رواية ثري العشق والقسوة كاملة بقلم آية العربي عبر مدونة كوكب الروايات
رواية ثري العشق والقسوة الفصل الثامن عشر 18
هي
شفافة كمياه بُحيّرة راقية
ودافئة كشمسٍ استراحت على تلك البحيرة
ورقيقة كزهورٍ زينت الضفاف من حولها
ورائعة كرسمةً في لوحةٍ إحتوت كل هذا
هو
غموضه مثل قاع المحيط الهادي
وغيرته مثل بركان فيزوف النشط
وغضبه كأمواج توسنامي المدمرة
وعشقه كليالي باريس الساحرة
❈-❈-❈
ليلاً تنام بين ذراعيه وهو مستنداً على سريرهما يعانقها ويطالعها وعقله يقذفه بالأفكار .
كلما دخل معها في تلك المشاعر زاد عشقه وتعلقه بها وزاد معهما خوفه ، لقد أخذها في رحلةٍ بعيدةٍ عن الأعين والعقول وأغلق هواتفهما وأخفاها كي يترك العالم معها ولكن العالم لا يتركه .
كان عليه ترك عقله قبل أن يغرق معها في العشق ، عقله الذي يأخذه إلى ظلامه .
انحصرت أفكاره بين لحظة اكتشاف حقيقته وبين ما عليه فعله حينها ، هو لا يفضل أبداً أبداً إظهار قسوته لها .
عليه أن يضع عندها رصيداً مضاعفاً من الحب ، ما زال أمامه وقتاً طويلاً حتى تدمن وجوده وتتقبل عيوبه وندوبه .
مر على عقله احتمالية مصارحتها بالحقيقية ولكن برغم قوته وقدرته على أصعب المهام إلا أنه غير قادرٍ على مصارحتها الآن ، لن يحتمل نظرة صدمة من عينيها تجاهه ، لن يحتمل أبداً لذا فكلما ظن أن الوقت يسعفه اكتشف أنه يهيج جروحه أكثر ، كلما ظن أنه رتب خطواته اكتشف أنه يخطو فوق مسارٍ ملتوٍ يقوده لحافة الهاوية .
وجد جسده وعضلاته تشتد لذا سحب نفسه بهدوء من بينها حتى لا تصحو .
تحرك يترجل ويرتدي سرواله ثم خطى للخارج بعد أن ألقى نظره أخيرة عليها .
يخطو باتجاه الجزء المسطح من اليخت ووقف عند السياج ينظر للمياة الساكنة يخبرها بمعاناته وتزاحم الأصوات داخله .
وكأنها تناديه ليلبي ندائها ويتجه للجزء المفتوح ويقرر القفز داخلها فهي دوماً التي ترحب به دون ملل أو ازدراء وتتقبله بجميع حالاته .
ظل يسبح لوقتٍ كافٍ كي يسكن عقله ويقرر الصعود لها فبات لا يحتمل الإبتعاد عنها سوى دقائق معدودة .
صعد إلى اليخت وتحرك يخطو تجاه الداخل حتى وصل للدرج وصعد للطابق التالى حيث الغرف .
تحرك صوب غرفتهما ودلف فوجدها ما زالت نائمة يبدو أن هجومه الممتع يحتوي على نوعٍ من المخدر .
إبتسم بانتشاء وتحرك يحضر سروالاً غير الذي ابتل ثم دلف الحمام ليغتسل ويبدل ثيابه سريعاً .
عاد إليها بعد دقائق وتمدد يلتصق بها ويسحبها بين ذراعيه فتماطأت بخمول ونظرت له بنصف عين ثم ابتسمت ودفنت وجهها في عنقه وعانقته قائلة بنعاس :
– كنت فين ؟
إذاً شعرت بعدم وجوده ، وهو الذي ظنها تنام بعمق ، زاد من عناقه يردف بحب وحنان :
– ها أنا هنا ، لم أعد أقوى على الإبتعاد عنكِ .
رفعت رأسها قليلاً حتى قابلت وجهه واقتربت تقبل طرفي شفتيه قبلة ناعمة ومتمهلة تشكره بها على جملته ومشاعره وكادت تبتعد ولكنه منعها وأسرع يلتهم شفتيها في قبلة عميقة متعطشة يبث بها عشقه لها الذي يكبر يوماً بعد يوم .
❈-❈-❈
في القاهرة
تجلس آسيا شاردة في أمر عمر ومايا لتقرر الصعود إلى إبنتها والتحدث معها .
صعدت وطرقت باب غرفة مايا حيث كانت تجلس ترسمه مجدداً وترسم عينيه حينما نظر لها عبر المرآة اليوم .
انتبهت للطارق وعلمت أنها آسيا لذا وقفت تخفي لوحتها بهذا الغطاء ثم اتجهت صوب الباب وفتحته تطالع والدتها بترقب فقالت آسيا :
– مايا ، ممكن نتكلم شوية ؟
نظرت لها بعمق ثم أومأت وابتعدت عن الباب تسمح لها بالمرور .
دلفت آسيا واتجهت تجلس على طرف الفراش واتجهت مايا تجلس أمامها على المقعد المجاور متسائلة :
– خير يا مامي ؟
تنفست آسيا بعمق وهي تنظر لعين إبنتها نظرة مستكشفة وقالت :
– مايا هو إنتِ في حد في حياتك ؟
تفاجأت مايا من سؤالها الغير متوقع وتعالت وتيرة أنفاسها بينما حاولت الهروب بعينيها من فحص والدتها قائلة وهي تنظر للبعيد :
– لاء يا مامي مافيش حد ، ليه قلتِ كدة ؟
تنفست آسيا وعلمت من ملامح صغيرتها أنها تراوغ لذا مدت يدها تلف وجهها إليها وتحدثت بنبرة حنونة تبث بها الطمأنينة :
– بس أنا حاسة إن فيه يا مايا ونفسي تحكيلي وتعتبريني صاحبتك ، وعلى فكرة أنا مش هزعل خالص ولا هتعصب بس حابة أعرف بنوتي الجميلة الشقية كبرت وبتحب ولا لاء ؟
عادت تنظر لعيناها بتعمق ، أتخبرها بما تشعر به تجاه عمر ؟ ، أتخبرها بحزنها منه ورفضه لها وقوة حبها الذي يكبر يوماً بعد يوم ؟
عادت آسيا تردف لتؤكد لها صدق نيتها :
– قولي يا حبيبتي وأنا هسمعك ؟
زفرت مايا بقوة ثم بدأت تومئ وقد التمعت عينيها لذا تنفست آسيا مطولاً وابتلعت لعابها وتساءلت بترقب وهى تظهر الفرحة على ملامحها :
– طيب كويس جداً ، كنت هزعل لو خبيتي عني ، لأني حسيت بدة ، بس احكيلي بقى مين ده اللي قدر ياخد قلب مايا العنيدة ويخلي عيونها تلمع كدة ؟
نظرت لوالدتها نظرة متوترة ولأول مرة تشعر بحاجتها للفصح عن ما يعتلي داخلها ، هي كانت بحاجة لشخصٍ يسمعها وربما انشغلت ناردين بزواجها خلال الفترة الماضية وآسيا بعيدة نسبياً عنها لذا فحبها الصامت هذا يعذبها ، ولكن يبدو أن آسيا رتبت أفكارها بعد زفاف إبنتها الكبرى وأتت لتصحح أخطائها مع صغيرتها .
وقفت مايا بتوتر وصمت إلى الآن لم تتحدث ثم تحركت تخطو تجاه تلك اللوحة التى أخفتها ووقفت عندها وآسيا تتبعها بنظراتها متسائلة .
تنفست مايا بقوة ومدت يدها تزيح الستار عن تلك اللوحة لتظهر ملامح وعيني عمر التى كانت تتوقعه تماماً .
وبرغم توقعها له إلا أنها تفاجأت وظلت عينيها معلقة على تلك الرسمة التي تحتوي على عيناه ومقدمة أنفه وجبينه بطريقة تؤكد لها أن إبنتها تعشقه فحتى لمعة عينيه متقنة .
وقفت آسيا تتبع إبنتها وعينيها على الرسمة حتى وصلت إليها فنظرت لها قائلة :
– عمر ؟ ، بتحبي عمر ؟
أومأت مايا تبتلع لعابها بتوتر ثم تحدثت أخيراً وقد ملأت الدموع عينيها :
– بحبه أوي يا مامي ، بحبه أكتر من أي حاجة .
ضعفت أمام دموع صغيرتها فأسرعت تعانقها وتربت على ظهرها ، هذا ما كانت تتوقعه تماماً ولكن لم تتوقع أن إبنتها العنيدة والمتمردة تحب لتلك الدرجة ، وعمر ؟
نعم عمر يعد الأخ الروحي لنارة ، شابٌ خلوقٌ ومسالم ولديه من القيم ما تجعلها تفتخر به ، وأما عن أصله فلن تحكم عليه خصوصاً وأنها أمٍ لطفلة متبناه .
نعم عمر يمتلك ما يجعلها تسعد بحب إبنتها به ولكن حينها سينكشف ما جاهدت لإخفاؤه .
لذا ابتعدت عن إبنتها قليلاً تنظر لعينيها ثم حاولت تجفيف الدموع بسبابتيها وتحدثت :
– من غير عياط تعالي نقعد واحكيلي .
سحبتها من كفها واتجهتا تجلسان على الفراش ثم تمسكت بكفها بين راحتيها واستمعت لإبنتها وهي تردف باعتراف لأول مرة تفصح عنه :
– من أول ما شفته يا مامي وأنا أعجبت به ، بس بعدها لقيتني بحبه وبحب أشوفه وبحب أتكلم معاه ، حتى كلامه بقيت أسمعه وأنفذه ووافقت أنه يوصلني كل يوم مع إن كان نفسي أروح الجامعة لوحدي ، بس .
ضيقت آسيا عينيها بترقب فتابعت مايا وهي تبكي بحزن وقلبٍ حزين متألم :
– بس هو مش بيحبني يا مامي ، قلت له إني بحبه بس قالي مينفعش ، قالي إنى لسة صغيرة ومش بفكر صح وإني أمانة ومش هينفع أبداً اللى بفكر فيه علشان كدة رجع بيته تاني .
الآن فهمت آسيا سبب رحيل عمر وزاد احترامها له برغم حزنها على حال إبنتها ، تحدثت برتابة قائلة :
– طيب مش يمكن هو شايف إنك لسة صغيرة فعلاً ومش قادرة تحددي مشاعرك ؟ ، متنسيش إن عمر أكبر منك بكتير يا مايا ، مش يمكن إنتِ مفسرة مشاعرك غلط ؟
تملكها الغضب وكادت تندفع لولا تذكرها بحديثه عندما أخبرها أن عليها أن تشرح ما داخلها بهدوء حتى يتقبلها الطرف الآخر ويستمع لها لذا تنفست بقوة وتحلت بالهدوء قليلاً قائلة بصدق :
– لاء يا مامي أنا بحبه ، تعرفي ليه ؟
تساءلت آسيا بحنو وهي تلاحظ التغيير الإيجابي في شخصية إبنتها وتملس بيدها على خصلاتها بحنو :
– ليه ؟
تحدثت مايا بحب وشرود ونبرة بدت متألمة تستفيض مشاعرها :
– لإنو زعلني جداً قبل فرح نارو وقالي إني بحاول ألفت نظره ليا ، بس برغم كدة كل لما بشوفه قلبي بيفرح وبلاقي عيني مش بتشوف حاجة تانية حواليه ، بحب اسمع صوته وكلامه ، بحة صوته وهو بينادي على عمو صادق الحارس ونظرته وضحكته ، شكله وهو بيسوق العربية ، وعيونه وهو بيبصلي وأنا خارجة من الجامعة ، قمصانه الفاتحة اللي بيلبسها ونادراً لما يلبس لون غامق ، شعره اللي بيسرحه دايماً لورا ، شكله لما بيتعصب وشكله لما بيبقى زعلان .
تنفست بعمق وراحة قليلاً فهي لأول مرة تشارك أحدهم هذا الحديث لذا تابعت بحالمية وعيون تملأها الحب :
– مش بحبه يضحك مع بنت تانية ، ومش بحبه يتكلم مع حد غيري ، بحس إني مخنوقة وعايزة أعيط لو أهملني ، ولما مشي ورجع بيته كنت حاسة إن روحي بتنسحب لأني مش هشوفه كل يوم بليل ولا هتكلم معاه .
راودها الضيق وهي تتحدث عن مشاعرها السلبية في بعده فأسرعت آسيا تحتضن رأسها وتعانقها ، تشعر بالندم تجاهها فهي الآن أدركت أنها أهملتها كثيراً وتركتها بمفردها تصارع وحش مشاعرها .
مالت تقبل جبيتها مرددة :
– أنا أسفة يا مايا ، أسفة يا حبيبتي ، إهدي وبلاش عياط ، إنتِ فعلاً بتحبيه أوي .
ابتعدت قليلاً تنظر لها بعيون لامعة وتردف :
– أوي يا مامي ، بس هو مش حاسس بيا ، كل شوية بيجرحني بكلامه .
زفرت مطولاً ثم عادت تحتويها وتفكر ، كيف يمكنها حل تلك المسألة دون أن تظهر حقيقة عمر ؟ ،، كيف يمكنها إسعاد صغيرتها دون أن تجرح قلب كبيرتها الغالية وتذكرها بما طوته السنين ؟
لم يكن أمامها خياراً سوى أن تتحدث معه .
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحاً على متن اليخت .
وداخل حوض الجاكوزي .
يجلسان سوياً داخله ، ظهره منفرجاً على حافته ويداه تحتضنها حيث تتوسطه مرتخيةً تماماً تضع رأسها على صدره مستمتعة بهذه الدغدغات من المياة والروائح العطرة التى تفوح من حولهما والرغاوي التى تغطيهما كثوبٍ صمم من قطعة سحاب .
أنساها أموراً خفية داخلها ، حزناً دفيناً لازمها منذ طفولتها وظل معها إلى أن كبرت ، حقيقة تربيتها في دار أيتام ، تلك الحقيقة التى تخفى عن الجميع إدراكها لها حتى هو وهذا يؤرقها ويشعرها بالذنب والندم ولكنها ليست قادرة على التفوه بها ، لم تعد قادرة على نطق أنها ليست ابنة شفيق وآسيا .
جاء هو ليزيح عبء الماضي من على عقلها ويغمرها بالسعادة وثراء العشق ، تخيلت أن يحبها ويعوضها فقدان أبيها ولكن لم تتخيل ما فعله إلى الآن ، لتعيش معه أجواء لم تقرأها في رواياتٍ قط ، أجواء تستحق أن يكن لها كتاباً خاصاً بها لا يقرأه سواهما .
رفع يده يتحسس ذراعيها ثم تحدث بهدوء واسترخاء وعينيه مغمضتان يشعر بالكمال :
– أود لو لم نعُد أبداً .
كان يود هذا حقاً ، ود لو حذف الماضي وبدأ الحاضر معها فقط ليكمل المستقبل دون ظلام ، ود لو وُلد معها وشب معها وشاب معها .
تحدثت باسترخاء مماثل ومرح :
– لنأتي كل عام فاليخت ملكاً لنا .
تمتم على حديثها ليتابع بشرود متناسياً كأنه يتحدث مع ذاته :
– كنت في عمر السابعة وكنت أحب المياه كثيراً واتمدد في حوض الإستحمام لساعات إلى أن تغضب أمي مني ، وأحياناً كنت أمرض ولكني لا أبالي .
تحدثت بترقب وسعادة فها هو يتحدث معها عن طفولته :
– يبدو أنك كنت مشاغباً .
تحدث بفخر :
– كثيراً .
تحدثت بمرح وترقب :
– أوه ، أخشى أن يرِث أطفالي منك تلك الصفة .
تجمد جسده فجأة من بعد الإسترخاء فشعرت به متعجبة ، تساءلت وهي لم تلتقي بعينه وهذا من حسن حظها :
– صقر !، حصل حاجة ؟
لتتفاجأ به يقف بعد ثواني ويلتقط منشفته يلفها حول خصره ويغادر الحمام تاركاً إياها تنظر لأثره بتعجب ،، أأخطأت أم ماذا ؟ ،، ماذا حدث ؟
ولكنها لا تعلم أنها ضغطت على ندوبٍ ظنها ليست موجودة ، عن أي أطفال تتحدث ، أطفال تعني نور وهو حياته تُعرف بالظلام ، كيف يسعد لإنجاب طفلٍ سيكون هو والده ؟ ، هذا الأمر منافي تماماً لما هو عليه ولكنها بالطبع لا تعلم .
لذلك خرج يتجه لغرفة الملابس يلتقط منها سروالاً ليرتديه ويتناول علبة سجائره وقداحته ويصعد للأعلى فوراً قبل أن تخرج وترى حالته تلك .
صُدمت من تغييره في الحال وجلست داخل الحوض متعجبة تستعيد الحديث علها تجد ما ضايقه ولكن لا ، فحديثهما كان مثالياً .
بعد دقائق خرجت تلف حول جسدها منشفة بينما خصلاتها تقطر المياه على أرضية الغرفة .
جالت بأعينها فلم تجده ،، يبدو أنه أبدل ثيابه وصعد للأعلى .
زفرت مطولاً واتجهت لغرفة الملابس .
انتقت فستاناً قصيراً بعض الشئ يعطيها شكلاً طفولياً وأنثوياً معاً .
ارتدته ثم تحركت حيث مرآة الزينة التي يوجد بها كل ما يمكن أن تحتاجه .
وقفت أمامها لتأخذ مجفف الشعر وتبدأ في تجفيف خصلاتها بشرود ، تفكر في سبب انزعاجه ، ولمَ غادر فجأةً هكذا بعدما كان يستمتعان سوياً ؟ .
لم تنتبه لذلك الذي دلف الغرفة ينظر لها وهي تواليه ظهرها وتجفف خصلاتها في هذا الفستان الرائع والملائم لمنحنياتها .
زفر مطولاً ليتجه إليها بعد أن هدأ بفعل تأمله في مياة الجزيرة الراقية وأدرك فداحة ما يفعله بحقها ، عليه أن يعدل مسار تصرفاته معها حتى لا تكتشف أمره فهو يعلم مدى ذكائها .
أخذ من يدها المجفف ليقوم هو بتلك المهمة .
انتبهت له فتركت له الأمر تنظر لعينه التى انكبت على خصلاتها من خلال المرآة وهو يقوم بتجفيف شعرها بتركيز .
ملامحه تبدو باردة وعينه كأنه يتعمد عدم النظر لها ولگن هي لم تعتد تجاهل الأمور ودائماً تجد أن بالتحدث تصل إلى أرضٍ صلبة وتنهي حيرتها لذلك تساءلت وهي تنظر في عينه من خلال المرآة :
– ما سبب انزعاجك صقر ؟.
تحدث بثبات ظاهري وعينه منكبة على خصلاتها فهو ما زال يواجه غضبه ويتحكم به قائلاً :
– لا شيئ .
تعجبت من جموده ومن تبدل حالته المزاجية في لحظات واستشف هو تعجبها فتحدث لينهي حيرتها قائلاً بتعمق واعجاب :
– خصلاتكِ تلك ستكون سبب هلاكي يوماً ما .
استفزها بروده لذلك أسرعت تلتفت لتواجهه وترد باندفاع جديد عليها قائلة :
– حسناً سأقصها .
فجأة اسودت نظرته ليقول بغموض وقسوة ظهرت فجأة :
– حينها سأقتلكِ .
صُدمت من إيجابته التى سقطت عليها كحجرٍ من السماء ولم تستطع النطق لثواني ، فقط تنظر له بصدمة لذا أسرع يغير دفته ويبدل ملامحه بأخرى ضاحكة ليحتوي وجهها بكفيه قائلاً بترقب :
– كانت مزحة سيئة .
زفر مطولاً يتابع بعدما أدرك خوفها وصدمتها منه ليتدارك سريعاً موقفه قائلاً :
– حسناً لأخبركِ أمراً ، دعينا لا نتحدث عن ماضي أو مستقبل ، فقط نعيش أنا وأنتِ حاضرنا هذا بكل حب ، يبدو أنني أخطأت حينما ذكرت طفولتي ، لذا فأنا المذنب هنا ، فقط لنستمتع بالحاضر ونترك الباقي لوقته .
تساءلت ما خطر على عقلها فوراً :
– لم صقر ؟ ،، لم لا نحلُم ونتأمل ؟ ،، فقد دعنا نثق في الله بأن القادم خير ، هل يوجد ماضي يؤلمك ؟ ،، أم إنك تخشى المستقبل؟ ، أرجوك لا تخفي شئ فقط أخبرني ؟ .
أغمض عينيه لثواني ثم عاد ينظر إليها قائلاً بثبات ظاهري وألم دفين :
– اسمعي ناردين ، فقدتُ والدي في سن الطفولة ، وفقدتُ والدتي في أكثر مراحلي العمرية حتياجاً لها ، ولدي أخ لا أعلم عنه شيئاً ، وكبرت وسط عائلة عملية لا تعترف بالمشاعر ، لهذا أنا لا أريد سوى الحاضر ، فلتعيشيه معي ، أنا أريدكِ أن تنسيني الماضي وتبعدي عن عقلي المستقبل ، هذا فقط ما أريده .
نظرت لعينه بعمق ، فهمت أنه يعانى من ذكريات مؤلمة ، ويعانى من خوفٍ مجهول ، هو بحاجة ماسة للمساعدة ، كطفلٍ صغير يحتاج من يأخذ بيده إلى النور ، الأمر صعب بالنسبة لها وهي التى تعيش على الأمل دائماً وداخلها روحٍ مفعمة بالحياة والتفاؤل ، ولكن إن كانت تحبه بصدق فلتذهب معه إلى تلك النقطة التى يريدها ، لترى هل يمكنها انتشاله من عالمه هذا لعالمها المزدهر ؟ .
القت بجسدها في حضنه لتبث فيه الطمأنينة وليبادلها على الفور وكأنه كان بحاجةٍ ماسةٍ لهذا العناق ، كان يحتاج لسحب طاقتها الايجابية إلى داخل جسده الممتلئ بالندوب ، يبادلها ويدفن رأسه بين خصلاتها ليتناسى عالمه قليلاً .
ظلا لدقائق على حالهما ثم ابتعد عنها ينظر لها بحب قائلاً :
– هيا لنحضر وجبتنا .
أومأت له وسحبها معه للأعلى بعد أن طمأنته بحديثها وظن أن القادم يمكن أن يكون مماثلاً .
دخلا المطبخ وبدأ في فرز مكونات الثلاجة قائلاً :
– أتفضلين لحوماً أم أسماكاً ؟
التزمت التفكير لثواني ثم قالت بابتسامة ناعمة :
– حسناً فلتكن لحوماً .
