رواية مصطفى أبوحجر كاملة بقلم آلاء حسن عبر مدونة كوكب الروايات
رواية مصطفى أبوحجر الفصل السابع عشر 17
بداخل كُل فتاة أميرة من أميرات ديزني الجميلات تنتظر قُبلة أميرها الوسيم التي ستُوقظ بداخلها أنوثتها المسجونة وتُحررها من شرنقتها الضيقة بعد أن تحولت الى فراشة رقيقة جذابة زاهية الألوان، لتبدأ حياتها من جديد مُحلقة في سماء الحُب دون قيود أو تحكمات ..
هي مثل كل امرأه تحلم بزيجة العُمر وليلة الزفاف الأسطورية التي ستروى تفاصيلها لأبنائها وحفيداتها، إلا إنها لم تَشترِط أن تكون زيجتها ملكية أو مُحاطة بآلاف من المدعوين، بل يكفى أن يكون من اختاره قلبها هو من سيُذَيل توقيعه بالأسفل تحت خانه إمضاء العريس بجوار إمضائها على وثيقه زواجها .
اكتملت زينتها وحان وقت خروجها للجمع خاصة بعد أن ارتفعت أصوات الزغاريد بالخارج مُعلنة عن قدوم العريس في ذلك الوقت، لذا ورغمًا عنها شعرت بارتعاش أصابعها التي سرت البرودة في أطرافهم، لذا أخذت تفركهم بتوتر ملحوظ وهى تتأمل انعكاس وجهها المليح بداخل مرآتها، لقد تغيرت طلتها بشكل ملحوظ، فهي لا تكد أن تتعرف على وجهها لولا تيقنها بإنه هو ذلك الذى يعلو جسدها، حتى عينيها التي تحفظهما عن ظهر قلب لقد تشككت في أمرهما في البداية لولا رؤيتها للون عسلهما الذى تألفه، فلقد بدوا وكأنهما ازدادا اتساعًا وفتنة، وأنفها ووجنتيها وشفتيها؛ كُل ما فيها زاد رقة وجاذبية وكأنهم يتأهبون جميعًا للقاء احبتهم مثلها تمامًا، فبرزوا بأبهى صورهم التي لم تعهدهم بها من قبل ..
ارتفعت دقات باب غرفتها بقوة ولم تمض لحظات حتى فُتح وظهرت من ورائه والدتها وصديقتها منار اللتان دلفا إليها يسبقهن أصوات الزغاريد التي تصدر منهُن والتي توقفت فور أن وقعت أعينهُن عليها، فتسمرت المرأتين بِلا حراك وكأنهُن أمام حورية من حوريات الجنة، بل ملكة الحوريات بلباسها الفضي المُزخرف اللامع ذو الذيل الطويل وذلك التاج الأنيق الصغير المُرصع الذى يعلو رأسها والذى يُكمله عُقد مصقول زين جيدها يتماشى مع نفس التصميم الرقيق للتاج وكأنهم إحدى مجوهرات العائلة الملكية التي تتزين به الملكات والأميرات في حفلات زفافهُن ..
لذا في تلك اللحظة شهقت منار بتفاجؤ قائلة بذهول كالمسحورة :
_ مش معقول …
سيطر الذُعر على كلا الفتاتين عندما ارتفعت يد مجيدة إلى فمها من جديد دون مُقدمات لتصدح بزغرودة طويلة رنانة ارتد صداها بداخل قلبي شمس ومنار من فرط علوها وقوتها، لتتبعها بقولها وهى ترفع ذراعها إلى الأعلى وتضُم أصابعها لرُقيه ابنتها قائلة بخوف حقيقي :
_ الله أكبر الله أكبر .. رقيتك واسترقيتك من كُل عين شافتك ولا صلتش على النبي .. قل أعوذ برب الفلق .. ربنا يبعد عنك شر عين كل حاسد .. يكفيكي شر عين بنات عماتك وبنات خالاتك وصحباتك ..
قالت كلمتها الأخيرة تلك وهى تنظر إلى منار بطرفي عينيها، فانفجرت شمس ضاحكة وهى تضم والدتها إليها قائلة :
_ ليه كُل ده ياماما .. في إيه ..
اجابتها مجيدة وهى تقوم بالتخميس في وجهها هي نفسها مُكملة :
_ ويكفيفكي شر عيني وشر عينك .. اللهم لا حسد ..
