رواية شغفها عشقا كاملة بقلم ولاء رفعت علي عبر مدونة كوكب الروايات
رواية شغفها عشقا الفصل الثالث 3
الفصل الثالث
بعد مرور أربعين يوماً من وفاة الحاج حسين والد رقية، قام يعقوب بعقد قرانه عليها بعد أن قام بشراء منزل لها، وقام بإعداده من كل شيء، كما قام بشراء ثوب زفاف أبيض إليها لترتديه في حفل الزفاف، وها هي تجلس على يسار المأذون وهو على يمينه، يمسك يدها من أسفل المحرمة القطنية يردد خلف المأذون ما يمليه عليه، و قام عرفة ورجل أخر من المعارف بالشهادة على ذلك الزواج المبارك، وبعد انتهاء الإجراءات والمراسم اختتم المأذون بذلك الدعاء:
– بارك الله لكما وبارك عليكما، وجمع بينكما على خير إن شاء الله.
وبعد المباركات والتهنئة، أخذ يعقوب زوجته التي تشبه الأميرات في جمالهن وبهائهن ثم ذهب إلى المنزل الذي أعده لها، كان يحملها على ذراعيه وتتشبث به بخوف وخجل، ولج من الباب بعد أن قام بفتحه ثم دفعه بقدمه خلفه، سار بها حاملًا إياها حتى أنزلها على الفراش.
أحاط وجهها بين كفيه ونظر إليها بعشق وهيام، يلقي عليها كلماته بصوته الأجش:
– تعرفي يا رقية، أنتي أحسن حاجة حصلت لي في حياتي.
ابتسمت بخجل وهي تخفض بصرها إلى أسفل تارة ثم تنظر إليه لثوان تارة أخرى قائلة:
– أنا بقى اللي ربنا بيحبني إنه رزقني بيك يا يعقوب، هقولك على حاجة.
هز رأسه بلهفة لتردف:
– أول مرة شوفتك لما جيت تعزيني، حسيت وقتها بإحساس غريب قوي، شعور كدا ماقدرتش أوصفه ولا أحكم عليه غير لما جيت لك المحل، قولت معقولة يمكن دا الحب اللي بيقولوا عليه من أول نظرة، لحد ما طلبت منى الجواز من غير ما أفكر وافقت.
غمرها بين ذراعيه ليحتضنها بقوة قائلًا:
– أنا بقى اللي من أول ما شوفتك حسيت فيكي حاجة بتشدني، إحساس عمري ما حسيته مع أي واحدة.
ابتعدت قليلًا من بين ذراعيه فسألته باندفاع وفضول ليطمئن قلبها:
– يعني انت ما حبتش راوية بنت عمك برغم أنكم بقى لكم متجوزين عشر سنين؟
تنهد وكأنه سيخرج ما يجيش بصدره من مشاعر قد دُفنت منذ سنوات وجاءت هي لتُحييها من جديد.
– هتصدقيني لو قولت لك إن جوازي من بنت عمي ماكنش برغبتي.
ضحكت رغمًا عنها وسألته بمزاح:
– كان غصب عنك ولا إيه؟
ابتسم وقام بالضغط على خدها بإصبعيه ثم أجاب:
– أنا عمر ما حد يقدر يغصبني على حاجة، واللي عايزه بعمله، بس أحيانًا بنبقى قدام أمر واقع ملهوش بديل.
أحاطت عنقه بذراعيها تسأله بدلال وعشق يفيض من عينيها ذات لون العسل الذهبي:
– طيب وأنا وضعك إيه معايا؟ أمر واقع ولا اختيار؟
– طبعًا اختيار، وأجمل وأحلى اختيار.
أكد إجابته بمعانقتها وتقبيل وجهها بعشق ووله، يشعر وكأنه كالنسر الذي يحلق في السماء بعد أن ظفر بأنثاه التي تربعت على عرش قلبه المتيم بها من الوهلة الأولى.
※※※
كان يقرأ في الجريدة مرتديًا عويناته الطبية، ربما القراءة تجعله يتهرب من أسئلة زوجته الفضولية، بالطبع لا يريد أن يخبرها بزواج يعقوب في الوقت الحالي كما أوصاه يعقوب حتى لا يصل الخبر إلى زوجته راوية.
وقف الصغير أمام والده طالبًا منه:
– بابا، بابا.
أجاب عرفة دون أن يرفع بصره عن الجريدة:
– يا نعم؟
مد يده وأجاب:
– أنا عايز ٤٥ قرش أجيب إزازة ساقع.
أخبره والده:
– روح خد من أمك.
خرجت من المطبخ للتو تحمل صينية يعلوها كوبان من الشاي، تضعهما أعلى المنضدة قائلة:
– أمه شطبت خلاص، القرشين اللي أديتهم ليا خلصوا.
أخفض الجريدة ليوبخ زوجته ذات الصوت الجهوري الذي يشبه ضجيج السيارات المزعج، قائلًا بصوت خافت:
– وطي صوتك يا ولية، ليلى لو سمعتك ممكن تفهم غلط.
أشاحت بيدها دون اكتراث فقالت:
– ما تسمع، هى اللي معندهاش دم، من وقت ما جات واكلة شاربة قايمة نايمة، مش بيهون عليها تطلع من جيبها جنيه تديه للواد، ولا حتى بتساعدنى فى شغل البيت، لتكون فاكراها لوكاندة واحنا الخدامين بتوعها!
زجرها عرفة بنظرة غاضبة معقبًا على حديثها الحاقد:
– وانتي مالك بيها، دى قاعدة في بيت أبوها وأنا أخوها ومسئولة مني، هتبصي لها على اللقمة اللى بتاكلها! و بعدين ما انتي عارفة ظروفها.
رفعت هويدا ثغرها جانباً بتهكم وقالت:
– ظروف إيه؟ أنا لو مكانها كنت استحملت وقعدت على قلب جوزي لحد ما خدت فلوسي من عينيه، لكن هي يا فرحتي خسرت كل حاجة عشانه وفي الأخر اللهم لا شماتة، هو اللي باعها.
صاح بتحذير:
– هويدا!، كلمة كمان وهخليكي تقومي تلمي شنطة هدومك وتروحي على بيت أهلك.
نهضت وهي تحدق إليه بوعيد:
– بقى كدا يا عرفة، بتهددني، ماشي.
قالتها وذهبت، فرفع يده في وضع الدعاء وبصوت خافت قال:
– اللهم ارفع البلاء عنا أوهون علينا.
وفي الغرفة المغلقة، كانت تستمع إلى هذا الحوار من خلف الباب، ذرفت عيناها الدموع بعدما أدركت أنها غير مُرحب بها حتى في منزل والدها، لذلك حسمت أمرها، وبالفعل بعد مرور ساعات والجميع نيام أعدت نفسها للرحيل، فأخذت حقيبتها ثم تسحبت على أطراف قدميها حتى لا يسمعها أحد، لا تعلم أن زوجة شقيقها تراقبها من فتحة قفل الباب، وحينما غادرت المنزل وضعت هويدا يدها على صدرها وكأن همًا ثقيلًاً قد رحل عنها.
※※※
– أتفضلي يا سعيدة، عاملة إيه؟
تفوهت راوية بترحاب بعد أن فتحت الباب وقامت باستقبال سعيدة التي أجابت:
– الحمد لله يا ستي بخير.
لكزتها راوية بمزاح قائلة:
– بقى كدا من وقت ما اتجوزتي وما بقتيش تيجي حتى تطمني عليَّ، ولا الواد حمودة منعك تشتغلي في البيوت تاني؟
أومأت إليها سعيدة فأجابت:
– ربنا يبارك له المعلم يعقوب من بعد ما أتجوزنا وزود لحمودة المرتب، فقولت على إيه المرمطة ما دام مرتبه مكفينا وزيادة الحمد لله.
— ألا قولي لي يا بت يا سعيدة، مفيش أخبار جديدة؟ ولا حمودة ما بقاش يحكي ليكي حاجة زى زمان؟
شعرت سعيدة بالتوتر بعد أن أدركت سبب دعوة راوية إليها، فسألتها بتردد:
– حاجة! حاجة زى إيه يا ست راوية؟
أمسكت راوية بمحفظة نقودها وأخرجت ورقة من المال بفئة مائة جنية وأجابت:
– لو قولتي ليا هيبقى فيه ميت جنية تانية زيها.
ابتلعت لعابها وهي تنظر إلى الورقة المالية باستسلام فقالت:
– هقولك بس بالله عليكي كأن ما قولتلكيش حاجة
أطلقت راوية زفرة كدلالة على أن صبرها قد أوشك على النفاذ وقالت:
– انجزي يا سعيدة، ما أنتي عارفاني ومش أول مرة تحكي ليا.
هزت رأسها بنعم قائلة:
– حمودة عرف من واحد صاحبه إن المعلم يعقوب خده معاه عشان يشهد على العقد مع عم عرفة.
ضيقت راوية ما بين حاجبيها:
– عقد إيه ده؟ اخلصي قولي بسرعة.
كانت تنظر إلى الأسفل تارة وإليها تارة أخرى، ثم أخبرتها بتوجس:
– عقد جواز المعلم يعقوب على البنت اللي كانت بتشتغل عنده.
※※※
في المساء عاد من المتجر إلى منزله ليطمئن على صغيره وعلى زوجته الأولى التي وجدها تجلس في منتصف الأريكة، ترتدي جلباباً أسود اللون وكذلك الوشاح أيضاً أسود، علم على الفور بأن هناك كارثة في انتظاره فسألها:
– مالك قاعدة ولابسة أسود في أسود كدا ليه؟
حدقت نحوه بنظرة أخبرته ما تشعر به جيدًا فأجابت:
– لابسة أسود على بختي وحظي.
ضيق ما بين حاجبيه بامتعاض يسألها:
– لا حول ولا قوة إلا بالله، ليه بتقولي كدا؟
نهضت وتقدمت منه فتوقفت تلقي عليه سؤالها الذي فاجئه بقوة:
– أقولك حمد لله على السلامة؟ ولا أقولك مبروك يا عريس؟
هز رأسه بتفهم فعقب قائلًا:
– واضح جواسيسك اللي زقاهم عليَّ قاموا بالواجب، أيوه يا راوية أنا أتجوزت.
و في هدوء يسبق العاصفة أخبرته قبل أن تطلق العنان لثورة غضبها:
– البت اللي أتجوزتها دي تطلقها حالًا، يا أنا يا هي.
ظل ينظر في عينيها بصمت حتى أخبرها:
– مش هطلقها واللي عندك اعمليه، أنا الشرع محللي اتنين وتلاتة وأربعة، معملتش حاجة حرام.
قالها واتجه إلى غرفته فصاحت في وجهه:
– بس أنا مش موافقة.
استدار إليها وقال:
– موافقتك من عدمها مش هاتفرق، أنا استحملت منك كتير ولا فكراني نايم على ودني وماعرفش بتعملي إيه من ورايا، تحبي أقولك أنتي كنتي بتعملي إيه عند حسنات؟
– أيوه كنت بعملك عمل عشان ما تروحش تتجوز عليا وعشان أخلف منك تاني.
صاحت بتلك الكلمات فصاح هو أيضاً بغضب:
– أنتي تعرفي اللي عملتيه دا حرام وشرك بالله، يعنى فاكرة إن أعمال الدجالين والنصابين هتمنعني عن أي حاجة عايز أعملها؟! المفروض كنت طلقتك لأنك كدا ملكيش أمان، بس أنا عامل خاطر لصلة الدم اللي ما بينا.
غلبها البكاء رغمًا عنها، لتخبره من بين دموعها:
– أنا عمري ما أذيتك والأعمال دي عشان ما تبقاش لغيري.
– وأدينى أتجوزت.
كلماته كنصال آلاف من الخناجر تطعنها بقوة حتى خارت قواها ولا تريد شيئًا سوى الآتي:
– هتطلقها يا يعقوب.
أخبرها بتحدٍ وإصرار:
– مش هطلقها.
قالها وكاد يذهب فأوقفته تقبض بيدها على ذراعه:
– يبقى تطلقني أنا.
جذب ذراعه من قبضتها قائلًا:
– اقصري الشر يا راوية أحسن لك، طلاق مش هطلق.
أخبرته بتحدٍ:
– أنا هاسيب لك البيت وماشية.
وقف أمامها مباشرة، وبنظرة تهديد قال لها:
– لو سيبتي البيت مش هترجعي له تاني.
※※※
قامت راوية بتنفيذ ما أخبرته به، ومنذ ذلك الحين وهي تمكث لدى والدتها، مرت الأيام حتى أكتمل شهر كامل قد مضي، بينما هو كان ما بين المتجر والمنزل الجديد.
عاد من المتجر لتوه فقامت باستقباله بحفاوة وترحاب، تخلع له حذائه وتخبره:
– أنا النهاردة عاملة لك الأكلة اللي أنت بتحبها.
أمسك يدها وقام بتقبيل راحة كفها قائلًا:
– تسلم إيدك يا حبيبتي.
– يلا بقى أدخل غير هدومك واغسل إيديك قبل ما الأكل يبرد، وليك عندي مفاجأة بس بعد ما نتغدى.
وعلى المائدة كان يتناول طعامه شاردًا، فسألته زوجته لتطمئن عليه:
– مالك يا حبيبي فيه حاجة مزعلاك؟
ابتسم على مضض وهز رأسه بإنكار فأجاب:
– لا، ما فيش، شوية مشاكل في الشغل بس.
نهضت وجذبت الكرسي لتجعله ملاصق جواره فجلست وأحتضنت ذراعه.
– أنا مش عايزاك تشيل حمل هم أي حاجة أبداً طول ما أنا معاك.
نظر إليها مبتسماً وقال:
– ما انتي اللي مهونة عليَّ أي حاجة بتحصل، كفاية أبص بس في عيونك بحس إن أنا في الجنة.
ضحكت بدلال وقالت:
– هنبقى في الجنة بإذن الله والسبب هيكون اللي هنا.
أمسكت بيده ووضعتها على بطنها، عقد ما بين حاجبيه يحاول استيعاب ما تخبره به، سألها:
– هو انتي…
هزت رأسها وأكملت:
– أنا حامل يا يعقوب.
※※※
– خد يا بني أكياس اللحمة دي ووزعها على كل أهل الحارة.
قالها يعقوب فعقب عرفة:
– ربنا يزيدك من نعيمه يا معلم، وربنا يقوم الجماعة بالسلامة.
– يا رب يا عرفة، يا رب.
وبعدما انتهى من الدعاء وجد أمامه شيخًا كبيرًا في العمر، ألقى التحية عليه:
– السلام عليكم يا يعقوب يا بني.
شعر يعقوب بأن هناك أمرًا ما وقد أتى إليه هذا الرجل من أجله.
– وعليكم السلام يا عم سليمان، أتفضل.
ذهب كليهما وجلس كل منهما على كرسي مقابل إلى الأخر الذي يحدق إليه بعتاب ولوم قائلًاً:
– أنا جاى لك وزعلان منك جامد، ينفع اللي عملته مع راوية ده؟
أخبره يعقوب بتبرير ما قد فعله:
– أنا معملتش حاجة حرام.
عقب الأخر:
– بس كان لازم تقولها يا بني، وتسيبها تختار.
شعر بالضيق والضجر لذا قال له:
– بص يا عم سليمان، أنا عارف مقام راوية بنت أختك عندك غالي قوي، بس يعلم ربنا أنا براعي ربنا فيها ازاي و كل طلباتها مجابة، ومسألة جوازتي التانية دي محسوم أمرها، عايزة ترجع البيت أهلًا و سهلًا، أنا ما قولتلهاش تسيب البيت وتمشي برغم إن أنا محذرها لو سابته ما ترجعش، وصممت برضو تنفذ اللي في دماغها.
تنهد سليمان ووجد أن الأمر على وشك التعقيد، فشعر أن عليه أن يخبره بما يعلم إياه:
– هي دلوقتى مجروحة وحاسة إنك أهانت كرامتها بجوازك عليها من وراها، ولما أتمسكت بجوازك من التانية، شافت إنها ما بقاش ليها أي قيمة عندك، معلش يا بنى تعالى على نفسك المرة دي وروح خدها من بيت عمك، إن ماكنش عشانها، يبقى عشان خاطر اللي في بطنها.
※※※
انتفضت من مكانها وهي تهز رأسها برفض، ثم عقبت على ما أخبرته بها شقيقتها للتو:
– لا يا سعاد، ماقدرش ومستحيل أعمل حاجة زي كدا، انتي فاهمة اللي بتقوليه دا يبقي إيه؟ وإيه عقابه عند ربنا؟
نهضت الأخرى ثم جلست جوار شقيقتها، توسوس إليها كالشيطان، بل هي أقوى من الشيطان شراً، فهناك نوع أخر للشياطين أشد خطورة وعلى قدرٍ عالٍ من الشر وما هم سوى شياطين الإنس.
– اسمعي كلامي هاتكسبي قوي، لأنك لو ماعملتيش كدا هتورث معاكم انتي وابنك، انتي اللي أحق بكل حاجة، وما تجيش واحدة ما نعرفش أصلها منين تيجي تقش على الجاهز تعب وشقى جوزك وبتاعك انتي كمان زى ما هي قاسمة معاكي جوزك.
نظرت نحو الفراغ بشرود فكان وقع الكلمات على أذنها أقوى من السحر، بدأت ترضخ إلى الأمر فقالت:
– طيب افرض وافقت على اللي بتقوليه، أنا مش هعرف أتحرك من مكاني، من وقت ما يعقوب جه خدني من عند أمي وحالف عليَّ ما هخرج من باب البيت غير بإذنه.
ظهرت ابتسامة شيطانية على ثغر شقيقتها وقالت بثقة:
– سيبي عليَّ الموضوع دا، وفي خلال أسبوع هاتسمعي خبرها.
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية شغفها عشقا ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق