رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء كاملة بقلم سارة أسامة عبر مدونة كوكب الروايات
رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الفصل الثالث عشر 13
– مفيش أجمل من دا صباح، الصبح إللي أقوم فيه من النوم على صوتك..
دا أجمل صباح مرّ بحياة يعقوب كلها..
همس بها يعقوب الذي يقف بالشرفة مع شروق الشمس، فقد استيقظ على صوت رِفقة تتلو القرآن بالشرفة الملاصة لنافذة الغرفة التي كان ينام بها بالشقة المجاورة..
استغل الفرصة وركض حيث الشرفة ليقف يستمع إليها بشغف وعشق شديدين وهو يتسائل بداخله ما الذي قام به في حياته لينال تلك النعمة العظيمة ألا وهي رِفقته…!!
نعم… فهي لهُ نِعمة لا تُقدر بالأثمان، فإن كانت هي جزاء صبره على تلك السنوات المريرة فدعهُ يُقبل تلك السنوات عامًا عام وشهرًا شهرا ويومًا يوما حتى ودقيقةً دقيقة ولحظةً لحظة إذا كان ثوابه في النهاية …. رِفقة..
بينما رِفقة فقد استيقظت قبل شروق الشمس بحماس لم تبلغه من قبل بحياتها، أدت صلاة الفجر بصحبة نهال .. انفرط شغفها متحمسة للجلوس بالشرفة التي وصفتها لها نهال أمس بأنها مليئة بالزهور والزروع…
جلست بحماس في تلك الأرجوحة المجوفة وهي بقمة سعادتها وهي تشتم رائحة نسمات الصباح المختلطة برائحة الزهور بنهم ثم فتحت مصحفها الخاص بالمكفوفين وأخذت تُردد صورة البقرة بصوتٍ خاشع رقيق وهي تتحسس الصفحات بأصابعها غافلة عن هذا المتلصص…
وبمجرد أن انتهت من الترتيل ومن ترديد أذكار الصباح كانت تشعر براحة كبيرة وطاقة عالية..
أتت نحوها نهال تضع فوق المنضدة الصغيرة كوبان وبعض البسكويت وهتفت وهي تجلس:-
– لقيت هنا نسكافيه بالفانيليا قولت أعملنا كوبايتين أنا عارفة إنك بتعشقيه وللصدفة العجيبة لقيت بسكوت بالحليب إللي بتعشقيه..
وأكملت بمكر:-
– أكيد دي كلها مش صُدف .. شكل يعقوب عارف إنتِ بتحبي أيه وجايبه..
تنهدت رِفقة وأردفت بتحذير:-
– اصطبحي يا نهال..
وبعدين ينفع نشرب كدا مش المفروض كنا عرفناه على الأقل..
وضعت نهال الكوب بيد رِفقة وناولتها بعض البسكويت وقالت وهي ترتشف بلامبالاة:-
– يا أختي الجدع هيبقى بعد كام ساعة جوزك وتقولي نستأذن … دا ده بقاا بيت صاحبتي يا بت يا رِفقة … خلاص أنا بقيت من أهل البيت يا عالم..
رددت رِفقة ببعض التوتر:-
– ربنا يستر..
تسائلت نهال بخبث:-
– بس قوليلي يا بت يا رِفقة .. صاحية يعني النهاردة بدري وبقمة نشاطك وحيويتك، أنا حاسه إنك معرفتيش تنامي من الفرحة والحماس واضح واضح عليكِ …دا كله تأثير يعقوب وكتب الكتاب.!
أصاب قلب رِفقة الاضطراب لكنها تصنعت الإمتعاض تواري بِه هذا الشعور وأردفت بسخط:-
– إنتِ عارفة إن طول عمري بصحى في الوقت ده يا قدري البرتقالي علشان ألحق أعمل روتيني الصباحي…
هنا تذكرت نهال شيئًا ما لتتسائل بفضول:-
– ألا قوليلي يا رِفقة إنتِ كل يوم بتقرأي سورة البقرة … وبتلحقي تخلصيها دي كبيرة أوي..
ابتسمت رِفقة ببشاشة ورددت بلُطف:-
– مش شرط تخلصيها كلها في قاعدة واحده، ممكن تقسميها على مدار اليوم .. وبعدين واحدة واحدة … أنا الموضوع كان الأول عندي صعب بس تدريجي بقى سهل جدًا وبقيت متعوده، وبعدين لما تعرفي فضل سورة البقرة مش هيهون عليكِ تسيبيها وهتعافري إنك تحافظي عليها مهما كانت الظروف ومش هتستغني عنها..
تعرفي الرسول صلّ الله عليه وسلم بيقول عليها أيه…
بيقول(اقرأوا البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعُها البطلة)
بتبقى بركة في قلبك وحياتك وبيتك ومعاملاتك وكل حاجة … وكمان بتحصنك جدًا لدرجة إن السحرة مش بيقدروا على إختراق تحصينها للي بيقرأها…
يعني هتشوفي الفرق في حياتك ملموس جدًا…
شعرت نهال بالخجل أمام رِفقة لكن رغم هذا تشعر بحديث رِفقة يغمرها بالحماس والطاقة لتقول:-
– إن شاء الله أكيد هبدأ أنظم الدنيا وهقرأها على مدار اليوم … ربنا يجازيكِ خير يا رِفقة ويزيدك يا حبيبتي..
ابتسمت رِفقة ببشاشة وأردفت بحنين وصوت به مسحة من الحزن:-
– ماما الله يباركلها ويردها هي وبابا سالمين كنت دايمًا أشوفها بتقرأها كل يوم الصبح من بدري ولما سألتها قعدت تشرحلي، علشان كدا بيتنا كان كله راحة وسكينة .. كان بيتنا دافي أوي يا نهال بوجود بابا وماما…
وصمتت وهي تمنع سقوط هذا الدمع الذي أخذ في النمو فوق عسليتيها الصافيتين وأكملت بغصة:-
– بعد ما بعدوا عني مالقيتش حد يعلمني وحالتي مكانتش بتساعدني لأن مكونتش بعرف أوصل للكتب إللي تناسبني بلغة برايل ومش كانت كلها متوفره .. وعلى ما اتعلمت طريقة القراءة بيها، اعتمدت على السماع … فاكرة لما ساعديني أشتري موبايل Touch وعرفتيني كتير في إستخدامه وبقيت أجي عندك تنزليلي دروس على اليوتيوب وأما أروح أسمعهم…
ساعدني كتير أووي الموضوع ده لغاية ما الموبايل باظ…
نفخت نهال قائلة بغضب:-
– أيوا لما الأفاعي ولاد خالك الكذابين كانوا يقولوا معندناش واي فاي بالرغم من إن شوفته عندهم الرواتر علشان مش يخلوكي تستخدميه..
غير بقاا متقوليش الموبايل باظ .. هما وقعوه في الميا عن عمد .. حسبي الله ونعم الوكيل..
تذكرت رِفقة تلك الحوادث التي كانت تحدث معها وهي كانت تصدق أنها تحدث بالخطأ بسبب حالتها، كانوا يستغلون إبتلائها…
شعرت بالحُرقة بقلبها وقالت:-
– ربنا عادل وأنا راضيه بعدله، ربنا شاهد على كل شيء ودا يكفيني .. ربنا سمع ورأي كل شيء يا نهال ودا مطمني…
بسببهم بقيت خايفة من كل الناس…
أردفت نهال بتذمر:-
– بلاش السيرة العِكره دي على الصبح، جفاف والأفاعي عيالها…
– لسانك متبري منك يا نهال هانم…
ابتسمت ثم تنحنحت نهال لتتسائل بحذر:-
– بقولك يا رِفقة كنت عايزه أسألك سؤال…
هو إنتِ لسه عندك أمل إن طنط نرجس وعمو يحيى يرجعوا..!!
ابتسمت رِفقة كعادتها ثم تحدثت بيقين:-
– تعرفي يا نهال أنا مؤمنة بالله حدّ المعجزة، أيوا انتهى زمن المعجزات لكن لم تنتهي قدرة الله..
عندي ثقة ويقين بالله إنهم هيرجعوا حتى لو كانت الأسباب كلها مستحيلة…
وبعدين بعد ما عرفت نوايا مرات خالي الأمل جوايا كبر وفكرت من زاويا تانية، بما إنهم كانوا بيكذبوا عليا في كل حاجة إذًا إن موضوع بابا وماما فيه كلام تاني وإن كلامهم مش مظبوط…
وواصلت بحزن متنهدة:-
– كان نفسي يكونوا موجودين معايا في يوم زي ده، ويمكن لو كانوا موجودين مش كنا وصلنا للمرحلة دي..
استقامت نهال وجذبت رِفقة بمرح قائلة:-
– النهاردة يوم مش عادي ومش عايزين ننكد يا ست رِفقة … النهاردة فرح …. فرح وبس..
يلا قومي نعمل شوية ماسكات ونجهز حالنا…
وولجوا للداخل تاركين يعقوب الذي تعددت مشاعر شتى بقلبه….
هذا مجرد شيء بسيط بحياة رِفقة، مجرد خيوط رفيعة في نسيج معاناتها.. إنها مجرد البداية فقط..
أقسم بداخله أنه سيعوضها عن كل ما لاقته..
*****************
صدمة جمدت أوصلها، عقلها المغرور يرفض تصديق هذا الأمر حتى وإن رأته بأم أعينها…
استقامت وهي تحرك رأسها بنفي وتقنع نفسها بأنه محال أن يفعل يعقوب هذا .. محال أمر زواجه .. إنها مجرد كذبة لا أكثر…
أيقظها صوت مساعدتها تقول بإحترام:-
– أوامرك يا لبيبة هانم … تحبي نتصرف إزاي…
استدارت لبيبة وقالت بقسوة بملامح جامدة:-
– الخبر الأول دا مفروغ منه لأن أنا واثقة إن يعقوب مستحيل يعملها، وإللي وصل الخبر ده تجيبوه من تحت الأرض علشان يدفع تمن تجرأه على يعقوب باشا وإتهامه الإتهام القذر ده…
أما بالنسبة للخبر التاني فأنا هروح بنفسي أتأكد
قبل الميعاد وواثقة إن هيكون خبر كاذب علشان يعقوب ميعملهاش..
خليهم يجهزوا العربية هنروح على العنوان…
*******************
وقف يعقوب أمام باب الشقة ليُخبر رِفقة التي تقف أمامه بداخله الشقة بصوت هادئ ونبرة غريبة:-
– اعملي حسابك يا رِفقة هنمشي بعد الضهر، جهزي نفسك…
عقدت رِفقة ما بين حاجبيها متسائلة:-
– مش إنت قولت بعد العصر..!!
ابتسم يعقوب لها بحنان قائلًا:-
– كل حاجة جاهزة مفيش داعي للتأخير، كلمنا المأذون وكريم راح يجيبه…إنتِ كمان يلا اجهزي…
طرق قلب رِفقة واحمرت وجنتيها واكتفت بتحريك رأسها لتتسع إبتسامة يعقوب وقلبه يُحلق من فرط سعادته، وقال برِفق قبل أن يذهب:-
– يلا أسيبك تلبسي وأروح أنا كمان ألبس علشان مش نتأخر…
حركت رأسها بتوتر وأغلقت الباب لتركض نحوها كلًا من نهال وآلاء التي أتت لتشارك رِفقة سعادتها وتساندها…
صرخت نهال بمرح:-
– مش باقي ألا ساعة على الضهر .. يلا يا رِفقة علشان تجهزي…
جذبها كلًا من آلاء ونهال نحو الغرفة وأخذوا في مساعدتها لإرتداء الفستان ولّف الحجاب بطريقة مميزة ساترة، لتصبح رِفقة في هيئة ملائكية تزينها طهارتها ونقاء قلبها وعِفتها..
مدت آلاء أصابعها تضع شيء فوق وجه رِفقة التي ابتعدت باعتراض هاتفة:-
– لا مش تحطي حاجة على وشي يا آلاء .. أنا مش بحب الحاجات دي وميصحش أطلع بيها برا البيت..
هتفت آلاء بتوضيح:-
– دا مرطب بس يا رِفقة علشان المُقشر إللي عملتهولك نهال …مفهوش أي مشكلة متقلقيش…
تنهدت رفقة وهي تتركها لتتنفس بعمق وهي تشعر بسعادة كبيرة تغمرها، ظلت تتحسس الفستان بأناملها تستشعر جماله ورِقته وتستشعر نفسها بداخله، رفعت أناملها تتحسس وجهها أيضًا وكأنها هكذا ترى نفسها بقلبها…
قالت آلاء بانبهار:-
– ما شاء الله اللهم بارك يا رِفقة حقيقي زي القمر، كمية براءة في وجهك غير طبيعية…
تأملتها نهال بأعين دامعة من الفرح لتهمس بحب صادق:-
– طول عمرك جميلة بطبيعتك يا رِفقة وجمال قلبك وروحك … حقيقي يا سَعد يعقوب وهناه بيكِ…
احتضنتها بحنان قائلة:-
– أنا فرحانة أووي يا رِفقة .. ربنا يسعدك العمر كله يا ست البنات…
بادلتها رِفقة العناق وانضمت آلاء لهم، لتقول رِفقة بامتنان:-
– مش هنسى أبدًا وقفتكم جمبي .. إنتوا نعمة من ربنا ليا … ربنا يباركلي فيكم وما يحرمني منكم ويسعد قلبكم ويجبره يارب…
بينما عند يعقوب الذي جاء من الخارج مسرعًا يحمل بيده شيء وضعه بعناية فوق الأريكة ثم اتجه نحو المرحاض ليقابله عبد الرحمن يقول بمرح:-
– اتأخرت يا عم العريس .. دايمًا يقولوا العروسة هي إللي بتتأخر في المواقف دي …بس شكلنا مع يعقوب هنشوف كل حاجة مختلفة…
كان لازم يعني تنزل تجيب بوكيه الورد بنفسك، ما أنا قولتلك هروح أنا .. بس إزاي دا يعقوب الهيمان، والله يا جدع الواحد لغاية دلوقتي ما مصدق إن ده كله يطلع من تحت راسك …
بقا دا كله تأثير جزاك الله خيرًا…
كان يعقوب قد تركه منذ أول جملة وولج للمرحاض لينعم بحمام بارد سريع ليظل عبد الرحمن يتحدث وهو يجلس فوق الأريكة مرتدي ملابس أنيق بارتياح باسطًا ذراعيه على ظهر الأريكة متمتمًا بشرود بدون تصديق:-
– يعقوب … بقاا يعقوب البارد … يعقوب المتكبر المنعزل … والله الدنيا اتقل خيرها يا جدع .. لو كان حد حكالي مكونتش صدقت .. دي أخر حاجة أتوقعها في الدنيا بل من الأساس هي خارج التوقعات…
قفز بفزع نتيجة صفعة قوية فوق رأسه وبصوت يعقوب الساخر يقول:-
– وأنا أفهم الكلام ده مدح ولا ذم إن شاء الله، إنت هطلع عليا سُمعة ولا أيه، تعرف لو نطقت بكلمة من هزارك ده قدامها إنت حر يا عبد الرحمن.
أطلق عبد الرحمن صفيرًا قائلًا بمكر:-
– واجب عليا أوعيها دا جواز يا يعقوب باشا..
انقلبت نبرة يعقوب إلى الجدية ونمت بعض المخاوف بداخله وتسائل بنبرة بها غصة مريرة:-
– وهو أنا فيّا الصفات دي فعلًا، يعني إنت شايفني كدا….
شعر عبد الرحمن بالندم وأسرع يقول بتدارك:-
– لا طبعًا يا يعقوب … أنا بهزر مش أكتر…
أردف يعقوب بجدية:-
– يبقى متخوفهاش مني … هي لسه متعرفش يعقوب ودي المرحلة الجاية هبدأ أعرفها عليا واحدة واحدة وعلى كل حاجة الوحش قبل الحلو..
ابتسم عبد الرحمن بوقار شاعرًا بالسعادة حقًا ليعقوب فهو صدقًا يستحق هذا العوض، بل هو بأشد الحاجة لرِفقة أكثر من حاجتها هي إليه..
اقترب منه عبد الرحمن واحتضنه بأخوية قائلًا بصدق:-
– ألف مبروك يا يعقوب وأخيرًا العوض عن كل المرار إللي شوفته يا بوب..
طبطب يعقوب فوق ظهره قائلًا:-
– الله يبارك فيك عقبالك يا عبدو…
تأمل عبد الرحمن يعقوب بتقيم، ملابسه المنمقة الأنيقة .. بنطال باللون الأبيض وكذلك قميص بنفس اللون يعلوه سُترة باللون الأزرق الغامق، وخصلاته المشذبة بعناية ولحيته الخفيفة التي تُظلل وجهه..
قال بتقيم:-
– طول عمرك أنيق وباشا يا بوب، أيه الأناقة دي..
ضرب يعقوب على كتفه وقال بغرور مصطنع:-
– عارف يا عبدو … ويلا قدامي على تحت كريم مستني ومعاه المأذون..
خرج عبد الرحمن متذمرًا وهو يتمتم بسخط:-
– بخربيت تواضعك يا أخي…
هبط للأسفل ليترك يعقوب أمام باب رِفقة يشعر بقلبه يكاد أن يدكّ أضلعه ويفرّ، للمرة الأولى يشعر بهذا الشعور .. للمرة الأولى يشعر بكم السعادة الوفير هذا .. سعادة أولها وأخرِها رِفقة فقط..مأواه وعالمه الجميل…
طرق الباب وهو يحاول أن يحتفظ بملامحه الثابته…
بالداخل بعد أن أدت رِفقة صلاة الظهر وجلست تُردد بداخلها بعض الذكر والدعاء..
ارتعش قلبها فور أن سمعت طرق الباب وكاد أن يغشى عليها من فرط التوتر..
تحرك آلاء ونهال بحماس واللتان انتهوا للتو من إرتداء ملابسهم الجميلة…
قالت آلاء وهي ترتب حجاب رِفقة:-
– أنا هروح أفتح وإنتِ يا نهال اطلعي مع رِفقة ورايا…
قالت نِهال:-
– تمام يا لولو…
التفتت نحو رِفقة ثم قالت وهي تمسك كفيها برِفق تجعلها تستقيم:-
– بصي يا رِفقة أنا عيزاكِ تهدي خالص، إنتِ هتقابلي الحرباية عفاف والأفاعي عيالها عيزاكِ تكوني سعيدة لأبعد حد وتفرحي وتستمتعي باليوم ومش تسمحي لحد يعكر عليكِ اليوم…
ابتسمت رِفقة رغم اضطراب قلبها وأردفت بثقة وقوة:-
– متقلقيش يا نهال أنا عارفة أنا هتصرف إزاي…
جذبتها نهال بسعادة وقالت:-
– طب يلا نطلع العريس منتظر..
تنفست رِفقة بعمق وهي تُمسك بكف نهال هامسة بتوتر:-
– أنا مكسوفة أوي يا نهال ومتوتره …خليكِ معايا.
همست لها نهال بحنان وهم يسيران للخارج:-
– عيزاكِ تعرفي أن أنا معاكِ وفي ضهرك دايمًا ومستحيل أسيبك، واهدي وعيشي كل مشاعرك، دي كلها ساعة ويبقى جوزك على سنة الله ورسوله وقدام كل الناس…
وقف يعقوب وأعينه معلقة بالممر بلهفة ليشعر بأن العالم توقف من حوله فور أن وقعت أعينه فوقها تأتي إليه في هالة من النقاء لا يقوى قلبه المسكين على تحملها..
اتسعت أعينه وقد فقد الشعور بمن حوله، لا يدري بالزمان ولا بالمكان… فقط كتلة البراءة تلك المجسدة بهذا الرداء الأبيض..
شعور لا تصفه كلمات، شعور أكبر من كلماته…
أسرع يُبعد عينيه عنها فإن طال الأمر دقيقة واحدة فهو لا يدري بالنتائج وسيخرج الأمر عن سيطرته..
وقفت أمامه رِفقة مخفضة الرأس ملطخة الخدين بالورد وهي تفرك يديها بتوتر شديد وقلبها ينبض بقوة جعلتها تشعر أن من حولها يسمع تلك الطرقات المجنونة وهذا فقط عندما وصل إليها رائحة عِطره الأخّاذ…
أيعقل أن رائحة العطور تجعل القلوب تثور إلى هذا الحد المخبول..؟!
تنحنح يعقوب يستدعي صوته المبحوح ليخرج متحشرجًا وهو يقول بينما يضع بين يديها باقة من زهور الأقحوان:-
– اتفضلي..
انبلجت إبتسامتها على الفور بمجرد أن لامست أصابعها الباقة وشعرت بأنها زهور الأقحوان المفضلة لديها، بالتأكيد هذه جميعها ليست محض صُدف إنها دراسة دقيقة من جهة يعقوب لرِفقة لمعرفة ما تُفضل، هذا ما قامت باستنتاجه نهال بعبقريتها…
همست رِفقة بسعادة:-
– أقحوان…
– إللي بتحبيه…
رفعت أعينها الجميلة نحوه ولم تدري أنها رشقت بأعينه وقالت بإمتنان وسعادة تدفق من أعينها:-
– حقيقي شكرًا جدًا…
غمرت السعادة قلب يعقوب لرؤيتها سعيدة وهمس بهدوء:-
– يلا بينا..
حركت رأسها بإيجاب لتتحرك الفتيات بجانب رفقة يخرجون من الشقة وأغلقوا الباب، تحرك يعقوب يسبقهم وهبطوا خلفه حتى وقفوا أمام السيارات..
ساعدت نهال رِفقة في الجلوس في الخلف وجلس يعقوب بجانبها ليتصاعد التوتر بداخلها مرةً أخرى وعطره يحاوطها رغم وجود مسافة كبيرة بينهم..
قالت رِفقة بتوتر وهي تلتف من حولها:-
– نهال .. وآلاء..
أردف يعقوب بهدوء:-
– متقلقيش هما في العربية التانية مع كريم ومعاهم المأذون..
يلا يا عبد الرحمن..
******************
– أيه إللي حصل في غيابي يا عفاف..؟!
تسائل عاطف خال رِفقة، فأجابت عفاف بكذبتها للمرة العاشرة:-
– زي ما قولتلك كدا يا عاطف أنا هقعد أعيد كتير، بنت أختك المحترمة كانت ماشيه مع واحد على حلّ شعرها وجابك من سفرك على ملا وشك علشان يتجوزها…
ردد عاطف بسخرية:-
– هو أنا تايه عنك يا عفاف .. اتقي الله إنتِ عندك بنات…
استقامت عفاف بضجر وهي تصيح:-
– يووووه بقااا ..إنت حر صدق إللي تصدقه..
ولجت غرفة بناتها ثم اتجهت نحو الخزانة ووضعت زجاجة ما فوق سطحها بحذر..
تسائلت شيرين بتعجب:-
– أيه ده يا ماما…
قالت عفاف بشر وحقد:-
– دي إحتياطي …. لو حصل أي تغيير في الخطة..
قالت أمل بقلق:-
– ليه هي ممكن جدته متصدقش ولا يكون مش وصلها الرسالة.. دا كدا ممكن الجوازة دي تتم ومش باقي كتير على العصر..
أردفت عفاف بحقد:-
– دا على جثتي …على جثتي لو تمت الجوازة..
ولم تُكمل حديثها حتى سمعوا طرق الباب فهرع الجميع للخارج وفور أن فتح عاطف الباب تجمد ثلاثتهم عند رؤيتهم لرِفقة في ثوبها الأبيض بغاية الجمال تقف بجانب يعقوب جامد الملامح شامخ الرأس والذي يرميهم بنظرات لو كانت النظرات تقتل لأسقطتهم صريعًا..
كانوا يرمون رِفقة بحقد وغيرة واضحة وهم في حالة من الصدمة لهذا الذي يحدث والذي هو خارج الخطة تمامًا وخارج ما رسموه..
أسرع عاطف بالترحيب:-
– اتفضل يا يعقوب باشا … تعالي يا رِفقة عاملة أيه يا بنتي..
ولج يعقوب بصحبة رِفقة للداخل وخلفهم آلاء ونهال التي ترمي عفاف وبناتها بنظرات مشمئزة مبتسمة بشماته..
جلس الجميع .. المأذون وكريم وعبد الرحمن كشاهدين بينما مازالت عفاف وشيرين وأمل يقفون متجمدين في صدمتهم..
قال يعقوب بصرامة:-
– أستاذ عاطف أتمنى تنادي على جيرانك وأهل منطقتك علشان يشرفونا ويبقى في إشهار والكل يعرف إن رِفقة هانم بقت على اسم يعقوب بدران شرعًا وقانونًا…
حرك عاطف رأسه وأخذ يُجري بعض المهاتفات ولم يلبثوا إلا قليلًا حتى حضر الجميع بحماس بعض الرجال والنساء اللواتي يحبون رِفقة…
في هذا الاثناء كانت عفاف تدور بالغرفة كمن مسه جان وقد جنت من الرنين على تلك الأرقام التي تعود لشركة بدران لكن لا فائدة…
ضربت أمل الفراش تقول بجنون:-
– شوفتيها كانت لابسه أيه … شوفتي الفستان شوفتيه واقف يحميها إزاي وبيبصلها إزاي…
بقى رِفقة العامية بقت هانم..
هتفت شيرين بسخرية:-
– ولا شوفتيها وهي رافعة راسها ونافخة نفسها إزاي وطايره من الفرحة…
همست عفاف بتوعد ونار الحقد تكويها:-
– حتى لو لحق واتجوزها مكونش أنا عفاف لو خليتك تبص في خلقتها تاني يا يعقوب باشا..
وقالت بصرامة لبناتها:-
– يلا يا بنات على برا علشان الناس متتكلمش..
كان المنزل مُكتظ بالجيران الطيبون الذين أخذوا في تهنئة رِفقة، وأمام الباب يقف أخرون وبعض الأطفال وأسفل المنزل مما أعطى الأجواء نكهة الفرح..
ابتسم يعقوب وقال للمأذون:-
– يلا يا شيخنا توكل على الله..
على مدخل الحي كانت سيارة تعود لآل بدران تقتحم الحي بحثًا عن المنزل المنشود وبها لبيبة بقلبها الذي يتلوى قلقًا…
بداخل المنزل…
فتح المأذون دفتره لتهمس آلاء بمرح لنهال:-
– هو جاب صورة لرِفقة منين، وعمل التحضيرات دي كلها إمتى!!!
ضحكت نهال قائلة:-
– أنا أعرف يا أختي … الرجل ده فظيع يتخاف منه، هنبقى نخلي رِفقة تسأله…
انتشر الصمت فور أن بدأ المأذون يذكر الله والصلاة على رسول الله وأخذ يتلو بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية..
ثم أشار لعاطف قائلًا:-
– ردد ورايا…
إني استخرت الله العظيم وزوجتك موكلتي رِفقة يحيى عبد المنعم عثمان البِكر الرشيد على كتاب الله وعلى سنة رسول الله وعلى الصداق المسمى بيننا عاجله وآجله والحضور شهود على ذلك والله خير الشاهدين.
ردد بهدوء والعيون الحاقدة والقلوب التي يأكلها الحقد والكره تترقب بمرض…
التفت الشيخ ليعقوب المبتسم وقال:-
– ردد ورايا يا ابني..
إني استخرت الله العظيم وقبلت زواج موكلتك رِفقة يحيى عبد المنعم عثمان البِكر الرشيد على كتاب الله وسنة رسول الله وعلى الصداق المسمى بيننا عاجله وآجله والحضور شهود على ذلك والله خير الشاهدين.
ردد يعقوب وأنظاره مُعلقة برِفقة يشعر أنه الآن امتلك الدنيا بحذافيرها..
ترقرق الدمع بأعين رِفقة بتأثر وقلبها ينبض بجنون ولم تستطع كلًا من نهال وآلاء كبح دموع السعادة بينما هؤلاء الثلاث يقفون يشاهدون مكتوفي الأيدي عاجزين والحقد يفور بداخلهم…
ردد المأذون بإبتسامة:-
– بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير…
يلا كل واحد يمضي هنا ويبصم..
سحب يعقوب الدفتر ونقش إمضته بسرعة البرق ثم غمس إبهامه في ذاك الحِبر الأزرق وطبعه فوق الأوراق..
وضعه أمامه رفقة ووضع القلم بين أصابعها ثم اقترب منها هامسًا بحنان:-
– هتعرفي…
قاطعته تقول مبتسمة:-
– مش تقلق أنا بعرف أكتب عادي بس بحتاج توجيه لأن كنت بكتب وبقرأ قبل ما أفقد البصر.
امسك يدها بحنان يوجها إلى موضع الإمضاء، ارتعش بدنها لهذا التماس الأول من قِبل رجل…
أسند يدها وهي تنقش اسمها تحت توجيهاته ونظرات الجميع السعيدة لأجلها…
كرر المأذون مرةً أخرى:-
– بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير…
صفّق الجميع بحرارة تزامنًا مع تلك التي صرخت صرخة تردد صداها بالأرجاء بينما تقف بأعين متوسعة مصدومة غير مصدقة ما تراه وكأنها بكابوس لعين يجب إنتهائه، بينما التفت الجميع على إثر صرختها ينظرون إلى مصدر الصوت والذي لم يكن إلا لِلبيبة بدران الذي يجري على وجهها المتشنج غضبًا جمًا ليس لتمرد يعقوب فقط بل تعدى الأمر حدودها والقوانين التي استنتها:-
– يعـــــــــــــــــقوب….!!
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق