رواية براثن اليزيد الفصل الثامن عشر 18
“نيران اشتعلت بداخل قلبه بعد رؤيتها،
رؤيتها على مظهر لم يروقه أبدًا،
وليس هناك شيء يجعل النيران تخمد
سوى إخراجها عليها”
دلف إلى المكتب مرة أخرى وأغلقه خلفه بعد أن رأى نظرة شقيقه إليه، مُرتبك، يرتجف، وكأن عقله وقف عن العمل وجسده شُل برؤيتها!..
جميلة وكأنها الأنثى الوحيدة الباقية بالعالم، ليست جميلة وإنما رائعة الجمال، هل هناك ما يعبر أكثر من ذلك؟ أعتقد لا..، عندما رآها أمامه وقف كالمشلول ولم يستطيع تحريك أي عضو من أعضاء جسده سوى عينيه.. عينيه الذي أكلتها من الأعلى إلى الأسفل والعكس، بُهر بذلك الجمال الطبيعي الذي لأول مرة يأخذ باله منه، لأول مرة يراها هكذا، جميلة حد الفتنة..
الآن فقط علم لماذا شقيقه مُتمسك بها، نعم ولما لا فمن ذلك المجنون الذي يتخلى عن امرأة كهذه؟..
سريعًا عاد لصوابه وعنف شيطان عقله الذي جعله يتخيل جسد زوجة شقيقه ويتفرس به، استفاق ضميره النائم منذ زمن ليعنفه على فعلته الشنيعة، ولقد وجد نفسه أخطأ وبشدة، كيف له أن يتخطى حدوده إلى هذه الدرجة وينظر إلى زوجة أخيه هذه النظرة الكريهة؟، كيف طاعته عينيه وظلت تنظر إليها؟ لما لم يخفض عينيه عنها ويغض بصره كما أمره ربه؟.. لقد تمادى كثيرًا هذه المرة في حق شقيقه وزوجته.. وحتى لو كان لا يريدها له لم يكن يجب عليه أن يفعل ذلك..
جلس على المقعد خلفه يتذكر زوجته “إيمان”، مسح على وجهه بكف يده العريض وأعاد رأسه للخلف متمتمًا بخفوت وحزن:
-استغفر الله العظيم، يارب سامحني.. استغفر الله العظيم
وظل على هذا الوضع يتمتم بالاسغفار ويدعوا إلا يحدث بينه وبين شقيقه مواجهة فهو لم يكن بقصده فعل ذلك ولا يريد أن يرى نظرة “يزيد” هذه مرة أخرى..
__________________
دلف إلى داخل غرفته وأغلق باب غرفة الصالون من خلفه متقدمًا سريعًا إلى غرفة نومه وكأن الشياطين تلاحقه في سيره، وضع يده على مقبض الباب ليفتحه ولكنه لم يحذر بعد.. لقد وجده مغلق من الداخل، ضرب الباب بقدمه بعصبية وحدة من فعلتها تلك..
لكن تلك المسكينة عنما رأت نظرته لها ارتعدت ودب الرعب أوصالها وخُيل لها كثير من المشاهد الذي ربما يفعلها “يزيد” فهي أكثر من يعرفه وقت غضبه، لذلك أغلقت الباب عليها من الداخل لتتفادي طيشه وغضبه الذي سيخرجه عليها..
ضرب الباب بقدمه مرة أخرى وبحدة أكثر من السابق وهو يصيح من خلف الباب بصوت عالٍ نسبيًا لتستمع إليه:
-افتحي الباب واقصري الشر يا مروة
ابتلعت ما بحلقها بصعوبة بعد أن جلست على الفراش تنظر إلى الباب بخوف أصهر قلبها، فقد خانتها قدميها عندما دلفت إلى الداخل ولم تستطيع الوقوف عليهم أكثر من ذلك، فأغلقت الباب سريعًا وجلست على الفراش، الخوف يسيطر عليها ويهشم قلبها بعد دقاته العنيفة، جسدها بأكمله يرتجف فهو قد حذرها بدل المرة خمس وست مرات من ارتداء الملابس المكشوفة خارج الغرفة وهي بدورها خربت كل شيء وارتدت قميص لا يستر منها شيء!.. هي لم تفعل شيء بهين خصوصًا عليه هو وتعلم أنه يحق له ما يفعله ولكن أيضًا مر عليها غضبه كثيرًا وتعلم أنه ليس سهلًا، تعلم أنه يفعل أشياء لا يكون واعي لها لذلك هي خائفة من “براثن اليزيد” وقت غضبه وعصبيته المفرطة..
صدح صوت دق الباب من الخارج ولكن بعنف وهو يصيح بصوتٍ عالٍ محذرًا إياها بجدية شديدة تلي عصبيته:
-وديني وما أعبد يا مروة الباب ده لو ما اتفتح الثانية دي لكون كاسره ومسمع البيت كله اللي هيحصل..
وقفت على قدميها الذين يرتجفوا من شدة الرعب الذي وضعها به، وقفت خلف الباب واستمعت إلى صوت أنفاسه العالية، وضعت يدها على المفتاح بتردد لتستمع إلى صوته مرة أخرى يقول بهدوء مرعب:
-افتحي الباب وعدي الليلة أحسنلك يا مروة مش هقول تاني!..
حركت المفتاح بالمزلاج عدة مرات بخوف ورعب يكاد يقف قلبها بعد ذلك النبض السريع، ولم تسمح لها الفرصة ولا قدميها بأن تبتعد عن الباب فقد دفعه سريعًا ودلف إلى الغرفة كالثور الهائج الذي يبحث عن فريسته..
قبض على خصلات شعرها الحريرية ذات اللون الذهبي متناسيًا فتنته به ولم يرى سوى مظهرها منذ دقائق أمام عينيه وعين شقيقه، بينما الأخرى صرخت بفزع عندما انقض عليها يجذبها من خصلاتها بحدة وقد شعرت أنه سيقتلعها من جذورها بين يده..
دفع الباب بقدمه ليغلقه حتى لا يستمع أحد لما يدور بينهم وسار بها إلى داخل الغرفة وهو قابض على خصلاتها بحدة جعلتها تبكي من شدة الألم، سألها باستنكار ودهشة بعد أن أظلمت عيناه وجعلها تنظر إليه وهو ممسك بها بهذا الشكل:
-ايه المنظر القذر اللي شوفته ده؟.. نازله تحت بقميص نوم يا محترمة، وياريته قميص ده ولا كأنك لابسه حاجه!
انتحبت بشدة وهي تبكي أثر مسكته لها بهذه الطريقة المؤلمة، جاعلها تنظر له وجاذبًا خصلاتها للخلف ليتضاعف الألم، نظرت إلى عينيه قاتمة السواد بضعف متحدثة بتردد وارتباك:
-والله.. والله ما كان قصدي، أنا.. أنا نزلت قبل كده ومكنش فيه حد تحت كالعادة فكرت أنه مفيش حد معرفش أنه موجود والله
هكذا تطفئ نيرانه؟ بقولها أنها سبق وهبطت هكذا؟ اشتعلت نيران الغيره مجددًا بقوة أكثر من السابق وعينيه تطلق الشرر عليها، اشتدت يده على خصلاتها لـ تتأوه بألم أكبر من ذي قبل..
تحدث بعصبية مفرطة وكأنه على وشك الفتك بها في تلك اللحظات لأنها وضعته ووضعت نفسها بمثل هذا الموقف الرخيص:
-يا بجاحتك يا شيخة يعني نزلتي قبل كده بالمنظر الرخيص ده وبتكرريها تاني!
هوت دمعاتها سريعًا وراء بعضها من أثر حديثه، ومن دقات قلبها العنيفة نتيجة لخوفها الزائد منه ومن مظهره الغير مبشر بالخير أبدًا، تحدثت بقلة حيلة مصححة فكرته وهي تشهق بعنف:
-لأ والله أبدًا كنت بهدومي.. نسيت العصير بعد ما لبست كده ونزلت أجيبه علشانك
شهقت مرة أخرى بألم شديد حيث اشتدت يده مرة أخرى على خصلاتها وأقسمت بداخلها أنها اقتلعت بيده:
-سيب شعري هيطلع في إيدك!
استمع لحديثها وترك خصلات شعرها لتشعر بالراحة ولكن لم تدم طويلًا حيث قبض على ذراعها واضعًا إياه خلف ظهرها مشددًا عليه ليشعرها بالألم كيف يكون، بينما هي شعرت أن ألم جذب خصلات رأسها لم تكن شيء بجانب ما يفعله بها الآن…
صرخ بأذنها بعصبية شديدة ولا يدري ما الذي يتفوه به وهو يضغط أكثر على ذراعها حيث كانت تقابله بظهرها:
-وهو أنا كنت طلبت منك زفت عصير؟ قولتلك على حاجه؟.. فرحانه بجسمك وبجمالك وبتفرجي أخويا عليهم!
صرخت به بحدة وهي تتلوى بين يديه بعد أن وقعت كلماته على أذنها كالسم الذي يجعلك تموت بالبطيء، فـ تفكيره بها بهذا الشكل قتلها من الداخل وهي من كانت تفعل كل ذلك له:
-أنتَ اتجننت!.. بتقول ايه يا مجنون أنتَ، قولتلك مكنش فيه حد ومكنتش أعرف أنه موجود
ترك يدها قبل أن يديرها إليه ثم دفعها للخلف بحدة لتصطدم بالحائط خلفها مما جعله يرتضم بعنف بظهرها لتصرخ عاليًا متأوه بسبب الألم الذي عصف بها واقترب هو منها قابضًا على فكها بعنف متحدثًا بتهكم صريح:
-متعرفيش ايه بالظبط؟ متعرفيش إن أخويا وعمي عايشين معانا في البيت ولا هما بالنسبالك زي جوزك عادي مش هيضر خليهم يشوفوا ويملوا عينهم
جرت الدموع على وجنتيها بلا توقف، كلماته كانت بالنسبة لها كالنصل الحاد الذي ينغرز بقلبها بلا رحمة ليأتي به نصفين، تعلم أنه وقت غضبه لا يعلم ما الذي يتحدث به وما الذي يقوله أو يفعله ولكن هي ليس لها ذنب بأن تتحمل كل ذلك فلم يكن بقصدها ما حدث..
دفعته بيدها بعنف ضاربة إياه بصدره بشدة لكي يبتعد عنها، ثم صرخت بوجهه بعصبية وحدة ترد على كلماته ذات الأثر الذي لن يُمحى ولم تفكر في أن يستمع أحد إلى صوتها العالي:
-أنتَ بجد اتجننت ومش واعي للي بتقوله يا أهبل، أخوك وعمك ايه دول اللي هخليهم يبصوا عليا يا مجنون، كل ده علشانك الزفت اللبس ده علشانك والأكل اللي بره ده علشانك والعصير اللي نزلت أجيبه علشانك كل ده علشان سيادتك وفي الآخر تقولي كده.. وبعدين هو مش كل يوم الكل بيكون في اوضته أنا ذنبي ايه في اللي حصل!
صفعة مدوية أطاحت بها على أرضية الغرفة، تعلم تمام العلم أنها يجب ألا ترفع صوتها عليه، حذرها بدل المرة ألف ومازالت تفعلها وترفع صوتها عليه وأيضًا تسبه بالشتائم.. لتتلقى عقاب على كل ما فعلته في يومها هذا..
وضعت يدها على وجنتيها مكان صفعته وهي جالسة على الأرضية بعد تلك الصفعة، هذه المرة الثانية الذي يتطاول بيده عليها، ذُهلت من ردة فعله فهو منذ أن دلف وصوته عالي ويلقي عليها كلمات كالسموم ولكن إذا حكمت أحدًا ستكون هي المخطئ في النهاية!، بكائها لم يشفع لها عنده هذه المرة فقد كانت النيران تنهش داخله كلما تذكر نظرة أخيه لها وهي مرتدية هذا القميص..
جذبها من يدها لتقف أمامه مرة أخرى وهي تنظر إليه بعتابٍ لم يلتفت إليه وأكمل ما بدأه متحدثًا بهدوء عاصف:
-المرة الجاية هقطع لسانك لو صوتك علي عليا.. وبعدين تعالي هنا ذنبك ايه إزاي يعني؟ أنتِ بتستعبطي؟ مش عارفه تلبسي هدومك.. معملتيش حساب حد يكون خارج حد يكون داخل ايه عرفك أنتِ إن الكل في اوضهم ها؟
لم تجيبه بل ظلت تنظر إليه بضعفٍ وعتابٍ ترسله بعينيها الباكية وتقول له على خطأه ولكنه لم يبالي لها هاتفًا بصوت عالي متسائلًا:
-ما ترُدي ولا دلوقتي القطة أكلت لسانك
لم يلقى منها ردًا مرة أخرى وقد عملت على اغضابه وبشدة وهي تنظر إليه هكذا، نظر إلى ذلك القميص الذي ترتديه وتذكر نظرة شقيقه لها وهي مرتدية إياه، ولم يفكر بشيء إلا أن يزيله عنها..
شهقت بفزع عندما وجدت يده تمزق القميص عليها ليقع على الأرضية أسفل قدمها إلى قطع قماش لا تصلح لشيء وتقدم هو من الخزانة وفتحها بحدة مصدرًا صوتًا قويًا على أثر فتحتها، أمسك بقميص أبيض ظهر بوجهه وألقاه بوجهها لترتديه فهي وقفت تبكي بشدة بعد أن مزق القميص عليها..
أخذت القميص الذي ألقاه عليها من على الأرضية وكان له هو، ارتدته ولم تفكر بأي شيء سوى أن تداري جسدها عنه في تلك اللحظات..
-أنا بقى هعرفك إزاي تكسري كلامي في كل مرة ياست هانم.. للمرة المليون أتكلم معاكي في حوار اللبس ومفيش فايدة وطلما مجاش بالذوق يبقى بالعافية
قال كلماته وهو يخرج كل ملابسها من الخزانة بحدة وعصبية، ما يقع بيده ويراه محتشمًا يضعه بمكانه وما لا يروقه يمزقه إلى قطع أمامها، أمسك فستان طويل محتشم فوضعه مكانه والتقط بلوزة أخرى بحبال رفيعة وصدرها مفتوح بشدة فمزقها بغلٍ وهو ينظر إلى عينيها بلا شفقة فـ نظرة شقيقة لها لا تفارقه وتعصف بعقله بلا هوادة..
ظل على ذلك الوضع لدقائق كثيرة وهو يمزق ملابسها إلى أن جعل معظم الملابس لا تصلح لأي شيء سوى أن ينظفوا بها الأرضية، وقد كانت هي جالسة على الفراش تنظر إليه وهي تبكي وتراه يمزق ثيابها ولم تقوى على التفوه بحرف واحدًا فهو في حالة يُرثى لها..
أغلق الدولاب بعد أن انتهى من مهمته ثم جذب القميص الممزق هو الآخر ووضعه فوق البقية، نظر إليها وحذرها بعينين الصقر خاصته:
-إياكي ثم إياكي تيجي جنبهم
أدارت وجهها وجسدها وتمددت على الفراش في مكانها جاذبة الغطاء عليها وهي تزيل الدموع العالقة بـ اهدابها، فقد بكت كثيرًا إلى أن ألمتها عينيها، فكرت كثيرًا به وبما فعله بها، هي أرادت أن تفعل شيء جميل لهم ولم تكن تعلم أنها سترى شقيقه بالأسفل، لم تكن تعلم أنه متواجد من الأساس..
تعلم أنها مخطئة كما قال وهو محق في حديثه ولكن لما يقسوا عليها إلى هذه الدرجة، لما وقت غضبه يقول ما لا يعلم معناه، ويكسر قلبها بحديثه الفظ البشع، لقد اتهمها بأبشع الأشياء مرة أخرى وهو في حالة اللاوعي غير صفعة لها وجذبه لخصلات شعرها بهذه الطريقة.. من المخطئ الآن هي أم هو؟..
بعد أن نامت على الفراش خرج من الغرفة إلى الشرفة وأخرج من جيبه علبة سجائره وأشعل واحدة وأخذ يدخنها بشراهة، مخرجًا بها كل حقده وغله مما حدث، يتذكر لحظة دخوله ونظرة شقيقه إلى جسدها والقميص الذي كانت ترتديه..
لقد كانت فاتنة تخطف الأنفاس، تذيب العقول والقلوب، ولو كنت راهبًا لودت أن تكون معها، قتلته تلك النظرة هو يعلم معناها جيدًا ولكن أيضًا هو شقيقه مؤكد لم يكن بقصده..
المخطئ الوحيد هنا هي زوجته هي من فعلت كل ذلك، جعلت شقيقه ينظر إليها وجعلت النيران تشتعل بقلبه وكأنها تحرق داخله وما حوله، هي من جعلته يثور عليها وهذا حقه ولن يتراجع عنه فالحديث لا يأتي بنتيجة معها..
ربما كانت تريد أن تكون ليلتهم جامحة وتريد أن تسعد قلبه بما فعلته ولكن أتى كل شيء بالخطأ بسبب تكاسلها وعدم ارتداءها ملابس محتشمة لتهبط بها، وكل من يخطئ عليه أن يتحمل نتيجة خطائه كما تفعل معه..
____________________
“في صباح اليوم التالي”
استمعت إلى ضحكات تلك البغيضة الجديدة بالمطبخ وهي متقدمة لتدلف إليه، تحمل على يدها تلك الصينية التي أعدتها بالأمس وكانت سبب كل ما حدث هي وذلك العصير الذي لا تعلم ما تقوله عنه..
ولجت إلى المطبخ ثم وضعت الصينية على الجزيرة التي بالمطبخ بهدوء دون أن تنظر إلى أحد به والذين كانوا “إيمان” وصديقتها الجديدة في كل مخطط دنيء مثلهما “ريهام” و “يسرى” التي نظرت إليها باستغراب وإلى محتويات الصينية التي كانت كما هي لا يظهر على أي طبق من الأطباق أنه قد وضع أحد يده به..
أخذت تضع كل محتويات الصينية بمكانها المناسب بينما ذهبت إليها “يسرى” تقف جوارها متسائلة بجدية واستغراب:
-ايه ده الصينية زي ماهي ليه؟
أجابتها “مروة” باقتضاب وضيق وهي تتحرك بالمطبخ بخفه وهدوء:
-مأكلناش حاجه
نظرت إليها الأخرى باستغراب أشد من ذي قبل، أمسكت بمعصمها بهدوء وسألتها مرة أخرى:
-مالك في ايه؟ ايه اللي حصل
جذبت “مروة” يدها بهدوء وأجابتها قائلة بحزن:
-بعدين يا يسرى
ثم خرجت من المطبخ وهي ترى تلك النظرة الشامته بعين “ريهام” وكأنها تعلم ما الذي حدث لتنظر إليها هكذا..
تقدمت “ريهام” من “إيمان” وتحدثت قائلة بجدية وابتسامة مُرتسمة على محياها:
-شكلها والعه بينهم
لم تستطيع الأخرى أن تُجيبها حيث دلف إليهم “يزيد” بوجه مقتضب يتساءل عن زوجته:
-فين مروة؟
أجابته “يسرى” سريعًا قائلة وهي تشير ناحية الباب:
-لسه خارجة دلوقتي.. ممكن في الجنينة
عاد مرة أخرى وذهب إلى الخارج ليراها، بحث عنها في طريقة ولم يجدها، ذهب إلى الحديقة يبحث عنها هناك أيضًا ووجدها بالفعل في طريقها إلى مكان “ليل”، تقدم إليها سريعًا وأمسك بكف يدها بحدة ليجعلها تستدير له:
-اطلعي فوق
نظرت إليه باستغراب شديد من وجوده الآن هنا ومن حديثه ونظراته وكل شيء به، تحدثت متسائلة بجدية:
-ليه؟
أجابها بحدة وصوت عالي ولكن اخفضه سريعًا عندما تدارك نفسه:
-متنزليش هنا خالص غير في وجودي فاهمه؟! يلا اطلعي فوق من غير كلام كتير
جذبت يدها منه ثم رحلت دون أن تتحدث كما قال لها لتتفادى غضبه وعصبيته عليها في هذا المكان تحديدًا..
___________________
مرت عدة أيام والوضع كما هو عليه منذ آخر ليلة حدث بها ذلك الأمر الذي قلب كل شيء رأسًا على عقب..
لم يتغير “يزيد” كثيرًا في معاملته إياها بل كان أشد قسوة من السابق، لا يغازلها، لا يشعرها بحبه لها كما السابق، لا يتحدث معها من الأساس، كل شيء باهت غير مبهج..
تواجده جوارها بالغرفة دون الإقتراب منها يقتله، يشعر وكأن هناك ما ينقصه في بُعدها عنه، وكأن الحياة تسير بشكل غير طبيعي بالمرة، ولكن عليه أن يفعل ذلك، عليه أن يجعلها تعلم ما الصواب وما الخطأ فيبدو أنها لا تعلم عنهم شيء..
نظرة شقيقه لها إلى الآن لم تُمحى من ذاكرته بل كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة يتذكرها، يتذكر نظرة شقيقه إلى زوجته ويتذكر ملابس زوجته الفاضحة أمام شقيقه..
جعلها لا تهبط إلى مجلس العائلة بالأسفل إلا بوجوده هو معها، لم يكن ذلك غرضه الأساسي بل كان يريدها أن تبتعد عن “فاروق” في غيابه، لم يشك في شقيقه أو يشك في أخلاقه ولكن لا يستطيع أن يكون هادئ أكثر من ذلك، لم يستطيع أن يصمت عن كل شيء فيكفي أنه لم يتحدث مع شقيقه عن نظرته لها ولمعة عينيه وهو يرى جسدها أمامه..
لن يكره شقيقه ولن يُخَوِنَهُ، أنه يعرفه جيدًا ويعرف أنه يحب زوجته ولكن هو أيضًا مجبر على ذلك.. بينما الجميع في المنزل لاحظ التذبذب الذي بين “مروة” و “يزيد” فهو كان كـ وضوح الشمس واستغلت ذلك مؤكد “ريهام” الذي إلى الآن لم تذهب حيث أنها كانت ستجلس يومان فقط ولكن عندما تغيرت الأمور بين “يزيد” وزوجته استغلت الفرصة للتقرب منه أمامها بحجة العمل..
بينما هي علمت ما الخطأ الذي فعلته، ندمت كثيرًا عليه ولم تكن تحسب أن الأمر سيصل إلى هنا ولكنه هو لم يعلم ما الذي فعله وإلى الآن يراها هي الجانب المخطئ الوحيد..
نعم لقد كانت من بدأ بالأمر ولكنه تناسى كل شيء بينهم ولم يظهر منه سوى غضب، عصبية، قسوة مفرطة وكلمات كـ السموم تدخل جسدها لتفتك به، وجعل المنزل أيضًا علم ما الذي يحدث بينهم بسببه هو.. احتارت كثيرًا في أن تتقدم هي إليه وتتناسى ما فعله أو تنتظر أن يأتي هو ويعتذر منها كما كل مرة؟..
__________________
-ازيك يا عم يزيد يلي مش معبرنا خالص.. كلمتك كتير مش بترد
أردف “سامر” بتلك الكلمات وهو يجلس جوار صديقه أمام تلك البحيرة الصغيرة التي رأى بها زوجته لأول مرة
-معلش مكنتش مركز اليومين دول
تحدث “سامر” مرة أخرى بحماس وسعادة وهو يعتدل جواره في جلسته على الأرضية:
-أنا قابلت عمك وفاروق امبارح واتفقنا نعمل الفرح بعد خمس شهور من دلوقتي
سأله “يزيد” بهدوء وهو يلقي بالحجارة الصغيرة في البحيرة دون أن يستغرب لما حدث دون عمله:
-ويسرى عارفه؟
ابتسم الآخر بسخرية وتهكم وأجابه وهو يلتقط حجارة ويلقيها هو الآخر:
-ومراتك كمان عارفه.. مفيش غير أنتَ
أبتعد عن نقطة زوجته كليًا، لا يريد التفكير بها الآن، لا يريد أن يشعر بالوحدة دونها ودن تواجدها معه، سأله مرة أخرى باهتمام:
-بس مقولتليش هتعيشوا فين؟ هنا ولا في المهندسين
أردف “سامر” بتأكيد وهو يلوي شفتيه:
-لأ أكيد في المهندسين أنتَ عارف شغلي في الشركة كله هناك ويادوب هنا إجازات ده طبعًا لو مسافرتش تاني.. من الآخر يعني هنا ولا هناك ولا في أي مكان يسرى هتكون معايا
ابتسم “يزيد” بهدوء ابتسامة لم تصل إلى عينيه وتحدث قائلًا وهو يربت على كتفه:
-ألف مبروك يا حبيبي
ابتسم له “سامر” ولكنه منذ أن جاء يشعر أن هناك خطب ما به، ما الذي حدث معه جعله هكذا.. ربنا علمت زوجته بكل شيء، تساءل باستغراب:
-بس أنتَ مالك فيك ايه كده؟
-ولا حاجه ولازم أمشي.. يلا سلام
لا يريد أن يتحدث بذلك أبدًا أمام أحد، لا يريد أن يقول ما حدث لغريب عنهم، لا يريد أن يعري زوجته وشقيقه أمام أي شخص كان، لذا ألتزم الصمت ووقف على قدميه ذاهبًا بعيد تاركًا صديقه ينظر في أثره باستغراب ودهشة شديدة..
_________________
-ده كل اللي حصل.. أنا مكنتش عايزه أحكي لحد حاجه خاصة كده بس أنا تعبت بقالنا دلوقتي أسبوعين على الحال ده وهو معاند أوي معايا ومستغل ريهام في أنه يغيظني وأنا مش مستحملة نفسي أصلًا علشان استحملها معاه.. كده أنا اللي غلطانه ولا هو؟
قالت هذه الكلمات بحزن بعد أن وجدت أن لا فائدة به ولا فائدة بها، وكلما زاد البعد بينهم اقتربت منه تلك البغيضة على قلبها..
أجابتها “يسرى” بحزم وجدية شديدة أرادت أن تظهرها لها حتى تعلم ما الذي ستفعله:
-بصراحة أنتِ اللي غلطانه.. آه كنتي عايزه تعملي حاجه كويسه بس أنتِ اللي عكتيها بردو يا مروة.. أي حد مكان يزيد كان عمل كده وأكتر كمان، ده من غيرته عليكي وعصبيته أن أخوه شافك وأنتِ متزينة ليه هو.. وأنا مش بقول كده علشان أخويا ولا بنصفه عليكي بس ممكن يكون شاف فاروق بيبصلك وملحقش حتى ينزل عينه ده يعمل نار جواه من المنظر بس
استمعت إلى حديثها، أنها محقة فعلًا ولكنه أيضًا تمادى ولكن هي تعلم تماديه في عصبيته لا يستطيع أن يسيطر عليه، سألتها مرة أخرى قائلة:
-يعني أعمل ايه دلوقتي؟
ابتسمت الأخرى ابتسامة ذات مغزى وأردفت بجدية:
-صالحيه
نظرت “مروة” في الفراغ تفكر في حديث “يسرى” وكلماتها الصحيحة وما الذي ستفعله ليعود كما السابق معها ويعتذر أيضًا مثلها عما بدر منه، فهي لن تعتذر وحدها نعم أخطأت ولكن هو أيضًا أخطأ عليه أن يفعل المثل حتى لا يتمادى مرة أخرى معها ويرفع يده عليها مهما كانت الأسباب..
______________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية براثن اليزيد ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق