Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية ما بين الألف والدال الفصل الرابع 4 - بقلم ملك منصور

   رواية ما بين الألف والدال كاملة  بقلم ملك منصور    عبر مدونة كوكب الروايات 

رواية ما بين الألف والدال الفصل الرابع 4

” لا أجيد الكتابة، ولكنك تحبي ما هو مكتوب، فأحرص أن أترك لكِ ما تقرأيه، عسى أن تلين قلبك وتسامحي، أعلم أنكِ تقرأين رسائلي وتلمس كلماتي قلبك، أعلم أنكِ تتألمين ولكن ألم يكفي؟”
كانت هذه أحدث رسالة له، أصبحت أتفحص بريدي كل يوم قبل أي شيء، شغفي لما يكتبه لي يزداد كل يوم، كلماته لها مذاق آخر، أعلم أنه لا يجيد الكتابة، ولكنه يحرص أن يترك لي كل يوم رسالة حتى لو إحتوت على كلمة، وكأنه يخبرني أنا هنا ولن أتوقف، عبمت مع نهاية رسالته أن الهرب ليس حل، أخرجت قلمي ونقشت بعض الأحرف على رسالته واضعه إياها في بريده..
“وجودنا معًا يستنزف كلانا، توقف عن العبث بنا، وأترك جروحنا تندمل.”
” جروحنا لن تندمل إلا بوجودنا معًا، لقد تلقنت درسي جيدًا، كفاكِ بُعدًا.”
….
“أنا لا ألقنك درسًا، بل أحررك من قيدٍ خجلت يومًا من القول عنه قيد.”
……
استمرينا في المراسله ثلاثة أيام، توقفت عن البكاء ليلًا بل وبدأ شبح ابتسامه في الظهور على وجهي، كتبت آخر كلماتي وأنا أدعو داخلي ألا تتحرر، أن تاتي بغضبك وعينك المشتعلة لتخبرني كما تفعل دائمًا “كفي عن الهراء”
لن أكذب وأقول أنني لم أكن ألقنك درسًا، ولن أقول أنني فعلتها من أجل تلقينك، لقد ذهبت رغمًا عني، فليس طبعي أن أهجر أو أقسو، ولكن غضبي منك كان يملأني، وخذلاني يتسرب في أوردتي، مزيج غريب اختلطت به حتى لم أميز سوى قراري بالرحيل، لم أميز وقتها صحة أم خطأ قراري، كل ما ميزته هو خذلاني المحمل بالألم…
ظننتك ستترك، تحاول مرة مرتين لمعرفة السبب إرضاءًا لفضولك ولكني لم أتصورك هكذا، كعادتك…هدمت أفكاري ضاربًا بها عرض الحائط بانيًا فكر جديد من الصعب توقع خطوته التالية..
رسائلك كل يوم تؤكد لي خوفك…أتلمس صدق كلماتك، محاولاتك، ولأول مرة لا تبخل عليّ بمشاعرك وأختار أنا حبسها، لأول مرة تتذكر التفاصيل التي كدت أنساها لتخبرني أنا لا أنسى، فاسأل نفسي أكنت تحتاج لوقفة؟
أم خشيت انفلاتي من بين راحتيك؟
أكاد أرى ما يجول في خاطرك والخيالات التي تُعجزك عن النوم ليلًا، ليس لأنني ساحرة بل لأن تلك الخيالات لا تفارقني منذ أشهر، أخشى خسارتك وأول من سارع بالهجر، هجرتك ليس لقسوتي بل لأني خشيت أن نتلاشى أكثر..
فاجئتني بإصرارك…وحتى لا أصدق أن هذا أنت، كعادتي التي لم أستطع التخلص منها اختلقت لك الأعذار،
في البداية رجحت أنك تصر أن نعود حفاظًا على شكلك، رغم يقيني أن حديث الناس آخر ما يعنيك، نعم، فكم من الصعب أن أترك قبل زواجنا بشهرين!
ماذا سنقول للخلق؟
لم أفاجئ عندما سمعتك تخبر أمي “فليحترق الجميع بأحاديثهم لا أهتم”
بل رُسمت إبتسامة صغيرة على ثغري لتؤكد لي أنك أدهم خاصتي…
ففي كل ليلة كنت تأتي كان يتصارع داخلي ويحدثني بأن أخرج وأخبرك سامحتك فلا تحزنني مجددًا…
نعم…سامحتك!
فإلحاحك دغدغ قلبي، إصرارك كان كاليد التي تربت عليه لتنسيه أي أذي لُحق به، كأنك تقول “لقد عدت” عدت أدهم خاصتكِ، لم أكن أريد سوى هذا، أن أشعر أنني لازلت أسكنك، لازلت أتربع قلبك، ولازال قلبك ينبض لأجلي، وأنت لم تبخل في إظهار هذا…
سامحتك منذ رأيتك تجلس في مكانٍ كنت أخبرك دائمًا برغبتي في الذهاب إليه ولكن لم تسنح الفرصة…
سمعتك بالصدفه تحدثها بغضب لا تحب مخاطبة به نساء ولكنك كنت في أشد لحظات غضبك، لم أُردك أن تخسرها، فقط أردتك أن ترى، وكان رحيلي كالغمامة التي نُزعت من أمام عينك، قلبي سامحك منذ زمن ولكنه كان متألم، حزين، فتعمدت أن اقسو، أن اهرس المغفل أسفل قدمي حتى يمر معاد قرآننا، أن أتركك تتذوق بعض من الكأس الذي أدمنته كل ليلة، ليس إنتقامًا، بل ألمًا، أن ترى كيف أشعر فلا تجعلني أعيشه مجددًا، لم أكن ألقنك درسًا، ولكني تعمدت ألا أعود سريعًا، فإذا لم أتعلم من الصفعة الأولى، أستحق تلقيها لمراتٍ أخرى…
……
أشعلتني رسالتها الأخيرة غضبًا، استمرينا في المراسلة الكتابية ثلاثة أيام، حتى وصلني جوابها الأخير، تلك الغبية، عن أي قيد تتحدث!
أعلم أن الهراء يملأ عقلك ولكن لم أتصور أنه توسع لهذا الحد!
ولم يكفيني هذا لليوم، بل فوجئت بذلك الـ…، ماذا؟
……
_ في واحد متقدم.
نظرت بلا مبالاة وأنا أتناول زجاجة المياة:
– و….؟
_ قدام قفلتي صفحة أدهم، يبقى تشوفي حالك.
قطع أمي رنين الجرس، وضعت الوشاح أعلى رأسي وأنا اتجه لفتح الباب:
– أيوة يعني أعمل إيه؟
_ إنتِ وافقتي تقابلي محمود؟
اندفع بصياحه فور فتحي للباب، عن ماذا يتحدث؟ محمود؟ من يقصد؟
أيقصد جارنا محمود؟ ولِمَ سأقابله؟
جمعت الخيوط بسرعة وابتسمن ابتسامه مستفزه أثارت الدماء في عينيه، ألقى لي نظرته المشتعلة وهو يتجاوزني ليدخل هاتفًا بغضب:
_ اسمعي يا خالتو، إنتِ تكلمي أمه دلوقتي وتقوللها معندناش بنات للجواز، ورجله متعتبش البيت ده.
قطعته بذات النظرة:
– حيلك حيلك، إنت مين عشان تقول مين يدخل ومين لأ، بابا هو اللي يقرر الكلام ده.
إلتفت لي رافعًا إصبعه محذرًا بعينيه التي تشع غضبًا مسببًا رجفة في جسدي، حسنًا إنه يبدو مخيفًا عندما يغضب:
_ متعصبنيش يا داليا، الواد ده لسانك مش هيخطي على لسانه، وابقي وريني غير كده.
لم ينتظر رد وغادر مسرعًا، فتوجهت أمام الباب صائحه:
– هوريك فعلًا.
أغلقت الباب ساقطة في الضحك أسفل نظرات أمي المندهشة، لم أضحك هكذا من قلبي منذ زمن.
_ لا حول ولا قوة إلا بالله، أنا قولت عندك نص ضارب محدش صدقني، قومي يختي قومي كليلك لقمة بدل ما بقيتي بتلقفي كده.
نهضت مازحًه:
– عيب عليكِ يا ست الكل أنا مية مية.
لم أنهي جملتي حتى افترشت على الأرض أسفل نظرات أمي الساخرة، تبًا للدوار الذي بات يلازمني هذا.
……
” ألم يكفي بعدًا؟ ”
لم تكن رسالة منه تلك المرة بل سؤالًا بات يراودني منذ صياحه في المنزل، كان يرن في عقلي أثناء تجولي أسفل البيت، ولا إجابة، حسنًا، يكفي حقًا، ثلاثة أشهر كافيه، ولكني لنـ….
انقطع حبل افكاري مع انقطاع كل شيء، ما هذا أين أنا؟
ماذا أفعل في صيدلية مصطفى، تبًا هي يقيس لي الضغط؟
لا أتذكر سوى ترنحي متعثرة في تنورتي..اااا حسنًا لقد جمعت الخيوط، يبدو أني سقطت لذلك الدوار مرة أخرى.
_ سلامتك يا داليا، مالك بس، لسه طنط “منيرة” كانت بتقولي بتدوخي كتير، حتى وشك مصفر.
– متقلقش يا مصطفى يمكن عشان مفطرتش بس، مش حاجه مهمه متقلقش، شكرًا على العصير، أما أقوم بقى.
_ استني أنا كلمت أدهم يجي ياخدك.
إلتفت له كالرصاصة، وحقًا شعرت بدلو يسقط فوق رأسي.
– إيه!
ليه بس، أنا قولتلك تعمل كده.
_ أدهم بيحبك بجد يا داليا، إنتِ مشوفتش عمل إيه في محمود لما فكر يتقدملك.
تلك المرة اصغيت له بإهتمام:
– عمل إيه؟
_ يبنتي ده لسه خارج من المستشفى من يومين من بعد اللي حصل.
شهقه سبقت صوتي:
– يلهوي، أدهم ضربة أوي كده!
_ تعبير مجازي، هو بس كسرله مناخيره على شوية خدوش كده، راح بس المستشفى يشوف أخبار مناخيره.
– طب هو كويس دلوقتي؟
_ هو مين ده اللي كويس.
قطعنا صوت “أدهم” لا أعلم لِمَ ولكني شعرت بالإرتباك، فأجبت بإقتضاب مصطنع:
– محدش، أنا ماشيه.
لولا حديث مصطفى لما هرولت للخارج.
_ مفيش يا سيدي، كنت بحكيلها على محمود اللي بهدلته.
إلتفت لي بنظرته المعهودة، لم احظى سوى بنصفها فقد سبقتني قدمي،
شعرت للدوار يجتاحني مرة أخرى نتيجة هرولتي ولكن سبقتني يده التي تلقفت كتفي، فلم أعلم حينها هل كان هذا دوار الذي أصابني أم عينيه المشتعلة.
_ تعالي أقولك بقى كويس ولا لأ، ولا تحبي نجبله ورد ونزوره ميصحش بردك.
– وماله مش عيب.
شدد قبضته على كتفي.
_ داليا، متعصبنيش.
سحبت يدي منه بغضب مصطنع:
– جاي ليه، أدهم متنساش إنت مجرد ابن خالتي وبس ملكش حق تتصرف غير كده.
لانت ملامحه بطريقة أدهشتني، بل أرعبتني، لم يبادلني الصياح، لم يخبرني أن هذا هراء في رأسي فقط، لم يخبرني شيء، فقط شرد بعينيه مع ملامح باردة لا تلقط منها شيء، أيعقل أنه قد اكتفى!
صمته طال فأكد فكرتي، خطوت من أمامه بهدوء محمل بخيبة متجهه إلى البيت حتى وصلت إلى مدخله، لم أعلم لِمَ ولكن فرت دمعة من عيني، علمت حينها أننا انتهينا، مسحت دمعتي ببطء قبل أن توقفني يده بإبتسامه لم أعلم أهي ابتسامه راجيه أم منتصره.
– داليا… وحشني زنك، زعلك، الماسدج اللي بتبعتيها الصبح عشان تقوليلي إنك نازله، الماسدجات اللي في نص اليوم عشان تطمني عليا، وحشني خوفك الغير مبرر، قلقك الدايم، معاملتك كإنك أمي، الفيديوهات اللي بتعمليها، ضحكتك اللي بتقابليني بيها كل مرة، وحشني كل حاجه فيكٌ وأبسط حاجه بتعمليها، إنتِ فاكره إني مش مهتم بس أنا كنت بستنى الماسدج يتاعتك كل يوم حتى لو مكنتش برد، ولو مبعتيش بتعصب لا إرادي من غير ما أفهم أنا مضايق ليه، أنا عارف إنك مشيتي بسببي، وإنك حاسه بالخذلان وملكيش قيمة عندي، بس ده مش حقيقي، ده في دماغك بس، إنتِ أهم من أي حاجه في حياتي، ولو كنت قسيت عليكِ الفترة اللي فاتت فـ ده مكانش بإيدي، أنا مش ببرر، عارف إني غلطت، واتعلمت، بس عايزك تسامحي، سامحي أدهم حبيبك، مش أدهم اللي جرحك، متسيبنيش يا داليا، أنا من غيرك هغرق مش هقوم..
ملأت الدموع عيني مع إبتسامه تتسع مع كل كلمة يُردف بها،
حسنًا لقد كان كثيرًا، لم أتوقع كل هذا، كنت اكتفي بإعتذار بسيط مع إبتسامة تخكي كل شيء، لم أتخيل هذا، كعادتك تفاجئني كل يوم!
اتسعت ابتسامته اكثر حتى افترشت على وجهه، أخرج علبة من جيبه، خاتم جديد فضي رفيع يحمل فراشة صغيرة بجانبه القديم، أقترب وقال:
_ تتجوزيني؟
لم أستطع أن أتوقف عن الضحك، واكتفيت بها ردًا، بادلني ذات الضحك وهو يخرج الخاتم الجديد.
_ ده عشان نبدأ فصل جديد، والأكيد إننا مش هننسى القديم، فلولا اللي فات مكناش هنوصل لدلوقتي.
– يا سيدي على الكلام.
_ أضحكِ اضحكِ.
لم أحصل على اعتذار كما أردت، بل حصلت على الإعتذار الذي لم يقدر خيالي على نسجه، لازلت على رأيي الذي قلته لأمي، نحتاج في حياتنا لبعض الوقفات، وكان قرار رحيلي هو الوقفة التي كان لابد منها، الوقفة التي صفعت كلانا، فلولا تلك الوقفات لما ركبنا القطار الصحيح.
قطعني من شرودي بإبتسامتي البلهاء كما -تقول أمي-
رنين هاتفي.
_ إنتِ مقرأتيش آخر رسالة؟
– امم، لأ، دي كانت امتى.
_ طب افتحي باب الشقة بقى.
دخل مع ابتسامته التي تتماشى مع طبيعته المحببه لقلبي، في الواقع أحبه في كل حالاته ولكني أسعد لرؤية بسمته تزين وجهه،
جلسنا في شرفة الصالة تاركين أمي وخالتي يسخرون منا،
إلتفت له مبتسمه أثناء فتحه الرسالة.
_ إنت سبتها امتى؟
أجابني وابتسامته تغرد قائلًا:
” أعدك عزيزتي إن خذلكِ العالم ستجدي مأمنك معي، ستسكني في قلبي، سأحميكِ مني قبل أن أسمح لنسمة بخدشك، أعلم أنني قد آلمتك، أحزنتك وتسببت بدموعِ عينك، ولكن ما لم تعلميه أن دموعك كانت كقطراتِ اللهب تُحرق قلبي، لم ولن أقصد إيلامك، كل أذى بَدر مني لم يكن بإراداتي، أخبرتكِ ندوبي مُلتهبه، اسعى لترطيبها حتى لا أؤذيكِ، ولجهلي أنني أثناء رحلتي كنتِ أهلككِ في طريقي، أعذري جهلك حبيبك، واحتضني ندوبه، أعطي ذلك القلب فرصة،
فيمكننا أن نصنع وقتنا الخاص بعالمنا المثير بعيدًا عن كل تلك التعقيدات التي حالت بيننا.”
تمت…

reaction:

تعليقات