رواية أوصيك بقلبي عشقا كاملة بقلم مريم محمد غريب عبر مدونة كوكب الروايات
رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الثامن و الثلاثون 38
“أعشقها ؛ و لا أخشى في حبها لومة لائم !”
_ أدهم
استيقظت في الصباح يملؤها النشاط و البهجة، على عكس زوجها الذي ما زال يغطّ في نومٍ عميق، يعتمد على الأيام القليلة المتبقيّة من عطلة شهر العسل، يحاول الاستمتاع قدر استطاعته بكل شيء، بالراحة و بزوجته و حتى بـ”لمى”.. الصغيرة التي يعتبرها ابنته من الآن فصاعدًا …
-مراد ! .. همست “إيمان” مقابل شفاهه الدقيقة
كان يغفو مثل طفلٍ و هو يحاوطها بذراعيه منذ ليلة الأمس، و لم تكن الفرحة تساعها حين أفاقت من نومها و رأته بجوارها هكذا، بهذا القرب، في السابق كانت تحلم به و تستيقظ باكية و لا تجده إلى جانبها، أما اليوم هو لا يُفارقها، أينما تغدو و تروح يكون معها، حب حياتها، الحدث الجلل الذي دمرها و داواها أيضًا
مرضها
السبب الذي يبقيها على قيد الحياة …
-حبيبي. اصحى يا مراد. بقينا الضهر ماينفعش كده !!
أخيرًا بدأ يتململ مفلتًا إيّاها و هو يغمغم بكسلٍ :
-سبيني شوية بس يا إيمان. نص ساعة كمان
إيمان باستنكار : نص ساعة إيه. بقولك بقينا الضهر. قوم يا مراااد ..
تأفف “مراد” دافنًا وجهه في الوسادة :
-خلاااص قمت. قمت يا إيمان !
أومأت له مبتسمة و هي تقوم من السرير متئزرة بروبها القصير :
-برافو. شاطر يا حبيبي.. أنا هاروح أصحي لمى. تكون دخلت انت خلصت الشاور بتاعك عشان أخد بتاعي و ألحق أعلمكوا فطار. يـلاااا يا مراد !
و سحبت الغطاء من فوقه، فشتم و هو ينقلب ليقذفها بالوسادة، قهقهت ضاحكة و هي تفر من أمامه …
توّجهت إلى غرفة صغيرتها، و قد حرصت على الظهور أمامها بوجهٍ صافٍ و ابتسامة حلوة، لا تعمد إلى مراضاتها اليوم و بذل بعض الجهد حتى تنسى اساءتها إليها البارحة، بعد تشجيعٍ من زوجها و توجيه، بدأت تدرك بالفعل قدر أهمية طفلتها بالنسبة لها، و إنها الكنز الحقيقي لرحلة حياتها، لا يمكن أن يعوضها أحد عنها، صغيرتها، قطعةً منها
أمسكت “إيمان” بمقبض باب الغرفة و أدارته، ثم ولجت على الفور، لتتجمّد بمكانها و قد تلاشت الابتسامة عن وجهها، ذلك عندما رأت سرير الفتاة فارغًا، تقدّمت للداخل باحثة بعينيها في كل مكانٍ، حتى ركعت فوق الأرض تفتش تحت السرير و بداخل البيت العصير الذي أشتراه “مراد” من أجلها ضمن كومة الألعاب المختفلة، لكن لا شيء !
لا جود للصغيرة
لقد اختفت ببساطة …
-مـراااااااااااااااااااااااااااد !!!!
*****
عادا إلى الوطن أخيرًا، بعد قضاء ثلاثة أيام على جُزر العشق، عادا ليس كما غادرا، كانت ممسكة بيده، تشبك أصابعها في أصابعه و هما يعبران بوابات المطار، و كانت ممتنّة لأن سيارة مخصوصة كانت بانتظارهما، فتولّى السائق أمر القيادة، بينما جلسا في المقعد الخلفي متلاصقين، تضع يدها في ذراعه و لا زالت يدها الأخرى تشتبك في يده، تسند رأسها إلى كتفه راسمة على ثغرها ابتسامةٍ صافية
كانت سعيدة للغاية، تكاد تجزم أن لا أحد على هذه البسيطة يحظى بالسعادة التي تلفّها، لقد تم إنقاذ زواجها، نجح حبيبها بتآجيج العلاقة و إعادة الأمور إلى نِصابها ؛
سرعان ما وصلا إلى البيت، و لم تستطع “سلاف” إلا أن تنسلخ عن زوجها الآن، كانت روحها تسبقها إلى صغارها، فور أن توقفت السيارة أمام البيت نزلت منطلقة إلى الداخل تتبعه نظرات “أدهم” الفرحة، نادى البواب ليعاونه في حمل الحقائب، ثم لحق بزوجته …
-وحشتـووووني. وحشتـووني أوووي !!! .. صاحت “سلاف” و هي تنهال على الثلاثة أحضانًا و تقبيلًا كلها ممتزجة بدموع الشوق
كانت تجثو أمامهم وسط مدخل الشقة، حال الصغار لا يختلف عن حالها، و كأنها بالنسبة لهم الهواء و الحياة، تقاتلوا على البقاء بأحضانها، فأخذتهم ثلاثتهم و قعدت بهم هكذا
جلجلت ضحكة “أدهم” ما إن ولج إلى شقة أمه و رأى هذا المشهد، ألقى التحية على أمه أولًا، ترك الحقائب جانبًا و اقترب ليحتضن أمه و يقبّلها، ثم إلتفت نحو زوجته و أولاده هاتفًا :
-طيب على فكرة أنا كمان بابا. مافيش بوسة و حضن ليا أنا كمان !!؟
و لم يؤتي كلامه أيّ صدى، بقي الصغار بحضن أمهم، فهز “أدهم” رأسه مرددًا بدعابة :
-مخلّف عيال ندلة صحيح. ماشي يا روح أمك منك له. لينا شقة تلمنا !
علا صوت “أمينة” من ورائه بحبورٍ :
-انتوا إنهاردة مش طالعين من عندي. آ اعملوا حسابكوا. الليلة دي بيات معايا. كلكوا !
بعد قليل إنفصلت “سلاف” بصعوبةٍ عن صغارها، ذهبت إلى الغرفة الخاصة بها و بزوجها في شقة عمتها، أرادت أن تبدّل ملابسها، فأبى الصغار أن يتركوها و تبعوها إلى هناك مثل فراخ البطة …
تضاحكا كلًا من “أدهم” و “أمينة” و علّقت بسرورٍ :
-ربنا ما يحرمكوا من بعض يا حبيبي و يحفظلكوا ولادكوا يا رب
ردد “أدهم” و الراحة تغمره أخيرًا :
-اللهم آمين. مش مصدق إن العيال دول طلعوا متعلّقين بأمهم كده. ده محدش فيهم عبّرني !!
ضحكت “أمينة” قائلة :
-يا حبيبي مش قصدهم. أصل انت مش فاهم. أمهم بتقعد في وشهم طول الليل و النهار. ف متعلّقين بيها. لكن انت أغلب اليوم بتكون في شغلك و مش بتلحق تقعد معاهم غير يوم اجازتك ! .. و أردفت بجديةٍ :
– و هو ده على فكرة سبب المشكلة بينك و بين مراتك. الفترة الأخيرة كنت مهمل في بيتك أوي يا أدهم. كله كان شغل شغل !!
تنهد “أدهم و قال معترفًا :
-أيوة يا أمي معاكي حق. بس أنا خلاص هاظبط أموري من هنا و رايح. الأيام إللي فاتت كانت صعبة علينا كلنا. على سلاف و عليا و على الولاد. و عليكي انتي كمان. مش عارف أوفيكي حقك. انتي تعبتي معانا أوي. و كفاية شيلتي مسؤلية 3 أطفال لوحدك و احنا غايبين ..
عاتبته : عيب يابني. الكلام ده تقوله لواحدة غريبة. أنا أمك يا أدهم. خلّي بالك من كلامك !
ابتسم لها و أمسك برأسها يقربها إليه ليطبع قبلة على جبهتها، ثم قال :
-الله يحفظ لينا. و يقدرني أرد جزء من فضلك عليا ! .. و استطرد بفضولٍ مرح :
-بس صحيح العيال ماتعبوكيش. دي سلاف نفسها مابتقدرش عليهم مع بعض !!!
قهقهت “أمينة” و جاوبته باستخفافٍ :
-يابني سلاف دي لسا عيّلة زيهم. دي يدوب داخلة على 25 سنة ماعندهاش خبرة. أنا بقى إللي ربيّتك و ربّيت اخواتك و ولادهم. مش هقدر على ولادك !؟
-سلاف لسا صغيرة أوي فعلًا ! .. تمتم “أدهم” ممعنًا في جملتها :
-لسا صغيرة بالنسبة لي !!
كان يفكر الآن بفارق السن بينهما، كان هاجسه منذ تزوج بها، رغم إنه لسا كبيرًا إلى هذا الحد، لا يزال ثلاثينيًا، بأواخر الثلاثينات، لكنه دائمًا يخشى أن يأتي الوقت الذي تندم فيه على اختياره و الزواج منه، يخشى أن ينتهي حبّه في قلبها، مهما فعل لا يستطيع أن يقلع عن هذا الخوف !!!
لاحظت “أمينة” على الفور حالة ابنها، و علمت ما يشغل عقله، فأرادت أن تشتته و هي تقول بتفكّه أول ما خطر على بالها :
-نسيت أقولك بقى. اخواتك لما عرفوا انك سافرت المكان إللي قلت عليه ده ماصدقوش نفسهم. بالذات إيمان. عائشة فضلت تقر عليكوا بس !
و ضحكت بانطلاقٍ …
عبس “أدهم” مستوضحًا :
-و هما دخلهم إيه مش فاهم !؟؟
أربكتها لهجته الخشنة، فأوضحت له بمرحٍ حتى تُبدد عبوسه :
-مش قصدهم يدّخلوا يا حبيبي. أخواتك بس استغربوا. دي مش عوايدك حتى مع سلاف قبل كده كنت بتبقى حازم أكتر.. أنا طبعًا ماسكتش و رديت عليهم. لكن هما أصلًا ماطولوش أنا بحكي لك بس !
إتخذ وجهه تعبيرًا صارمًا و هو يقول :
-أنا مايهمنيش من المخلوق. أنا حر. أعمل إللي أنا عايزه طالما مابغضبش ربي. مشكلة أي حد شايف إني مدلع سلاف زيادة. بقولها تاني و مستعد أقولها في وش أي حد. أنا حر. آه مدلعها و هافضل أدلعها لحد ما تبوظ من الدلع. محدش له عندها و لا عندي حاجة !!!
هدأته بلطفٍ : طيب خلاص. إهدى. ماحصلش حاجة.. لو زعلان اوي من كلامهم أنا هاقولهم مايتكلموش عنك خالص. و ماعنتش هاحكي أخبارك ليهم. بس ماتتعصبش كده يابني. مالك بس انت كنت كويس من دقيقتين !
زفر “أدهم” مطوّلًا و قال و هو يفرك وجهه بكفّيه :
-مافيش حاجة يا أمي. أنا بس مرهق من السفر. هادخل أخد دش و هابقى كويس. عن إذنك !
و مضى من أمامها في الحال …
*****
كانت ترتعش ذعرًا من رأسها حتى أخمص قدميها عندما أتى “مراد” خلال لحظات، بدت علائم القلق على وجهه و هو يقترب منها صائحًا :
-في إيه يا إيمان !؟؟
و مد يديه ليساعدها على القيام، بينما تخبره بلهجةٍ يهزّها الخوف :
-لـ لمى. مش لاقية لمى. دخلت الوضة مالاقتهاش !!!
أخذ يهدئها قائلًا :
-طيب إهدي. إهدي. دوّرتي عليها كويس. شوفتيها في بقية الأوض. نزلتي شوفتيها تحت ممكن تكون نزلت زي ما عملت إمبارح أو تلاقيها هنا و لا هنا. إهدي بس و ماتخافيش. هاتروح فين أكيد هنا.. تعالي. تعالي ندوّر عليها !
و أمسكها جيدًا و سارا معًا إلى الخارج، كلاهما يفتشان الغرف و دورة المياه، و عندما لم يجداها، هبطا للأسفل، توّجهت “إيمان” للبحث حول البهو و المطبخ، و ذهب “مراد”باتجاه الشرفة و غرفة المعيشة …
جمد بين المكانين و هو يحدق مذهولًا بالصغيرة، حيث عثر عليها غافية فوق الأرض الرخامية و قد احتضنت غطاء من الزجاج، بد أنه غطاء صحن الفاكهة، كانت تأسر بداخله فراشةٍ كبيرة، لا يدري كيف حصلت عليها، و لكنها حقًا كانت آسرة، هي و فراشتها المرفرفة …
-إيمان ! .. هتف “مراد” بصوتٍ عال دون أن يزيح ناظريه عن الصغيرة :
-تعالي لاقيتها ..
جاءت “إيمان” تهرول، و كتمت شهقة ملتاعة ما إن رأتها على هذا الوضع، ارتمت إلى جوارها في الحال و حملتها إلى حضنها باكية :
-لمى. يا حبيبتي. إللي نايّمك هنا. كده يا لمى. تخضّيني عليكي كده !!
بدأت الصغيرة تنتبه، أفاقت من غفوتها متطلعة إلى أمها، تلألأ بؤبيها الرماديين على ضوء الشمس حيث أزاح “مراد” ستائر الشرفة ليضيء لهم العتمة …
-مامي ! .. غمغمت الصغيرة بصوتٍ ناعس
أنهمرت شعر “إيمان” حول وجه ابنتها و هي تقول عاجزة عن التحكم بدموعها الجارية :
-ليه نزلتي من أوضتك يا لمى ؟ ليه نمتي هنا بالشكل ده !؟؟
و رفعت كفّها تجس جبينها لتقيس حرارتها …
-كويس لما تاخدي برد !!
عبست “لمى” و هي تبرر ببراءةٍ :
-أنا كنت خايفة أنام لوحدي. لما كنا عنج تيتة كنت بنام معاكي و لما مشيتي كنت بنام معاها. مش بعرف أنام لوحدي. خفت ف نزلت أقعد شوية هنا لحد ما نور ربنا يطلع. لاقيت الفراشة دي برا ! .. و أشارت إلى الشرفة القريبة :
-فتحت لاقيتها قربت عندي و وقفت على كتفي. ف حطتها هنا ! .. و أشارت الآن إلى الغطاء الزجاجي بجوارها :
-و فضلت قاعدة أتفرج عليها. و بس. انتي جيتي تصحيني دلوقتي !!
أوّهت “إيمان” و هي تنظر إليها بأسى، أنّت تكبح نشيجًا و ضمتها إلى صدرها بقوةٍ مغمغمة :
-أنا آسفة يا لمى. أنا آسفة يا حبيبتي. أنا مش هاسيبك تنامي لوحدك تاني.. مامي بتوعدك !
-من فضلك يا إيمان اسحبي وعدك ده عشان لمى مش هتنام غير في حضني أنا من إنهاردة !
أدارت “لمى” رأسها تنظر نحو “مراد” الذي انضم لهما جاثيًا بالقرب منهما، كان يبتسم مقابل تكشيرة الصغيرة، و مد يده ماسحًا على رأسها بحنان و هو يستطرد :
-دلوقتي نفطر سوا و مامي تجهزك عشان نخرج في الأماكن إللي بتحبيها. و كمان نشتري لعب كتـيييير و كل إللي انتي عايزاه. انتي تؤمري و انا أنفذ يا روحي
ابتسمت “إيمان” و هي تلمس كل هذه المحبة و الاهتمام من حبيبها لإبنتها هي، طفلة ليست ابنته، لا تقرب إليه بصلة، و لكنه يغدق عليها من حبه و حنانه كرمى لأمها …
-تعالي نطلع ناخد الـPath سوا. و نختار إللي هاتلبسيه !
ابتسمت “لمى” ابتسامة لم تصل إلى عينيها، و قبل أن تخطو بها “إيمان” خطوة، دق هاتفها المُلقى هناك فوق إحدى الأرائك، ذهب “مراد” ليحضره إليها، و لم يمتنع عن النظر إلى هوية المتصل، رفع وجهه نحوها مصرّحًا باقتضابٍ حاد :
-مـايـا ! ……………………………….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية أوصيك بقلبي عشقا ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق