Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الثالث و الثلاثون 33 - بقلم مريم محمد غريب

       رواية أوصيك بقلبي عشقا كاملة  بقلم مريم محمد غريب  عبر مدونة كوكب الروايات


 رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الثالث و الثلاثون 33

 
 “ما الضرر الذي قد يسببه العشق !”
_ سلاف
كل شيء يمضي على ما يرام، و لا يمكنها أن تتخيّل شهر عسل أروع من ذلك حيث زوجها هو “مراد”.. حبيبها “مراد” هنا معها، كما تمنت طوال حياتها
و لكن !
ما زال هناك ما يعكر صفوها، إنها تأتيها بغتةً، كلّما هدأ بركان العشق قليلًا بينهما، تجتاحها عاصفة جليدية ترجف قلبها خوفًا، فتبتعد عنه و يبذل هو جهدًا لإزالة تلك المخاوف عنها، إنه لا يسأم أبدًا، و لكنها تخشى أن يفعل بنهاية المطاف، ترعبها فكرة خسارته مرةً أخرى، لن تتحمل هذه المرة …
-هو مافيش حد هنا !؟؟ .. تساءلت “إيمان” و هي ترمق المكان حولها بتعجبٍ
أسفل شمس الظهيرة المشرقة، و الطقس لطيفٌ، مشيت “إيمان” إلى جانب زوجها متشابكي الأيدي، وسط باحة الفندق الفخم المتربع فوق حافة البحر الفيروزي، ترتدي ثوبًا خفيفًا و مكشوف من درجات الأزرق الفاتح، و لا تضع حجابها …
أدار “مراد” رأسه ناحيتها و قال رافعًا حاجبه :
-يعني انتي متصوّرة إني ممكن أمشيكي بالشكل ده وسط ناس ؟ منغير حجابك. و تقريبًا نص جسمك باين !!!
ابتسمت و هي تشبع ناظريها من تعبيرات وجهه المميزة للغاية، عبوسه، غروره، إنه ليس جميلًا، و لكنه وسيم بدرجة جميل.. كيف لأيّ شخص أن يكون وسيمًا لهذه الدرجة !؟
-لما وصلنا كان في موظفين ! .. قالتها و هي تميل صوبه حتى تلامسا
توقف “مراد” و لف يده الأخرى حول خاصرتها، ثم أشار لها بذقنه قائلًا :
-الفندق ده كله لينا لوحدنا لمدة أسبوع. المالك بتاعه صديقي و شركة مقاولاتنا ساهمت في تنفيذه. لما عرف خبر جوازنا و إننا هانقضي شهر العسل هنا في تركيا صمم انه يقدم هديته بالشكل ده. مافيش مخلوق هنا غيري أنا و انتي. لكن طبعًا الأمن برا على البوابات !
انفرجت شفتاها في حركةٍ تنم عن إنبهار و قالت :
-دي هدية مختلفة و تجنن يا مراد. صديقك ده تركي ؟
هز رأسه مجيبًا :
-لأ. لبناني. بش شغله و عيلته كلها هنا في إسطنبول
إيمان بابتسامة : يا بختهم !
تشكّلت خطوط جبهته و هو يعبس قليلًا و يقول :
-نفسك تعيشي هنا يعني ؟ أنا عندي استعداد أنفذ لك رغباتك كلها. بس مش هاتحنّي لمصر و خالتي و أدهم !!
مضغت “إيمان” شفتيها و هي تقرّب نفسها إليه أكثر، تلقي بذراعيها ممسكة بكتفيه و تهمس و عينيها في عينيه تمامًا :
-أنا في المكان إللي تكون انت فيه. مش عايزة حاجة من الدنيا دي غيرك.. بحبك. بموت فيك !
تراقصت ابتسامة خفيفة على ثغره، لكنه قال متخوّفًا :
-أنا بخاف من الجانب الطري بتاعك ده. عارفة عامل زي حبة فاكهة كبيرة و لذيذة. بس تلاقي في آخرها بذرة قاسية تكسّر سنانك !!
قهقهت “إيمان” ضاحكة و علّقت :
-إيه التشبيه ده. انتي شايفني بذرة !؟
-كامة فاكهة ماعدتش على ودانك خالص !!؟
ابتلعت ريقها و ابتسامتها تقل بالتدريج، تنفست بعمقٍ و قالت بينما لا تهتم سوى للحظة الراهنة :
-ماتخافش. انت بتساعدني كويس أوي. و بتاخد بالك مني.. لما بتلمسني بحس ان راسي زي السما. صافية. مليانة نجوم. الخناقة إللي كانت هناك بتهدا خالص. مافيش أوهام. مافيش خوف. مافيش رعب من بتاع زمان.. عرفت لمستك بس بتعمل فيا إيه !؟
رمقها بعاطفةٍ متآججة، و قال بصوتٍ خفيض ملؤه الحب و الاهتمام :
-طيب إيه إللي بيحصل لك في الآخر ؟ ليه بشوف الخوف في عنيكي. ليه بتبعدي عني بعد ما بنكون قريبين جدًا من بعض ؟ أنا مش قادر أفهم. صارحيني إيه إللي بيحصل يا إيمان !؟
إنها تحب اسمها عندما ينطق به “مراد”.. فهو لا يبتذله.. يقوله بخفةٍ و دفء لا يمكن تصنعه …
-أنا كنت متجوزة سيف يا مراد ! .. تمتمت “إيمان” و قد تلّبدت عيناها بالدموع فجأة
تشبثت بقميصه المفتوح مستشعرة سخونة بشرته على يديها، و استطردت :
-سيف كان أبشع كابوس مضطرة أعيشه كل يوم طول سنين جوازي منه. سيف كان بيستنزفني. عمل معايا كل حاجة ممكن تخطر على بالك. و ماكنتش بقدر أتكلم.. انت فاهم. فاهمني صح !؟
أومأ لها متفهمًا و الغضب يعتمل عميقًا في عينيه، غضب و سخط على نفسه قبل أن يكون على أيّ شخص آخر، هو الذي عرّضها لكل ذلك، هو السبب الرئيسي لمعاناتها …
-بس انتي شايفة إني بعمل زيه ؟ .. سألها بهدوءٍ ممسدًا خدها براحة يده
اتكأت “إيمان” على راحته مغمضة العينين و هي تقول بينما تتسرّب دمعة من عينها لتنزلق على يده :
-لأ طبعًا. بقولك بشع. انت مش زيه طبعًا.. بس. غصب عني. لسا مش قادرة انسى إللي كان بيعمله فيا. بتيجي قدامي فجاة. بشوفه. فبخاف.. و كمان. مالك !
شعرت به يقبّل شعرها، ضمها إلى صدره، فلفت ذراعيها حول جذعه، و أغمضت عينيها مرةً أخرى لسماع ما يقوله :
-خلاص يا إيمان. كل ده بقى ماضي. مش عايزك تخلي الماضي ده يأثر على حياتنا و مستقبلنا مع بعض. عايزك تبقي قوية. انتي فيكي كل الصفات إللي أي راجل يتمناها في حبيبته. انتي إيمان حبيبتي أنا. بس ناقصك تبقي قوية. مافيش حاجة تهزك. بس !
قالت و نبرتها النائحة تجعل الأمر و كأنه منشودًا بشدة :
-أنا بحاول. و الله بحاول.. انت مش حاسس إني بتحسن ؟ أنا عايزة أبقى كويسة يا مراد. عايزة أرجع طبيعية. بس إللي أنا عيشته مكانش في يوم و ليلة. دي سنين طويلة !!
تنهد مطوّلًا، ثم قال هامسًا قرب أذنها مغيّرًا مجرى الحديث :
-طيب تعالي. تعالي نرجع أوضتنا. أوردر الغدا على وصول. و لا تحبي نخرج نتغدا برا ؟
سلّمت أمرها إليه كليًا قائلة :
-إللي تشوفه !
………………..
عادا إلى الجناح الخاص بهما، الشرفة بطوله كله، مفتوحة الآن، تطل على أروع المناظر، الخضرة و البحر و السماء …
طوال طريق العودة إنشغل باله بحديثها، و كان غير مرتاحًا، ما دفعها لسؤاله ما إن استقرا بالداخل :
-مالك يا مراد ؟
لم يكذب عليها، قال ما يحدث معه حرفيًا و هو يركز نظراته على وجهها :
-بفكر في كلامك.. مش عارف أبطل تفكير !!!
رفرفت بأجفانها و هي تمد كفّها لتضعه على جانب وجهه و تقول :
-ماتشغلش بالك يا حبيبي. أنا بحكي لك عشان أفضفض معاك. مش عشان أضايقك !
-ضايقيـني ! .. صاح فجأة
فأجفلت و رفعت يدها عنه فجأة …
توجست منه قليلًا بينما يقترب هو منها.. الحنق يطغى على نبراته و هو يخبرها :
-أنا السبب في كل إللي حصل لك. و مش قادر أسامح نفسي. أنا كمان دمرتك زيهم. و احتمال تكوني لسا تعبانة و مش متوازنة. أنا مش هاسمع كلامك أكتر من كده و أول ما نرجع مصر هاعرضك على دكتورة نفسية. و مش قصدي إنك مجنونة زي ما بتقوليلي كل مرة. انتي محتاجة مساعدة. فاهمة.. لازم تتعافي !!!
ضمت شفتيها بشدة الآن مخافة أن تنفجر بالبكاء بأيّ لحظة، بينما يهدأ “مراد” قليلًا و هو يدنو صوبها أكثر، صوته الهامس الخشن وقع على أذنها و هو يمسك وجهها بشدة :
-أنا عايزك تنقلي كل ده ليا. أنا عايز أخد وجعك ده كله.. أنا عايزه يا إيمان !
نظرت إليه و الدموع تحرق عينيها، كانت ترتجف الآن بين ذراعيه و قد استهلكها الحزن و الذكريات الأليمة، بالكاد خرج صوتها من تحت وطأة الغصّة التي تسد حلقها :
-ياريت.. ياريت أقدر أخلص منه بالسهولة دي. ياريتك تقدر تشيله عني… ياريت.. أنا مابقتش قادرة عليه. مابقتش قادرة خلاص يا مراد !!!
و جرت دموعها من جديد و علا نحيبها الهادئ، حاول أن يريحها بشتّى الطرق، لكنها لا تستجيب و تضع يديها بينهما لتبقيه بعيدًا
اهتدى إلى فكرته بغتةً و هو ينفصل عنها محدقًا بعينيها الحمراوين المبللتين :
-أنا هساعدك يا حبيبتي.. أنا هساعدك !
رأى اليأس في نظراتها، لكنه أمسك بيدها و قادها نحو المنضدة المستطيلة، و بلا كلمة خلع قميصه، فرمقته بارتباكٍ قائلة :
-انت بتعمل إيه !؟
لم يرد، حتى فك حزام خصره الفاخر، سحبه أمام عينيها و أمسك بيدها يضعه بها مقررًا :
-طلّعيه كله.. ماتخلّيش حاجة جواكي. سمعاني ؟
لم تفهم ما قصده بالضبط، فابتسم بالكاد بينما تسيل دمعة على طول خدّه أسفًا و ندمًا عليها، ثم استدار حتى واجهت ظهره العاري، إنحنى للأمام حتى لامس صدره خشب المنضدة، أراح جانب وجهه فوقها و هتف على إستعدادٍ :
-ماتتردديش.. أنا قدامك أهو. خدي حقك مني. خدي حقك مننا كلنا يا إيمان !
الآن فهمت جيدًا ما عناه، فافلتت منها شهقةٍ و هي تبكي بصوتٍ و تشد على طوق خصره بعصبيةٍ :
-لأ يا مراد. مـ آ ا …
-قلت لك أعمليها ! .. قاطعها صائحًا بغضبٍ و قد تشنجت عضلات ظهره أمامها
واصل محفزًا إيّاها بتغذية كل مشاعر الحقد و النقمة بداخلها :
-افتكري إللي عملته فيكي. افتكري إللي عمله فيكي سيف. و إللي عمله مالك.. افتكري كل حاجة وحشة حصلت لك على إيد كل واحد فينا. خدي حقك. ردي لي وجعك. إديهولي كله. حرري نفسك يا إيمـ ….
هي التي قاطعته هذه المرة !
و هي تنزل بأول ضربة قوية و رنّانة على جلده المتماسك، كتم صيحة ألمٍ بصعوبة، لم يكن يتخيّل أن تكون بهذه القوة، أو لعل جلد حزامه أثبت فعاليته الثمينة حقًا …
سمعها تلهث من ورائه و استشف رغبتها بالتراجع، فحثها زاجرًا من بين أنفاسه العنيفة :
-كملي يا إيمان. إوعي توقفي.. كمان …
لم تجعله يُكررها مرتين، و نزلت بضربةٍ ثانية، و ثالثة، و رابعة.. بينما كان يرتعد مع كل واحدة و يتأوّه بصوتٍ مكتوم، و أحيانًا صريح
لكنه تماسك حتى النهاية، حتى أتمّت عشرون ضربة و أفرغت عليه كل مشاعرها السلبية، كل ملامح الظلام بداخلها، تبددت مع سماع آهاته، و رؤية جلده اللامع الجميل و هو يتجرّح أمام عينيها و يسيل دمًا …
كفّت عنه أخيرًا و الراحة تغمرها للحظاتٍ، قبل أن يُداهمها الإنهيار مجددًا، و ترمي أداة التعذيب من يدها مجهشة بنوبةٍ جديدة من البكاء، لكنه بكاء من نوعٍ آخر، لم يكن سببه الألم، و لا تجد له سببًا مُحدد
لكنها الآن لم تعد نفس المرأة التي كانت عليها منذ بضعة دقائق.. هذا مؤكد …
-بس ! .. قالها “مراد” مخطوف الأنفاس
و هو يعتدل و يواجهها ثانيةً، ضم رأسها إلى صدره متمتمًا بتعبٍ شديد فوق شعرها :
-إهدي يا حبيبتي.. هاتبقي كويسة. كل حاجة هاتبقى أحسن… أوعدك !
*****
يعلم أنه بالغ في معاقبتها و هجرها، يدرك تمامًا أن قسوته شديدة لأول مرة عليها، كم يوم و هو ينأى بنفسه عنها !؟
لقد مر اسبوعًا بالفعل، كل يوم يراها تذبل أكثر عن اليوم الذي يسبقه، تمارس يومها بآلية، بين تلبية احتياجات أطفالها و واجبها تجاهه الذي حصره بتناول وجبة الغداء فقط معها و مع أطفاله، أما وجبة العشاء فكان يتناولها برفقة أمه ؛
كلما كانت تحاول الاقتراب منه كان يبتعد فورًا معرضًا عنها، كان يسمعها تبكي من وراء باب الغرفة كل ليلة، و لكنه وضع على قلبه حجرًا ثقيلًا ليمضي في هذا التأديب العسير الذي يلزمها، رغم أنه كان على وشك أن يضعف أمامها مراتٍ كثيرة، في كل مرة كان يذكر نفسه بما قالته له من كلماتٍ تجريحية تقلل من قيمته، يعرف بأنه سوف يُصالحها، و لكن ليس بهذه السرعة …
لولا ما حصل اليوم، بلغ منها الضعف بسبب قلة الغذاء مبلغًا، حتى أنها كاد أن يغشى عليها، راقب هو ذلك بقلبٍ واجف أثناء مروره من أمام المطبخ، ظل واقفًا هناك يخشى عليها من السقوط أو أن تؤذى بأيّ شكل
لم يكف عن المراقبة إلا عندما تركت كل شيء و ذهبت إلى غرفة النوم لتنال قسطًا من الراحة، بقي في تأهبٍ بالصالة، عينه على الرواق يبنتظر يقظتها، حتى قامت بالفعل مُلبيّة نداء أحد الصغار، فأمسك “أدهم” بهاتفه و أرسل في طلب أمه بشكلٍ عاجل
دقائق و كان الجرس يدق، قام ليفتح و همس لأمه :
-أمي شوفيها بس منغير ما تقولي إني ناديتك. و بالله عليكي خليكي وراها لحد ما تاكل. أنا ماشوفتهاش كلت أي حاجة إنهاردة !
طمأنته “أمينة” محاكية نبرته الخافتة :
-ماتقلقش يا حبيبي. أنا هاتصرف معاها. بس بعدين لينا قاعدة أنا و انت و تفهمني إيه إللي حصل بينكوا بالظبط. ماشي ؟
أومأ له مستعجلًا :
-حاضر يا أمي حاضر. ادخلي بس الأول و شوفيها !!
ولجت “أمينة” مسرعة تحت إلحاحه، و هتفت منادية على ابنة أخيها بلهجةٍ طبيعية، حضرت “سلاف” في غضون لحظات، امتثلت أمامها بهزلٍ، شاحبة الوجه، الهالات السوداء تحيط بعينيها، كان حالها يُرثى له …
-إزيك يا عمتو ! .. دمدمت “سلاف” بلهجةٍ ضبابية
عبست “أمينة” بقلقٍ و هي تقترب منها قائلة :
-إيه ده يا سلاف. شكلك عامل كده ليه يابنتي. انتي ضعفانة كده ليه !؟؟
في هذه اللحظة لمحت “سلاف” زوجها و هو يمر متجهًا نحو الشرفة و يحمل في يده نفس الكتاب الذي يقرأ به منذ عدة أيام ؛
ابتسمت “سلاف” بسخريةٍ و قالت :
-أنا كويسة يا عمتو. كويسة أوي !
أبت “أمينة” ادعائها :
-لأ مانتيش كويسة يا سلاف. بصي لنفسك في المرايا. قوليلي يابنتي مالك. أنا كل ما أسأل أدهم عليكي يقولي فوق. مش بتنزلي و لا بتكلميني. انتي تعبانة و لا في حد مزعلك !؟؟
ساد الصمت بينهما للحظاتٍ، تحدق “سلاف” بعينيّ عمتها فقط، إلى أن برزت الدموع بعينيها بغتةً و قالت بصوتٍ يمزّقه النشيج :
-أنا هموت يا عمتو !
جحظت عينا “أمينة” على الفور و نطقت بهلعٍ :
-إيـه. بتقولي إيــه ؟ هاتموتي إزاي ؟ فيكي إيـه يا سلاف اتكلمي !!!
……………….
عندما نطقت جملتها قفز قلبه من موضعه، هو نفسه وثب من مكانه و وضع قدمًا على مقدمة الشرفة تأهبًا للخروج إليها.. لكنه جمد مستمعًا إلى صوتها و هي تقول باللحظة التالية :
-بقالي يومين بشوف بابا في الحلم. بيجي يمسك إيدي و ياخدني معاه. إنهاردة جه هو و ماما و خدوني !!
أجفل “أدهم” مستوعبًا ما تقوله، و لكنه هدأ نسبيًا حين كشفت بأن الأمر يتعلّق بالأحلام، أخذ نفسًا عميقًا و واصل الاستماع لهما …
أمينة : يابنتي فجعتيني. حرام عليكي يا سلاف. ده حلم يا حبيبتي مجرد حلم. حلم يعمل فيكي كل ده. ماتهوميش نفسك انتي كويسة !
سلاف : لأ. أنا مش كويسة. أنا حاسة بنفسي. و حاسة إن مابقاش ليا لازمة في حياة أي حد أصلًا !
أمينة : ليه. ليه يا حبيبتي بتقولي كده. ربنا يخلي ولادك و جوزك. و ربنا يخليكي ليا. محدش فينا يقدر يستغنى عنك
بدأت تبكي بصوتٍ الآن و هي ترد على أمه :
-أنا تعبت خلاص يا عمتو. تعبت و مابقتش قادرة أستحمل إللي أنا فيه. مخنوقة !
لم يرفع الحجر الذي وضعه على قلبه، حتى و هو يسمع صوت بكائها الذي يملأ أذنيه و هي تخاطب أمه بهذه الحرقة، رغم إنه لا يثق إن كان سيصمد طويلًا !
لم يحرّكه سوى نداء أمه الصارخ، فوثب بغتةً مهرولًا من الشرفة إلى مدخل الشقة، كانت “أمينة” على أعتاب الباب تصرخ منادية ابنة أخيها و زوجة ابنها …
-في إيه يا أمي !!؟؟؟ .. صاح “أدهم” من خلف والدته
إلتفتت “أمينة” نحوه، ما إن رأت “أدهم” حتى اسجارت به :
-إلحق البت يا أدهم. نزلت تجري بهدومها و مش شايفة قصادها. إلحقها قبل ما تخرج من البيت و يجرى لها حاجة !!!
كانت تملي عليه آخر كلماتها و هو بالفعل قد تركها و انطلق في إثر زوجته بعد أن تأكد بأنها لم تتخذ المصعد، لحق بها قبل أن تبلغ الطابق الأرضي، عند شقة أمه مباشرةً، امتدت يده بسرعة و قبض على ذراعها مجتذبًا إيّاها بعنفٍ …
-تعالـي هنا. راحـة فيـن !؟؟؟
قاومت “سلاف” يديه و هي تصرخ فيه بضراوةٍ :
-اووعـى. مالكش دعوة بيا. سيبني ماتلمسنيش !!!!
كز “أدهم” على أسنانه مغمغمًا و هو يشدد قبضتيه عليها إلى حد مؤلم :
-أسيبك تنزلي بالشكل ده. انتي في واعيك ؟؟؟؟
مش هاتخطي برا البيت ده على أيّ حال سامعة !؟؟؟؟
تمزّق بعض من قماش ثوبها المنزلي المكشوف بفعل مقاومتها العنيفة، و احتقنت عيناها بشدة و هي ترد بصراخٍ مكتوم :
-سيبني أنا مابقتش عايزاك خلاص. كنت بتقول هاتّطلقني. طلّقنــي !!!
تصل “أمينة” في هذه اللحظة و تحول بينهما مبعدة ابنها بحزمٍ و هي تهتف :
-أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إيه إللي بيحصل بينكوا ده. استهدي بالله يا سلاف. إهدي يابنتي مش كده مالك بس !!
أخذت “سلاف” تدفع يديّ عمتها صارخة :
-سيبـوووني. أنا هامشي. أنا عايزة امشي من هنا. مش هاستنى في البيت ده دقيقة واحدة …
لم تيأس “أمينة” من محاولات تهدئتها و بقيت تكلّمها بلينٍ :
-يا حبيبتي ده شيطان و دخل بينكوا. إهدي انتي بس. عايزة تروحي فين. ده بيتك و هنا ولادك و جوزك !
هزت “سلاف” رأسها بقوةٍ و قد جرت دموعها الآن بغزارةٍ فوق خدّيها و هي تمضي قائلة بصعوبةٍ :
-لأ ده مش بيتي. و أنا ماليش حد هنا. أنا بقيت لوحدي. مابقاش ليا حد بعد بابا و تيتة حليمة. خلاص ماليش حد !!!
و إنهارت فجأة باكية …
و بطريقةٍ ما وجدت الدموع طريقها لعينيّ “أمينة” و أخذت تبكي معها و هي تمد يديها لتشدّها إلى صدرها بالقوة :
-لأ. اوعي تقولي كده تاني. انتي عدمتي عمتك ؟
أنا أمك و أبوكي و كل حاجة ليكي يا سلاف. انتي مش لوحدك سامعة. مش لوحدك !
جفل “أدهم” و هو يشاهد ما يجري أمامه، احترقت عيناه بالدموع و شعر بالألم يعتصر قلبه، يراها و هي تدفن وجهها في كفّيها، تنقسم أمام عينيه إلى نصفين و لا توجد وسيلة للعودة بها عن كل هذا …
و اقشعرّ خوفًا فجأةً، عندما انتفض كتفاها و هربت صيحات البكاء من فمها و هي تكافح من أجل التنفس، تذكر قنينة الدواء خاصتها، إنها بالأعلى
كاد يتحرّك من مكانه ليصعد و يأتي بها، لولا أن استوقفته صرختها، و لكن هذه المرة صرخة متألمة …
-آاااااااااااااااااااااااااااااااااااه !!!
و لكنها سقطت فوق ركبتيها في الأخير من شدة الآلام التي حاقت بها ! ………………………………………………………………
reaction:

تعليقات