رواية ثري العشق والقسوة كاملة بقلم آية العربي عبر مدونة كوكب الروايات
رواية ثري العشق والقسوة الفصل الخامس و العشرون 25
نحن الذين ڪنا نرى الأشياء بعيون قلوبنا ونختلق الأعذار لأننا نريد البقاء ،
ڪنا نواسي ونضحي ونڪابر على أوجاعنا ونبتسم وبداخلنا ألف حزن ،
نحن الذين لم نغلق يوما أبوابنا في وجه أحد ، بتنا لا نجرؤ على فتحها ،،لقد اخترنا الرحيل بصمت دون مقدمات وبلا مبررات أيضا،،
ف أرواحنا تعبت ، إستنزفها الزمن وبات يرهقها الضجيج ..
لا يمڪن أن يلومنا أحد أبدا.
منقول
❈-❈-❈
في شركة صقر
يجلس ماركو خلف مكتبه يتحدث مع ميشيل الذي مازال غاضباً بعد أن حاول الاتصال بصقر ولم يصل إليه لذا فهو الآن في أشد حالات غضبه حيث لم يجد سوى ماركو أمامه قائلاً :
– أعلم أنك تعلم مكانه ، قل أين هو ، الشحنة على وشك الوصول وهو مختبئ ، أقسم إن حدث خطأ ما سأقتلكم جميعاً .
تحدث ماركو بغضبٍ مماثل واندفاع :
– كف عن تهديدي وعن الصراخ ، قلت لك لا أعلم مكانه ، لقد أصبح يخفي عني أموراً عدة منذ زواجه .
لا يصدقه ، يعلم أنهما مقربان ، والدليل على ذلك هاتفه الذي لم يعد باستطاعته اختراقه وهذا أكبر دليل على أن صقر وضع عليه برنامج حماية مماثل له ، ليعود ويصرخ مجدداً بغضب وحقد :
– تلك الساقطة هي التي أحدثت هذه الفوضى ، منذ أن دلفت حياته وهو متباطئ لم يعد كالسابق .
تحدث ماركو صارخاً :
– لذا أرسلت لها فيديو عن عمل صقر ؟ ، أجننت ؟ ، ماذا إن ذهبت وأبلغت عنا ؟ .
ضحك بشر يردف بتأكيد وقد تبدل غضبه بالجمود :
– لا ، لن يسمح بذلك ، لن يدعها تخطو خطوةً واحدةً بعد أن علمت حقيقته ، الآن فقط أتمنى أن يكون سبب اختفاءه هو إنهاء تلك المسألة بيده .
يستمع اليه ماركو بصمت بينما هو أكمل متسائلاً :
– استعد لاستلام الشحنة أنت ، كن حذراً وإلا ..
– لا تهددني مرةً ثانيةً .
ضحك ساخراً يردف باستفزاز :
– اوه كبرت يا فتى وأصبح صوتك يعلو عليّ ، يبدو أنك تتعلم من خليلك ، حسناً دعني أرى مهاراتك إذاً .
أغلق ماركو معه وزفر وهو يعود بظهره للخلف ، يفكر أيضاً في طريقة للخلاص من هذا البغيض دون أن يمسهما سوء .
ولأن التفكير في هذا الأمر يوصله إلى طريقٍ مسدود قرر مغادرة الشركة والذهاب إلى بيت الصحراء كي يرى هذا العُمر
❈-❈-❈
في البيت الساحلي
وبعد أن سألها بترقب وعينه مسلطة عليها :
– ماذا تريدين ؟
سحبت نفساً طويلاً إلى رئتيها وزفرت بهدوء وهي تقول بنبرة صارمة وواضحة كالشمس :
– أريد زوجي الذي أحببته وظننت به خيراً ، أريدك أن تكون أباً صالحاً ، أن تبتعد عن عالمك وتطهر ذنوبك وماضيك بمستقبلك ، أريدك شخصاً أفتخر به دوماً .
القت طلبها عليه فشرد يفكر ناظراً أرضاً ، هل تراه فاسداً لتلك الدرجة ؟
ابتسم ساخراً من نفسه ، أيظن أنه صالحاً ، أيظن أن شخصيته يُفتخر بها ؟ ، لذا تحدث بنبرة هادئة تحمل بين طياتها الكثير من الحزن :
– أولم تفتخري بي أبداً ؟
تحدثت بثبات وحزم :
– الفخر يولد من النجاح في الخير والفائدة التي تعم على البشر ، هل ترى أنك تفيدهم بمَ تفعله ؟ ، ماذا استفدت من هذا العالم المظلم ، قل لي فائدة واحدة ملموسة في حياتك ، ألا ترى حالتك ؟ ، لمَ لا تتخلى عنه ؟
هل يمكنه التخلى عن عالمه ! ، ربما هي ترجمت له ما يشعر به دوماً ، الأمر يعد مستحيلاً ولكنه قادراً على تحقيق المستحيل إن أراد ، ولكن هل سيفيد ذلك وهو يظن أن الأوان قد فات ؟
تحدث بعد وقتٍ بقناعة مثبتة لديه دائماً :
– كيف يمكنني فعل ذلك ؟ ، ما تطلبيه أمراً حدوثه مستحيلاً ، أنا غارقاً في الوحلِ ، أنا المعنى الحقيقي للون الأسود ، الأمر منتهي وقصتي نهايتها معروفة .
استشفت حالة من اليأس في صوته ، والتمست له العذر نسبةً لجهله بدينه ،، تذكرت أمراً ما فتسائلت بترقب :
– حسناً ، من أرسل لي ذلك المقطع ؟
اسودت عينيه عند تذكره لميشيل ولم يحن موعد عقابه بعد لذا أردف بغضب خامد :
– ميشيل ، قاتل برائتي .
