Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الفصل الحادي و العشرون 21 - بقلم سارة أسامة

     رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء كاملة   بقلم سارة أسامة   عبر مدونة كوكب الروايات  

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الفصل الحادي و العشرون 21

 
– إللي سمعته صح يا لبيبة هانم..!!
كان هذا تساؤل “فاضل زكريا” بنبرته الذي جاهد لجعلها هادئة بعد هذا الخبر الصاعق الذي تلقاه بزواج يعقوب بدران بفتاة مجهولة، وانتشار مقطع مصور باعتراف يعقوب..
لم تُحرك لبيبة ساكنًا وبقت على حالة جمودها، وهتفت بكل برود باقتضاب:-
– أيوا صح..
هتف الرجل وهو على حافة الجنون من فكرة عدم زواج ابنته بالوريث الشرعي الأول يعقوب بدران:-
– بس ده مكانش إتفاقنا يا لبيبة هانم، مش اتفقنا يبقى فيه نسب بينا، وحضرتك اتكلمتي على بنتي ليعقوب باشا..
انتصبت بغضب ودقت بعصاها بشدة وصاحت من بين أسنانها:-
– ولسه على كلامي يا فاضل، ومش بسمح لأي مخلوق مهما حصل يكلمني بلهجتك دي..
وبنتك لو مش عايزه تخسر يعقوب يبقى تتحرك وتنفذ إللي قولتلها عليه..
وانصرفت بتكبر وغرور شديد وتذر هذا الغاضب الذي يغلى عقله كالمرجل ويقسم في قرارة نفسه بأنه لن يخسر تلك الجولة بتاتًا…
________بقلم/سارة نيل________
اقتحم حُسين والد يعقوب غرفة مكتب والدته بغضب ولم يبالي بقوانينها البالية..
هدر بغضب أعمى:-
– عملتي أيه وخليتي يعقوب يقتنع ويوافق يبيع لكِ المطاعم بتاعته، هددتيه بأيه .. عملتي فيه أيه يا لبيبة هانم … أنا متخيلتش توصلي للدرجة دي يا أمي..
عادت بظهرها للخلف وهي تسحب عويناتها من فوق وجهها ورددت ببرودها المعتاد:-
– طب وأيه لازمتها أمي .. يا حسين باشا..
اقترب من سطح المكتب يطرق فوقه بجنون بعروق وجه منتفخة وهدر بحدة:-
– فهميني إنتِ عايزه أيه من ابني، إنتِ مش راضيه تسيبي يعقوب في حاله ليه..
دي حياته إللي اختارها، ليه مش قابلة تشوفيه سعيد..
في هذا الأثناء ولجت فاتن والدة يعقوب بخُطى مهزومة ورفعت أنظارها لتتبين أعينها المنتفخة من البكاء ورددة بنشيج باكٍ:-
– دا ابني يا لبيبة هانم، ابني إللي خسرته بسببك وبسبب قسوتك وجبروتك، يعقوب مش هيكون النسخة إللي إنتِ عيزاها..
أنا عارفة إنك بتحبي يعقوب وإن هو عندك الدنيا كلها، بحلفلك بإللي رفع السما بدون عمد إن شوفت سعادة في عيون يعقوب والحياة رجعت لوشه واختلف تمامًا عن يعقوب إللي شوفته بعد ما رجعت…
اقتربت منها ثم فجأة جثت على ركبتيها بحزن أم يتمزق قلبها على وليدها، أمسكت يد لبيبة برجاء بينما تقول ودموعها تغرق وجهها تسألها بتذلل:-
– لو يهمك سعادة يعقوب ابعدي عنه، لو بيهمك فرحته وراحته اتنازلي عن كبريائك والقواعد بتاعتك…
بلاش تهدمي فرحته وتدمري أحلامه، مش إنتِ بتقولي إن هو مش بس حفيدك وأنه ابنك علشان الأم إللي ربت مش إللي ولدت، لو إنتِ ليه الأم، اعملي إللي الأم بتعمله … الأم مش بيهون عليها تشوف قلب ابنها محروق…
أنا مستعدة أعمل أي حاجة بس تبعدي عنه..
كانت تنتحب ولم تشعر بشيء سوى بحرقتها على يعقوب وخوفها ورعبها من تصرفات لبيبة على ولدها يعقوب..
انحنت تُقبل يدها لتسمع لبيبة تقول بقسوة ناهرة بسخرية:-
– وإنتِ تعرفي أيه عن الأمومة يا فاتن، قوليلي أكون زي الأم إللي سابته وهو لسه ابن خمس سنين وسافرت مع جوزها علشان تحقق أمجادها وتبني اسم في مؤسسة بدران..
وقبل ما تتحججي بالاسطوانة بتاعتك وتقولي دي أوامري .. بس إنتِ كُنتِ مُخيره وكنتِ تقدري تقولي لأ .. بس إنتِ إللي اختارتي المجد عن يعقوب…
كانت تتحدث وتنثر المِلح على جُرح فاتن لتنفجر الأخيرة ببكاء مرير وهدرت بينما تضرب على صدرها:-
– عندك حق … أنا إللي غلطانة …الحق كله عليا..
ياريتني كانت طلعت روحي وربنا خادني أهون عليا … اتحرمت من إني أشوف ابني بيكبر قدامي … أنا السبب في الويل والعذاب إللي ابني شافه … أنا هنا المجرمة..
شحب وجهها وشهقت بحِدة جعلت زوجها حُسين الذي يحاول جذبها يحتضنها بحنان ويحاول إبعادها لكنها كانت متشبثة بملابس لبيبة وصاحت بعذاب ودموعها تقطر من ذقنها:-
– قلبي محروق عليه .. أنا أستاهل إن هو يكرهني وميبصش في وشي تاني..
كل ما افتكر حياته كانت إزاي النار إللي في قلبي تزيد … يا كبدي يا ابني …يا نور عيون أمك يا يعقوب إزاي استحمل ده كله..
وفي غمرة الأحداث من وسط بكاءها تفاجأت بكفين قويتين يُحيطان كتفيها يجعلها تستقيم، رفعت رأسها بأعينها التي تتسرب منها دموع مريرة لتكون صدمة تهزّ بدنها حين رأت يعقوب أمامها يُساعدها في الوقوف…
لم تكن صدمتها أقل من لبيبة وحُسين الذي تعلقت أنظاره بيعقوب…
وقفت فاتن ووجهها مرفوع تجاه يعقوب ولم ترحم أعينها من الدموع، تنظر له بندم وحسرة وحب وحنان لطالما حرمته منه..
خرجت شهقتها التي تمزق أوتار القلوب وهي تشعر أنها على وشك فقدان الوعي بينما قد اعترض الهواء للولوج لرئتيها..
رفعت أصابعها المرتعشة تتحسس ذراعي يعقوب الصلبة ثم ارتفعت تضعهم فوق صدره على موضع قلبه وكأنها تُطمئن قلبها بأنه أمامها..
وبتردد شديد تعلم ردة فعله جيدًا من النفور والإبتعاد، ارتفعت كفيها تتحسس وجهه، لكن الرعدة التي ضربت الجميع بعنف حين ظل يعقوب ثابتًا لم يبتعد عن مرمى يديها، اكتفى بالنظر إليها بهدوء نظرة كانت مستكشفة لأشياء ومشاعر جديدة غابت عنه أعوامًا عديدة..
هزت السعادة قلب فاتن لتتجرأ وتُلقى نفسها تجذبه لأحضانها وهي تهمس بوجع:-
– يعقوب ابني .. حبيبي يا نور عيني، حقك عليا يا يعقوب حقك عليا يا روح فاتن..
وهنا كانت الصاعقة التي ضربت الجميع وأولهم لبيبة، حين أغمض أعينه بتأثر ورفع ذراعيه بعد قليل من التردد والتوتر يُطوق والدته يُبادلها العناق بشوق شديد … عِناق تمناه بعمر الخامسة إلى الآن … عِناق حُرم منه سنوات طويلة..
فقد استمع لحديثها وتذللها للبيبة وندمها الشديد ليتمزق قلبه ولم يستطع رؤيتها هكذا..
لم يهدأ بكاء فاتن بل إزداد وارتفع صوته فقد ظفرت أخيرًا بأخذ ولدها البِكر لأحضنها الذي اغترب عنها منذ عمر الخامسة..
كان كفيها يجريان على ظهره وكأنها تمسح تباريح الشجون من داخله، تشتم رائحته بنهم وتمسح على شعره بحنان..
انتصبت لبيبة تنظر لهم بوجه معقود بالغضب والصدمة تنضح على وجهها لتقبض على عصاها بشدة حتى برزت عظامها بشدة..
بينما والد يعقوب فلم يقوى على الصمود أمام ما يراه ونبتت الدموع من أعينه بتأثر فهو الأخر لا يقل شوقًا عن زوجته بأخذ ولده بين أحضانه واشتمام رائحته…
ابتعد يعقوب يخرج من أحضانها على مضض بملامح وجه متحفظة ثم ردد بصرامة ونبرة شديدة:-
– أوعي تنحني وتركعي قدام حد تاني …إياكِ..
وتابع يقول بوجه مُغلف بالقسوة:-
– مفيش حدّ يقدر يجبرني على حاجة مهما كان، أنا إللي محتاج أبيع فرعين من مطعمي وأحتفظ بالتالت وبكامل إرادتي..
وألقى بعض الأوراق فوق سطح المكتب أمام لبيبة وقال بحسم:-
– الورق جاهز .. هيتملي وهنمضي بس، والمحامي براا..
رفعت لبيبة أحد حاجبيها بتعجب بينما تعلقت أنظار كُلًا من والديه ببعضهم البعض، ليُدرك حُسين أن يعقوب بحاجة ماسة للأموال، وبالتأكيد الأمر في غاية الأهمية لجعلِه يتنازل عن أحلامه وسعيهُ بتلك السهولة..
رددت لبيبة بسخرية وهي تعود للجلوس مرةً أخرى:-
– دا إنتَ مستعجل أووي..
وجاءت تسحب الأوراق لكن سبقها مُسرعًا والد يعقوب وهو يقول بدون تردد:-
– يعقوب أنا مستعد أشتري المطاعم أنا…
أنا محتاج لمشروع مهم، وبالسعر إللي تحدده..
يعلم بل لديه يقين أنه لن يقبل منه أدنى مساعدة مادية، لكن هذه الطريقة هي الحلّ الأمثل..
فهمت لبيبة مراد ولدها على الفور، ابتسمت بسخرية وهي تُحرك رأسها بصمت ثم هتفت بكل سهولة كلمات غامضة يتلبسها الكثير من علامات التعجب والإستفهام:-
– مفيش مشكلة اشتريه إنت … هو في كلا الحالتين إللي هيحصل واحد..
مُبارك عليك مطاعم البوب يا حسين باشا..
قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر ليعقوب نظرة مليئة بالفخر أثارت تعجب الجميع..
رفع يعقوب كتفيه بلامبالاة وردد بدون اكتراث:-
– مش فارقة … يلا علشان نتمم كل حاجة..
حضر المحامي وبهدوء بعد بعض الإجراءات نقش يعقوب إمضاءه عن التنازل دون أن يرف له جفن وكأنه ليس الآن يتنازل عن حلمه وحصاد سعيه في هذه الحياة…
جذب (الشيك) وخرج بخطواط ثابتة دون أن يلتفت خلفه…
_____وخنع القلب المتكبر لِعمياء_____
________بقلم/سارة نيل________
هبط من السيارة يحتضن كفها بحنان وهم يتجاوزون بوابة دار الرعاية المرتفعة..
كانت رِفقة تشعر بشعور عجيب من الإرتياح والحماس..
سألها يعقوب بحنان:-
– هاا مستعدة تخوضي التجربة دي يا رِفقة..
ابتلعت ريقها وأردفت ببعض الحزن بغصة حادة وهي تزيد من تمسكها بيعقوب:-
– أكيد ورا الباب ده كتير أووي من القصص الحزينة يا يعقوب، هنا كل واحد عنده قصة حزينة غيرت مجرى حياته .. هنا كل قصص الخذلان..
صمتت قليلًا وواصلت بصوت متحشرج:-
– لو إنت مكونتش موجود كان زماني هنا في وسطهم …صح يا يعقوب .. كنت…
وضع أصابعه على شفتيها يمنعها من إكمال هذا الحديث الذي لا يُرضي قلبه..
ردد بحنان مُغلف بجسارة شديدة:-
– رِفقة إنتِ قدرك مع يعقوب بس .. قدرك مع يعقوب بس إنتِ فهماني..
قدرك يعقوب..
مش عايز أسمع الكلام ده تاني علشان بيوجعني..
ابتسمت له بحبٍ صافٍ وواصلت السير بجانبه وهمست له بمرح:-
– فاهمه يا سي يعقوب .. فاهميني يا سيدي..
ابتسم وهو يُحيطها بينما يدلفان للداخل لتقابلهم المسؤوله الشابة التي ابتسمت ببشاشة قائلة بترحيب:-
– أهلًا بيعقوب باشا ….المرة دي مش جاي لواحدك جاي معاك ضيف..
قال يعقوب محاوطًا رِفقة:-
-أهلًا وسهلًا آنسة شفاء، لا طبعًا مش حد غريب دي رِفقة مراتي..
رددت الفتاة بوِدّ واضح من نبرتها:-
– بجد إنت اتجوزت يبقى الأخبار صح بقى يا باشا، مش مصدقة حقيقي إن يعقوب باشا اتجوز كدا مرة واحدة..
ضحك يعقوب بمجاملة لتشتعل نيران غريبة بقلب رِفقة التي احتفظت بثباتها وهدوءها بينما تنهر نفسها على هذا الشعور المؤلم الذي اختلج قلبها مستنكرة إياه…
أمسكت شفاء ذراع رِفقة قائلة بمرحها الزائد:-
– أنا هاخد منك رِفقة نتعرف على بعض وأعرفها على المكان وإنت روح لحبايبك هتلاقيهم في نفس المكان..
وقبل أن تبتعد بصحبتها رِفقة، انحنى يعقوب يهمس لرِفقة:-
– خدي راحتك ومتقلقيش أنا في إنتظارك هنا..
حركت رأسها وسارت بصحبة شفاء التي أخذت تشرح لها بتوضيح جميع التفاصيل هاتفه:-
– هنا يا رِفقة هتلاقي كل الأشخاص والظروف والغدر إللي ممكن يحصل..
هنا آباء وأمهات العاقيين إللي تم طردهم على إيد ابنهم وفي بناتهم..
في المريض إللي ملوا منه ورموه، في العاجزيين، وفي أصحاب البصيرة إللي سحبوا إديهم من مساندهم..
هنا كل إللي اتغدر بيهم وكل إللي الجميع دار لهم ضهرهم..
غير إن هنا إللي مقطوع من شجرة ومحدش يعرف عنهم أي حاجة بسبب إنعزالهم وصدمتهم النفسية…
سقطت دموع رِفقة من هذا الألم ومن هذا الجبروت الذي أصبح يملئ القلوب وتلك القسوة التي أشد من قسوة الحجارة، أين الرِفق واللين الذي وصّانا به حبيبنا محمد..!!
أين الرِفق الذي يحبه الله..!!
ماذا سيقولون عندما يقفون أمام قاضي السموات!
لماذا هذه القسوة الذي أصبحت تعج هذا العالم..
عندما رأت شفاء دموعها قالت مبتسمة تحاول التخفيف عنها:-
– دا إنتِ شكلك طريه أووي، أمال لو عرفتي القصص هتعملي أيه، دا قطرة بسيطة من إللي موجود هنا .. دا أنا بشوف أشكال وألوان وقصص أعجب من العجب…
مسحت رِفقة وجهها وتسائلت بفضول:-
– ليه إنتِ بقالك هنا قد أيه، والمكان هنا بتاعك..؟
شرحت لها شفاء بهدوء:-
– أنا يا ستي عندي سابعه وعشرين سنة، المكان ده إللي فكر فيه وفتحه هو والدي الله يرحمه، وكنت ساعتها عندي ١٥ سنة وبقيت أنا وأمي وأخواتي البنات بنهتم بيه..
أمي الله يديها الصحة كبرت وأخواتي اتجوزوا وأنا مواصله بحافظ على وصية بابا وبزود كل يوم ميزان حسناته..
رغم البشاعة إللي بقت موجوده بس في ناس لسه جميلة أووي من جوا..
ناس كتير بتتبرع للمكان ومتكفلة بأشخاص معينة، عندك مثلًا يعقوب متكفل باتنين هنا غير التبرع الشهري للمكان، الله يبارك فيه ويزيده، حقيقي إنسان رائع بما تحمله الكلمة من معني، وراجل أووي..
وزادت تمدح في محاسن يعقوب تحت جنون رِفقة التي أخذت تنهر نفسها مما تشعر به، فكيف لها أن تفكر في مثل هذه الأشياء وهي بهذا المكان والفتاة فاعلة خير…!!
همست بداخلها باستنكار بينما الغيرة تأكل قلبها:-
– أيه الجنان ده يا رِفقة … حقيقي إنتِ بقيتي شريرة..
***********************
عند يعقوب فور أن ذهبت رِفقة بصحبة شفاء، اقترب منهم بهدوء وهم على نفس الحال يجلسون أسفل هذه الشجرة المتطرفة، وجههم لهذا الحائط وظهورهم للأرجاء….
جلس يعقوب أمامهم ورسم إبتسامة هادئة وقال:-
– إزيك يا عمّي يحيى .. عامل أيه وأخبار صحتك..
كالعادة لم بقابله سوى الصمت فقط ينظر له بهدوء ممزوج بالتيهة لكن هناك الإرتياح الذي ينمو بأعينهم فور رؤيتهم له، أصبح يجيد قراءة تعبير الأعين على أيديهم…
وكما اعتاد كل هذه السنوات يجلس ويأخذ في سرد ما يحدث له وما يجِد بحياته، آلامه وأحلامه، لكن تلك المرة أخذ يسرد لهم شيء مختلف فريد من نوعه..
الفتاة التي سرقت لُبه وكيانه وغيرت كثير بداخله، لم يغوص في التفاصيل، فقط يسرد لهم عن فتاة مجهولة بالنسبة لهم ولم يصدف في حديثه أن ذكر اسمها…
بعد قليل خرجت رِفقة بصحبة شفاء فتحرك يعقوب تجاههم بعد أن قال:-
– بعد إذنكم …هرجع تاني..
وفور أن شعرت به رِفقة تمسكت بذراعه بشدة تعجب لها يعقوب لكنها أسعدته وجعلته يبتسم..
جاء يتحدث لكن قاطعه صوت رنين هاتف رِفقة، أخرجته من حقيبتها مسرعة، نظر يعقوب نحو الشاشة وقال لها من فوره:-
– دي نهال..
ابتسمت برقة وقالت:-
– طب هرد عليها..
وسارت بحذر مبتعدة عنهم تُحدّث نهال بحماس شديد… فتقف على مقربة هذان الثنائي الغائبان في الحزن والتيهة، يعطوا لها ظهرهم فلم يروها وهي لم ترهم…
تنهد يعقوب وتسائل وهو يُشير برأسه لكلًا من يحيى ونرجس:-
– بروده مفيش أي جديد..
أردفت شفاء بيأس:-
– للأسف لأ يا يعقوب، لسه مستمرين مع الدكتور النفسي وهو مُصّر على كلامه، بيقول إنهم في حالة صدمة شديدة مخلياهم مش حاسين بالواقع زي المغيبين كدا، وبيفقدوا بالتدريج أجزاء من الذاكرة لو مش فاقدينها كلها يعني…
بيقول إن لازم يحصل حاجة تثير العقل، حاجة من ماضيهم وحياتهم القديمة…
بس زي ما إنت شايف..
زفر يعقوب زفرة مطولة وتسائل وأعينه مُعلقة برِفقة:-
– يعني مفيش أي أمل نوصل لحد من أهلهم..
– بقالنا كام سنة بندور يا يعقوب، وهما على نفس الحال مش بيستجيبوا معانا ولا بأي شكل من الأشكال، ولا نعرف حصلهم أيه وصلهم لكدا..
بعد ما وصلنا من كام سنة على الناس دي وكان عندنا أمل يبقوا عارفنهم، يومها الست قالت منعرفش حد بالاسم ده…
حرك يعقوب رأسه ليقول بتفكير:-
– طب ما تديني عنوان البيت ده يا شفاء أو اسم الناس دي..
استفهمت بعجب:-
– ليه .. ما أنا روحت وورتها الصور كمان وهي قالت متعرفهمش..
ردد يعقوب بتفكير:-
– يمكن في نفس المنطقة حد يعرفهم، يمكن عنوان البيت بس غلط وحد من المنطقة يدلنا، خلينا ندور ونحاول مرة كمان مش هنخسر حاجة، أنا مش هيهدالي بال ألا ما أوصلهم لبر الأمان..
ابتسمت شفاء وقالت بفخر:-
– ربنا يجازيك خير يا يعقوب، حاضر ثواني أروح أشوف العنوان وأكتبه.
وسارت للداخل على الفور..
عند رِفقة كانت اقتربت من المقعد حتى أصبحت خلفهم على مقربة شديدة وهي تستمع لحديث نهال بتركيز وصمت والتي تسرد لها أمرًا هام..
وقفت رِفقة قليلًا ثم استدارت تبتعد مرةً أخرى وعندما شعرت بيعقوب يمسك يدها أنهت الحديث مع نهال على وعد بالحديث لاحقًا…
ابتسمت رِفقة وتسائلت باهتمام:-
– خلاص كدا خلصنا…
حدثها يعقوب بهدوء:-
– خلصنا يا أرنوب باقي بس حاجة بسيطة، قوليلي ارتاحتي للمكان وصدّقه..
أردفت براحة:-
– أيوا المكان هنا شكله مريح، وشفاء ما شاء الله واضح إنها بنوته صادقة ومكافحة وحنينة جدًا على الناس هنا..
أيدها يعقوب:-
– دا حقيقي فعلًا .. شفاء حد محترم وناجحة جدًا في المكان ده وصادقة…
وأخذ يُعدد حُسن أخلاقها لتتقد أعينها بشرار عجيب ثم هدرت تقول بحدة يسمعها يعقوب منها للمرة الأولى:-
– لو سمحت كفاية يا يعقوب، أنا فهمت .. الرسالة وصلت..
أدار رأسه لها يتأمل ملامحها التي لطالما تقطر لُطف أصبحت أكثر شراسة بينما تعقد وجهها وتزّم شفتيها بشكل لطيف وتقبض على فستانها بغضب..
هي له شفافة صافية مثل الماء يستطيع قراءتها فشماعرها تنعكس على عينيها بشكل صريح..
فهم ما تشعر به لينتفض قلبه سعادةً وهو يشعر بالغيرة السعيرية على ملامح وجهها..
ابتسم باتساع ليهمس ببهجة وكأنه فاز بأحد الجوائز:-
– شكل الأرنوب بيغير غيرة جامدة..
أردفت تتسائل بلهجة حادة:-
– بتقول حاجة..!!
توسعت ابتسامته وقال وهو يُمسك يدها:-
– بقول حاضر هسكت يا رِفقة…
وأكمل يتسائل وهو يسير بها نحو الخارج لتشعر هي بانقباضة غيربة تحتل قلبها..
– قوليلي عايزه تروحي فين النهاردة..
تجاهلت شعورها ثم أخذت تفكر مدة لم تُكمل دقيقة وقالت بحماس:-
– وديني الملاهي..
قال بطواعيه:-
– وماله نروح الملاهي…
وصل لسيارته الموضوعة أمام البوابة مباشرة، توقف وهو يتذكر أمر العنوان وتوديع العم يحيى فقال:-
– بمجرد ما بتكلم معاكِ بنسى الدنيا وإللي فيها..
هدخل بس أجيب حاجة في دقيقة وجايلك، ولا أقولك تعالي معايا…
ابتسمت هاتفة وهي تستنشق الهواء العليل نتيجة لاتساع الفراغ في تلك المنطقة ووجود الأشجار:-
– لأ ادخل إنت وأنا هستناك هنا أشم شوية هوا من الحلوين دول..
قال يعقوب قبل أن يهرول للداخل بينما هي تقف أمام البوابة بجانب السيارة:-
– تمام يا أرنوبي..
وضع الورقة بجيبه وأسرع نحو يحيى ونرجس يودعهم…
في الخارج بينما رِفقة تستمتع بملمس الهواء لبشرتها لم تشعر سوى بقبضة قوية تنتزعها ثم كف كبير يُكمكم فمها فأصبحت مُقيدة بأزرع حديدية، ظلت تقاوم وتتحرك بعنف تحاول إنتزاع جسدها بعنف..
قضمت كف الرجل الموضوع على فمها وسارعت تستغيث بفزع بالاسم المرقوش على قلبها من بين أنفاسها اللاهثة:-
– يــــــــــعــــــــقــــــــوب..
لم تشعر سوى بفمها يُكتم من جديد وشيء حاد يُغرز بذراعها لتسقط على إثرها في عالم مُظلم ليسحبها الرجال نحو سيارة سوداء وينطلقون بسرعة شديدة..
عند يعقوب الذي كان يقف أمام يحيى يُحدثهم، تخشب جسده فور سماع صراخ رِفقة وشحب وجهه ولم يتهمل حتى أخذ يركض بلهفة وقلب مرتعب مضطر قبل أن يصيح بروع:-
– رِفــــــــقـــــــــــة… !
وفور سماع هذا الاسم توسعت أعين كلًا من يحيى ونرجس لينظران لبعضهم البعض بصدمة هزت سكون أبدانهم…
reaction:

تعليقات