Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الخامس 5 - بقلم آلاء حسن

   رواية مصطفى أبوحجر كاملة  بقلم آلاء حسن   عبر مدونة كوكب الروايات 

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الخامس 5


 
لم يُبارح ذلك الأربعينى مكانه لِعدة دقائق خلف إحدى الأشجار، مُحاولًا السيطرة على انفعالاته وهو يراها أمامه من جديد، لقد صَدق حدسه وأهداه القُدر إياها على طبق من فِضة، فها هي فتاة المعرض تجلس فى انتظاره .. ((شمس)) اسم يليق بها وبعينيها وبابتسامتها المُشرقة ..
أفاق من تأملاته لها بعد عِدة ثوان شاعرًا بابتسامته تقفز أعلى شفتيه دون أمر منه، فلأول مرة يستسلم لِما يختلج صدره تاركًا العنان لمشاعره للانطلاق، حتى ملامح وجهه الجادة الهادئة أعلنت عُصيانها هي الأُخرى وبدأت باللين ليظهر عليها البشاشة نوعًا ما، وعينيه تهللت أساريرُهن بمرح كأعيُن المُحبين …
تنحنح مُصطفى بقوة راغبًا في كبح جماح ذلك الشعور بالسعادة المُسيطر عليه قبل أن يتحرك بخطوات ثابتة في طريقُه إليها، لكن قبل أن يصل إليها ببضع خطوات فضل التوقف والانزواء في إحدى الأركان لمُحادثتها أولًا بحُجة البحث عنها، ومن حُسن حظه أنها كانت شاردة فلم تُلاحظه ..
أفاقت شمس من شرودها بذِكراها الحزينة عندما أرتفع رنين هاتفها بإسمه، فأجابته على الفور مُفصحة عن مكانها قبل أن تعتدل في جلستها وتُعدِل من هِندامها و مظهر حِجابها ثُم تصنعت الانشغال بهاتفها حتى لا تفضحها لهفتها لِلُقياه إلى أن ترامى إليها صوته الدافئ يتساءل برقة :
_ أتأخرت عليكى !
ارتفعت نظراتها إلى الأعلى بانبهار حيثُ طَل عليها ذلك الوسيم بهيئته الأنيقة مُرتديًا قميص أبيض ناصع، يعلوه سُترة جِلدية فاتحة اللون تتناسب مع لون بشرته السمراء، بينما سوداويتيه مُثبتتان عليها بطريقة مُباشرة أشعرتها بالخجل قبل أن تتحرك من مجلسها قائلة بترحاب :
_ لا أبدًا مفيش تأخير يمكن أنا اللي جيت بدري شوية ..
جلس مصطفى قُبالتها بهدوء بعد أن صافحته هي بامتنان، بينما هو فضل ارتداء قِناع الجدية مُفتعلًا عدم تعرفه عليها فقال بِخُبث مُتأملًا ملامحها :
_ وشك مش غريب عليا .. أعتقد إتقابلنا قبل كده ..
شعرت شمس بالحرج من كلماته وهى التي ظنت أنه عرفها فور رؤيتها، فأزالت نظارتها الشمسية بتوتر قائلة وهى تضعها بداخل حقيبتها :
_ إتقابلنا في المعرض .. بس طبعًا حضرتك هتفتكر مين ولا مين ..
ظهرت شبه ابتسامة أعلى شفتيه من براءتها تلك وظل على حَالُه مُتصنعًا عدم التذكر وهو يقول بتعمُد :
_ لا الحقيقة مش واخد بالي ..
أحمرت وجنتيها بوضوح جراء تزايد حرجها، فأضافت على مضض دون أن تنظر إليه :
_ قابلت حضرتك في الكافيه الأوت دور لما قع…
قاطعها مصطفى بمرح بعدما أحس بتأزمها فقال :
_ ااااه إنتى اللي كان معاكي شنطة مليانة كُتب وقعدتي على طرابيزتي ..
تهللت أسارير شمس فور تذكره وشعرت بالفخر وهى تُجيبة بطفولية :
_ أيوة أنا ..
قاوم هو كثيرًا تلك الابتسامة التي جاهدت للظهور على محياه، وقال بدهشة مُصطنعة :
_ ياااه إيه الصُدفة الجميلة دي .. مكنتش متوقع خالص إنه تكون إنتى ..
أجابته على الفور بخجل مُختلط بالحماس :
_ شخصية حضرتك المتواضعة هي اللي شجعتني إني أبعتلك و أخد رأيك في روايتي ..
رمقها مصطفى بنظرة طويلة ثاقبة قبل أن يُريح ظهره على مسند المقعد من ورائه واضعًا ساق فوق أخرى مُتسائلًا وهو يراقب انفعالاتها :
_ قبل أي حاجه قوليلي ..إزاى مكُنتيش تعرفي شكل الكاتب المفضل ليكي ..
في تلك اللحظة تذكرت شمس حماقتها فأجابته بخجل :
_ الحقيقة إني من قبل ما أعرف إن في صفحة شخصية لحضرتك فأنا رسمت صورة في خيالي ليك من أسلوب كتابتك، واللي دفعني لكده إن مكنش بينزل أي صور خاصة بيك على الغُلاف.. عشان كده حبيت إني أفضل بالصورة اللي في ذهني لحد ما أقابل حضرتك على الطبيعة ..
تطلع إليها بإعجاب قبل أن يتساءل بغرور :
_ وياترى طِلعت شبه الصورة اللي في خيالك ؟
أجابته على الفور دون تفكير :
_ لا طبعًا أحلى بكتير ..
سُرعان ماعضت شفتيها ندمًا على ما تفوهت به بينما هو ظهرت ابتسامة الرضا أعلى محياه وأزداد غروره مُعلقًا :
_ ليه كنتي رسمالي صورة عاملة إزاى !
تلجلجت الكلمات بين شفت شمس مُحاولة الهرب من نظراته المُسلطة عليها قبل أن تقول بتردد :
_ هو أنا يعنى كُنت بحسب حضرتك إنك …
مصطفى مُقاطعًا بلُطف :
_ مُمكن بلاش كلمة حضرتك دي إحنا مش قاعدين في فصل ..
ثُم أضاف مُشجعًا :
_ أتكلمى براحتك أنا انسان عادى والله مش بَعُض ..
رفعت شمس أصابعها إلى حجابها تقوم بتنميقه بحركة تلقائيه تفعلها كُلما أحست بالخجل الزائد قبل أن تقول بابتسامة مُرتعشة :
_ بصراحة أنا مش عارفة أقول إيه أنا مُحرجة جدًا من اللي حصل ..
ملأت الابتسامة وجه الجالس إعجابًا بتفاصيل خجلها الذي يندُر تواجده تلك الأيام فقال راغبًا في رفع الكُلفة بينهما :
_ طيب قوليلى الأول تشربي إيه ..
أحست شمس بالارتياح لتغيير مجرى الحديث فأجابت على الفور دون أن تنظر إليه :
_ ممكن أخد نسكافيه ..
وأخيرًا جاء دورها للتطلع به أثناء مُحادثته للنادل، فأطلقت العنان لعينيها دونما حِساب، ظانه أنه لن يُلاحظ ذلك أثناء انشغاله بتوجيه الحديث إلى آخر فلم تعلم بتعمده النظر تجاه النادل لفترة أطول من المطلوب حتى يُتيح لها إلقاء نظرة طويلة عليه دونما خجل، وقبل أن يلتفت إليها ببطيء أضاف ابتسامته الساحرة مُتعمدًا إظهار التجعيدات المُحددة لفمه والتي تهيم بها الفتيات، ومثلما ظن .. تسمرت عيناها على ذلك الجُزء من وجهه جراء فعلته تلك قبل أن تبتسم هي الأُخرى بتلقائية في نفس اللحظة التي وجه أنظاره فيها إليها ..
فهي لم تدرِ سوى وشفتيها تنفرجان عن آخرهما ما إن ظهرت أسنانه اللامعة المصقولة فأضاءت وجهه الأسمر بجاذبية بعد أن أحاطتهم تجعيدتي الفم واللاتي تمثلا لها بصورة علامتي ترقيم أو أسهُم ظهرتا خصيصًا ليُشيران إلى أهميه ما يكمن بينهما، تلك البُقعة التي يلزمها شهور من التأمل والتفحُص لكُل سنتيمتر على أرضها لدراسة مواطن جمالها ..
أخفضت شمس بصرها على الفور وانكمشت ابتسامتها وتنحنحت بقوة مُحاولة استعادة رباطة جأشها من جديد بعد أن غادر النادل وألتفت إليها مصطفى مرة أُخرى، فتساءلت بجدية :
_ مقولتليش رأي حضرتك إيه في الرواية ؟
لم تنكمش ابتسامة مصطفى أثناء حديثه بل ظل على وضعه وهو يملأ عينيه بقسماتها الخجلة مُؤنبًا :
_ مش قولنا مفيش حضرتك بقى ..
ارتفعت أنظارها إليه بتردد مُتسائلة :
_ أُمال أقول إيه ؟
أجابها ببساطة :
_ أتكلمى عادى من غير ألقاب زي ما أنا هقولك ياشمس كده من غير لقب ..
تعمد مصطفى نطق حروف أسمها هامسًا بطريقة مُتمرسة خبيرة أثارت الضعف بداخل نفسها مما أرغمها على ازدراد لُعابها بقوة مُحاولة إخفاء ما يختلجها، لكن ولِحُسن حظها أنقذها وصول النادل في اللحظة المُناسبة، فلم يستغرق الأمر منه دقائق مُنذُ ابتعاده وهاهو الآن يقوم بتقديم المشروبات وكأنه كان على أَهُبة الاستعداد من قبل أن يتعرف على طلبيهما..
وبعد عدة لحظات من الصمت المُطبق، استعادت شمس فيها السيطرة على جميع حواسها خاصة قلبها الذى بدأ بالخفقان من ذلك اللُطف والدفيء الذى ملأ صوت وأفعال كاتبها المُفضل، فارتشفت أولى رشفاتها من مشروبها الساخن في نفس اللحظة التي ارتسمت الجدية أعلى وجه كاتبها قائلًا :
_ كويس إنك بدأتي الكتابة وإنتى لسة في العشرينات، ده سن كويس لتنمية خيالك وتطوير مواهبك ..
قاطعته مُوضحة دون داعِ :
_ بس أنا عندي ٣٢ سنة .
التمعت عيناه بذكاء لوصوله إلى مُبتغاه مُعلقًا بلهجة ذات معنى :
_ جميل .. كويس جدًا .. أهو ده فعلًا السن المُناسب ..
عبست هي مُتسائلة بعدم فهم :
_ مُناسب لإيه !
ابتسم بخُبث مُجيبًا وهو يتناول رشفة من فنجانه :
_ للكِتابة أكيد ..
ثُم أضاف مُتسائلًا ليُعطيها دفة الحديث كاملة :
_ قوليلى إزاى جاتلك فكرة روايتك وحسيتي بإيه وإنتى بتكتبيها ؟
اومأت شمس برأسها مُبتسمة بطريقة مُجامِلة قبل أن تبدأ في سرد تفاصيل روايتها مُوضحة فكرتها الأساسية، بينما هو أرهف الآذان إليها بتركيز زائد مُستمعًا لحديثها باهتمام شديد يشوبه الانبهار، وبعقلٍ حاضرٍ واع سُرعان ازداد انبهارًا وتفاجؤ لإلمامها بجميع تفاصيل ما كتبته بتلك الصورة الدقيقة …
دام ذلك اللقاء الحالم لأكثر من ساعة ونصف كاملة مروا عليها كدقائق معدودة فتجاوزت خاطرها كشريط سينمائي سريع وهى بداخل سيارة الأُجرة في طريقها إلى المنزل بعد أن رفضت عرضه الرقيق لإيصالها، كانت تجلس بأريحية في المقعد الخلفي مُستندة برأسها على المسند من وراء عُنقها بينما كلماته الأخيرة لازالت تتردد داخل أُذنيها عندما قال في نهاية اجتماعهما :
_ إنتى فعلاً موهوبة ياشمس وفكرة روايتك جميلة ورقيقة زيك عشان كده لو معندكيش مانع لازم نتقابل تاني محتاجين نتناقش في تفاصيل أكتر عشان تبقى الرواية مُتكاملة وأنا مُتأكد أنها لما تنزل هتكسر الدُنيا ..
ظهرت ابتسامتها في تلك اللحظة وهى بداخل سيارة الأُجرة عندما شعرت بالفرحة العارمة تملؤها حتى أنها أخفت فمها براحتها حتى لا يُلاحظها سائق السيارة ويظن بها الجنون، وظلت على ذلك الحال طوال الطريق تتصنع الجدية تارة وتغلبها ابتسامتها تارة أُخرى ….
كانت الساعة على مشارف الثالثة عصرًا عندما وصلت شمس إلى وجهتها، فأخذت تصعد درجات السُلم بتقافز يشوبه الحماس إلى أن توقفت أمام باب منزلها في الطابق الثالث بأنفاس مُتلاحقة مُتهدجة أعجزتها عن التوصل إلى مفاتيحها الخاصة التي اختفت داخل حقيبة يدها، مما دفعها للطرق عدة طرقات خافتة على الزُجاج السميك المُزركش في النُصف العلوى من الباب الحديدي والذى ظهر أجزاء منه من وراء أعمدة الحديد (الفيرفورفجيه) قبل أن تضغط في النهاية على زر الجرس ضغطة صغيرة بسبابتها، فُتِح الباب على إثرها من قِبل والدتها التى بدا عليها التأنق على عكس عادتها بينما رأسها غُطيت بخمارها البيتي الأبيض الخاص بالصلاة والذى أظهر استدارة وجهها الباسم بعد أن ازداد ابتسامُه بطريقة مُبشرة بشوشة ..
جذبتها الأُم من ذراعها إلى الداخل برفق مؤنبة، رغمًا عن السعادة التي طلت من عينيها وهى تقول هامسة :
_ أتأخرتى ليه كده ياشمس ..
عبست شمس بحاجبيها مُجيبة :
_ ماتأخرتش ولا حاجة ..
ثُم أضافت مُتسائلة بتشكك وهى تشرأب بعُنقها إلى غُرفة الصالون التي تصاعد منها صوت والدها :
_ عندنا ضيوف ولا إيه ؟
أجابتها مجيدة ومظاهر السعادة تتقافز أعلى وجهها :
_ ومستنينك بقالهم أكتر من ساعة، خشى سلمى …
تساءلت الابنة بهمس :
_ ضيوف مين ؟
أجابتها الأُم بحماس غامزة :
_ أدخلى وإنتى تعرفي …
وضعت شمس حقيبتها أعلى إحدى مقاعد طاولة الطعام قبل أن ترسم الابتسامة المُرحبة أعلى وجهها وتتوجه إلى الداخل بخطوات مُتحمسة يدفعها الفضول، لكنها سُرعان ماتباطئت عندما ارتفعت دقات قلبها فور سماعها لصوته ..
كادت أن تنحرف عن مسارها مُتراجعة إلا إنها بالفعل كانت وضعت أولى أقدامها عن عتبة الغُرفة فرآها جميع من بالداخل ..
والدها وابنتها و .. أسامة .. حُبها الأول ..
مره اُخرى وبعد كل تلك السنوات تراه من جديد يعتلى مِقعده المُفضل بداخل منزلها كما اعتادت عليه في الأيام الخوالي، وكأن الزمان لم يَمُر .. وكأن الأيام لم تنقضِ ..
*****************
(( لحد كدة وكفاية أوى .. لو سمحتي ياماما مش عاوزة أشوفه ولا أتكلم معاه ))
خرجت تلك الكلمات من بين شفتي شمس بعصبية غير مُبرَرَة وهى تجلس القُرفصاء أعلى فراشها الصغير، مُرتدية منامتها الأرجوانية المُفضلة إليها ورافعة شُعيراتها إلى الأعلى بعشوائية، ظهر إلى جوارها في إحدى الأركان وبالقُرب من أطراف خُدديتها؛ رواية جيب صغيرة مقلوبة على وجهها بحرص لاستكمالها فيما بعد، فظهر غُلافها الرقيق يعلوه اسم السلسة المُميز .. “روايات أحلام” ..
أما بالقُرب من قدميها ترامت أطراف سماعة أُذن بيضاء خرجت من فتحة جهاز ” إم بى ثرى” والذى جاور هاتفها “البلاك بيري” الصغير والذى لم ينقطع عن التوهج بعد أن أبقته على الوضع الصامت مُعلنًا عن اتصالات واردة لا حصر لها تجاهلتها هى عن عمد ..
كانت لاتزال في الثانية والعشرين من عُمرها، خريجة حديثة من ضمن الآلاف بكلية التجارة، لم تنتظر كثيرًا حتى حصلت على عمل مُناسب لها بداخل إحدى مكاتب المُحاسبة المغمورة بمُرتب متواضع بالكاد استطاعت ادخار جزء منه والذى أنفقته بالكامل على ثوب خِطبتها وكمالياته قبل أن تبدأ في الادخار من جديد، وكأن حدسها أخبرها بأن تنازلاتها لم تتوقف عِند ذلك الحد …
((أستهدى بالله كده بس يابنتى وقوليلى حصل إيه لده كُله)) ..
قالت والدتها تلك الكلمات بنبرة أقرب للرجاء بعد أن جلست إلى جوارها وربتت على ظهرها بتشجيع، راغبة في معرفة ما حدث بينها وبين خطيبها، إلا أن شمس أبت الإفصاح عما بداخلها وقالت بعِناد :
_ ماما لو سمحتي مش عاوزة أتكلم دلوقتي ..
انتفضت مجيدة من مجلسها وقالت بصوتٍ حاد عصبي بعد أن كُللت مساعيها بالفشل :
_ يوووه أنا زهقت منك ومن دماغك الحجر دي.. شوية تقولي عاوزاه ومُصممة عليه وشوية عاوزه تفسخي خطبتكوا من غير أسباب..
توجهت إلى الباب المُغلق تفتحه بقوة قبل أن تُردف :
_ انا هجيبلك ابوكى يشوفله حل معاكي .. مش كلام عيال هو ..
صفعت الاُم الباب من ورائها بقوة فتخلف عن الاصطدام بعض الذرات البيضاء التي تصاعدت إلى الأعلى بخفة بعد أن تقابلت بما تبقى من أشعة الشمس الغاربة والتي تسربت إلى الغُرفة من النافذة الزُجاجية المفتوحة والمُواجهة للباب، تأملت شمس تلك الذرات بهدوء قبل أن تستلقِ بلامُبالاة أعلى فِراشها الوثير من جديد، فأصدر سريرها الخشبي أزيزًا لطيفًا، حجب صوته عنها سماعات الأُذن التي ارتدتها مُستمعة لإحدى الأغاني المُفضلة إليها بعد أن ركزت أبصارها على قُرص الشمس الذى بدأ فى الاختفاء ليحل الظلام تدريجيًا ..
أفاقت من شرودها على النور الساطع الذى ملأ الغُرفة، فأغمضت عينيها بقوة قبل أن تفتحهما على مهل مُحاولة التأقلم مع ذلك الضوء القوى، فأبصرت والدها يقترب منها ببطيء قائلًا بابتسامته الحنون :
_ كنتي نايمة ولا إيه ..
أزالت شمس سماعتي الأُذن واعتدلت أعلى فراشها بتأدُب قائلة باحترام :
_ لا أبدًا يابابا أتفضل ..
أتجه الأب أولًا إلى النافذة يُغلِق شيشها الخشبي قبل أن يجلس أعلى المقعد المُستدير الخاص بمكتبها قائلًا بعِتاب :
_ مالك مزعلة ماما ليه ..
لم تُجيبه هي فأضاف مُتسائلًا :
_ عمل إيه خطيبك عشان تقلبي عليه للدرجادي ؟
زفرت شمس بحنق قائلة فور تذكُرها :
_ مش قادرة أستحمله يابابا خلاص ..
هز محمود رأسه بتفهم قبل أن يُعلق :
_ إنتى عارفة إني كنت مُعترض على الجوازة دي من الأول بس إنتى اللي صممتى .. ولو مش عاوزة تحكى اللي حصل فدى حاجة ترجعلك بس مش عاوزك تاخدى أي قرار وإنتى متعصبة ..
قالت شمس بتصميم دون تفكير :
_ كان معاك حق يابابا في رفضك ليه ودلوقتي جه وقت تصليح الغلطة دي ..
أقترب محمود من ابنته مُربتًا على شُعيراتها برفق وهو يقول :
_ خدي وقتك في التفكير يابنتى، مفيش مشكلة وملهاش حل، واختلاف وجهات النظر بينكوا دي حاجة طبيعية في الأول، راجعي نفسك كدة ولو عاوزة تكحيلي أنا أو أُمك إحنا موجودين .. بلاش تتسرعي ..
هزت شمس رأسها بعِناد قائلة بأعين حزينة :
_ مش هفكر تانى أنا فكرت كتير وده قراري النهائي ..
تنهد الأب بأسف قبل أن يمنحها ابتسامة مُطمأنة قائلًا :
_ اللي يريحك إحنا معاكي فيه ..
ثُم أضاف قبل خروجه :
_ عمومًا هو أتصل بيا من شوية وزمانه جاي في الطريق ..
أتسعت عيني شمس بغضب وانتفضت من مكانها وكأنها لُدِغت من عقرب، فتعالى صوتها قائلة بحدة :
_ مش عاوزة أشوف وشه يابابا لو سمحت ..لو جه إديله حاجته وهو أصلًا ملوش عندنا غير دبلته أتفضل اهى ..
أقرنت المُتحدثة جملتها الأخيرة بتخلصها من خاتمها الذهبي وإعطائه لوالدها الذى رفض استلامه منها قائلًا بحزم بعدما أثاره ارتفاع صوتها :
_ دبلتك تديهاله بنفسك مادام أخدتي قرارك لوحدك يبقى تتحملي المواجهة وتطلعي تقوليله في وشه مش تعتمدي على غيرك في تحمل نتايج اختياراتك ..
ثُم أضاف بصرامة :
_ وصوتك ميعلاش تانى وإنتى بتكلمينى ..
انتبهت شمس لحالها فأخفضت رأسها قائلة باعتذار :
_ أنا آسفة يابابا مكنتش أقصد ..
ثُم أردفت :
_ أنا هطلع بنفسي أديهاله لما يجي ..
في تلك اللحظة ارتفع رنين جرس المنزل مُعلنًا عن قدوم زائر، فنظر محمود إليها نظرة طويلة قبل أن يتوجه نحو باب الغُرفة قائلًا :
_ أهو جه .. أتفضلى ألبسى وإطلعى قابليه يمكن ربنا يهديكي ..
غادر الأب مُغلقًا الباب من ورائه وهو يُتمتم بخفوت :
_ لاحول ولا قوه إلا بالله العلى العظيم ..لله الأمر من قبل ومن بعد ..
زفرت شمس بقوة قبل أن تستجمع قوتها مُتجهة إلى دولابها الخشبي فالتقطت منه بنطالها الجينز المُعتاد وارتدته على عجل ومن فوقه كَنزة طويله داكنة اللون وغطت رأسها بأول إيشارب قطني صادفها غير مُنتبهة للونه، حتى أنها لم تُلاحظ عدم التناسق بين ما ترتديه أثناء نظرها لمرآتها كي تتأكد من سلامة حِجابها، مُتجاهلة وجهها الشاحب والخالي من أي أصباغ، ارتدت خُفها المنزلي وتوجهت إلى الخارج بتحفز وبخطوات سريعة إلى أن وصلت إلى غرفة الصالون، لكن أقدامها توقفت عن الحِراك في اللحظة المُناسبة وهدأت نوبة غضبها عندما سمعت والدها يلفظ اسم ضيفُه مُرحبًا :
_ أهلًا بيك ياأسامة يابني ..

reaction:

تعليقات