Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الثامن و العشرون 28 - بقلم آلاء حسن

    رواية مصطفى أبوحجر كاملة  بقلم آلاء حسن   عبر مدونة كوكب الروايات 

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الثامن و العشرون 28

-٢٨- خيبة جديدة
“سيوهمكِ أنكِ آخر نساء الأرض وأن لا مثيل لكِ، سيُقنعكِ أن لا أحد استوطن قلبه غيركِ، لا تصدقيه ، فالرجل الشرقي بارع في تأليف الأساطير ”
.. أحلام مستغانمي ..
كم من المرات قرأت فيها تلك العبارة ومرت عليها مرور الكِرام دون أن يخطر لها على بال بأن هذه الكلمات دونًا عن غيرها مُوجهة إليها، بل تبدو وكأنها كُتبت لأجلها خصيصًا كي تحترس من ذلك الشِرك الذى أوقعت نفسها بداخله، لكن هيهات أن تستطع حتى مجرد التفكير في ذلك، فهي حقًا طالما كانت يقظة حذرة مِن جميع مَن مروا بحياتها .. عاداه !
بعد مرور عدة أيام من ذلك العرض السينمائي الخاص ..
استطاع مصطفى وبجدارة إثبات ولاء قلبه وإخلاصه لزوجته وابنتها بعد أن ولاهُما اهتمام زائد من طرفه تعويضًا لها عن انشغاله عنها في الحفل ذلك اليوم والأيام التي سبقته ..
بالطبع هي ثارت وقتذاك وانقلب بحرها الساكن الهادئ إلى آخر هائج غَضِب كاد أن يُودى بحياة ذلك البحار المتلذذ بهدوء أمواجه السابقة، فكاد أن يخر صريعًا عقب تحطم سفينته بفعل تلك العاصفة الهوجاء الغير مُتوقَعة، لكن سُرعان ما انقشعت الغُمة وتمكن من الوصول إلى شاطئ ضعفها كعادته، وقام على الفور ببناء سفينة ثقتها من جديد، فلانت له رغمًا عنها، وزادت ثقتها العمياء لشخصُه خاصة بعد مُحاولاته المُستميتة لإرضائها، فحرص على المكوث بالمنزل معظم الوقت برفقتها هي والصغيرة …
ولكن مرت الأيام سِراعًا وجاء ذلك اليوم الذى أراد فيه البحار الإبحار كعادته عقب اطمئنانه لابتعاد العاصفة واستقرار أمواج بَحرُه، ومن جديد أخرج الساحر من جُعبته إحدى ألعابه التي لاتُفنى والتي ضمن مُسبقًا تأثير سحرها على عقل فتاته ..
كان مُستلقيًا بغير اكتراث داخل غرفة معيشته أمام التلفاز شاردًا حزينًا على غير عادته فاقتربت منه بهدوء مُتسائلة برقة :
_ مالك ياحبيبي قاعد كدة ليه ؟
اعتدل في جلسته قبل أن يدعوها إليه لتجلس داخل أحضانه وأخذ يعبث بيدها الناعمة وهو يقول بابتسامة ضعيفة :
_ مستنيكي .. أصلك وحشتينى ..
راقبت شمس ملامح وجهه مليًا قبل أن تعلو بجسدها قليلًا إلى مستوى وجهه تحتضن رأسه بلُطف قائلة :
_ بتفكر في إيه أحكيلي ..
أراح رأسه بداخل أحضانها وأغمض عينيه باسترخاء قبل أن يُجيبها :
_ أبدًا شويه مشاكل كدة، مش عاوز أشغلك ..
عبثت شمس بشُعيرات رأسه التي غالبها الشيب قبل أن تهمس بأذنه قائلة :
_ ولو مشغلتنيش أنا هتشغل مين ؟
ثم أضافت مُسترسلة :
_ قولي يمكن نلاقي حل مع بعض ..
شعرت هي بزفرة حاره تخرج من بين شفتيه وكأنه يحمل بين كتفيه هموم الدنيا بأكملها، وظهر ذلك جليًا داخل نبرته المُختنقة وهو يقول :
_ كل اللي عملته بيتهد ..
رفعت شمس وجهه إليها بأصابعها مُتسائلة بقلق :
_ إيه اللي أنت بتقوله ده ! بالعكس أنا شايفة أن اسمك دلوقتي لمع أكتر بعد نزول فيلمك ..
ألقى برأسه من جديد داخل أحضانها وكأنه يرمى عليها أثقاله قبل أن يُجيبها بنبرة يائسة :
_ ده اللي باين على الوش بس للأسف ياشمس أنا حاسس إني برجع لورا مش بتقدم خطوة واحدة لقدام ..
لم تستطع هي فهم مقصده أو أن تلتقط مايرمي إليه فمشطت رأسه بأصابعها التي تخللت شُعيراته وكأنها تُدغدغه مُتسائلة :
_ ليه بس بتقول كدة ياحبيبى ..
كاد أن يستسلم لتلك الدغدغة اللطيفة ويترك لنفسه العنان للاسترخاء، إلا إنه استعاد جديته واعتدل في جلسته قبل أن ينحني مُستندًا برأسه على راحتيه ليقول كالبائس وهو مُغمض العينين :
_ مش أنا اللي بقول، السوق هو اللي بيقول ..
ثم أضاف مستطردًا بعدما أحس بيدها تُربت على ظهره :
_ للأسف مبيعات رواياتي بتتراجع، وده لأنى انشغلت بالفيلم وأهملت الكتابة، غير إني معنديش أي جديد أنزل بيه المعرض اللي بعد كام شهر ..
حاولت هي بث روح النشاط بداخله قائلة :
_ حبيبي لسة في وقت أبدأ أكتب ..
هز رأسه باستسلام وقلة حيلة قائلًا :
_ مش قادر ياشمس، مش عارف أركز ومفيش في دماغي أي فكرة جديدة ممكن تحمسني للكتابة ..
أجابته ببساطة :
_ خلاص مش لازم تنزل معرض السنادى ..
رفع رأسه إليها بعدم تصديق مُعاتبًا وكأنها تلفظت بما يُحرم عليها قوله، فقال بذهول :
_ إيه اللي إنتى بتقوليه ده، أنا كدة بدمر اسمي بإيدي ..
حاولت تهدأته فقالت بصوت خفيض راغبة في بث الطمأنينة داخله :
_ متكبرش الموضوع أوى كدة وفيها إيه يعنى لما متنزلش سنة، والسنة اللي بعديها تكسر الدنيا زي عادتك، أنا مش عاوزاك تستعجل وتكتب حاجه أنت مش متحمسلها أو مش راضي عنها ..
أراح مصطفى جسده على الأريكة من جديد قبل أن يُتمتم بصوت مسموع واضح وكأنه يُحدث نفسه :
_ حقيقي مش عارف أعمل إيه، معقول بعد اللي وصلت ليه ده وارجع تانى لنقطة الصفر تانى، أنا لو منزلتش حاجة السنادي الناس هتنساني واسم مصطفى أبو حجر ده هيتمحي ..
عبست شمس قائلة بغير اقتناع :
_ ياحبيبى إيه اللي أنت بتقوله ده ينسوك إزاى ! أنت لازم تشيل الفكرة دي من دماغك ..
تجاهل قولها وأخذ يمسح على وجهه بتوتر مُردفًا :
_ دار النشر عمالة تتصل وتزن على الرواية الجديدة مش عارف أقولهم إيه، بقى أنا مصطفى أبو حجر اللي عمرى ما اعتذرت سنة واحدة عن المعرض أتحط في موقف زي ده ! مش قادر أنطق جملة إني مكتبتش حاجة، حاسس نفسى زي التلميذ الفاشل اللي معملش الواجب أو اللي مش مستعد للامتحان ..
تنهدت شمس بحُزن واضح وهى تراه بذلك الانزعاج لأول مرة، فتسائلت بضعف :
_ طب والحل دلوقتي !
هز مصطفى رأسه قائلًا وهو يُحملق في الفراغ كمن يُفكر :
_ مش عارف ، حقيقي مش عارف ..
انتقل ذلك الحُزن المُسيطر عليه إلى وجه زوجته التي بدا عليها الخيبة والحسرة وهى تقول بتردد :
_ وأنا اللي كُنت عاوزة أطلب منك تشوفلي دار نشر تنشرلي روايتي بعد ما خلصتها الأيام اللي فاتت ..
نظر إليها وبعينيه ابتسامة فخر، فقال بكلمات مُتحمسة :
_ حبيبتي أنا فعلًا كنت هعمل كدة من غير ماتطلبي، ده ملوش علاقة بمشكلتي .
ثُم أضاف مستطردًا بعدما تذكر خيبته :
_ كان نفسى أنا وانتي نكون في معرض واحد السنادى ..
تأثرت شمس بنبرته الحزينة فربتت على ظهر يده قائلة بصدق :
_ حبيبي ولا يهمك أنا هستنى المعرض الجاى معاك ..
هز مصطفى رأسه بانفعال رافضًا بقوة فقال باستنكار :
_ لا طبعًا انتي بتقولي إيه، ملكيش دعوة بيا ..
في تلك اللحظة امتدت يده الحُرة إلى هاتفه قائلًا بجدية :
_ أستنى هاكلم دار النشر أقولهم على الرواية بتاعتك ..
تحركت شمس سريعًا من مكانها قبل ضغطه على زر الاتصال فأخفضت هاتفه قائلة بتصميم :
_ مصطفى أنا مش هنزل معرض أنت مش فيه ..
كافئها بابتسامته التي تعشقها قبل أن يرفع وجهها إليه بامتنان وتتلاق أعينهما في صمت، لكن ملامحه تحولت إلى الغضب في ثوان عقب تذكره لشيء ما، فقال بغيظ :
_ أنا كُل اللي غايظني إن النكرة بتاع دار النشر اللي عمل اسمه من ورايا السنين اللي فاتت دي كلها ، قال دلوقتي طلعله صوت وعمال يتريق ويقولي طبعًا مبقتش فاضي للكتابة دلوقتي ولا تلاقيك نسيتها خلاص وقريب هنشوفك نجم سينمائي ..
عبست شمس باستنكار قبل أن يُردف هو بلهجة نادمة :
_ ياريتني كنت بكتب روايات واركنها لوقت عوزة زي ماكُتاب كتير بتعمل، كان زماني عدلت على أي واحدة فيهم ونزلتها ومكنتش سمحت لأى حد فيهم يتكلم نص كلمة عليا ..
علقت على جُملته الأخيرة مُتسائلة :
_فيهم ؟ هو في حد غير بتاع دار النشر ده ؟
أجابها مصطفى على الفور بعد أن ظهر على محياه علامات الاستخفاف قائلًا باستنكار :
_ حد واحد بس! دول كتير يتمنوا وقوعي أو إني منزلش المعرض ده عشان يستغلوا الفرصة و يِظهروا أساميهم على حسابي ..
عم الصمت الأرجاء لعدة دقائق حاولت فيهم شمس إيجاد حل لذلك المأزق الذى يرتبط باسم زوجها، فعلقت نظراتها عليه تتأمله بعد أن انكفأ برأسه على راحتيه من جديد، وتهدلت اكتافه كمن يحمل هموم العالم أجمع، لذا حاولت هي التحدث بعدما خطر على بالها فكرة، لكن ساورها التردد كثيرًا قبل أن تنطق فى النهاية قائلة :
_ طب أنا كان عندي اقتراح كدة ..
تساءل دون أن يرفع وجهه إليها :
_قولي أي حاجة تقدر تخرجني من الورطة اللي أنا فيها دي ..
أجابته بتلعثم وكأنها لا تقدر على النطق :
_ إيه رأيك لو .. لو تاخد روايتي اللي أنا خلصتها وتنزل بيها المعرض ده ..
لاحت شبه ابتسامة خفية لم تُلاحظها هي بجانب فمه، اتبعها بقوله :
_ ما طبعا ياحبيبتى هنزلهالك حتى لو أنا منزلتش أي حاجة السنادى، ده موضوع مفروغ منه، بس ده إيه علاقته بمشكلتي ؟
أجابته مُوضحة بعد صمت دام لثوان :
_ لا أنا أقصد إنك … تنزلها باسمك انت ..
مرت لمعة خاطفة على عينيه الناظرة أرضًا واتسعت الابتسامة الظافرة على محياه والتي سُرعان ما اختبأت عن عمد قبل أن يرفع وجهه إليها مُتصنعًا الغضب وهو يقول بحدة :
_ انتي بتقولي إيه ..
حاولت تهدأته فقالت بنبرة عقلانية :
_ اسمعني بس ياحبيبى .. أنا ..
لكنه فاجئها بردة فعله الغير محسوبة حيثُ هب واقفًا من مجلسه كمن لُدغ من عقرب أو حية، وقال بأنفة مُحاولًا رد كرامته كمن سُب أو لُعِن :
_ لا أسمعك ولا تسمعيني انتي باين عليكى اتجننتى خلاص ومش عارفة بتقولي إيه ..
امسكت شمس ذراعه بقوة مانعة إياه من الابتعاد، وقالت مُبررة بنبرة أقرب للرجاء :
_ ده إنقاذ موقف بس .. أرجوك وحياتي لو بتحبني يامصطفى وافق، انا معنديش أغلى منك أساعده ..
تصنع الزوج التفكير قبل أن تلين ملامحه الغاضبة، وتظهر نبرة التردد في كلماته زارعًا بداخل زوجته بعض الآمال وهو يقول :
_أنا ممكن اوافق بس بشرط ..
لكنه سُرعان ما تراجع قائلًا بتردد :
_ لا لا مش هينفع ، استحالة ده يحصل .
التصقت به شمس بقوة وكأنها تمنعه من التراجع أو تغيير رأيه، وأرادت بقوة التشبث بذلك الأمل الذى كاد أن يتفوه به قائلة بسرعة وبدون تفكير :
_شرط إيه، أنا موافقة على كل شروطك ومن غير ما اعرفها، عشان خاطري عديها المرادي بس ..
قربها إليه والتفت ذراعاه حول جسدها الصغير مُحتضنًا إياها قبل أن تظهر تلك الابتسامة على وجهه واللمعة بداخل عينيه من جديد لكن بسخاء تلك المرة، فلم تتمكن هي من رؤية ملامح وجهه السعيد الظافر وهو يُجيبها بنبرته الساحرة التي تتغلل داخل عقلها فتمنعها من التفكير، حيثُ قال بصوت خفيض هادئ :
_ بصي أنا هاخد روايتك أقدمها حاليًا لدار النشر بس عشان اسكتهم وأقطع لسان أي حد يتكلم نص كلمة، وفى نفس الوقت هحاول أكتب رواية في الكام شهر دول وانتي بقى عليكى تساعديني فيها لأن زي ماانتي شايفة أنا مشغول معظم الوقت ..
أخذ يُمسد على شُعيراتها بحنان قبل أن يُكمل :
_ وأول ما نخلص الرواية الجديدة هسحب روايتك وأخليها تنزل باسمك، وروايتنا التانية هتنزل عمل مشترك بيني وبينك .. ها إيه رأيك !
أشرق وجهها بداخل أحضانه، وبدت مُتحمسة فرحة وهى تُجيبه دون تفكير وكأن حلم من أحلامها على وشك التحقق :
_ طبعًا موافقة، أخيرًا اسمي واسمك هيبقوا على غلاف واحد …
ثم أضافت بحماس مُتزايد :
_ أنا عندي أفكار كتير أوى عاوزة أعملها ..
طبع مصطفى قُبلة رقيقة أعلى مُقدمة رأسها قبل أن يُفلِت جسدها من داخل أحضانه مُتسائلًا باهتمام عقب جلوسهما أعلى الأريكة من جديد :
_ قولي سامعك …
شرعت المُحِبة في عرض أفكارها بعد أن جلبت هاتفها إليه، فظهرت لمعة عينيها المُتقدة من الحماس وهى تُحدثه عن تفاصيل كل فكرة على حِدة، مُنتظرة إبداء إعجابه بتلك الأفكار التي دونتها بمذكرة هاتفها من قبل ..
وبالفعل لم يدخر هو ما في وسعه لإظهار إعجابه مُنتقيًا كلمات التشجيع والانبهار التي تُشعرها بعبقرية أفكارها التي لم تخطر على باله قط من قبل ..
وفى النهاية انتقى هو إحدى تلك الأفكار وأكثرها تميُزًا واختلاف، ثم ما لبث أن طلب منها على استحياء البدأ بالتفكير في تفاصيل العمل وفى طريقة مُناسبة لصياغه حبكة مُلائمة ونهاية غير مُعتادة ..
بدت في حماسها تمامًا كالأطفال، حيثُ كادت أن تقفز من مكانها وقالت مُتباهية وهى تُشير إلى رأسها :
_ كُل حاجة هِنا، في دقايق هجيبلك كل التفاصيل بس قولي الأول هنبدأ كتابه أمتى مع بعض، أنا هحضرلك كل حاجة أنت عاوزها وهودي يارا عند ماما عشان يبقى البيت هادى ..
تحركت من مكانها باندفاع تتجول في أرجاء الغُرفة مُردفة :
_ إيه رأيك نكتب في البلكونة ولا هِنا في الليفنج، ولا تحب نسافر مكان هادى على البحر نكتب فيه، ولا ….
لكنه قاطعه بابتسامة حنون قبل أن يُجيبها بهدوء قائلًا :
_ كُل اللي انتي عاوزاه ياشمسي هنعمله، بس سيبيني كام يوم اظبط حالي وأخلص شوية شغل متأجل عشان أقدر أركز، ممكن انتي تبدأي في المقدمة ونتناقش مع بعض في أفكار كل فصل تكتبيه لحد ما أخلص اللي ورايا، وساعتها نسافر أي مكان نستجم فيه شويه و نكتب مع بعض ..
انطفأت لمعة الحماس داخل عينيها وعلقت مُتنهدة بضعف :
_طب والشغل بتاعك ده هيطول ..
أجابها نافيًا :
_ لا أبداً أسبوع بالكثير ، متقلقيش خالص ..
ثم أضاف مازحًا عقب أن لاحظ انطفاء شغفها :
_هتعرفي تكتبي المقدمة لوحدك ولا إيه، يلا وريني بقى حماس حبيبتي هيخليها تكتب إيه .
طبعت شمس قُبلة طويلة على إحدى وجنتيه قائلة وهى تُغادر لجلب مُستلزماتها :
_ انا هوريك ممكن أكتب إيه ..
ظل يُتابعها بعدستيه إلى أن اختفت وبعد عدة لحظات التقطت أذناه صوت إغلاق باب غرفة نومهما فاطمئن لابتعادها، وفى تلك اللحظة اعتدل في جلسته قبل أن يلتقط هاتفه ويقوم بأجراء اتصال، وبعد عدة ثوان قطع صوته ذلك الصمت المُطبق الذى سيطر على الغرفة وهو يقول بتملق واضح :
_ مُنتجنا العظيم ، أحب ابشرك الرواية جاهزة ..
ثُم أضاف بابتسامة ماكرة مُمتلئة بالخُبث قائلًا بظفر :
_ اتطمن .. جراب الحاوي مبيخلاش ..
*****************************
مرت الأيام بتثاقُل ورغمًا عنها شعرت هي بذلك الاضطراب الذى ألفته في الآونة الأخيرة داخلها يستعد لتكوين عاصفة جديدة ، لكن في تلك المرة أشد وأبقى من سابقتها، فبدأت في فرض هدوئها الغير مُعتاد وتسترت شمسها الباسمة خلف معالم وجهها المقتضب العابس معظم الوقت قبل أن تُعلِن بشكل واضح عن عصوف رياحها المُزمجرة وصخب أمواجها الراغبة في إهلاك سفينة بحارها المُطمأِن لخضوعها ..
فماباله انقلب حاله من جديد وكأنه كان مُجرد خاضع لهُدنة جبرية اتبعها سلام جزئي سُرعان ما أفلت منه مُعاودًا الفرار والمراوغة، غير عابئ لعواقب اختراق هُدنته أو ما يقع عليه من عقاب، مما أجبرها على إلغاء اتفاقيه السلام التي أرغمها قلبها على توقيعها من قبل كي لا تقع تحت براثن اعتراضات عقلها الغير راضِ عن المُصالحة أو الاستسلام ..
هو لا يعلم كم كلفها هذا الهدوء الظاهري رغمًا عن الحرب الناشبة بجوفها، فقد بدأت الأفكار المُظلمة تتراقص بداخلها بعد أن انطفأت تلك الأغنية اللامعة بعينيه والتي طالما رغبت هي في سماعها وتصديقها …
أما الآن وبلا أي مقدمات انقلب الحال بشكل جلّى واضح لا يترك مجالاً للشك، فلقد سأمت هي من استمرارها في ارتداء قناع الزوجة الهادئة الصبورة رغمًا عنها والمُرغمة على افتراض المُبررات الملائمة لتغير حال زوجها، والذى رغبت مِرارًا في الحديث معه والبوح له عما يُراودِها عله يبث الطمأنينة في قلبها من جديد ..
لكن كيف ذلك بعد أن أصبحت عادته اليومية هي الاستيقاظ في منتصف النهار وتناول الغذاء سريعًا قبل التأنق استعدادًا للخروج إلى لقاءاته اليومية سواء الصحفية أو التلفزيونية يتبعها سهرات ثقافية أدبية شعرية _ على حسب قوله_ والتي لا تنتهى إلا عند مطلع الفجر، لتشعر به مع بدايات صباح اليوم الجديد يستلقى بجوارها أعلى الفراش بأنفاس مُتثاقلة وجسد مُنهَك، فتُغمِض عينيها عنه مُتصنعة النوم كي لا تراه على حالته المُنفرة تلك ..
لقد تساءلت بداخلها كثيرًا دون أن تملُك الجرأة على التفوه برغبتها في معرفة سر تلك المُكالمات العديدة والتي يهمس بها بعيدًا عنها في الشرفة أثناء انشغالها مع ابنتها، فقد عَلِمت إجابته المُقتضَبة الغاضبة مُسبقًا والتي تتلخص في كلمة “شُغل” والتي لم تنجح هي في إحدى المرات في معرفة المزيد عنها ..
وبالطبع لم يمتلك هو الوقت أبدًا للاطلاع على ما أنجزته من روايتهما المشتركة – والتي لم يخط بها حرفًا واحدًا بعد – رغم إلحاحاتها المستمرة والتي دائمًا ما ينهيها مُبشِرًا بقُرب انتهاء أشغاله، فهاهو على وشك التفرغ لها من جديد، لكن تتوالى الأيام والأسابيع بل الشهور ويبقى الحال كما هو عليه ..
كادت عاصفتها أن تتراجع عن هبوبها كعادتها عندما فوجئت به يومًا يعود باكرًا على غير المألوف حاملًا الكثير من الهدايا لها ولطفلتها، تطل من عينيه لمعة واضحة جعلتها تظن أن تلك الأغنية بمقلتيه بدأت في العمل من جديد وأن حبيبها قد عاد أخيرًا إليها وإلى رُشده كما وعدها من قبل، فاستبشر فؤادها وعاد يخفق وهو يقضى أُمسيته داخل أحضان محبوبه كالسابق ..
ففي تلك الليلة وعَقب خُلود الطفلة إلى النوم في موعدها اليومي المُحدد، انشغل الزوجان بمُشاهدة إحدى الأفلام الرومانسية حيثُ عم الهدوء والصمت أركان غرفة المعيشة إلا من صوت التلفاز الخافت، فرغبت شمس في استغلال فرصة تواجدهما معًا للحديث عن روايتهما المُشتركة قائلة برقة بعد أن اسندت رأسها على كتفه بدلال :
_ حبيبي خلصت مشاغلك ..
عبث مصطفى بخُصيلات شعرها المُنسدلة قبل أن يقول مُتملقًا :
_ وهو أنا في حاجة تقدر تشغلني عنك ..
رفعت رأسها إليه متسائلة بحماس :
_ طب حيث كدة بقى كنت عاوزة اعرف امتى هن…..
لكنه قاطعها بابتسامة قائلًا :
_ قبل أي حاجة أنا عندي خبر حلو عاوز أقولهولك ..



 ….
reaction:

تعليقات