقيقته تدلف على أثر صوته فتحدث بجدية:
-نادي لمروة يا يسرى
نظرت إلى الغرفة بذهول واستغراب تام وقد حزنت كثيرًا على ما فعلوه ليبقى نهايته هكذا:
-مروة مش عندي، وبعدين مين عمل كده في الاوضه دا إحنا قعدنا ساعات نعمل الزينة دي
سألها باستنكار ودهشة قائلًا بجدية ولهفة أيضًا:
-مش عندك إزاي اومال فين.. دي مش تحت
نظرت إليه بضيق شديد ثم أردفت بجدية وانزعاج:
-أنتَ أكيد زعلتها، حرام عليك من الصبح من بتحضرلك المفاجأة دي
أبتعد عنها يزيد ينظر من شرفة الغرفة ربما تكون في الخارج ثم أجابها بفتور قائلًا:
-هو أنا شوفتها أصلًا أنا لسه راجع من بره
-يعني ايه دي نزلتلك من المغرب تحت
هوى قلبه بين قدميه متقدمًا منها يسألها بلهفة وخوف من أن يكون ما توقعه من حديثها حدث بالفعل:
-نزلتلي فين؟
-تحت في المكتب
وجدها تدلف من خلف شقيقته، خصلاتها تلتصق على وجهها، تقطر المياة من ملابسها، الدموع عالقة بـ اهدابها، الحزن مرتسم على جميع ملامحها، لم يتعرف عليها، ولا يعرف ما الذي حدث لها في هذه الساعات القليلة..
نظرت إليها “يسرى” متحدثة بلهفة وخوفٍ عليها وبالأخص بعد رؤية مظهرها:
-مروة كنتي فين.. وايه اللي حصلك
أجابتها بعد وقت وهي تنظر إليه ولم تحيد نظرها عنه، تعاتبه بعينيها الحزينة على ما فعله:
-سيبينا لو سمحتي شوية
نظرت إليها “يسرى” وقد احتلت الصدمة كيانها، ما الذي حدث معها؟ لما تتحدث هكذا؟ وما الذي حل بالغرقة؟ هي لا تفهم شيء ولكن على أي حال خرجت وتركتهم وحدهم كما طلبت منها..
دلفت هي إلى الداخل ثم جلست على طرف الفراش غير قادرة قدميها على حملها أكثر من ذلك، ولم تحيد نظرها عنه بعد!، نظرتها له تحمل العتاب، الحزن، والخوف أكثر شيء ولكن هناك ذرة ثقة من تلك التي كانت بقلبها له سابقًا تقول لها أنه “يزيد” حبيب القلب والعقل والروح لا يفعل شيء يؤذيها!..
تقدم هو الآخر منها ووقف أمامها لا يدري لما قلبه يؤلمه هكذا منذ أن قالت شقيقته أنها هبطت إلى الأسفل لتراه!، ولكن إن استمعت سيكون أفضل بكثير هكذا تكون علمت كل شيء وسهلت عليه مهمته وستسامحه لحديثه عنها..
تحدث قائلًا يتساءل بجدية وهو ينظر لمظهرها الغير مُرتب بل كان يُرثى له:
-كنتي فين؟
أجابته بعد أن استمعت إلى سؤاله بهدوء ومازالت نظراتها كما هي تصيبه بالريبة:
-كنت عند عمي
ضيق ما بين حاجبيه بشدة مستغربًا لما كانت هناك عند ذلك البغيض ابن عمها؟، وكيف لها أن تذهب دون إذنه؟، ولما في هذا الجو الغير مستقر بالمرة:
-كنتي هناك بتعملي ايه؟.. وإزاي تخرجي من غير ما تقوليلي؟
وجدها تبتسم بسخرية شديدة ثم وضعت يدها الاثنين حول صدرها تحتضن نفسها وقد بدأت تشعر بالبرد يصل إلى خلاياها، فتحدث هو قائلًا بجدية خائفًا من أن يصيبها شيء:
-طب قومي غيري هدومك الأول وبعدين نتكلم
استدار ذاهبًا إلى الخزانة وتفكيره يدعوه لإخراج ملابس لها حتى تبدلها بتلك المُبتلة ولكن فور تقدمه استمع إلى سؤال واضح وصريح بالنسبة إليها يخرج بنبرة حزن طاغية وقد شق سكون الصمت الذي أتى منها:
-ليه عملت كده؟
استدار مرة أخرى ينظر إليها باستغراب، ثبت نظره على عينيها الحزينة للغاية وقد وقع قلبه بين قدميه خوفًا من القادم، ابتلع ما وقف بحلقه وتحدث قائلًا:
-عملت ايه؟
أكملت متجاهله كلماته وهي تقول بضعف وكلماتها جلبت خلفها الدموع التي كانت توقفت منذ قليل:
-أنا حبيتك!..
تقدم منها ببطء وهو لا يدري ما الذي يحدث، حقًا لا يدري!.. هل استمعت؟ حدث شيء عند عمها؟ ماذا يجري؟ تحدث قائلًا بهدوء شديد وضعف انتقل إليه:
-وأنا كمان بحبك
السخرية هي التي سيطرت على جميع ملامحها بعد الاستماع إلى كلماته الكاذبة، واستكملت مجيبة إياه بصوتٍ خافض مُهلك:
-كداب، ولو بردو أنا حبيتك أكتر وعلى قد الحب ده بالظبط في دلوقتي هنا وجع وحزن وقهر رهيب عمرك ما هتحس بيه
أكملت حديثها وهي تشير إلى قلبها بحزن وضعف اجتاح كيانها، وقفت على قدميها أمامه وتحدثت قائلة بابتسامة لا تدري من أين استاطعت أن ترسمها على شفتيها:
-ليه يا يزيد دا أنا حبيتك.. حبيتك أكتر من نفسي ووثقت فيك وكنت بالنسبالي كل حاجه حلوة في حياتي!.. ليه تكسرني بالشكل ده؟
وقف هو الآخر أمامها متحدثًا بجدية واستغراب يتساءل ليستطيع الإجابة على حديثها:
-أنتِ بتتكلمي عن ايه بالظبط؟
صرخت بوجهه بصوتٍ عالٍ وقد فاض كيلها منه ومن أفعاله وتصرفاته، إلى الآن وهو يكذب!:
-ما كفاية استعباط بقى ياخي.. ايه لسه مكمل في المسرحية الرخيصة دي؟
ثم بضعف وبكاء أكملت:
-عارف أنتَ لو كنت جيت طلبت مني كل حاجه أملكها كنت هديهالك من غير تفكير.. من غير ما أسألك ليه حتى والله العظيم، دا أنا سلمتك نفسي وعشت معاك لوحدي بين أهلك اللي بيكرهوني مستنجده بيك، نمت جنبك وأنا مأمنه ليك.. تقوم تعمل فيا كده؟ كل ده علشان شوية فلوس ملهاش قيمة بين الحب اللي فكرته حقيقي
لا يستطيع التحدث، ماذا يقول؟ ماذا يفعل؟ يبدوا أن هناك شيء خاطئ ولكن هو السبب به، هو فهم الذي تتحدث عنه..
أردفت مرة أخرى والدموع تتهاوى من عينيها لتمر على وجنتيها الحمراء بشدة لا تدري من أي سبب:
-بتقولهم حاضر، بس كده؟ هعمل كل اللي انتوا عايزينه.. ما انتوا أهلي وأولى ليا من أي حد… طب وأنا؟ وأنا ايه مش قولتلي أنك بتحبني؟.. مش قولت عايز تخلف مني وتكمل معايا؟ ولا ده كمان كان علشان الفلوس وتضمن أنك هتاخد كل حاجه من عيلتي؟
تحدث قائلًا بضعف هو الآخر وقد قتله حديثها، ينظر إلى عينيها الحزينة وهو لا يدري ما الذي يقوله لها في هذه الحالة:
-مروة أنا مكنتش هعمل كده صدقيني.. طلما سمعتي دي يبقى سمعتي الباقي.. كملي
ابتسمت بسخرية متحدثة وهي تشير إليه:
-عايزاني استنى أسمع ايه بعد كده؟. اسمعك وأنتَ بتقول ايه أكتر من كده ولا كنت استنى لما اسمعك وأنتَ بتقول خلاص أنا أروح اطردها أحسن!، أسمع ايه يا يزيد أكتر من كده؟
اجاب بقهر هو الآخر وقد فهم أنها لم تستمع إلا لكلمات السخرية التي تحدث بها مع عائلته ولم تستمع إليه وهو يدافع عنها قائلًا بأنها حبيبته وزوجته ويالا سخرية القدر:
-كنتي اسمعي.. كنتي اسمعي وأنا بقول قد ايه بحبك وقد ايه أنا سعيد معاكي.. وأنا بقول أن عمري ما هعمل فيكي كده
احتضنت جسدها وقد بدأت حقًا بالشعور بالبرد وإلى الآن ملابسها مُبتلة مياة، بكت بدون مجهود وأصبح صوت بكائها عالي أكثر من السابق:
-بتكدب ليه خلاص كل حاجه بانت قول أنك مش عايزني، قول أنك مش بتحبني، خلاص هي كده خلصت
قبض على يدها بشدة يتحدث بجدية شديدة وإصرار على التكملة:
-لأ مخلصتش أنا مش بكدب أنا بحبك.. بحبك وهفضل أحبك لآخر نفس.. مش عايز أي حاجه منك غيرك يا مروة.. والله العظيم من أول لحظة حسيت بحبك وأنا صرفت نظر عن الموضوع ده خالص وعرفتهم أكتر من مرة وآخر مرة كانت النهاردة ياريتك سمعتي للآخر وكنتي فهمتي يا مروة قد أنا بحبك ومحتاجك
ألقت نفسها بين أحضانه دون سابق إنذار، لفت يدها حول عنقه تحتضنه بشدة إليها وبكائها يزداد وصوت شهقاتها يعلو في أذنه:
-مش قادرة اصدقك يا يزيد.. مش قادرة، أنا كنت عملالك مفاجأة الاوضه كانت متزينه علشانك.. كنت هقولك إني..
صمتت لبرهة وهي تبتلع ما وقف بجوفها، فكرت للحظة ثم عادت عن ما برأسها لتقول وهي تنتحب وتشدد على احتضانه:
-كنت هقولك إني بحبك.. ليه يا يزيد أنا عليتي معملتش أي حاجه فيكم، عمي قالي كل حاجه حرام عليك ليه تعمل فيا كده
شدد هو الآخر على احتضانها وقربها منه، ثم انتقلت إليه عدوى البكاء منها لتخرج الدموع من عينيه حزنًا على ما يحدث بينهم منذ اللحظة الأولى، وتحدث بضعف متوسلًا:
-والله وأنا بحبك يا مروة.. عمري ما فكرت أاذيكي.. أنتِ روحي إزاي بس هعمل كده
شعرت ببكائه!.. هل هو يبكي حقًا؟ هل يحبها أم يكذب؟ لا تدري شيء، لا تدري هل كل ما مر عليهم كان كذب؟، ابتعدت عنه ثم تقدمت ناحية الخزانة وأخرجت صندوق كبير وضعته على الفراش ثم فتحته وكان يحتوي على مجوهرات وزينة من الذهب وثمة هناك أشياء أخرى، سألته باستغراب وجدية:
-طب ليه كنت بتجيب هدايا غالية كده طلما عايز تاخد فلوسي؟.. ليه جايبلي عقد ألماس؟. وليه كل الدهب ده؟. ولا يكونش فضة وبتضحك عليا
تقدم منها ومازالت الدموع عالقة بـ اهدابه هو الآخر ليقول بنفي وثقة مؤكد حديثه:
-والله أبدًا يا مروة كل ده أصلي
-طب ليه يا يزيد
جلس على الفراش بضعف ثم نظر إليها وتحدث بجدية وإرهاق داهمه وهو لم يفعل شيء بعد:
-منكرش أن ده كان سبب الجواز من الأول بس والله العظيم من وقت ما حبيتك ونسيت الموضوع كله.. يمكن أهلي منسوش بس أنا رفضت، النهاردة بس قررت أني هقولك كل حاجه ونسافر بعيد
أتت مرة أخرى وجلست جواره ثم احتضنته لتنعم بأخر عناق منه بعد ما قررت فعله، وقد شعر بذلك! شعر بأنها ستذهب دون رجعه بعد كل هذا الحديث وهو لا يدري ما الذي يفعله..
عانقته وبدأت في البكاء بصوت مرتفع وهي تضغط عليه بشدة، وقد قابلها بالمثل مع اعتذارات كثيرة يكررها بين بكائه واعترافات كثيرة بعشقه لها ولكنها لم تكن تستمع إلى أي شيء يقوله بل كانت تتذكر لحظاتهم سويًا وحبها له.. تفكر كيف ستتركه، ولكن ستفعل..
ابتعدت ووقفت على قدميها ثم قالت وهي تزيل دمعاتها محاولة السيطرة على صوت بكائها:
-ورقتي توصلي بيت بابا يا يزيد
وقف على قدميه سريعًا محاولًا التحدث بعد أن ألقت عليه هذه الصدمة ولكنه وجدها أصبحت خارج الغرفة! سريعًا ذهب خلفها للخارج…
ركضت لتذهب إلى منزل عمها ومن ثم إلى منزل والدها، خطوة وتهبط الدرج لتستمتع إلى صوت “يسرى” الصارخ وهي تحذرها الهبوط
-متنزليش يا مروة في زيت عندك
ولكن.. كانت خطوة هي الفاصلة، وضعت قدمها على الدرج ومن ثم لم تدري بنفسها إلا وهي تهبط على جسدها بأكمله وليس قدميها، خرجت صرخة مدوية منها وهي تجد نفسها تنزلق بجسدها!.. ووضعت يدها على بطنها خوفًا وهلعًا من القادم!..
وجدت “يسرى” يزيد يأتي ركضًا هو الآخر والهلع مسيطر عليه فحذرته النزول ببطء وقد فعل ليصل إليها سريعًا وهي ملقاه على الأرضية بين يدي شقيقته فاقدة للوعي بعد أن استأذن منها وقد استسلمت له ليأخذها من هذا الواقع!..
تحدث بذعر وهو يحرك يده على وجهها بعد أن أتت والدته هي الأخرى على صوت صرختها:
-مروة حبيبتي.. مروة!
قالت “يسرى” بذعر متذكرة حمل “مروة” والذي كانت ستخبر زوجها عنه:
-يزيد الحقها مروة حامل
رفع نظرة إليها بصدمة.. صدمة فقط؟ لقد ذُهل، متى! متى كانت حامل دون أن تخبره وكيف ولما؟ ما الذي يحدث من حوله، سألها بخوف شديد وهو من الأساس لا يدري بماذا يفكر وماذا يفعل:
-يعني ايه؟
-مروة حامل وكانت هتقولك النهاردة
وقد كان الحزن في هذه الليلة يسيطر على الجميع والجميع هنا خاص بـ “يزيد” و “مروة” زوجته وحبيبته، هل سيستطيع أن يتخطى تلك الأزمة ويعود بها إلى عرش حبه؟..
reaction:

تعليقات