إذا هذا هو رأس الأفعى ، مثلما توقعت هو لم يختر تلك الحياة ، هو فقط أجبر عليها ثم اتخذها وسيلة للعيش دون قيود تحكمه .
صمتت قليلاً تفكر ، يظن أن أمره منتهي ؟ ، إذا لماذا اختارها لتكمل معه حياته ! ، مؤكد هناك رغبةً داخله يريد تحقيقها .
زفرت ثم رفعت نظرها إليه تردف بهدوء :
– هل يمكنني أن أطلب منك شيئاً ؟
ثبت أنظاره عليها قائلاً بمساومة :
– وستأكلين .
أومأت تردف بعيون دامعة وتمهل :
– أريد سجادة صلاة ، وإسدالاً ومكبر صوت إلكتروني وهاتف ،، ومصحفين ، إحداهما باللغة العربية والآخر مترجم بالإيطالية .
نظر لها بعمق مطولاً ثم وقف دون التفوه ببنت شفة واتجه خارجاً يتناول هاتفه ليخبر حارسه بجلب ما طلبته ، لم يعترض حتى على الهاتف لقدرته على السيطرة عليها ، لذا سيجلب ما طلبته دون تردد ودون معرفة أسبابها ، يكفي أنها ستأكل وهذا كل ما يريده الآن .
أغلق وقد تذكر أمر عائلتها ، يجب أن تحادثهم حتى لا تتدخل الشرطة في الأمر ، هو في غنى عن حالة شوشرة تحدث الآن .
عاد إليها مجدداً يحمل هاتفه قائلاً بنبرة آمرة :
– ستهاتفي والدتكِ الآن ، وتخبريها أننا معاً ، وأن كل شئٍ على ما يرام ، إبذلي قصارى جهدكِ كي لا تشعر بشئ ، وإلا …
– لا تهددني .
قالتها بثبات وهي تمد يدها له ليناولها الهاتف ، فقام هو بالاتصال وشغل مكبر الصوت وناولها إياها وعينه عليها ، ليأتي صوت والدتها متلهفاً تردف :
– صقر ، عرفت حاجة عن ناردين ؟
تحدثت هي بصوتٍ مشتاقٍ وحزن قائلة :
– ماما أنا نارو ، اطمني أنا بخير .
تحدثت آسيا بحنو :
– إنتِ فين يا نارو ، كدة يا حبيبتى تعملي في ماما كدة ؟ ،، أنا هموت من القلق عليكي .
تحدثت وهي على وشك البكاء تأثراً بصوت والدتها الدافئ واشتياقها لهما :
– أنا كويسة يا ماما متقلقيش ، أنا كلمت صقر وهو جه أخدني ، بس دلوقتى إحنا في منطقة سياحية ، جينا نغير جو يومين كدة وهنرجع إن شاءلله ،، أنا بس قلت أطمنك .
أومأت آسيا تردف بحب وارتياح :
– ماشي يا حبيبتى ، الحمد لله إنى اطمنت عليكي ، مايا عايزة تسمع صوتك .
ناولت الهاتف إلى مايا لتتحدث بلهفة واشتياق :
– نارو؟
تحدثت نارة بحنو :
– حبيبتي ،، وحشتيني يا مايا .
بكت مايا لتردف بفرحة نصف مكتملة بعد أن وجدت أحد أحبابها :
– وانتِ كمان وحشتيني جداً ، أنا كنت هتجنن عليكي ، الحمد لله قلبي ارتاح من ناحيتك .
ليزداد بكاؤها وتتابع بحزن :
– بس لسة عمر يا نارو ، عمر مختفي ومنعرفش عنه حاجة .
أسرع صقر ينزع منها الهاتف ويغلقه لتتفاجأ وقد تكونت دموعها بعد سماع صوت شقيقتها وبعد تذكيرها بعمر الذي لم تنسه ، لمح دموعها فقال بغيرة وتملك وغضب محذراً :
– لا تبكي أمامي على هذا المخنث .
هزت رأسها تردف بنظرة متمردة لا تخشاه :
– هو فقط ساعدني أثناء خوفي وهلعي منك ، هو حتى لا يعلم سبب هروبي ، أكان من الأفضل بالنسبة لك أن يتركني ألجأ لمن لا أعرفه ؟ ،، هو لم يخطئ أبداً .
تحشرج صوتها أمامه وما زالت غيرته تتملكه لتتابع متأملة بدموع تملأ مقلتيها :
– ربما لم يمت ، من فضلك تأكد ،، ربما أنقذه أحدهم ؟
يستطيع إخبارها أنه حيٌ وبحوزته ولكن أبداً هو لن يظهر تأثره بحالتها ، لن يظهر تعاطفه معها ، لن يظهر رحمته لهذا العُمر أمامها ، لذا عاد يتحدث بوحشية نسبةً لبكائها حزناً على رجلاً آخر قائلاً بحدة :
– توقفي عن البكاااااء .
جففت دموعها وسحبت نفساً عميقاً لتهدأ ، ليس خوفاً منه ولكن حتى لا تفقد محاولتها في الهدنة معه ، فهى ستتغاضى عن الماضي الآن لتحاول المضي إلى المستقبل معه .
نظفت حلقها لتتحدث بهدوءٍ نسبي وهي تنظر بعيداً عنه :
– حسناً ، هل ستجلب ما طلبته منك ؟
نظر لها بحيرة ، هي تخطط لأمرٍ ما ، ولأول مرة يجهل تفسير أفكارها ، ليقول قبل أن يغادر للخارج :
– في طريقها إليكِ
❈-❈-❈
في ڤيلا آسيا
تجلس مايا تفكر بعد أن اطمئنت على نارة ولكن يبقى قلبها معلقاً بعُمَر الذي لم تصل إلى أي خبرٍ عنه يطمئنها إلى الآن .
تجاورها آسيا تحمد ربها على سماع صوت إبنتها بخير برغم شعورها أن هناك أمراً كبيراً حدث بينها وبين زوجها ولكن يكفي أن تكون بخير ويتصالحان .
نظرت نحو مايا فوجدتها شاردة ودموعها معلقة ، أدركت على الفور سبب حزنها لذا تحركت قليلاً نحوها لتتمسك بكفها بحنو قائلة :
– متقلقيش يا حبيبتي أنا حاسة إنه كويس ، للأسف أنا مش عارفة اعمل إيه بس أكيد هيظهر .
سقطت دموعها مع حديث والدتها وهي تقول بضعفٍ يتوغلها في بعد حبيبها :
– أنا عايزة بس اسمع صوته يا مامي ، أو أي حد يطمني إنه بخير ، اختفى فجأة إزاي بس ، حتى كيتي سايبها هنا وهي مش بتفارقه ، أنا قلبي واجعني عليه أوي .
في تلك الأثناء كان قد وصل ماركو إلى بيت الصحراء ليراه ويفعل كما أوصاه صقر ، دلف يبحث بعينيه عنه فوجد الجراح يقف يحضر دوائه فسأله بلهجته :
– أين هذا الشجاع ؟
تحدث الجراح وهو يشير بعينه :
– في تلك الغرفة ، وبصحة جيدة كما أخبرنا السيد صقر .
أومأ له ماركو ثم تحدث وهو يتحرك صوب الغرفة المشار إليها :
– تعال معي .
تحركا صوبها وفتح الجراح الباب ودلف وتبعه ماركو ، كان عمر ممدداً على فراش صغير يشبه أسرة المستشفيات ، جذعه عاري ويلتف حول كتفه الأيمن رباطاً طبي ، نائماً بفعل المنوم الذي يضعه له هذا الجراح حيث يفضل نومه بسبب حدته وغضبه عندما يستيقظ .
نظر ماركو له بلا مبالاة ثم نظر إلى هذا الواقف وتحدث :
– أريد التحدث إليه ، اجعله يستيقظ .
أومأ الطبيب وتحرك للخارج يحضر شيئاً ما ثم عاد إليه يُمسك بحقنة وريدية تجعله يستيقظ واقترب منه وأعطاه إياها في وريده ووقفا ينتظران استيقاظه .
استيقظ عُمر بعد ثوانٍ ينظر حوله بتشوش ثم اتضحت الرؤية ليجد ماركو يطالعه بملل .
انتابه الغضب وحاول التحرك ولكن آلمه كتفه بسبب الحركة كما أنه مقيداً بأحزمة في هذا السرير .
تحدث الطبيب بلهجة مصرية قائلاً :
– اهدى واسمع ماركو بيه عايز يقولك إيه .
نظر له بغضب وتحدث بعيون مشتعلة :
– يقول إيه ؟ دانتوا طلعتوا كلكوا عصابة ، ناردين فين ، عملتوا فيها إيه .
كان ماركو يتابعه ولا يفهم عليه بينما ترجم له الطبيب ما يقوله لذا تحدث ماركو بلهجته وهو يقف ببرود ويديه تختبئ في جيبي بنطاله :
– لا تقلق هي مع زوجها ، لا شأن لك بها ، والآن يجب أن تتحدث مع السيدة آسيا وتخبرها أنك بخير ، لا تحاول حتى التلميح بأي شيء وإلا سأفجر رأسك قبل أن تكمل .
ترجم الطبيب حديث ماركو كي يفهمه عمر الذي لم تهتز به شعرةً بل نطق بحدة بعد أن سمع تهديده :
– مفكر دي رجولة ؟ ، فكني وأنا اعرفك يعني إيه راجل .
قلب ماركو عينيه ثم أخرج من جيبه هاتفاً ما ونظر له يكمل حديثه قائلاً :
– هل ستهاتفها أم ستظل تثرثر ؟
زفر عُمر مطولاً ، ولكن حقاً عليه أن يحادثها كي تطمئن ، يعلم الآن أنهما في حالة عبثية ومؤكد مايا حزينة لذا تحدث بثبات :
– هات الموبايل .
قام ماركو بالاتصال على رقم آسيا وفتح مكبر الصوت أيضاً وناوله له ثم أخرج سلاحه يشهره عليه كي يضمن عدم تفوهه بأي شيء آخر
كانت آسيا تجاور مايا حيث رن هاتفها فتناولته وفتحت الخط تجيب بترقب :
– ألو ؟
أتاها صوت عمر يردف بنبرة جاهد لتكون هادئة قائلاً :
– آسيا هانم أنا عُمر .
أردفت آسيا وهي تنظر إلى مايا بسعادة ودهشة :
– عُمر ؟.
قفزت مايا فجأة ثم أسرعت تنزع الهاتف من على أذن والدتها وتضعه على أذنها مردفة بقلبٍ ينبض بعنف قائلة باشتياق ينهش داخلها :
– عُمر ، إنت فيييين ؟
قالتها بصوتٍ باكي وصل إليه فجعله يهدأ من حالة غضبه ويتنهد بقوة ثم تحدث بحب وحنو كي تهدأ :
– اهدي بس بتعيطي ليه ؟ ، أنا كويس أهو .
تحشرح صوتها وشعرت باختناق يتوغل حلقها ثم رفعت كفها تزيل دموعها قائلة بنبرة طفولية :
– أنت كداب يا عُمر ، حصل معاك حاجة صح ؟ ، قولي حالاً انت فين وإزاي تغيب فجأة كدة من غير ما تقول وموبايلك مقفول ليه؟ ، وكمان سايب كيتي جعانة ومقولتش وروحنا بيتك وخبطنا كتير محدش رد وكمان روحنا الجيم محدش عارف عنك حاجة .
كانت تثرثر بنبرة فرحة ومتلهفة إليه وهو يستمع لها وحتى أنه نسى أن ماركو يقف أمامه يهدده بسلاحه حيث تحدث بتروى بعد أن أتته تلك الفكرة :
– يا مايا أنا كويس جداً بس فيه واحد صاحبي من أيام الكلية كان ساكن في قرية بعيدة شوية ، والده اتوفى واضطريت أسافرله أقف معاه والمكان هنا مافيش فيه شبكة ، الموضوع حصل فجأة وهو كانت حالته سيئة ، متقلقوش عليا يومين كدة وراجع إن شاء الله ، بس طمنيني عرفتوا حاجة عن ناردين ؟
سألها بترقب وعينه منكبة على هذان الواقفان يترقبان السمع فتحدثت مايا بنبرة هادئة بعد أن اطمأنت عليه :
– أيوة نارو كويسة وهي مع صقر دلوقتي .
شعر بالقلق حيالها ثم تحدث بنبرة هادئة :
– طيب يا مايا ممكن أكلم آسيا هانم قبل ما اقفل علشان لازم ارجع لصاحبي لازم أبقى جنبه اليومين دول .
ناولت مايا الهاتف إلى آسيا وتنهدت بعمق وارتياح فتحدثت آسيا بحنو وراحة بعدما اطمئنت ابنتها عليه :
– الحمد لله إنك بخير يا عمر .
تحدث قبل أن يغلق بترجي :
– آسيا هانم ممكن تكلمي أمي لبنى تطمنيها عليا لإن الشبكة هنا واقعة خالص .
تحدثت آسيا بنبرة متوترة من نظرات مايا :
– حاضر يا حبيبي متقلقش .
أغلق معها فتحرك ماركو ينزع منه الهاتف وتحدث وهو يعيد سلاحه إلى خصره بنبرة ممازحة لا تمت للموقف بصلة :
– تثرثرون كثيراً أيها المصريون ، ولكن أظن أنك عاشقاً لذا تركتك تتحدث قليلاً ، هيا عد لنومك وانتظر صقر .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
دلف يحمل حقيبة ورقية في يدِ وفي اليد الأخري صينية طعام صغيرة غير تلك التي كبت محتوياتها في النفايات .
كانت تقف عند النافذة تتفقد البحر بهدوء وحزن ، خصلاتها تتطاير أمامه مجدداً حيث وقف يطالعها ، التفتت إليه عندما شعرت بوجوده ثم نظرت لما يحمله .
اتجه إليها يناولها الحقيبة فمدت يدها تأخذها وتتفحص محتوياتها لتجد ما طلبته كاملاً .
اتجه يضع الصينية على الفراش قائلاً بصرامة :
– الطعام أولاً .
تنهدت بقوة تنظر له ، هل حقاً هذا الاهتمام والخوف حقيقي أم لغرضٍ ما ، ابتسمت بألم فلم تعد تشعر بالثقة معه بعدما وضعت كل ثقتها به .
التفت ليغادر فنادته بهدوء قائلة :
– صقر ؟
نبضة مخالفة لنبضاته عند نطقها لاسمه ، نبضة عشقٍ وأمل ، لذا التفت كالمسحور ينظر إليها بحنين دون حديث .
لتخرج من تلك الحقيبة المصحف المترجم للإيطالية ثم اتجهت إليه وهي تمد يدها له به قائلة بنظرة جاهدت لتبدو حنونة ومؤثرة :
– هذا من أجلك ، طلبته باللغة الإيطالية كي تفهمه جيداً .
توقف يطالعها بجسدٍ مشدود ، هل هذا ما نوته ؟ ، يفكر هل يمكن أن يغير هذا الكتاب شيئاً بداخله ؟ ،، هل يمكن لكتابٍ أن يبدل حياته البائسة تلك ؟ ،، هل حقاً تعتقد ذلك ؟ ، هل يكمن داخل هذه الصفحات نوراً قادراً على تفتيت ظلمته .
زفر ينظر لها بصمت رافضاً لمسه ، يرى أن تلك محاولة بائسة منها ، لتشعر بالحزن لما وصل إليه ، إنه حقاً ممتلئ باليأس ، ولكنها ستجاهد لتنجح خطتها ، ستسعى لانتشاله وتعليمه درساً عن الحب الحقيقي ، نعم أحبته لذا فهي ستحاول سحبه إلى أأمن طريق ربما ساعدها في ذلك ، ربما نجحت .
مدت كفها الأيمن تضعه بهدوء على قلبه قائلة بنبرة مترجية :
– خذه واقرأه بقلبكَ .
انحنى بعينه ينظر ليدها الموضوعة على قلبه ، والآن فهم خطتها ، فهم لمَ تسعى ، ليبتسم ويخفي تأثره بلمستها قائلاً وهو يبعد يدها عنه ببرود :
– أنا ليس لدي قلب .
تبع جملته بتمزيق قميصه بعنف وتطاير أزراره ليردف وهو يشير على وشمه بحدة :
– لا يوووجد هنا قلب ، لا تحاااولي ،، أنا غارقٌ ولا توبة لدي ، ما فعلته تخطى حدود التوبة ، أنا الشيطان بنفسه ، لا تحاولي عبثاً .
تركها واندفع للخارج يتنفس بغضب ، لماذا تسعى لتحويله لملاك ، لمَ لا تحبه كما هو ؟ ، لمَ عليه أن يعاني ليصل إليها ، هو أرادها لتوقف معاناته لمَ تزيدها عليه ؟ ،، أولم يوفر لها كل سبل الراحة ووسائل المتعة والرفاهية كي تقبل به ، كي تحب عيوبه وأخطاؤه وقسوته ؟ ، أولم يخطط لهذا منذ أن رآها ؟ ، لمَ تحاول تبديله ؟ ، ما تفعله لا يمت للحب بصلة ، ما تفعله به أنانية .
شعر بالضيق وغضبه يتفاقم ، لذا تحرك للخارج ، اتجه يقف أمام البحر ، فدوماً كانت المياة هي الوحيدة التي تتقبل حالاته السيئة ، هي الوحيدة التي احتوت ظلمته وغضبه .
أما هي فكانت تبكي ، تعلم أن طريقها كله منحنيات ربما أودت بها إلى الهاوية ، ولكن حتى وإن سقطت لن تستسلم ، لقد اتخدت قراراً ربما هو الأصعب في حياتها ولكن لتكن قادرة على تنفيذه ، هي دوماً تفتخر بحكمتها ، عرفت دوماً وسط جامعتها بتحدياتها الصعبة ، وكم اثبتت أنها شامخة لن يحنيها ألم ، لذا فهي لن تستسلم عما نوت .
اتجهت تخرج محتوايات الحقيبة وتفرزها على الفراش ، تناولت علبة الهاتف تفتحها لتخرجه منها ، فتحته للتو ، هاتف جديد لا يحتوى على أي مصدر اتصالات .
ابتسمت ساخرة بحزن من أفكارها ، هو يأسرها في منزلٍ بعيد عن البشر ويضع لها كاميرا مراقبة في الغرفة وتظن أنه سيعطيها هاتفاً مزوداً بوسيلة اتصال ؟ ، أنه صقر الجارحي رجل العصابات النادر الذي استطاع إقناعها بعشقه .
زفرت لتهدئ أفكارها وتجد طريقة أخرى ، توقفت تتجه للحمام لتبدأ في تنفيذ مهمتها .
❈-❈-❈
تجلس خديجة في غرفتها تنظم ملابسها في مكانها بعد أن أخرجت ما لم يعد يناسبها لتتبرع به ككل عام ، حيث تنتقي ملابس من يراها يظنها جديدة من شدة الحفاظ عليها .
زفرت وقد مر على عقلها هذا الماركو لتحاول نفض أفكارها تلك وتعنف نفسها قائلة :
– جرالك إيه يا خديجة ؟ ، عمالة تفكري فيه ليه ؟ ، ده واحد مجنون إزاي يخطر على بالك أصلاً ، استغفري ربك كدة وانسيه تماماً .
ولكن تلك الجملة لم تزدها إلا حيرة ، تعلم أنه ليس على ديانتها ، وهيأته تدل على عدم التزامه تماماً ، وشومه وما يفعله ونظراته ، هو بعيداً تماماً ومنافراً لها ، ولكن لمَ دوماً يحاول التحدث إليها واعتراض طريقها ، ماذا يريد منها ، وهل هو أبله ؟ ، ألا يعلم أن ما يفعله لا يجوز بأي شكلٍ من الأشكالِ ؟
عادت تعنف نفسها قائلة بصوتٍ مسموع :
– وبعدين بقى يا خديجة ، مينفعش كدة ، المرة دي لو حاول يعترض طريقك لازم توقفيه عند حده ، ده واحد مجنون ومفكر إنه هيعرف يضحك عليكي ، ابعدي عنه تماماً .
❈-❈-❈
عاد بعد قليل يجلس على أريكته ليبدأ بتفحصها عبر الحاسوب حيث بات هذا عمله مؤخراً وكم هو عملاً ممتعاً بالنسبة له ، رآها قد انتهت لتوها من الصلاة .
اتجهت تجلس على الفراش تتناول الهاتف وتضغط على مسجل الصوت ثم فتحت المصحف العربي لتتنفس بقوة وتحاول عصر عقلها كي تتذكر تلاوة والدتها لها والقليل من تلاوة خديجة أمامها ، لم تتعلم التجويد جيداً ولكن لا بأس بها ، لذا بدأت تقرأ بصوتٍ هادئ حنون أولى أيات المصحف الشريف ، قرأت سورة الفاتحة ثم تبعتها بآيات من سورة البقرة بدفئ ، حتى أنها تناست أن الهاتف يسجل واندمجت في القراءة بتدبر ودموع .
يتابعها من خلال الحاسوب ويسمع صوتاً هامساً لا يفسره جيداً يأتي من الداخل ولكن يأخذه فضوله لمعرفة سبب بكائها ، لم يفكر في تركيب ميكرفون في الداخل لأنها وحيدة لن تتحدث مع أحد .
يفكر هل يذهب إليها أم يظل على ثباته ولا يظهر أي تأثير ، ليقرر أخيراً أن يظل على جموده .
مر الوقت ومرت هي بآيات الرحمة والإعجاز اللغوي والعلمي وقصص الأوليين وآيات التوبة ، ساعتان من الزمن حتى انتهت ، قرأتها بخشوعٍ وتأثر ، قرأتها وفاضت دموعها حزناً وحباً وطمعاً في رحمة الله .
جففت دموعها ثم توقفت تشغل مكبر الصوت عن طريق وصلة الكهرباء ثم قامت بتشغيل البلوتوث الخاص بالهاتف ليتقارن مع المكبر وتبدأ في تشغيل مقطع الصوت الخاص بها .
وعلى الفور اخترق الصوت أذن هذا الجالس يتابعها بتركيز ، وصل إليه صوتها الذي استمع له من قبل عندما كانت تغني تلك الأغنية الرومانسية التى اشعلت لهيب عشقه أثناء تواجدهما على اليخت .
ولكن الآن الأمر مختلف كليا ، فالصوت الصادر برغم علوه إلا أنه يحمل دفئاً غريباً وكأنها تحتضنه وتربت على قلبه بحنو ، ليبدأ يستمع أولاً إلى صوتها ثم يحاول فهم ما تقوله ، كلمات لا يفسرها جيداً برغم معرفته للعربية ، كلمات أحبتها أذنه وطالبت بالمزيد منها .
ليعم صوتها المنزل ، كانت تعاود الاستماع إلى صوتها وداخلها شعوراً بالراحة ومتعة إيمانية جديدة ،، كانت تذرف دموع الفرح ، تعلم جيداً أنه يستمع ، وهذا ما أرادته تحديداً .
إن لم يرغب في قراءة القرآن بإرادته ليسمعه عنوةً إذاً ، ولنرى هل هو حقاً شيطان كما يطلق على نفسه أم في قلبه مثقال ذرة من إيمان لترويها .
ليت أحدهم يفسر له بعض الكلمات التي تمر على سمعه ، يحتاج لهدنة ليعرف معانيها وعلى ما تدل .
بعد وقتٍ أغلقت المكبر واتجهت تقف أمام النافذة ، تشعر أنه سيأتي وتتمنى أن لا يخونها حدسها ، وبالفعل دلف بعد ثوانٍ يحمل طعاماً أتى به رجله للتو فهو حريصاً كل الحرص على تغذيتها .
تحرك يضعه على طرف الفراش بصمت ثم خطى يقف مماثلاً لها لينظرا اثنانهما إلى البحر من خلال النافذة .
صامتان لفترة قطعها هو بحديثه الذكي :
– لأول مرة يجبرني أحدهم على شيئٍ لا أريده ، فعلتِ ما تودين فعله .
أجابته بهدوء وثقة والقليل من الراحة :
– لو أردت إيقافي لفعلت ، أنا لم أجبرك ، أنت فقط لم تمنعني ، إذاً أنت لست شيطاناً كما ادعيت .
توتر جزءاً خفياً داخله ليردف بثبات ظاهري :
– ولكني لست ملاكاً ، أنتِ تركضين في حلقةٍ مغلقة ، لن تصلي لشيء .
لفت تقابله لتردف بترقب ونبرة يغلفها الهدوء :
– انظر إليّ صقر .
لم يكن يريد ذلك ، لربما خانته عينيه أمامها ، ولكن لف لها يقابلها بعيون ثاقبة مثبتة لا يظهر فيهما تفسير ، لتتحدث هي متسائلة :
– لمَ لم تمنعني ؟ ، لمَ لم تدخل الغرفة وتنزع هذا المكبر وتلقيه أرضاً عند سماعك لهذا الصوت ؟ ،، لمَ أحضرت كل ما طلبته منك ؟ ، وأعلم أنك ذكي ومؤكد فهمت سبب طلبي لهذه الأغراض ، لمَ تركتني أفعل ما أريد ؟
لم يجبها ، لا يملك إجابة أساساً ، فقط صمت ونظرة ثابتة لتجيب هي قائلة :
– لأن حواسك مُسخرة ، كل ما فينا مُسخراً لله ، الله يريدك ، يناديك ، يعطيك الفرصة ، فقط اكتسبها ، لا تكابر صقر ، احذر من الكبر .
يحاول تصديقها ، يحاول ضميره أن يستيقظ من غيبوبته ، لتعود نفسه وتبيد ذلك الصوت الداخلي وهو يقول بتكبر :
– إن كان يريدني لانتشلني منذ زمن ، لو كان يناديني لفعلها وخلصني ، هو ( جل علاه) من وضعني هناك ، هو ( جل علاه ) من اختار لي هذا العالم ، لا تحاولي .
شعرت بوخزة في قلبها ، تخشى الاستسلام ، عليها بذل مجهودٍ أكبر ، لتحاول بكل ما تعلمته طوال حياتها ، لتتلألأ رماديتها بالدموع وتتخلى عن هدوئها قائلة بحدة :
– إذاً ابتعد عني ، لا تسحبني معك لظلامك ، هو ( جل علاه) يريدنى ، هو (جل علاه) أرسل لي إشاراتٍ عدة ، هو (جل علاه) يشرح قلبي له ، ووجدتُ في كتابه ما كنت أبحث عنه دوماً ، أتركني أعود إليه وابتعد .
لااا ، لا يقدر على ذلك ، لا يستطيع تركها ، لن يتخلى عنها أبداً ، أصبح مشتتاً ، الآن تهاجمه أفكاره ، هو يريدها معه ولكن لا يريد لها الجحيم مثله .
لتنظر له بغضب وتضغط على حيرته التي تلاحظها ثم تقول وهي تضغط بسبابها على صدره :
– أنت جبان صقر ، أنت تختبئ خلف ظهري منه ( جل علاه) ، أنت تخشى مواجهته ، تتخذني سبيلاً للشفاعة وأنا أضعف من ذلك بكثير .
قالت الأخيرة بانهيار وحزن ليشعر بالنيران تحرقه ، جسده ينصهر ، يعلم أنه أرهقها ، يعلم أنه استهلك طاقتها ، ربما هي محقة ، ربما هو يختبئ خلفها منه ( جل علاه) ، ربما يعتبر حبها هو فعل الخير الوحيد من بين ذنوبه جميعها .
الآن باتت توقفه أمام مرآته ، لتضعف نفسه ويعاود ضميره في المقاومة ، هو خائفٌ منه ، هو يخشاه .
تساءل بحيرة :
– لمَ لا توفري طاقتكِ وطاقتي وتتقبليني كما أنا ،، لأظل أنا في ظلامي ولتكوني أنتِ في طاعتكِ ، لن أعترض ، فقد تقبليني كما أنا وأتركيني كما أنا ، لمَ تحاولين تغييري ؟
صرخت لتوقظه وكأنها هي من تحارب تلك النفس الخبيثة التي تسكنه قائلة :
– لأنى أحبك ، أحبك أكثر من حبك لي ، أحبك ولا أتمنى حاضراً ولا مستقبلاً سواك ، أريدك معي في الخير وفي الموت وبعد الموت وفي الخلود .
لتتابع بنبرة أقوى وهي تستهلك كامل طاقتها :
– لأنني أحبه ، أحبه وأسعى لرضاه ، وهو أمرنى أن آخذ بيدك وأساعدك ، هو أعطاني قوةً كي أسحبك معي ، هو زودنى بالتغلب على صدمتي فيما رأيته وما علمته كي آخذك إليه ، صدقني صقر هو يريدك ، فقط أحيي ذلك القلب الميت واسمع صوته ، أرجووووك حاول ، إن لم يكن من أجلي فمن أجلك أنت ، فقط حرر صوتك الداخلي واسمعه ، لن تخسر شيئاً ، الخسارة الفادحة في تخليه عنك ، هو للآن يتولاك برحمته ، لا تجعله ينساااااك ( يخرجك من رحمته ) ، حينها سيكون الندم لا قيمة له .
ينظر لها بحزن ، يريد أن يريحها ، معاناتها تعذبه ، انكسارها يوخزه ، ورجائها يجبره على القبول ، ليتحدث بعد صمتٍ طال .
– حسناً كفى ، اهدأي ، لأعطيكي مقابل هذا الحب هدنة ، لأنفذ لكِ ما تريدين .
عاد الأمل ينعشها وهى تنظر له بعيون الفرحة لتسرع تتناول المصحف المترجم ثم عادت إليه وناولته إياه قائلة :
– هذا هو ، فقط إبدأ في قرائته ، وإن وقف عليك شيئاً سأحاول تفسيره لك بعلمي المحدود ، حسناً يا حبيبي ؟
قالتها كأنها تحدث طفلها العنيد ليبتسم عليها وهو يتناول منها المصحف قائلاً بسخرية :
– أشعر أنى إن لم أفعل ستعاقبيني .
هزت رأسها تردف بثبات وإرهاق :
– لاا لن أعاقبك ، سأعاقب نفسي التي عادت تثق بك مجدداً .
استطاعت إقناعه ونجحت في الحصول على طاعته ، ثقتها به مجدداً كانت بالنسبة له ضرباً من ضروب المستحيل .
تعمق في عينيها ثم قال قبل أن يغادر :
– أنهي طعامكِ ، أشعر أنني شخصاً سيئاً للغاية كلما لاحظت ذبول ملامحكِ .
تركها وغادر الغرفة لتتنفس بعمق وراحة وتلتفت تنظر للطعام ثم قررت تناول القليل حتى يطمئن .
تابعها وهي تأكل ، ليعود للخلف فارداً ظهره يفكر ، جاءت عينه على هذا المصحف الذي وضعه على الطاولة أمامه ، ينظر له بعينين متعجبتين ليبعدهما عنه ويزفر بقوة ثم وقف بعدها يتجه إلى الحمام ، هو بحاجة لأخذ حماماً بارداً بعد هذا الجهد والصراع الذي يراوده .
ليمر عدة ساعات وهو حائراً بين مراقبتها والنظر للمصحف والخروج لرؤية البحر .
مساءاً يجلس شارداً إلى الآن لم يفتحه حتى ، ينظر له بين الفنية والأخرى كأنه يخشاه .
زفر يفكر ، لقد أعطاها وعداً ، لذا هو مجبراً على قراءته ، مد يده يتناوله ليبدأ بفتحه وقراءته بثقل فقط لأنه وعدها .
❈-❈-❈
في القاهرة في شقة سامح
وبعد أن عاد من عمله واطمئن على عفاف التي باتت دوماً هادئة وحزينة تشعر بالذنب مهما حاول التخفيف عنها .
دلف شقته ينادي على صغيرته التي أتت راكضة تستقبله .
انحنى يلتقطها ويعانقها بحنو ثم ارتفع يعتدل وهو يحملها ويقبلها ثم ناولها الحلوى الخاصة بها وأنزلها بعد ذلك .
طوال يومه يفكر في أمرٍ ما وصعد كي يستشير زوجته التي من المؤكد ستسعد من هذا الأمر .
أتت زينب من الداخل تبتسم في وجههُ مردفة بملامح مرهقة نسبةً لشهور الحمل الأولى :
– حمدالله على السلامة يا حبيبي .
نظر لها بعمق ، يعلم أنها تمر بأيامٍ مجهدة ويقدر ذلك جيداً ، يكفي ما عاشته عند غياب ريما ، زفر وتحدث بحب :
– الله يسلمك يا زينب ، لسة تعبانة بردو ؟
ابتسمت له قائلة بنبرة هادئة مطمئنة كي تريحه :
– لا تمام متقلقش ، احضرلك العشا ؟
هز رأسه ثم تحدث وهو يخطو إلى الحمام :
– لاء متتعبيش نفسك ، أنا هدخل أغسل واجي اتكلم معاكي في موضوع مهم عايز آخد رأيك فيه .
بعد عدة دقائق جلس سامح وجاورته زينب في صالة منزلهم على بعد مناسبٍ من ريما التي كانت تتابع الكرتون عبر التلفاز .
تحدث سامح بعد أن انتبهت له زينب قائلاً بترقب :
– بقالي يومين بفكر يا زينب ، من وقت اللي حصل معانا وأنا حاسس إن دي إشارة أصلح أخطائي ، أنا كنت سايب اللي حصل زمان يتحكم فيا علشان كدة كنت دايماً مخنوق وكاره أي حاجة من ريحة أبويا اللي رمانا وظلمنا ، بس إنتِ كان معاكِ حق ، صقر مالوش ذنب في ظلم ناصر الجارحي لينا ، صقر ضحية زيه زينا ، أنا حكمت عليه بسبب كرهي لناصر بس نسيت إن هو عاش حياته من غيره زيي ، هو اه كانت ظروفه المادية أحسن مني مليون مرة بس الفلوس عمرها ما تعوض الإنسان عن سند حقيقي يقف في ظهره ويحميه ويقويه ويعينه على الأيام ، الفلوس عمرها ما هتشتري أخ ولا حد يحبك من قلبه .
سحب نفساً ثم زفره يتابع بصدرٍ مشروح :
– اللي حصل مع ريما عرفني قيمة الأخ والسند ، يمكن جه الوقت اللي أصلح علاقتي بأخويا الصغير يا زينب ، أنا عايز أشوفه واتكلم معاه ، عايز أعرف هو فعلاً زي ما نهى قالت عنه وإنها بتحس إنه دايماً مهموم وزعلان ولا نهى بتبالغ زي عادتها ، المهم إني عايز أتعرف عليه وننسى الماضي الملعون ده .
استمعت له والسعادة تغمرها ، حديثه أطفأ نيران قلقها ، ربما ما حدث لهم يعد اختباراً عظيماً وابتلاءً قوياً ولكنه أثمر عن ذلك بالعفو عن أخيه بعدما ظنت أنه مستحيلاً .
لذا تحدثت مؤيدة بحماس :
– أنا معاك طبعاً وموافقة جداً على كلامك يا سامح ، كلم نهى وهي تكلم صقر أخوك وتتقابلوا .
زفر بعمق يومئ لها مبتسماً ثم مد يده يسحبها إليه ويعانق رأسها بحنو ثم طبع قبلة على جبينها وتحدث بنبرة مريحة :
– ربنا يخليكوا ليا .
❈-❈-❈
فجراً توقف عن القراءة بعد أن سحبته الآيات سحباً كأن بها قوة مغناطيسية عالية
آية استوقفته يريد تفسيرها ، لقد استوقفته آيات عدة ولكن تلك تتكرر بصيغة مختلفة عن غيرها .
ليقرر سؤالها بطريقة غير مباشرة بعدما رآها تصلي ، تحرك يتجه إليها ، كانت قد انتهت لتوها ووقفت تنظر له بترقب ، زفر لا يريد أن يظهر عليه أي اهتمام .
فهمت شخصيته التى يغلفها التكبر لذلك قالت بهدوء :
– هل جئت لتمنعني عن الصلاة ؟
استطاعت أن تنشئ حديثاً ليتجه يجلس على المقعد أمامها قائلاً بثبات :
– قلت لكِ لن أفعل ذلك ،، تستطعين التعبد وقتما تشائين ، هذا لن يؤرقني في شئ .
ابتسمت واتجهت تجلس على الفراش لتقابله قائلة :
– هذا لطفاً منك ، هل قرأت الكتاب ؟
هذا ما كان يريده ، أن تسأله هي وقد حققت ما أراد ليقول بتعالي :
– القليل فقط ، هناك آيات تتحدث عن القتال وملك اليمين وغيرها من الأمور التى كنت أعلمها مسبقاً .
زفرت قائلة بهدوء ويقين تام :
– أنت بحثت في ٣٪ منه فقط ، أو ربما هذا ما سمعته من كارهي الإسلام ، وهذه النسبة وضعت بشروطٍ معينة أنا لا أفقه تفسيرها ، ولكني على يقين تام أنها وضعت لتصلح أموراً أفسدها البشر ، أولم تقرأ آيات التوبة ؟ ، والعقاب ؟ ،، والتوعد للظالمين ؟ .
نعم قرأها واستوقفته وجاء ليفسرها ولكنه يكابر ، لا يحب أبداً أن يظهر في ثوب باحث علم ، دوماً ارتدى ثوب العالِم .
تحدث بترقب ليخفي تساؤلاته :
– حسناً وما هو تفسير آيات التوبة ؟ ،، مثلا في سورة البقرة يقول (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، وسورة آل عمران يقول (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وغيرها بصيغة مختلفة ، هل هذا يعنى أن للشيطان توبة ؟
سعادة توغلتها من سؤاله وتلاوته للآيات التى وجدته حفظها وألقاها دون أن يدري ، وهذا إن دل على شيء فأنه يدل على إهتمامه بها .
هزت رأسها تردف بقناعة :
– لااا ، الشيطان تكبر ، لا توبة للمتكبرين ، هؤلاء الذين يفعلون دوماً الفواحش والظلم ثم يتكبرون وينكرون أخطائهم ، هؤلاء لا توبة لهم ، إلا إذا تخلوا عن تكبرهم ، أولم تعلم أن التكبر والعصيان هما من أوديا بنا إلى هنا وإلا كنا من سكان الجنة ؟ ، التكبر هو الذنب الأعظم يا صقر .
شعر بالخوف وارتعش جسده مجدداً ، هو من أولئك المتكبرين ، هو دوماً يعاند .
تابعت بحب لتطمئنه :
– ولكن هو لا يرسل الأخيار للشياطين .
ابتسم يردف ساخراً :
– أراكِ تمدحين نفسكِ يا زوجتي الجميلة ، ألا يوجد في ذلك نوعاً من التكبر؟ .
هزت رأسها تردف بثبات :
– لا أتحدث عني تحديداً ، أتحدث عن تدبيره في جمعنا ، عالمنا مختلفاً برغم أننا جمعتنا مدينة وحيدة ، ومن المؤكد لهذا اللقاء حكمة ، وأراها تحدث الآن .
– حسناً ، تصبحين على خير .
تحدثت متسائلة قبل أن يغادر :
– هل يمكننا العودة ؟ لا داعي لنظل هنا .
تحدث بثبات دون النظر إليها :
– بعد أن انتهى من قراءة هذا الكتاب سنغادر .
غادر وتركها تشعر بالراحة ولو قليلاً ، ما زال الطريق طويلاً أمامها ولكن مجيئه الآن وسؤاله يعد إنجازاً عظيماً .
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ثري العشق والقسوة) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق