رواية ثري العشق والقسوة كاملة بقلم آية العربي عبر مدونة كوكب الروايات
رواية ثري العشق والقسوة الفصل السادس عشر 16
لم أغدر يوماً بأحدٍ أو أخون ولن أفعل ، دوماً كنتُ محل ثقةً لمن قصدني ، دوماً سعيتُ لسعادة من حولي ، لذا ظننتّ أن الجميع مثلي ونسيتُ أن بعد الظن إثم .
❈-❈-❈
تفاجأ الحضور من جرأته وفعلته ، أما هي فحاولت الإبتعاد وقبل أن تفعل وجدت رأسها مكبلة بيده ،، يقبلها بنهم وهو في حالة خدر كأنه يتذوق فاكهة الخلود .
في بادئ الأمر أراد أن يثبت لها وللحضور ملكيته فيها ولكن ما إن لامست شفتيه خاصتها وجدت نفسه يغرق مقيداً في تلك القبلة ، مجبوراً على تذوق المزيد ، فالتوقف الآن ليس في استطاعته .
أما هي تشعر وكأن أحدهم جردها من ثيابها أمام الجميع ،، لم تتخيل أبداً فعلته تلك والتى سيكون لها عقاباً رادعاً ، فحتى أنه أضاع عليها لذة المشاعر لقبلتها الأولى بسبب خجلها ولن تغفر له ذلك .
أما خديچة فأسرعت تدير وجهها عنهما بعدما توردت وجنتاها خجلاً تحت أنظار ماركو الذي صب تركيزه عليها منذ أن نزلت إلى الحديقة يحسبها هينة وفي الحقيقة بينها وبينه كمن يقف على الأرض ويشاهد نجماً في السماء .
حتى عائلتها جميعها شعروا بالحرج ولفوا وجوههم ليتجنبوا النظر لتلك القبلة التى يفترض أن تكون خاصة بهما دون وجود أحد .
حتى آسيا شعرت بالحرج من فعلته .
الوحيدة التى تصفق لهما بسعادة هي تلك المتمردة مايا ، تلك الجميلة التى تقفز كالأطفال وتصفق وتصفر كأن سعادتها ارتبطت بسعادة شقيقتها ، يتابعها عن بعد مناسب عمر الذي تراوده أفكاره للذهاب إليها وسحبها للداخل ويلزمها بتبديل هذا الفستان شبه العاري الذي غضب عندما رآها ترتديه .
يعلم أنه أحبها ولكن عليه سحق هذا الشعور الغير جائز لكليهما ، لذا فهو يقف يتابعها ويدعي الثبات وهو أبعد ما يكون عنه .
أما نارة فلم تجد سبيل للخلاص إلا بالضغط على قدم صقر بحذائها ليعود لرشده ، وبالفعل ضغطت بقوة على حذائه فتألم فاستعاد وعيه لذا بدأ يحل وثاق شفتيها من بين خاصته ليبتعد ببطء وينظر بعيون شبه مغلقة من فرط المشاعر لملامحها التى تشتعل بخليط من الخجل والغضب .
ابتسم على هيأتها وتحدث لا مبالياً أمام عينيها :
– مبارك زوجتي الجميلة .
اخفضت نظرها عنه ووقفت تخجل من النظر في عين الحضور ، لولا حكمتها في وزن الأمور لكانت تركته ودلفت وليحدث ما يحدث ،، كيف يفعل تلك الحركة الخاصة أمامهم هكذا دون خجل ؟ ،، لقد أحزنها حقاً منذ اللحظة الأولى التى أصبحت فيها زوجته .
إهدئي الآن يا نارة حتى لا تنتزع سعادة الجميع ولتتركي الحساب لاحقاً .
أما هو فلف ذراعيه حول خصرها المتصلب ومال عليها يردف بهمس ومغزى وجرأة غير معهودة :
– لا داعي لتصلب جسدكِ جميلتي ،، أعلم جيداً كيف أجعله يلين .
أصطبغت وجنتيها حمرةً وصُدمت من جرأته التى يبدو أنه أدخرها لهذا اليوم ، تنهدت بقوة ثم مالت على أذنه تردف بالقليل من الحدة :
– أنت تسببت في إحراجي وحزني ،، فليمر الحفل بسلام وسيبقى لكل مقالٍ مقام .
هل تهدده أم هيئ له ؟ ،، تمنى أن يكون فهمها بطريقةٍ خاطئةٍ وأنها فقط تمازحه ،، فتصرفه طبيعياً جداً في تلك اللحظة .
أخرج العلبة من جيب سترته ولف يقابلها ثم تناول بهدوء كفها الأيمن ورفعه لفمه يلثم موضع خاتم الخطبة ثم نزعه برقة وهي مستسلمة تنظر لعينه بترقب .
تناول كفها الأيسر يلبسها الخاتم في خنصرها الأيسر ليؤكد أنها باتت زوجته .
لثم كفها الأيسر أيضاً واعتدل يغمز لها بعينه لتتنفس بقوة وتحاول لف عينيها الملتمعة عنه .
فتح العلبة أمام الحضور وأخرج منها قلادة تابعة لوالدته ، قلادة تعد من أثمن الأشياء لديه ليس بسبب هذا الحجر النادر الذي يعد ممن أندر الأحجار ويدعي ( حجر السيرينديبايت ) ولكن لأنه ذكرى من والدته الغالية.
يبدو أن هذا الحجر الكريم صمم خصيصاً لمارلين فقط نقش إسمها عليه ولهذا فهي أحق البشر به .
هي التى ستأخذه إلى العالم التى تمنت مارلين أن يذهب إليه ، يعترف داخله مهما كابَر أنه أضاع بوصلة مساره ولكنه وجد من تمتلك خريطة المسار الصحيح ، لذا فهى أحق الناس بتلك القلادة .
تناول السلسال بين يديه ووضع العلبة على الطاولة المجاورة ثم نظر لها بحب ليردف بترقب :
– هل تسمحين لي جميلتي !.
تنفست بقوة وهي تنظر للقلادة بتعجب ، تعلم أنها ثمينة فقد قرأت عن تلك الأحجار وتعلم ندرتها ، لتسأله عن ذلك ولكن ليس الآن .
أومأت له تحاول إزاحة طرحتها ليتسنى له تلبيسها وبالفعل مالت عليه قليلاً برأسها ليلف يديه حول عنقها ويلبسها تلك القلادة بهدوء أمام عيون الحاضرين .
ابتعد ينظر للقلادة بعمق ثم لها ، نظرة فسرتها هي على أنها احتياج مختلط بالإنتصار ، نظرة جديدة تراها الآن منه ولكن تبدو ناطقة وكأنه يريد قول شئ تعجز لسانه عن نطقه .
بدأ الحفل يأخذ مجراه وتناسا الحضور تلك القبلة وجاهدت هي لتتصنع السعادة بينهم ولكنها ما زالت محرجة خصوصاً وأن قبلته لم تكن عادية ، أما هو فيقف مجاوراً لها لا يتركها أبداً حتى عندما اتجهت لترحب بالحضور مع والدتها .
بعد دقائق استأذنت أسرة خديچة لتغادر الحفل وقد سمح بهجت لإبنته أن تظل لبعض الوقت وبالفعل وقفت تتحدث مع مايا عن فستان نارة وتفاصيله بعدما غادرت صديقات مايا .
لفت عينيها تجول المكان وهي تتحدث فتوقفت عند ذلك الذي كان يصوب نظره عليها ، غمز لها بعينه وابتسم ابتسامة جعلتها تشمئز وتبعد وجهها عنه مرددة :
– استغفر الله العظيم .
تعجبت مايا ولفت تنظر لمرمى بصرها فرأته فعادت بوجهها إليها متسائلة :
– مالك يا ديچا ؟ ،، عمل إيه المز ده ؟
نظرت لها بحنق قائلة :
– مز إيه بس صلي على النبي ،، ده واحد شكله مش مضبوط خالص ، ربنا يكفينا شره .
ضحكت مايا عليها عالياً أمام عين عمر الحانق وقالت بمرح :
– إنتِ فظيعة يا ديچا ،، ده قريب صقر ، ومش مسلم ، يعنى اطمني مينفعكيش ، بس متنكريش إن هو مز .
قلبت خديچة عينيها وهزت رأسها بعدم اقتناع من حديث مايا ثم زفرت قائلة بضيق :
– مايا أنا هروح أسلم على نارة وأمشي ، يالا سلام .
ودعتها ووقفت تتجه حيث تقف نارة ترحب بإبنتي السيد محمد .
مالت عليها قائلة بهمـ.س :
– نارو أنا همشي بقى علشان إنتِ عارفة إني بنام بدري ، ألف مبروك يا حبيبتى .
دارت نارة تجاهها ثم عانقتها فجأة بحنو قائلة بامتنان :
– شكراً يا خديچة ،، شكراً على كل حاجة عملتيها علشاني .
ابتعدت خديچة عنها تردف معنفة بعيون لامعة تبادلها الحب الأخوي :
– شكر إيه بس هو أنا عملت إيه يا نارو ، يالا أشوفك على خير .
أومأت لها نارة بينما نظرت إلى صقر تردف باحترام وهدوء :
– مبروك يا صقر بيه .
أومأ لها مبتسماً فتحركت تغادر الحفل وتبتعد عن أنظار هذا الذي صُدم من تجاهلها له بل ومغادرتها الحفل بسببه وهذا يحدث معه للمرة الأولي .
بعد وقتٍ وقف عمر يتابع مايا من بعيد ، يبدو أنها تتعمد تجاهله ، فمنذ بداية الحفل وهي حتى لم تنظر إليه ، ربما أخطأ في حديثه الأخير معها ولكنه أراد أن يبعدها عن طريقه ، هي بالأساس تخطو في طريق مختلف ، طرقهما لا يلتقيان .
اتجهت إليه السيدة لبنى لتودعه قبل أن تغادر مع مساعدتها السيدة نادية بعدما ودعت آسيا وشكرتها على دعوتها حتى لو عرفتها على أنها صديقتها يكفيها حضور فرح تلك الصغيرة الجميلة نارة .
تحدث باحترام وود لتلك السيدة التى هي بمثابة أمٍ له :
– لسة بدري يا أمي ،، خليكي كمان شوية .
ربتت على كتفه مردفة بحنو :
– مينفعش اتاخر برا أكتر من كدا يا عمر علشان الدار ،، عن إذنك يا حبيبي ، وعقبال ما افرح بيك مع بنت حلال تحبك زي ما فرحت بنارة وشوفتها عروسة ، ربنا يسعدكوا يا إبنى يارب .
نظر لها بامتنان ثم تحدث بهدوء :
– تسلمى يا أمي ،، بس ثواني هاجي أوصلكوا .
أوقفته تمنعه قائلة :
– مافيش داعي أبداً ، السواق معانا برا ، يالا يا حبيبي مع السلامة .
اتجه معها حتى أوصلها لسيارتها ثم عاد مجدداً للحفل الذي قارب على الإنتهاء بعدما غادر معظم الحضور .
بعد وقتٍ آخر تقف نهى وأسرتها تودع شقيقها وزوجته نارة بعد أن باركت لهما ثم غادرت مع زوجها وطفليها ولم يتبقى سوى آسيا ومايا وعمر وماركو فقط مع العروسين .
نظرت نارة إلى آسيا بعيون لامعة ،، ها قد حانت اللحظة التى ستترك فيها منزلها وتذهب لمنزله ، ستستيقظ دون وجود والدتها وشقيقتها ولكن ستجده هو ما إن فتحت عينيها .
نزلت دموع آسيا واحتضنت إبنتها الغالية تعانقها بقوة شديدة ، كأنها لا تود تركها .
مال ماركو على أذن صقر وأردف بهمـ.س ساخراً :
– أولم تنتقل للفيلا المجاورة يا رجل ؟ ،، ويلٌ لهؤلاء النسوة يعشقن البكاء حتى في لحظات السعادة ، إنهن مصدر الكآبة حقاً .
لم يعره صقر إهتمام بل نظر لآسيا وتحدث حتى يفك حصارها من حول زوجته قائلاً بثقة :
– أعتقد أنكِ تبالغين سيدتي ، يكفي أن تفتحي نافذتكِ صباحاً وستريها .
ابتعدت بالفعل عن نارة التى بكت أيضاً وهذا ما أزعجه ، ظهور دموعها لأول مرة أمامه كان لها تأثيراً سلبياً على مشاعره .
تحدثت آسيا بحب وهي تنظر إلى إبنتها :
– صقر معاه حق يا حبيبتى ،، حقك عليا خليتك تعيطي يوم فرحك ، يالا روحي مع جوزك .
أومأت لها نارة واتجهت تعانق مايا التى التصقت بها بقوة ، بادلتها نارة ثم ابتعدت تبتسم لها فوجدتها تبكي أيضاً كالأطفال مردفة :
– نارو هو إنتوا مينفعش تيجوا تعيشوا معانا هنا ؟ .
ابتسمت نارة عليها بينما تحدث صقر بثبات :
– إيه رأيك لو نعكس الوضع ؟
نظرت له مايا بتفكير ثم تحدثت بتحشرج :
– مش هينفع طبعاً .
هز كتفيه لها بمعنى أن الأمر مماثل له بينما نظرت نارة إلى عمر تردف بامتنان :
– شكراً يا عمر على وقفتك معانا وعلى التحضيرات اللي باشرت عليها ، حقيقي تسلم .
نظر لها بود وسعادة فقد تزوجت من هي بمثابة أختٍ له دون حتى أن تعلم أنه هو أخوها عمر ولكن يكفي أن تكن سعيدة دوماً ، تحدث برتابة قائلاً :
– متقوليش كدة أنا معملتش غير واجبي .
وأخيراً نظرت له تلك المتمردة ، نظرة فخر به وبحديثه وبمساندته لهن ، بادلها بنظرة هادئة لتبعد عينيها عنه وتدعي اللا مبالاة مجدداً .
تنفست نارة بقوة لتهيئ نفسها للقادم بينما لف صقر ذراعه حول خصرها يردف بحب وغموض :
– لنذهب الآن جميلتي ؟
أومأت له واتجها إلى ڤيلته وتبعهما ماركو بناءاً على تعليمات صقر الخفية .
أما عمر فتحمحم ونظر إلى مايا فوجدها تدعي الإنشغال عنه لذا تحدث إلى آسيا قائلاً بتروي:
– عن إذنك يا آسيا هانم ، تصبحوا على خير .
أوقفته آسيا قائلة بنبرة حنونة :
– خليك هنا النهاردة يا عمر ؟ ، مافيش داعي تروح دلوقتي ادخل نام في الملحق وكدة كدة إنت هتكون هنا بدري .
تنفس بقوة ، لا يود ذلك ولكن حقاً سيكون هنا صباحاً ليوصل تلك المتمردة إلى جامعتها لذا نظر في ساعته فوجدها قاربت على منتصف الليل فرفع نظره إليها قائلاً :
– مافيش داعي يا آسيا هانم الوقت مش متأخر أوي ، عن إذنكوا .
أومأت آسيا وتركته على راحته ، لا تعلم لما عاد لمنزله مجدداً ولم تسأله ولكن بعد زواج نارة هي تحتاج إليه أكثر من ذي قبل ، فهى رأت التغيير الإيجابي الذي ظهر على مايا خلال تلك الأشهر وتخشى عودتها لما كانت عليه لذا فوجوده حولهما أنسب قرار خصوصاً بعدما أثبت حسن أخلاقه وتعامله معهن .
غادر وظلت مايا تنظر عليه حتى غاب عن عينيها لتتنفس بقوة ثم تلتفت للداخل مع والدتها .
❈-❈-❈
في ڤيلا صقر
وصلوا ودلفوا الحديقة بينما دار صقر لينظر إلى ماركو قائلاً بغموض :
– انتظرني هنا .
أومأ بثبات وتوقف مكانه وأكمل صقر طريقه مع نارة حتى وصلا إلى باب الڤيلا ثم فتحه ودلفا سوياً وأغلق خلفه .
تمـ.سك بكفها يطالعها بحب وسعادة وتطالعه هي بتوتر وخجل .
صعدا معاً إلى غرفتهما ، تتحرك معه بجـ.سدٍ على وشك الإختفاء ، ولو تعلم كيف تختفي الآن لفعلتها ، نبضاتها تدق بعنف من شدة توترها وخجلها ، يشعر بها جيداً ويقدر حالتها ، ولكن عليها أن تهدأ وتطمئن فلن تجد بشراً أحن عليها منه .
فتح باب غرفته ودلفا سوياً ثم توقف في منتصفها يلفها إليه قائلاً بهدوء ليبث فيها الطمأنينة بعدما رأى شحوب ملامحها :
– أشعر في هذه اللحظة أنني ذئبٌ مفترس ،، اهدئي غاليتي فلم ولن أمسسكِ بسوءٍ أبداً ، فقط سأحبكِ دوماً .
هي تحاول ، تحاول أن تهدأ ولكن تخالفها أفكارها ومشاعرها ،، حتى أن فكها أصبح يرتعش ولا تستطيع السيطرة عليه .
أنزل بصره إلى فكها ليقابل شفـ.تيها التى تتحرك لا إرادياً فباتت كنداهة تناديه ليلبي طلبها على الفور وينحني متذوقاً إياهما مجدداً بتهمل وعشق .
تلك المرة لم يكن داخـ.لها ذرة غضب ، بل خجل ودهشة من تلك المشاعر ، اتخذت هذه كقبلة أولى لها عن تلك الأخرى المخجلة ، شعور غريب أشبه بتذوق قطعة نادرة من الشوكولاتة السويسرية .
كفيه احتضنت وجهها وغاص معها داخل تلك الدوامة الرائعة ، يحاول مجدداً أن يبتعد ولكن تجذبه قبلتها كأرضٍ تحتضن سكانها .
ابتعد أخيراً بعدما شعر بحاجتهما للتنفس وبالفعل تنفسا بعمق ثم ابتسم يردف وعينيه مغلقة وجبينه مستنداً على جبينها يقابل عينيها المغلقة أيضاً :
– الآن يمكنني بسهولة الإقلاع عن التدخين ، لتحل قبلتكِ المُخدرة تلك محل سيجارتي اللعينة .
مبعثرة هي الآن وتائهة بين مشاعر جديدة وأفكار صاخبة وحديثه الممتع ، تريد أن تتحدث بأي كلام ولكن خانها لسانها فلم تستطع النطق .
ابتلع لعابه وجاهد للتحكم في مشاعره التى اشتعلت ثم قال بهدوء :
– ناردين ، انظري إلي .
فتحت عينيها ببطء لترفعها إلي عينه فابتسم على هيأتها ثم تحدث بتروي :
– إسمعيني ،، الآن سأذهب لمدة ساعة ،، سأوصل ماركو للمطار فكما تعلمين تلك زيارته الأولى لمصر وعليّ أن أوصله بنفسي ، لن أغيب عنكِ سوى ساعةً واحدةً ، هل تقبلين ؟
تعجبت من حديثه حتى أن مشاعرها تبخرت لترتطم بواقعها ،، أيود تركها الآن ؟ ،، ولسببِ تراه غير مقنعاً ، عن أي توصيل يتحدث أيعد هذا الماركو طفلاً صغيراً ؟ .
ولكن ربما كان محقاً ، فماذا عليها أن تفعل سوى القبول ، ولتعتبر تلك الساعة هدنةً لها لتتخطى هذا التوتر والخوف ولتضبط أمورها ، ولكن أولم تكن تلك مهامه ، هو من عليه تهدئتها ، هو من يجب أن يحتويها ويطمئنها ؟
أدرك حيرتها وتعجبها فتابع محاولاً إقناعها بنبرة أكثر سحراً :
– حسناً هناك مفاجأة ولكن لن أتحدث عن تفاصيلها الآن ، فقط سأذهب ساعةً واحدةً وأعود على الفور .
أومأت له بعد أن استطاع إقناعها ثم تحدثت بهدوء ونعومة وصوتٍ متحشرج :
– حسناً سأنتظرك ، ولكنك أحزنتي اليوم بسبب تلك القبلة ، لتضع هذا في حساباتك .
وضع سبابته على شفتـ.يها يتلمـ.سهما ببطء لتغمض عينيها تأثراً من فعلته ثم قال وعينه معلقة عليهما :
– إن أخبرتكِ أنني لم تكن نيتي التمادي هل ستصدقين؟، فقط كنت أود تقبيلكِ قبلة عابرة أعبر بها عن سعادتي بدخولكِ إلى حياتي ولكن ما إن لامـ.ست شفتاي خاصتك وجدت نفسي أسيراً بهما ، ولهذا ليس على الأسير حرج .
هو بارع باللعب على أوتار مشاعرها ،، فقد استطاع حل الأمر بكلمتين ، تلك النارة التى دوماً حكمت عقلها أولاً واتخذت قراراتها بالمنطق والتأني ها هو يسحرها بكلماته لتومئ برأسها وتبتسم له قائلة بهدوء وحب :
– عد سريعاً .
أومأ إيماءةً واحدةً قائلاً :
– لكِ ما تريدين .
تحرك مجبراً من أمامها ليتركها في غرفته ويغلق الباب ثم ينزل للأسفل ومنه للخارج ثم أوصد باب الڤيلا الأساسي واتجه إلى ماركو الذي ينتظره وقد تبدلت ملامحه ليحل محلها الوجه المظلم له وتحركا للخارج حيث البوابة .
نظر للحارس الإيطالي وتحدث بنبرة جليدية مخيفة :
– إن مرت ذبابة للداخل فسأدفنك معها في قبرٍ ضيق ، كن حذراً .
أومأ له بثقة وثبات ووقف الحارس المصري يطالعه بتوتر وقد ارتعب من نظراته .
استقل صقر سيارته وجاوره ماركو وتحركا لوجهتهما .
تحدث صقر بثبات يتساءل ليؤكد ظنونه :
– قلت أنك لم تخبر ميشيل ولا غيره ؟
لف ماركو له قائلاً بتأكيد :
– بالطبع لم أخبر أحداً .
أومأ ثم نظر له مع التفاف سيارته قائلاً بابتسامة خبيثة :
– إذاً حاسوبك تحت مراقبته .
تعجب ماركو يضيق عينيه لثواني ويفكر ثم تحدث قائلاً :
– حاسوبي أنا ؟ تقصد ميشيل ؟ ،، كيف يفعل بي هذا .
ابتسم صقر ساخراً ثم تحدث بمكر مترقباً رد فعل ماركو :
– لنستغل هذا لصالحنا ، فمنذ تلك اللحظة وميشيل أصبح على عداءٍ معي ، خطط لقتل زوجتي بدلاً عن أن يبارك لي ، إذاً هو من قرر اللعب ولستُ أنا ، والآن عليك اختيار جهتك ، معي أم معه .
ضحك ماركو وتحدث باستنكار وحسم :
– أجننت يا رجل ؟ ،، وتتساءل ؟ ،، أنت تعلم جيداً أنني أكرهه ، بالطبع أنا معك .
أومأ صقر يبتسم بغموض ليبدأ عقله في ترتيب الأحداث القادمة وزاد سرعته بينما عاد ماركو إليه يتساءل بعد أن تذكر أمر تلك الفتاة :
– كان هناك فتاةً محجبةً تجاور زوجتك ،، من هي ؟
تحدث صقر بجدية محذراً :
– إبتعد عنها تماماً ، هي بالنسبة لك كالشمس لمصاصي الدماء ،، ستفنيك .
لف يطالعه ويتعمق في تشبيهه ، ربما لأنها متدينة ، ربما لأنها مسلمة ، ولكن ليس هناك مستحيلاً في الحياة ، ليس هناك مستحيلاً في قاموسهم .
❈-❈-❈
في منزل بهجت والد خديجة
يجلس بشرود يفكر فيما حدث في تلك الحفلة وأصحابها ، عاداتهم وطباعهم ليست مناسبة لعائلته .
هو يسعى لرضا الله ورآى في نارة الفتاة الخلوقة والصالحة لذلك رحب بها وسط عائلته حتى ولو لم تكن محجبة .
ولكن ذاك العريس لم يرق له أبداً ، لم يسترح لنظراته ، وما فعله في الحفل زاد من قلقه منه .
جاءت خديجة من غرفتها بعد أن انتهت من تلاوة وردها اليومي ، جلست مجاورة لوالدها تردف بحنو وترقب :
– اعملك فنجان قهوة يا بابا ؟
نظر لإبنته بعمق ، أصبح في زمن يخشى عليها وعلى شقيقها منه ، هو استودعهما عند الله الذى لا تضيع ودائعه ولكن نفسه البشرية توحي له بالخطر الحائم حول أسرته ، لذلك عليه أن يحجبهما عن أي خوفٍ أو شبهات .
لاحظت شروده في ملامحها فتابعت بتساؤل :
– مالك يا بابا ؟ ،، حصل حاجة زعلتك ؟.
استغفر قائلاً بتروي :
– الجدع اللى اتجوز ناردين ده مرتحتلوش يا ديچا ، نظرته غريبة ، ده غير صاحبه اللى ظهر النهاردة جنبه ، لابس سلسلة وعامل وشم في دراعه ، الناس دي مش زينا يا بنتي .
مدت يدها تلتقط يده بين راحتيها بحنو ودلكتهما قائلة بدلال أم لأبيها :
– فهماك طبعا يا بابا ومقدرة قلقك ، بس صقر وقريبه حياتهم كلها كانت برا ، وكمان باباه ومامته متوفيين من فترة طويلة وخاله اللى مربيه ، ده غير إنهم مش مسلمين والوضع ده عادي عندهم .
هز رأسه رافضاً تحليل إبنته يردف بثقة :
– لا يابنتب ، اللى عايز يمشي صح بيمشي ، طب ما ناردين عايشة طول عمرها برا هي كمان بس هي بنت خلوقة ومحترمة ، دي عملت كتاب أنا نفسي استفدت منه جداً ، وجنبنا هنا جيراننا الأقباط ناس طيبين جداً ومتدينين ، بس الجماعة دول فيهم حاجة مختلفة ، حتى الحراس اللى على ڤيلته شكلهم يخوف ، ربنا يستر على صاحبتك بس الأحسن يا بنتي خليكي بعيد عنهم .
تنهدت بعمق وحاولت تبادل النقاش فهي أصبحت لا تستطيع الإبتعاد عن ناردين لذا قالت بهدوء وصوتٍ منخفض ورتابة :
– حضرتك طبعاً أكتر خبرة منى ، بس مش يمكن ربنا أراد أن الناس دي نتعرف عليهم ونشوفهم علشان هو عايزهم أفضل ، يمكن نكون سبب أنا أو نارو أو حضرتك في إنهم يحاولوا يعدلوا مسارهم ،، ليه نبعد لما ممكن نقدر نعمل حاجة صح ؟ ، مش ربنا أمرنا بكدة لما قال في سورة النحل بسم الله الرحمن الرحيم ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) .
صدق على كلام الله وأومأ يردف بقلق :
– بس إحنا مش ملزمين بإصلاحهم يا بنتي ، أنا مش ولي ولا عالم علشان أقدر أقيمهم ، هما لو عايزين يتغيروا هيتغيروا ، أنا قدرتي تشمل عيلتي بس ، علشان كدة أنا خايف عليكم .
تنفست بقوة ، تقتنع بحديث والدها ولديها قناعة أيضاً بأن كل حدثٍ يحدث حولها له حكمة لا يعلمها إلا الله لذا تحدثت بحنو :
– متقلقش يا بابا ، إحنا في رعاية ربنا إن شاء الله ، وبنصدر بأخلاقنا وتربيتنا الوجه الحقيقي للإسلام ، علشان كدة اطمن وتأكد إن ربنا ليه حكمة في تنظيم الأمور ، ثم إن ناردين عاقلة وأنا متأكدة إنها هتقدر تخلي صقر يلتزم لأنه فعلاً التزم بشروطها طول فترة خطوبتهم ، وبعدين مش حضرتك دايماً تقول إن يا بخت اللي ياخد بإيد حد عاصي ؟
نظر لإبنته لثواني ثم أومأ يردف بهدوء :
– أيوة يا حبيبتي ، يمكن معاكي حق يا خديجة ،، بس للأسف بقينا في زمن يخوف ، غصب عني يابنتى خايف عليكوا من الفتن .
مالت تنظر لعينه قائلة بيقين وثقة :
– متقلقش يا بابا ، ربنا إن شاء الله يكفينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .
ابتسم لها يطالعها بفخر لما وصلت إليه من حكمة وإيمان داعياً الله أن يزودها بعلمه دوماً .
❈-❈-❈
بعد مدة في مكان صحراوي مظلم توقفت سيارة صقر وترجل منها هو وماركو يسيران باتجاه هذا المنزل الذي يحيطه سور نهايته وبدايته عند بوابة حديدية .
دلف ليجد عدداً من رجاله ينتشرون حول المكان .
نظر صقر بعينه لأحدهما فأومأ وخطى لداخل المنزل الذي يحتوى على بهوٍ واسع وغرفتين .
يوجد في البهو رجل يبدو عليه الرتابة يرتب أغراضاً ما وضعت بعناية على طاولة جانبية والذي لم يكن سوى ( جرّاح متخصص ) .
وفي منتصف المكان ثلاث مقاعد قُيد عليها كلاً من الرجلين والفتاة .
أحكمت أذرعهم للخلف مقيدة بشدة وبطريقة مؤلمة وهذا يظهر من بكاء تلك الفتاة التى كانت ستساهم في قتل زوجته .
بينما أرجلهم قيدت بحبال متينة مؤلمة .
رأته تلك الفتاة فزاد نحيبها وتحدثت بشهقات تدل على تألمها مردفة بترجي وتوسل :
– أبوس إيديك أنا ماليش دعوة ، هو أداني فلوس ومعاهم إزازة وطلب مني أحطها في العصير ، أنا حتى معرفش في الإزازة دي إيه ، أبوس إيدك خليني أروح .
ضحك ساخراً ووقف ينظر لها نظرة سوداء غير مبالياً بتوسلاتها قائلاً باللهجة المصرية حتى تفهم عليه وبنبرة تدب الخوف في قلب من يسمعها :
– تحبي تجربيها بنفسك ؟
قالها وهو يخرج الزجاجة من جيبه ويحركها أمامها لترتعش وتهز رأسها عدة مرات بعدما أدركت أنه لا يمزح .
نعم هي تعلم جيداً ما في هذه العبوة قبل أن تراها حتى ، علمت ووافقت على وضعها في عصير العروس لتحصل فقط على القليل من المال .
زاد نحيبها وهي تحاول تحريك ذراعيها وقدميها بتألم لتجد مخرجاً آخر قائلة :
– لاااا ، لا يا باشا أبوس إيدك سامحني ، هما اللى غصبوا عليا وهددوني .
كان الرجلان يتابعان ما يحدث بصمتٍ تام وهما يدركان جيداً المصير الذي ينتظرهما فأحدهما مجرم متسلسل يعمل لحساب ميشيل والآخر منفذ لأي أمر من أجل المال .
تحدث صقر وهو يقترب منها ليعود للغته ونظرته المرعبة قائلاً :
– توقفي عن الكذب والثرثرة .
لم تفهم عليه ولكن نظرته كانت كفيلة لتخرسها .
أومأ يبتسم قائلاً بتوعد :
– جيد جداً ، والآن لنجعل عينيكِ ترى هذا الحدث .
تحرك حتى وقف أمام الرجلين ثم وضع الزجاجة على طاولة أمامهما عليها كوباً من عصير البرتقال وأخرج من حول خصره سلاحه ووضعه بجانبهما ثم رفع نظره إليهما وابتسم قائلاً بتشفي :
– والآن سأبدو عادلاً ، وأجعل كلٍ منكما يختار طريقة خلاصه .
تحدث رجل ميشيل الذي فهم عليه جيداً يقول بجمود برغم علمه أن مصيره هو القتل :
– ليكن لك الإختيار ، واعلم أنك ستواجه نفس المصير ، فكل الأشرار نهايتهم واحدة .
ضحك عالياً ليكشر عن أنيابه ثم قال بتباهي ينافي هذا الخوف الذي مر عليه سريعاً وغادر :
– هناك نهايات عظيمة حتى للأشرار ولكن بالطبع لن تكن نهايتك .
تبع جملته بتناول سلاحه المعلق به كاتم للصوت وقام بإطلاق رصاصة في منتصف صدر هذا الرجل دون تردد ليلقى مصيره في الحال .
صرخت الفتاة بانهيار فأشار لها صقر بعيون جاحظة واضعاً مقدمة المسدس على فمه في حركة تعني الصمت فأومأت عدة مرات وجـ.سدها أصبح يرتعش بينما الرجل الآخر كان شبه ميتاً .
فتح صقر تلك الزجاجة وأفرغ محتواها في كوب العصير ثم قام بتقليبه واتجه لهذا الرجل يقرب العصير من فمه قائلاً بتشفي وغضب :
– هيا ، اشرب .
نظر له الرجل نظرة كره وحقد فلم ينتظر صقر المزيد من الوقت حيث ضغط علي فكي الرجل بيده اليمنى ثم أفرغ داخل فمه محتوى العصير كاملاً وابتعد واضعاً الكوب على الطاولة ووقف يتابع تأثير تلك المادة عليه وبالفعل بدأ جسد هذا الرجل يرتعش بشدة قبل أن يفارق الحياة هو الأخر بعد دقائق ليزيد من غضبه وهو يتخيل ما كان سيحدث .
أكانوا سيفعلون هذا في من يمكنه قتل الشياطين لأجلها ؟ ، كانوا سيقتلونها بتلك الطريقة ؟ ، يتخيل ماذا لو لم يلحق بها كيف سيكون مصيره حينها ، كيف ستكون حالته ؟ .
أما تلك الفتاة فقد توقفت عن الصراخ بعد ما رأته ، لم تعد تترجاه فيبدو أنها وقعت في يد قاسي لا يرحم .
ومؤكد ستكون نهايتها مثلهما ، ولكنه اتجه يقف أمامها ثم قال بلهجة مصرية وبابتسامة بدت كأنها ودودة :
– متخافيش ، مش هقتلك زيهم ، بس هكتفي بقطع لسانك ، أظن إنك مش هتحتاجيه في شغلك ، علشان مرة تانية لو حد عرض عليكي تقتلي عروسة متعرفيهاش يوم زفافها تفتكري كويس اللحظة دي ، ولو حكيتي بأي طريقة عن اللي حصل دلوقتي هترجعي هنا تاني ومش هتخرجي .
هزت رأسها ونظرت له بعيون متوسلة باكية وصوت بدى شاحباً لتترجاه ولكنه تحرك لهذا الرجل الذي يقف أمام تلك الطاولة وقال بجمود قبل أن يتجه للخارج مع ماركو :
– تعلم ما عليك فعله .
اندفع للخارج بعدها وتبعه ماركو الذي شهد على كل ما حدث ليقف أمام رجليه قائلاً بجمود :
– نظفا المكان ثم خذا تلك الفتاة وابعداها عن هنا وأرسلا لي صور هذان المخنثان .
أومئا باحترام بينما تحرك ليغادر وماركو يتبعه متسائلاً :
– لمَ تركت الفتاة ؟ ماذا إن وشت بنا ؟
ابتسم بثقة وهو يستقل سيارته قائلاً بعد أن جلس وجاوره ماركو :
– لن تفعل ، والآن لأوصلك إلى المطار ، فلدي زوجة تنتظرني .
تحرك بالفعل يقود متجهاً إلى المطار الدولي حيث ستقلع طائرة ماركو العائدة إلى إيطاليا .
❈-❈-❈
في الثانية صباحاً
تجلس نارة على مقعدٍ في غرفة صقر بعد أن أبدلت ثوب زفافها وارتدت قميصاً حريرياً مناسباً لهذه الليلة .
تنتظره بملامح حزينة غاضبة ، لقد أخبرها أن تنتظره ساعةً واحدةً والآن مر أكثر من ثلاث ساعات ولم يأتي وهاتفه مغلق .
لن تنسى أبداً ما فعله معها في هذا اليوم المميز ، تخشى أن تصدق أنها وقعت في فخٍ نُصب لها بعناية .
تحاول تنقية أفكارها وتسعى لفرض حسن النية ولكن تجد أفكارها تقودها إلى مكانٍ مظلم .
ولكن ماذا إن أصابه مكروه ؟ ،، جلست بعقلٍ يتآكلها قلقاً وخوفاً وغضباً لا تعلم ماذا تفعل .
لقد استعملت كل وسائل الإقناع ولكن دون جدوى ،، حسناً هل تركها ورحل ؟
ابتسمت تهز رأسها لتنفض تلك الشحنات السلبية منه ووقفت عازمة أمرها على الخروج إلى الشرفة وإضاعة المزيد من الوقت ليحظى عقلها معه بفرصة أخيرة قبل أن تقرر قرارها الأخير .
ارتدت مئزرها واتجهت للشرفة التى تجاور شرفتها السابقة وجلست على مقعده الذي كان يجلس عليه أمامها يتابعها وهي تقرأ بتركيز .
زفرت مطولاً ثم نظرت حولها للمكان ، الحرس يستبدلون أماكنهم ، تبدو ملامحهم باردة ، لاحظت مسبقاً أنهم لا ينظرون إلى عينيها ، شردت قليلاً في أمرهم ولكن أخرجها من شرودها فتح بوابة الڤيلا وعبور سيارة صقر منها .
عاد الغضب إليها بعد أن اطمأنت لرؤيته سالماً ، يكفي أن يكن بخير ولكن هذا لا يمنعها من الأخذ بالثأر لما فعله بها اليوم .
عادت للغرفة ثم خارجها ونزلت للأسفل وقبل أن تتجه للخارج وتكتشف وصد باب الفيلا عليها كان هو قد فتح الباب ودلف يطالعها وهي تتقدم منه والغضب يتلألأ في عينيها الجميلة .
ابتسم يلف وجههُ عنها مدعياً الخوف قائلاً :
– أوو ،، يبدو أن أحدهم سيبتلعني .
تجاهلت سخريته ونظرت له بضيق تشبك ذراعيها أمام صدرها متسائلة :
– أخبرني عذراً واحداً يجعلني أسامحك صقر ، وحتى إن أخبرتني لن أسامحك .
ضحك يهز مكنبيه ويعرض ذراعيه أمامها قائلاً باستسلام :
– إذاً الأمر منتهي ، لا داعي للثرثرة .
ظهر الحزن على ملامحها ،، والآن بات الموقف لا يحتمل المزاح ، حتى أنه لمح غيمة دموع تحاول التحرر من عينٍ شامخةٍ تأبى سقوطها .
لعن نفسه ولعن كل من حوله ، حتى عالمه المظلم لعنه ، لقد تسبب في إحزانها حقاً ، أياعني هذا الرجل من انفصام ؟ أنسيَ قسوته منذ قليل ؟ ، حقاً أنه ثري العشق والقسوة .
تقدم منها فابتعدت للخلف تشير له بيديها أن لا يحاول مجدداً اللعب على عواطفها .
زفر بقوة ، لولا تأكده أنه مخطئاً لكان له رد فعلٍ مختلف فهو يكره الرفض ولكنه يلتمس لها العذر ، لذلك حاول بطريقة أخرى قائلاً بهدوء :
– حسناً لن أطلب السماح ولكن دعيني أخبركِ أمراً ، فقط لا عليكِ سوى الصعود للغرفة وتبديل هذا الثوب الذى أود تمزيقه بملابس مناسبة للسفر .
حسناً اختلطت الأمور على عقلها ، من خجلٍ وغضبٍ وتساؤلات ، هل قال سفر ؟ أي سفر .
نظرت له بعيون متسائلة فأخرج من جيبه جوازين للسفر واحداً له والآخر تابعاً لها وبينهما تذكرتان لا تعلم هويتهما .
أشار لها بيده التى تحملهما قائلاً بنبرة مؤثرة :
– هذا سبب تأخيري ، كنت أعد لكِ تلك الرحلة ،، فهل تقبلتِ إعتذاري يا سيدتي ؟
نظرت متعجبة لجوازها فكيف حصل عليه وأدرك سؤالها فأجاب :
– الفضل يعود للسيدة آسيا هي من جلبته لي دون علمكِ ، والآن أخبريني هل ستأتين معي أم أذهب بمفردي ؟
نظرت له نظرة حانقة جعلته يبتسم ويعاود التقدم منها بعد أن استشف هدوءها وبالفعل سكنت قليلاً بعدما صدقت حجته .
وصل إليها ثم أعاد الجوازين إلي جيبه ورفع كفيه يحتضن وجهها ليمرر سبابتيه على وجنتيها بنعومة وهو يتشرب ملامحها قائلاً بحبٍ كأنه شخصاً منافراً تماماً لما كان عليه :
– آسف جميلتي ، حقاً أعتذر وأعلم فداحة خطئي ، وأعلم أن اليوم مميزاً بالنسبة لكلينا ، ولكنني أستطيع أن أجعل القادم كله مميزاً ، يكفي أن تبتسمي وسأجلب العالم أجمع تحت قدميكِ .
نظرت لعينيه تتفحصهما ، إلى الآن لا تستطع قراءة ما يدور في عقله ، لذلك أردفت بنبرة مؤثرة وثابتة :
– أنا لا أريد العالم كله صقر ، أنا أخترتكَ أنت من بين العالم كله ، أرجوك لا تخذلني .
لتكن جملتها تلك أولى الجمل المرعبة بالنسبة له ، حتى أنها لأول مرة تلاحظ توتر نظرته وهذا أخافها ليعود سريعاً لرشده ويثبت أنظاره عليها قائلاً بثقة وتأكيد يخفيان خلفهما أوردة انقبضت خوفاً :
– لن يحدث مطلقاً .
أسرع يضم رأسها إلى صدره حتى لا ترى عينه ، يضمها كي ينتزع منها الخوف الذي لاحظه .
استكانت قليلاً في عناقه التى تجربه للمرة الأولى ، عناق رجلٍ مظلمٍ عاشق ، عناق متملك مُحكم ، وكم كان مميزاً دافئاً يشعرها بالأمان وينسيها أفكارها كمن لجأت لدبٍ قطبيٍ يحتضنها قبل التهامها .
أما هو بمجرد ما أن لامـ.س جـ.سده جـ.سدها واحتواها وبادلته هي واحتضنت خـ.صره بذراعيها وقد شعر أنه عاد طفلاً صغيراً ، تذكر عناق والدته .
عاد لموطنه الأصلي ولحصنه الآمن من كل المخاطر التى تحوم حوله ، نعم أنه كاذب مخادع ومكابر يكابر حتى لا يسمع صوت بقايا ضميره التى تصرخ بضعفٍ متألمة في أعماقه .
كان يضمها ليثبت لنفسه أنها ملكه ، لن يسمح لها بالابتعاد ، لن يقبل أن يكون بين يديها احتمالية تركه ،، ليقضي على كل الاحتمالات .
ابتعد عنها قليلاً قائلاً بهدوء منافي لبعثرة كيانه :
– هيا الآن نصعد لنبدل ثيابنا ونبدأ رحلتنا .
ابتسمت تومئ له قائلة بهدوء ونعومة بعد هذا العناق :
– حسناً ، ولكن إلى أين ؟ .
غمزها بعينٍ واحدة يردف بغموض :
– مفاجأة .
أومأت وصعدا معاً إلى غرفتهما ، وصلا الغرفة وتحرك صقر إلى غرفة الملابس ثم فتح خزنته وتناول منها شيئاً ما وأغلقها ثم انحنى قليلاً يحمل حقيبةً معدة مسبقاً وهى تتابعه بدهشة فيبدو أنه أعد كل شئٍ ليفاجئها .
التفت لها يبتسم ونظر لها قائلاً :
– هيا أبدلي ثيابكِ إلى أن أجلب بعض الأوراق من مكتبي .
أومأت له فتقدم منها يقبل جبينها قبل أن يتجه للخارج ويتركها .
نزل للأسفل وخطى عبر الممر الخلفي لدرجات سلم الڤيلا الداخلي حتى وصل أمام غرفة اتخذها مكتباً له .
أخرج المفتاح الذي جلبه من خزنته ودثره في فوهة الباب ليفتحه ويدلف ويغلق خلفه .
أضاء مصباحها واتجه يجلس خلف مكتبه ليفتح حاسوبه ويبدأ بفتح الملفات التى أرسلها له رجاله عن طريق الموقع السري الخاص بهم .
وبالفعل ظهرت أمامه عدداً من الصور لهذان الرجلان فبدأ ينسخها في ملفٍ إلكتروني حتى يرسلها إلى ميشيل الذي يثق تماماً أنه يجلس أمام حاسوبه في هذا الوقت .
وبالفعل تم إرسالها له عبر الموقع الخفي الذي يتواصلان عليه لمهامهما ، جلس يفرد ظهره للخلف وينتظر لثواني فقط اتصال ميشيل به وقد كان .
فتح المكالمة المرئية فظهر ميشيل عبر الشاشة يطالعه بغضب مردفاً بنبرة قاسية :
– ما هذا ؟ ،، أتتحداني ؟
زفر صقر وتحدث بجمود وقسوة مماثلة بل أشد قائلاً :
– لست أنا البادئ ، أنت الفاعل ، ما حدث كان رد فعل ، واعلم جيداً أنني يمكن غفران المساس بي ولكن لا يمكن غفران المساس بزوجتي ، لتكن هي خطي الأحمر من الآن وصاعدا ، وإلا فقد أعلن الحرب بوسائلي التى لك كل الفضل فيها، ما بيني وبينك الآن هو العمل فقط .
أغلق بعدها حاسوبه ووقف يخطو ويغلق الإضاءة متجهاً للخارج ثم أوصد الباب وعاد للأعلى حيث انتهت نارة لتوها .
تحدثت بعد أن طال تحديقه بها :
– ألن تبدل ثيابك ؟
عاد لرشده قائلاً وهو يتجه لغرفة الملابس مجدداً :
– حالاً سأنتهي .
وبالفعل أسرع يضع المفتاح مكانه ويغلق خزنته ثم أحضر ثيابه واتجه إلى الحمام تحت أنظارها .
بدأت تجمع أغراضها الشخصية في حقيبة يدها الفارهة إلى أن ينتهي وبالفعل بعد حوالي ساعة كانا يستقلان سيارتهما متجهان إلى المطار ليبدئا رحلتهما .
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ثري العشق والقسوة) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق