Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الثاني عشر 12 - بقلم آلاء حسن

   رواية مصطفى أبوحجر كاملة  بقلم آلاء حسن   عبر مدونة كوكب الروايات 

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الثاني عشر 12

 
مر ما يقارب الشهرين على تلك العلاقة الغير صريحة بين الطرفين، وبالرغم من كثرة اللقاءات بينهما تحت ستار مُتابعة عملها الروائي الأول إلا أن مسار الحديث غالبًا بل دائمًا ما كان ينجرف نحو تفاصيل حياتهما الشخصية، ونحو حياتها هي بالأخص، فأصبحت كالكتاب المفتوح أمامُه، يعلم كُل تفصيلة مرت بها، يعلم متى يُثير إعجابها ومتى يُحرك غيرتها ومتى يُذيب خجلها، يعلم جيدًا كيف يجذبها إليه وقت يشاء وكيف يتملص منها في بعض الأحيان إذا أراد، يعلم جميع نِقاط ضعفها ومواضع قوتها ..
حتى هي نفسها باتت امرأة أُخرى، أشرق وجهها وازدادت لمعة عينيها بمجرد تواجده إلى جوارها وبداخل حياتها، فأصبحت تلجأ إليه في كُل مشكلة تواجهها مهما كانت صغيرة فأشعرها باحتوائه وتفهمه، وعقب استردادها لثقتها بنفسها تحسنت علاقتها بوالديها وسعت هي الأُخرى لإرضائهما قدر الإمكان، شعرت بلذة القُرب من إبنتها واللهو معها بعد أن أحبت الحياة وشعرت بقيمة كيانها المُتفرد، وادركت بأن قيمتها لم تنحصر في كونها أُم فقط ولا في احتلالها مكانة ذات أهمية في حياة ذلك الكاتب العظيم، بل هي ادركت في النهاية قيمة قلمها وقوته، قيمة احساسها وخيالها، وذلك بعد نجاحها في روايتها الأولى بهذا الشكل المُبهر والذى لم تتوقعه مما زاد ثقتها بصِقل موهبتها فبدأت التفكير في مستقبلها ككاتبة خاصة بعد أن أخبرها مصطفى العديد من المرات برغبة أكثر من دار نشر في طباعة روايتها، فتحمست بشدة لكنها في النهاية رضخت لنُصحه لها بالتريث قليلًا حتى يأتي العرض الأفضل للجميع ..
وكعادتها لم تُجادله، فهي تقتنع بكُل كلمة تصدر منه دون تفكير، كيف لا وهو مثلها الأعلى وأيقونة سلامها الذى ساعدها على اكتشاف ذاتها بل ووضعها على بداية طريق النجاح ..
من الغريب أنها لم تشعر بالضيق أو الغيرة ولو لمرة واحدة عند قراءتها لكلمات المديح والإطراء تُوجه إليه بدلًا منها من قارئي روايتها، وكأنها تُهديه نجاحها بل وتشعر بالفخر بأن أسلوبها مُقارب إليه حتى أن القُراء لم يستطيعوا التمييز بين كتاباتهما..
أما عن أسامة فقد عَلِم بل وتيقن من وجود آخر دون أن تنطق هي أو حتى تُحاول إخباره، بل يكفى ابتسامتها ووجهها المُشرق ولمعه عينيها التي انتظر كثيرًا أن تبرق لأجله من جديد لكن يبدو أن آخر سبقه وأعاد إليها الحياة، ففي كُل مرة يتوجه فيها إلى منزل والديها على أمل لُقياها ومُحادثتها تتهرب منه وتنزلق من بين أصابعه بنعومة كالماء الجاري الذي يصعب التحكم به أو السيطرة عليه، لذا قرر في النهاية التوقف عن ذلك العبث والالتفات إلى عمله، خاصة بعد أن أصبح شريك بنسبة كبيرة في إحدى شركات الإنتاج الحديثة والتي نالت مكانة مرموقة سريعًا في الوسط الفني، لذا زادت مسؤولياته ومشاغله التي انخرط فيها بكُل وجدانه مُحاولًا تناسي فشله في الحصول عليها للمرة الثانية، إلا أن وجهها المُنير وابتسامتها البشوشة لم يُفارقا خياله ولو لحظة، حتى في عالم أحلامه الصغير ..
أما ذلك المتحذلق السمج زوجها السابق، لقد انشغل بزواجه الجديد وتناسى أمر ابنته طوال شهرين كاملين مما ساهم في استقرار حالة شمس النفسية وشعورها بالارتياح والطمأنينة لتواجد إبنتها بداخل أحضانها دون خوف أو قلق ..
حقيقةً ليس هُناك أجمل من الاحساس بذاتك وقد تبدلت إلى طائر رشيق تحرر قلبه وجسده من القيود التي تُكبله فأصبح بإمكانه التحليق بعيدًا أينما شاء ومتى أراد، خاصة بعد أن أزاح القدر عن كاهلك بعضًا من تلك الحمول التي ألقاها عليك منذ سنوات ..
******************************
ب
داخل ذلك المنزل المُنمق الحديث وخاصةً هذا الحيز الواسع الذى يَغلُب عليه مجموعة لونية تميزت بها المنازل التُركية الهادئة في الآونة الأخيرة، هكذا كان الحال في غرفة المعيشة تلك ذات الحوائط البيضاء، والأثاث فاتح اللون ووحدات الديكور الصغيرة بألوان الباستيل المُختلفة، ثُبتت رفوف مكتبة بيضاء اللون على الحائط من ورائها فبدت للرائي ككيان واحد متكامل ميزه في المُنتصف شاشة رفيعة متوسطة الحجم، وأعلى تلك الرفوف ظهرت جوانب العديد من الكُتب القديم منها والحديث، بالعربية وبلغات أُخرى، سُلطت عليها إضاءات بيضاء اللون جعلت من السهل تمييزها ومعرفة محتواها ..
وفى المُقابل على بُعد بعض الأمتار منها، وأعلى الأريكة الوثيرة، تمدد هو بجسده مُسترخيًا كعادته في هذه الساعة من اليوم، فألقى برأسه إلى الوراء وأخذ ينفث دخان سيجارته من فمه المزموم بهدوء فخرجت كحلقات دائرية مُختلفة الأحجام سُرعان ما اندمجت و اختفت في الهواء بينما صاحبها تأملها بشرود مُفكرًا، في نفس اللحظة التي اِرتفع فيها رنين هاتفه فقاطع تفكيره، تناوله من جواره وأجاب دون أن ينظر إلى هوية المُتصل الذى ارتفع صوته الأنثوي مُتسائلًا :
_ مصطفى !
زوى هو ما بين حاجبيه باستغراب بعد أن أعاد النظر إلى الشاشة لاستطلاع هوية المُتصل والذى لم يكن سوى رقمًا غير مُسجل فتساءل بجدية :
_ أيوة يافندم .. مين معايا ؟
أجابته بدلال :
_ مُعجبة ..
نظر إلى الرقم من جديد قبل أن يتساءل باقتضاب :
_ حضرتك عاوزة مين ؟
ارتفعت ضحكاتها بصخب مُجيبة :
_ عاوزاك أنت .. مش مصطفى بردو؟
آتاها صوته هادئًا وقورًا وهو يقول :
_ للأسف هو شكل حضرتك عاوزة حد تانى فأنا مُضطر أقفل السكة .. بعد إذنك يافندم ..
لكنها اسرعت قائلة بصوت رقيق يملأه الدلال :
_ استني بس ميبقاش خُلقك ضيق .. أنا عاوزاك أنت .. مصطفى أبو حجر ..
ابتسم هو بهدوء قبل أن ينفث دخان سيجارته من جديد قائلًا بتحفُظ مُتصنع :
_ إنتى مين وعاوزة إيه .. مش هكرر سؤالي تاني..
تأففت بشكل واضح قبل أن تقول :
_ عاوزاك في شغل ياسيدي ..
ثُم ما لبثت أن اردفت موضحة :
_ عاوزة أشترى رواية من رواياتك … ده لو معندكش مانع ..
أجابها باقتضاب :
_ دار نشر يعنى، لا للأسف رواياتي كُلها مطبوعة وممضى عقودها خلاص .. معتقدش طلبك عندي ..
إلا أن صوتها آتاه واثقًا مُحملًا بكثير من الدلال وهى تقول :
_ لا لا أنت فهمتني غلط .. أنا مش دار نشر أنا شركه إنتاج وعاوزة اشترى رواية من رواياتك أعملها فيلم ..
في تلك اللحظة انتفض هو من استرخاؤه وأجابها بصوت حاول إخراجه مُتريثًا هادئًا رغمًا عن اضطرابه :
_ تقصدي أنهى رواية !
لم تتخل هي عن نبرة الدلال في كلماتها فقالت بغنج واضح :
_ طب مش نتقابل الأول عشان نعرف نتكلم براحتنا ..
صمت مصطفى لبضع ثوان مُستجمعًا أفكاره قبل أن يتساءل بشك:
_ أقدر اعرف اسم الشركة ؟
إلا أنها راوغته مُجيبة :
_ نتقابل الأول وهفهمك على كُل حاجة .. ولا أنت خايف تقابلني ؟
أقرنت جُملتها الاخيرة بضحكة رنانة نجحت في إظهار علامات الازدراء على وجهه قبل أن يقول بعد تفكير :
_ تقدري تبعتيلي عنوان الشركة وأنا هشوف جدول مواعيدي وأحدد معاد مناسب وابلغك بيه ..
إلا أنها قاطعته بثقة قائلة دون تردد :
_ هستناك بكرة في العنوان اللي هبعتهولك دلوقتي .. أظن الساعة ٥ مناسب مش كده !
أغلقت هاتفها على الفور دون أن تنتظر إجابته، وبعد لحظات قليلة أضاء هاتفه برسالة تحتوي على موقع تلك الشركة والتي عَلِم ببحث بسيط عنها أنها إحدى الشركات الجديدة في عالم السينما ..
انفرجت ملامحه واسترخى من جديد أعلى أريكته بحماس مُفكرًا ..
(( تُرى أياً من رواياته وقع عليها الاختيار لتحقيق حلمه ؟؟))
******************************
ك
انت تجلس إلى جوار إبنتها تُساعدها على إنهاء تلوين إحدى قصص الأطفال التي جلبتها إليها سابقًا، وفى لحظة شردت بذهنها وهى تنظر إلى ساعة هاتفها التي قاربت على العاشرة مساءًا وهو لم يُحدثها على غير عادته أو يُرسل إليها برسالة واحدة طوال اليوم، تفحصت هاتفها باحثة عنه داخل إحدى التطبيقات إلا إنها لم تجده فأرسلت إليه رساله صوتية قائلة بنبرة غلب عليها القلق :
_ فينك النهاردة !
نظرت إليها الصغيرة ببراءة مُتسائلة :
_ مين ده ياماما اللي بتبعتيله رسالة !
غلبها الارتباك لبضع لحظات قبل أن ترسم الابتسامة أعلى شفتيها مُجيبة :
_ مفيش ياحبيبتى ببعت رسالة لطنط منار .. كملي بقى إنتي التلوين كُله وأنا هروح أجبلك ساندويتش وكوباية لبن عشان تتعشي وتنامي ..
غادرت شمس الغرفة وهى لاتزال مُمسكة هاتفها مُنشغلة بتصفحه بحثًا عمن شغل بالها، فاصطدمت بإحدى المقاعد من أمامها وكادت أن تسقط لولا أن جذبتها والدتها من ذراعها ففي اللحظة الأخيرة ..
كانت مجيدة تحمل بإحدى يديها طبق كبير يحتوى طعام العشاء إلى شمس وابنتها عندما اصطدمت بها فقالت مؤنبة :
_ مش تحاسبي يابنتى ..
أجابتها شمس بتوتر دون أن تنظر إليها :
_ معلش ياماما مأخدتش بالى ..
ثُم أضافت مُتسائلة وهى لاتزال تعبث بهاتفها :
_ العشا بتاع يارا في المطبخ ؟
إلا أن الأُم أجابتها بتهكم واضح :
_ سلامة الشوف يابنتى أّمال إيه اللي ففي إيدى ده..
ثُم أضافت ناظرة إلى هاتف إبنتها :
_ هو الموبايل ده هيفضل واخد عقلك على طول كدة ..
تجاهلت شمس قول والدتها وتناولت عنها ما تحمله قائلة بأدب :
_ شكرًا ياماما تعبتك معايا ..هاتي الصينية عنك ..
ربتت عليها مجيدة بحنان قائلة بهدوء :
_ طيب أدخلي أكلى يارا ونيميها وتعالى عاوزاكي في موضوع ..
انتاب الابنة بعض القلق فتساءلت بجزع :
_ خير ياماما إنتى كويسة ..
تصاعدت ضحكات مجيدة قائلة بمرح :
_ يابت بقولك نيمي بنتك الأول وتعالي نتكلم ..
أومأت شمس برأسها باسمة قبل أن تتوجه إلى غرفتها قائلة :
_ حاضر ياماما ..
لم تمر النصف ساعة إلا وكانت الصغيرة قد غفت داخل أحضان والدتها بعد أن تناولت عشاءها واستمعت إلى إحدى القصص الخيالية التي اعتادت شمس قصها عليها حتى تغفو، إلا إنها تلك الليلة وبخلاف عادتها كانت تسردها عليها بشكل آلي بينما تفكيرها وقلبها مُنشغل بذلك المُتغيب، ومع كل دقيقة تمر لا تستطع فيها الوصول إليه؛ يزداد قلقها عليه وشوقها إليه، وفى النهاية لم تستطع السيطرة على شعورها ذلك وقامت بالاتصال به ..
على غير عادته أجابها على الفور فآتاها صوته الدافئ الحنون قائلًا بعذوبة :
_ ازيك ياشمس ..
طغى العتاب على نبرات صوتها وهى تقول بصوت خفيض :
_ فينك النهاردة يامصطفى ..
أجابها مصطفى مُعتذرًا :
_ سامحيني كُنت مشغول شوية ..
أجابته بدلال مُختلط باللوم :
_ مشغول عنى بردو ! قلقتني عليك ..
خرجت ضحكة قصيرة منه يشوبها المرح وهو يتساءل :
_ قلقتي عليا ولا .. وحشتك ؟
اطرقت برأسها خجلًا مُجيبة :
_ عادى يعنى ..
وعلى غير عادته، شعرت به يتحدث إليها بغير حِرص فخرجت كلماته بتساهُل دون تفكير قائلًا بصوت خفيض أقرب للهمس :
_ بس إنتى وحشتينى ..
لم تشعر سوى بشفتيها تنفرجان فرحًا وأهدابها استلقيا على أطراف وجنتيها ليُغطيا عسلتيها خجلًا، أما بداخلها فأحست برفرفة رقيقة تُشبه رفرفة الفراشات الصغيرة وكأنها لم تَذُق للحُب طعمًا من قبل، فقالت دون تفكير بعدما قررت ترك العنان لذلك الاحساس اللذيذ بداخلها :
_ بجد !
تنهد هو بحرارة مُجيبًا :
_ إيه مش باين عليا !
كان ينتظر جوابها إلا إنها آثرت الصمت فتساءل بلهفة استترت تحت طيات صوته الدافئ :
_ مش هسمعها منك ولا .. أنا موحشتكيش ؟
كالطفلة الصغيرة التي تسعى لإرضاء أبويها أجابته مُسرعة دون تفكير :
_ لا وحشتني ..
تساءل بنبرات خفيضة حارة هامسة :
_ وإيه كمان ؟
كانت تنظر إلى الأسفل بخجل وكأنه يقف أمامها بينما أصابعها تعبثان بأطراف شُرشف الفراش وكأنها تبحث عن مكان تختبئ بداخله من ذلك الضعف الذى اجتاحها، إلا إنها رغم ذلك الخجل قالت :
_ وطول اليوم كنت بفكر فيك ..
قال بلُطف ونعومة كأمواج البحر الهادئة التي تسحب حبات الرمل إليها عن طيب خاطر :
_ وفكرتي فيا إزاى !
أجابته بكلمات متقطعة :
_ كنت .. كنت عاوزة اشوفك ..
أجابها برقة وكأنما يعزف على أوتار فؤادها :
_ وانا كمان بقيت عاوز اشوفك كل يوم .. واشوف الشمس وهى بتضحك فى عيونك ..
صمت لبضع لحظات قبل أن يستكمل معزوفته :
_ وحشتني ملامح شمسي الناعمة اللي كل ما أقرب منها تحرقني بجمالها … وعيون الشمس اللي ببقى عاوز مهما أشرب من عسلها مبرتويش ..
دون أن تتحدث هي أو تنبس ببنت شفة؛ أحس بها وكأن كل ما بها يتنهد، استطاع الاحساس بالضعف الذى اجتاحها من كلماته فقال مُكملًا سمفونيته مُستطردًا بصوت حنون وكأن قلبه هو من يتحدث بين شفتيه :
_ أرجوكي متسكتيش كدة .. صوتك هو اللي مصبرني على غياب صورتك من قدام عيني، مع إن ملامحك وضحكتك محفورين جوايا ..
قالت برقة وكأن صوتها يأتي من بير عميق :
_ هتكلم أقول إيه !
أجابها دون تفكير :
_ قولي اللي حاساه ..
كادت أن تستجيب إلى رغبته إلا إنها أفاقت في اللحظة الأخيرة لحالها وقالت :
_ مش هينفع ..
مصطفى بعتاب :
_ ليه خايفة منى ؟
أجابته بكلمات طغى عليها التردد والخوف :
_ لا خايفة منى أنا ..خايفة أقول حاجة وأرجع اندم عليها ..
وكأنه يُربت عليها بحنان أجابها قائلًا بتشجيع :
_ متخافيش وقولي اللي جواكي من غير تفكير ..
ازدردت لُعابها بضعف مُحدثة لسان حالها دون أن تتلفظ بكلمة واحدة :
(( عاوزني أقول إيه !! أقول إن مفيش لحظة واحدة بتعدي عليا مش بفكر فيها فيك من أول دقيقة شوفتك فيها، حتى من قبل ما اعرف إنك هو، أقول إني بفكر فيك طول ليلي ونهاري وعلى طول فكراك بقلبي وعقلي وأعصابي، بقلب حيران مش قادر يقاوم دقات الحُب على بابه وعقل تايه مش عارف الصح من الغلط وأعصاب مشدودة مبعرفش أتلم عليها أول ما أشوفك أو حتى أسمع صوتك، أقولك إنك معايا كُل ليلة في أحلامي، أقول إني ببقى في أضعف حالاتي وأنا معاك .. أقول إيه بس ولا إيه ! ))
لوهلة شعرت بحاجتها لتلبية رغبته وإخباره بتلك العاصفة التي اجتاحتها والتحدث بصوتٍ عالٍ مُرددة ما حدثت به نفسها، إلا إنها وفى اللحظة الأخيرة تذكرت ما حدث من قبل نتيجة لاندفاعها، فخرجت كلماتها مُتعقلة وهى تقول بترو وكأنها تُلقى بكل العبء عليه :
_ طب ما تقول أنت ..
تساءل باستغراب :
_ أقول إيه !
أجابته بهدوء وتريث وكأنها تقوم بإحدى الحركات الهامة المؤثرة بداخل لعبة الشطرنج :
_ قول اللي عاوز تسمعه منى ..
أجابها بدهاء وحذر لا يقل عن ذلك الحرص الذى تتحدث هي به مُتسائلًا بخُبث :
_ وهو إيه اللي عاوز أسمعه منك !
صمتت لبضع لحظات اغمضت فيها عينيها بقوة مُحاولة عدم نطق تلك الكلمة التي تُلح عليها بالداخل، إلا ان لسانها أعلن خيانته لها تلك المرة، فتحرك رغمًا عنها قائلًا :
_ إني .. إني ب…
لكن قبل أن تُكمل شمس تلك الكلمة، ارتعدت أوصالها وفتحت عينيها بذُعر عندما دلفت والدتها إلى الغرفة دون استئذان قائلة بصوتٍ عال :
_ كُل ده بتنيمي يا..
كان الظلام يعم ارجاء الغُرفة فلم تُلاحظ الأُم اصفرار وجه إبنتها وشحوبه، إلا أن صوت مصطفى في ذلك الهدوء كان من الوضوح الكافي لتلتقطه أذني الأُم التي اقتربت من إبنتها بتشكك قائلة بصرامة :
_ بتكلمي مين !
لم تستطع شمس التفوه بكلمة بل اكتفت بهز رأسها يمينًا وشمالًا مُحاولة النفي، لكن صوت مصطفى تصاعد مُناديًا باسمها فتأكدت الاُم من شكوكها واختطفت الهاتف من بين يدى ابنتها قائلة بحزم :
ثُم أضافت وهى تنظر إلى هوية المُتصل :
_ هاتى اديله كلمتين في عظمه اللي رامي بنته ولا …
توقفت الكلمات في حلقها حينما قرأت اسم مصطفى الظاهر على الشاشة وعلى جانبي اسمه علامتي قلب، فنظرت إلى إبنتها بهلع قبل أن تُغلق الهاتف وتُلقى به بعيدًا عنها وهى تقترب من إبنتها التي انكمشت داخل فراشها بخوف بينما صوت والدتها الغاضب يتصاعد مُتسائلة بهدوء مُنذر :
_ مين مصطفى ده ؟

reaction:

تعليقات