ارتفعت ضحكات شمس من جديد مُعقبة :
_ يا ماما مش للدرجادي ..
تطلعت إليها الأُم بانبهار حقيقي مُوضحة :
_ مش للدرجادي إيه ده انتي طالعة بسم الله ما شاء الله زي فلقة القمر ولا الأميرة فوزية في زمانها ..
ثُم ما لبثت أن استدركت بسعادة :
_ وعريسك هو كمان الله أكبر الله أكبر ولا ممثلين السيما، قاعد برة ببدلة سوده شبه اللي بيلبوسها الناس بتوع الأوسكار اللي بيطلعوا في التلفزيون …
صمتت الاُم قليلًا قبل أن تلوى شفتيها مُحذرة ابنتها :
_ وبنات العيلة من أول ماجه وهُم عنيهم هتطلع عليه وعمالين يتودودوا ويتهامسوا .. أنا لو أعرف كده مكنتش عزمت حد منهم … خلى بالك بقى عليه ..
تدخلت منار مُعقبة :
_ لا ياطنط شمس زي القمر مستحيل عينه تزوغ على واحدة غيرها ..
قالت كلماتها تلك ثُم اقتربت إلى العروس تُقبلها بينما الأُم أضافت بضيق :
_ ما هو اللي مخوفني عليها النهاردة إنها زي القمر ..
قالت منار بعفوية :
_معاكي حق ياطنط، ما شاء الله بصراحة كل حاجة طالعة حلوة فيها مكياجها وفستانها وطرحتها و …
مجيدة مُقاطعة :
_ ماتسمي الله في قلبك كدة يامنار وامسكي الخشب ..
منار بخجل :
_ والله قولت ما شاء الله ياطنط ..
حاولت شمس تلطيف الأجواء من خوف والدتها الزائد فقالت باسمة :
_ ماما ما تندهي بابا ياخدني ..
أيدت منار تلك الفكرة قائلة بحماس :
_ أيوة صح ياطنط لازم عمو يجي ياخدها ويسلمها لعريسها ..
تأملت الأُم ابنتها بنظرة طويله ترقرت فيها الدمعات بداخل مقلتيها والتي حاولت اخفائها قائلة بضعف :
_ حاضر هروح أندهه ..
لكن قبل خروجها امسكت شمس بذراعها واقتربت منها تحتضنها بقوة حتى كادت أن تفلت الدمعات منها هي الأُخرى لولا اندفاع الصغيرة إلى الغُرفة في ذلك الوقت والتي ما إن رأت والدتها حتى قالت بانبهار واضح :
_ وااااااو .. انتي عروسة حلوة أوى ياماما ..
في تلك اللحظة أسرعت الاُم إلى الخارج واغلقت الباب من ورائها بينما شمس انحنت بجسدها حتى أصبحت في مستوى ابنتها واحتضنتها برفق بعد أن طبعت قُبلة كبيرة أعلى وجنتها قائلة :
_ ياقلب ماما انتي اللي أحلى عروسة ..
وقبل أن تقوم من مقامها آتاها صوت أباها من وراء الصغيرة قائلًا بقسمات ملأها الفرحة المُختلطة ببعضًا من الحُزن :
_ يلا ياعروسة المأذون وصل ..
اعتدلت العروس واقفة في نفس الوقت الذى تقدم فيه محمود إليها وهو يتأملها بفخر وحنان، فتوقف أمامها ثم قبلها من جبينها قُبله هادئة قبل أن يقول بغصة واضحة في كلماته :
_ مبروك ياحبيبتى ربنا يجعله زوج صالح ..
طأطأت شمس رأسها إلى الأسفل بخجل مُجيبة :
_ الله يبارك فيك يابابا ..
تلاقت عدستاه بعينيها فقال بشجن :
_ البيت هيبقى وحش من غيرك أوى ..
أجابته بابتسامة مُرتعشة :
_ هتوحشوني وهيوحشني البيت أوى ..
قبلها من جديد في نفس الموضع قبل أن يلتقط ذراعها قائلًا :
_ ربنا يهنيكى وتعمري بيتك يابنتى ..
خطى محمود بضع خطوات صغيرة بصُحبة ابنته التي تأبطت ذراعه مٌتوجهًا في البداية إلى باب الغُرفة للخروج ومن ورائهم اتبعهم الصديقة والطفلة، وماهي إلا لحظات حتى كان الجميع يخطو أولى خطواته إلى الخارج، فارتفعت أصوات الزغاريد بشكل مُتتابع والتفت جميع الحاضرين إلى العروس وعلى رأسهم مصطفى الذى هَب واقفًا وتوجه بعدستيه إلى حيثُ ينظر المدعوين فوقعت عيناه على شمسه تطل عليه كعادتها لكن تلك المرة بسحر القمر وضوء نجماته ..
لم يكن ذلك الثوب الفضي بهذه الروعة عندما انتقاه .. فمنذُ أن وقعت عدستاه عليه بداخل واحد من أرقى بيوت الأزياء في مصر؛ حتى تعلقت أنظاره به وهو قائم بذلك الشموخ على جسد إحدى المانيكانات الخشبية حيثُ برز بشكل مُلفت أنيق مَهيب وسط أمثاله من فساتين الزفاف البيضاء والفضية التي لم تقل عنه جمالًا، لكنه ما إن رآه حتى عجز عن تخيُلها بغيره، وكأن ذلك الثوب قد تجسد أمامه وهى بداخل ثناياه الرقيقة، تتلألأ حباته البراقة فوق جسدها كالنجمات المُضيئة التي تُحاوط القمر من كُل جانب ..
لقد حاول جاهدًا طوال يومه وخلال تجهزه لزفافه، أن يُكون في مخيلته صورة مُكتملة لها بذلك الثوب مع تاجها الصغير وزينتها التي اختارها لها، وتخيلها في تلك اللحظة التي سيلتقط فيها إصبعها بعد عقد القران ليضع به ذلك الخاتم الماسي الذى اصطفاه ليُصُنع خصيصًا لها بتصميم يُناسب أصابعها الطويلة البيضاء ويتلائم مع ثوب زفافها البرّاق ..
لكنه الآن وبعد أن رآها تسطع أمامه بتلك الصورة، الآن فقط عِلم أن خياله مهما اتسع وطاف به بعيدًا فهو لن يُواكب جمالها يومًا، لن يواكب هذه الروعة والبراءة الحلوة، وهذا الشعاع الذى تنفرج عنه ابتسامتها وهذا الضياء الذى يطل من عينيها، هو يعلم أن شمسه جميلة لكنه لم يكن يعلم أبدًا أنها بهذا الكم الجمال ..
ماذا صنع ثوب العُرس بها ؟
لقد انطفأ جمالها من قبل بداخل تلك الملابس الباهتة البسيطة التي لم تليق بها يومًا، فجمالها وعذوبتها ورقتها لا تليق إلا بملكة، ببشرتها الناعمة البيضاء الصافية وأعينها اللامعة العسلية وأهدابها الطويلة الكثيفة، وشفاهها الرقيقة الوردية، وقوامها الملفوف بدقة والمُتناسق مع طولها، وأصابعها الطويلة البيضاء ذات الأظافر المُنمقة ..
كُل ذلك لا يُلائمه إلا الأثواب الحريرية الناعمة والمجوهرات الماسية التي تُبرِز جمالها الخفي، فحتى بطلات أقلامه الذى تفنن في وصف حُسنهن ورقتهن لا يستطيع مُقارنتهُن بها، هي وحدها تستحوذ على تلك المنطقة التي لا تجرؤ إحداهُن على منافستها فيها، هي وحدها بداخل قلبه ..
لم يغتر بوسامته وهو يرى صورته المُنعكسة داخل أعين المدعوات وهُن ينظرن إليه في عبادة صامتة، بل تعلقت عيناه بها كالمأخوذ وهو يراها تقترب منه مُتأبطة ذراع أبيها، لا يستطع الحراك وهو يراها تُشع نورًا كالملائكة بفعل انعكاس وميض اللآلئ عليها، بل اللآلئ هي من ازدادت توهُجًا وبريقًا عندما لامس جسد شمسه واختلط بنور وجهها الوضّاء ….
في النهاية تمالك نفسه وتقدم نحوها صامتًا ومد ذراعه إليها ليلتقط يدها من والدها الذي سلمها له عن طيب خاطر، فألتقط أصابعها بأطراف أنامله قبل أن يُقربها إلى فمه ويلثمها برقة وكأنه يخشى أن يُقربها إليه فيُفسد جمالها، تعالت أصوات الزغاريد من حوله إلا أن صوت ضربات قلبه داخل صدره كانت أكثر قوة وعُلوًا من أي صوت آخر من حوله ..
اضطر مصطفى في النهاية للخروج من تلك الحالة التى شملته ليُجيب على والد العروس الذى قال له مُهنئًا :
_ مبروك يابنى خلى بالك منها ..
أومأ له مصطفى برأسه وهو لازال في قمة انبهاره بعد أن احتفظ بيد عروسه بداخل راحته قائلًا :
_ من غير ما تقول ياعمي ..
قال جُملته تلك وهو ينظر بداخل عسلتي عروسه التي شعر بخجلها عِند تقبيله لأصابعها واحتفاظه بها بتلك الطريقة على الملأ، لذا همس لها بشفاه ملؤها الإعجاب قائلًا :
_ انتي إزاى حلوة أوي كدة النهاردة
حاولت مُجاراته قائلة دون أن تنظر إليه :
_ النهاردة بس !
جذبها مصطفى إليه ليتوجه بها إلى حيثُ ينتظر المأذون قائلًا وهو يضغط على أصابعها بطريقة خاصة قبل أن يتركها :
_ لما نروح بيتنا هقولك إذا كان النهاردة بس ولا كل يوم ..
أطرقت شمس برأسها خجلًا قبل أن تضغط على شفتها السُفلى حياءًا من كلماته، وتوجهت للجلوس أعلى المقعد المُخصص لها بجوار والدها بينما هو جلس بالمُقابل في الجهة الأُخرى وتوسطهما المأذون الذى بدأ مقدمته فعم السكون أرجاء المنزل …
وفى ذلك الوقت تجولت العروس بعينيها على المدعوين من حولها وفوق شفتيها ابتسامة فرحة تُومأ برأسها تحية للمُهنئين الذين تتقابل بهم عيناها، فتهز رأسها رادة التحية بامتنان، وفجأة انكمشت ابتسامتها رغمًا عنها وتغيرت ملامحها عندما توقفت عيناها على ذلك الواقف بعيدًا في إحدى الأركان واضعًا راحتيه داخل جيبي بنطاله يتأملها بجمود بينما بجواره فتاة لم تلمحها شمس من قبل، تقف مُتجهة بجسدها نحوه وتوليه أنظارها باهتمام واضح ..
قبل ذلك بعدة ساعات …
كانت تستلقى كعادتها أعلى فراشها بتكاسل تتصفح هاتفها بلا هدف عندما أتتها رسالة نصية ممن ملك تلابيب قلبها ومفاتيح عقلها مُتسائلًا :
_ ((فاضية النهاردة؟)) ..
استقامت جالسة على الفور بعدما أضاء وجهها بتهلل واضح قبل أن تُجيبه :
_ (( آه ليه)) ..
جاءتها رسالته مُقتضبة قصيرة قائلًا :
_ ((عندك مانع تحضري معايا مناسبة عائلية)) ..
أجابته دون تفكير بينما ابتسامتها تتسع بسعادة :
_ ((لا طبعًا معنديش أي مانع)) ..
انهى أسامة حديثه بتلك الرسالة النصية قائلًا :
_ ((هعدي عليكى الساعة ٧)) ..
لم يهتم هو بقراءة رسالتها التي كتبت فيها بحماس واضح :
_ (( ٧ إلا ربع هكون مستنياك تحت البيت)) ..
قفزت جيداء من أعلى فِراشها دون مُقدمات وتوجهت إلى خزنتها بخطوات مُرفرفة لم تكد أن تُلامس الأرض لتنتبه شقيقتها إلى تلك الحالة التي تملكتها دون داعى فتسائلت بعدم فهم :
_ مالك يابنتي لبسك عفريت ولا إيه ؟
لم تهتم جيداء بالرد عليها بل قالت بحماس :
_ تعالي أختاري معايا فستان يليق على مُناسبة ..
تحركت جنة من أعلى فراشها بينما وجهها يعلوه العديد من علامات الاستفهام، فقالت جيداء موضحة :
_ أسامة طلب منى أحضر معاه مُناسبة عائلية النهاردة ..
ثُم ما لبثت أن بدأت بالقفز كالأطفال قائلة بفرحة عارمة :
_ أخيرًا هيعرفني على عيلته ..
عبست جنة بغير اقتناع متسائلة :
_ من إيه التغير المُفاجئ ده ؟ مش كنتي لسه إمبارح بتقوليلي إنه متغير بقاله فترة ومكشر طول الوقت ..
وكأن كلمات شقيقتها نجحت فى لفت انتباهها إلى تلك النقطة، فهدأ حماسها وقالت مُفكرة :
_ فعلًا معاكي حق، بس تفتكري هياخدني معاه ليه غير عشان يعرفني عليهم ؟
حركت جنة كتفيها بلا اكتراث مُوضحة :
_ عادي يعنى يمكن عاوز حد معاه مش أكتر …
صمتت جيداء لبضع لحظات قبل أن تُحاول بث الحماس في نفسها من جديد مُعلقة وهى تقوم باختيار الثوب المُناسب :
_ حتى لو كدة .. كفاية إنه فكر فيا أنا اروح معاه ..
ابتسمت شقيقتها بسخرية قائلة :
_ وهو هيلاقي زيك حد فين مبيقلوش لا على حاجة ..
أجابت جيداء بلا تفكير :
_ وأقوله لا ليه على حاجة مش مضيقاني ..
أعتلت جنة فراشها من جديد وبدأت بتصفح هاتفها بلا اهتمام وهى تقول بصوت مسموع :
_ لما نشوف حاضر بتاعتك دي هتوصلك لفين ..
غمغمت جيداء بداخلها بعد أن وقع اختيارها على ثوب وردي اللون مُزين بوردات حمراء صغيرة قائلة بصوت خافت نبع من داخل قلبها :
_ للكوشة جمبه إن شاء الله …
مضى الوقت سريعًا وهى تقوم بالاستعداد والتزين كما لم تفعل من قبل، وكأنها على أعتاب موعد غرامي طالما انتظرته، فبذلت قصار جُهدها لتكون في أفضل حالاتها، وقامت بتصفيف شُعيراتها الناعمة بعمل لفائف مموجة بها، وأضافت إلى وجهها بعض الأصباغ التي زادتها جمالًا وفتنة، بينما ذلك الثوب الذى قامت باختياره أبرز أنوثتها المُخبأة فأصبحت كالوردة المُتفتحة التي تتوق لقاطفها والذى جاء بموعده المُحدد ليقلها من أمام منزلها كما وعدها ..
تفاجئت به رغم عبوسه إلا إنه بدا وكأنه حرص على التأنق هو الآخر، فكانت ذقنه حليقة ناعمة وشُعيراته لامعة مُلفتة للأنظار، وتلك البذلة الأنيقة الطى يرتديها هي لم تره بها من قبل بل يبدو وكأنه ابتاعها خصيصًا لتلك المُناسبة الهامة التي لم يذكر لها أي تفاصيل عنها بعد، ورغم صمته إلا إنها لم تستطع أن تُرخى عيناها عنه، إن قلبها يخفق كلما كانت برفقته كورقة ينفخ فيها بأنفاسه، وعينيها تلتمعان عند رؤيته كأنه يُضيئهما بنظراته، إنه أجمل ما في الكون، بل أجمل ما في الحياة بأكملها ..
طال نظرها إليه وطال عبوسه وكأنه تناسى وجودها برفقته فتنحنحت متسائلة :
_ احنا رايحين فين ؟
أجابها دون النظر إليها :
_ رايحين كتب كتاب ..
تساءلت من جديد مع ابتسامة :
_ ومالك بتقولها وانت زعلان كده ..
رمقها بنظرة خالية من أي تعبير قبل أن يقول :
_ متقلقيش مش هنتأخر ..
حركت جسدها في اتجاهه لتقول بصدق :
_ مش قلقانة طول ما أنا معاك ..
ثُم ما لبثت أن استطردت وكأنها لم تقصد كلماتها :
_ أقصد يعنى ماما مش هتقلق لو أتأخرت مادام انا معاك ..
هز أسامة رأسه مُتفهمًا دون أن يُعقب، فتسائلت هي من جديد :
_ كتب كتاب مين بقى اللي إحنا رايحينه ..
لاحظت جيداء مسحة الحُزن التي اعتلت وجهه لبضع ثوان قبل أن يعود إلى عبوسه وجديته قائلًا :
_ بنت خالي .. اسمها شمس ..
رغمًا عنها تسرب إليها ذلك الشعور بالحُزن هي الاُخرى دون أن تدرِ سببًا مُحدد لذلك، فما كان منها إلا أن أومأت برأسها قائلة بلهجة حاولت إخراجها مرحة :
_ عُقبالك ..
وكأنها قد فجرت بداخله شلال من الآلام لا ينضب، لقد كان من المُفترض أن يكون اليوم هو يوم زفافه على محبوبته، فتلك البذلة المُميزة التي يرتديها كان يحلم بارتدائها يوم زفافه عليها، لم يُكن يعلم أنها ستكون من نصيب آخر وسيكون هو مُجرد ضيف كالعشرات يشهد على اتمام تلك الزيجة ..
أليس من المُفترض إنه أعتاد على ذلك؟
فتلك ليست المرة الأولى التي ترفضه بها لتتزوج بآخر، لكن لماذا يؤلمه قلبه على هذا النحو؟ لِما يشعر بغصة تكاد تخنقه ؟
هل لأن تلك هي المرة الأولى التي يراها فيها عروس بثوب زفافها ؟
في المرة السابقة استطاع المقاومة ولم يُكلف نفسه فوق احتمالها، لكن تلك المرة ماذا جاء به ؟
هل أراد ان يقسو على قلبه عله يستطع نسيانها؟ نعم هو أراد أن يُثبِت لحاله أن كُل تلك السنوات الضائعة من عُمره عاشها في أكذوبة كبيرة تحت مُسمى (الحُب) أوهمته هي بها ذات يوم ..
فهاهى استطاعت النجاح فيما فشل هو فيه، تمكنت من أن تُحِب من جديد وتتزوج من جديد، وهاهي الآن تستعد لعقد قِرانها الثاني بينما هو يقف مُجرِد مدعو لا أكثر ولا أقل لا يشكل وجوده فارقًا في هذا الحدث العظيم بالنسبة إليها ..
الفارق الوحيد يحدث داخله هو ..
فلأول مرة يشعر بمرارة الانكسار وغصة الضعف وقلة الحيلة، لأول مره يحس وكأنه مُجرد بقايا حُطام اشتعلت فيه النيران فتحول إلى كومة من الرماد ينتظر هَبَة ريح تُزحزحه من مكانه ..
كان يقف بالقُرب من مدخل باب المنزل وإلى جانبه جيداء يشوبها الخجل والارتباك لتواجدها وسط أُناس لا تربطهم بها أي صلة، فلم تمتلك سوى أن تقف بجواره تكاد أن تلتصق به وكأنها تحتمى به من نظرات الفتيات المُستنكرة التي تُحاوطها لمُرافقتها له، إلا إنه لم يأبه لكُل ذلك بل لم يُلاحظ حتى تلك النظرات المُتسائلة، بل ثُبِتت عدستيه على باب الغُرفة التي تضم محبوبته، وما إن فُتحت وطلت هي بثوب العُرس حتى شعر وكأن قلبه اللاهث توقف عن العمل، لقد احترق ذلك المكلوم بداخل صدره في نفس اللحظة واشتم هو دُخان حسرته ..
حاربت عيناه لإطلاق دمعاتها علها تُخفف من وطأة ذلك الحريق الناشب بداخله لكنه رفض أن يُطلق سراحها، وتكورت قبضته مُحذرة للنيل منها إذا ما خالفت أمره، فابتلعت مقلتيه مائها من جديد وتصلبت حتى جفت وطلت بغضب مكتوم، لكن ملامح وجهه المُتصلبة ما لبثت أن لانت بضعف ورجاء وهو يراها تقترب من ذلك المدعو مصطفى ..
نظرتي عينيه الغاضبة تحولت الى أُخرى مليئة بالتضرع والرجاء لكى لا تفعلها .. لا تقتربي منه .. لا تتركيه يُمسك يداكِ، لا تسمحي له أن يتلمس ولو حتى أطراف أصابعكِ ..
لكن ..
لكنها يبدو أنها لم تستمع، فلم يخرج ذلك الصوت عن نطاق عقله، فهاهو الآخر يُمسك يدها ويُقربها من شفتيه و .. يلثمها !
تركته يُقبل يدها !!
يدها التي طالما تمنى هو مُجرد مُلامستها في سلام خاطف ! أصابعها التي لم ييأس من تخيل خاتمه يُزين بنصرها ذات يوم، الآن تلثُمها شفتي آخر بينما هو يقف ناظرًا إليهما بلاحول له ولا قوة ! الآن تذوب هي خجلًا وتعُض على شفتها بينما هو يهمس لها سرًا !
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية مصطفى أبوحجر) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق