رواية الاختيار الاخير كاملة بقلم ناهد خالد عبر مدونة كوكب الروايات
رواية الاختيار الاخير الفصل الثالث 3
_ استهدي بالله ودخلي شنطتك جوه، عشان انا مش ضامن نفسي اقدر اتحكم في اعصابي اكتر من كده.
ضغط على نفسه كثيرًا كي لا يتهور ويفعل ما لم يفعله طوال سنوات زواجهما، وقد نجح وهو يضغط على اسنانه بقوة ليهدأ غض’به..
نظرت له بأنفاس سريعة من شدة غض’ بها هي الأخرى، ووقفت تنظر له هكذا بصمت لثواني كأن عقلها يفكر في شيء ما، وهو ينظر لها بانتظار لخطوتها القادمة، والتي تفاجأ منها حين وجدها تلتف لتسحب حقيبتها وتدلف الغرفة بالفعل!
وقف قاطبًا حاجبيهِ بتفاجئ لتصرفها فقد ظن أنها ستعانده وتصر على موقفها حتى ولو لقليل قبل أن تخضع ففي النهاية هي تعلم جيدًا أنها بلا مأوى!
نصف ساعة وخرجت من الغرفة وقد اتخذ هو الاريكة مجلسًا له يفكر في القادم بينهما…
قطعت تفكيره وهي تضع الحقيبة مرة أخرى نصب عيناه، ليزفر باختناق وهو يردد بسأم:
_ استغفر الله العظيم، انتِ طلعتي تاني! ده انا قولت عقلتي لما دخلتِ الاوضة، وهديتي وفكرتي فيها صح.
نظرت له بثبات وهي تجيبه بأعين مثبته عليه بقوة:
_ مانا عقلت وفكرت فيها صح فعلاً.
رفع حاجبه ساخرًا يسألها:
_ ده ازاي بقى؟ اومال ايه الشنطة دي؟
_ لا دي مش شنطتي، دي شنطتك أنتَ.
نهض واقفًا بعدم استيعاب لجملتها وهو يقول:
_ مين قالك اني ناوي اسيب بيتي؟!
احتدت نبرتها وهي تخبره:
_ لا، مهو مش بمزاجك.. أنتَ مش كده كده هيبقالك بيت تاني؟ وهتقعد فيه اكيد، ويوم ما مزاجك يجيبك هتيجي هنا… فانا بوفر عليك البهدلة وبقولك احنا مستغنيين عن وجودك، خليك هناك معاها، ووقت ما تحب تيجي تشوف ولادك البيت مفتوح.. بس تشوفهم وتمشي متعملش حسابك تبات، وورقة طلاقي توصلي، وياريت يكون عندك كرامة وتقبل بالوضع ده.
انفعل عليها من صدمته فيما تقوله، فلم يتوقع ان تضعه في ذلك الموضع، وما زاد من انفعاله هو جملتها الأخيرة، فهدر بها:
_ يكون عندي كرامة! لا أنا عندي كرامة اوي كمان، متفكريش اني همسك في ديلك واقولك مش مطلقك، لو ده اختيارك، يبقى أنتِ الي اختارتي، بس كوني عارفة إني مكنتش مخطط اني اطلقك ولا اسيب بيتي وولادي، واعتقد ان في كتير زيي، بيتجوزوا وبيوازنوا بين البيتين وفي ناس عندهم ٣ بيوت وعادي، لكن مادام ده اختيارك فأنا مش هراجعك فيه.. بس افتكري كمان اني مظلمتكيش.. بس ياترى مين قالك اني هسيب شقتي وامشي!؟
انسدلت دموعها التي حاولت كثيرًا كبحها واختنقت بتلك الغصه التي انتابت حلقها:
_ مظلمتنيش! اه فعلاً، والناس الي بتتكلم عنهم دول، كدابين كلهم، محدش يقدر يعدل بين بيتين، محدش يقدر يوازن بينهم، انتوا بس بتريحوا ضميركوا..
وهتسيب الشقة وتمشي عشان انا حاضنه، وعشان مش هترضى لولادك البهدلة لو طلعت من هنا بيهم، ويكون في علمك، هتبقى على موتي لو طلعت من هنا من غيرهم.
حرك رأسه بيأس من الموقف، وتنهد تنهيدة عميقة قبل أن يقرر فعل الأصلح.. ويبدو أن الأصلح هو ما طلبته..
———————–
وها هو يبرر لولديهِ غيابه عن المنزل، يأتي ليراهم يوميًا تقريبًا، لكنه بالأخير يذهب! اربعة اشهر مروا على هذا الحال حتى بات تذمر الصِغار يظهر.
_ بابي انتَ ليه مبقتش تنام معانا هنا؟
كان هذا السؤال الذي خرج من فاه طفله “ساجد”، ليجيبه بحنان وهو يعبث في شعره:
_ معلش يا حبيبي، انا بس شغلي كتير وبضطر ابات في الشغل، وباجي كل يوم اهو اشوفكم.
_ ازيك يا معاذ، اخبارك ايه؟
رفع رأسه حين استمع لصوتها ليبتسم لها بهدوء وهو يجيبها:
_ بخير، عامله ايه يا زينة؟
جلست بكل ثقة أمامه وهي تجيبه بزهو:
_ تمام جدًا، أنا حتى كنت لسه هعزمك على افتتاح الأتيلية بتاعي، الاسبوع الجاي يوم الخميس، اوعى متجيش.
ابتسم بالكاد وهو يرى أنها تخطته! بل وبدأت تخطط لحياتها ومستقبلها كأن غيابه لا يعنيها! لن ينكر انه شعر بالغيظ حيال الأمر، فقد كان يمني ذاته بعودتها له بعد شهر على الأكثر، ويجزم أنها لن تستطيع العيش بدونه، وللعجب انها خالفت توقعاته!
_ بجد؟ مبروك، مبسوط انك حققتي حاجه لنفسك، بس من امتى وانتِ بتهوي التفصيل؟
اجابته بهدوء جاد:
_ من زمان، من ايام ماكنت في اعدادي، واستمريت في ده لحد ما دخلت ثانوي كمان، بس بعدها بابا محبش ان حاجه زي دي تشغلني عن دراستي في الكلية، وكان شايف انها ملهاش لازمة، وزاد الموضوع لما اتقدمتلي واتخطبنا، بعدها انا نفسي نسيت الهواية دي، وانشغلت..بس جه وقت خروجها للنور.
بابتسامة صفر’اء مغتا’ظة كان يجيبها:
_ اه اكيد، مبروك مرة تانية..
————–
وهل زينة نست؟ وهل بالفعل تخطته بسهولة! هل أصبح حبها له مجرد ماضٍ!؟
كل الاجابات باتت واضحة يوم الخميس من الأسبوع التالي..
تزينت بأبهى فساتينها، وللحق بدت جميلة بشكل يخطف، وقد خطفت أعين “معاذ” بالفعل، ولوهلة شعر بندمه لتسرعه في اضاعتها، فها هي تقف شامخة، قوية، جميلة، ذات شخصية طاغية على الحضور، لتلقي كلمتها في الافتتاح، والجميع يصفق! وبعدها تدور هنا وهنا، ترحب بهذا وترد تحية ذلك، حتى وصلت لهما.. هو وزوجته..
_ أهلاً، أهلاً، نورتوا.
ابتسم لها بلطف حقيقي وهو يجيبها:
_ ده نورك مبروك على الافتتاح.
اشار بينها وبين زوجته وهو يقول:
_ _ ايناس مراتي، زينة طليقتي اكيد تعرفيها.
قالها وهو يقدمها لزينة بتوتر طفيف انتابه من أن تفعل الأخرى شيء يضعه في مأزق، لكنه وعلى أي حال لابد أن يعرف أولاده عليها، والأمر لن يتم في عدم وجود والدتهما، لذا فهذه نقطة البدأ..
ابتسمت بغموض وقد اقتربت خطوتان كانتا الفاصلتان بينها وبين غريمتها ورددت بأعين تلمع مكرًا:
_ مش محتاجين تعرفنا على بعض، ازيك يا إيناس.
ابتسمت ايناس على مضض وهي تجيبها بضيق:
_ كويسه، أنتِ عاملة ايه يا زينة؟
ضحكت بدلال وهي تجيبها:
_ لا انا كويسه جدًا..عمري ماكنت كويسة زي دلوقتي.
باغتتها “ايناس” بسؤالها:
_ فتحتي اتيلية وبتخططي يكون احسن اتيلية في البلد وتعملي فروع زي ما قولتي من شوية، بس مش وارد لو اتجوزتي تاني جوزك ميحبش ده! يبقى بتضيعي مجهود على الفاضي.
وكلماتها جعلت “معاذ” تتجعد ملامحه بضيق واضح، لم يحب ما ذكرته، ليجيب قبل إجابة “زينة” :
_ جواز ايه، زينة اكيد مش هتسيب الولاد وتتجوز.
وكلماته اشع’لت غض’ب “زينة” التي نظرت له بتحدي سافر:
_ ليه! مانتَ سبتهم واتجوزت، ولا حرام ليا وحلال ليك! انا لو عاوزه اتجوز من الصبح هعملها عادي، محدش له عندي حاجه، بس الحقيقة…
التفت ل”ايناس” لتردف بابتسامة:
_ مين هبلة تتجوز مره وتعملها تاني! انا دلوقتي متحررة، بعمل الي عوزاه، وبمشي حياتي بأمري، وعايشة كويس جدًا، مين قال اننا منقدرش نعيش من غير راجل في حياتنا! او مين ربط النجاح بالجواز! بالعكس، انا كده في حال احسن، نفسيتي اتحسنت كتير، وحاسه بسلام رهيب عمري ما عيشته، ابقى مجنونة لو فكرت احط نفسي في قفص راجل تاني، غير بقى إن ولادي عندي بالدنيا وعمري ما هعرضهم لأي احساس سخيف بأي شكل.
انهت حديثها وهي تقول بابتسامة لهم:
_ استمتعوا بالاحتفال.
وذهبت من أمامهم كذهاب النسيم الهادئ تمامًا..
——————-
والاجابات أتت الآن، حين انتهى الاحتفال وعادت غرفتها، تتذكر وقوفه لجوارها، انتمائه لأخرى، لم يعد حقها، لم يعد يخصها بأي صفة.
لساعتان وربما ثلات انفط’ر قلبها من ال’ بكاء قبل عيناها، وهي تكتم اوجا’عها وشهاقتها في وسادتها كي لا يشعر بها الصغيران.. مازالت تحبه، واللع’نة على كل شيء…
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية الاختيار الاخير ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق