رواية مستشفى السعادة كاملة بقلم علياء عبدالصبور عبر مدونة كوكب الروايات
رواية مستشفى السعادة الفصل الخامس 5
بصت للي حواليها بخجل، وكأن كلهم فهموا إن هي اللي مقصودة من هزاره ورجعت بصت للأرض.
ظهر صوت بهاء تاني
_ بعد الشر عنك يا دكتور.. مين اللي يقدر يخطفك، ده انت بتشوف احسن مننا كلنا، قلبك مرايتك
ابتسم وقال :
_ بهزر يا رمضان، انت ما بتهزرش
وكمل
_ أي حد عنده تعقيب كلنا هنسمع، ولو ما فيش تعقيب عايزين حد مستعد يحكلنا شوية يحكي.
ردت بنت من الموجودين وقالت :
_للمرة الخامسة يمكن بسمع قصتك يا دكتور، وعمري ما بمل، كل مرة حكايتك بتلمس حاجة جديدة جوايا.. مع انها نفس القصة، بس مش عارفة ليه كل مرة بسمعها بشكل جديد، نفسي ابقي قوية زيك.
رد ببساطة :
– مين قال إنك مش قوية زي، أنتِ بس محتاجة تساعدي نفسك، واتمنى يكون عندك الرغبة النهاردة انك تتكلمي واحنا اللي نسمعك.
_ النهاردة مستعدة، عايزة أتكلم وافضفض، ومش مهم أي حاجة بعدها.
_ كلنا سامعين يا داليا، وتأكدي إنك لما تتكلمي هتستريحي.
نفس عميق أخدته وبصوت مخنوق حكت :
_ أنا داليا، عندي ٢٠ سنة، مشكلتي هي والدي، أب قاسي ولا يمت للأبوة بصلة ، حطمني بكل ما تحمل الكلمة من معاني، عمره ما قالي كلمة حلوة ولا أخدني في حضنه ، كلمته اللي دايما بيقولها، البنت عار ، ولسوء حظي اني طلعت بنت.. بنت وسط أربع ولاد.. أنا اشطر واحدة فيهم.. لأني ما كنش عندي حاجة احط فيها همي غير المذاكرة.. بابا كان دايما يقولي، انتي خدامة، البنت أصلا اتخلقت علشان الخدمة .. كنت أعيط واقوله بس انا مش خدامة.. ما كنش يرد عليا بالكلام لما أعترض وأقوله انا انسانة يا بابا.. أنا مش خدامة.. كان يرد بالأفعال.. يتعمد يطلب مني حاجة تذلني.. زي انه يندهلي أحط الأكل لأخواتي وأشيله بعد ما يخلصوا أكل وهما قاعدين.. أو يخليني أروح اجيب لأخويا الجزمة وهو نازل وأحطها تحت رجله .. أو أنوا يصحيني من أحلى نومة علشان أحطله ياكل أو اعمل حاجة ما ينفعش هو يعملها علشان هو راجل.. كانت كلمته وكلمة اخواتي سيف علي رقبتي.. ما فيهاش نقاش.
كرهني في كوني بنت.. وكرهني في اخواتي.. وكرهني فيه.. أخواتي بقيوا صورة طبق الأصل منه.. بس استريحت منهم لما اتجوزوا.. أمي كانت سلبية.. بتشوف بعنيها اللي بيحصلي وبتسكت.. لأني كنت شايلة عنها.. ما طول ما انا موجودة كنت انا البديل للخدامة اللي هي أمي.. كان مصمم ما كملش تعليمي غير لحد ثانوي.. بس بعد إلحاح من كل اللي حواليا.. وتوصية من عمي اللي هو في مقام أبوه وافق وسابني أدخل الكلية.. حياتي كلها قضيتها في البيت.. بروح المدرسة أو الجامعة وارجع منهم على البيت علشان أشوف طلبات بابا وأخواتي.. ما كنتش راضية.. كنت بحس بذل وقهر لما يكونوا كلهم قاعدين وانا اللي مطلوب مني أعمل كل حاجة.
سكتت واتنهدت وكملت :
_ المشكلة مش في العمايل.. المشكلة في النظرة الدونية اللي كانت في عين ابويا واخواتي ليا.. أنت ممكن تعمل لحد كل حاجة من غير ما يطلب بس لما تكون بتعمل الحاجة بحب وبرضا.. بابا رباني اني خدامة واني عار.. وأنا عمري ما كنت عار.. أنا كنت بحافظ على نفسي قبل ما يكون علشانه علشان ربنا.. كتير حاولت اتكلم معاه وافهمه إن البنت جنة.. البنت مش عار.. كان دايما يقولي.. ما هي دي غلطتي إني علمتك علشان تتفلسفي.. البنت مش زي الولد.. الراجل سند والبنت ضلع أعوج.
_لا يا بابا انا مش ضلع أعوج.
-اكسر للبنت ضلع يطلعلها أربعة وعشرين.. أحمدي ربنا اني ما كسرتلكيش ضلع.. وغوري اعمليلي كوباية شاي.
كان دايما بيكسرني علشان شايف إن في كسري استقامته.. فاكر لو حن عليا ودلعني اني هجيبله العار.. أنا ما جبتلوش العار.. بالعكس كل الناس بتحلف بأخلاقي.. نفسي أحس إن بابا بيحبني.. بموت من الغيرة لما اشوف أبو واحدة من صحابي حاضنها ولا بيكلمها بلين.. بموت مع كل كلمة حلوة بابا بيقولها لحد من اخواتي وبيحرمني منها انا.. مش المفروض انا بنت ويكون تعامله معايا برحمة ولين أكتر من الولاد.؟.. مش المفروض يحبني ويرعاني ويحتويني علشان ما اجيبلوش العار؟ مش الرسول قال : رفقا بالقوارير.. مش الرسول وصاهم علينا؟
اية ذنبي في أن تربيته كانت بعيدة عن الدين إلا في اللي بيختاره .. بينقي ليه من الدين اللي يجي على هواه ويمشي العادات اللي اتربى عليها في حاجات تانية بصرف النظر عن كلام الدين؟
اية ذنبي إن عقده النفسية خلته يكره البنات وأية ذنبي إني ما تولدتش ولد.. يا ريتني كنت ولد.. يا ريتني كنت ولد.
اتخنق صوتها من العياط وسكتت.. وسكت كل الموجودين.. وجعها وجعهم وحرقة قلبها حرقت قلوبهم.
صوته ظهر من بين كل الألم اللي ملا المكان وقال :
_ كويس جدا يا داليا انك تتكلمي.. كنت مستني أنك تتشجعي وتحكي بقالي كذا مرة.. مبسوط انك حكيتي.. حسيت بكل كلمة قولتيها.. وملتمسلك العذر في كل المشاعر اللي حسيتيها.. بس تحبي ننتناقش ولا تكتفي بالكلام
مسحت دموعها وردت :
_ أحب نتناقش.. عايزكم تريحوني.. أنا تعبانة.. أنا علشان اجي الجروب بزوغ من الجامعة لاني ما قدرش اقول اني هاجي.. المرة الوحيدة اللي اعمل فيها حاجة زي دي.. بس مش هقدر اقوله إني جاية اشتكيه.. مش هقدر اقوله اني رايحة حتة غير الجامعة.. محتاجة تساعدوني لاني مش لاقية اللي يساعدني.
_ عارفة يا داليا.. وضعك بيفكرني بزميلة ليا في كلية الطب.. كان والدها بيجيبها الجامعة ويوديها.. وفي مرة حد سخيف من الزملا قالها هو انتي عيلة.. قالتله بابا بيخاف عليا.. مع إن حد تاني ممكن يشوف ده خنقة وعدم ثقة.. الفكرة في نظرتنا للأمور.
والدك يستحق انك تشفقي عليه.. عارفة ليه؟
ومن غير ما يدلها فرصة ترد كمل :
_ لأن زي ما انتي قولتي.. هو تربيته كدة.. يعني تخيلي واحد في بيئة كانت بتقوله كل يوم البنت عار.. البنت خدامة.. الراجل راجل والست ست.. عايزة تعامله معاكي يكون ازاي.
أخد نفس وكمل :
انتي بقالك عشرين سنة بتقاومي في وضع ومش عارفة تغيريه.. بالعكس كل ما بتقاوميه وبترفضيه بيزيد سوء.. ليه ما تجربيش تتقبلي.. بمعنى انك كدة كدة هتعملي كل حاجة في البيت، فبدل ما تعملي الحاجة وجواكي احساس بالذل.. اعمليها برضا وبصيلها من ناحية انها بر لأبوكي.. هو شايف انك عار أثبتيله بأفعالك إنك فخر مش عار.. شايف إن اخواتك أفضل منك وأهم، أثبتيله بأفعالك وحنيتك أنك بتراعي ربنا فيه زيك زيهم وأنك وقت الجد هتكوني الايد اللي بتطبطب عليه .. والدك مهما ظهر قاسي فهو بيحبك وقلبه مليان بالمشاعر الطيبة ليكي.. هو بس اتربى غلط واترسخت جواه أفكار مسمومة.
خلي علاقتك به طيبة وحاولي إنك تقربي منه وتغيري منظورك لطريقة تعامله معاكي.. هو بيظلم نفسه قبل ما يظلمك، بس بلينك ورحمتك ليه وتفهمك لفكرة إنه اتربى غلط فتلتمسيله عذر في طريقته، هيتغير.. وحتى لو ما اتغيرش فأنتي هتتقبلي.. هو ظالم ومظلوم.. ادعيله ربنا يسامحه ويغيره.. الدعاء بيصنع المعجزات.. والتقبل في الأمور اللي مش بأيدينا نغيرها، والعلاقات اللي مش هينفع ننهيها نص حل المشكلة.. والنص التاني أننا نبص للي بيحصل من منظور الفاعل مش من منظورنا فنلتمسله عذر.
خلي عندك إيمان إن بكرة احسن وإن ربنا هيعوضك عن كل لحظة عانيتي فيها.. طبطبي على والدك وربنا هيرزقك بالأيد اللي تطبطب عليكي.
_ مش حاسة إني هقدر
– هتقدري.. عارفة ليه؟ علشان كلنا هندعيلك وكلنا هندعمك.. قرري واحنا وراكي.. كل جروب هتيجي تحكيلنا على التغيير البسيط اللي عملتيه في نظرتك للأمور وفي رد فعلك.. وواحدة واحدة هنوصل للتقبل.. حتى لو فضل الوضع على ما هو عليه.
ابتسم وكمل :
_ وقومي اعمليلنا كوباية شاي.
ضحكت وردت :
_ أنا مش خدامة
– احنا اللي خدامينك يا ست الكل.
_ ربنا يعزك يا دكتور
– المرة الجاية عايزين نشوف ابتسامة.. مش عايزين نشوف دموع.
_ شكرا يا دكتور
سأل الموجودين :
_ حد عنده تعقيب على كلام داليا
الكل سكت فرد بهاء
_ ما فيش تعقيب بعد كلامك يا دكتور.. احنا بس بنتمنالها السعادة.
– تمام.. كدة ناخد بريك خمس دقايق ونرجع.
قربت منه اللي لسة لحد دلوقتي ما يعرفش اسمها و قالت :
_ أنا اتبسطت أوي
ابتسم وبدعابة قال :
– أية ده انتي لسة هنا
_ شكلي هبقى هنا كل مرة
– وهتحكي؟
_ احكي اية؟
– أي حاجة محتاجة تحكيها
_ مش حاسة اني عايزة احكي.. بس ليه بتهتم إن الناس تحكي
– علشان الحكي بينضف جوانا.. اللي بيخرج بالحكي.. بياخد بعد كدة حجمه الطبيعي.. ما بيفضلش كبير جوانا زي ما كان. بحب نسمع بعض.. علشان مؤمن إن الكلمة نور.. أحيان كتير بيكون كل اللي محتاجينه كلمة.. كلمة ترد فينا الروح وتنور جوانا لمبات موجودة بس مطفية.. تجربتي ممكن تفيد حد تاني انه يقوى وتجربتك ممكن تصغر حاجة كبيرة جوه حد كان قبل حكيك شايفها مأساة.
_ ربنا يجازيك خير
– وإياكم يارب
_ كدة اتأخرتي على صحابك
– بعتلهم رسالة إني مش هعرف اجي
وهو بيتكلم جاله تليفون فاستأذنها يرد :
_ ايوة يا ماما يا حبيبتي.. مش انا بعتلك رسالة اول ما وصلت.. قلقانة ليه.. هخلص واجي على طول.
-………
_ لا ما تتعبيش نفسك.. هاجي زي ما روحت.. سلام دلوقتي علشان هنبدأ
قفل وبص ناحيتها كأنه شايفها :
_ يلا نبدأ
– أظن إني هحكي
_ أكيد هتحكي
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية مستشفى السعادة ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق