رواية ساكن الضريح كاملة بقلم ميادة مأمون عبر مدونة كوكب الروايات
رواية ساكن الضريح الفصل الثلاثون 30
يقولون ان الايام كفيلة بأن تقسي القلوب، و و تذيب المشاعر.
لكن في حالتها هي كان العكس تماماً، كلما ابتعد عنها زاد تعلقها به، منذ خمسة أيام بعد أن عادو من تلك السَفرة المشئومة، و هي محرومه من لقاء عيناه،
بحجة انه قد انشغل في مشفاه، ليعوض تلك الأيام التي ابتعد عن مرضاه فيها، حتى مجرد مكالمه عبر الهاتف قد حرمها منها، و من سماع صوته.
حزينه مكتئبة وحيدة، برغم انها تنام يومياً في حضن والدتها، الا انها عادت الي إغلاق الغرفه عليها طيلة النهار، و المكوث وحدها.
و هذا ما لم يعجب السيدة مجيدة، و اجبرها ان ترتاب في أمرهم، و بالخصوص بعد أن هاتفتها السيدة فاطمة، و حكت لها كل شئ من وقت وصولهم إليها، الي ان عادو الي ديارهم.
و بعد أن اغلقت معها الهاتف، نظرت الي شقيقتها متسائلة…
الحاجة مجيدة بأنزعاج
– بنتك مالها يا ماجدة؟
ماجدة بعدم فهم
-و النبي مانا عارفه يا اختي، من يوم ما رجعو من السفر، و ابنك سابها و راح المستشفى،
، و هي طول الليل نايمه، و اول ما يطلع علينا النهار تجري على اوضتهم، و تكمل نوم، و لا راضية تاكل ولا تشرب.
الحاجة مجيدة
-و التاني ده اللي من ساعة ما رجع و رمى الشنط من ايده في نص البيت و ماشوفناش وشه بعدها،
و كل ما اتصل عليه يا يصدرلي صاحبه، و يقولي دا في العمليات، يا يرد عليا هو بكل برود و يقولي، اقفلي يا ماما انا مشغول.
ماجدة بشهقة
-يعني انتي قصدك ايه، يا لهوي لا يكونو اتعاركو يا مجيدة.
انتفضت مجيدة من علي اريكتها، قاصدة الصعود الي الاعلي
-لسه واخده بالك يا ام المفهموية.
دفعت الباب و ولجت إليها أمره
بت يا شذى اتعدلي كده ياختي و قوليلي مالكم في ايه
تفاجئت تلك التي تبدل حالها من سئ الي اسوء، و هذا ما ظهر على جسدها الذي كان بالسابق مرمرى، الان أصبح هزيل،
و شعرها التي كانت تعتني به ليصير خلف ظهرها كشلال من الشيكولاته، الان صار اشعس ملبد.
بماذا ستجيبها الان، هل تقول لها بأنها رفضت تلك الهديه التي منحتها لها، هل يعقل ان
تقول لها بأنها سبته، ذلك الذي تفتخر به والدته أمام العالم اجمع، هي و بكل بساطة نعتته بالجبان.
الحاجة مجيدة بقلة صبر
-ما تنطقي يا بت مالكم انتو الاتنين، من يوم ما رجعتو ياختي و انتو حالكم ملخبط ليه.
شذي بصراخ كعادتها، حتى تهرب من ذلك المأذق
-ماعرفش يا خالتو ما تسألي ابنك، جاية تسأليني انا ليه.
-و هو فين ابني يا جلابة المصايب انتي، ما انتي طفشتيه يا بت، خربتيها و قعدتي على تلها يا بنت ماجدة
انطقي و قولي حصل بينكم ايه في سفرية الشوم دي، الا و ربي و ما اعبد ما هاضربك الا بالشب…
وقفت على فراشها تصرخ و تصيح فيها
-بطلو ظلم في شذى بقى شوية حرام عليكم
هو كل اللي عايز يطلع غلبه، يجي يطلعه في شذى، اموت نفسي عشان ارتاح و اريحكم كلكم منييييي.
-شذييييييييي
تصنم جسدها في مكانه الان، بعد مرور خمسة أيام، مرو عليها كأنهم خمسة أعوام،
قد عاد لها حبيبها، صحيح ان وجهه عابث، و ملابسه غير منمقة و ذقنه غير مستوية، هيئته بالكامل تدل على مدى حزنه و انه مثلها تماماً و يزيد عليه تعصبه الأعمى من جهة امه،
لكن فليفعل بها ما يريد، و ان اطاح بها في الحائط سترضي حتى يصفح هو عنها.
وقف ينظر إليها بعين تتصنع الجمود، لكنها بالفعل كانت مشتاقه الي رؤياها، يحسب ان ابتعاده عنها ساينسيه عشقها، لكنه ما جني سوي عذاب الاشتياق الي تلك الموجه الزرقاء الحزينه.
لتخرجه من أفكاره خالته التي ولجت من خلفه و تخطته، لتحاول انزالها و تهدئة الموقف.
ماجدة مجتذبة ابنتها من علي الفراش
-انزلي يا شذى مالك رجع اهو، انزلي يا بنتي ولو في حاجه مزعلاكي قوليها بهدوء.
انزلقت من علي الفراش باكية عيناها متعلقة به، لكنها لا تقوى على التحدث.
ليصدمها هو بحديثه الغاضب…
-اعتذري حالاً لأمي
فاضت أمواج عيناها على وجنتيها، و من كثرة اغرورقهم باتت رؤيتها مشوشه.
كما دهشو هن الاثنتان أيضاً مما تفوه به
لتهتف والدته
-انا لا عايزة اعتذار و لا ني…
انا عايزة افهم انتو ايه اللي صابكم هناك.
مالك محزراً
-اسكتي يا أمي لو سمحتي، و انتي…
قسماً بدين الله لو ما اعتذرتي لأمي دلوقتي حالاً لتكوني طالقه و بالتلاته كمان.
شهقة جماعية خرجت من ثغرهم، هل يصل به الحد بأن يهددها بهذه الطريقة المهينة.
لكن لا هي عاشقة لقلبه نعم، لكنها أيضاً لديها كبرياء و عزة نفس، تصعب عليها ان تطيع أمره و ليفعل ما يريد، حاولت تخطيه ضاربة بما يقول عبر الحائط.
لكنها عجزت عن الحركة، حين قبض على معصمها ، ليستشعر نبض قلبها الذي يدق كاطبول الحرب، بكفه الذي يكاد ان يسحق عظامها فيه أمرها مرة أخرى.
بقولك اعتذري لأمي .
أدارت رأسها و بدموع منهمرة قالتها
-انا اسفة يا خالتو.
نفض ذراعها من يدها و هو يصيح
-غو.. من هنا مش عايز اشوفك قدامي طول مانا في البيت..
تلقت اهانتها و ترجلت سريعاً قاصدة غرفة والدتها، التي وقفت تنظر اليه بأندهاش، لتهمس بكسرة قلب أم.
-كده يا مالك هي دي الأمانة، اللي أأتمنتك عليها.
انضمت إليها شقيقها تحاول أن تشد من ازرها ولو قليلاً.
-ماكنش له لزوم دا كله يا بني، البت من يوم ما جيتو و هي حابسة نفسها، و انا كنت بحاول افهم في ايه بينكم، فاضغط عليها شوية عشان تتكلم.
-كفاية بقييييي
صرخ بها مالك و هو يجلس على الفراش واضعاً رأسه بين راحتي يده.
-ممكن تبطلو تدخلو في حياتنا شوية.
الحاجة مجيدة معنفه ابنها
– يعني ايه يا واد انت، عايزنا نشوفكم كده و نسكت.
-اه تسكتو و ماتدخلوش في حياتنا، سيبونا في حالنا بقى، احسن و عزة و جلال الله أطلقها بجد.
ماجدة مترجلة بغضب
-لاء و على ايه، كتر خيرك يا بني.
و قبل ان تتفوه والدته بكلمه واحده، فاجئها هو
-مالكيش دعوة بشذي يا أمي، و من فضلك ماتحوليش انك تدخلي في حياتنا.
-حايتكم و هي فين حياتكم دي بلا خ…. عليك و عليها.
تركته و ذهبت هي الاخري، ليجلس هو بوجهٍ مفعم بالوجوم، يحبها لأبعد الحدود و لا يقوي ان يجبرها على حبه ابداً.
❈-❈-❈
ولجت إليها والدة زوجها، رأتها لازالت على حالتها، كل ما تبدل هو الفراش الذي تجلس عليه و عينها جاحظة ناظرة للأمام ، بينما تجلس في منتصفه صامته تماماً.
اردفت إليها والدتها بخوف
-يا بنتي ردي عليا ايه اللي جرالك بس، اتكلمي يا شذي.
ضمتها خالتها الي صدرها بهدوء، و الغريب انها لم تردها عنها لتحدثها و يدها تملس على ظهرها بحنان.
-ماتزعليش يا روح خالتك، حقك عليا انا، يا بت انا خايفه عليكم، نفسي اشوفكم مرتاحين، لكن انتو من يوم ما اتجوزتم و انتو علطول في خناق و نقار مع بعض.
-دي مابتتكلمش يا مجيدة، حتى عيونها لابترمش و لا بتدمع، البت مالها يا مجيدة.
كانت هذه ماجدة التي لم تحيد نظرها عن ابنتها.
مجيدة ناهرة شقيقتها التي بدأت في العويل
-اسكتي يا ماجدة انتي هتخضيني على البت ليه، ماهي زي الفل اها ياختي، سيبيها انتي بس تنام شوية و هي تقوم زي الفل.
مددتها في الفراش، و دثرتها جيداً على أمل انها تنام، و اشارت الي اختها بأن تتبعها للخارج.
ترجلو سوياً مغلقين عليها الباب، تاريكنها وحدها، ليروه قد بدل ملابسه، متجهاً للأسفل.
اوقفته والدته بهدوء ساخر
-على فين العزم انشاء الله.
مالك ناظراً لهم بطرف عينه، مجيباً بجمله واحده.
-رايح لأبويا في التكية.
تمسكت ماجدة بذراعة لأيقافه قبل أن يرحل:
-مالك ادخل بص على شذى، البت مش بتنطق و عنيها مفتوحه على آخرها، حتى دموعها نشفت.
نفض يده من يدها، ونظر الي باب الغرفة الموصود عليها بصمت، ثم تركهم سريعاً متجهاً للأسفل.
❈-❈-❈
ذهب إلى والده بوجهٍ محتقن من الدماء النافرة في عروقه.
و بعد التحية و السلام، جلس مع والده يباشرون الطهاه و هم يعدون الطعام الذي سيوزع على سكان الضريح.
لكن لم يغفل الشيخ حسان عن رؤية ابنه هكذا ليسأله….
-شكلك مش مبسوط، حاسس انك شايل هم كبير، احكيلي فيك ايه.
نظر مالك إلى ابيه مطولاً ثم انحني بجزعه للأمام يفكر بصوت مرتفع…..
-انا هاشتري من حسام بيت جده اللي قصادنا.
ضم الشيخ حسان حاجبيه بعدم فهم ثم هتف:
-تشتري من حسام بيت جده ليه هو احنا بيتنا صغير يا بني؟
-و هو انا هاشتريه ليا.
-اومال لمين يا مالك؟
-هاشتريه لخالتي ماجده و شذى.
-طب هاشتريه لخالتك، و مفهومه دي، إنما مراتك عايز تشتريه ليها ليه، قصدك يعني تكتبو بأسمها عشان تضمن حقك فيه.
-لاء مش قصدي كده خالص على فكرة، حق ايه يا ابويا اللي هدور عليه، اذا كنت انا اللي هاشتريه.
اردف الشيخ حسان منزعجاً من ثرثرة ابنه الذي يقول كلام غير مفهوم.
-يا بني انت عمال تقول كلام غريب، مش فاهم منه حاجة، ايه اللي هاتشتري بيت صاحبك لمراتك و امها، طب هتكتبه بأسمك عشان تضمن حقك،
لاء حق ايه مش عايز حقوق، طب ما تفهمني زي الناس العاقلين ما بيتكلمو، قولي انا هاروح اشتري البيت عشان كذا، قول المعلومه على بعضها يا مالك.
-انا هاطلق شذى…..
قالها بسرعة، لدرجة ان ابيه لم يتفهم ما قاله
لينتبه له قائلاً
-عيد كده اللي انت قولته ده تاني.
احنى رأسه بحزن جم و همس بخزي
-مش مصدقني و لا ايه، بقولك هاطلق شذى.
اندهش الشيخ حسان قائلاً….
-طب ليه، مانا كنت بقولك كده من الاول وانت تقولي لاء.
-حسيت انك عندك حق في كل اللي قولته، هي مش زيي، و طبعها غيري، و حياتها مختلفه بالكامل عن حياتي، فاقولت كده هيبقى احسن ليا و ليها.
فرحه عارمه اكتست وجه الشيخ حسان، ليربت على ظهره قائلاً.
-عين العقل يا مالك، بس لو ناوي فعلاً تعمل كده، يبقى تستنى لحد ما تشتري البيت وتوضبه ليهم، و اهو يكون مر شهر و لا حاجه و بعدها ابقى طلقها، اصل دي سمعة بنت يا بني و الناس برضو ليها الظاهر
هيقولو طلقها ليه، و هما لسه مامرش على جوازهم غير شهر
وافق اباه الرأي، و اتفقوا سوياً الا تأخذ والدته خبر بهذا الحديث، و إلا ستعترض و بشدة او ربما تبتعد عنهم، و تفضل الجلوس مع شقيقتها.
ليتفاجئ من اتصالها على هاتفه، نظر الي والده، و فضل رفض المحادثه معها، لكنها أصرت ان تزيد من اضطراب اعصابه، معلنه الاتصال مره اخرى.
ليجيب هو بصوتٍ شبه مرتفع….
-الو في ايه يا أمي عماله تتصلي بيا ليه؟
الحاجة مجيدة موبخه له
-في ان مراتك لا بتصد ولا بترد يا مده.. انت عملت ايه في البت خلاها توصل للحاله دي،
البت مسبله عنيها لا بتدمع و لا حتى بترمش، و لا راضية تتكلم و ترد على حد فينا يا مالك.
بكل هدوء عكس ما في داخله اجابها
-و حضرتك عايزانى اعملها ايه بقى، اسيب كل حاجه ورايا و اجي اقعد بيها عشان ترتاحي،
و لا تحبي اسيب مهنة الطب و اشتغل دادة للأميرة شذى عشان اقدر ابسطها و اخليها ترضى عني؟
-يخيبك
كان هذا اللفظ المناسب الذي وجدته السيدة مجيدة لتجيب به ابنها المتعجرف.
لتكمل بأحباط
-يا بني تعالي شوف البت فيها ايه، دي شكلها كده يقطع القلب، و امها هاتموت نفسها من العياط عشانها.
تأفف بنفاذ صبر مردفاً
-حاضر اقفلي التليفون و انا هاطلب ليها دكتور و اجيبه و اجي.
لتوقفه قبل أن ينهي المكالمة بسرعه
-وتجيب ليها دكتور غريب ليه بس، ماتيجي تكشف انت عليها دي مراتك يا ولاااا.
مالك مستغفراً
-استغفرك ربي واتوب اليك، ممكن تقفلي يا أمي لو سمحتي.
❈-❈-❈
عاد بالطبيب النفسي الي المنزل، فهو يعلم جيداً ان ما بها ليس بمرض عضوي،
لكنه فضل الا يلج معه إليها، حتى لا يرق قلبه لها، و ظل واقفاً بالخارج منتظره.
الي ان وجد والدته تترجل اليه سريعاً، تسحبه من يده معها للداخل.
مالك محاولاً ايقافها
-استنى يا أمي انتي سحباني كده على فين.
الحاجة مجيدة بغضب
-سحباك على جوه يا حيله عند مراتك ادخل يا خويا ادامي الدكتور طالبك عنده.
اغمض عينه بتنهيدة يزفر بها شوقه لها، ثم اومئ برأسه و ولج اليها.
كانت نيران شوقه و قلقه عليها تشعل لهيب قلبه الذي احتراق بأكمله، و هو يرى وجهها الشاحب، عيناها المنفرجة على آخرها ، و بالرغم من ذلك يعلم انها لا تراه.
نظر اليه الطبيب و تحدث معه بلغتهم، حتى لا تفهم كل من والدته و والدتها ما يقولونه، ليهمس لنفسه بهدوء.
-كنت عارف
استمعت ماجدة لما همس به، اردفت ببكاء متمسكه بعضضه….
-هو ايه ده اللي كنت عارفه يا مالك، ماتفهمني بنتي فيها ايه.
مالك مزمجراً
-ممكن تهدي شويه، مافيش
حاجه لده كله يعني.
-طب قولي هي ليه مش بترد عليا، طب قولي انت يا دكتور، حد يطمني عليها طيب.
مالك أمراً لهم
-ممكن تخرجو بره دلوقتي، و لما الدكتور يخلص كشف هقولكم على كل حاجه.
أمسكت شقيقتها بيدها، و اجبرتها على الترجل معها ، و وقفت تحاول أن تهدئها، الي ان ذهب الطبيب و معه مالك و دلفو سوياً اليها،
ضمت ماجدة ابنتها بين ذراعيها تربت على حجابها و ذراعيها باكية على كل ما تقاسية في حياتها، همت مجيدة تعاتبها على بكائها.
-بتطعيتي ليه دلوقتي بس، ما انتي سمعتي الدكتور و هو نازل قال ايه.
ماجدة رافضة حديثها
-ماليش دعوه بالي قاله،
انا ليا بنتي واللي هي فيه ده، يا ريتك ما جوزتيها لابنك يا مجيدة، بقى هي دي شذى، الورده المفتحة فاجئة كده وشها يدبل و تنطفي، يا ريتهم ما اتجوزو يا ريت.
-حاضر يا خالتي، بأذن الله اول ما بنتك تخف هاعمل ليكم اللي انتو عايزينه.
هبت مجيدة واقفة بعين كالجمر و اذا بها
تفزعهم بصوتها العالي…
-بس انت و هي اخرسو خالص، و انت حسك عينك اسمعك تقول الكلمه دي تاني مره،
و انتي يا ختي سيبي البت لجوزها يديها علاجها، و اطلعي قدامي و حسابنا بره مش هنا.
ماجدة رافضة
-لاء مش هاسيب بنتي لحد، ما كانت معاه و هو اللي عمل فيها كده، و لازم يقولي حصلها ايه.
مد مالك يده بحقيبة الدواء لها و اردف
-ماتسيبهاش خليكي معاها زي مانتي عايزة، بس لازم تعرفي ان بنتك عندها اكتئاب هو اللي خلاها رافضة الحياة وسطنا. و الهروب بالطريقة دي.
قال كلمته و تركهم وحدهم و ذهب إلى مكانه المفضل، محاولاً ان يهدء من نبضات قلبه التي تتقاذف سريعاً كعقرب الثواني.
جلس بجانب الضريح يناجي ربه بأن ينجيها من ازمتها هذه.
يعلم انها تريد الهروب من حزنها، خائفة من ان ينفذ ما قاله لها، لا تعلم انه يتمزق اكثر منها و شوقه إليها يقتله مثلها تماماً.
❈-❈-❈
اخيراً اسدلت أهدابها و غفيت بعد أن اعطتها والدتها دوائها، لتتفاجئ بشقيقتها التي زجتها امامها لتخرجها من الغرفة بأكملها.
ماجدة متحديها بوجه متهجم
-بقولك ايه يا مجيدة ابعدي عني الساعة دي، انا مش ناقصني خناقك و صوتك العالي، كفايه عليا بنتي واللي هي فيه.
مجيدة مؤكدة بهدود
-ايووووة اللي هي فيه، هو دا بقى مربط الفرس يا بنت ابويا.
-قصدك ايه يعني؟
-قصدي ياختي اقولك ان اللي بنتك فيه ده، أساسه انتو جاين لنا بيه، و الواد يا عين امه حماها و دافع عنها، و شال همها من يوم ما اتجوزها،
لكن تيجو كل شوية، و ترمو بلاكو عليه، دا بقى اللى مش هاسمح ليكم انتي و بنتك بيه ابداً.
ماجدة ساخرة
-نرمي بلانا عليه! لاء كتر خيرك يا ختي، بس اطمني اول بنتي ما تخف من اللي هي فيه ده، انا هاخدها و امشي.
مجيدة بنافذ صبر
-تخديها و تمشي على فين يا ختي هو انتو ليكم مطرح تاني تروحه، و لا ناويه ترجعي للي عايزين يقتلو بنتك، اللي هي أساساً في عصمة راجل، و ماتقدرش تروح في حته من غير ما تقوله.
ماجدة منهية الحديث، والجة الي غرفة ابنتها
-لاء اطمني ان كان على ابنك هو قالها بعضمة لسانه، هايطلقها يا مجيدة.
❈-❈-❈
عاد الي المنزل في تمام العاشرة، ليجد والدته تجلس بانتظاره بمفردها، ليلج إليها و هو يعلم جيداً ما يدور برأسها.
مالك بوجه حزين
-السلام عليكم يا أمي.
مجيدة ناظرة آليه بجمود
-و عليكم السلام و الرحمه يا شيخ مالك، يا طبيب الغلابة، يا ساكن الضريح، يا حافظ كتاب ربنا….
مالك زافراً بغضب
-اممممم هانبتدي بقى، خير يا أمي، لازمته ايه الكلام ده.
-لازمته حالك المايل يا عين امك، لازمته مراتك المرمية فوق و تايهة في ملكوت تاني،
و حضرتك بدل ما تحاجي عليها، و تخرجها من اللي هي فيه، ال ايه عايز تطلقها، ياخي جاتك طلقه في دماغك انت و هي تخلصني منكم انتو الاتنين.
انفجر مالك ثائراً رغماً عنه
-ارحميني بقى يا أمي، تقدري تقوليلي اتمسك بيها ليه اذا كانت هي مش عايزانى.
مجيدة بغضب
-هي قالتلك كده، لاء شذى لا يمكن تقول كده انا عارفه دا كويس، هي بتحبك يبقى ازاي تبقى عايزة تسيبك بس.
مالك مؤكداً متذكراً ما حدث بينهم
-لاء صدقي، مع أول مشكله حصلت بنا قالتها.
-مشكلة ايه دي بقي اللي تخلي مراتك تقولك حاجة زي كده.
لن يجرؤ ان يحكي لها ما حدث، فبرغم من ثقل ما قالته له، لكنه يعلم انها ستنزعج كثيراً، ان لم تهب واقفة صاعده إليها و مبرحاها ضرباً.
-مافيش يا أمي كل الحكاية اننا بعد ما خلصنا حوار النيابة ده و نجينا منه بأعجوبه، خوفت عليها لما تروح الكليه عشان تمتحن،
وانها هتبقى لوحدها هناك و مش هاقدر اخد بالي منها، فروحت الكليه و سحبت ورقها عشان أقدم ليها هنا، و تبقى تعيد السنه مش مشكلة يعني، بس للأسف الهانم ماعجبهاش الكلام ده و طلبت مني اني اسيبها.
-وطبعاً حضرتك بدل ما تفهمها، قولتلها هاطلقك واتخنقت معاها مش كده.
-واحده بتقولي هاسيب ليك البيت و هترجع مش هتلاقيني فيه، اقولها ايه؟
قولتلها استنى لما ارجعك لوالدتك، و انا هابقي اطلقك.
مجيدة مشتعلة من الغضب
-انت ايه يابني ادم البرود اللي بتتكلم بيه ده، يعني حتة عيلة لسه مش عارفه تاخد قرار صح في حياتها،
اول ماتقول كلمة تزعلك، تقولها هاسيبك و اطلقك، دا انا قايله ليك ومنبهه عليك تكون ليها اب قبل ما تكون زفت زوج.
-ما هو عشان اكون ليها اب، مش لازم اكون زوج ليها غصب عنها.
-لاء لازم يا بني افهم بقى، الاب مش دايماً بيبقى حنين، ساعات بيرفض و يقسي عشان يربي و يعلم و شذى لسه صغيرة معندهاش خبره في التعامل يا مالك،
و اللي شافته من عيلة ابوها مش شوية برضو، يبقى ماتجييش انت بقى و تزود عليها.
ابتسامة صفراء ارتسمت على ثغره، كيف يقول لها، ان زوجته الصغيرة قد فضلت عليه تلك العائلة، و ذلك المجرم،
لكنه لم يقول شيئاً سيظل صامتاً كاتماً جرحه في قلبه الي ان تتعافى و يفعل ما يصر عليه، ليصرح قائلاً
-اول ما تشد حيلها ابقى خديها تحضر الدرس و خليها تحفظ قرأن يمكن ده يريح نفسيتها شوية.
مجيدة بتعجب
-طب ما تاخدها انت وتعلمها انت، و لا ناوي تفضل باعد نفسك عنها كده.
انتفض من جلسته قاصداً الصعود لغرفته
-انا لاء يا أمي ارجوكي بقى ماتحوليش تضغطي عليا اكتر من كده، و لا تحبي اسيب البيت وابعد عنكم خالص و اروح اقعد في شقتي.
وبعد أن أنهى حديثه معها تركها تتعجب منه، صعد الدرج وتوقف أمام غرفتها و قلبه ينشد بلحن اسمها،
يريد الولوج إليها حتى يطمئن قلبه عليها، لكنه سيتقابل مع والدتها أيضاً، و ربما يتفاقم الأمر بينهم اكثر من ذلك.
ضم قبضة يده بقوة حتى نفرت عروقه، و اتجه نحو غرفته مغلقاً بابها عليه بخيبة امل.
❈-❈-❈
كانت هي مستيقظة بجانب والدتها الغافية لا تشعر بها، انزلقت من جوارها و كأنها مبرمجه على ما تفعله،
فتحت الباب بهدوء و اتجهت نحو غرفتهم، لتجد امامها حبيبها يسجد لربه، و يؤدي صلاته في خشوع تام.
انتظرت قليلاً الي ان انتهى، و كأنها اعتادت على شئ تفتقده بشدة الان.
وثبت على ركبتيها جالسة أمامه تنظر إليه بنظرة ألم، وكعادتها تكورت على نفسها أمامه أخذة وضع الجنين، وضعت رأسها على فخذه تريد أن تريح قلبها و لو لبضع دقائق.
تنهد بقلة حيلة، لا ينكر انه فرح من داخله للجوئها لهذه العادة الجميلة بينهم، وضع
راحة يده على وجنتها يربت عليها بخفه، و بدء يتلو ايات الله الحكيم.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية ساكن الضريح ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق