رواية براثن اليزيد الفصل الثالث 3
“نظرة الشك بعينيك تقتُل بدلًا من المرة ألف”
تُطالع هيئته الغريبة عليها بخوف يُكاد يوقف قلبها عن النبض، عيناه يخرج منها لهيبٍ، يضغط على فكه السفلي بشدة ظاهرة، قبضته تشتد على يدها، تؤلمها بشدة، كم أن المظهر لا يروقها، تُكاد تفقد وعيها بسبب نظرته فقط.. وعيها!.. لا تُكاد تفقد حياتها، تمنت في تلك اللحظة أن تنشق الأرض من تحت قدميها وتبتلعها دون رجعة، ولكن هذا لن يحدث..
استفاقت على يده الذي اشتدت على معصمها مطالبًا بـ إجابة على سؤاله لتصرخ به والألم يحتل ملامح وجهها النقي:
-معرفش ايه ده قولتلك معرفش
تصاعد غضبه بسبب كذبها عليه، تظُن أنها تستطيع الاستخفاف به؟، هو يكره بشدة الكذب والمراوغة من أحد يقف أمامه، لوى ذراعها خلف ظهرها مشددًا عليه لتستدير إليه بظهرها عنوة، اقترب من أذنها ليهتف بغضب جلي:
-أنتِ مفكرة أنك ممكن تستغفليني؟.. لا فوقي مش أنا، الرقم متسجل على موبايلك حبيبي موبايلك ده ولا مش موبايلك؟
أجابته بخفوت احتل نبرتها بسبب تلك الدموع الجارية على وجهها بفعل قبضته على يدها:
-موبايلي، بس والله ما أعرف حتى رقم مين ده، والله مش أنا اللي سجلته مش أنا صدقني
ارهقته تلك النبرة الخافتة الحزينة، تمادى في غضبه وسؤالها تمادى كثيرًا، تركها وعاد بنظرة للهاتف الذي بين يديه إلى الآن، مسح على وجهه وأخذ نفسٍ عميقٍ محاولًا العثور على بعض الهدوء بداخله ثم هتف مرةٍ أخرى بصوتٍ جعله هادئ قدر الإمكان وهو يضع الهاتف أمام وجهها بعد أن فتحه مرةٍ أخرى:
-شوفي.. الرقم متسجل حبيبي وده موبايلك أنتِ ده غير الكلام اللي باعته إزاي أصدق أنك متعرفيش عنه حاجه؟
نظرت إليه والدموع تأخذ مسارها على وجنتيها، لم تكن هذه الإهانة سهلة إلى هذا الحد الذي يعتقده حتى تقف تتناقش معه، نظرت إلى عينيه القاتمة بتردد ولكن حسمت أمرها في النهاية قائلة بثبات:
-أنا قولتلك معرفش عنه حاجه كفاية بقى واتفضل أخرج عايزه البس هدومي
أخفض بصرة إلى جسدها بعد انتهاء حديثها ليراه ظاهرًا أمامه بسخاء فقد دلف إليها قبل أن ترتدي كامل ملابسها، رفع بصرة إلى عينيها التي تنظر إليه بحزن ليتحدث قائلًا بثبات هو الآخر عازمًا أمرة على معرفة الحقيقة:
-مكتوب في الرسايل دي
“مروة حبيبتي روحتي؟”
“مروة ردي البقف اللي معاكي عملك حاجه”
“هستناكي تكلميني عايز اطمن عليكي يا حبيبتي”
“متتأخريش مع الحيوان ده”
عاد إليها بنظرة بعد أن انتهى من قراءة بعض الرسائل التي اغضبته بشدة ليقول متسائلًا وهو يشير إلى صدره بـ سبابته:
-أنا بقف وحيوان؟
لم تعد تتحمل ما يفعله، ألم تقل أنها لا تعلم شيئًا؟ ماذا يريد بعد؟، هتفت بنفاذ صبر ونبرة مرهقة:
-قولتلك والله معرفش ياخي حتى خد الرقم شوفه أنتَ بمعرفتك بس والله أنا معرفش أعمل ايه علشان تصدق
تقدم منها ووقف أمامها لا يفصل بينهم سوى انشات بسيطة محاصرًا إياها في هذا المكان الضيق، وضع يده على وجهها ممررًا إياها على وجنتها ثم أبعد خصلة من شعرها إلى خلف أذنها لتشعر بقشعريرة تسير في كامل جسدها بسبب لمسته لها في حين أقترب أكثر ثم تحدث بجانب أذنها بنبرة خبيثة:
-أنا عارف أن جوازنا جه فجأة أكيد كان عندك علاقات لو مكسوفه أو خايفه متخافيش ده أكيد طبيعي وأنا مقدرش أحكم على اللي قبل كده… ها جاوبيني لآخر مرة تعرفيه؟
ارهقتها نبرته الرجولية، أخذت كامل حواسها لتشعر أنها ضائعة بين كلماته وازداد صمتها عن حدة ليهمهم بجانب أذنها مرة أخرى فتحدثت سريعًا قائلة بنفي:
-لأ.. لأ معرفوش
ابتسم باتساع على تشتُتها بجانبه وعاد مرة أخرى لخبثه وهو يرفع يده اليسرى يمررها على جانب عنقها الأيمن بينما هتف قائلًا بجانب أذنها اليسرى ضاغطًا على أحرف آخر كلماته:
-تمام يا مروتي أنا هدور ورا الموضوع ده بنفسي بس افتكري لو طلعتي بتكدبي مــش هـــرحــمــك
قال آخر كلمتين من جملته بتمهل شديد جعلها تشعر بالزعر وهي غير مذنبة ثم عاد استكمال حديثة وهو يبتعد عنها للخارج بدون أي مشاعر:
-كملي لبس يا مروتي علشان نمشي
مروتي؟.. هل قال مروتي للمرة الثانية أم فقط اتخيل ذلك؟، أبعد كل تلك المعاناة في النقاش معه يقول مروتي؟.. وهل كان ذلك نقاش؟ لا لم يكن غير شك وإهانة ضُربت في قلبي بخنجر محارب يعلم ما الذي يفعله جيدًا، هل ستكون حياتي معه بهذه الهمجية؟.. لن أوافق على هذه التراهات بتاتًا.
__________________
“غريبة هذه الحياة تجعلك تشعر أنك تملك كل شيء، حتى أنه في بعض الأوقات تنسى أن هناك من يُحاسب الجميع وتعتقد أنك الوحيد الذي له كامل الحق في أخذ ما يريد ومحاسبة من يريد ولكن ستفعل ما يحلو لك وكما شئت وهناك من ينتظر عودتك إليه أما تائبًا أما راجيًا”
صرخت بهم وهي واقفة في بهو المنزل الكبير، منزل عائلة “الراجحي” تحمل قماشة سوداء اللون على يدها وتشرف على الجميع في المنزل من أول كبيرهم إلى صغيرهم، صاحت بصوت عالٍ ليستمع إليه الجميع بحدة وقد ظهرت تجاعيد وجهها بين صياحها:
-عايزة البيت يبقى بينور وميكونش فيه ولو نقطة مش نضيفة هو احنا جايلنا بكرة أي حد دي بت عيلة طوبار بذات نفسها
أجابتها “إيمان” مُبتسمة بسخرية جلية ظهرت على ملامحها وهي تقف أمامها:
-متقلقيش يا مرات عمي الناس شغالة على آخرها
نظرت لها لتبتسم الأخرى بعنجهية وتعالي قائلة:
-اومال يا إيمان لازم تشوف بيتنا ايه وبيتهم ايه.. لازم تشوف العز اللي إحنا فيه، لازم اوريها بت عيلة طوبار دي مين إحنا
أتت من خلفهم “يسرى”، وقفت معهم تنظر إلى والدتها بهدوء ثم قالت موجهه حديثها إليها باهتمام:
-الاوضه عايزة تتفرش يا ماما بقى، كده كده أصلًا يزيد مش هيبات فيها النهاردة
نظرت إلى “إيمان” نظرة ذات مغزى ثم ناولتها قطعة القماش الذي كانت بين يديها لتقول بحزم وقوة:
-افرشي الملاية دي يا إيمان ووضبي الاوضه زين
نظرت إليهم “يسرى” بذهول غير مصدقة حديثها الذي هتفت به منذ قليل لتتحدث هي باستغراب جلي:
-أنتِ هتفرشي لعريس وعروسة فرحهم بكرة ملاية سودة نهار أسود يا ماما
نظرت إليها والدتها بحدة وعنجهية تسيطر عليها ثم اجابتها قائلة:
-مالكيش صالح أنتِ بالحكاية دي
ثم تركتها وذهبت وهي تفكر في كم الأشياء الذي ستفعلها في “مروة” ابنة عائلة “طوبار” ومن خلفها سارت “إيمان” لتلبي طلبها وهي تفكر كما الأخرى ماذا سيحدث بضيفة البيت الجديدة؟.. بينما تركوا خلفهم “يسرى” تشفق على عقولهم وما يحدث بداخلها وتتساءل ألهذا الحد أعينهم مُغشية أم نفوسهم مريضة؟.. كيف تكون هذه بداية عروس باللون الأسود؟.. هكذا يجعلونها ترى حياتها القادمة بدلًا من السعادة والفرح تدلف إلى سواد قاتم؟.
__________________
“مُشتت هذا القلب النقي، أمْ العقل هو المُشتت؟.. الاثنين هذا وذاك، الاثنين وقعوا في براثن اليزيد، من يرسُم الابتسامة على مُحياه، من يقترب ليُشتت العقل والقلب وجميع الحواس، من يعمل على الاقتراب ليكون أقرب من الوريد، ألم ترى جروح لم تلتئم بعد؟، ألم ترى الانتقام بعينيه؟.”
خرجت من سيارته أمام باب منزلهم الداخلي وخرج هو الآخر خلفها ثابتة تعابير وجهه، تحمل الهدوء الشديد أو البرود الشديد أيهما أقرب، تحرك نحوها إلى جانب السيارة الآخر واضعًا يديه بجيوب بنطاله ذو اللون الأسود وقميص كما اللون الآخر أسود..
نظرت إليه وهو يتحرك، لم يجذبها غروره ولا عنجهيته بل بغضتهم بشدة ولكن ملامح وجهه جذبتها كما السحر تنظر إلى خصلات شعره الأسود اللامع أمْ هو بني؟، عينيه ذات اللون الزيتوني أمْ الأزرق أو هي خضراء؟، أنفه الحاد، شفتيه البارزة، لحيته النامية، ما هذا الاختلاف بملامحه؟ ولكن تروقها بشدة، الآن نظرت إلى جسده الرياضي كم كان متناسق، منكبيه العريضين، خصره المنحوت، الآن نظرت إلى وسامته عن حق..
خرجت من شرودها في وسامته على صوته وهو يقول بـ عنجهية تسيطر على نبرته وتراها بوقفته أيضًا وهو واضعًا يديه بجيب بنطاله وتحمل إليها شفتيه ابتسامة غرور قائلًا:
-هتبصيلي كده كتير.. لقتيني حلو ولا ايه؟
نظرت إليه ببلاهه وعيون مُشتته من نبرته الرجولية ذات الطابع الساحر على حواسها، قالت بتوتر وهي تحاول إخفاء عينيها عنه كي لا يشعر بتوترها:
-لا أبدًا أنا بس سرحت شويه
لوى شفتيه عابسًا معها ثم ابتسم بتهكم مجيبًا إياها:
-يمكن بردو
ذهب إلى باب السيارة الخلفي، فتحه وأخرج منه الأكياس الخاصة بها، فستان الزفاف والحذاء الخاص به، خاتم الزواج الذي جلبه لها عنوة لتضعه بإصبعها، حملهم ثم تقدم إلى باب منزلها الذي تقدمت هي الأخرى لفتحه بمفتاحها الخاص بعد أن أشار لها برأسه كدليل على فتحه، أخذتهم منه لتضعهم بالداخل ثم خرجت له مرة أخرى..
نظر إليها مبتسمًا بودٍ لا يدري هل هو زائف أم حقيقي ليقول مُشيرًا إلى أذنه:
-هبقى أكلمك متناميش علش…..
بتر جملته عندما وجد من يتقدم منهم آتي من خلفها داخل المنزل وقد بغض وجوده الآن ذلك الطفل الصغير بنظره، رآه ينظر إليه مبتسمًا بسخرية كما السابق وكأنه يدعيه قائلًا تقدم واقتلني!..
-مروة حبيبتي كويس أنك رجعتي كنت مستنيكي
قالها “تامر” بعدما وضع يديه حول أكتاف “مروة” محاوطًا إياها وكانت هذه أول مرة يفعلها ويتلمسها وجعلتها هذه الفعلة المباغتة ترتعش كرد فعل غير مرحب به، نظرت إليه باستغراب بينما هو مبتسمًا بسماجة واضحة..
قبض يزيد على يديه داخل جيبه وكاد أن يهشم وجه ذلك البغيض ولكنه تقدم منه متحكمًا في تفاعلات وجهه مبتسمًا بهدوء، جذبها من يدها بعدما أخرج يده من جيبه لتقف بجانبه مقابلًا “تامر” ثم قال بهدوء عكس ما بداخله:
-لا دلوقتي مروة بقت ست متجوزة.. ايدك دي متلمسهاش تاني، ده مش علشاني ولا حاجه بالعكس
ثم استكمل حديثه مبتسمًا بسخرية لاذعة:
-أنا خايف ايدك توحشك
سارت ضحكات “تامر” في أرجاء المكان لتعمل على استفزاز “يزيد” بشدة ثم ربت على كتفه بعد أن هدأت ضحكاته وقال بسخرية كما الآخر فعل:
-عيوني يا أبو نسب
نظر إليه بهدوء وقد احتل الغضب داخله، جذبها من يدها ليقف بعيد نسبيًا عن أعين ومسامع “تامر” ثم هتف من بين أسنانه بحدة:
-هاتي موبايلك
قد شعرت بنظرات النيران التي يتبادلها كلًا من “تامر” و “يزيد” ولكن لم تدري ماذا حدث بينهم ليتحدث معه هكذا ولما ينظرون لبعضهم هكذا، ولم تفهم الآن لما يطالب بهاتفها ألم يصدق حديثها هذا الأبله صاحب المزاج العكر، أجابته باستغراب كان مُرتسم على ملامحها:
-ليه؟
شكه يجب أن يكون بمحله، عاد بنظرة إلى “تامر” ليراه ينظر باتجاههم وعندما رأى “يزيد” يتطلع عليه نظر بعينيه ثم أمال رأسه غامزًا له بسخرية فعاد هو بنظره إليها ليتحدث بعصبية:
-قولتلك هاتي الزفت
-الله ما براحه
زفرت بحدة ثم أخرجته من جيب بنطالها وناولته إياه، أخذه منها ثم فتحه وبجانبه هاتفه نقل إليه بعض الأرقام ثم ناولها إياه قبل أن يوليها ظهره وصعد إلى سيارته ذاهبًا من ذلك المكان الذي بغضه بشدة أكثر من زي قبل بسبب ذلك الطفل الصغير..
نظرت في أسره باستغراب لتبديل حاله هكذا فقد كان يتحدث بهدوء ولين قبل مجئ “تامر” هل كلماته هي التي أغضبته؟، أمْ فعلته عندما تلمس جسدها؟، تنهدت بضيق من ذلك “اليزيد” الغريب عليها ثم عادت إلى داخل المنزل دون أن تتحدث مع “تامر” الذي ابتسم بسخرية بعدما رحل “يزيد”.
____________________
“بعد منتصف الليل”
عقله لا يرحمه من التفكير ولو قليلًا، بدايةً من “مروة” إلى الطفل “تامر” وذلك الرقم الذي وجده غير مسجل، هل عليه تصديقها؟، ملامحها حقًا كانت تحمل المصداقية الكافية ليغلق ذلك الموضوع ولكن هو مُعلق بداخل عقله كلمات تلك الرسائل التي ازعجت رجولته بشدة، يود معرفة ذلك البغيض الذي هي حتى لا تعرفه، حقًا الأمر صعب ولا يروقه أبدًا، عقله حتى لا يسعفه في التفكير بشكل صحيح ولا يدري أيضًا إلى الآن كيف ستسير حياته معها هل ستكون زوجته وحبيبته أم سيخدعها ليحصل على ما أراد منذ زمن هو وعائلته!..
هي كـ الملاك لا تستحق إلا المعاملة الطيبة الكريمة، وجهها أبيض بشدة، عينيها تماثل زرقة البحر تمامًا هي حقًا تجعله يضل الطريق بها، شفتيها وردية بارزة تستفزه بشدة، وخصلاتها!.. خصلاتها ذهبية اللون التي تجذبه إليها بطريقة السحر تجعله يود إخفائه عن الجميع، هو لم يخطأ عندما قال إنها ملاك، ولا يستطيع أن يكون سبب تعاسته..
نظر إلى الهاتف الذي كان جانبه على أرضية الإسطبل مترددًا قليلًا ولكن حسم أمرة في النهاية، أخذه بين يديه ثم ضغط بعض المرات ووضعه على أذنه بينما أخرج سيجارة واشعلها واضعًا إياها بفمه يستنشقها بشراهة..
أتاه الرد من على الناحية الأخرى بعدما عاود الرنين للمرة الثانية ليتحدث بانزعاج طفيف:
-مش قولتلك استنيني هكلمك؟
أخذت نفسٍ عميقٍ لترد عليه بهدوء عكس ما بداخلها بسبب نبرته تلك وكل ما يحدث من حولها:
-مكنتش أعرف أنك هتكلمني متأخر كده وكنت لسه هنام
استنشق من سيجارته ثم سألها بهدوء غريب مضيق ما بين حاجبيه بدون داعي:
-ممم.. عامله ايه
أجابته بخفوت بعد أن أراحت ظهرها على ظهر الفراش خلفها قائلة بجدية:
-الحمد لله بخير
صمت بعض الوقت بدون حديث وهي تفعل المثل فقط تستمع لأنفاسه الصادرة عبر الهاتف فحملت قليل من الشجاعة بداخلها لتبدأ معه نقاش ربما يُفيد وتعلم ما لا تعلمه عن زوجها:
-هو أنا ممكن أسألك سؤال؟
ابتسم نصف ابتسامة لم تصل إلى عينيه ثم أجابها قائلًا بهدوء وهو يدعس سيجارته بقدمه وهو جالس:
-أكيد اسألي
اعتدلت في جلستها ثم نقلت الهاتف إلى الأذن الأخرى وهتفت قائلة بجدية متسائلة عن سبب منعهم إقامة زفاف:
-عادات وتقاليد البلد هنا بتقول أن بيكون في فرح وحنة والحاجات دي يعني وأنا من ساعة ما جيت اسمع أن عيلتكم عيلة غنية وكبيرة ليه بقى عمك قال لبابا أنكم هتعملوا حاجه كده أي كلام علشان خاطر الناس بس؟
ابتسم بداخله بسخرية شديدة على ما تفكر به، ألا تعلم لما الزواج هذه؟، تشدق ثم هتف متسائلًا هو الآخر بجدية وربما نبرته تحمل بعض الحنان:
-عايزه تعملي فرح يا مروتي؟
مروتي!.. يجعلها هذا الإسم منه بهذه النبرة تفقد نفسها، تفقد كل ذرة تركيز تتحلى بها، وما هذا السؤال يُجيب سؤال بسؤالٍ آخر؟:
-هاا.. لأ أنا بسأل بس عن السبب
ظهر البرود الشديد على وجهه بعد أن أغمض عينيه يعتصرهما ليهتف مُجيب إياها بفتور:
-هو هو نفس سبب جوازنا
لما لا ينتقي حديثه؟، لما يذكرها بذلك السبب البغيض؟، ألا يرى أنه فظ الحديث كثيرًا؟.. هل يريد أن يسبب لها الحزن مثلًا؟.. أم أنه لا يريد من الأساس كل ذلك؟..
كادت أن تتحدث مرة أخرى ولكن قطع ذلك فتح الباب على مصراعيه مرةٍ واحدة لتشهق “مروة” بسبب هذه الفعلة المباغتة، وجدته “تامر” يتقدم إلى داخل الغرفة مبتسمًا فصاحت بحدة بسبب فعلته متناسية أمر ذلك الذي على الطرف الآخر من الهاتف:
-ايه يا تامر مش اللي بيدخل على حد بيخبط الأول خضتني ياخي حرام عليك
ابتسم باتساع على مظهرها ثم صاح وهو يذهب بعيد عنها إلى آخر ركن بالغرفة ليتحدث بخفوت أيضًا:
-معلش بس محتاج شاحن الـ Laptop بتاعك
-تمام ثواني
تركت الهاتف على الفراش قبل أن تقف على قدميها ثم تقدمت لتحضره له من الدولاب الصغير الذي بالغرفة، أعطته له ليشكرها ثم خرج من الغرفة مبتسمًا باتساع وسخرية بذات الوقت..
أمسكت بالهاتف مرة أخرى لتتحدث معه ولكن لم تكن تدري بالنيران الذي تشتغل داخله الآن، لم تكن تعلم أن هناك حمم بركانية على وشك الإنفجار، غضبه لا يستطيع أحد السيطرة عليه، هناك بداخل عقله شكوك من الأساس لم تمحى ليتكون غيرها الآن، جز على أسنانه بغضب جلي، ممسكًا بالهاتف يكاد أن يهشمه بين يديه واضعًا إياه على أذنه بعدما وقف على قدميه، سألها بهدوء شديد وتروي في الحديث وقد كان هذا الهدوء ما يسبق العاصفة:
-الحقير ده بيعمل ايه في اوضتك في نص الليل يا محترمة؟
___________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية براثن اليزيد ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق