Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الفصل التاسع 9 - بقلم سارة أسامة

   رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء كاملة   بقلم سارة أسامة   عبر مدونة كوكب الروايات  

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الفصل التاسع 9


 
– يعقوب مين البنت دي..؟!
التفت يعقوب مُسرعًا وهو يُغلق الشاشة بحِدة وقال بملامح جامدة وهو يرمق والدته المُبتسمة:-
– ميخصش حدّ … ومفيش مخلوق يتدخل في حياتي..
رددت بابتسامة واسعة وهي تقترب منه:-
– بس شكلها بنوتة رقيقة ولطيفة أووي، غير إنها جميلة جدًا يا بوب..
أشاح بوجهه وقال يُنهي هذا الحوار وهو يتجه نحو الفراش:-
– أنا هنام…
هرعت نحوه ومدت يدها بكوب دافئ قائلة:-
– دي كوباية سحلب سخن، إنت جاي من برا والجو برد اشربها علشان تدفى..
لم يُحرك ساكن وهو يرمق الكوب بيدها بملامح مُبهمة، وعندما طال صمته وضعته على وحدة الأدراج بابتسامة حانية، وجاءت تقترب تتلمس شعره لكن عاد للخلف برفض بينما داخله يحترق وقلبه مكلوم، يقف بقلب وادٍ مُفعم بالأحزان والذكريات السيئة الموجعة لا يستيطع تجاوزها بتلك السهولة..
طفق الحزن والحسرة على وجه والدة يعقوب لتغمغم بنبرة مرتعشة حزينة:-
– يعقوب … سامحني.. صدقني يا يعقوب مكونتش أعرف بإللي بيحصل هنا، أنا كنت مفكرة إنك مرتاح وإن ده إختيارك لما مكونتش بتتكلم وتشتكي … أنا….
صمتت بحزن ليبتسم يعقوب بسخرية ويقول بعذابٍ واصب:-
– مش عارفة تتكلمي تقولي أيه ولا تبرري بأيه…
ولا يهمك يا هانم محصلش أي حاجة، مجرد يعقوب بس هو كان ضحية طموحك إنتِ وحسين باشا .. طول عمرك وإنتِ النجاح والطموح بيجروا في دمك…
وحققتي كل أمنياتك ومكانش ناقصك حاجة، جوزك معاكِ وابنك…. وأنا…
صمت برهة ليواصل بحرقة واختلج قلبه بالألم:-
– أنا مكونتش في حساباتكم، ماله يعقوب يعني…
عايش في قصر طويل عريض مع واحدة عارفة كويس هتربي يعقوب إزاي وتطلعه وريث يستحق لقلب بدران..
عادي يعني أيه إللي حصل .. ولا حاجة..
ولا حاجة … أنا كنت ولا حاجة يا أم يامن…
انتصب يستدير وهو يكبح دموع تتلألئ خلف سجن جفونه، يطمر حشرجة مريرة بصدره، فيكفيه مستعمرات الحزن التي تتشعب بداخله..
هتف بصلابة:-
– لو سمحتي متفتحيش السيرة دي معايا تاني، أظن ملهاش لازمه بعد العمر ده كله…
وبعد إذنك هنام…
أخذ دمعها يفور من مقلتيها ويلطمها الندم وليتها لم تتركه والإكثار من “ليت” لا يكون إلا بعد فوات الأوان…
خرجت تجرّ ساقيها لكنها كانت تجرّ ما هو أثقل من ذلك …همّ .. حزن .. حسرة …وندم..
وفور خروجها تهادى يعقوب فوق الفراش بخوار وقد سقط قناع البرود عنه لتسقط دمعة حارة تحمل كُل معاني الألم لتتشربها لحيته سريعًا…
لكن لا ضير .. فالحزن .. الوجع .. الوحدة، كل هذا ألِفه حدّ الإدمان..
وكل هذا لم يعد بالأمر الهام … فقد أصبحت له رِفقة حطمت كل معاني الوِحدة بحياته…
يكفيه رِفقة .. وهذا جزاءه وجائزته بل هي خير جزاء على كل ما مرّ به…
ظلّ يفكر كيف ستكون إجابة رِفقة غدًا على طلب الزواج، ويُفكر ما ينتوي فعله حتى سقط بنومٍ عميق وداخله أمل كبير في الغد جاهلًا عمّا يواريه القدر له…
*********************
– يعقوب … يعقوب..
صوت شجيّ مُستغيث يتردد في الأرجاء في تلك الحديقة الخضراء، أخذ يركض بلهفة باحثًا هُنا وهُناك بقلبٍ مرتعش واجف حتى تراءت له تأتي تتهادى بمشيتها من بين الأشجار الخضراء في هالة من النقاء، نقاء لم يرى بمثله في حياته المظلمة المنسوجة بالتكبر والتعالِي والقواعد، ثوبها الأبيض يُرفرف من حولها يسير خلفها على العُشبة الخضراء النديه .. كان هذا وقت الشروق وأشعة الشمس التي أخذت تنمو على زاوية السماء تُطارد أخر خيوط الظلام..
ابتسم يعقوب بسعادة وأخذت أقدامه تلتهم الخطوات التي تفصلهم يذهب نحوها بلهفة وأعينه مثبتة على وجهها الوضّاء الذي ينبع منه النور بحجابها الأبيض الذي يُماثل قلبها وأعلاه إكليلٌ أخضر ممتزج بورود بيضاء..
وعندما أقترب منها تسمرت أقدامه أرضًا وهو يتفاجئ بهذا الأخدود الذي يفصله عنها…
نظر لها بخوف وهو يرى الرعب الذي بعينيها ليهدر لها وهي تقف على الحافة المقابلة:-
– خليكِ مكانك .. متتحركيش أنا هنقذك مش هسيبك.. رِفقة أوعي تتحركي…
هبطت دموعها وهي تمد يدها له باستجداء تقول باستغاثة:-
– يعقوب … يعقوب متسبنيش .. هما ورايا .. متسبنيش… يعقوب … يعقوب…
فزع يعقوب من نومه يشهق بأنفاس ضائعة مسحوبة ووجهه شاحب مذعور…
أخذ يمسح على وجهه المتعرق وهو يتنفس بهدوء في محاولة لاسترداد أنفاسه المسروقة..
ارتفع صوت أذان الفجر ليملأ الأركان ليهمس يعقوب بتوجس وقلبه يُرفرف بجنبه كالذبيح:-
– في حاجة مش مظبوطة، أنا قلبي مقبوض والكوابيس دي ملهاش ألا معنى واحد..
ولا أنا فاهم غلط ودا من كتر ما بفكر في الموضوع، يمكن أنا ببالغ…
وفي هذه اللحظة اقترب صوت رِفقة من أذنه وهي تقول..
“أنا لما بحتاج حاجة وببقى خايفة أول واحد بجري على بابه هو رب العالمين، مستحيل يرد إيدي فاضيه أبدًا .. مستحيل يخذلني….”
استقام يعقوب وذهب باتجاه المرحاض وهو على موعد مع أشياء جديدة لم يفعلها من قبل أو قلّما حدثت، لقد بدأ يُقدّر أشياء كان يحتسبها حق مكتسب مفروض له..
توضئ بهدوء وخرج وأعضاءه تقطر ماءًا ثم أخذ يستقبل القِبلة ويؤدي صلاة الفجر للمرة الأولى بحياته…
كان جسده يرتعش وهو يشعر بهالة عجيبة من السكون تُحيطه، مذاق مختلف، مذاق عذب جدًا يتذوقه لمرته الأولى…
انتهى ليظلّ صامتًا بُرهة يشعر بحلاوة تلك المشاعر ثم رفع رأسه لتُهاجمه مشاعر عجيبة من اليقين … تُخبره بأنه لو ارتفع صوته الآن مترجيًا بأي مطلب .. حتمًا لن يُخذل…
يقين عجيب أن حتمًا الاستجابة قادمة لا محالة..
همس برجاء تائه:-
– ارشدني للطريق الصحيح، أنا مش عارف أعمل أيه، خرجني من الدوامة دي .. ووجهني للإتجاه الصحيح … رتبلي كل أموري…
________بقلم/سارة نيل_______
مضى الليل وانسلخ منه النهار، استيقظت رِفقة بتيهة لا تعلم كيف هي، ومتى يكون التوقيت..!
تحمد الله أن ساعة اليد خاصتها مازالت معها..
تحسستها لتجد الساعة تعدت العاشرة صباحًا..
همست بحزن:-
– ياااه أنا نمت كل ده، حتى محستش بالفحر..
بس حتى لو كنت حسيت كنت هصلي إزاي..
صمتت قليلًا وهي تجلس بضياع لا تعلم كيف ستواجه ما هي به، تشعر بأنها بدوامة مظلمة ولا ثمة ثُقب مُنير يُضيء لها عتمتها..
لكنها قالت بإصرارٍ وعزم:-
– لازم أحاول .. مينفعش أقعد كدا…
أضاءت في عقلها فكرة لتصرخ قائلة:-
– أنا ممكن أقعد أخبط وأنادي لغاية ما يجي حتى يرن جرس الباب وأنا اتتبع الصوت وأفتح…
لكنها تراجعت تُحدث نفسها بإحباط:-
– لا لا .. وأنا أيه يضمنلي، أنا مش عارفه أنا في مكان شكله أيه ولا مين ممكن يجي ويستغل الوضع..
انتصبت تسير للخارج وهي تتحسس جميع ما يُقابلها بحذر حتى خرجت من الغرفة..
وقفت تقول بحيرة:-
– يا ترى الحمام بأي جهة … ولا المطبخ بس أكيد مفيش أي حاجة للأكل هنا .. أنا جعانة أووي..
واصلت الإستكشاف لتسقط ويصطدم جبينها بالحائط، تأوهت تقول بخفوت:-
– اااه يا الله .. دي شكلها طُرقة باين..
يبقى أكيد الحمام هنا…
استقامت تُدلك جبينها بألم وأخذت تسير بشكل أكثر حذرًا لتجد نفسها أمام باب صغير..
ابتهجت وفتحته بفضول وجاءت تدخل لكن لم تشعر بوجود حاجز صغير عند المدخل “عتبة الباب” لتتعثر بها وتسقط فوق ركبتيها بشدة جعلتها تتأوه ببكاء وهي تشعر بعجز كبير يُصيبها..
أخذت تتحسس الأرضية لتعلم من الوهلة الأولى بأنها بالمرحاض لتشعر بسعادة لهذا الإنجاز الكبير بالنسبة لها..
ابتسمت بسعادة وهي تهمس:-
– شطورة يا رِفقة..
استقامت وهرعت تكتشف المكان بحذر لتقترب من الصنبور تفتحه لتنفجر منه الماء بقوة جعلتها تفزع وجاءت تغلقه لكن بلا فائدة يبدو أن الصنبور تالف .. وليس هذا وحسب بل يبدو بأنه قديم مهجور…
تناثر الماء بجميع الأرجاء وهي تحاول غلقه بشتى الطرق لينخلع بيدها..
ارتعب قلبها وهرعت تبحث عن المفتاح الرئيسي لغلق الماء بحذر كي لا تسقط لكن بلا فائدة كان الأمر يزدادُ سواءًا وتيقنت أن هذا المرحاض قديم جدًا مهجور .. إذًا هذا حال الشقة بالكامل…
غرقت ملابسها جميعًا بالماء الذي ينفجر من جميع الأرجاء فلم يكن منها إلا أن فرت مسرعة من المرحاض بخوف وعجز وقد بدأ الماء يتسرب من فوق تلك العتبة المائلة وينتشر بالخارج…
زحفت رِفقة أمام أحد الجدران تستند أمامه وهي تضم جسدها ببكاء وشعور مرير بالعجز يُقيدها، تكومت على نفسها تبكي بحرقة وتهتف من بين شهقاتها الذي تُمزق القلوب:-
– أنا خايفه …خايفه أووي ومش عارفه أعمل أيه… أروح فين وأنا مش عارفه أنا فين ولا مكان أي حاجة وشكل مفيش حد هيسأل عليا…
مرات خالي ليه عملت كدا .. قالتلي هتيجي وسابتني لواحدي وشكلها معدتش جايه، أعمل أيه ياربي … أنا مش عارفه أتصرف إزاي…
أنا غلطانه .. كان المفروض القرار الصح إن أروح أي دار رعاية … على الأقل كنت عرفت أنا فين ولقيت أشخاص معايا..
أنا كدا ممكن اتنسى هنا وأنا مليش حد يفتكرني ويسأل عليا …يارب يارب بسألك يا ذا الجلال والإكرام انقذني …متسبنيش يارب خليك معايا أنا مليش غيرك في الدنيا دي ومعرفش ألا إنت…
وظلت على هذا الحال تبكي خائفة لتمر الساعات ويحلّ الليل ومازالت هي لم يتغير شيء..
تحتضن جسدها المرتعش المليء بالكدمات ويُحيطه ملابسها المبتله، لم يتغير شيء سوى تلك المياه التي أصبحت تُحيطها وأصبحت هي تجلس بداخلها…
فتك الجوع بها والعطش لكن لا وسيلة لها لأي شيء…
********************
كان يعقوب يدور حول نفسه عندما انتظر النهار كاملًا على أحرّ من الجمر لكن لصدمته لم تأتي رِفقة، ليعتقد أنها امتنعت عن المجيء لأجله، بسبب طلب الزواج المُباغت..
لم يعد يطيقُ صبرًا ولا يعلم كيف يتصرف…!!
في هذا الاثناء كان فتيات المطعم مجتمعون يتسامرون فيما بينهم ولم يكن محور الحديث إلا يعقوب…
قالت إحداهم بسخط:-
– إنسان متكبر أووي ومش بيراعي..
ونظرت لألاء وقالت:-
– تلاقي رِفقة مجاتش النهاردة بسببه، تلاقيه مش عجبه وجودها بعد الموقف إللي حصل وبكدا سُمعة المطعم هتتأثر…
أيدتها فتاة أخرى:-
– عندك حق .. هو بصراحة إنسان متكبر ومغرور لأبعد الحدود دايمًا عاقد وشه وقاعد لواحده واخد جمب وكأنه مش مستنضف يكلم خلق الله.
قالت فتاةٌ أخرى:-
– حقه بقى يا بنتي ما هو من عيلة بدران…
هتفت آلاء باعتراض:-
– مش حقكم تقولوا الكلام ده يا بنات، دا سوء ظن، وإحنا بنشتغل مع الأستاذ يعقوب من زمان وأبدًا ما شوفنا منه أي حاجة مش كويسة ولا ظلم حد فينا، بالعكس إحنا أكتر ناس شاهدة على نزاهة المطعم ده والأمانة إللي عنده..
وبخصوص رِفقة إحنا كلنا شوفنا موقفه ساعتها وعمل أيه في الشباب مع إن كدا يأثر على سُمعة المطعم بس هو مهمهوش…
وبعدين مش كل إنسان في حاله مش بيندمج مع إللي حوليه وبيقعد لواحده يبقى هو كدا مغرور ومتكبر وفي كل الصفات إللي مش كويسة…
عارضتها أحد الفتيات بقولها:-
– هو إنتِ ناسيه لما أمر نخرّج رِفقة برا ونطردها وفضلت المسكينة قاعدة في الشمس يجي ساعة ومش هامه ظروفها…
وقبل أن تُجيبها آلاء كان عبد الرحمن مُقبل عليهم وأردف بهدوء:-
– آلاء … أستاذ يعقوب عايزك..
حركت آلاء رأسها بهدوء وخرجت باتجاه غرفته ليتسائل يعقوب بعدم صبر فور أن رأها:-
– فين رِفقة…!!
تعجبت آلاء من حالته التي لا تُبشر بالخير وقبل أن تُجيب صاح وهو يطرق على المكتب بغضب:-
– الأحسن تقولي إللي إنتِ عرفاه..
أردفت آلاء وهي تشعر للحظة بالخوف من هيئته التي يرتسم عليها وسم الجحيم:-
– أنا حقيقي معرفش يا أستاذ يعقوب، نهال صاحبتها رنت عليا بردوه تسأل عليها إذا كانت جات النهاردة المطعم ولا لأ لأنها بترن عليها وموبايلها مُغلق وراحتلها بيتها أكتر من أربع مرات وقالولها إنها مش موجوده، وأنا رنيت عليها كذا مرة موبايلها مُغلق..
تشعب القلق بقلب يعقوب وهو يتذكر كابوسه ليستفهم بتعجب:-
– قالولها .. قصدك والدها ووالدتها.!!
نفت آلاء وقد بدأ القلق يستتب بها وقالت:-
– لا يا أستاذ يعقوب .. رِفقة عايشه عند خالها مع مراته وبناته لأن أهلها تقريبًا متوفيين..
قال يعقوب بصرامة:-
– قولي عنوان بيت خالها..
– أنا معرفوش بس أقدر أكلم نهال أجيبه منها…
أردف بحسم:-
– يلا حالًا….
***********************
وقف كلًا من عفاف وبناتها الاثنين ينظرون لهذا المجهول بدهشة شديدة ويتأملانه بدقة يتعجبون من وجود مثل هذا الشخص بمنزلهم، شاب وسيم خشن الملامح تتجلى عليه سيمات الرجولة والشدة، راقي المظهر ويبدو عليه الثراء..
تسائلت عفاف بحيرة:-
– اتفضل يا أستاذ .. حضرتك طالب مين وعايز أيه!!
تنحنح يعقوب وقال بجدية وملامح وجه ثابتة:-
– أنا جاي أقابل الأستاذ عاطف .. في موضوع كله خير إن شاء الله..
ابتهج قلب عفاف وكذلك كلًا من شيرين وأمل معتقدين بأنه شاب جاء ليتقدم لخطبة أحدهم..
قالت عفاف بلهفة وسعادة:-
– اتفضل يا ابني …تقدر تقولي أيه بس الموضوع أصل الحاج عاطف مش هنا بس أنا أكيد هبلغه..
كانت أعينه تبحث عنها بلهفة لكن لا أثر لها، رمق تلك المرأة بشك وقال:-
– أنا جاي طالب القرب منه…
كادوا ثلاثتهم أن يُحلقوا من فرط السعادة وأصبحت كلًا من شيرين وأمل يدعون الله بداخلهم أن تكون هي المقصودة، أسرعت عفاف تقول بتساؤل:-
– أكيد يا ابني بيتنا مفتوح في أي وقت، بس معلش بس إستفسار … إنت طالب القرب في مين من البنات..
أردف يعقوب بعشق صافٍ:-
– رِفقة … أنا أطلب رِفقة للجواز على سنة الله ورسوله…
صاعقة بل موجة رعدية ضربت ثلاثتهم ليتخشبوا متوسعين الأعين غير مصدقين ما سمعوا والحقد يغلي بقلوبهم ليصرخوا ثلاثتهم بذات اللحظة بنبرة متبرمة بها شرّ وحقد واضح جعلت يعقوب يتيقن أن هُناك شيء خطأ في هذا المنزل…
– نــــــــــعـــــــــــم …. رِفــــــــقــــــــــة!!!!
خرجت شيرين من صدمتها لتقول سريعًا بكره:-
– على فكرا دي عامية مش بتشوف…!!
كور يعقوب كفيه ورمقها ببرود قائلًا وقد فهم ما يدور بين هؤلاء الحاقدين:-
– بس قلبها كله نور وفي عيني أجمل البنات…
أسرعت أمل تقول بخبث بينما وجهها شاحب:-
– يا عيني .. شكلها خدعتك إنت كمان بمظهرها البريء ااه لو تعرف إللي فيها .. بس مسيرك تعرف أكيد…
تجاهل يعقوب حقدها الواضح وتسائل بثبات:-
– فين رِفقة..
هُنا خرج صوت عفاف التي أجابته ببرود:-
– العنوان غلط يا باشا … معندناش حد بالاسم ده، أو كانت موجوده بس راحت لحال سبيلها واتخلصنا من حِملها…
اتقدت أعين يعقوب بالجحيم ليتسائل بهدوء يسبق العاصفة:-
– يعني هي نقلت بيت تاني .. تمام .. قولي العنوان..
رددت عفاف بذات الثبات والبرود:-
– معرفوش .. ويلا لو سمحت ميصحش وقفتك دي زي ما إنت شايف أنا وبناتي لوحدنا…
وأغلقت الباب بشدة ممزوجة بالحقد والغلّ…
اشتغلت كل خلية من جسد يعقوب بسعير متقد وأخذ يضغط فوق أسنانه يطحنها حتى اشتد عظام فكيه وهو يُقسم بداخلها بأغلظ الأيمان أنه سيجعلهم يرتشفون الويلات…
وضع هاتفه فوق أذنه ثم هدر من بين أسنانه:-
– كريم … عشر دقايق تكون قدامي إنت وتلاته من رجالتك…
وانحنى نحو سيارته وأخرج شيئًا ما وهو يتوعدهم بالجحيم فقد أخرجوا شياطين غضبه الخامدة…
******************
عند رِفقة التي مازالت على حالتها إلا أنها وضعت حجابها فوق رأسها تحسُبًا بأنها من الممكن أن تُفارق روحها ذاهبة إلى باريها … فمَن يأتي لإخراجها يجدها مستترة..
وأخذت العديد من السيناريوهات تتلاعب بعقلها عن طريقة موتها…
هل من الممكن أن تفارق الحياة هنا ولا أحد يعلم عنها شيء ولا عن وجودها سوى الرائحة التي ستنفذ تُخبر الجميع أنه يوجد هنا من فارق الحياة…!!
وبغمرة شرودها سمعت صوت رنين الباب المصحوب بطرقات هادئة، ابتهج قلبها وأسرعت تتابع مصدر الصوت وتتحسس الأرجاء بلهفة حتى شعرت بِباب المنزل لتفتحه بلهفة شديدة…
جاءها صوت غليظ بعض الشيء:-
– أيه يا آنسة ساعة على ما تفتحي الباب..
ابتلعت رِفقة ريقها وجاءت تتحدث لكن قاطعها هذا الصوت يقول:-
– عمومًا أنا انتظرت لما استقريتي وقولت أجي أقولك على الإيجار…
توسعت أعينها بصدمة ورددت بعدم فهم:-
– إيجار … إيجار أيه لو سمحت…
زفر هذا الشاب بملل وقال:-
– سلامة عقلك يا آنسة إيجار الشقة إللي حضرتك قاعده فيها … أنا ورب الكعبه لازم أخد الإيجار قبل ما رجل الزبون تخطي باب الشقة بس لما خالتك دي ولا قربتك قعدت تترجاني قولت مش مهم اصبر يوم يا واد علشان حالتها…
لم يستوعب عقل رِفقة ما يحدث لتهتف بعدم تصديق:-
– بس طنط عفاف قالتلي إنها اشترت ليا الشقة يعني الشقة مِلك..
صرخ الرجل باستنكار:-
– شوفوا بقاا الواحد يعمل خير يتقلب عليه عكننة على المسا … لا مؤاخذة مِلك أيه يا آنسة العمارة كلها إيجار أنا مش بملِك…
شعرت رِفقة وكأن دلو ماء مُثلج سقط فوقها، صدمة عاتية لم تتخيلها بأحلامها…
أردفت تقول بتيهة ورجاء قد فسره الشاب بطريقة خاطئة:-
– طب لو سمحت .. أنا الدنيا عندي متبهدلة ممكن بس تساعدني .. يعني هتصل بحد وكدا أصل موبايلي فصل شحن…
التمعت أعينه بالمكر وهو يتأملها، ثيابها الملتصقة على جسدها بفعل الماء وغمغم بنبرة خبيثة وهو ينظر لداخل الشقة بينما رِفقة تترك جزءًا صغيرًا مفتوح وتُحدثه بنصف جسد من خلف الباب تحسبًا لأي شيء، ليحاول المرور وتخطيها:-
– أووي أووي غالي والطلب رخيص دا إنتِ شكلك بتمسحي وهتخلي الخرابه إللي جوا دي جنة…
دخليني وأنا أظبطلك الدنيا…
على الفور اشتشعرت نبرة الخُبث بحديثه وعدم صفاء نيته، نبض قلبها بشدة لتُسرع بإغلاق الباب مُسرعة بخوف وتسحب المزلاق…
لتسمع صوته يقول من خلف الباب:-
– ناس ملهاش في الطيب نصيب .. عمومًا في طلعة النهار هكون هنا علشان أخد الإيجار وإلا تلمي هدومك وتتكلي على الله…
سقطت رِفقة بصدمة تبكي وهي لا تُصدق ما هي به .. كيف تفعل زوجة خالها هذا الشيء بها..!!
كيف يتحجر قلبها بهذه الطريقة؟!
لماذا هذا الحقد الدفين، والكره الشديد لها..!!
والأموال!!
أين الأموال التي تركها لها والدها!!
لا تحتاج إلى إجابة … لقد خدعوها..
لقد كانت تحيا داخل كذبة افتعلها ثلاث أفاعي، كانت تحيا وسط نعومة جلدهم بينما هم ينثرون السُم بحياتها…
أخذت تشهق ببكاء عنيف يُذيب القلوب بينما تحتضن جسدها:-
– ليه …ليه يعملوا كدا … ليه استغلوني وضحكوا عليا … يعني هي جابتني هنا علشان تتخلص مني … طب ليه …ليه كدا..
طب أعمل أيه دلوقتي.. يارب رحمتك يارب، كل الأبواب اتقفلت في وشي بس بابك إنت مفتوح ليا..
***********************
وقف كريم أمام يعقوب الذي يراه للمرة الأولى بتلك الحالة لا يفهم ما يحدث..
– في أيه يا يعقوب.. أيه إللي بيحصل..!!
جذب يعقوب السلاح الناري ثم شد أجزاءه وقد فقد تعقله على الأخير، ارتقى الدرج ليقول بغضب جحيمي:-
صعد كريم خلفه وبصحبته ثلاث رجال حتى وقف أمام أحد المنازل..
توسعت أفواههم بصدمة عندما ضرب يعقوب الباب بقدمه يدفعه بعنف..
ركضت عفاف المذعورة تفتح الباب بصدمة عندما رأت يعقوب أمامها في هيئة جعلت أوصلها تتجمد وهو يُشهر السلاح على رأسها، وصاح بتحذير:-
– كنت ذوق معاكِ وسألتك بكل هدوء لكن أظن الأسلوب الراقي مينفعش مع أمثالك، بس أظن الطريقة دي هتجيب نتيجة..
انطقي يا ست أنتِ قولي العنوان ولا أفرغ السلاح ده في راسك…
صرخ بأخر جملة لترتعش عفاف وبناتها رُعبًا، وفور أن اقتربت فوهة السلاح من رأسها مع نظرة يعقوب النارية المُحذرة أسرعت تقول بارتعاش وهي تبتلع ريقها بخوف:-
– خلاص .. هقول هقول..



reaction:

تعليقات