Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية ثري العشق والقسوة الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم آية العربي

      رواية ثري العشق والقسوة كاملة   بقلم آية العربي   عبر مدونة كوكب الروايات 

رواية ثري العشق والقسوة الفصل الرابع و العشرون 24


 
تسرق الحياة منّا هدوءنا،،،،
ولهفتنا للڪثير من الأشياء دونَ أن نشعُر،،،،
أنضجتنا الأحزان وڪبرنا مع ڪل صدمة ،،،،
أصبحنا نتعايش مع ڪل شيء ونتڪيّف مع أي ظرف ،،،،
أعتدنا ان نرافق آلامنا ….
حتى أصبحت جزءًا مننا …
حتى انهياراتنا …
ليست سوى لحظات اعتاد القلب عليها
منقول
❈-❈-❈
( بقلم آية العربي)
تصدر الأمواج هديرها حينما تأتي لتصطحب معها الرمال وتعود مجدداً بتناسق ، وهناك أيضاً بعض طيور النورس تصدر نعيقها .
منزل ساحلي أمامه البحر وخلفه الصحراء وفوقه السماء فقط ، لا شيئاً آخر حوله .
في غرفةٍ تخترقها أشعة الشمس من خلف نافذةٍ زجاجية شبه مفتوحة ، تغطيها الستائر المتطايرة بفعل الهواء ، ينكسر شعاعٌ يحمل ذراتاً متطايرة داخل الغرفة لتتسلط على وجه تلك النائمة ممددة على جانبها فوق سريرٍ واسعٍ يحتل جزءاً صغيراً من الغرفة .
ليظهر هذا الشعاع تفاصيل وجهها الناعم ونقاؤه أمام عيني هذا الجالس على مقعده يقابلها .
يضع ساقاً فوق الأخرى وينظر لها فقط ، منذ أمس وهي غائبة عن الوعي ، ومنذ أن أتى بها هنا وهو يجلس يتأملها ويدخن لفافات تبغٍ فقط ، هذا كل ما يفعله ، استعانتها برجلٍ غيره هذا كل ما يتردد على عقله ، هيأتها وهي منكمشة خلف ظهر هذا العُمَر تتردد على عقله فتجعل منه وحشاً مقيداً ينتظر لحظة تحرره ، كيف أصبح فجأة وحشها وهو الذي لا يمكنه مس شعرةً واحدةً منها ؟ ، كيف لها أن ترتعب منه لمجرد فيديو قام فيه بالانتقام من حياته ومديرها الخبيث ، لمَ تركته وفرت هاربة بدلاً من أن تسأله ؟ ، هل هذا حبها الكبير له كما أخبرته ؟ ، ماذا تعلم هي عن الحبِ ؟ ، أتجهله تلك الجميلة برغم كل ما جعلته يعيشه معها من مشاعر لم يجربها قط ، ألا تعلم أن الحب يعني التضحية وعدم التخلي مهما كان ؟ ، بالنسبة له هو كذلك فهو يمكنه بسهولة التضحية بحياته لأجلها واستحالة تركها .
ليس لها الحق في التخلي عنه ، لا يحق لها أن تتركه وحيداً في هذا المستنقع كما تُرك قديماً من قِبل أحبابه ، هي أخطأت في حقه وعليه أن يحاسبها ولكن كيف سيكون حسابها ؟؟؟ .
أما هي فغائبة عن الوعي أو هاربة من الواقع أو تحتمي بالنوم منه ، عالمها انهار بين قبضتي القدر ، يحفزها عقلها الباطن على التحامل ، يذكرها بقوتها وشموخها واعتزازها بشخصيتها ولكن يأتي مشهد سقوط عمر على عقلها فيجعلها تعاود الهرب من المواجهة .
خيوطٍ متشابكةٍ تحاول فكاكها ويبدو أن تلك الخيوط ما هي إلا أهدابها التي تسعى لتحريرها من هذا العناق الذي طالت مدته ، ولكن أشعة الشمس تمنعها وكأنها تخشى عليها من هذا الجالس .
لتعاندها هي وترفرف عدة مرات ثم تبصر بانكماش بسبب الضوء المسلط عليها فتتلألأ رماديتها معلنةً عن استيقاظها أخيراً .
دارت بعينيها حولها لتكتشف أنها في مكانٍ مجهولٍ بالنسبة لها ، ولكن بدأت تسمع هدير الأمواج لتتيقن أنها في منطقةٍ ما تطل على البحر ، ظلت ثابتة تماماً لم تتحرك إلا عينيها التي تنظر لمصدر الضوء ، سلطت على تلك النافذة ولم تتزحزح ، تستعيد كل ما حدث ، صدمة تلو الأخرى وآخرهم سقوط عمر أمامها بعد أن أطلق عليه هذا الوحش طلقة نارية بكل دمٍ بارد ، لم يتردد ، لم يتراجع ، حتى أنه لم يكن هو نفسه صقر الذي عشقته .
عقلها لا يتوقف ولا يهدأ ، بل يتسارع بالأفكار التي تمزق فصوص مخها من قوتها ، تحاول استيعابها ولكن حقاً لا تفلح ، هل ما عاشته حقيقة ؟،، هل حقاً أحبت شخصاً يقتل وينزع أعضاء بشرية كمن يفرغ دجاجة قبل طهيها ؟ .
هل قتل عمر حقاً ؟ لااا مؤكد لم يمت ، تتمنى أن يكُون بخير ، حتى وإن حاولت تكذيب ما رأته في هذا الفيديو فكيف تكذب ما رأته أمام عينيها ؟ .
يكفي نارة ، لقد استهلكتِ طاقتكِ العقلية ، يكفي أفكاراً تستنزف روحكِ ، واجهي نارة وألقي بجميع الأسئلة التي تتردد في رأسكِ الآن ، واجهي فلم يعد النوم أو الهروب متاحاً .
بدأت تُحرك أطرافها لتحاول القيام ، استندت بصعوبة على ساعديها لتسحب جسدها للأعلى قليلاً وتستند على مقدمة الفراش دون النظر لمن أمامها فهي اشتمت رائحته منذ اللحظة الأولى التي استيقظت فيها وعلمت بوجوده أمامها ومع ذلك لم تعطِ أي ردة فعل .
لتستجمع طاقتها أولاً ، تتنفس ببطء لتحاول الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الأوكسجين لتهدأ ، وأخيراً وبعد وقتٍ مر عليه كدهر يتابعها فيه رفعت أنظارها إليه ، تلاقت عيونهما في لقاءٍ صامتٍ لمدة لا يعلماها .
كلٍ منهما ينظر للآخر بخيبة ، ولكن مؤكد نظرتها هنا كانت الأقوى ، خذلانها أعمق ، خيانته لها أعظم .
ليبعد عينيه عنها أخيراً ويقف يلتف ويواليها ظهره ، فصل نظرته حتى يظل على حالته القاسية ، حتى لا تؤثر عليه عينيها ولو مقدار ذرة .
خطى خطوتين مبتعداً عن المقعد ليلف خلفه ويتكئ بساعديه على ظهره ثم عاد يطالعها بجمود وقسوة مرسومة قائلاً :
– أرأيتِ ماذا تفعل الثقة بنا ؟ ،، تأتي فتدمر الأخضر واليابس .
ظلت كما هي فقط تنظر له بعينٍين غريبتان ، إنطفأ لمعان الحب فيهما ، أنطفأ بعد أن أكد لها إجرامه بقتله لعمر أمامها .
ليتابع وهو يقف ويتحرك مبتعداً بخطواتٍ ثابتة :
– وثقتُ بكلامكِ لدقائقَ فقط ، قلتِ أنكِ لن تتركيني أبداً ، لن ترحلي أبداً ، تحبينني ، وماذا فعلتِ عندما وهبتكِ ثقتي وأدرتُ لكِ ظهري ؟ ،، خذلتي كل الثقة ، إنطلقتِ هاربة عند أول صدمة .
داخـ.لها يبتسم ساخراً ، يبتسم متألماً ، يبكي متجرعاً كؤوس الحسرة ، أهو من يحاسبها على خذلانها له ! ، أهو المصدوم فيها الآن ؟ ، أهو من سحقت قلبه بحقيقتها المظلمة والمشوهة ؟.
ليتابع وهو يتحرك ذهاباً وإياباً أمامها بثبات بينما قلبه يوخزه متألماً :
– وثقتِ في شخصٍ آخر ، رجلاً آخر غيري ، وذهبتِ معه واختبأتِ مني في بيته ، واتخذتيه درعاً لتحتمي به مني .
قالها وجـ.سده في مرحلة الانصهار ، يستعيد خوفها وحمايتها خلف ظهر عمر ، جـ.سده يشبه بركان فيزوف الإيطالي الشهير ، فكلاهما يحملان نفس الجنسية والغضب .
توقف ثم عاد ينظر لعينيها متسائلاً بقسوة يتقن نقشها على ملامح وجهُ :
– ماذا أفعل بكِ الآن ، أخبريني ؟
نظرت لعينيه بعمق ، تحاول البحث عن أي شئٍ كان وقد لمحته ، خانها لسانها وظلت فقط تطالعه وهو كذلك ، ليعود هذا الفيديو وتمر أحداثه مجدداً على عين عقلها وتزيح الصدأ من لسانها ليتحرر متحدثاً أخيراً بصوتٍ فاقد لشغف الحياة قائلة ببطءٍ مميت بعد أن ظنته يتاجر بأعضاء البشر :
– افعل كما فعلت مع ذاك الرجل ، أخرج أعضائي واحداً تلو الآخر وبعهم لتحصل على الأموال .
خانتها دمعة لعينة كادت أن تسقط من عينها ولكن عنفتها ومنعتها لتبقى معلقة أمامه وتكمل بنبرة أكثر ألماً تغلفها القوة :
– ولكن انزع قلبي واسحقه تحت قدميك ، اسحقه بقوة فلم يعد صالحاً للإستعمال .
لا يريد أن يظهر على ملامحه التأثر أبداً ولكن كلامها ونبرتها ونظرتها ودمعتها المعلقة أصابت هدفها وقد اخترقت قلبه كسهمٍ مسموم ، إنها تضربه بالكلمات ، تخبره بخيبة آمالها به وبعشقه ، ليخفي تأثره ببراعة ويردف مبتسماً ببرود على عكس حطام روحه :
– لا أعتقد أن خطأكِ يستحق ذلك ، هو كان عضواً في مافيا تجارة الأعضاء وكاد أن ينزع أعضاءً لأطفالٍ صغار ، لذا فكان جزاءه من جنس عمله ، أما أنتِ فكنتِ دوماً كالفراشة ،، دوماً تسعين للاستكشاف ، دوماً ترفرفين حرة ، لذا فإن هذا البيت سيكون سجنكِ ، هنا ستجلسين وتفكرين كيف ذهبتِ مع رجلٍ غيري واحتميتِ به ، هنا ستدركين خطأكِ جيداً .
انتهى من حديثه وتعمق بالنظر إليها ، كانت ثابتة تطالعه بغضب ، تحرقه نظراتها التي لم تعد كالسابق .
كان يريدها أن تصرخ أن تعترض أن تلحق به وهو يتقدم من الباب ليخرج ولكنها خالفت توقعاته بصمتها ، خرج يغلق الباب خلفه ويوصده ليقف أمامه لثواني بصمتٍ يردد كلماتها على عقله ، فقط تخيل ما قالته يحرق جسده ، يجعل صدره ضيقاً ، لن يتحمل موتها ، لقد عانى بعد موت أمه ووصل لمَ هو عليه ولن يتحمل فقدها أبداً ، ليسقط العالم وتبقى هي .
خطى صوب الأريكة وتمدد عليها زافراً بقوة ، ربما أوهمها أنه سيتركها بمفردها ولكن بالطبع لن يغادر ، فوجوده بجانبها أصبح إجباراً لا اختياراً .
❈-❈-❈
منذ أمس وعُمر غائباً وظنت مايا أنه غادر لمنزله ولكنه لم يأتِ صباحاً لاصطحابها للجامعة مما أثار قلقها .
تقف في الحديقة تحاول الوصول إليه ولكن هاتفه مغلق ، زفرت بضيق وتحدثت بصوتٍ سمعته آسيا التي أتت من خلفها :
– إنت كمان هتختفي يا عُمر ، يووو بقى .
تحدثت آسيا بتروي برغم قلقها أيضاً فما يحدث مريباً حقاً :
– اهدي يا مايا ، أكيد هو كويس بس يمكن حصل عنده ظرف طارق ولا حاجة ، متقلقيش هيظهر أكيد .
نظرت إلى آسيا بصمتٍ وأومأت تحاول التحلي بالهدوء ولكنها لا تستطيع ، لقد غادر ليلاً على أن يعود إليهما مجدداً وها هو لم يعد ، تشعر أن هناك أمراً ما أصابه ولكن كيف ومن أين تبدأ بالبحث عنه .
تحدثت آسيا بترقب قائلة :
– إيه رأيك أوصلك أنا للجامعة ؟.
هزت رأسها ثم تحدثت متسائلة :
– مامي أكيد إنتِ عارفة بيت عمر ، تعالي معايا نشوفه .
شردت آسيا لثوانٍ ، هي لا تعلم عنوان منزله ولكن يمكنها سؤال السيدة لبنى عنه لذا أومأت تردف بهدوء :
– تمام يا مايا ، استنيني هجيب شنطتي وراجعة .
التفتت لتعود إلى الداخل كي تتواصل مع لبنى وتسألها عنه أو عن عنوانه .
❈-❈-❈
كان يجلس خلف حاسوبه في بهو ڤيلته يتابع كاميرات المراقبة التي تبث له الشارع وخاصة واجهة منزل خديجة ، ينتظر لحظة خروجها وقد كان .
فها هي تخرج بسيارتها من بوابة الڤيلا الخاصة بها ، تقود وحدها تلك المرة لذا تحمس وكفيه يحتضنان بعضهما قائلاً وهو يقف بنبرة يملؤها الحماس :
– هيا يا ماركو ، هيا يا بطل ، ستفعلها هذه المرة .
تحرك يغادر الڤيلا ويستقل سيارته ليتبعها ، وصل لبوابته التي فتحها الحارس الذي أشار إليه بشئ فتوقف ماركو أمامه ينظر له ثم فتح نافذته يطالعه وهو على عجلةٍ ن أمره فقام الحارس بمد ورقةٍ إليه تحتوي على رقم هاتف خديجة قائلاً بثبات :
– هذا الرقم الذي طلبته يا سيد ماركو .
تناوله ماركو وابتسم قائلاً له بانتصار :
– أوه أحسنت صنعاً يا فتى ، ذكرني عند عودتي بأن أكافئك .
تحرك بسيارته يغادر الڤيلا ويقود خلفها كي يلحق بها إلى المكان الذي ستذهب إليه .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
حمل صينية الطعام وزجاجة المياه وتوجه عائداً إلى الغرفة ، يعلم أنها لم تتناول أي طعام منذ ليلتان وهذا يضعه في مأزقٍ مع قلبه .
لم يصدر منها أي صوت ولكن ما يطمئنه هو هيأتها من خلال تلك الكاميرا التي وضعها في الداخل .
فتح الباب ودلف ليجدها تقف عند النافذة تنظر إلى البحر وخصلاتها تتطاير بفعل الهواء ، حالها كحال تلك الأمواج لا تعلم على أي شاطئٍ تستقر ، تائهة وتسعى لإيجاد مخرج من هذا المستنقع الوحِل ، لم تعتد الاستسلام ، عرفت دوماً حرة وحكيمة برغم صغر سنها ، عرفت بالتأني في قراراتها ، ولكن أي قرار الآن بعد ما علمته عن الوحيد الذي يفترض أن يكون نصفها الثاني وتوأم الروح والقلب ، أي قرار يمكن أن ينصفها وهي في كل الأحوال خاسرة لذا فهي تبحث في قاموس حكمتها عن حلٍ يمكنها استخدامه كي تنجو معه بأقل الخسائر .
خطى يضع صينية الطعام على طرف السرير وزجاجة المياه على الكومود ثم تحدث وهو يقف بثبات ينافي بعثرته الداخلية التي تسببت بها هيأتها :
– لتعلمي أني لستُ قاسياً ، فعلتُ مثلما فعل هذا المخنث عُمر ، جلبتُ لكِ الطعام .
ظلت كما هي تواليه ظهرها كأنها لا تسمعه ، وتلك الطريقة تغضبه وتشعل جسده منها فيود لو يعاقبها بطريقته .
تحدث ليحصل على انتباهها قائلاً بترقب ومكر وهو يقف ينظر لهيأتها :
– شقيقتكِ صرخت في وجهي أمام رجالي خوفاً عليكِ ، وددتُ لو اقتلعت لها لسانها الذي صرخت به ، ولكنني لم أفعلها لأجلكِ .
حصل على انتباهها كما توقع عندما التفتت تقابله بملامح باهتة مرهقة نُحِت فيها الحزن قائلة بعيونٍ حادة :
– لن تقترب من عائلتي ، لن تمس إحداهما ، هما خطوطي الحمراء .
ابتسم لرد فعلها القوي برغم حالتها الواهنة ورفع حاجبيه يردف بتحدي وهو يضع كفيه في جيبيه :
– وإلا ماذا ؟
تحدثت بثبات رغم إرهاقها نسبةً لاحتياجها إلى الغذاء قائلة :
– ربما لا أمتلك نقطةَ ضعفٍ لك ولكن انتقاء رجل عصابات مثلك لي يجعلني أتباهى بنفسي قليلاً ، هذا يشعرني بالتميز قليلاً ، فأنا لا أستسلم أبداً ، لا أنحني أبداً ، ومن الآن وصاعدا لن أخافك أبداً ، لذا فكل ما ستفعله بي أو بعائلتي لن يزيدني إلا تمرداً .
كانت تتحدث بمنتهى الشجاعة برغم شحوبها الواضح ، ربما ظنت أنه لا يمتلك نقطةَ ضعفٍ ولكنها لا تعلم أنها هي تلك النقطة ، فلو لم تكن هكذا لما تعامل معها بهذا الكم من الحنان الذي لا يعلم كيف يمتلكه ، ولكن برغم كل ما حدث إلا أنها لم تشعر بالخوف أمامه ، تحاول إيجاده داخـ.لها ولكن لم تجده ، هيأته تساعدها على أن تقف أمامه قوية ، عينيه التي رأتها منذ أن استيقظت تحمل نفس النظرة التي عهدتها ، ولكن عقلها بالطبع يعنفها لتتوقف عن هذا الشعور ، عليها أن تقلق وترتعب بشرط أن لا تظهر هذا ، هي الآن بحوزة رجل عصابات لا يستهان به .
أما هو فقد ازداد إعجاباً بقوتها ، هذه هي امرأته ، هي تلك التي أرادها ، أومأ يبعد نظره عنها ليردف بثبات وثقة ظاهرية :
– إن أردتُ أن أجعلكِ تخافين سأفعلها ، لا شيء يمكنه التمرد علي ، لا شيء على الإطلاق ، أنا خرجتُ من الجحيم وسأعود إليه لذا فكل شيء مباحاً لي .
جبورته يثير تساؤلات داخلها ، تحاول استيعاب أمره ولكن لا تفلح ، جملته تلك تثير ريبتها ، كيف لبشرٍ أن يتفوه بهذا الكلام وأن يصل لتلك النقطة ؟ .
لذا تساءلت بما خطر على عقلها قائلة :
– ألا تخاف ؟
نظر بعمق يردف بجمود لظنه أنه يخشى شيئاً ملموساً :
– أبداً .
– حتى من الله ؟
قالتها بذهول لا تستوعب هذه النفس الخبيثة التي تسكنه .
ليخونه جسده فجأة وينتفض ، وكأنها ألقت تعويذة على روحه ، خانته أوردته وارتعشت ، تلك النفس الخبيثة التي تسكنه توسوس له أن لا يخاف ولكن صوتاً فُطِرَ عليه يحدثه أن يتمعن في سؤالها ، أن يبحث داخله عن خوفٍ وسيجده ، من المؤكد سيجده ، نعم هو يخشاه .
لذا تحدث كأنه يبرر لنفسه قبلها أو ربما تحدثت نفسه مدافعة عن أفعاله :
– أنا لم أقتل بريئاً قط ، يفترض أن أُبشر لا أن أخاف ، أنا قتلتُ كل من هم مجرمون وقـ.تلة ، طوال حياتي لم أنهِ حياة شخصٍ صالحٍ ، كلهم فاسدين ، هم من جعلوني مظلماً مثلهم .
حسناً يا نارة ، هو الآن في صراع ، لقد وصلتِ لنقطة مخبأة داخله ، لذا أكملي ، أكملي لربما كان استنتاجكِ بشأنه صحيح نظراً لتربيته ومعتقداته .
حفزت نفسها بتلك الكلمات لتتابع بحزن وعيونها مصوْبة تجاه عينيه مباشرةً :
– أنت تقتل الذين كلفتهم بقتل الأبرياء ، أنت اليد المحركة ، لا تنتشل نفسك من القاع لأنك غارقاً فيه ، ومن أنت لتحكم وتقتص ، من أنت لتسلب البشر أرواحها ؟ .
يقف ثابتاً ينظر لها فقط دون أن يجيب بينما عقله يردد حديثها ويحلله لتتابع حديثها بحزنٍ شديد كأنها تود وضعه أمام حقيقته التي رأتها :
– أنت أطلقت النار على عُمَر ، هل عُمر مذنباً ، هل هو قاتلاً ، هل هو فاسداً ؟ .
إلى هنا وانتهى النقاش ، إذاً المسألة عُمر ؟ ، ليعود لجموده ولقسوته حينما علم أن حزنها سببه هذا الشجاع وقال بغضب وتملك :
– بالنسبة لي فهو اقترف أكبر ذنبٍ في قانوني ، وقف يحميكي مني ، اعلمي أن لا سبيل لكِ سواي ، لا خلاص لكِ مني ، ستجاوريني حتى الموت .
ابتسمت بألم لتجيبه بعيونٍ ذابلةٍ :
– ربما الموت قريباً ، أقرب إليّ منك ، لا تكن واثقاً .
تعالت أنفاسه وهو يطالعها بغضب قبل أن يلتفت ليغادر ويتركها موصداً الباب خلفه بعنف .
أما هي فنظرت لأثره بحسرة ثم لفت تنظر إلى الطعام الذي أحضره لتبعد عينيها عنه وتعود تتطلع من النافذة وتنظر للبحر بسكونٍ ظاهري وعقلها يعمل على وضع خطة إنقاذ .
❈-❈-❈
وصلت آسيا بسيارتها أمام العمارة التي يقطن بها عمر التي علمت عنوانها من السيدة لبنى حيث هاتفتها لتسألها وكم قلقت لبنى عليه وسألتها متلهفة عنه فأرادت آسيا بث الطمأنينة فيها لذا أخبرتها أن هناك سوء تفاهم حدث بينه وبين ابنتها وتسبب في إغلاق هاتفه لذا فهي ستذهب لمراضاته .
نظرت للأعلى ثم تحدثت إلى مايا :
– تقريباً هي اللي فوق دي يا مايا ، تعالي نطلع نشوف .
ترجلت مايا وكذلك آسيا وأغلقت سيارتها وتحركتا الإثنتين باتجاه الداخل ثم استعملتا المصعد وصعدتا للدور المنشود بتوتر يظهر واضحاً على ملامح مايا .
وصلتا إلى الطابق وأسرعت مايا تطرق الباب وتناديه بقلبٍ مفطور :
– عُمر ! .
كانت تطرق طرقات متتالية فأوقفتها آسيا قائلة بتروي :
– اهدي يا مايا ، شكله مش جوة .
زفرت باختناق وكادت أن تبكي وهي تقول :
– أومال راح فين بس يا مامي ، أنا حاسة إن حصله حاجة .
قالتها بألم وغصة متحجرة تكونت في حلقها لتشعرها أنها على وشك الاختناق لذا ربتت آسيا على كتفها بحنو قائلة :
– اهدي وصدقيني هيظهر ، أكيد حصل معاه ظرف طارئ ، إن شاء الله خير .
تنفست بعمق ثم شردت قليلاً ثم تحدثت بأمل :
– طيب هو قال لي على الجيم اللي كان بيشتغل فيه ، تيجي نشوفه هناك ؟
أومأت لها آسيا تبتسم ابتسامة باهتة قائلة :
– تمام تعالي يالا .
تحركتا عائدتان للأسفل مجدداً حيث ستتجهان إلي الصالة الرياضية للسؤال عنه .
❈-❈-❈
عودة للبيت الساحلي
كان يجلس على الأريكة يتابعها بتركيز عبر الحاسوب ، ترك كل شيءٍ مؤقتاً لأجلها وليته يترك كل شيء للأبد ويظل معها .
يتأجج غضباً من عدم تناولها للطعام وبرغم ذلك لا تظهر ضعفها ، تقف شامخة برغم إرهاقها الواضح .
تحركت بوهن إلى الحمام الملحق بالغرفة لتعود بعد دقائق تبحث عن شيءٍ ما ، لم تجد سوى غطاء الوسادة فقررت نزعه لتغطي به شعرها وتقف بالقرب من النافذة تؤدي صلاتها بهدوء .
تفاجأ من فعلتها ، في أشد حالاتها عجزاً ويأساً ولكنها تصلي ، هذه المرة الأولي الذي يراها فيها تصلي .
ظل يتابعها من خلال شاشة حاسوبه إلى أن انتهت ووقفت بعدها تتجه للفراش وتتمدد عليه لتنام دون تناول أي طعام .
لم يجد نفسه إلا وهو يقف ويتجه مندفعاً نحو الغرفة ثم اتجه إليها ليوقظها قائلاً بصراخ وحدة بعدما نفذ صبره :
– إن لم تستيقظي وتأكلي طعامكِ لا تلومي إلا نفسكِ .
لم يفلح تهديده ولم تتحرك بها شعرةً واحدة ليقف عاجزاً لثواني أمام عنادها ، باستطاعته استعمال كل وسائل العنف معها ولكن يجد جـ.سده مقيداً بسلاسل عشقها .
ليبتسم حينما أتته تلك الفكرة وهو يقول بقسوة أتقنها :
– ربما أنتِ بحاجة إلى والدتكِ لتطعمكِ ، حسناً دعيني أجلبها لكِ بطريقتي .
التفت وتحرك خطوتين بترقب لتعتدل بعد أن كانت لا تبالي وتردف قبل أن يغادر بنوعٍ آخرٍ من الألم :
– ولكنها ليست والدتي .
توقف مكانه يواليها ظهره ويستوعب جملتها لثوانٍ ثم التفت لها يضيق عينيه نحوها ، يعلم أنها لا تنطق كلاماً من العدم ، يعلم قيمة كل ما تتفوه به لذا عاد يقف أمامها متسائلاً باهتمام :
– كيف ؟
حسناً ربما الآن موعد إظهار الحقيقة التي كانت تظن أن لا داعي لانكشافها ، ربما إخباره بها سيجعل والدتها وشقيقتها في أمان ، لذا تحدثت بألمٍ لا يترك إنشاً في جـ.سدها إلا ويسحقه قائلة :
– هذه هي الحقيقة ، هي ليست والدتي ولا هم عائلتي ، هما تبنياني عندما كنت طفلة ذات خمسة أعوام ، أنا ابنة ملجأ .
ابتسمت ابتسامة باكية تغلفها السخرية وهي تتابع بحزنٍ شديد :
– يبدو أن كلانا أخفى عن الآخر حقيقته .
لا يصدق أو لا يستوعب تلك المعلومة الهامة ، وكيف لم يعلمها ، لا يمكن أن تكن ابنة ملجأ ، ليردف مستنكراً بحدة :
– أنتِ تكذبين .
عادت تميل على الفراش وتردف وهي تحتضن نفسها وتغلق عينيها :
– يمكنك التأكد من ذلك بنفسك ، اسمي الحقيقي نارة وكنت في ملجأ يدعى الرحمة والعطاء .
وقف ينظر لها بصدمة ، عندما بحث عنها لم يبحث عن طفولتها في مصر ، بل بحث عن لحظة تواجدها في إيطاليا ، لذا فربما هي محقة ، ليتأكد بنفسه ، فهي لا تنطق أشياءً هوائية .
تركها وتحرك للخارج بخطى مبعثرة بعد تلك المعلومة واتجه يلتقط هاتفه يتحدث مع شخصٍ تابعٍ له قائلاً بنبرة آمرة :
– ابحث لي عن ملجأ يدعى الرحمة والعطاء ، ثم ابحث في أرشيفه عن ملفٍ يحمل اسم فتاة تدعى نارة عمرها الآن خمسة وعشرون عاماً .
❈-❈-❈
وصلت خديجة أمام المكتبة التي تقصدها دوماً كي تنفصل عن العالم قليلاً وهي تقرأ .
أعلن هاتفها عن اتصالٍ من رقمٍ غير مسجل فتناولته تنظر له ثم أغلقت المكالمة متجاهلة هذا الرقم الذي لم تتعرف على هويته ثم تحركت إلى الداخل تحت أنظار هذا الذي يتبعها وتعجب من عدم ردها عليه برغم أنه لا يعلم ماذا كان سيقول .
زفر مطولاً ثم قرر تتبعها للداخل حيث صف سيارته وترجل يخطو داخل المكتبة .
يخطو وعيناه تبحث عنها في المكان وقد قرر إعادة اتصاله بها .
رآها تجلس على طاولة وقد انتقت كتاب وها هي تقرأه بتمعن وهاتفها يرتكز على الطاولة أمامها وينير صامتاً وهي لا تبالي له .
تحرك صوْبها ثم وقف ينظر لهاتفها الذي ينير برقمه وقال بلهجته وبصوتٍ عالٍ :
– لمَ لا تجيبي على اتصالاتي يا خديجة ؟
انتفضت حين سمعت نبرته ورفعت رأسها تطالعه بتعجب كما فعل الجميع حيث كان الهدوء يعم المكان وشقه هو بصوته .
لم يبالي بتلك الفوضى التي أحدثها لذا عاد يردف مبتسماً :
– هل يمكن أن نتحدث في الخارج قليلاً يا خديجة ؟
يبدو أنه معجبٌ باسمها فها هو ينطقه للمرةِ الثانية لذا فقد أتى رئيس المكتبة ينظر لخديجة وتحدث بانزعاج من هذا الغريب الغربي :
– آنسة خديجة لو سمحتِ ياريت تاخدي الأستاذ وتتكلموا برا علشان القراء يركزوا .
وقفت خديجة تنظر له بخجل ثم تحدثت بصدق مببرة :
– لاء حضرتك أنا معرفوش أصلاً .
تعجب الرئيس وقال بنبرة مشككة :
– متعرفيهوش إزاي دانا مفهمتش من كلامه غير اسمك ؟
توردت وجنتيها بينما عادت طباع المافيا تلتهم هذا الواقف لذا انحنى قليلاً عليها قائلاً بصوتٍ هادئ يحمل تهديداً في نبرته :
– هل هذا الرجل يزعجكِ ؟
ابتعدت عنه ونظرت له بتعجب وضيق وكادت أن تعنفه لولا تذكرها بمكان تواجدها لذا حملت أغراضها ونظرت للجميع قائلة بهدوء :
– أنا بعتذر عن اللي حصل .
تحركت بضيق إلى الخارج وتبعها هو ينظر إلى رئيس المكتبة نظرة غاضبة لظنه أنه عنفها بينما هي وقفت بالقرب من سيارتها تنتظره إلى أن وصل إليها يبتسم فقالت بملامح جادة معنفة :
– إنت مين وعمال كل شوية تظهرلي ليه ؟ ، ابعد عني يا جدع أنت بدل ما أوريك الوش التاني .
كان يسمعها ويبتسم ، تبدو غاضبة ولكنه يبتسم لعدم فهمه لحديثها بينما هي استقلت سيارتها وادارتها وانطلقت مبتعدة عن مرماه .
أما هو فوقف ينظر لأثرها بعمق ويردد بثبات :
– لا يجوز هكذا أبدو كالأحمق وهي تتحدث ، يجب أن أتعلم العربية .
تحرك صوْب سيارته هو الآخر وهو يردد اسمها بنغمة قائلاً :
– خديجة ، خديجة ، خديجة .
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالى
وبعد أن وصل إليه ما يثبت صحة كلامها وتأكد أنها ليست ابنة عائلة الدقاق .
يجلس في حالة تدبر بعدما حصل على معلوماتها كاملة ،، إذا هي ابنة زوجين ماتا في حادث سير ، هي مثله أو أشد يتماً ، هى فقدت والديها قبل أن تحفظ ملامحهما ، ولكنها أكثر حظاً منه في حصولها على أبوين يحبانها ، أبوان استطاعا أن يوقفاها على أرضٍ صلبة لتكن بتلك الشخصية التي يعشقها .
أما هو فكان حظه أكثر سوءاً وقسوةً ، هو لم يذق اليتم فقط بل وقع في يد من لا يرحم ، ليصبح أكثر قسوةً منه .
ولكن كل ما عرفه عنها لم يغير مقدار ذرة حبٍ تجاهها ، ستظل هي كما هي وستظل مكانتها قائمة في قلبه ، لذا عاد يراقبها ليجدها ما زالت نائمة والطعام كما هو لم تمسه حتى . ( بقلم آية العربي )
زفر مطولاً ثم وقف يعود إليها ليرى ماذا يمكنه أن يفعل حتى تأكل .
دلف يتجه إليها وينادي قائلاً بنوعٍ من القسوة التي تخبئ داخلها الحنين :
– هيا استيقظي .
لم تستجب له فشعر بالقلق ، لذا نزل بنظره لوجـهها ليجده شاحباً جداً ، اتجهت يده تتحسها ليكتشف أنها فاقدة للوعي بعد أن نفذت نسبة الجلوكوز في جسدها مفتقداً العناصر العذائية لذا فقد غابت عن وعيها .
أردف وهو يتحرك للخارج مسرعاً بغضب :
– اللعنة .
خرج يتناول هاتفه ويحادث أحداً من رجاله الذين يأمنون المكان من بعيد قائلاً :
– اذهب واجلب لي glucose و canola في الحال .
أغلق واتجه إلى المطبخ الملحق يحضر كوباً ويملأه بالماء ثم وضع به ملعقتين من السكر وعاد إليها وهو يقلبه ليمتزج بالمياه .
جلس جوارها على الفراش يملأ الملعقة بالمياه المسكرة ويقربها من شفتيها الجافة مردداً :
– اشربي ناردين ، هيا الآن .
فرجت شفتيها ببطء وهي في حالة تائهة ومجهدة لتجد الملعقة طريقها ويبدأ في إشرابها عنوةً لتلك المياة حتى عادت تغلق فمها وتقطب جبينها بإجهادٍ واضح .
وقف بعدها ونزع جاكيته يلقيه باهمال ثم انحنى يحملها فشعرت به لتقاوم بضعفٍ قائلة بنفور منه وهي تحاول التحرر :
– أنزلني ،، لا تلمسني ، ابتعد .
ثبتها جيداً بيده فهي لم تستطع ردعه حتى لو كانت بكامل صحتها وتحرك هو يدلف الحمام قائلاً بصرامة :.
– كفي عن المقاومة ، جسدكِ مجهد بالكامل ، تحتاجين للاستحمام الآن .
لم تكف وظلت تقاوم بضعف أمام قوته لينجح في تحريرها أسفل رذاذ المياه العلوي وفتحه لتنسدل عليها المياه وتغمرهما سوياً .
شهقت بفعل برودة المياه وكادت أن تسقط نسبةً لضعفها ولكنه أحاطها وبات يحتضنها ، يثبتها بذراعيه التى التفت حول معدتها .
وقفت وقد عاد الوعي لها لتشعر به خلفها يحاوطها ، ولكن شعوراً بالنفور يراودها وليتها تستطيع المقاومة ، جسدها مخدرٌ بالكامل ومستسلمة لقيوده حولها ، نعم قيوداً وليس عناقاً كالسابق ، لم يعد كل شيء كالسابق .
وربما ذلك شعورها ولكن شعوره مختلف ، هو بحاجة إلى هذا العناق الآن ، داخله يعود طفلاً صغيراً كلما لمسها ، كلما كانت بين يديه ، تجعله يتجرد من قسوته وظلمته ويعود صغيراً بحاجتها .
بدأت دموعها تذرف وهى تحاول وتسعى للتملص منه ليستفيق ويحررها ، وقف يستجمع ثباته ثم قال وهو يغلق المياه دون النظر إليها حتى لا ترى حنينه :
– لا تتحركي .
أسرع للخارج يسيطر على مشاعره ويبدل ثيابه سريعاً بثياب جاء بها ماركو ثم انتقى لها ما رآه مناسباً وعاد إليها فوجدها قد تحركت للخارج وجلست على طرف الفراش مبتلة .
ناولها الثياب فأردفت بوهن وهي ترتعش :
– اخرج الآن .
نظر لها قليلاً ثم قال قبل أن يتحرك للخارج :
– حسناً يا زوجتي .
قالها ليؤكد لها أن كل ما فيها عائداً إليه ، تركها ليجلس خارجاً ويجد نفسه يراقبها من خلال حاسوبه ، اشتاق لتفاصيلها ، اشتاق لخصلاتها ، اشتاق لامتلاكها ، واشتاق لتقبيل كل إنشٍ فيها .
انتهت من تبديل ثيابها ثم التقطت الأخرى المبتلة ونزعت الملاءة واتجهت تضعهما في الحمام لتعود وتتمدد على الفراش مجدداً .
أما هو فانتظر إلى أن جاء الحارس بطلبه ثم دلف يتجه إليها ويردف آمراً :
– أعطيني يدكِ .
كانت واعية ولكن جسدها مرهق لذلك قالت برفض :
– ابتعد عني ، أكره لمساتك .
ابتسم قائلاً ببرود ليستفزها :
– لم يكن هذا رأيكِ منذ يومين .
لم ترد عليه ، ولكن تذكرت ما عاشته معه منذ يومين ، ليتها ظلت هناك ، ليت الموت التهمها قبل معرفة حقيقته .
جلس يتناول يـ.دها اليمنى ويبدأ بالبحث عن وريد ، وجده بصعوبة ليبدأ بإدخال الإبرة المعذية به بطريقة حانية مخصصة لها ، ثم قام بتعليق الجلوكوز في الأعلى عن طريق أحد المسامير لإحدى اللوحات التي انتزعها يلقيها بإهمال أرضاً .
ثبته في وريدها حيث بدأ يأخذ مجراه في جسدها بينما هو وقف قائلاً ببرود :
– لينتهي هذا وستأكلين .
تحرك يجلس على المقعد أمامها ليثبت أنظاره عليها خوفاً من احتمالية نزعها لهذا المغذي الوريدي ، أما هي فعادت لتنام مجدداً .
❈-❈-❈
في وقتٍ لاحق
انتهى المحلول وتحسنت حالتها قليلاً لذا فهي وقفت تصلي مجدداً بينما رفضت تناول الطعام تماماً ، وكيف تأكل وهى في تلك الحالة ؟ ، ربما تعمدت الإضراب عن الطعام لتصل لغاية تريدها ، غاية عزمت الأمر على فعلها بعد أن استجمعت أفكارها ورتبتها بشكلٍ دوماً عُرفت به .
كان هو في الخارج يتحدث مع ماركو عبر الهاتف حيث تساءل ماركو بترقب :
– هذا يعني أنك لن تكون موجوداً عند استلام الشحنة ؟.
عاد إليه شروده ، للحظة تذكر كلمتها عندما سألته هل لا يخشى الله ؟ ، لذا فهو الآن يفكر ، ليلاحظ ماركو صمته فيعاود السؤال قائلاً :
– هل تسمعني صقر ؟ ، أسألك عن الشحنة يا رجل ، اسمع أعلم أنك غاضباً جداً من ميشيل ولكن لا تكن أحمقاً ، أي ردة فعلٍ ستأخذها الآن ستعرضك للهلاك ، دعنا نفكر جيداً في خطة مناسبة نقضي بها عليه دون أن يمسنا سوء ، تصرف كما عهدتك يا صديقي .
انتبه إلى حديث ماركو ، نعم هو محق ، الآن كل الطرق التي سيسلكها ستعرض حياتها للخطر ، كيف له أن يخرج من تلك الحلقة التي باتت تقترب منه بل تخنقه ، تحدث أخيراً بنبرة غير مألوفة تلك المرة قائلاً :
– حسناً تولى أنت أمرها ماركو ، سأعود حينما أحل مسألتي .
أومأ ماركو ثم تحدث بترقب :
– وماذا سنفعل ما هذا الفتى ، مؤكد ستسأل عنه والدة زوجتك .
تذكر أمر عُمر لذا أجاب بثبات :
– دعه يتحدث إليها ، ولكن كن حذراً ، ليخبرها بسببٍ مقنعٍ يبرر غيابه إلى أن أعود .
تحدث ماركو بثبات وثقة :
– حسناً لا تقلق ، والآن أخبرني ماذا فعلت معها .
تحدث بنبرة غاضبة من سؤال ماركو خاصة نعته لها بكلمة ( معها ) :
– ليس من شأنك .
أغلق معه ليقف ويعود إليها مجدداً وقد وجد الطعام كما هو بينما هي تجلس القرفصاء على الفراش ، زفر مطولاً من عنادها الذي يوازي عناده .
اتجه يجلس أمامها ويضع ساقاً فوق الأخرى قائلاً بثبات ليحقق لها ما تريد حيث يعلم مبتغاها :
– حسناً ، لنتحدث إذاً .
وهذا ما تريده حقاً وتنتظره لذا رفعت أنظارها إليه لتسأل سؤالها الأول بثباتٍ مماثلٍ له :
– لمَ أنا ؟
( لأنكِ الوحيدة القادرة على إضافة النور إلى حياتي ) .
قالها داخل نفسه بينما نطق لسانه بهدوء :
– يفترض أن تمتلكي أنتِ إجابة هذا السؤال ، لتبحثي عن مميزاتكِ .
ابتسمت ساخرة لتعاود طرح سؤالها بطريقةٍ أخرى :
– لمَ خنتني ؟
تحدث بما فهمه من سؤالها :
– يمكنني أن أتصف بكل ما هو سيء عدا الخيانة ، فصداقتي عهد ، وحبي ميثاق غليظ ، لذا أنا لم أخنكِ أبداً ، ولن أخون .
هزت رأسها تردف بثقة وتوضح مقصدها :
– أنت لم تحبني قط ، أنت فقط أردتَ امتلاكي ، رغبتَ في السيطرة علي ، أعجبتَ وخططتَ ونفذتَ لتوقع بقلبي وتتلاعب بمشاعري ، أنت خنت ثقتي بك ، خنت عقد زواجنا ، خنت أمانة الله لك ، لذا لمَ أنا ؟ ، لمْ أجد بي ما يناسبك ، أبحث عن شيء داخـ.لي يلائم شخصيتك ولكني لا أجد .
أومأ يردف بثبات مؤكداً :
– وهذا تماماً السبب ، اختلافكِ التام عني ، حالتكِ الشاذة التي لم أرَها طوال حياتي .
زفر يتابع بصدق وعينه منكبة عليها :
– انتشالكِ لشقيقتكِ ذلك اليوم تلاعب بعقلي ، بأفكاري ، بالإضافة إلى هيأتكِ وجرأتكِ مع ذلك الشاب ، كما تعلمين أنا رجل عصابات من الطراز الأول ومحيطي كله متدني ، لذا فكنتِ أنتِ النجمة العالية في عالمي .
استمعت له بتركيز ، الآن تحاول فهم شخصيته ، تتلاعب بحيل علم النفس التى تعلمتها لتستدرجه وترى دواخـ.له بعد أن رفع الستار عن حقيقته ، الآن يعد متعرياً أمامها لتقرر إن كانت ستنجح مع تلك الحالة وتستطيع أن تنجو بها أم لا لذا تحدثت قائلة كأنها معالجة نفسية تستمع إلى زائرها :
– ولم أخفيتَ عني حقيقتك من البداية ؟ ، أولم تتباهى بأنك رجل عصابات من الطراز الأول ؟.
هذا السؤال الذي لا يعلم إجابته ، ولكن ربما لأنها لن تقبل به حينها ، ولكنه كان قادراً على إجبارها بكل الطرق ، لمَ اختار تلك الطريقة الصعبة وهي التخفي ، تحدثت بالقليل من الحيرة :
– هذا يؤكد تميزكِ .
نظرت له بتعمق ، ترى أمامها حالةً تعاني من اضطراب أو ربما انفصام لا تستطيع التحديد بالضبط فهي ليست معالجة حقيقية ، ولكن سؤالاً يتردد داخـ.لها ، هل يعشق رجلاً مثله ؟ ، وإن كان الجواب لا فما تفسير كل أفعاله أفعاله معها ؟
تساءلت سؤالا يفترض أن لا تسأله الآن ولكن ربما خانتها مشاعرها لطرحه قائلة :
– هل أحببتني حقاً ، أم أن هذا كان جزءاً من خطة تملكك لشيءٍ مميز ؟
دقق في عينيها ، نظرات شعاعية ثابتة ، ليقول بثقة وتأكيد وصدق متناهي :
– أحببتكِ بكل أنواع الحب ، أحببتكِ حباً غير مشروطاً ففضلت سعادتكِ على نفسي ، وأحببتكِ حباً رومانسياً ففقدتُ سيطرتي حين لمستكِ ، وأحببتكِ حباً عاطفياً فبات الحنين إليكِ يتملكني وتبددت قسوتي معكِ ، وأحببتكِ حباً جسدياً فبات جسدكِ هو ملجأي ، وأحببتكِ حباً متملكاً فبات وجودكِ معي هو أوكسجيني . ( بقلم آية العربي )
– إذا فلتثبت لي حبك .
قالتها مسرعة قبل أن تتأثر باعترافه هذا ، أو ربما قالتها لتهرب من تأثرها بحديثه الذي إن قاله لها في وقتٍ سابقٍ لركضت الآن وقبلته وارتمت في أحضانه واختبأت في صدره ، نعم فكل ما يخبرها به هي عاشته معه ، هو صادقاً في هذا ، لذا فهي تبكي ولكن بدلاً من أن تسقط دموعها أمامه تسقط داخلها في حرارة عالية لتنسحب متخذة معها أجزاءً من روحها .
تحدث وعينه عليها يتابع ملامحها :
لتجيبه بثبات وثقة وشموخ ظاهري :
– وقتها إما انفصالنا أو موتي ، لا يمكن وضع احتمالية البقاء معك إلا إذا أثبت حبك لي ، ولن يثنيني مخلوقاً عن قراري .
ليتغاضى عن ذكرها مجدداً للانفصال ولكن يلاحظ جيداً ثباتها ونبرتها الصارمة ، وهل هو قادرٌ على تحديها ؟ ، نعم قادر ولكن آخر ما يريده هو كرهها له ، لذا تساءل بتأهب :
– ماذا تريدين ؟
reaction:

تعليقات