نظر لها بترقب متسائلاً :
– ألا تحبين الأسماك .
ضحكت فها هو لا يعلم عنها أمراً وتحدثت بهدوء :
– بالطبع أحبها ولكنني أفضلها طازجة وليست مجمدة .
أشار بيده من النافذة قائلة بتسلية وهو يرفع حاجبيه :
– حسناً نحن الآن في استضافتها ، ولكن دعينا نتناول الآن اللحوم وغداً سأصطاد لكِ وجبةً طازجةً من الأسماكِ وأطهوها بنفسي .
طالعته بحب ثم تساءلت متناسية طلبه منذ قليل وهي تجهز أغراض الطبخ معه قائلة :
– أين تعلمت الطهي ؟ .
أدرك نسيانها للأمر لذا أجابها براحة وهو يحاول فك اللحم المجمد :
– تعلمت كل شئ يجعلني لا أعتمد على الأخرين ، والآن أخبريني كيف تفضلينه ؟ .
هو يعلم بالطبع ولكن يحاول أخذها بالحديث كما يريد فقالت وهي تغسل الخضروات بعناية :
– أفضلها مطهوة بشكلٍ كامل .
تحدث بحب وهو يطالعها :
– لكِ هذا
❈-❈-❈
في القاهرة
توقف عمر بسيارته أمام الجامعة وتنفس حيث ظل صامتاً طوال الطريق كما فعلت مايا التي جلست في الخلف وقررت تركه يوصلها ولكن لن تحادثه .
زفر وتحدث وهو يميل قليلاً برأسه :
– هتخلصي إمتى النهاردة ؟ ، بيتهيألي معندكيش محاضرات كتير .
نظرت له ولظهره بشرود لثواني ، تشعر بشئٍ ما لديه تجاهها ، رأت خوفه أمس وترى حنانه الذي يسعى ليخفيه ، عاد يكرر سؤاله وتلك المرة التفت كاملاً ليراها تطالعه بشرود ، تساءل بترقب وقلبه يعنفه :
– مايا ؟ ، بكلمك .
انتبهت له فابعدت عينيها وفتحت باب السيارة تردف وهي تترجل :
– زي كل يوم يا عمر .
أغلقت الباب واتجهت صوب الجامعة تاركة إياه يفكر ، قلبه تعلق بها ولكن عقله يلعنه ويعنفه ، كيف يحب من كُلف بحمايتها ، كيف أحب من هي متمردة ومتفتحة بعد أن كانت أمنيته الزواج من متدينة ملتزمة ، كيف وقع في حب تلك الصغيرة التى تصغره بعدة أعوام ، عليه دفن تلك المشاعر في الحال ، عليه فقط إكمال مهمته وليغلق قلبه هذا الذي يلكم يساره بعنف الآن رافضاً تلك الأفكار ناعتاً إياها بالسخيفة فسطوة الحب ليس لها حاكم .
زفر وقرر التحرك ليعود للڤيلا حيث طلبت منه آسيا صباحاً أن يوصل مايا ويعود إليها فهي تريد التحدث معه ، ولكن لمَ يا ترى ؟
بعد وقتٍ دلف الڤيلا وصف السيارة وترجل منها ، سأل الحارس عن آسيا فأخبره أنها تجلس في الحديقة الخلفية حيث المسبح .
تحرك يخطو صوبها فوجدها تحتسي قهوتها وتبدو تنتظره ، تحمحم فرأته وابتسمت تردف بهدوء :
– تعالى يا عمر .
اتجه يجلس أمامها باحترام ثم تحدث متسائلاً :
– خير يا آسيا هانم ؟ .
تحدثت آسيا بترقب ودون مراوغة :
– ممكن أسألك سؤال وتجاوبني عليه بصراحة ؟
شعر أنها ستقوده إلى ما يسعى ليدفنه لذا أومأ بتوتر فتابعت :
– ممكن تقولي مايا بالنسبالك إيه ؟
تعالت وتيرة أنفاسه وظهر التوتر على ملامحه ثم أجابها بسؤال بدى غير مفهوم :
– بالنسبالي إيه إزاي ؟
تنفست آسيا بقوة ثم تحدثت بجدية :
– أنا ملاحظة تغيير في علاقتكوا ببعض يا عمر ، مش زي الأول وحسيتك إمبارح بتتكلم معاها بخوف وحدة شوية ، حتى بنتي لاحظت تغيير طريقة كلامها ولبسها ودي حاجة كويسة بالنسبالي بس عايزة أفهم هي بالنسبالك إيه بالضبط ؟
ابتلع لعابه ويسعى ليظهر ثابتاً ولكن كفيه قابضان على طرفي المقعد كأنه يستمد منهما القوة ليتحدث :
– لو حضرتك فهمتي عتابي ليها إمبارح على إنه تحكم أو حدة فـ أنا آسف طبعاً بس أنا حاسس بالمسئولية ناحية مايا زي ما كنت بحس بيها ناحية نارة وعلشان كدة اتصرفت بدافع خوفي عليها .
شعرت بالإحباط والحزن على صغيرتها فيبدو لا يبادلها مشاعرها لذا عادت تتساءل :
– يعني بتتعامل معاها كإنها أختك زي نارة ؟ .
دقق في عينيها ، كان هذا أشبه بالطلب عن أنه سؤال ، كأنها تطلب منه أن يعترف بحبه ، ولكنه خالفها عندما نطق كاذباً وقلبه يريد الصراخ ولكنه يقيده قائلاً :
– بالضبط يا آسيا هانم .
زفر بيأس وأومأت تنظر له بإحباط قائلة بهدوء :
– تمام يا عمر ، بس ياريت متزعلش مايا ، مايا هشة وبتتأثر بسرعة ، غير نارة ، مايا ممكن ترد بكلام يزعل بس لإنها مش بتكون عارفة تهون على نفسها الزعل ، حاول على أد ما تقدر تتعامل معاها بحذر يا عمر ، واعتبره رجاء .
تعجب من طلبها وتحدث بترقب :
– آسيا هانم هي مايا قالت لك حاجة ؟
هزت رأسها تجيبه بسؤال مماثل :
– هو حصل حاجة ؟ ، إنت عارف إن مايا مش من النوع اللي بيشتكي .
أومأ لها وتحدث باطمئنان ظناً أن مايا لم تخبرها حقاً :
– متقلقيش يا آسيا هانم ، اليوم اللي ممكن أحس إني زعلت مايا فيه همشي تماماً ، وثقي إني حقيقي بتصرف معايا بكل حذر .
أومأت بهدوء وشردت تفكر في مشاعر إبنتها التي وقعت في حب هذا الذي يعتبره عمل ومسئولية ، نعم لقد رأت مسئوليته تجاه نارة مسبقاً لذا فهي تصدقه ، لم تلاحظ لمعة عينه ولا توتره الذي يؤكد حبه لصغيرتها ولكنه ينكره .
❈-❈-❈
في الرابعة مساءاً عند صقر وناردين .
يجلسان على سطح الطابق الثالث لليخت ، حيث المقاعد البحرية وحوض السباحة الأزرق .
كانت قد أبدلت فستانها المنقوش بآخر لونه أحمر بحمالاتٍ رفيعة يلتصق بجـ.سدها وفوقه قطعة بيضاء من القماش الدانتيل الشفاف تظهر ما تحتها .
أما هو فيرتدي شورت فقط ،، يتمددان على المقاعد المنفرجة وكلٍ منهما يضع نظارته الشمسية ويغلق عيناه ناظراً للأعلى .
تحاول الإسترخاء والتمتع بالطبيعة ولكن لا ، أتترك البحر نفسه ؟ ، ما أمامها ليس بحرٍ بل هي بركة سباحة صغيرة على متن يخت ، إذا كلها مناظر صناعية ناهيك عن الطبيعة التى تحتضنهما ، يبدو أنه دللها كثيراً حقاً .
أما هو فوقف ينزع نظارته ويحرك ضلعيه للأمام والخلف إستعداداً للقفز داخل الماء .
وبالفعل قفز يسبح كالدولفين بإحترافية بينما هي فتحت عينيها على صوت قفزته لتعتدل تتابعه بإعجاب وهو يذهب ويعود سابحاً بمهارة لعدة مرات .
عاد يستند على حافة المسبح قائلاً وهو يطالعها بخبث :
– ألا تودين تجربة المياة ؟
خلعت نظارتها قائلة بنعومة ودلال :
– أود كثيراً ، ولكن ليس في هذا المسبح بل في مياة الجزيرة .
تحدث وهو يقفز خارج المسبح ويتجه يجلس مجدداً بجوارها والمياة تتساقط من جـ.سده بغزارة :
– حسناً هي اذهبي وأبدلي ثوبك بآخر مناسب ، ستجدين في الأسفل ملابس سباحة جلبتها لكِ .
نظرت حولها للمكان ثم عادت بنظرها إليه قائلة :
– رأيتهم صقر ولگن لا يجوز ارتدائهم هنا ربما رآني أحدهم .
تحدث بغموض وثقة :
– لا يمكن لأحدٍ أن يمر حتى بالقرب من هنا كوني مطمئنة فالمكان هنا تم حجزه بالكامل لنا فقط .
نظرت له بتعجب ثم أردفت وهي تقف قائلة :
– يبدو أن ثروتك طائلة جداً ،، لكن مع ذلك لا أستطيع السباحة الآن بحرية ، لنتركها ليلاً .
تفاجأ بجرأتها لذلك تساءل :
– ليلا ؟ ،، ألا تخافين ؟
نظرت له باستنكار تردف بثقة أحياناً تنغزه :
– وأنت معي ؟ ، بالطبع لا ، أم أن هنا أسماك قرشٍ مفترسة ؟
ضحك عليها وهو يقترب منها حد الإلتصاق قائلاً بمكر وهو يقضم أذنها هامساً :
– لا يوجد هُنا مفترساً غيري .
مالت مرتعشة تبتسم بعدما أشعل حواسها فسحبها معه لمسكن سعادتهما ليعيشا معاً أوقات ستحفر في ذاكرتهما .
❈-❈-❈
في القاهرة في شقة عفاف .
تقف زينب تباشر الطهي بينما تجلس عفاف في الخارج مع ريما الصغيرة ، جاء سامح من عمله ليتناول طعام الغداء .
دلف يلقي السلام ويبحث بعينه عن زوجته فوجدها تقف في المطبخ لذا تحدث بحنو قائلاً :
– هغسل إيدي يا زينب وآجي أساعدك .
تحدثت عفاف مسرعة بغيرة :
– أنا كنت معاها يا سامح ولسة قاعدة أهو ، تعالى يا حبيبي ارتاح إنت طالع هبطان من شغلك .
تحدثت زينب بارهاق وحب :
– ارتاح إنت يا سامح أنا كويسة .
تحرك يغسل يده ثم عاد إليها متجاهلاً حديثهما وهو يطالعها مردفاً بهمس :
– قلتي لأمي ع الحمل يا زوزو ؟
هزت رأسها تردف بهدوء :
– أستنيتك لما تيجي ونقولها سوا .
أومأ وبدأ يأخذ منها الأطباق للخارج ويضعهم على السفرة تحت أنظار عفاف التى تتابع بصمت ولكن ينتابها شعور بالضيق تحاول التغلب عليه واقناع ذاتها بأن ما يحدث يعد مودة وحب بينهما .
تجمعوا حول المائدة وبدأوا في تناول الطعام فنظر سامح لزوجته بمغزى لاحظتها عفاف فتساءلت بترقب :
– في حاجة ولا إيه ؟
تحدث سامح بسعادة مفصحاً عن الخبر :
– هيجيلك حفيد جديد يا حجّة عفاف .
تفاجئت عفاف وسعدت بهذا الخبر كثيراً ثم نظرت لزينب وتحدثت بلوم :
– كدة يا زينب ومخبيا عني ؟
تحدثت زينب بتروي :
– لا أبداً يا طنط أنا مقولتش لأي حد لسة ، وقلت أستنى لما سامح يطلع ونقول لك سوا .
أومأت وابتسمت تردف بسعادة :
– ألف مبروك يا سامح ، يتربوا في عزك يا حبيبي ، وانتِ يا زينب ربنا يكملك على خير يا بنتي .
أردفت زينب بابتسامة ناعمة :
– أمين يارب .
نظرت عفاف لريما الصغيرة التى أخبرتها والدتها صباحاً بهذا الخبر الذي أسعدها ، تحدثت بحنو ودلال :
– هيجيلك أخ يا ريما ؟ ، بس بردو هتفضلي إنتِ قلب تيتة من جوة .
ابتسمت الصغيرة وتحدثت بسعادة :
– هسميه مهند يا تيتة .
أومأت لها عفاف بسعادة ثم نظرت لزينب قائلة :
– من هنا ورايح بقى يا زوزو تاخدي بالك من نفسك وأنا هبقى مسئولة عن ريما حبيبة تيتة .
تحدث سامح بحنو :
– كلنا مع بعض أهو يا ست الكل .
❈-❈-❈
أصبحت الساعة التاسعة مساءاً وإلى الآن هي نائمة بعد جولة عشقٍ عميقة ، أما هو فيجلس على جانبه مستنداً على مقدمة الفراش يجاورها ويتأملها ويمرر أصابعه على شعرها بصمت .
اليوم عندما تركها وصعد للأعلى لم يتوقف عقله عن حالتها وعن ما تشعر به ووجد نفسه يعود إليها ليراضيها بطريقته الحنونة التى لم يكن يعلم أنه يمتلكها ، لقد ظن أنه دفنها مع موت والدته ، لقد ظن أن القسوة باتت نظام حياته ، ولكن أتت هي لتخرج منه ربيعه المدفون ، يستعمل معها أسلوباً خاص لن يظهر لبشرٍ غيرها .
ربما إن علمت حقيقته تغضب أو تثور ولكنه سيمتص غضبها وثورانها بكل الحب ، نعم أصبح لديه علم بالطريقة التى تؤثر عليها ، هي عاطفية ويمكنه التحكم بتلك النقطة بكل حرفية ، ولكن لم ولن يسمح لها بالرحيل ، بعد كل ما وصلا إليه لن يكن لأيٍ منهما مخبأً آخراً غير بعضهما .
خرج من بحر أفكاره عندما أحس بتململها ، انحنى عليها يلتهم شفتيها مقبلاً إياهما بنهم فباتت تبادله بعدما انتبهت لقبلته وارتفعت يداها تتوق رقبته ورأسه باستمتاع .
ابتعد بهدوء يردف أمام شفتيها بترقب ومكر :
– هل تودين السباحة الآن ؟ ،، أصبحت الساعة التاسعة ليلاً ، أم أنكِ تفضلين النوم هنا مثلي ؟.
ابتسمت له وهي تحاول التسلل من بين يديه قائلة بتحشرج والنوم ما زال معلقاً في عينيها :
– لآخذ حماماً سريعاً ثم نسبح ولنترك النوم قليلاً أيها المنحرف .
ابتسم على هذا الإطراء وابتعد سامحاً لها أن تتوقف وتلتفت لجهة الحمام لتدلفه ولكن قبل أن تغلق بابه كان يتبعها للداخل بخطوات بطيئة وخبيثة وهي تضحك بنعومة عليه .
بعد وقتٍ نزلا للطابق الأول سويا وتحركا للخارج حيث الجزء المسطح الذي ينحدر منه مرسى داخل البحر تعلوه المياة وتختفي بفعل الفتحات التى صممت به .
وقفا على حافة هذا المنحدر ونظر لها كانت ترتدي ثوب سباحة عبارة عن قطعة واحدة وتخفيه بالروب الحريري وتغطى شعرها بغطاء بلاستيكي واقي .
تحدث وهو ينزع عنها الروب ويلقيه بعيداً :
– الآن سأنزل أنا أولاً لأرى حرارة المياة .
أومأت له بحماس والقليل من التوتر ولكن التطوق للتجربة يتحكم في توترها .
بالفعل قفز في المياة ليشعر بالبرودة قليلاً أو ربما بروده جسده المعهودة كان لها فضل في تقبله لها .
بدأ يسبح محركاً يديه ليتمدد على ظهره باستمتاع قائلاً أمامها :
– إنه حقاً شعوراً رائعاً .
تحمست للنزول بعد أن أغرتها المياة التى تحتضنه وبالفعل بدأت تنزل بهدوء ولكن بسبب المنحدر تزحلقت لتسقط كاملة وتصرخ بفعل برودة المياة التى فاجئتها .
ضحك عليها وهو يرفعها إليه قائلاً باستنكار :
– تمهلي ، لما الصراخ ؟ ، المياة رائعة .
حاولت التقاط أنفاسها وهي تتمسك بكتفيه ويده حول خصرها ثم قالت بدهشة من بروده :
– رائعة ؟ ،، إنها باردة جداً ،، ألم تشعر بذلك .
ابتسم عليها وقال بثبات :
– قليلاً فقط .
بعد ثواني بدأ جسدها يعتاد على حرارة المياة قليلاً ويد صقر لا تتركها فقالت بحب وهي تنظر في عينيه التى يلتمع بها العشق :
– أتعلم شيئاً ، دوماً تمنيت أن أعيش قصة حب ، دوماً أردت تجربة مشاعري مع شخصٍ يستحقها ، ولكن حقاً ما فعلته لي أكثر مما كنت أتمنى ، أنا أحبك صقر .
تعمق في عينيها الصادقة والتى ينهمر منهما الحب مثله ، قلبه ينبض بعنف قائلاً :
– وأنا أحبكِ ،، أحبكِ بالقدر الذي يمكنني فيه إبادة كل شئ من أجلكِ ،، أحبكِ بالقدر الذي يجعلنى طفلاً في ثوب رجلٍ يتجرد أمامكِ من كل حياته ليصبح معكِ كما كان يتمنى دوماً .
التمعت عينيها بحب وسعادة من كلماته وقابلتها بالصمت ولكنه رفع يمناه يتمسك بكفها ويقبل باطنه بنعومة وتمهل ثم شبكه في كفه قائلاً بترقب وغموض :
– هل تعديني بأن لا يفرق بيننا شيئاً مهما كان ؟ ،، لنتحدث ولنصل لنقطة تفاهم عند أي خلاف ولكن لا نترك بعضنا أبداً ، حسناً ؟
انتظاره لإيجابتها كانتظار طالب نجيب لنتيجته ، أما هي فانقبض قلبها من جملته تلك ، استشفت خلفها غموضاً وسراً يمكنه أن يدمر علاقتهما .
زفر بضيق يتابع ليغير دفة الحديث بعدما أدرك أن عواطفه بها تجعله يخطئ قائلاً :
– أعلم أنى أحيانا أبدو حاد الطباع وغالباً ما أعقد الأمور قليلاً وربما متقلب المزاج ، لذا أردتُ منكِ تعهداً بتقبل حالاتي .
تحدثت ويدها تستند على كتفه قائلة بصدق وهدوء لتبث فيه ثقتها به :
– لست بحاجة وعد مني ، أنا لن أتركك صقر ، أنا لن اتركك لأنك لن تخذلنى ولن تخونني أبداً .
هنا عقله ترجم كلمة خيانة لنوعٍ واحدٍ وهو خيانتها مع أنثى أخرى لذا زفر بارتياح وتحدث بثقة وثبات :
– لن يحدث أبداً .
ابتسمت له ثم حاولت تغيير مسار الحديث المثقل هذا قائلة بالمصرية وبترقب :
– ليه مش بتتكلم مصري ؟ ،، أنا بحب اللهجة المصري جداً على فكرة .
تحدث مثلها قائلاً بتمهل :
– معنديش مشكلة ، بس يمكن تعود ، خصوصاً إنك بتبادليني الإيطالي وأنا بحب اتكلم بيه .
أومأت تردف بهدوء :
– تمام يبقى نتكلم شوية مصري وشوية إيطالي .
نظر لها بحب قائلاً بثبات :
– كما تشائين .
ابتسمت عليه فيبدو أنه معتاد حقاً وأكملا سباحتهما التى لم تخلوا من بعض القبلات التى يتفنن هو في توزيعها .
❈-❈-❈
صباحاً
استيقظ صقر ونارة واتجها سوياً للأعلى يتناولان فطورهما ثم استعد صقر حيث سيصطاد لها سمكاً طازجاً كما وعدها .
يقف على السياج المعدني لليخت وتتدلى منه صنارته للأسفل وهو يتحكم بها باحترافية بينما تجاوره نارة تعطي ظهرها للسياح وتقابله وتتحدث عن مايا وآسيا التى اشتاقت لهما كثيراً .
تحركت الصنارة لتعلن عن صيدٍ بها فتحمست نارة لرؤية هذا الصيد بينما هو بدأ يسحب خيطها للأعلى عن طريق لف بكرة الخيط حتى ظهرت الصنارة التى علق بها سمكةٍ متوسطة الحجم ربما تكفي لشخصٍ واحد لذلك وضعها في تلك السلة التى ترتكز أرضاً ثم عاد يلقي بالصنارة مرة أخرى في المياة وينتظر وهو يتحدث مع نارة باستمتاع عن معلومات عن الجزيرة وسكانها .
وللمرة الثانية وبعد وقتٍ قليل أعلنت الصنارة عن صيدٍ آخر فرفعها صقر ليجد سمكة أكبر حجماً من السابقة ليأخذها ويضعها في السلة مع مثيلتها .
رفع صنارته ونظر لنارة يردف مبتسماً :
– يكفي هذا القدر ، والآن لأحضرهما لكِ بطريقةٍ شهيةٍ .
بدأت نارة في إخراج الخضروات التى سيحتجانها بينما وقف صقر يغسل السمكتين ثم أحضر سكيناً حاداً ليبدأ في تنظيفهما ببراعة .
أحضر قطاعة خشبية ووضع عليها إحدى السمكات التى تهتز بقوة بين يديه وكاد أن يبدأ بتقطيعها ولكنه تفاجأ بنارة تأتي من خلفه مردفة بنبرة مؤنبة وعالية :
– استنى بس بتعمل إيه دي لسة فيها نفس ، أصبر عليها لما تموت وبعدين ننظفها لإن دي روح ، حرام نعذبها أو نشويها قبل ما تموت .
تركته وتحركت تحمل السمكة بتوتر من حركتها والقتها في مصفاة الحوض مع الأخرى لتتركه وتعود تحضر باقي الأعراض متجاهلة عن هذا الذي لأول مرة في حياته يشعر بالخوف .
لأول مرة يدرك بشاعة عالمه ، هل تخشى على مشاعر سمكة ؟ ، لأول مرة يشعر أنه بحاجة ماسة لحذف الماضي ويخشى لحظة اكتشافها لهويته الحقيقيه
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ثري العشق والقسوة) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق