رواية وسام الفؤاد كاملة بقلم آية السيد عبر مدونة كوكب الروايات
رواية وسام الفؤاد الفصل التاسع عشر 19
“إنتِ شكلك نايمه والله… طيب هبقا أكلمك بعدين”
عقبت رحيل في سرعة:
-ولا قبلين
تعالت ضحكاتهم قائلًا:
-رحيل إنتِ أكيد نايمه وبتهلوسي ولا… ولا حد شربك حاجه أصفره ولا إيه؟
وبصوت ناعس وخافت قالت:
-لأ أنا أكلت عسل
عقب من خلف ضحكاته:
-معقوله العسل يعمل كده؟
-إنت بتعاكسني؟
قال بابتسامة واسعة:
-هو أنا معاكستش بس مستعد أصلح غلطتي إلي أنا مغلطهاش دي!
ساد صمتها فناداها:
-رحيل… الو.. رحيل إنتِ نمتِ ولا إيه؟
دقق السمع، فلاحظ انتظام أنفاسها أثر غوصها في نومٍ عميق،لذا أغلق الهاتف، وجلس يتذكر حوارهما ويضحك حتى أدمعت عيناه.
______________________________
“ما كان فراقك هين، ولا كان بُعدك لين، ولكنك عدت متأخرًا بعد أن تعافيت منك ونضب حبي لك، ويا ليتك لم تعُد فقد نبشت عن ألمي الذي دفنته لسنوات وجاهدت لنسيانه”
كتبتها وهي تتذكر أيمن وكلامه وعرضه عليها اليوم، كانت تجلس في الشرفة على أريكة طويله بعرضها وأمامها طاولة صغيرة ومستديرة، تركت الدفتر مفتوحًا على الطاولة واستندت عليها بمرفقيها منكسة رأسها بينهما، كم تشعر بثقل في صدرها أخذت تبكي علها تخفف من ذاك الحمل الذي أزهق روحها، لا تدري لمَ تبكي لكنها تكاد تختنق وتفرغ ما عبئ صدرها بالبكاء.
هناك تناقض بمشاعرها فهي كأي فتاه تتمنى زوجًا يُحبها لكن لا تريد التعلق مجددًا خشية أن يكون ألم جديد تفرح في بدايته وترفرف في سماها ثم تهوى مجددًا وينكـ سر جناحها، أغلقت جفونها، وتركت عقلها بيد أمواج أفكارها، حتى أخرجها صوته يسألها:
-إنتِ كويسه؟
رفعت رأسها بدهشة فقد ظنته نائمًا، جففت دموعها بأناملها وهي تقول بصوت متحشرج:
-كـ.. كويسه.. أيوه..
جلس جوارها ونظر نحوها قائلًا:
-كنتِ بتحبيه؟!
-هـ.. هو إيه ده؟!
-طليقك؟ كنتِ بتحبيه؟
ران عليها الصمت، نعم كانت تحبه بل كانت تهيم به عشقًا، لم تتحرك مشاعرها إلا له ولم تتخيل قط أن تكون لرجل غيره، انتظرته كثيرًا عله يشفق عليها ويعود! حين طال صمتها مد بصره ليقرأ ما كتبته بدفترها، ثم أرسل تنهيدة قـ. وية وقال:
-أنا حاسس بيكِ
ضمدت جملته جـ رحها النازف رغم أنها لم تُسكن ألمه إلا أنها عالجته، أطالت النظر إليه بشرود تستعيد ذكرى سنوات تؤلمها، كم تمنت أن يفهما أحد، لكم تمنت كلمة تربت على قلبها المتألم ولم تجد، نظرت للفراغ أمامها وقالت بنبرة مختنقة:
-تعرف… كان نفسي ألاقي حد يحس بيا… حد يقولي كلمة تطمني كنت تايهه مش عارفه أنا بعمل إيه كلمته كتير وبعتله رسائل كتير بس تجاهلني… ومرت الشهور وأنا برده بحاول… بس فجاه زهقت.. كان لازم أفوق لنفسي.. ووجهت تركيزي كله للدراسه..
نظرت له فوجدته يحدق بها، سألت دموعها عيناها بصمت وأردفت:
-بس أمي كانت هي السكـ. كينه البارده إلي بتدبـ. حني بكلامها… أنا فكرت أنهي حياتي أكتر من مره بس…
ابتسمت بسخرية من خلف دموعها وأردفت:
-خوفت من المـ. وت… أصل أنا بعيد عنك جبانه
أغلقت جفونها تعتصرهما وتمسح أثر الدموع عن وجنتيها وهي تتنفس بعمق،
كان يستمع لكلامها بإنصات وبصمت يريدها إفراغ ما يؤرهقها مد يده ليلمس ظهر يدها بحنو، وقال:
-تفتكري يا هبه ربنا حكمته إيه من إني أقابلك؟
نظرت له ولم تعقب فأردف بنبرة هادئة:
– أنا إتجوزتك لما حسيت إن چوري محتاجالك… لكن غصب عني قلبي متعلق بيكِ…
أردف بنبرة راجية: هبه أنا محتاجلك زي ما أنا متأكد إنك محتاجالي…
كانت تدقق النظر بملامح وجهه وهو كذالك يُطالعها بتحديق، ساد الصمت بينهما وظلا هكذا للحظات، أستفاقت هبه وحركت عنقها بنفي قائلة:
-لأ…
سحبت يدها منه وابتعدت عنه مسافة ثم نظرت بعيدًا عنه و أردفت بحزم:
-مينفعش… انا وإنت لأ… إزاي أصلًا دا إحنا مش بنبطل مناقره… ومن أول يوم اتقابلنا فيه واحنا بنتخانق… دا إنت إلي قائل احنا بينا تنافر زي الأقطاب الموجبة
ابتسم قائلًا:
-مسمعتيش المثل إلي بيقولك ما محبه إلا بعد عداوة… وبعدين تنافر إيه إلي بينا… دا إحنا الجاذبية بينا أقوى من الجاذبية الأرضية
ضحكت ونظرت له قائلة: لا حلوه وعجبتني الجمله دي
قال بابتسامة واسعة:
-أيوه كده اضحكي خلي الدنيا تنور
ظلت تتجاهل أعراض انخفاض سكر د**مها وفجأة تفاقمت الأعراض، دوار رأسها مع رعشة انتابت جسدها وأيضًا بعض التعرق، فحاولت النهوض لتذهب للمطبخ وتأكل أي شيء لكن ترنح جسدها وهوت مجددًا جالسة على الأريكة، دنا منها ومسك يدها المرتعشة قائلًا بقلق ولهفة:
-فيه إيه مالك؟
أجابته بإعياء ولاهثة:
-السكر… السكر نزل… هاتلي حاجه مسكره بسرعه
ركض للمطبخ ليحضر وعاء السكر ومعه بعض الفواكه، وعاد إليها، انحنى أمامها ووضع بفمها ملعقة من السكر ثم قال بقلق:
-أنا عايزك تأكلي الفاكهه دي
كانت تستند بضهرها للحائط، فتحت جفونها وقالت بصوت خافت وبتعب مع ابتسامة ضائعة:
-متقلقش أنا متعوده على كده… شويه وهفوق
وجلس جوارها وجذبها إلي صدره قابضًا على يدها بقلق، فقالت:
-هتستحمل واحده مريضة سكر؟
-لأ مش اي واحده! يعني لو واحده زي القمر وعينها ملونه واسمها هبه يبقا افديها بروحي
لا تُنكر أن كلماته لمست أعماق قلبها، فسندت رأسها على صدره وأغلقت جفونها، فقال:
-إنتِ كده مش هتعرفي تصومي!
-لأ عادي هتسحر كويس وخلاص
-طيب بقولك إيه… أنا عاوزك تفردي ضهرك شويه
ساعدها لتستلقي على ظهرها وسند رأسها على فخذة، وبدأ يمسح عرق وجهها بيده، لم تقاومه وأغلقت جفونها فهي تريده ولكن هناك هاجس يردعها عنه بكل قـ. وة، مسد على شعرها متمتمًا بعاطفة:
-هبه.. عشان خاطري إدينا فرصه… قلوبنا محتاجه فرصه عشان تعيش من تاني..
فتحت جفونها تطالع ملامحه التي باتت حنونة ومحبه، قالت بتفكير:
-سيبني أفكر
وحين لاحظ لينها انفرجت شفتيه بابتسامة واسعة أظهرت قواطعه وقال:
-وأنا مش مستعجل خدي وقتك
أغلقت عينيها ومر الوقت وهو يمسد على رأسها ويداعب خصلات شعرها متأملًا ملامحها ومبتسمًا، ظلت مغمضة العينين حتى ظنها نامت، لكنها كانت تفكر، تفاجأ حين قالت دون أن تفتح عينها:
-أنا… أنا موافقه يا أحمر
قطب جبينه وسألها بدهشه:
-موافقه على ايه؟
-موافقه نكمل حياتنا زي أي زوجين بس… بس بعد رمضان…
اعتدلت جالسة ثم نهضت واقفة وغادرت دون أن تلتفت إليه، ولا تدري هل استعجلت بموافقتها أم لأ! لكنها تريد أن تعيش معه ومع ابنته باقي عمرها ولن تقبل بلقب مطلقة مرة أخرى..
________________________
نظرت والدة فؤاد من النافذة المطلة على الحديقة فوجدت هشام يجلس مع زوجته وابنه ومريم فنزلت إليهم مسرعة.
على جانب أخر
ابتسمت شاهيناز وقالت:
“يعني أنا كده بقا عندي فيكبوس يا نوح”
رفع شفاهه العلوية بسخرية ثم قال بتعجب:
-فيكبوس! اسمه فيسبوك يا ماما
حدقت شاهيناز بشاشة الهاتف في يدة وقالت وهي تشير نحوها:
-طيب ضيفلي فرح والبنات كلهم عشان أبقى أكلمهم… وضيف أبوك عشان أشوف بيكلم مين من ورايا
قال هشام بتبرم مصطنع:
-جبتلنا وجع الدماغ يا نوح
ضحكت مريم قائلة:
-ليه بس يا خالو خلي ماما تاخد فرصتها وتنطلق
أقبلت والدة فؤاد نحوهم وقالت:
-إنتوا بتعملوا إيه قوموا نامولكم شويه قبل السحور!
مريم: تعالي يا ماما شاركينا لحظة قص الشريط الأحمر ودخول ماما شاهيناز عالم الفيسبوك
جلست والدة فؤاد جوار نوح مبتسمة تتابع شرحه لوالدته كيف تتعامل مع الفيسبوك فأومأت شاهيناز رأسها بتفهم وقالت:
-خلاص فهمت متقلقش
نوح: أهي كده فرح قبلت الأد بتاعك
ضيقت شاهيناز بين حاجبيها وقالت:
-يعني إيه؟
نوح بنفاذ صبر: يعني بقيتوا أصحاب
شاهيناز بدهشه:
-أصحاب إزاي يبني أنا أمها!
نهض هشام واقفًا وهو يضحك قائلًا:
-ربنا يعينك يا نوح أنا داخل أنام
صوبت والدة فؤاد هاتفها لنوح وقالت:
-وأنا كمان يا نوح علمني على الميسبوك ده
نظر لها نوح بطرف عينه وقال:
-اسمه الفيسبوك يا عمتو… تعالي..
نظر لوالدته وقال:
-تعالي يا ماما اسمعي الشرح تاني عشان مش عايزين فضايح
-لأ أنا فهمت سيبني اتعامل بقا وأكلم فرح
_______________
“لم تكن حياتي معتمة لكنني أغمضت جفني بقـ. وةٍ، فظننت أن الدنيا حولي ظُلمةً”
دخلت وسام لصومعة ذكرياتها القاسية، تسمع صوت ضحكات سالم الساخرة وألم الحـ. ريق ينهش روحها، مرت الأحداث بجعبتها بسرعة أكثر حتى رأت حالها تجلس مقابل طبيبتها النفسيه تحكي معها ما تعانيه من أرق وتلك الأصوات التي تدور برأسها، تسارعت الأحداث أكثر لتتذكر ضـ. رب والدها لها وتعنـ يف زوجة أبيها الدائم، ازدادت ضربات قلبها وتسارعت أنفاسها لكنه لم ينتبه لحالتها تلك بل كان يمشط شعرها بعناية متمتمًا بكلام كثير لم تسمع منه أي شي…
“هو أنا بكلم نفسي ولا إيه بقا يا ست وسام!”
عادت من أطلال ذكرياتها أثر جملته، ففتحت عينيها وهي تقول بصوت خافت:
-هاه… كنت بتقول حاجه؟
ربط شعرها ورفعه لأعلى على شكل كعكة وثبتها جيدًا برابطة الشعر وهو يقول بسخرية:
-لأ دا إنتِ مش معايا خالص…
ضمها من الخلف وقبل عنقها ثم أسند ذقنه على كتفها قائلًا بابتسامة:
-إيه رأيك بقا ينفع أشتغل كوافير
لا تُنكر أنه قادر على إنتشالها من بحر أحزانها لضفة الأمان، هدأت خفقات قلبها لتدق بحبه، احمر وجهها خجلًا من قرب أنفاسه منها، ومع ذلك ابتسمت قائلة:
-لو ليا أنا بس فينفع
قبل وجنتيها قائلًا بصوت أجش:
-بحبك يا وسامي…
نهضت واقفة وقالت بارتباك:
-قوم بقا روح أوضتك عشان ألحق أنام شويه قبل السحور
هز رأسه نافيًا واضجع على السرير ليفرد ظهره بأريحيه وقال بمكر:
-أنا هنام هنا جنب مراتي حبيبتي
زمت شفتيها بنزق ولم تنطق فنهض وجذب مرفقها وهو يقول:
-تعالي بس عايز أتكلم معاكِ
جلست على طرف السرير بضجر، ونظرت له متسائله بابتسامة:
-عايز إيه؟
ارتسمت الجديه على خلجات وجهه وقال بخفوت:
-اتحـ. رقتي ازاي يا وسام؟
أعادتها جملته لبؤرة الماضى فمسكت يده وقالت بنبرة مرتعشة:
-مصمم توجع قلبي وترجعني لأسوء فترة عيشتها في حياتي…
زفرت بقـ. وة لتخرج انفعالاته السلبية وقالت بحزم:
– فؤاد أنا مش عايزه أفتكر ومش عايزه أحكي
-وأنا مش هضغط عليكِ لما تبقي جاهزه وقادره تحكيلي هكون مستنيكِ
أشاحت بصرها بعيدًا وأرسلت تنهيدة طويلة ثم قالت:
-طيب سيبني دلوقتي وأكيد هحكيلك وأنا ليا مين غيرك يعني!
ربت على يدها بحنو وقال:
-براحتك يا بابا أنا مستنيكِ
ابتسمت فنهض عن الفراش وقال:
-طيب أسيبك بقا تنامي شويه قبل السحور
فتح باب الغرفة والتفت مجددًا ليلقي لها قبلة في الهواء وقال:
-تصبحي على خير يا وسامي
________________________
“شوفت ماما عملت فيسبوك يا يوسف”
كانت تتحدث بابتسامة واسعة وهي ترقد في فراشها بجوار يوسف الذي يعبث بهاتفه المحمول، عقب:
-أيوه بعتتلي أد وقبلته
تجهم وجهها فجاة واعتدلت جالسة حين رأت والدتها أشارت إليها بمنشور لصورة لها وهي بعمر الثلاث أعوام ومكتوب أعلى الصورة ” الصوره دي كنتِ لسه عامله بيبي على نفسك وصورناكي للذكرى حتى شوفي معلم في البنطلون إزاي هههههه ”
صرخت فرح وقبل أن تحذف البوست وجدت تعليقات كثيرة من أصحابها وعائلتها يسخرون من هيئتها فصرخت وقالت:
-منك لله يا مرات أبويا…
قطب يوسف جبينه وسألها:
-مالك يا فرولتي؟
-أ… لأ.. أصل… مفيش متاخدش في بالك
نظرت لشاشة هاتفه فوجدته في تطبيق اليوتيوب تنهدت بارتياح وحذفت المنشور، لكن ظلت الصورة تظهر لأصدقائها في أخر الأخبار ورآها الكثير.
ولم تكتفي والدتها بذلك فأرسلت منشور أخر بصورة نوح مع عمتها “والدة فؤاد” وكتبت عليه: “شوفي نوح بيشرح لعمتك درس عن الفيسبوك ما هو لسه شارحلي برده بس عمتك دماغها تخين”
تأملت فرح الصورة لعمتها وهي تفتح فمها ببلاهه ونوح يزم شفتيه بنزق فانفـ جرت ضاحكة وهي تحذف المنشور مرة أخرى وقالت:
-اتصلي على نوح يا يوسف أصل ماما هتفضحنا الليله على الفيسبوك
-ليه عملت ايه؟
-بتكتب بوستات وتعملي منشن فيها على أساس أنها على الخاص
ضحك يوسف قائلًا:
-يا نهار أبيض
طلب يوسف رقم نوح وأعطى الهاتف لفرح وما أن أجاب نوح حتى قالت بدون سلام:
“خد الموبايل من أمك كفايه فضايح الليله”
-إيه إلي حصل؟
فرح بضحكات عالية:
-امك نشرت صورتك إنت وعمتو على الفيس وعملتلي اشاره
أغلق مع فرح ونظر لوالدته قائلًا::
-نهارك أخضر يامه هاتي ام الموبايل ده
أخذ الهاتف من يدها وهم أن يغادر ثم عاد وأخذ هاتف عمته التي كانت تنظر به بابتسامة وهو يقول لها:
-عشان أعرف أنام مرتاح… يلا يا مريوم
ركضت شاهيناز خلفهما وهي تقول:
– خد ياض هات الموبايل
-الصبح ان شاء الله
_________________________
كانت شاهيناز وسلفتها ووالدة فؤاد يركضن بأنحاء البيت لإيقاظ الجميع فلم يتبقى على آذان الفجر سوى دقائق، طرقت شاهيناز باب شقة نوح عدة مرات تزيد من قـ وة كل طرقة عن سابقتها ففتح نوح الباب بشدوه يجاهد ليفتح عينيه ويحاول التركيز بملامح من أمامه، هتفت شاهيناز لاهثة:
-يلا يا نوح بسرعه هات مراتك وتعالى ورايا مفيش وقت
قالت جملتها وركضت للأسفل، لم يفهم نوح ما يجري وركض للداخل ليوقظ مريم على الفور وهو يقول:
-قومي يا مريم بسرعه ماما عاوزانا تحت مش عارف فيه ايه؟
لم ينتظر زوجته وركض على الفور لأسفل، يفتح عينًا ويغلق الأخرى أثر النعاس، فوجد أبيه وعمه وجده يلتفان حول مائدة الطعام ويجاهد ثلاثتهم لرفع رأسه وفتح عينيه، وقف قبالتهم وقال بشدوه:
-هو فيه إيه؟!
ظهرت والدته من خلفه تحمل عدة أطباق وقالت:
-يلا اقعد… مراتك مجتش ليه؟
وهنا تدارك ما يجري، تنهد بعمق واومأ رأسه متفهمًا ثم دخل ليغسل وجهه ووقف يبدل نظره بين ثلاثتهم متفحصًا تجهم الوجوه الغير طبيعي والمريب، ضحك قائلًا:
-جماعه ابقوا كلوا قبل ما تناموا بدل المنظر ده…
شاهيناز بقلق:
-كل يا نوح بسرعه مفيش وقت… معرفش والله فين الباقين!
-ماما إنتِ موتراني… كلمة مفيش وقت دي حسيستني إن البيت بيوقع أو بيولـ ع أو…
قاطع سيل كلامه صوت ارتطام جسد أحدهم بالأرض أثر انزلاقه من فوق الدرج نظر الجميع نحو الباب فدخل فؤاد من الباب ممسكًا بظهره وبدل نظره بينهم قائلًا:
-إيه إلي بيحصل هنا؟
تامل نوح ملامح فؤاد العابسة أثر النوم وضحك قائلًا:
-تعالى يا حبيبي متقلقش دا مجرد سحور عادي
تنهد فؤاد بنزق ومسح وجهه بكلتا يديه ثم دخل يغسل وجهه ثم أقبل نحو المائدة فتعثرت قدمه بحذاء أمامه ووقع مفترشًا الأرض، قام وهو يتأوه ويقول:
-آه معدش حد يخصني كده ويصحيني للسحور نهائي
تعالت ضحكات نوح وقال:
-حبيبي اسم الله عليك… اقعد بس عشان معدش وقت وبعدين نتفاهم
دخلت وسام تترنح أثر النوم فأقبل فؤاد وجذبها من يدها لتجلس جواره وبدأ يطعمها بفمها قائلًا:
-معلش كلي أي حاجه وبعد كده هتسحر أنا وإنتِ قبل ما ننام بدل وجع القلب ده
دقيقة واجتمع الجميع حول مائدة الطعام، بأعين ناعسة تجاهد لتفتح فمها وتتناول الطعام، سأل الجد:
-هو مفيش هنا عسل نحل
شاهيناز بنزق:
-فيه بس الحجه وهيبه واخداه في أوضتها وخايفه أدخل تصحى
نوح:
-متاكلش عسل يا جدو أصلًا هيعطشك
أخذ فؤادة قضمة من الخيارة بيده وقال:
-بصوا يا جماعه رمضان محتاج خيار ركزوا أوي على الخيار
ثم أعطى أخذ قضمة وأعطى وسام قضمة.
وعلى ذكر العسل، شردت رحيل لتتذكر ضحكات محمود وقوله: “معقول العسل يعمل كده” تركت الخبز من يدها وأخذت تلوك الطعام في فمها ببطئ شاردة الذهن، حدقت بالفراغ تُحاول تذكر أي شيء، تمنت لو معها هاتفها لتقطع الشك باليقين بأنه مجرد حلم عابر! أخرجها من خضم أفكارها شاهيناز التي ربتت على ظهرها بحنو وقالت:
-إيه يا رحيل ما بتاكليش ليه يا حبيبتي؟
التفتت لها رحيل وقالت بتلعثم:
-أ… لا أصل… أصل أنا مبعرفش أتسحر مـ.. مش جعانه
تدخل الجد قائلًا:
-لأ كلي أي حاجه دا النهار طويل وأول يوم بيكون صعب يا بنتي
أومأت رحيل رأسها وبدأت تتناول الطعام بشرود، تتمنى أنها لم تفعل ما يريبها!
انتهت من السحور وصعدت شقتها لتبحث عن هاتفها، فتحته سريعًا لترى المكالمات الفائته ثم صرخت بخفوت:
-ياربــــــي يا ترى قولتله إيه!
قاطعها دخول أختها:
-إنتِ ماسكه الموبايل يبنتي خدي اشربي الفجر هيأذن
ارتشفت رحيل الماء ثم أخذت تطرق قدمها بالأرض في سرعة بارتباك وهي تقول:
-أنا شكلي كده عكيت جامد
وضعت الهاتف صوب عينيها وأردفت:
-شوفي مكالمه فايته من محمود… وانا رديت ومده المكالمه ٤دقايق… عارفه معنى الكلام ده إيه؟
شهقت سديل وأخذت تضحك قائلة:
-عارفه! دا أنا حافظه صم… أكيد رديتي عليه وإنتِ نايمه… كم مره قولتلك اقفلي موبايلك لما تيجي تنامي
أردفت سديل وهي تنظر لعيني أختها بمكر:
-إوعي تكوني قولتيله إلي في قلبك من ناحيته
رحيل بقلق:
-يا نهار أبيض دي تبقى كارثه لو قولتله
ابتسمت سديل فقد تأكدت من شكوكها وسرقت الكلام من فم أختها، قالت:
-يبقا شكي في محله بتحبيه واتعلقتي بيه!
-إ… إيه إلي بتقوله ده لأ طبعًا
تنهدت سديل وقالت بحكمه:
-أنا عارفه يا حبيبتي إن قلوبنا مش بإيدينا ومش بنعرف نتحكم فيها لكن برده عارفه إن أفكارنا بإيدنا ونعرف نتحكم فيها كويس أوي يعني بإيدك توقفي تفكير فيه ومتخليش نفسك تسولك أحلام يقظة ترفعك للسما وفجأة هتفوقي وإنتِ بتقعي على الأرض وقلبك بيتكـ سر
نهضت رحيل واقفة وقالت بنزق:
-متكبريش الموضوع يا سديل
وقفت سديل قبالتها وأشارت لقلبها قائلة:
-قلبك ده غالي… عفي نفسك يا رحيل
وتركتها وغادرت الغرفة فجلست رحيل على طرف سريرها وهي تتمتم لنفسها:
-يا ترى قولتله إيه خليته يقولي معقوله العسل يعمل كده!
_________________________
أشرق الصباح مع تغريدات العصافير بألحانها وكأنها تحتفل بقدوم شهر اليمن والبركات.
فتحت هبه عينها وظلت في سريرها تتذكر ليلة الأمس ابتسمت فها قد وجدت من يشاركها تفاصيلها تذكرت كيف أعد لهما السحور وحرص على تناولها الطعام، وكيف صلى بها الفجر وأبى أن يتركها إلى أن اطمئن أنها بخير، عبس وجهها فجأه لا تدري لمَ تشعر بتلك الغصه وهذا الثقل في قلبها، أرسلت تنهيدة طويلة ثم نهضت لتذهب لعملها.
خرجت من البيت كانت الطرقات مزينة بطريقة رائعة لكنها بدت خالية، سارت بشرود تفكر في ردها على آصف بالأمس، تنهدت بعمق فحتى وإن لم تحبه ستكتفي بحبها لإبنته، وتعاشره بمودة ورحمة فهي زوجته بكل الأحوال لا مناص لها إلا الرضوخ لأمره، أسرعت الخطى للمستشفى تدخل في شارع وتخرج من الأخر حتى قاطع طريقها رجل في منتصف الأربعين من عمره، ابتسم قائلًا بسخرية:
“أخيرًا يا دكتورة… عارفه أنا مراقبك من امته؟ من زمــــــان… بس حظك تمـ وتي في الأيام المفترجه دي..”
ازدردت هبه ريقها بارتباك وقالت بنبرة مرتجفة:
-إنت مين؟ و… وعايز مني إيه؟
ضغط الرجل أسنانه وزمجر قائلًا:
-إنتِ السبب في مـ. وت إبني الوحيد إلي استنيته ١٠ سنين
أشارت لنفسها بدهشه وقالت بتعجب:
-أنا!!!
هدر بها بنبرة حادة:
-أيوه إنتِ… لما كتبتيله حقنه غلط ومـ ات منها… إيه مش فاكره الطفل إلي اسمه فريد عبد المجيد؟
هزت راسها نافية فهي لا تتذكر اي شيء… ومن هول الصدمة باتت لا تذكر اسمها! قالت بخوف:
-أنا مش فاكره حاجه أكيد حضرتك غلطان!
ضحك الرجل بسخرية وقال:
-لأ حضرتي مش غلطان
أخرج خنـ جر من جيبه وصوبه نحوها قائلًا:
-صحيح مراتي عدمتك العافيه وضـ ربتك في قلب بيتك… لكن أنا مش هرتاح إلا لما أخد بطار ابني وأقتـ. لك زي ما قتـ. لتيه… اتشاهدي على روحك…
هي ليست حمقاء لتنتظر طعنـ ته، صرخت بهلع وركضت بأقصى سرعتها وتبعها لكنه سرعان ما عاد أدراجه حين ظهرت أمامه سيارة للشرطة فاختبئ خلف أحد المباني وهو يتوعدها بداخله، نظرت خلفها فلم تجده لذا توقفت عن الركض ووضعت يدها على قلبها، زفرت بقـ. وة، والتفتت حولها بتوجس ثم أخذت تعدو حتى وقفت أمام محل للملابس، حاولت استجماع أنفاسها، وبدأت تغربل ما قاله ذلك الرجل برأسها وهي تهز عنقها يمينًا ويسارًا مستنكرة ما يحدث ثم تمتمت لنفسها:
-إزاي كتبت حقنه غلط الراجل ده أكيـــد مجنون…
أشارت لسيارة أجره لتستقلها للمستشفى فهي تخاف أن يقطع طريقها مجددًا..
______________________
بعد أن أصرت رحيل وحجزت لها دروس خصوصية للمراجعة، رضخت لها فهي تحتاجها، وبعد أذان الظهر خرجت من الدرس مع صديقة طفولتها وجارتها القديمة مع أنها تُنكر عليها تصرفات وأفعال كثيرة إلا أنها ترى بها جانب حنون وترافقها، اقترب منهما شابان فارتبكت سديل وتلعثمت:
“مكنتش أعرف إن معاكِ حد… أ… أنا بحسبك هتمشي لوحدك!”
مالت الفتاه على أذن سديل وقالت بهمس:
-يا بنتي ده أمين وأخوه التوأم كانوا معانا في الدرس… ما إنتِ عارفاهم من عندنا من البلد
تأففت رحيل بنفاذ صبر وأخذت تستغفر الله في سريرة نفسها ثم قالت بحزم:
-إنتِ عارفه رأيي في الموضوع ده يا أمل… عن أذنك أنا همشي لوحدي
ولت سديل ظهرها وقبل أن تغادر صاحت أمل بغيظ وبنبرة مرتفعة سمعها الجميع:
-متعمليش فيها محترمه بقا ما احنا عارفنا كل حاجه!
التفتت لها سديل وقالت بدهشة:
-إيه إلي بتقوليه ده يا أمل! إيه كل حاجه دي؟
وضعت امل يدها حول خصرها وتفحصت ملابس سديل بعينيها ثم قالت بنبرة حادة وباستهزاء:
-عارفين إن نقابك ده طلع مجرد ستاره مستخبيه وراها…
نظرت أمل للشابان ثم إلى سديل وقالت بسخرية:
-على الأقل أنا بمشي معاهم باحترام وفي النور قدام الناس كلها… ومش بستخبى وسط الأراضي الزراعيه والله أعلم إيه إلي بيحصل!!
انفعلت سديل وهتفت بحدة:
-هو إنتِ بتقولي إيه؟ أنا بجد مش فاهمه حاجه؟
ضحكت أمل وقالت بسخرية:
-متعمليش فيها بريئه.. لو مكنش خالتي شافتك بعينيها أنا عمري ما كنت هصدق… بس الظاهر إن ربنا كشف ستره عنك عشان يفضحك
رددت سديل الكلمة بفزع:
-يفضحني!
وقفت سديل مكانها للحظه، التفتت يمنة ويسرة تبدل نظرها بين الطلبة الذين يستمعون للحوار ويتبادلون الهمهمات بكلمات لم تسمعها، شعرت بالإحراج وبوغزات الدموع المتجمعة بداخل مقلتيها وانسحبت من المكان دون أن تدافع عن نفسها، وقبل أن تنصرف سمعتها تقول:
-أنا مبحبش الناس إلي بوشين دول والله… حاجه تقرف دا أنا كرهت المنتقبات بسببها
غادرت سديل ودموعها تنهمر كالشلالات، فنظرت أمل لأثرها بتجهم ثم للشابان فقال أحدهما:
-حرام عليكِ أحرجتيها
أشاحت أمل بيدها بلامبالاه وغادرت وتبعها الشابان
_________________________
وبعد أن انتهى أحمد من محاضراته جلس على درج الكليه يرتل آيات القرآن بصوت نديّ ويلتف حوله مجموعة من الشباب يستمعون بانصات، وبعدما انتهى هتف أحدهم:
-والله يا أحمد لو عملت قناه على اليوتيوب هتتشهر… صوتك حلو أوي
-يا عم هتكون عايزه مونتاج وكده وأنا مليش خلق للكلام ده
قال شاب أخر:
-طيب بس توكل على الله وأنا والشباب هنمنتج لك ونعملك شير في كل حته
حك أحمد رأسه بتفكير وقال:
-وبعدين معاكم متطلعوهاش في دماغي
ليرد الشاب الأول:
-اسمع مني بس والله هتكسب… يا عم نجرب مش هنخسر حاجه
أُعجب أحمد بالفكره وقرر خوض التجربه، رفع نظره فوجد أسامه يجلس بالحديقة مقابل فتاة “حبيبة” يمسك يدها ويضحك معها هز رأسه باستنكار ونظر للشباب قائلًا:
-ماشي نجرب
أحد الشباب بابتسامة:
-اشطا يا صاحبي
قاطعه رنات هاتفه وإضاءة شاشته بإسم “محمود” أجاب مبتسمًا:
-حبعمري ونور عيني
أتاه ضحكات أخيه:
-اما أنا عندي ليك حتة مفاجأه… خلصت محاضرات ولا لسه؟
-ايوه خلصت مفاجأة إيه بقا عشان بحب المفاجأت
-اطلعلي بره أنا قدام الجامعه
نهض أحمد واستأذن من أصحابه، ثم سار وهو يقول:
-طيب يلا جايلك
وبعد دقايق وقف أحمد أمام الجامعة يتلفت يمنة ويسره باحثًا عن أخيه الذي ارتجل من سيارة رمادية وأشار إليه، توجه إليه أحمد وتفحص السيارة وهو يقول:
-عربية مين دي؟
أجابه محمود بابتسامة وبزهو:
-عربيتي… قصدي عربيتنا إيه رأيك؟
اتسعت حدقتي أحمد وقال بابتسامة:
-إنت بتهزر صح؟
-والله لسه مرخصها من شويه.. إيه رأيك تجرب تسوقها؟
ضمه أحمد وقال بفرحه:
-وأخيرًا بقا عندنا عربيه…
ركب أحمد بمقعد السائق ونظر لأخيه الذي ركب جواره وقال:
-روعه بجد يا محمود يا جامد
ابتسم محمود وانطلق أحمد بالسيارة، نظر له محمود قائلًا:
-أنا هروح عند فؤاد بالليل تيجي معايا؟
-ماشي بس بعد التراويح بقا
-لأ نفطر ونروح نصلي التراويح هناك
-معاك ياسطا
_______________________
“متعمليش فيها محترمه ما إحنا عرفنا إلي فيها”
وضغت سديل يدها على أذنها، ونهضت على الفور ترتدي ملابسها الرياضية وقفازات الملاكمة ثم أخذت تضـ. رب عمود الملاكمة بغضب علها تسيطر على الأفكار المبعثرة بداخل جعبتها، كم تتمنى نسيان ذلك الموقف الذي لم تفهم كلماته، زادت قـ. وة ضرباتها عندما تذكرت جملة صاحبتها الساخرة:
“الظاهر إن ربنا كشف ستره عنك عشان يفضحك”
جلست رحيل على المقعد مقابلها وقالت بأمر:
“سديل كفايه إنتِ صايمه! إبقي كملي بعد الفطار.. كده هتقعي من طولك”
تجاهلت سديل كلامها وأكملت ضـ رب عمود الملاكمة بإحدى قدميها بكثير من العنـ ف فهبت رحيل واقفة وصاحت بحدة:
-هتخليني أندم إني جيبتها والله… فيه إيه؟!
لم تستجب سديل وأكملت تضـ. رب العمود عدة لكمات متتالية وكأنها تتشاجر معه! فهدرت بها رحيل صارخة:
-قولت كفايه… إيــــه مسمعتيش
وهنا جلست سديل أرضًا وهي تتصبب عرقًا، وتلهث بقـ وة، ثم صرخت وهي تضرب الأرض بقبضة يدها بغضب، فشعرت رحيل بتغير سجية أختها الهادئة، فلم ترها في تلك الحالة من قبل! جلست رحيل مقابلها على الأرض وقالت بقلق:
-إنتِ مش طبيعية! إيه إلي حصل؟
نهضت سديل وقالت:
-محصلش حاجه… أنا هقوم أنام شويه
-استني بس روحتي الدرس النهارده؟ عملتي إيه؟
التفتت لها سديل وقالت:
-معملتش حاجه حضرت وجيت… أنا هنام شويه وابقي صحيني العصر عشان أنزل أساعدهم في تحضير الفطار
نظرت رحيل لأثر أختها بعد أن غادرت وعصفت الأفكار بداخل رأسها حين تذكرت مكالمة محمود، تلك التي لا تعرف حتى اللحظة بمحتواها، ارتدت القفازات ونهضت تفعل ما أنكرت على أختها فعله قبل قليل وبدأت تضـ رب عمود الملاكمة بعـ. نف بقفازاتها.
__________________________
وقبل الزوال بقليل وقف آصف جوارها يساعدها بإعداد الفطور، كانت تنظر له بتردد بين حين وأخر تفتح فمها لتتكلم ثم يقف الكلام على طرف لسانها، رمقها بطرف عينه سريعًا وقال:
-عايزه تقولي إيه؟
نظرت له لوهلة وقالت:
-حصلي حاجه كده النهارده عايزه أحكيهالك
أومأ رأسه وقال برتابة:
-طيب احكي من غير تردد أنا سامعك
-النهارده الصبح حصلي موقف غريب مخوفني أوي
جلس بأرضية المطبخ ونظر لها قائلًا:
-مش لازم مقدمه ادخلي في الموضوع حصل إيه؟
تركت ما بيدها وجلست مقابله لتسرد عليه تفاصيل ما حدث فاحتقن وجهه، وقال بعصبيه:
-إنتِ لسه فاكره تقوليلي يا هبه؟ كان المفروض ترني عليا وتحكيلي كنت أجي أخدك من الشغل
تمالك أعصابه وحدق بالفراغ مردفًا:
-يعني كده لغز الستات إلي ضـ ربتك اتفك.. لازم نبلغ الشرطه
ازدردت ريقها وقالت بخوف:
-أنا مرعوبه دا إنت لو شوفت طريقة كلام الراجل ونظراته!!!
قبض على يدها بحنو وحاول طمئنتها قائلًا:
-متقلقيش يا حبيبتي أنا جنبك… إن شاء الله مش هيحصل حاجه… بس .. هو إنتِ فعلًا اديتي حقنه غلط لابنهم!
هزت عنها قائلة:
-مش عارفه بس لأ أنا هكتب حقنه غلط إزاي! لأ لا اكيد فيه حاجه غلط!
أطلق تنهيدة طويلة وأومأ رأسه قائلًا:
-إن شاء الله خير متقلقيش
__________________________
“رمضان جانا وفرحنا به بعد غياب وبقاله زمان، غنوا وقولوا شهر بطوله غنوا وقولوا أهلًا رمضان”
ارتفع صوت الأغنية من التلفاز، كان النساء يضعن الطعام فوق المائدة بالحديقة تحت المظلة المزينة بطريقة مبهرة للأعين احتفالًا بشهر رمضان، وباقي الحديقة المزينة بالأضواء وبفانوس كبير يزيدها جمالًا، وقفت شاهيناز أمام رحيل وقالت بنزق:
-يا بنتي اشربي كوباية العصير دي على ما يجوا من الصلاة
تنهدت رحيل وقالت بنفاذ صبر:
-يا طنط قولتلك مبشربش عصير قبل الأكل والله بيتعبني
صوبت شاهيناز العصير لسديل وقالت:
-طيب خدي إنتِ يا سديل
أخذت وسام الكوب من يدها وقالت:
-هاتي يا طنط أشربه انا… أصل هما عاملين دايت
مصمصت شاهيناز بشفتيها وبدلت نظرها بين سديل ورحيل قائلة:
-دايت إيه بس دول قربوا يختفوا!
ارتشفت وسام من الكوب وقالت:
-ايوه والله يا طنط قولتلهم ياكلوا شويه مبيسمعوش الكلام
ضحكت سديل وقالت:
-طيب لو خلصتوا تريقه الجماعه وصلوا من الصلاة
وبعد لحظات التف الجميع حول المائدة، كان الافطار مكون من دجاج مشوي وسلطات ومخللات وخضروات مع رقائق البطاطس المحمره ومحشي الكرنب وورق العنب ولسان عصفور ورز أبيض وأيضًا الجلاش بالحم المفروم وأكواب من الخشاف أمام كل فرد.
نظر فؤاد لأصناف الطعام وقال بدهشه:
-مش فاهم ليه التبذير ده؟ هل إحنا ازاي هناكل كل ده!!
والدته:
-إلي ميتاكش النهارده يتاكل بكره وبعده وبعده الشهر طويل
شاهيناز:
-أصل احنا مش هنطبخ باقي الإسبوع
لكزه نوح في ذراعه وقال:
-كل وإنت ساكت هما فاهمين شغلهم
نظرت وهيبه لسديل وقالت:
-اخلعي البتاع إلي إنتِ لبساه ده يا بنتي عشان تعرفي تأكلي
ابتسمت مريم قائلة:
-سيبيها براحتها يا تيته… اتعودي بقا يا سوسو عشان كل ما نقعد على الأكل هتسمعي نفس الجمله
ابتسمت سديل بحياء ولم تعقب.
وبعد الإنتهاء من الإفطار دخلن الفتيات للمطبخ لجلي الأواني وتحضير أكواب الشاي وصعدت مريم لشقتها لترتاح قليلًا فهي متعبة من الحمل.
___________________
“معرفش يا جماعه مش فاكره غير إنه ضحك وقالي معقوله العسل يعمل كده!”
وسام: طيب رني عليه واسأليه بدل الحيره دي
رحيل: ارن على مين… لأ طبعًا… أنا محرجه جدًا
خلعت سديل نقابها ومسكت رأسها وهي تقول:
-مش طايقه ربطة النقاب على راسي مصدعه أوي
وسام: يا بنتي اخلعيه محدش داخل أصلًا إلا بعد التراويح
دخلت شاهيناز للمطبخ مع والدة فؤاد لمساعدتهن، نظرت لملامح سديل ثم أشاحت بصرها بسرعه قائلة:
-الله أكبر ما شاء الله والله يا بنتي الواحد يخاف يبص في وشك يحسدك اللهم بارك كويس انك لابسه النقاب
ابتسمت سديل بخجل وضمت شاهيناز بحب ثم قبلتها بإحدى وجنتيها وقالت بابتسامة:
-حبيبتي يا طنط… ربنا يجبر بخاطرك
___________________
على جانب أخر دخل محمود للبيت برفقة أحمد وتبادل السلام مع الجميع ثم جلس جزار فؤاد الذي غمز لخه وقال بهمس:
-طبعًا جاي تشوف جدي
ضحك محمود بخفوت وقال:
-أحبك وإنت فاهمني… بس أنا فعلًا المره دي جاي لجدك
نظرت وهيبه لأحمد الذي يجلس مقابلها وابتسمت بخجل فتاة في بكرها وهي تُطرق رأسها لأسفل، ثم استجمعت شجاعتها وسألته:
-هو إنت مرتبط؟
انفـ. جر الجميع بالضحك فلم تكترث وأشارت لنفسها قائلة بابتسامه خجله:
-أنا مش مرتبطه بس نفسي أرتبط بإنسان يصوني ويحافظ عليا
قال نوح من خلف ضحكاته:
-يا زين ما اختارتي يا تيته مش هتلاقي في الدنيا كلها زي أحمد
الجد بابتسامه:
-بص يا احمد يبني المثل بيقول إخطب لاختك ولا تخطبش ل… ما علينا إيه رأيك في الكلام ده؟
أحمد بمرح:
-والله الشرع بيقول لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه… وقياسًا عليه فانا فيه واحده تانيه متكلمه عليا وللاسف انتو اتأخرتوا
انفجـ ر الجميع بالضحك فنهض أحمد واقفًا ليهرب من نظرات وهيبه وقال:
-هي مريم فين عشان وحشتني وعايز أشوفها؟
نوح بتبرم مصطنع:
-إيه يخويا وحشتك دي احترم نفسك ياد
تنهد أحمد بضجر وقال:
-يا عم ما قولتلك مره دي أختي في الرضاعه.. أمي مرضعه فؤاد وأم فؤاد مرضعه أمي
ضحك الجميع على تعثره في الكلام وقال نوح من خلف ضحكاته:
-مرضعه أمك إزاي؟
ضحك أحمد وقال:
-اتلغبطت… قصدي أمه مرضعة هبه… يعني من الاخر احنا أخوات
ربت نوح على كتف أحمد وقال:
-قوم اطلعلها روح بس من الباب إلي ورا.. دا إنت حالتك صعبه خالص
تحدث أحمد بلوعة وبنبرة راجية:
-أيوه والله جوزوني… الحاله إلي أنا فيها دي لأني سنجل بائس إنما لو اتجوزت كل ده هيتحل
أشار فؤاد لوهيبة قال:
-طيب ما العروسه موجوده وشرياك ومستنيه إشاره
نظر أحمد.لوهيبه التي ابتسمت فظهر سنها الأمامي المكسور، فتنحنح بقـ. وة وسار بخطوات واسعة وهو يردد بمرح:
-يا مريم… يا مريم يالي وحشاني
ضحك الجميع وقال نوح:
-عسل والله أحمد
___________________
من ناحية أخرى في المطبخ هتفت شاهيناز:
-معلش يا رحيل هكمل أنا المواعين مع وسام وخدي الشاي والكنافه طلعيهم للجماعه
اومات رحيل رأسها بالإيجاب لم يعرف أحد بوصول محمود وأخيه فحملت الصينيه وخرجت، نظرت شاهيناز لسديل وقالت:
-وإنتِ يا سديل معلش هتعبك خدي الصنيه دي طلعيها لمريم
اومأت سديل رأسها بالموافقة وأخذت تبحث عن نقابها وهي تقول:
-أنا مش عارفه حطيت نقابي فين محدش شافه؟
بدأ الجميع بالبحث عنه ولكن لم يجدنه فقالت شاهيناز بنفاذ صبر:
-مش لازم نقاب أصلًا الرجاله كلهم بره وابقي هاتيلك واحد تاني وإنتِ نازله على ما يبقا يظهر… هيروح فين يعني!
سديل بقلة حيلة: ماشي… ماشي
____________________
“فأنا دبست عمها في قاعده عرفيه وقولت أستأذن حضرتك تكون هنا في البيت”
قالها محمود بعد أن سرد على الجد كل التفاصيل فأجاب الجد:
-طبعًا معنديش مشكله وهتبقا امته القاعده دي؟
-بكره بعد التراويح لو يناسب معاكم
-مفيش أي مشكله ربنا يقدم إلي فيه الخير
خرجت رحيل تحمل صنية الشاي، تجمدت مكانها حين رأته من بعيد وتسارعت دقات قلبها، أخذت تجر قدميها جرًا تقبل نحوهم وكلما اقتربت ازدادت خفقات قلبها، احتقن وجهها بالد***ماء حتى بدأ كحبة من الطماطم، نهض محمود واقفًا وأخذ منها الصينيه ثم وضعها أمامهم وسط نظرات الجميع المتفحصة، وقال وهو يجلس مرة أخرى:
-ازيك يا رحيل أنا جاي مخصوص عشانك
تذكرت مكالمة الأمس، ازدردت ريقها بتوتر وحاولت رسم ابتسامة على وجهها لكنها أبت الظهور فأطرقت رأسها لأسفل بحياتي وقالت بارتباك:
-عـ.. عشاني أنا! ليه… هو… هو أنا عملت حاجه؟
تدخل الجد قائلًا:
-اقعدي يا بنتي هنفهمك كل حاجه
وبعد أن سرد عليها كل شيء قالت:
-مـ… ماشي إلي تشوفوه بس عايزه أقولكم إن برده مش هتوصلوا لحل مع عمي أنا عارفاه كويس!
ارتشفت محمود من الشاي وقال بثقة:
-نجرب مش هنخسر حاجه
اومات رأسها بتفهم، ولم تنبس بكلمة.
ارتفع أذان العشاء ونهض الجميع لصلاة التراويح، وقبل أنا ينصرف محمود أقبل نحوها وقال بهمس:
-إحنا محتاجين نتكلم شويه
فركت يدها بارتباك ولم تعقب فأردف:
-هصلي التراويح وأجي هبقا أرن عليكِ عشان عاوز أقعد معاكِ
أومأت رأسها بحياء دون أن تنظر لوجهه ثم غادرت وهي تضع يدها على قلبها بتوتر….
___________________________
“أيوه يا أحمد يعني هو بيحبها وواخد الموضوع جد صح؟”
-أيوه وقال هيتقدملها وكمان فاتح بابا في الموضوع
صفقت مريم بيدها بحـ ماس وقالت:
-الله من زمان مشوفتش قصة حب حلوه كده… يلا عقبالك يا ميدو
-أخلص بس كليه وهتجوز علطول مش هستنى زي محمود كده
ضحك وقال:
-اسكتي مش أنا اتقدملي عروسه
-طبعًا ابننا قمر والبنات بتجري وراه… مين بقا جليلة الربابه دي؟
-عيب يا بت دي ستك وهيبه… أُعجبت بيا وطلبتني للجواز
ضحكت مريم وقالت:
-تيته وهيبه دي حكايه بتعمل كل موقف وأخوه يمـ وت من الضحك
قاطعهما جرس الباب فنهض أحمد قائلًا:
-خليكِ مرتاحه أنا هفتح وهنزل أصلي التراويح وبعدين أرجعلك نكمل كلامنا عشان أحكيلك على القناه بتاعت اليوتيوب ألي عملتها
عدل من ثيابه بزهو وقال:
-أصل أنا قررت أكون يوتيوبر وانفلونسر زي الناس الي هناك دي
سندت مريم ظهرها للمقعد وقالت:
-والله صوتك بيخطف الواحد أصلًا… ماشي هنزل أستناك تحت
اقترب أحمد من الباب وما أن فتحه حتى سمعت مريم صرخة خافتة مع ارتطام شيء بالأرض فقامت مسرعة ونظرت للأرض للشاي المسكوب وفتات الكوب، والكنافة التي خرجت عن الطبق ثم رفعت بصرها لترى لسديل المتصنمة مكانها أثر الصدمة تتنفس بقـ وة وهي تنظر لأحمد الذي يحدق بملامحها بشدوه، بدلت نظرها بينهما ثم قالت بذهول:
-سديل! فين نقابك؟
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية وسام الفؤاد ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق