رواية مصطفى أبوحجر كاملة بقلم آلاء حسن عبر مدونة كوكب الروايات
رواية مصطفى أبوحجر الفصل السادس عشر 16
لم تستطع شمس رفع عينيها إلى ذلك المُحملق بها وكأن ثمة مغناطيس قوى يجذبها للأسفل، فهي تشعر بعدستيه يتجولان بكُل تفصيلة بها من أعلاها إلى أخمص قدميها دون خجل أو مُراعاة لأبويها الجالسين برفقته، لذا سيطر عليها الارتباك وتلعثمت كلماتها بداخلها عِند وقوفه للترحيب بها، ففعتله تلك زادت الأمر صعوبة وتعقيدًا بعد أن كانت في طريقها لأقرب مقعد تتهاوى أعلاه، لذا اضطرت إلى التقدم إليه مُطأطأة الرأس تحت انظار والديها المُسلطة عليها ومدت يدها إليه بخجل قائلة دون أن ترفع نظرها إليه :
_ أهلًا ازيك يامصطفى ..
التقط هو راحتها بلُطف قائلًا أثناء تأمله ملامحها الخجلة في ذلك الزى الأرجواني الذى زاد بشرتها تخضبًا وتوهجًا وحُسنًا :
_ ازيك انتي ..
ثُم أضاف فور أن نظرت إليه بعد أن ضغط على أصابعها، قائلًا بشفاه مُتحركة لم يصدر منها أي صوت :
_ وحشتينى ..
ازداد احمرارها وانتفض جسدها فسحبت يدها بسرعة من بين خاصته بارتباك، وحاولت جاهدة إخفاء اضطرابها ذلك حتى لا يلاحظه أبواها فوجهت كلماتها لابنتها قائلة :
_ مش هتسلمي على عمو مصطفى يايارا ..
رفعت الطفلة رأسها الى الأعلى ببراءة في مُحاولة منها للتوصل إلى وجه ذلك الواقف أمامها بجسده الفارع، لذا انحنى هو إليها مادًا يده إليها قائلاً :
_ إيه البيت اللي كُله عرايس حلوة ده .. أنا اسمى مصطفى وانتي ؟
سلمته الصغيرة راحتها بابتسامة واسعة وهى تقول :
_ أنا اسمى يارا ياعمو .. أنت طويل أوي كدة ليه ..
تعالت ضحكات الجالسين قبل أن يُمسك هو جسد الصغيرة رافعًا إياها إلى الأعلى حتى تُصبح بمستواه حين وقف باستقامة قائلًا :
_ انتي اللي لسة صغنونة يايارا .. بكرة تكبري وتبقى قدى ..
هزت الطفلة رأسها نافية وهى تقول :
_ لا أنا هبقى حلوة شبه ماما لما أكبر ..
في تلك اللحظة توجهت نظرات مصطفى العاشقة إلى تلك الجميلة التي تبعد عنه عدة خطوات قائلًا بابتسامة مُنبهرة :
_ بس ماما مفيش حد حلو زيها ..
اتسعت عينا شمس بعدم تصديق، غير قادرة على استيعاب تلفظه بتلك الكلمات بصوت مسموع، فتمنت بداخلها لو انشقت الأرض من تحتها في تلك اللحظة لتلتهمها ببطنها فتتوارِ عن أنظار والديها المُحملقين بها وكأنهم يرونها لأول مرة، خاصه والدها الذى بدأ بالعبوس قائلًا بجدية وهو يُحرك إحدى ساقيه بعصبية :
_ مش تشوفي الأستاذ يحب يشرب شاي ولا قهوة ..
ازدردت شمس لُعابها بصعوبة وتنحنحت بقوة حتى خرج صوتها الواهن من بين شفتيها مُتسائلة :
_ تحب تشرب إيه ..
ابتسم مصطفى بحنو قبل أن يجلس أعلى مقعده من جديد قائلًا بجدية ممزوجة بالرجاء :
_ ولا أي حاجة .. ممكن تقعدي معانا ياشمس ..
اعترض الأب على ذلك قائلًا :
_ بس إحنا لسة متفقناش يابنى ..
وفى وسط حيرة العروس من أمرها، وجه مصطفى كلماته إلى محمود قائلاً بكلمات واثقة طغى عليها التأدب في الحديث :
_ أنا تحت أمر حضرتك في أي حاجة عاوز تعرفها وأي حاجة تطلبها .. صدقني أنا فعلًا شاري شمس وعاوزها زي ماهي كدة هي ويارا وبس ..
لانت عضلات وجه محمود قليلًا عندما ذكر مصطفى الطفلة في حديثه، وتطلع إليه بارتياح وكأنه قد أجاب عن كثير من التساؤلات والشكوك بداخله، إلا إنه رغمًا عن ذلك أصر بشكل قاطع على عدم تواجد شمس وابنتها في ذلك الوقت، لذا انصرفت الابنتان بعد أن أهدى _مصطفى_ الصغيرة تلك الدُمية بداخل الحقيبة الكرتونية المُبهجة التي كان يحملها، بينما الابنة الكبيرة فكان من نصيبها باقة الزهور البيضاء والتي احتضنتها بسعادة وامتنان قبل أن تُغادر الغرفة امتثالًا لرغبة أبيها ..
وبعد ما يقارب من الأربعين دقيقة قضتهم العروس في توتر وقلق، هرست فيهم غرفتها المفتوح بابها مجيئًا وإيابًا عشرات المرات مُحاولة التقاط أي كلمة من الخارج تُطمئنها أو تُثلج صدرها ..
مُترقبة قدوم والدتها للتوجه إلى المطبخ في أي وقت، إلا إن الأخيرة خالفت توقعاتها تمامًا ولم تُبارح مكانها بالخارج إلى أن ..
ارتفعت أصوات الزغاريد المُبشرة، فتوقف قلب المُترقبة عن دقاته لعدة ثوان غير قادرة على استيعاب الأمر، لقد أعلن والدها موافقته أخيرًا وأتتها والدتها بوجه بشوش وابتسامة واسعة ضمتها بها قائلة قبل أن تحتضنها بفرحة حقيقية :
_ مبروك ياعروسة …
******************************
ا
رتفعت الدقات برفق وتناغم على باب حمام العروس الذى غابت بداخله أكثر من ساعة كاملة مُستمتعة بذكرياتها التي تدفقت على عقلها المُسترخ وكأنها بداخل حُلم جميل قطعه عليها صوت والدتها الجهور قائلة :
_ يلا يابنتى بقى بنتك عاوزه تدخل الحمام ..
أفاقت شمس من ارتخائها وأجابت مُسرعة وهى تهم بالوقوف :
_ حاضر حاضر أنا طالعة أهو ..
وماهي إلا دقائق حتى كانت العروس ترتدى الروب الأبيض الخاص بها وتُغطى شعيراتها المبُتلة بمنشفتها الصغيرة البيضاء قبل أن تفتح باب حمامها بهدوء لتستقبلها زغاريد والدتها المُتتابعة والتي ما إن رأتها حتى شرعت فيها ثُم تلتها بعدة رقوات سرية تمتمت بها، بينما الصغيرة احتضنتها قائلة :
_ الله شكلك حلو أوي النهاردة ياماما ..
انحنت شمس وقبلت ابنتها بحنان قبل أن تقول بحماس :
_ يلا بسرعة خدى الشاور بتاعك وجري على الأوضة عشان أعملك شعرك ..
صفقت الطفلة بكلتا يديها فرحًا قبل أن تتوجه إلى الداخل بسرعة بينما الجدة كانت لازالت تقف بمكانها قائلة بسعادة واضحة وهى تتأمل بشرة ابنتها الصافية وملامحها التي ازدادت ملاحة كأي عروس قائلة :
_ بسم الله ما شاء الله عليكى ربنا يحرسك من العين يابنتي …
قبلت شمس والدتها بحُب قائلة :
_ ويخليكي ليا ياماما ..
ضمت الأُم ابنتها إليها وكأنها تستمد منها بعض القوة حتى لا تغلبها دمعاتها وقالت مُحاولة الهرب من احساسها ذلك :
_ بقولك إيه متشغليش بالك انتي بيارا أنا هعملها كل حاجة ناقصاها .. شوفي اللي وراكي الأول ..
إلا أن الأولى ربتت على ظهر والدتها قائلة بامتنان :
_ أنا خلاص وضبت كل حاجة من إمبارح مش ناقص غير إني أعمل شعرى والمكياج وبعد كده ألبس الفستان والطرحة ..
ابتلعت الأُم لُعابها بقوة ومسحت وجهها بسرعة قبل أن تقول بصوتٍ عالٍ نسبيًا تّخفى به ضعفها وحُزنها :
_ يابنتي مش كنتي روحتي للكوافير كدة ولا جبتي أصحابك تهيصوا مع بعض شوية بدل متطلعي سوكيتي .. مش كفاية مش هتلبسي فستان فرح ولا في فرح من أصله يادوب عازمين قرايبنا ..
ابتسمت شمس بهدوء قائلة بتعقل وكأنها هي من اختارت ذلك الوضع :
_ ماانتي عارفة ياماما بهدلة الكوافيرات وصحابي بقى مفيش غير منار وهى محتاسة بعيالها مش هينفع تسيبهم ولو جم هيقلبوا البيت وهيضيعوا تعبك كله، هي هتيجي قبل كتب الكتاب بحاجة بسيطة ..
ثُم تغيرت لهجتها قليلًا وهى تقول بحزن :
_ والفستان بقى لازمته ايه ما أنا لبسته قبل كدة وعملت فرح وأديكي شوفتي النتيجة ..
لم تجد الاُم سوى الدعاء ردًا على كلمات ابنتها قبل أن تصمت إلا إنها ما لبثت أن استدركت قائلة برجاء :
_ طب روحي أقعدي مع أبوكي شوية بقى قبل ماتبدأي تجهزي انتي ويارا وتنشغلي ..
هزت شمس رأسها عدة مرات قبل أن تُقبل رأس والدتها وتحتضنها من جديد لكن بقوة أكبر من سابقتها قائلة :
_ من غير ماتقولي .. وعاوزة أقعد معاكي انتي كمان قبل ماأمشي ..
ثُم أضافت بكلمات مُتقطعة ملؤها الحُزن :
_ انتوا مش عارفين هتوحشونى إزاى ..
في تلك المرة انفلتت دمعات الأُم الصادقة وهى بداخل أحضان ابنتها قائلة من صميم قلبها :
_ ربنا يهنيكي ياحبيبتى إحنا كُل اللي عاوزينه سعادتك انتي وبنتك ..
كانت تجلس على أطراف فِراشُه في انتظار انتهاؤه من صلاة الظهر والتي اعتاد أداؤها في نفس البقعة داخل غُرفته، وفى خلال تلك الدقائق أشبعت عينيها بالنظر إلى كُل شبر من حولها وملأت رئتيها برائحة المِسك التي اعتاد أبيها التطيب بها فملأ شذاها أركان المكان، وهُنا بجانب الفراش اختلط ذلك الشذى بروائح بعض الأدوية الخاصة بأمراض أبويها المُزمنة، فخلقا رائحة مُميزة ارتبطت لديها بالإحساس بالأمان والدفيء ..
بعد عدة لحظات التقطت أُذناها صوت همهمة والدها بعبارات التسبيح فعلمت بانتهائه من الصلاة وسارعت إليه تُساعده على الوقوف وسارت برفقته إلى فراشه وقبل أن يعتليه توقف لطبع قُبلة حانية أعلى جبهتها بينما لسانه لم ينقطع عن التسبيح، وبعد عدة ثوان ابتسم قائلًا :
_ مبروك ياشمس ..
رمقته الابنة بنظرة طويلة تأملت بها شعره الأشيب المُتصل بلحيته القصيرة البيضاء، وتجعيدات وجهه المُتعَب المُجهد والتي شهدت هي تتابع ظهروهم أولًا بأول، وعينيه منكسرتي الأجفان المُمتلئتين بالحُب والحنان والممزوجتين على غير عادتهما بالحُزن والأسى لرحيلها، فقالت بابتسامة مُلتاعة :
_ الله يبارك فيك يابابا ..
مسح محمود على رأسها عدة مرات قائلًا :
_ ربنا يبارك فيكى انتي يابنتى ..
عم الصمت الحزين لبضع لحظات، حيثُ جلسا كلًا منهما أعلى الفراش قبل أن يتساءل الأب باهتمام :
_ يارا هتروح معاكي النهاردة ولا كمان كام يوم ..
أجابت شمس بتردد يشوبه الخجل :
_ لا يابابا يومين إن شاء الله وآجى أخدها ..
علق محمود رافعًا عنها الحرج :
_ خدي راحتك يابنتى هِنا بردو بيتها ومتضغطيش على جوزك من أولها ..
تحدثت شمس بسرعة مُدافعة :
_ لا بالعكس مصطفى عاوزها ترّوح معانا النهاردة بعد كتب الكتاب بس ماما قالتلي خليها بعد يومين ..
هز الأب رأسه مُتفهمًا وهو يقول :
_ أمك معاها حق وبعدين لازم البنت تتعود عليه الأول بالتدريج مش خبط لزق تلاقيها في بيته ..
هزت شمس كتفيها وكأنها تُعلن عن قلة حيلتها قبل أن تقول :
_ ما أنت عارف يابابا الأسبوعين من وقت ماقريتوا الفتحة جريوا بسرعة ومكنش في وقت خالص إنهم يقربوا من بعض، وأنا حتى مشوفتهوش إلا الكام مرة اللي جه فيهم هِنا ونزلنا نشترى حاجات للبيت ..
هز محمود رأسه مُتفهمًا وهو يقول :
_ بصراحة الراجل عداه العيب .. إدانا مفتاح شقته وقالنا أعملوا اللي عاوزينه فيها ومرضيش يغرمنا جنيه واحد في أي حاجة للبيت .. حتى هدومك انتي ويارا أصر إنه هو اللي يجيبها …
شعرت شمس بالفخر يتخللها من اختيارها فقالت بتهلل :
_ مصطفى كويس يابابا متقلقش منه ..
إلا أن والدها قال بتعقل :
_ أنا مش قلقان يابنتي بس عاوزك تفهمي إن مفيش حد كامل .. مصطفى آه بيحبك وعنده ذوق وكريم عكس طليقك في كل حاجة .. بس بعد الجواز أكيد هتكتشفي عيوب مش ظهرالك دلوقتي .. عشان كده لازم تبقي عاقلة وتتقبلي عيوبه زي ماحبيتي صفاته الكويسة ..
ظهرت علامات القلق على وجه شمس إلا إنها سُرعان ما حاولت إخفائها قائلة بابتسامة مُطمأنة وكأنها تُطمأن نفسها :
_ أكيد يابابا إن شاء الله ..
لكن صوت أبيها القلق ارتفع بتساؤله الذى عكر صفو سعادتها تلك المرة مُتسائلًا :
_ قوليلي طليقك عارف إن النهاردة فرحك ولا لأ ؟
تأففت شمس بشكل واضح مُجيبة :
_ لا ميعرفش وهو ماله أصلًا ..
أجابها ناهرًا :
_ الأصول بردو بتقول إنك تقوليله ..
في تلك اللحظة وقبل أن تثور الابنة، ارتفع صوت الأم عند مدخل الغُرفة قائلة بتبرم اتبعته بتهكم واضح :
_ يعرف إيه المخفي ده .. ده واحد واطي ولاعنده دم ولا بيحس .. أهو ده اللي ناقص نستأذنه قبل جوازه بنتنا..
حاول محمود تمالك أعصابه وهو يقول :
_ لاحول ولا قوة إلا بالله ..ياستي بردو الأصول بتقول إنه لازم يعرف .. مش أبو بنتها ..
تقدمت مجيدة إليهم وهى تُحرك ذراعيها بعصبية قائلة :
_ بلا أبو بنتها بلا زفت .. ما هو رايح جاي يتجوز حد كان كلمه ولا قاله حاجة ..
ثُم وجهت كلماتها إلى ابنتها آمرة :
_ قومي روحي جهزي بنتك يلا عشان تلحقي تجهزي انتي كمان، كُلها كام ساعة والناس تبدأ تيجي ..
أومأت شمس برأسها مُطيعة وغادرت الغرفة بسرعة دون تفكير، قبل أن تنشب المعركة المُعتادة بين والديها، لكن قبل أن تخطو آخر خطواتها إلى الخارج استوقفها همس والدتها باسم أسامة، وأتبعها كلمات أبيها الشبه مكتومة مُعلقًا :
_ آه قولتله ..
حقًا هي لم تجد مُبرر لتلك الغصة بداخلها والتي انتابتها فور سماعها لحروف اسمه تتردد على مسامعها يوم زفافها، وكأنها تفاجئت باختبائه وانزواءه بإحدى الأركان المُهملة داخلها وهى التي اعتقدت ذات ليلة أنها نجحت في التخلص منه نهائيًا وطوت صفحته بنجاح…
لكن ماذا حل بها الآن ! ما بال تفكيرها انصب بأكمله عليه في ذلك الوقت عقب تيقنها معرفته لخبر زفافها !
هل تُشفق عليه لمواجهته ذلك الأمر للمرة الثانية؟ تُرى ما حاله؟ وبماذا يُفكر؟
مهلًا .. هذا يُفسر انقطاع تردده على منزلهم طوال الفترة الماضية بعكس ما اعتاد من قبل، وبعكس ما توقعت هي وكأنها كانت تتمن رؤيته ولو مرة واحدة قبل إقدامها على فعلتها ..
شعرت شمس بالأسى يتسرب إليها وتطلعت إلى انعكاس وجهها في المرآة فوقعت عدستاها على عينينها اللتين امتلأتا حُزنًا بشكل جلى واضح، إلا إنها سُرعان ما نفضت عنها ذلك التفكير مُتمتمة بداخلها أن أمرُه لم يَعُد يُعنيها في شيء، فهي وحدها لها مُطلق الحرية في اختيار شريك حياتها والذى تراه مُناسبًا لها، لذا هزت رأسها بقوة كي تُزيح عنها تلك الأفكار المتناقضة بداخله وتوجهت لابنتها حتى تبدأ في تصفيف شُعيراتها، ورغمًا عن ذلك استمر عقلها بالتفكير دون انقطاع حتى ارتفع رنين هاتفها الموضوع أمامها، فانتبهت لحالها وابتسمت فور رؤيتها لهوية المُتصل والذى أجابته على الفور قائلة بعتاب واضح :
_ أوعى تقول إنك لسة صاحي دلوقتي .. الساعة داخلة على اتنين ..
آتاها صوته خافتًا دافئًا يُكلله غمامات النوم وهو يقول بتثاؤب :
_ طب مفيش صباح الخير ياحبيبي الأول ..
اتسعت ابتسامتها بعد أن قامت بوضع الهاتف ما بين أُذنها وكِتفها لانشغال يديها بتصفيف شعر الصغيرة وقالت بلهجة مرحة :
_ ماشي ياسيدى صباح الخير أقصد مساء الخير..
أجابها مُعترضًا :
_ وبالنسبة لحبيبي إيه مسمعتهاش !
ارتفعت ضحكاتها خجلًا عقب قولها :
_ اعتبرني قولتها ..
غالب المُتصل اشتياقه لها وتساءل بجدية :
_ طيب بتعملى إيه دلوقتي ..
أجابته بتلقائية وهى لازالت مُستغرقة في عملها :
_ أبدًا بعمل شعر يارا وهلبسها وبعد كدة هبدأ أجهز ..
خرجت كلماته مُستنكرة مستاءة وهو يتساءل :
_ مش معقول بتعمليلها بنفسك وطبعًا كمان انتي اللي هتعملي لنفسك كُل حاجة ..
زفرت بإرهاق واضح قائلة :
_ آه هعمل إيه طيب مليش حظ مع الكوافيرات خالص .. فقولت أعتمد على نفسى بقى ..
جاء رأيه مُخالفًا لها وهو يقول بزهو واضح :
_ لا ياحبيبتي انتي عروسة .. عروستي أنا .. يعنى المفروض تبقى ملكة النهاردة تشاوري بس وكله يخدمك ..
قالت دون تفكير :
_ خلاص ياحبيبي أما أبقى اجي بيتك عاملني كملكة بقى ونشوف ساعتها هتبقى قد كلامك ولا لا ..
قاطعها بحماس مُستغلًا عفويتها ليقول :
_ إيه قولي تانى كدة خلاص يا إيه؟
عضت شمس على شفتها ندمًا مما تفوهت به للتو فور أن انتبهت لكلماتها، فلم تدرِ بما تُجيبه أو كيف تتملص منه تلك للمرة، فلم يُنقذها سوى ارتفاع رنين جرس المنزل بالخارج فنظرت بشكل تلقائي إلى عقارب الساعة المُعلقة بغرفتها والتي بالكاد تجاوزت الثانية ظُهرًا بِعدة دقائق، مما دعاها للقول باستغراب واضح :
_ الباب بيخبط ..مش عارفة مين اللي جاي بدرى كدة ..
علق هو بهدوء وكأن الأمر لا يعنيه قائلًا :
_ طب ما تروحي تشوفي كدة ..
أطاعته على الفور وتوجهت إلى باب غُرفتها وطلت منه برأسها بعد أن تركت جهاز التصفيف اعلى المنضدة وتطلعت إلى الخارج بفضول وهى لازالت تُحدثه قائلة :
_ ماما فتحت .. استنى أشوف مين ..
دون مقدمات ارتفعت الزغاريد لتملأ المكان من بضع فتيات لم تراهُن هي من قبل مما أثار ذُعرها وهى تتساءل بصوت مسموع :
_ إيه ده مين دول ..
ثُم أضافت مُحدثة نفسها :
_ إيه الحاجات اللي معاهم دي .. ده كمان في واحد داخل وراهم بحاجات شبه كوفرات بدل ال ….. إيه ده ؟
تساءل هو بحذر :
_ إيه ؟
في تلك اللحظة وضعت العروس يدها أعلى فمها تكتم تلك الشهقة العالية التي رغبت في الخروج منها قائلة بعدم تصديق :
_ مصطفى معقول انت اللي عملت كدة …
تساءل مُخادعًا :
_ عملت إيه ؟
أجابته على الفور بعد أن اغرورقت مقلتيها بالدمعات من فرط المفاجأة :
_ أنت جبتلي فستان فرح أنا ويارا .. أيوة دول فساتين فرح أنا شايفة ديل الفساتين من تحت .. وكمان جبتلي بنات البيوتي سنتر ليا هنا لحد البيت ….
لم يستطع مصطفى التمادِ في إنكاره لأكثر من ذلك، وخرج صوته حنونًا رقيقًا وهو يقول :
_ أنا قولتلك إنك لازم تكوني ملكة النهاردة وكُله يخدمك ..
أجابته بكلمات مُتقطعة وهى لازالت مُتحجرة بمكانها :
أجابها بتنهيدة حارة أذابتها على الفور :
_ أنا حافظ كُل سنتي فيكى أكتر منك .. وعارفك أكتر ماانتي عارفة نفسك ..
ثُم ما لبث أن أضاف بجدية :
_ بس بردو عملت حسابي وفى حد معاهم هيبقى موجود عشان لو في أي حاجة محتاجة تتظبط، عاوزك النهاردة تسيبي نفسك خالص وتستمتعي باليوم ..
صمت هو لبضع لحظات قبل أن يستطرد بحرارة مُكملًا ما بدأه :
_ عاوز كل حاجة النهاردة تبسطك لأن اليوم ده مش هننساه عمرنا كله .. ده يوم فرحنا أنا وإنتي ..
غادرت الدمعات مقلتي العروس تأثرًا بينما انفرجت شفتاها عن ابتسامة واسعة وتلفظت بما حدثها به فؤادها في ذلك الوقت قائلة بصدق :
_ مصطفى أنا بحبك .. بحبك أوى .. ومعرفش إزاى كنت عايشة من غيرك كل ده، وليه مقابلتكش من زمان .. ياريتني عرفتك أول ما فتحت عيني على الدُنيا ..
أجابها بتمهل وبكلمات هادئة أخفت كثيرًا مما يعتمل صدره من تلهف واشتياق وصبابة فقال برزانة :
_ كُل شيء بآوانه ياحبيبتى .. كُل شيء بآوانه ياشمس مصطفى بس …
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية مصطفى أبوحجر) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق