رواية طوق نجاتي كاملة بقلم ابتسام محمود الصيري عبر مدونة كوكب الروايات
رواية طوق نجاتي الفصل الثاني 2
وهي تهز رأسها بنفي وصدمه وصوت فازع:
– أنا مش فاكره حاجة خالص، أنا فين وانتم مين وهو ايه اللي حصل وأنا فين؟
ثم تمسك رأسها من شدة الصداع:
– أنا مين… طيب انتوا مين.
لم تجد احد فيهما يجيبها الكل يرمقها بصدمه فقالت بعصبية:
– أنا ليه هنا؟
اخذتها الأم داخل حضنها و جعلتها تتمدد حتى تستريح وأبلغتها بعطف:
– اهدي يا تولاي، المهم أنك فوقتي اي حاحة بعد كده سهله.
ابكت تولاي وهي ترمقهما:
– أن مش فاكره حاجة خالص خالص.
– ارتاحي يا قلب أمك وأنا هفكرك بكل حاجة.
خرج حكيم من الغرفة وذهب للطبيب المعالج:
– دكتور بنتى فاقت بس بتقول مش فاكره حاجة خالص.
وقف الطبيب واستعد الذهاب لغرفتها: دي حاجة متوقعه بسبب اللي اتعرضت ليه.
حكيم: يعنى فيه أمل الذكره ترجع.
– قادر اللي نجدها من البحر يرجعلها ذكرتها.
استغفر ربه صلاح ودخلا سويا الغرفة، كشف عليها الطبيب واعطاها حقنه مهدأه وطمنهم على صحتها وخرج.
وضعت تولاي رأسها على الوسادة وأغمضت أعينها وهي مازالت ترتعش، قبلتها يسرا على جبينها، وابتعدت قليلا أمسكت بيد صلاح بقوة وهي تدمع بفرح وعلى شفتيها ابتسامة تظهر جمالها:
– أنا مش مصدقة كابوس فقدان بنتى انتهى، بنتى معايا اهى يا صلاح وفيها الروح، يااااا اخيرا بعد غياب سنتين ترجعلي… كويس أنك اقتنعت بكلامي و نزلنا بنفسنا ندور عليها.
اشتد “صلاح” بعناقها وهو يربت عليها:
– الحمدلله أنها رجعت، ورجعت ليكى الضحكة من جديد، ممكن تاكلي بقى.
اومأت برأسها وعلى ثغرها ابتسامه وخرجوا من الغرفه وهم يمشيان بخطا هامسة فوق الأرض حتى لا يزعجونها.
★****★
وبعد مرور ساعات وجدت هند فتاة تم أنقاذها للتو محموله على سرير الاسعاف، ركضت نحوها وهي تدعي الله من قلبها أن تكون أختها، أمسكت بيد الرجال اوقفتهم ثم رمقت الفتاة النائمه كانت ملامحها باهته دققت النظر بها أكتر وفي داخلها أمل، لكن تبخر سريعا عندما لم تكن أختها، دق قلبها بحرقة وهي تهز رأسها بنفي، بدأ رجال الإسعاف بالرحيل، لكن ترجتهم أن تكلمها، سمح لها وهو يبلغها:
بعد أذنك يا استاذه الحاله محتاحة إنقاذ.
رفعت الفتاة يدها اليسرى مشاره لهم أن يتركوها، توقف الرجال وأقتربت هند أكثر منها وهي ترفع أمام أعين الفتاة هاتفها بصورة اختها تسألها بضعف:
– تعرفي اختي شوفتيها.
بلعت الفتاة ريقها وهي تحاول فتح عينيها وردت بأسنان تتراطم ببعضها من شدة البرد:
– احنا كنا اربعه، واحده أول ما نزلت البحر ماتت والتانيه….
ابكت من هولت ما رأته وبدأ جسدها يتنفض بقوة:
– أكلها القرش قدام عيني، ومن الخوف التالته اللي كانت معايا تقريبا اغم عليها وسابت ايدي والموج فرقنا.
جلبت لها صورة تاليه أوضح، بصرتها الفتاة جيدا وتأكدت هي التى فارقت الحياة بمجرد لمس جسدها الماء، لكنها نفت أنها كانت معهم حتى لا تحرق قلبها على فراقها، وبدأت تسأل بهلع وهي تنظر يميناً ويساراً عن أخيها الذي كان معها في العمره.
بدأ رجال الإسعاف بالتحرك حتى لا تسوء حالتها الصحية أكثر.
وقف هند وضعها يدها على صدرها تدعي الله من قلبها أن ينجدها من ظلمة البحار، أقترب منها عمر الذي كان يبحث في كشف الناجدين عن أسم زوجته بوجه يعكس ما داخل قلبه من ألم وحزن.
وبعد يومين أعلنت السلطات أنهم قد أنقذوا كل من كان له نفس في البحر وأخرجوا كل الجثث التي عثروا عليها طافية على وجه الماء.
صرخت “هند” بقهر على فقدان أختها للأبد، وظلت تركض تترجى كل من يكون مسؤولاً بالنزول مره ثانية يبحثون عن أختها، لكن كان الرد:
– للأسف أي جثة في البحر طلعت.
لطمت “هند” على وجهها، وقال “عمر” بتساؤل:
– ومراتي فين؟
رد عليه بأسف وهو يستعد الرحيل:
– ممكن تكون أكلتها الأسماك.
صرخت “هند” ووقعت أرضا، فأخذها زوج أختها وذهب بها إلى المشفى العام بالغردقة، كان كل العاملين مشغولين بحالات الغرق فوضعها على سرير وركض يبحث عن طبيب، أبلغته الممرضة يبحث عن دكتور” رامي”، تركها واستعد للبحث عنه، خبط وهو يتحرك ب”صلاح” قال معتذر منه:
– متأسف جدا، بعد إذنك تعرف مكان دكتور رامي.
ربت عليه “صلاح” بعطف:
– ولا يهمك يابني ربنا يصبرنا كلنا على المصيبة اللي حصلت، كان لسه طالع من عند بنتي.
“عمر” استغفر ربه وهو يمسح وجهه:
– أنا مش عارف أعمل ايه، فقدت مراتي، وأختها فاقدة الوعي جوه مكنش ليها حد غيرها، يارب صبرني يارب.
– اهدا يابني ربنا ليه حكمة في كل شيء احمد ربك.
– محمود والله يا حج.
قال جملته ورحل حتى وجد الدكتور وذهب معه وكان نبضها ودقات قلبها سريعة، فأبلغه أنها عندها انهيار عصبي، أعطاها حقنة مهدئة وتركه، أخذها “عمر” وتوجه على بلده السويس، عندما وصلا كانت في استقبالهما جارتهم حزنت جدا على ما حدث ل”صافي” وأخذتها معاها ألى بيتها، وهو توجه إلى شقته رمى مفتاحه وجلس على أقرب مقعد متذكرا كل شيء كم كان قاسيا معها لا يلبي لها طلبا، كم كانت رومانسية بأفعالها وهو كان لا يفرق معه، تحملت من أجله الكثير والكثير وهو كان يرمي كل اعباء الحياة عليها.
★****★
– تولاي حبيبتى إنتى حاسة بحاجة.
قالتها “يسرا” وهي تطعمها بعدما كانت تتفحصها تولاي بنظرتها التائهه، أومأت “تولاي” رأسها أنها بخير ومسكت يدها تأخذ منها الأمان وهي تضع رأسها على قدم والدتها.
وبعدما اطمأنت على “تولاي” سمح لهم الطبيب بالخروج، فأخذا ابنتهما وذهبا لفيلتهما بالغردقة، سعدت جدا من هدوء البلد وجمال وتناسق الألوان داخل الفيلا، دخلت غرفتها وهي تمرر عينيها على كل انش بالغرفة، لم تهاجمها أية ذكريات داخلها، جلست على الفراش فتحت كتابا عن علوم البحار، كان موضوعا على المكتب، ثم أغلقته بعد قراءة بعض الصفحات وخرجت لوالديها طلبت منهم يعرفونها على نفسها، فتحت والدتها حضنها لها وبدأت تقص عليها مغامراتهم على الجبال ومتعتها بصيد العقارب، وحبها للسباحة وعلى إصرارها أن تعمل غطاسة، وبالفعل كانت تعمل على لنش والدها بعدما أخذت محاضرات عملي ونظري وحصلت على ثلاث نجوم، كانت مستمتعة جدا من حديثهما وكانت تحب أن تسمعهما باستمرار حتى أن شعرت أن كل ما يقصونه ليس غريب عنها بالفعل.
★***★
– يا ريان قوم بقى حرام عليك، نفسي تشيل المسؤلية وتريح قلبي.
هذا كان صوت “إيمان ” التي تبلغ من العمر ٥٠ عاما في تمام الساعة الخامسة عصرا، كانت تيقظ إبنها بتعب من عدم مبالاته لأي شيء، وفهو شخص خالي من الذوق والمسؤلية، قام من نومه بنعاس يكمل حديثها اليومي:
– هتفضل طول عمرك كده سهر للصبح ونوم للمغرب حرام عليك اشتغل بقى عشان تظبط مواعيد نومك…
– طيب بلاها شغل ….
قطعها وهو يرفع الغطاء من عليه ويقوم بطولة الفارع، كان نصفه الأعلى عاري يظهر جسده الرياضي، يردد كلامها المحفوظ:
– حرام عليك عايزه أفرح بيك وأشوفلك عيل.
جزت إيمان على أسنانها وهي تمشي خلفه:
– أنت برضو …..
أجابها على سؤالها قبل أن تسأله كمن يسكن عقلها:
– آه أنا برضو نايم من غير هدوم ومش هلبس… قولتلك ميت مرة مش بحب أنام بهدوم، أنا بتخنق بسرعة مش بستحمل أي حاجة تفضل معايا ساعة، وحضرتك تقوليلي أتجوز، عايزاني في الصباحية أرمهالك من البلكونة وأدخل السجن….. ردي هترتاحي ابقى رد سجون؟
تأففت من تصرفاته الهوجائية:
– ماشي يا ريان.
دخل ريان المرحاض وهو يفك رابطة شعره وقبل أن يغلق الباب:
– كده خلصنا درس اللي بفتح عيني عليه كل يوم.
أغمضت عينيها بغيظ من غلظته وقالت وهو يغلق الباب ويفتح صنبور المياه:
– جارنا الأستاذ صلاح ومدام يسرا بنتهم رجعت من السعودية.
وقفت منتظره رده حتى أنهى دشه سريعا وأغلق المياه ولف على خصره منشفة وخرج يصفق لها:
– ده بقى الجديد، هما كان عندهم بنت أصلا؟
“إيمان” دخلت وراءه غرفته وهي تقول بحزن:
– آه قبل ما ييجوا يسكنوا هنا من سنتين بنتهم سافرت السعودية تشتغل هناك وأخيرا رجعت، بس كانت في العبارة اللي غرقت.
– تؤ تؤ تؤ لا حول ولا قوة إلا بالله، وكمان فقر يوم ماتقرر ترجع العبارة كلها غرقت.
قال جملته وهو يهز رأسه يمينا ويسارا ووضع يده على بعضهم يمثل الحزن، ضربته والدته على صدره العاري:
– احترم نفسك وحس بالناس اللي حواليك إنت مش عايش لوحدك.
أزاحها جانبا وهو يدخل غرفة ملابسه يغلق خلفه الباب الزجاجي ليرتدي ثيابه وأبلغها:
– الله يخليكي فكك مني، انجزي وهاتي من الآخر إنتى عايزه إيه من الفرح اللي نصبتهولي ده كله.
– تيجى معايا نسلم على البنت.
فتح ريان باب الغرفه وهو يصفف شعره الذي مازال مبتل وضحك:
– اممممم، وماله، فكرة حلوة برضو.. يلا بالأذن.
– هتروح فين ؟!
وقف وهو يرفع يده قليلا وظل يحركهما بالهواء بحركات عشوائية يبلغها ما تريد تقوله:
– روح يا ريان وقابل أصحابك الصيع…. يارب وقعهم في بعض وكل واحد يروح لحال سبيله.
رمت عليه وسادة من غيظها منه، لف سريعا أمسكها وهو يقول:
– كده المخدة اللي بتستحملني في كل أوقاتي تهينيها بالشكل ده.
– امشي من وشاااااي.
– الله بتكرشيني من اوضتي.
قالها بصوت مايع جعلها صرخت وهي تتركه وترحل قبل أن تجلط المسكينة.
ظل يضحك المشاكس، ثم نزل يركض صعد سيارته الاسبور، بصر نفسه في صوته المنعكسة في المرأ ولم شعره الطويل بأحكام، ثم مد يده يفتح التابلو ويخرج منه علكه وضعها داخل فمه بعدما رفع صوت المسجل وأنطلق سريعا متوجه إلى الصالة الرياضية، دخل وضع شنطتة في دلابه الخاص، ثم توجه إلى احد الأجهزة الرياضية حتى أتت إلية فتاة ممشوقة القوام رياضية تعمل بالصالة:
– نورت يا كابتن ريان.
أجابها من غير أهتماما وهو يمسك كبل بين كفوف يده ويحركهما بقوة:
– شكرا.
ابتسمت بملامح بها دلع وأردفت بعدما فكرت في اي حديث:
– بقالك كام يوم مبتجيش.
ترك ريان ما يفعله وحمل أوزان ثقيلها وهو يرمقها باستغراب وقال باستهجان وهو يتفحصها جيدا:
– سوري نسيت ابلغك، اوعى تكوني سجلتيني غياب؟
أنهى جملته وتركها خلفه تتصبب العرق بأحراج كمن أكلت فلفل حار، واحترقت في أخر حلقها ولم يكن هناك ما يمكنها فعله لإزالته، وما عليها إلا أن تعاني منه، حتى تهدأ من ما أصابها.
اقترب منه شاب ابيض البشرة عينه خضراء متوسط الطول يبتسم له، وأحتضانة حتى لا يلفت أنتباه أحد وهمس بأذنه:
– ابو تقل دمك، مالك ومال الحريم يا عدو الطف الكائنات.
ضحك ريان بصوت مرتفع والتف بيده حول عنق صديقه:
– وأنا مالي ومالها يا زينهم مش شايفها لازقه فيا إزاي كل ما اجى لاب لاب لاب، وأنا أساسا بستحمل رغي أمي بالعافية، إنما دي مالها ومالي؟
– اعتبرها زي البنات اللي تعرفهم
القى ريان عليه وزن خفيف التقته زين بيده متأكدا مهما قال لم يقنعه بعضهما إطلاقا:
– دي واحده عايزه مهاتيه وخروج وسهر وهداية ولف وصرمحه، وأنا قلبي الضعيف ميستحملش.
وغمز له بحركة هوجائيه:
– بحب اللي تجيب من الأخر.
– ياجامد يا بتاع الأخر انت.
– آمال، هو أنا لسه ههاتي عشان أوصل لكلمة للنهاية.
تدخلت صديقتها رنا وهي تسحبها من يدها قائله بحده:
– ممكن بقى يا نور تسيبك منه وتركزي في شغلك.
اومأت برأسها وزفرت أنفاسها وأكملت عملها وهى تتمنى أن توصل إلى قلبه.
★****★
شعر “عمر” بلوعة خاصة لم يشعر بها من قبل؛ أصبح فراقها يكوي قلبه بنار تعذبه على كل شيء فعله من قبل، ندم كثيرا، لكن بماذا يفيد الندم الآن، فاق على الحقيقة المره أنها فارقت الحياة بأكملها ولن تعود مهما ندم، لكن عليه ارضاء روحها بأنه يهتم بكل شيء كانت تهتم به نهض ينظر على كل شيء يخصها حوض سمكها الذي أصبح ملئ بالرواسب، قطتها التي تشعر بفقدانها… أختها…
أفاق من تفكيره سريعا متذكر اهم شيء أختها؟ اين هي أختها التي كانت تعتبرها ابنتها؟ ضرب رأسه بقوة، فهو تركها عند جارته عندما وطئت قدمه المنزل، توجه سريعا إلى باب الشقة ليبدأ بها، وطرق على باب جارته التى تسكن أمام بيته بخفة، فتحت على الفور بملامح حزينة على حال الجالسه معها، بدأ هو بالحديث بصوت ضعيف:
– مساء الخير.. ممكن اتكلم مع هند؟
فتحت الباب على أخره مشيره بيدها بالدخول:
– اه طبعا اتفضل، دي يا حبة عيني ولا بتنام ولا بتاكل ربنا يصبركم يارب، ثواني هدخل اديها خبر.
دخل “عمر” عدة خطوات بستحياء وهو يقول:
– اتفضلي.
دخلت لها تبلغها بأن زوج أختها بالخارج ينتظرها، تبدلت خطوط الحزن بملامحها بشعاع أمل:
– فيه جديد صح… لقوها ؟!
هزت الجارة رأسها بنفي وأسف، جعلتها تبكي بكاء هستيري، يقطع نياط القلوب، حاولت تهدئتها بشتى الحيل، لكنها استمرت في النحيب، فمسحت لها عبراتها وأبلغتها أنه سيدخل لها، اومأت برأسها، ربتت عليها جارتها قبل أن تغادر الغرفة وسمحت له الدخول لها، هم بالدخول وجدها تجلس على الأريكة في استكانة وضعف، كانت نظراتها شاخصة إلى الفراغ، وملامح وجهها تشيع بالحزن العميق، وكانت تهمس بصوت شبه مسموع ، في مناجاة يائسة :
– صافي مامتتش … هي قالت عمرها ماهتسبني … قالت أنها هتحميني من كل العالم … قالت مش هتتخلى عني … هي فين دلوقتي من وعدها، سابتني ليييه؟
أقترب منها “عمر” على مهل وكلما أقترب من الأريكة الجلسه عليها تبطئ قدمه لم يعرف ماذا يقول وما عليه فعله، استغفر ربه ودعا أن يلهمه الصواب، جلس على الكرسي القريب منها وانحنى إلى الأمام وهمس بنبرة بها حنان:
– اسمعينى يا هند، صافي شهيدة، يعنى حية ترزق عند الله، هي فازت بكل شيء يتمناه كل مسلم، هي في مكان أحسن من هنا بلاش تزعلي عشان هي شيفاكي ومش هتكون مبسوطة وانتى كده، حاولي اخرجي من اللي انتى فيه عشان هي تكون مرتاحة.
مسحت “هند” دموعها وهي تأخذ أنفاسها، وضع “عمر” يده على كف يدها الصغيرة وساعدها على النهوض:
– يلا يا هند نروح البيت.
– مش هقدر أدخله وصافي مش فيه.
– اجمدي يا هند ده قضاء الله، يلا يا حبيبتى وراكي كتير، كفاية الوقت اللي راح.
نهضت من مكانها بضعف، شكر “عمر” جارته كثيرا وتوجها إلى بيته.
وحين لمست قدم “هند” أعتاب المنزل تركت عبراتها تسيل على وجنتها، حتى تطفى حرارة حسرتها، مد يده على كتفها شجعها على الدخول وهو يربت عليها بعطف وقال:
– هند عايزك قوية انتى هتفضلي هنا لحد ما تطلعي عروسة على بيت جوزك، سمعه.
اومأت برأسها وهي تقف بجوار مصليه، توقفت عن البكاء فجأة ومسحت دموعها بظهر بكفها، متذكرة موقفا جمعها بـ”صافي” حين اهدتها بها من فترة، سأله ذاتها كيف سهت عن ذلك، توجهت في أتجاه المرحاض توضأت وصلت وهي تدعي الله أن يلهمها الصبر.
وبعد أن انتهت أقترب منها “عمر” بحماس:
– ياريت ترجعي تذاكري تاني وتلحقي اللي فاتك، وأنا جنبك دايما في اي وقت هتحتاجيني هتلاقيني.
شكرته كثيرا ثم توجهت لغرفتها تستعد للمذكرة، جلست على مقعدها أمام مكتبها الخشبي ترتب ما عليها أن تفعله في ذهنها وهي تتحسس كتابا موضوعا أمامها وحين لامس كفها جسما صلبا حشر بين صفحات الكتاب، سرت في جسدها قشعريرة باردة وهـي تخرجه بيد مرتجفة، فكان قلم ! القلم الذي أهداتها إياه “صافي” حين نجحت بالثانوية، لا تتذكر أنها وضعته بين طيات الكتاب، لكنها سعدت بوجود قطعة من ذكرياتها أصرت على ملازمتها عنوة رغم محاولة الفرار من أحزانها، تأثرت وأجهشت بالبكاء، وتأكدت أنها لم تستطع الهروب من الحقيقة ابدا، وعليها أن تتأقلم مع الواقع حتى تمضي الأيام.
قامت اغلقت الضوء المشعل واقتربت من فراشها وهي تأخذ نفسنا عميقا، ثم تحرك بؤبؤ عينيها على الكومد، ابتسمت ومدت يدها تأخذ هاتفها رمقته بحزن، فهي لم تسمع صوت رنينه من وقت فراق اختها الحياة، شعرت بيأس وإحباط لكن سريعا تذكرت “سيف” صديقها وحبيبها دق قلبها بلهفه وفتحت شاشة الهاتف وسريعا بحثت على رقمه وضغطت على زر الأتصال وهي تبتسم انتظرت حتى انتهى صوت الرنين، لكن بدون فائدة تركت هاتفها واغلقت جفونها تركه لنفسها السباحه والغوص في أحلامها.
★****★
في الساعة العاشرة مساءا قالت “يسرا” لإبنتها :
– إنتى صحتك الحمدلله بقت أحسن.
– الحمدلله يا ماما ده بفضلكم بعد ربنا.
ابتسمت لها وهي تعرض عليها تنزل معهما صباحا تركض كما كانت تفعل من قبل، فقالت “تولاي”:
– على الساعة كام.
– على خمسة ونص.
– اوكي، هروح اوضتي اقرأ شوية تصبحوا على خير.
قالت جملتها قبل أن تتوجه غرفتها، ابتسما لها والديها وقالا:
– وانتى من أهل الجنة.
★****★
في ملهى ليلي أضاءة زاهية الألوان وأصوات مكبر الصوت تصدح بكل أنش بصوت مرتفع. وكان “ريان” وأصدقائه يسهرون مع بنات يشربون ويرقصون، حتى أن أقتربت من ريان فتاة ترتدي فستان أحمر يثير كل الحاضرين وحجاب بيچ وتضع مسحيق الجمال تخفي ملامحها من كثرتها وقالت بغنج:
– هاي.
عض على شفتة بقوه وأغمض عينه ثم قال بقرف:
– بقولك ايه يا حلوه اوعي تكوني فاكره نفسك ذكية.
عقدت ما بين حاجبيها مستغربه ما يقوله، وأشارت بيدها أن يوضح أكثر، هز رأسه ووضع يده داخل جيب بنطاله وهو يبلغها:
– انتى عارفة كويس أن مش بعرف البنت غير ليله واحده.
تحمحمت بحرج وادعت عدم معرفته:
– أنا أول مره اشوفك هعرف من فين اللي بتقوله.
انفرجت شفتيه وهو يتطلعها وأخبرها بتهكم:
– اه، طيب بصي أنا احترمت ذكاءك يوم الساحل لما دخلتي بدور المطلقه واكلتها بمذاجي مع أن دي كانت تاني مقابلة ما بنا بس عدتها تدري ليش… عشان حاولتي تغيري من نفسك… والمره التالته برضو عدتها عشان كنتى عامله استيل وشم وحركات غريبة إنما يغرك شيطانك أني معرفتكيش يبقى لسه معرفتنيش.
بربشعت بعينيها وقالت بتلعثم:
– هو انت عرفتي؟
– شوفتي وعدتها بس التالته تابته وخلاص قرفت منك، وايه جو الفستان اللي هيفرقع عليكى بالحجاب، امشي امشي كاتك القرف.
فهو شخص دائما يهوى العرض الحصري فقط ومن ثم يضع حبل يفصل بينه وبين أولئك حتى لا يمكنهم الوصول إلى الحبل المخملي بداخله، لمعرفة مشاعره.
ظلوا جميعهم يرقصون حتى أن أتى الفجر برائحة الرمال النادية وصوت الهواء والأشجار يعزفون سنفونية، تركهم “ريان” متجها إلى سيارته حتى يذهب ل فيلته وهو يتطوح من كثرة شربه الكحل.
★****★
استيقظت “يسرا” بنشاط صبية صغيرة وعلى الفور دخلت غرفة ابنتها فتحت النافذة وقالت:
– يلا يا تولاي.
ردت عليها بكسل وهي تتمسك بغطاءها:
– يا ماما سيبيني أنام شوية.
– يا روحي قومي الساعة خمسة، قومي يلا خدي دش عشان ننزل.
قالت بتعجب بعيون ناعسة:
– ننزل فين يا ماما الفجر؟
– مش قولتي هتنزلي معانا تجري.
– الفجر.
– اه
قامت جلست على فراشها وهي تتثاءب :
– أنا قلتلك ماشي.
– اه.
– يقطعني كنت بفتكرك بتتكلمي على المغرب.
قالتها بمسكنه حنى تصعب عليها ، لكن يسرا ضحكت وهي تحمسها:
– قومي وبطلي كسل.
– بالله عليكى سييني أنام.
– أبدا يلا.
قامت دخلت المرحاض ورفعت كمها و توضأت وهي نائمه على نفسها وعند غسل قدميها أفاقت وهي تستغرب ما تفعله، وقالت لنفسها:
أكيد أنا متعوده على الصلا وعقلي الباطن اشتغل لوحده.
خرجت صلت فرضها ولبست ثياب تساعدها على الركض وخرجوا ثلاثتهم وظلت تركض جانب والدتها حتى أن أسرعت وبعدت قليلا عنهم نادت “يسرا” عليها، التفتت “تولاي” بجسدها وهي ترد:
– هجري شوية وهرجع.
ظلت تركض وهي تأخذ الهواء النقي تملئ ريقتها به ثم تخرجه بهدوء من فمها.
شعرت أنها بعدت كثيرا عن مسكنها نزلت من على الرصيف تعبر الطريق حتى ترجع من الناحية الثانيه، لكنها لم تاخذ بالها من العربة التي كانت تمشي في نفس الوقت، حاول السائق أن ينبها بآلات التنبيه وهو يفرمل، لكنها لم تسمعه بسبب السماعات الكبيرة الموضوعة فوق رأسها تغطي أذنها بالكامل، وعندما أقتربت منها السيارة التفتت “تولاي” بمقابلتها ووقعت على الأرض فقدة الوعي.
ياترى ريان هيوافق يروح مع مامته يزور جارتهم؟
ياترى ريان العنيد هيحن على نور بتاعة الجيم؟
ياترى هيحصل ايه ل تولاي؟
ياترى هندي هتقدر ترجع تاني لجامعتها؟
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية طوق نجاتي ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق