رواية ثري العشق والقسوة كاملة بقلم آية العربي عبر مدونة كوكب الروايات
رواية ثري العشق والقسوة الفصل الثالث عشر 13
ما زال صوتكِ في ثنايا مسمعي ، والشوف في صـ.دري يفتت أضلعي ، يا شوق رفقاً بالفؤاد ألا تعي ؟ .
❈-❈-❈
في سيارة محمود زوج نهى .
جل منزعجاً من نفسهِ ونادماً على اصطحابها لرؤية هذا الأخ الذي أبكاها .
تحدث بضيق وهو يحاول معرفة ماذا حدث :
– فهميني بقى يا نهى حصل إيه ؟ ،، وعلشان خاطري كفاية عياط بقى ، حقك عليا أنا اللي جبتك هنا .
جففت دموعها بالمحارم الورقية وهزت رأسها تردف بحزن :
– لا يا محمود أنا مش ندمانة إني جيت له ، أنا بس كنت متعشمة في مقابلة تانية غير كدة ، كنت مفكرة دايماً إن أول ما أشوفه ويشوفني خلاص كدة كل حاجة اتحلت ، بس أنا عبيطة أوي ، لا هو ولا سامح هينسوا بسهولة .
تنفس وهو يقود وقد هدأ قليلاً ليردف بتفهم :
– هو قالك ايه يعني ؟
شردت قليلاً تعيد ما فعله معها لتهز رأسها مردفة بنبرة ضعيفة :
– مقالش ، متكلمش معايا كلمتين على بعض ، بس فكر إني ريحاله علشان فلوس .
انزعج محمود وتحدث بغضبٍ :
– فلوس إيه ده ؟ ، واحنا كنا مستنيين سعادته لما ينزل من إيطاليا ونروح نطلب منه فلوس ، ده غبي .
شردت مجدداً ، لا تريد إثارة حنق محمود تجاهه خصوصاً بعدما شعرت به معه ، عليها فقط أن تهدأ وتفكر جيداً قبل اتخاذ قرار لذا قالت بتروى :
– معلش يا محمود ، مهو بردو ميعرفنيش ، العيب مش عليه العيب ع الماضي واللي حصل زمان وفرقنا ، هو ضحية زيه زينا .
نظر محمود لزوجته التى تمتلك قلب لين هين متسامح ، زفر والتفت يكمل طريقه وتركها تفكر في صقر مجدداً بعد أن توقفت عن البكاء ،، في ملامحه ونظرته واستقباله البارد الذي برغم برودته إلا أنها لم تشعر بجمود قلبه .
❈-❈-❈
في اليوم التالي مساءاً عند نارة .
يشغلها كثيراً مشهد تلك السيدة التى ولجت أمس من منزله تبكي ،، لم يخبرها عن معارفه ولكن تُرى من هذه ولمَ كانت تبكي ؟
وجدت نفسها تفكر بفضول فزفرت بضيق ،، هذه ليست شخصيتها فهي لا تهتم بأمور لا شأن لها فيها ، لتشغل عقلها بشيئٍ أخر الآن ،، نعم لتعود وتتذكر حديث والد خديچة الممتع والمؤثر ،، إنه يتحدثت عن الإسلام بطريقة محببة ولينة تجعلها فخورة به أكثر وأكثر .
اتجهت تحضر كتاباً لتبدأ في قراءته على مقعدها الموضوع في الشرفة .
ارتدت منامة حريرية راقية وعصجت خصلاتها على شكل كعكة فوضاوية وارتدت في قـ.دميها خفٍ رقيقٍ ونزلت للأسفل لتحضر فنجاناً من القهوة ترتشفه اثناء قراءتها .
عادت بعد دقائق تحمله وصعدت لتمر من أمام غرفة والدتها فاستمعت إلى شهقات مكتومة آتية من الداخل .
توقفت لتتأكد من الصوت وبالفعل كانت آسيا تبكي في الخفاء ، وقفت تستمع وقد ظهر على ملامحها الحزن ،، تعلم جيداً أن والدتها تبكي حزناً على فراق توأم روحها ، فهذا يحدث دوماً .
فكرت قليلاً هل تراها وتحدثها أم تعطيها مساحة لتهون عن نفسها ولكن قلبها الحنون لا يتحمل تركها في تلك الحالة لذا طرقت الباب ولفت مقبضه تدخل رأ سها وتطالعها بحنو قائلة :
– ماما ؟ ،، ممكن أدخل ؟
توترت آسيا التى لا تحب أن تراها إحدى إبنتيها في تلك الحالة لذلك أسرعت تغلق الهاتف الذي يحمل صور زو جها ووضعته جانباً ثم قالت وهي تحاول تخبئة عيونها وتجفيف دموعها :
– تعالى يا نارو .
دلف وأغلقت الباب واتجهت تضع كوب القهوة على الطاولة ثم تحركت إليها وجلست أمامها تردف بحنو دون مراوغة :
– أنا عارفة ومتأكدة إن بابا يستاهل إنك تحزني عليه دايماً ، بس أنا مش بقدر اتحمل زعلك ،، موت بابا أثر فينا كلنا يا ماما ،، كلنا حصل في قلوبنا شرخ ولو إنتِ استسلمتِ لحزنك يبقى كدة العمود الوحيد اللى ساندين عليه هينكسر ووقتها الدنيا هتتلغبط معانا ،، أنا محتاجاكِ جداً ومايا محتاجة كل تركيزك واحتوائك ليها لإنها بتمر بمرحلة صعبة جداً ، خليكي معانا يا ماما وأوعي تنهاري .
تحمحمت آسيا التى كانت تستمع لها وتحدثت وهي تتمـ.سك بكفها لتستمد منها الدعم :
– كلامك كله صح يا نارو ،، وعارفة إنى أحياناً بتصرف بطريقة غلط مع مايا ،، بس أنا تعبت ،، أحياناً بتخنق وبيضيق صـ.دري ف بدخل أوضتى وأعيط لوحدى لأنه كان شايل عنى مسئولية كبيرة ،، كفاية إنى كنت مطمنة ومش خايفة من بكرة ،، كنت سيباكوا تقعدوا في مدينة تانية غير اللى كنا فيها وأنا واثقة في ربنا ثم فيه هو ،، كانت كل حاجة سهلة وهو جنبي ، برغم إننا هنا في مصر بس أنا حقيقي خايفة ،، وبالأكتر على مايا لأنها لاغية عقلها ومش بتستوعب أي نصيحة ،، أنا وشفيق دلعناها زمان ومحسبناس حساب دلوقتي ،، كل يوم بقينا نقول لما تكبر هنفهمها ،، دي لسة صغيرة ، وسبناها تعمل الغلط وسكتنا ،، كان لازم على الأقل أعمل معاها زي ما عملت معاكي ،، كان لازم أصدق إن فعلاً التربية في الصغر زي النقش على الحجر أما التربية في الكبر زي النقش على المية ، وده بالضبط اللى بيحصل دلوقتي .
تنهدت نارة بأسف ،، فوالدتها محقة ،، ولولا الأُسس التى زرعتها بها السيدة لبنى والتى راعتها آسيا لما أصبحت نارة بهذا الحال ، ولكن هي تعلم شقيقتها وتعلم أنها تمتلك قلباً رائعاً وعقلاً طفولياً يحتاج ويبحث عن الأمان .
تساءلت نارة بترقب عندما تذكرت أمراً ما :
– ماما هو حضرتك تعرفي عمر ده ؟ ،، إزاي وثقتي فيه بسهولة كدة وأمنتيه على مايا ؟
توترت آسيا قليلاً وأدركت نارة هذا وتعجبت خصوصاً بعدما أجابت آسيا قائلة :
– أيوة يا نارو زي ما قلتلك قبل كدة عمر يبقى إبن قريبة صحبتي وهي اللى رشحتهولي ،، هو كويس جداً ومحترم ،، متقلقيش منه .
شردت قليلاً في رد فعل والدتها ،، تتذكر من قبل قولها عندما أخبرتها أنه إبن صديقتها وليس قريبتها ، هناك ما تخفيه عنها ولكن لمَ ؟ ،، تحمحمت ووقفت قائلة بهدوء لتترك ما تخفيه الآن طالما أنها لا تريد الإفصاح عنه :
– تمام يا ماما ،، أنا هروح أوضتي وأسيبك تنامي ،، تصبحي على خير .
وقفت أسيا تعـ.انقها بحب وتربت على ظـ.هرها قائلة :
– خليكي معايا يا نارو ، وخدي بالك من مايا ، أنا عارفة إنك قد ثقتي فيكِ .
ابتعدت تبتسم لوالدتها وتومئ بصمت ثم انحنت تحمل الكوب والتفتت لتغادر ، اتخدت خطوة ولكن أوقفتها آسيا بسؤالها بعدما تذكرت قائلة :
– مافيش جديد في موضوع صقر يا نارو ؟ ،، يعنى إنتِ بلغتيه بموافقتك ،، مش المفروض إنه يقول حاجة ؟
عادت نبضاتها تسرع ككل مرة يذكر فيها إسمه مؤخراً ، والتفتت تنظر لوالدتها قائلة بتوتر خوفاً من أن تفضحها لمعة عينيها :
– الموضوع لسة من يومين بس يا ماما ،، أعتقد التهمل في الأمور دي بيكون أحسن بكتير من السرعة ،، ثم إني قابلته إمبارح وقال إني انتظره قريب ، متقلقيش يا ماما مش هعنس يعنى .
قالتها مازحة فهزت آسيا رأ سها تردف لاغية تلك الفكرة قائلة :
– مافيش حاجة إسمها تعنسي ،، الكلمة دي كلمة عنصرية ومؤذية ملهاش أي قيمة ،، بس فيه حاجة إسمها لو شريك حياة هيسعدك ويشاركك حياتك ويحبك ويعينك على أي صعب تواجهيه يبقى واجب تختاريه ،، الحياة لازمها مشاركة يا نارو علشان يبقى ليها طعم ،، الوحدة صعبة ،، الإنسان اتخلق واتخلق بعدها شريكته علطول ،، هي دي طبيعتنا يا حبيبتى .
ابتسمت لها وشردت في كلماتها التى راقت لها ،، وخلطت الكلمات بشخصيته الغامضة ،، هل يمكن أن يكون هو هذا الشخص الذي تتحدث عنه آسيا ؟ ،، هل حقاً سيشاركها ويحبها ويعينها ولن يخيب آمالها ؟
زفرت تومئ مبتسمة ثم قالت قبل أن تغادر :
– تصبحي على خير يا ماما .
❈-❈-❈
تجلس مايا في غرفتها ترسل الرسائل عبر الهاتف لأصدقائها الإيطاليين ،، نعم فقد عادت تحادثهم وبدأت تخبرهم بنفورها ورغبتها في العودة ،، وبدأوا يشجعونها على ذلك ،، حتى أن بعضهم أخبرها بالهرب ولكن لسوء حظها كما تظن أن سنها لا يسمح بعد .
بسبب حديثهم ودسهم للأفكار الخاطئة في عقلها شعرت بالضيق والغضب ،، لديها رغبة في التمرد ورفض كل ما هو محيط بها ،، وقفت تتجه لشرفتها علها تجد الأوكسجين الذي على ما يبدو ينسحب من حولها .
ولجت إليها واتجهت تقف مستندة على حافة الإيطار المعدني ، كانت ترتدي منامة حريرية وردية وشورتٍ قصيرٍ جداً أظهر سـ.اقيها .
بدأت تلتقط أنفاسها رافعة رأ سها للأعلى تنظر للنجوم بملل ،، بدأت ترفع سبابتها لتعدهم وقد اندمجت معهم قليلاً .
بعد دقيقة أو أقل زفرت بتأفأف فلم تستطع جمعهم لذلك لفت نظرها فلمحت الملحق الخاص بعمر الذي يأخذ حيزاً من الحديقة .
دققت النظر قليلاً لتتعجب من ما تراه ،، واقفاً في الداخل خلف نافذته يؤدي فرضه ،، يقف ويركع ويسجد أمامها بخشوع ،، وقفت لثوانى تتأمله ،، أعجبت به منذ أن رأته ولولا صده لها لربما كانت تصادقه الآن كما كانت ترى صديقاتها يفعلن في إيطاليا .
ابتلعت لعابها ثم انتبهت على قطته التى تجلس على النافذة بهدوء ،، قطة ناعمة بيضاء مشبحة باللون الرمادي من النوع الشيرازي المحبب ،، وهذه الأنواع تعد نقطة ضعفٍ لها .
باتت تريد مداعبتها ولكن الفكرة في الذهاب إليه الآن ربما مخطأة .
نهرت نفسها سريعاً وقررت التحلي بالجرأة فهي لن تخشاه ،، لتذهب ولتفعل ما تريده فهو لا يحق له الإعتراض أبداً .
تحولت نظرتها لأخرى متحدية ثم التفتت تعود لغرفتها ومنها إلى الأسفل بتلك الملابس الغير مناسبة .
على الجهة المجاورة من الفيلا تجلس أيضاً نارة عند شرفتها تقرأ كتابها بتمعن لتلتقط منه بعض المعلومات والمعرفة التى ستفيدها في مسيرتها الأدبية ،، حتى أنها تحدد النقاط المهمة في الكتب التى تقرأها .
اهتز هاتفها برسالةٍ نصية فشتت تركيزها لعلمها هوية المرسل ،، حاولت تجاهلها ولكن خانها عقلها ومدت يـ.دها تجلبه لتنظر لمحتوي الرسالة الذي لم يكن سوى كلمةً واحدةً فقط كتبت بالعربية ( إشتقتُ )
توقفت أنفاسها لثوانى برغم تسارع نبضها وقد بدأ اللعب على أوتار مشاعرها العذراء ،، زفرت نفساً طويلاً ثم رفعت أنظارها على شرفته فرأته .
يجلس مثلها في نفس الوضعية ونفس المكان وحتى أنه يحتسي القهوة مثلها ويقرأ كتاباً أيضاً ! ، تعجبت من أمره فهي لم تنتبه له .
يطالعها بعيونه التى تأخذها عبر رحلةٍ ساحرةٍ في البندقية الإيطالية دون أن تتحرك ،، ابتسم لها بجانب فمه ثم عاد يتناول هاتفه ليرسل مجدداً رسالة محتواها .
( أكملي قراءة ودعيني أتأمل ) .
كان يتابعها إذاً ،، كان يتأملها مثلما قال ،، ولكن كيف ستكمل وتستطيع التركيز بعد أفعاله تلك ؟ ، قررت الرد على رسالته برسالة نصية فلسفية محتواها
( إن إستطعت التركيز بعد الآن فهذا يعنى تجاهلك ،، وأنا لم أعتد تجاهل من يحبني )
راقت له رسالتها ، ولكن للحظة فقط قبل أن تصل لعقله المشكك في أفكاره لذا تحولت نظرته الهادئة إلى أخرى حادة غيورة متملكة لعينة .. ومخيفة لم تراها بعد ،، رد بأخري مترقباً ومتفحصاً لرد فعلها بعينيه
( وهل هم كُثر )
للحظة لم تفهم مغزاها ولكن ما إن نظرت لعينه أدركت مقصده ،، تبخرت فقاعات سعادتها التى كانت تحلق داخـ.لها منذ ثواني فقط ،، هل هذه غيرة أم شك أم إختبار لعين هو ؟ ، تنفست عدة مرات لتهدأ من العاصفة التى اجتاحت داخـ.لها وابعدت عيـ.نيها عنه لثوانى حتى عاد إليها هدوءها وثباتها ، ثم ردت برسالة محتواها
( أولى وأهم قوانين الحب هي الثقة )
وقفت بعدها بهدوء تحمل كوبها وكتابها وتدلف دون أن تعيره أي إهتمام ،، وبالفعل دلفت وأغلقت الباب وسحبت الستائر دون حتى النظر إليه وهذا ما أثار جنونه ،، لم يتجرأ حتى أقوى رجال المافيا على تجاهله ،، حتى ميشيل لم يفعلها ،، وتأتى تلك الجميلة وتفعلها بكل بساطة هكذا ؟ .
لم يرى نفسه مخطأً ،، سؤاله هذا يعلم إجابته مسبقاً حينما تفحص عنها وعلم أن ليس لها تجارب حبٍ مسبقة وأنها لا تفضل تلك الأمور وكانت تصب كامل تركيزها على دراستها ورسالتها وبرغم كل ذلك تساءل بمَ أزعجها ،، ولكنه لم يخطئ ،، هو لم يستطع الغوص في أعماقها وأفكارها بعد ، يمكن أن تكون قد انشغلت أفكارها بشخصٍ قبله وعليه أن يتأكد .
الوصول لتلك النقطة من الشك جعلته على وشك الإنفجار ،، ولكن بدلاً عن ذلك انفجر كوب القهوة بين يـ.ده القابضة بقوة ،، تهشم بين جلده محدثاً جروحٍ بها بعدما أخترقت قطع الزجاج الممزوجة بالقهوة بشرته فاندفعت الدماء من بينهما وبدأت تقطر أرضاً على بقايا الزجاج والقهوة .
ومع كل ذلك ظلت عينه ثابتة على شرفتها يفكر كيف يتأكد من عدم مرور أحدهم على عقلها قبله ،، فإن أتى هو فيجب أن لا يكون قبله ولا بعده ،، وهذا قانونه العادل في الحب هو لم يفكر في أنثى غيرها ولن يفكر في أنثى بعدها لذا فلتكن مثله .
وقف ينفض يـ.ده لتسقط ما بها من دماء وقطع زجاج ثم التفتت عائداً إلى غرفته ومنها إلى حمامه حيث غسل جرحه دون ظهور أي ملامح دالة على تألمه ، يبدو أن شعور الألم فارقه منذ زمن .
أغلق المياة وعاد إلي الداخل يضع عليها بعض المحارم الورقية التى نزعها من عبوتها بعنف ثم اتجه يتمدد على الفراش ويفكر في هذا الأمر الذي قلب حالته المزاجية رأساً على عقب .
❈-❈-❈
في تلك الأثناء
وصلت مايا إلى الملحق واتجهت إلى النافذة التى تنكمش عليها القطة .
وقفت بالقرب منها حيث لا تريد أن يراها عمر ،، رأتها القطة فتململت من مكانها تطالعها بحذر فابتسمت لها مايا تمد يـ.دها وتشجعها على المجئ نحوها ويبدو أن القطة شعرت بمحبتها لذا أصدرت مواءاً هادئاً وأرادت أن تذهب إليها .
حاولت مايا مد يـ.دها أكثر حتى تمـ.سكت بالقطة وكادت تسحبها لولا يـ.د عمر التى تمـ.سكت بيـ.دها دون قصد ظناً منه أنها شخصاً آخر .
تفاجأ بها هي من تقف أمامه فسحب يـ.ده مسرعاً من فوق يـ.دها ووقف خلف نافذته يردف متسائلاً بتوتر :
– بتعملي إيه هنا دلوقتي ؟
نظرت له بتمعن ،، ملامحه حقاً وسيمة تريح الناظر إليه ،، قضمت على شفتـ.يها بشرود ثم قالت ببراءة ونصفها السفلي يختبئ خلف النافذة :
– جيت أشوف القطة .
نظر لها بتعجب ثم حمل قطته وملس عليها بيـ.ده بحنو ثم مدها لها قائلاً :
– تمام شوفيها ،، بس الوقت اتأخر ،، الأحسن تطلعي تنامى والصبح تبقى تنزلي تلعبي معاها زي ما تحبي .
تناولتها منه وبدأت تدللها وتفرك شعرها بحماس وفجأة ابتعدت عن النافذة وهي ترفع القطة إلى وجـ.هها وتدور بها أمامه لتكشف عن سـ.اقيها دون قصد مما جعله يلتفت مسرعاً حينما تفاجأ بها بعد أن كان يخفي الجدار نصفها قائلاً بصدمة كرد فعل على ما رآه :
– يخربيتك .
التفتت برأ سها إليه تنظر لظـ.هره بتعجب بعد أن لف نظره عنها ثم عادت تقف عند النافذة من الخارج قائلة وهى تحتضن القطة :
– إنت بتقولي أنا ؟
تحدث بضيق وهو على حاله :
– لو سمحتِ أطلعي دلوقتى ،، والأفضل بلاش تنزلي باللبس ده الجنينة علشان الحرس اللى هنا ،، ميصحش كدة .
نظرت له بتعجب ثم اخفضت نظرها لسـ.اقيها ولم تبالِ ،، عادت بنظرها إليه ثم قالت بتهكم ونبرة حادة :
– هو إيه اللى ميصحش ؟ ،، إيه التخلف ده ؟ ،، على فكرة ده تفكير الناس اللي عقولهم ضيقة ،، بتعتبروا جـ.سم البنت مثير وبيحرك غريزتكوا الذكورية بس في نفس الوقت بتعطوا لنفسكوا الحق تلبسوا أي حاجة .
أغمض عينه يتنفس بقوة حتى يهدئ من غضبه منها ،، إنها تجهل الكثير والكثير ،، إنها حتى لا تعلم الخطأ من الصواب ،، تخلط الحق بالباطل وتلوث الفطرة .
ولكن لحظة عمر ،، فهذا ما نشأت عليه ،، ربما الذنب الأكبر ليس عليها ، يبدو أن تربيتها كانت مختلفة عن نارة بكثير ، فهو في تلك المدة البسيطة لاحظ فرقاً شاسعاً بينها وبين نارة ،، يبدو أنها مغيبة بإعجاب الغرب وتقليدهم دون أي تدبر ،، ولكن هناك سؤال يراوده معها ، هل يستطيع أن يرشدها أو أن الأمر أشبه بالمستحيل ؟ ،، حسناً ليحاول .
تحدث عمر بهدوء ولين تلك المرة قائلاً وهو ما زال يواليها ظـ.هره :
– انتِ فاهمة غلط ،، مش مسموح للراجل يلبس أي حاجة طبعاً ،، فيه أمور كتير في الدين يا مايا إنتِ محتاجة تفهميها صح ، القرآن الكريم بالنسبالنا هو منظومة حياتنا كلها ، وزي ما أمر البنت إنها تلبس محتشم وتتحجب بردو أمر الشاب إنه يغض بصره ويتحكم في نفسه ، كلنا لينا عقل اتميزنا بيه عن أي مخلوق تاني ، بس للأسف إنتِ سمعتِ عن الإسـ.لام من مصدر خبيث ، كان ممكن تسألي آسيا هانم كانت هتفيدك ،، وعلى العموم لو حبيتي تعرفي أي حاجة ممكن أفيدك على أد معرفتي المحدودة أو نسأل أهل علم .
شردت في حديثه ،، في طريقته ، في ظـ.هره الذي يقابلها ، حديثه عن الملابس وعن الدين ربما يبدو كثيراً على عقلها الغير ناضج بعد ، ،، إلى الآن لا تستوعب فكرة أن تغطى جـ.سدها كاملاً ،، لديها ما تتباهى به ،، هي تحب التباهي بجمالها والكثير أشادوا بذلك ،، هو مخطئ لأن جـ.سدها مثل تلك القطة من مخلوقات الله أيضاً وعليها التباهي به كما تريد ، ما سبب أن تخبأه حقاً لا تستوعب .
تشتت عقلها الصغير بعد حديثه وقررت تركه والعودة إلى غرفتها نادمة على نزولها إليه لذا وضعت القطة عند النافذة والتفتت تعود بضيق .
بينما هو بعد أن تأكد من رحيلها التفت يزفر بحزن عليها ، كلما تقرب منها يجد انها مجني عليها وليست جانية ، تمتلك قلباً نبيلاً وتستحق فرصة أفضل ولكن لو تتخلى عن هذه المكابرة قليلاً! .
تقدم يغلق نافذته وتحرك لغرفة نومه ليذهب للنوم ولكن بعقل مشتت أيضاً .
❈-❈-❈
في شقة عفاف
حيث ذهبت لها نهى بعد أن هدأت من حالتها التى أصابتها بالحزن ولولا دعم محمود لها الذي هوّن عليها كثيراً .
كانت عفاف تجلس ساكنة على غير عادة ، حيث إستقبلتها ببرود ، يبدو أن حديثها عن صقر ليلة أمس أحزنها .
تحدثت نهى بترقب متسائلة بهدوء :
– ماما هو إنتِ زعلانة مني ؟
تحدثت عفاف دون مراوغة :
– أيوة يا نهى ، زعلانة لإنك معملتيش خاطر لزعلي ، وروحتي تشوفي البني أدم ده بردو ، يبقالنا إيه ده أصلاً ونعرفه منين ومالنا وماله ؟.
تنفست نهى بقوة ، الآن وبعد ما فعله صقر أصبحت مشتتة ، تحدثت بحزن :
– يا ماما أنا عمري ما أقدر ازعلك ، أنا بس كان نفسي أشوفه ، طب تعرفي طلع شبه بابا الخالق الناطق .
نبض قلب عفاف وظهر ذلك على ملامحها التى ترقبت باهتمام وصمتت لثواني ثم جاهدت لتخفي ما أصابها متسائلة :
– وقالك إيه إبن الإيطالية ؟ ،، فرح زيك كدة ولا استقبلك إزاي ؟
توترت ملامح نهى ولم يخفى ذلك على زينب التى كانت تجلس مقابل لها تستمع حيث قال نهى بترقب دون مراوغة :
– قابلني كويس ، بس كان مفكر إني رايحاله علشان فلوسه .
تملك الغضب من عفاف حيث تحدثت بنبرة حادة ولم تنتبه لفتح الباب ودلوف سامح للتو :
– فلوس إيه أبو فلوس ؟ ، بعد العمر ده كله هنعوز من ده فلوس ؟ ، يغور هو وفلوسه ويرجع بلده مش محتاجين له .
شعر سامح بأن المقصود بهذا الحديث هو شقيقه الذي يبغض سيرته ليسرع للداخل حيث تفاجئن به وقال بحدة وصوتٍ عالٍ :
– بتتكلموا عن مين ؟ ،، إبن ناصر صح ؟ ، هو هنا في مصررر ؟
وقفت زينب تتجه إليه مسرعة وتحاول امتصاص غضبه قائلة بتروي :
– إهدى بس يا سامح وتعالى اقعد واسمع .
نظر لها بغضب وتحدث بحدة :
– استني إنتِ بس ، قصدك على صقر الجارحي ياما مش كدة ؟
قالها موجهاً سؤاله لعفاف التى أومأت بصمت وتوتر ليتحول سامح من شخص عقلاني لوحشٍ ثائر وهو ينظر لشقيقته قائلاً بحدة وغضب :
– وإنتِ روحتيله ؟
شعرت نهى بالخوف منه ونظرت له بتوتر تومئ بحذر فصرخ بها قائلاً بغضب :
– لييييه ؟ تروووحي لكلب زي ده ليييه ؟ ،، ناقصك إيه يا نهى ؟ .
قالها وعقله لا يستوعب ما فعلته شقيقته ، بينما هي تهز رأ سها بعد أن عُقد لسـ.انها عن الدفاع ، ليعاود التحدث بحدة وغضب قائلاً :
– قصرت معاكي في إيه أنااااا ؟ ، محتاجة أخ يا نهى ؟ ،، مش مكفيكي أنا مش كدة ؟ ،، طول السنين دي مكنتش أخ مناسب ليكي ولا قدرت أجبلك اللي إنتِ عايزاااااه ، عرفتي إنه جه طلعتي تجري عليه ومعملتيش أي خاطر لياااا ، للدرجادي زعلي مالوش قيمة عندك ؟
شعرت بقبضة تعصر قلبها لتقف تقابله وتردف أخيراً بحزن وصدمة :
– إيه الكلام ده يا سامح ؟ ،، أنا يا ساااامح ؟ ،، أنا تشوفني كدة ؟ ،، دانا بفتخر بيك قدام الدنيا كلهاااا ، دا أنا ممكن أكل اللي يقربلك بأسناني ، بس ده أخونا يا سااامح ، أخونا مهما حصل .
قالت الأخيرة بجهد مضاعف وبكاء ليعود لغضبه ويصرخ بقوة رافضاً سماع أي صوت داخـ.له أو منها عن هذا الأخ قائلاً :
– ملنااااش إخوااااات ، إحنا ملنااااش إخوااات ، ولو قلتي كدة تاني يبقى روحليه وملكيش دعوة بيا بعد كدة .
نظرت له بصدمة لتسرع زينب وتقف حائلة بينه وبينها قائلة بحدة تشوبها الحكمة وهي تنظر لعينه :
– سامح أطلع فوق دلوقتي علشان خاطري ، متتكلمش مع أختك وإنت متعصب ، أطلع دلوقتي .
نظر لزو جته بعمق وانـ.فاسه مهدورة ، يخبرها بنظراته أنه يعاني الآن ، أنه بحاجة لشخصٍ يخبره سبب غضبه لتفهم عليه فوراً وتبادله نفس النظرة مرددة :
– اطلع دلوقتي يا سامح علشان خاطري .
لف نظره يطالع والدته الحزينة ثم التفت يغادر مندفعاً دون إضافة المزيد لتتنفس زينب بحزن وتلتفت لنهى الباكية مردفة بتروي :
– إهدي يا نهى ، متزعليش من سامح إنتِ عارفة إن الموضوع ده بالذات مبيحبش يتكلم فيه .
لترتد نهى على الأريكة وتتحدث بحزن ودموع :
– أنا غلطت يا زينب ؟ ، غلطت إني نفسي أشوفهم سوا وقريبين من بعض ؟ ، غصب عني يا زينب ، أنا مش قادرة أكرههُ ، مش عارفة أكرههُ وحاسة إنه محتاج لنا .
تحدثت زينب بتروي :
– عارفة يا نهى وإنتِ إحساسك صح بس بتتصرفي بطريقة غلط ، روقي بس وإن شاء الله هنلاقي حل .
زفرت نهى وأومأت لها تجفف دموعها بينما نظرت زينب لعفاف الجالسة تضع رأ سها بين كفيها بحزن على ما وصلوا إليه .
تنهدت زينب بأسى ثم تحركت لتصعد وترى زو جها وتحاول معه برغم يقينها أن محاولة حل هذه المعضلة أمرٌ مجهد عليهما .
صعدت للأعلى وفتحت باب شقتها تبحث عنه ، تحركت لغرفتهما لتجده يجلس على فراشه يتنفس بغضب .
نظرت له بحزن ثم تحركت تجلس جواره بترقب لينظر لها قائلاً بحدة ونبرة حاقدة :
– شوفتي يا زينب ؟ ، شوفتي اختي اللي بعتبرها بنتي الكبيرة ؟ ،، تعرف إن الواطي ده نزل مصر تجري عليه ؟ ،، لا يا زيييينب ليه عملت كدة ؟
نظرت له بشفقة ، تلك النقطة السوداء التى تسكن قلبه ليتها تستطيع نزعها ، ليته يفكر بحكمة كعادته ليصل إلى أن هذا العدو الذي يكره ذكر إسمه ما هو إلا شقيقه والمذنب الوحيد هنا هو ذاك الوالد المتوفي الآن .
زفرت بقوة وتحدثت بتروي علها تنجح في تهدأته :
– مش يمكن مرواحها ليه ده يا سامح قاصدة إنها تجمع بينكوا ؟
نظر لها بحدة وعيون جاحظة لتتوتر ولكن قررت اكمال حديثها قائلة :؟
– لازم من هنا ورايح تواجه الحقيقة بقى يا سامح ، أخوك مش هو اللي اخد حياتك وحقوقك زمان ، أخوك أصغر منك ، يعنى وقتها مكنش يعرف ولا يدرك أي تصرف علشان تحمله كل الظلم اللي واجهك إنت ونهى ، لو كان كبير وفاهم كنت وافقتك الرأي ، لكن إنت كدة ظالم يا سامح وأنا محبش أبداً جوزي اللي بحبه يبقى ظالم ، كفاية بقى كدة يا سامح ، إنت عندك عقل يوزن بلد معقول تيجي عن النقطة دي وترفض تشغله صح ؟
لف نظره عنها ينظر أرضاً بصمتٍ تام ينافي ضجيج عقله ، الآن هو يصارع وحش أفكاره الثائر ليردف بهدوء خلفه عاصفة على وشك الحدوث :
– انزلي تحت دلوقتي .
نظرت له قليلاً بحزن ، اغمضت عينيها لثواني ولأول مرة تجد نفسها عاجزة عن إحتواءه لذا أومأت ووقفت تغادر لربما واجهه أفكاره وانتصر .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
رن هاتف آسيا برقم صقر الذي قرر شيئاً ما بعد تفكير عميق .
أجابت وهي تجلس في بهو الفيلا تحتسي قهوتها الصباحية قائلة :
– مرحباً سيد صقر ،، كيف حالك ؟
تحدث صقر برتابة :
– بخير سيدتي ،، كنت أود أن أدعوكن لتناول العشاء معي الليلة ،، ولنجعله عشاءاً مميزاً مصحوباً بتلبيس خاتم الخطبة ،، فما رأيكِ ؟
انفرجت أساريرها وأحست بسعادة قائلة :
– ليس لدي مانع ، ولكن دعني أسأل ناردين اولاً .
أجاب بهدوء وهو يقف في الغرفة خلف باب شرفته يراقب شرفتها المغلقة :
– حسناً سيدتي ،، أخبريني بقراركما ،، وأتمنى أيضاً أن تأتى مايا الصغيرة لأتعرف عليها .
أومأت آسيا قائلة :
– حسناً سأخبرها .
أغلقت معه ونادت على نارة حيث خرجت من الغرفة التى اتخذتها ملهمةً لها وجهزتها لتناسب أجواء الكتابة .
فقد وضعت بها مؤثرات صوت لتصدر موسيقى هادئة ومكتب يحتوي على أباجور يعطى إضاءة مناسبة لكتابة رواية رومانسية وبعض الروائح الصناعية التى تصدر من المبخرة الكهربائية والتى قررت أن تستبدلها بروائح طبيعية .
أغلقت باب الغرفة وتساءلت بترقب وهي تتجه إليها :
– نعم يا ماما ؟
تحدثت آسيا بسعادة وترقب :
– صقر كلمني حالاً وعزمنا على العشا ،، وقال إنه عايزكوا تلبسوا خواتم الخطوبة النهاردة ،، إيه رأيك ؟
فاجأها الخبر ،، لم يخبرها حتى ويبدو لها أنه تعمد تجاهلها ،، وما صدر منه ليلة أمس أغضبها ،، ولكن هي ليست من النوع المتسرع ،، هي تأخذ قراراتها بهدوء وبعد تفكير ،، لذلك وقفت تفكر قليلاً ،، اتتجاهل دعوته لتظهر غضبها واستيائها منه أم تقبل وتعطى مجالاً للحديث بينهما ؟ .
وكان الإختيار الثانى هو جوابها حينما قالت :
– تمام يا ماما معنديش مانع ،، بس ممكن تبلغيه إن أنا اللى أختار المكان ؟
ابتسمت آسيا لها قائلة :
– أوكي يا حبيبتى ،، زي ما تحبي .
أومأت لوالدتها وعادت لتلك الغرفة وتركتها تعاود الإتصال به فأجاب وقد انتابته لهفة داخـ.لية لجوابها فقال :
– أسمعكِ سيدة آسيا ؟
قالت أسيا بترقب تبلغه رسالتها :
– أخبرتُ ناردين وليس لديها مانع ولكنها أرادت إختيار المكان بنفسها .
فهم مخططها فابتسم وأعجب بمكرها قائلاً :
– لها ما تشاء .
تحدثت قبل أن تغلق :
– شكراً لك .
أغلق معها وفكر قليلاً ،، هل يستجيب لرسالتها المُشفرة أم يتجاهلها ،، ولكن هو الآن في مرحلة إثبات حبه الذي اعترف به لذا قرر الإستجابة لرسالتها وإثبات صحة مقولتها ( لا يصح تجاهل من نُحب )
وها هو يقرر مهاتفتها تلك المرة والتخلي عن الرسائل النصية .
لمحت إسمه فابتسمت ،، هذا ما أرادته ،، مكالمته لها ،، لتعلمه ثاني دروسها في الحب وهو الإهتمام .
أجابت بهدوء وثقل قائلة :
– صباح الخير .
أجاب بنبرة هادئة تحمل عشقاً خفي :
– صباح الخير ،، هل الأمر مهماً لتلك الدرجة ؟
هو يقصد إتصاله بها أولاً وعدم دخول واسطة بينهما حتى لو كانت والدتها ،، لذا أجابته بعد أن فهمت عليه قائلة :
– بالطبع .
أومأ متسائلاً بتسلية :
– حسناً ،، هل تقبلين دعوتي على العشاء يا أنستي الجميلة ؟
ابتسمت وتوغلتها المشاعر اللذيذة التى تفضلها عن القهوة قائلة بنعومة :
– ليس لدي مانع ،، هناك مكان أحببته من صوره ،، يطل على النيل ويبدو ساحراً ليلاً إسمه ( Unforgettable dinner ) (عشاء لا ينسى) ،، ولكن مشكلته أنه مزدحم دوماً ،، والحجز فيه مسبقاً بأيام ،، فهل تستطيع حجز طاولةٌ لنا اليوم هناك ؟
ضحك بخفة من هذا التحدي ،، هل هذا يعد أقوى تحدياتها ؟ ،، هو بالنسبة له منتهي قبل أن يبدأ ،، لذلك تحدث بغموض :
– حسناً دعيني أرى ماذا أستطيع أن أفعل .
استشفت الثقة بل الغرور من نبرته فتنهدت قائلة :
– حسناً ،، نراك مساءاً إذاً .
أغلقت وزفرت مطولاً تبتسم ثم عادت تتمـ.سك بقلمها وتدون ما بدأته قبل مكالمته بحالة مزاجية تحسنت عن قبل دقائق .
❈-❈-❈
بعد ساعة أو يزيد
صعدت آسيا إلى غرفة مايا ،، طرقت الباب ودلفت فوجدتها نائمة بطريقة فوضاوية على الفراش .
اتجهت تزيح الستائر لتدخل أشعة الضوء إلى الغرفة ثم تحركت تجلس جوارها ثم حاولت إيفاقتها قائلة بحنو وهي تمـ.لس على خصلاتها الحمراء التى صبغتهم بشكلٍ رائعٍ تلك المرة :
– مايا ؟ ،، حبيبتى يالا اصحي ،، بقينا بعد الظهر .
تمللت في نومها والغطاء يعيق حركتها بسبب تكوره حول سـ.اقيها فزفرت بضيق تحاول نفضه ثم قالت بتهكم :
– يوووه بقى يا مامي ،، اقفلي الستاير عايزة أناااام .
تنفست آسيا بعمق ثم تحلت بالهدوء قائلة بحنو :
– بس أنا قاعدة لوحدي بقالي فترة وناردين قاعدة في مكتبها بتكتب ،، يالا بقى عايزاكى في موضوع .
تبخر نعاسها وبدأت تستفيق لذا زفرت ثم حاولت التحرك ساحبة بجـ.سدها للأعلى قليلاً حتى إستندت على مقدمة السرير قائلة وهي تتثاوب بعد أن أرغمتها معاملة آسيا على الهدوء :
– خير عايزانى في إيه ؟
نظرت لها آسيا بحنو ثم تحدثت بترقب :
– إنتِ عارفة صقر اللى اتقدم لأختك ،، هو عزمنا النهاردة على العشا علشان يلبسوا الخواتم ،، وحابب يتعرف عليكي ،، وأنا قولتله هسألك لو حابة تيجي ،، إيه رأيك ؟
تحدثت بتمرد كعادتها :
– وأنا مالي يا مامي ؟ ، هو هيخطب نارو مش هيخطبني ،، روحوا أنتوا يا مامي .
قالت آسيا بتروي :
– بس نارو أختك وبتحبك جداً وهتفرح لو كنتِ معاها في لحظة زي دي ،، وكمان تتعرفي على صقر هو هيبقى فرد من العيلة ،، ولا إيه ؟
اقتنعت آخيراً فهي حقاً تحب شقيقتها جداً حتى وإن باتت لا تظهر ذلك ولكنها الأقرب إليها لذلك قالت :
– أوكي يا مامي هاجي خلاص ،، ممكن أنام شوية بقى .
وقفت آسيا ثم مدت يـ.دها تسحبها قائلة بمزاح :
– لاء مافيش نوم ،، فوقي علشان تفطري وتقعدي معايا .
تعجبت مايا من أسلوب آسيا الجديد معها ولكنها أحبته لذا وقفت بالفعل مستسلمة لتبدأ يومها معها .
❈-❈-❈
أتى المساء
تقف نارة في غرفتها تضع سلسالها الرقيق حول عنقها بعد أن ارتدت فستان رائع من اللون الأسود الذي يزينه فقط لؤلؤات مرصوصة على طرفي أكمامه تعطي بريقاً ولمعاناً چذاباً .
أما شعرها فربطته على شكل جديلة تركية ساحرة ،، لم تضع مساحيق تجميل سوا مسكرا وأحمر شفاه وردي فقط ،، جلست بعدها على المقعد لترتدي حذائها الشفاف ذو الأشرطة المتلألأة .
وقفت بعد أن انتهت تنظر لهيأتها بثقة ثم تحركت للخارج حيث تنتظراها آسيا ومايا .
نزلت للأسفل فنظرت لها آسيا بإعجاب وابتسمت لها كذلك مايا التى أسنت على هيأتها قائلة بإطراء غير معهود :
– بيتهيألي صقر مش هيركز في حاجة تانية غيرك النهاردة .
ابتسمت لها نارة وسعدت كثيراً بهذا الإطراء ،، ليس بسبب التباهي ولكن سعادتها لعودة شقيقتها كما كانت معها ،، لذلك ردت عليها بحب قائلة :
– بس فيه اللي أجمل مني .
ابتسمت لها مايا بينما قالت آسيا وهي تنظر في ساعتها :
– يالا يا بنات إتأخرنا .
تحركن للخارج حيث كان ينتظرهن عمر بسيارة آسيا ليقود بهن ، حيث جلست آسيا في المقعد المجاور لعمر بينما نارة ومايا في الخلف .
أدار محرك القيادة وتحرك ليخرج من بوابة الڤيلا إلى الطريق ويسلك وجهته .
وصلوا بعد حوالي ساعة إلى ذلك المطعم الذي تحمست نارة لرؤية ماذا استطاع صقر أن يفعل في مسألته .
نظرت آسيا لعمر قائلة قبل أن تترجل :
– عمر تقدر تمشي وتاخد العربية معاك وإحنا لما نخلص هكلمك .
أومأ لها فترجلن جميعهن وتحركن تجاه المطعم حيث كان في استقبالهن شخصاً يقف خارجاً دلهن على الطريق .
وصلوا إلى ساحة كبيرة بسقفٍ مغلق وحوائط زجاجية تطل جميعها على النيل الساحر حيث أضواء المراكب السابحة .
ساحة واسعة كانت دوماً ترى صورها عبر الانترنت معبأة بالطاولات الفارهة والمزينة بعناية ورقي ومقاعد تشببها ممتلئة بالبشر ،، ولكن ما تراه الآن لم تلمحه في أي صورة بل ما سمعته عن هذا المكان يجعلها لا تستوعب ما تراه ،، دوماً عُرف بزحامه وحتى إن تم حجزه لمناسبة خاصة فعليهم الحجز قبلها بشهرٍ على الأقل ،، ولكنه حقاً فاجأها .
فالمكان خالي من أي طاولات سوى واحدة فقط تتوسط المكان كله مجهزة كالعروس ليلة زفافها والمقاعد كالوصيفات ملتفين حولها بشكلٍ رائع .
إضاءة هادئة ، موسيقى إيطالية رومانسية راقية ، وروداً جورية رائعة ،، كل شئٍ تم تجهيزه بشكلٍ ممتاز .
بينما يقف هو عند مقدمة الطاولة يرتدي حلّته السوداء القاتمة التى تضخ غموضاً وثراءاً مثله ، عينه منكبة عليها وقد سُحر بطلتها تلك ، أصبحت نداهته التى يفضل الغرق معها .
تقدم منهن ومد يـ.ده لها فناولته يـ.دها مسحورةً بكل ما يفعله ،، دنا يقبل يـ.دها بطريقة سربت إليها رجفة كمن لفحتها نسمة هواءٍ في صيفٍ حار .
اعتدل يطالع عينيها قائلاً يتحكم في مشاعره بطريقة أصعب من تحكمه في غضبه :
– هل أعجبكِ المكان وهو خالِ أم تفضلينه مزدحماً ؟
افاقت من بعثرة مشاعرها قائلة بإبتسامة آسرة :
– أصبح مبهر عن ذي قبل .
ابتسم لها ثم ترك يـ.دها بهدوء ليرحب بآسيا ومايا اللتان حالتهما بالمكان كحال نارة .
تحركوا إلى الطاولة وجلسوا جميعهم ثم جاء النادل ليترك لهم قائمة العشاء ويبتعد قليلاً إلى أن يقرروا .
بعد دقائق غادر النادل ليحضر طلباتهم .
انشغلت نارة بالنظر إلى النيل والمراكب وتلك الأجواء التى كانت تفتقدها بينما إنشغل صقر بالنظر إليها وآسيا تحدث مايا وتشرح لها معلومات عن تلك المراكب ونظامها بعد أن سألتها .
التفتت نارة تنظر لصقر فوجدته يطالعها بعيون بارقة فابتسمت له قائلة بهدوء :
– يبدو أن حياتُك مليئة بالمفاجآت .
قالتها قاصدة تعجبها من تجهيزه للمطعم في هذا الوقت الضيق ولكن جملتها أخذته لحياته المظلمة التى لا تعلم عنها شئ ،، للحظة شعر بإنقباض وضيق ، دوماً يتجنب التفكير في رد فعلها إن علمت ، دوماً يقنع نفسه أنها لن تعلم بأمره الآن وبالوقت الذي ستعلم فيه ستكون لا تمتلك حق الإختيار في الرحيل ،، ستكون مجبرة على البقاء .
لاحظت غياب نظرته عنها وأدركت أنه يصارع فكرةً ما فتابعت لتخرجه منها :
– هل تحب الملوخية مسبقاً مثلي أم أردت تجربتها ؟.
استطاعت انتشاله من ظلماته بسؤالها الغريب بعد أن لاحظت طلبه للطعام فنظر لها بتمعن ثم عاد بذاكرته لزمنٍ ودّ لو لم يخرج منه أبداً قائلاً بنبرة متأثرة يغلفها البرود :
_ وقعتُ في عشقها منذ أن كان عمري خمس سنوات ،، كانت أمي تحبها وتحضرها بشكلٍ جيد .
نظرت له آسيا بعدما نبهتها جملته ونبرته بينما استيقظت عاطفة نارة وارادت الإبحار في ذكرياته أكثر ولكن ليس الآن لذلك قالت بمرح كي تلطف الأجواء :
– حسناً يبدو أنّ غيرتي ستبدأ من أكلة .
ابتسم ابتسامة رائعة نابعة من داخـ.له فهي تثبت له وقوعها في حبه بطريقة غير مباشرة .
دثر يـ.ده في جيبه وأخرج علبة صغيرة لونها أحمر قاتم وملمسها كفاكهة الدراق .
فتحها ثم نزع منها هذا الخاتم ذو الماسة البراقة بيده اليمنى ومد لها اليسرى لتناوله كفها الأيمن ففعلت .
تعمق في مقلتيها ثم ألبسها الخاتم في خنصرها بتمهل تحت أنظار آسيا ومايا السعيدتان .
انتهى واعتدل وسحبت هي يدها تنظر للخاتم بإعجاب بينما هو يطالعها قائلاً بغموض مختلط بالعشق :
– مبارك عليكي دخولكِ عالمي أيتها الجميلة .
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ثري العشق والقسوة) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق