رواية ساكن الضريح كاملة بقلم ميادة مأمون عبر مدونة كوكب الروايات
رواية ساكن الضريح الفصل الرابع عشر 14
فتحت عيناها، شعرت بألم مبرح يسري بين كل ثنايا جسدها، العرق يمطر وجهها.
مهلاً هذا ليس بعرق! انها مياه مثلجة، تقطر من تلك المنشفة الصغيرة الموضوعه على جبهتها.
و قبل ان تفتح عيناها استمعت الي صوته القوي، يأتي الي اذنيها من اعلى رأسها، ليقابله صوت انثوي ملتصق بها مباشرةً.
مالك و هو يرشق سن الحقنه في زجاجة المحلول
-كان المفروض تكون فاقت دلوقتي، مش راضية تفوق ليه.
رانيا و هي تبدل المنشفة المبللة
-اصبر شوية يا مالك، اهي الحمد لله حرارتها نزلت، والعلاج بدء يعمل مفعول في جسمها.
مالك و هو يتحسس جبهتها
-المهم النزيف ده يقف بقى،
حين شعرت بأقترابه فرت دمعه من إحدى عيناها على وجنتها، و فتحتها ببطئ.
ليجففها لها بأبهامه سريعاً، و هو يجسو بجانب وجهها، قبل أن تلاحظها صديقته.
مالك بهدوء
-شذي انتي سمعاني، خلاص فوقتي، ماتخفيش انتي بقيتي كويسة.
قابلت هدوئه و لمسة أصبعه بسيل وفير يفيض من بحرها.
شذي و هي تهز رأسها بالنفي
-لأ انا مش كويسة، و انت السبب.
سيبتني لوحدي ليه، ازاي جالك قلب تقعدني في الضلمة طول الليل كده!!
مالك و هو يبرر موقفه، لكن تحول هدوءه الي جمود
-اكيد ماكنتش اقصد حاجه زي دي، انا نسيت اصلاً ارفع مفاتيح الكهربا.
شذي ببكاء حار
-انا اتصلت بيك كتير، و بعت ليك رسايل، و اعتذرتلك، و انت حتى مافكرتش ترد عليا مره واحده، و لا تقرأ راسايلي ليك.
مالك بهجوم، و صوت مرتفع
-انا من ساعة ما وصلت المستشفى امبارح، و انا قافل موبايلي لاني انشغلت في كذا عمليه، و انتي عارفه انا سيبتك و نزلت ليه.
تدخلت رانيا بالحديث المحتد بينهم محاولة تهدئتهم، و هي تساعدها على الاعتدال حتى تجلس قليلاً.
-استهدو بالله يا جماعه، و الله دي بينها عين و صابتكم، انتو اكيد اتحسدتو.
انزلق الغطاء من عليها قليلاً، و التفتت الي رانيا، ثم نظرت امامها بعين دامعه، وشهقات عاليه كعادتها، لترى نفسها في مرأة السراحه كبيرة الحجم.
لتتفاجئ بأنها قد بدلت ملابسها، الي منامه شتوية ثقيلة، و شعرها ملموم بأكمله كذيل حصان عربي جميل و كثيف جداً.
استدارت بوجهها لرنيا بخجل، متمنيه الا يكون هو من فعلها
-مين اللي بدلي هدومي.
رانيا واضعه كفها بحنان على وجنتها
-ماتكسفيش اوي كده، انا ماشوفتش حاجه دا جوزك هو اللي بدلها ليكي، و سرحلك شعرك كمان.
و دلوقتي بقى لازم تاكلي، انا عملتلك شوية شوربة خضار، و فرخه مسلوقه، هاروح اجبلك الاكل و اجي علطول، ثم ذهبت و تركتهم وحدهم.
احنت رأسها بخجل، و ازدادت دموعها، تحاول الا تتواجه معه.
ابتسم هو من داخله على خجلها، و جلس مقابلها، محاولاً إشعال نيران الغيظ منه بداخلها.
-علي فكره انتي ماكنتيش في وضع يخليني اركز في حاجه، انا لو كنت مركز كان الحمام اللي اخذناه مع بعض ده اتحول لحاجه تانيه خالص.
شذي بخجل عارم، و قد احمرت وجنتيها
-اخرج بره، انا مش مسامحاك على اللي عملته ده.
مالك رافعاً حاجبه الأيمن، مقرباً فمه من اذنيها
-و لا انا كمان مسامحك.
بس قوليلي هاتتعبي تاني امتى، عشان اقلعك لبسك و اخدك في حضني، و ناخد شاور سوي تحت المايه، من غير فوطه تخبي بيها حاجه عن عيني.
و بعدها البسك تاني، و كأنك بنتي، مش مراتي يا شذي
شذي و قد ذادت حمرة وجهها، من أثر كلماته محاولة الإبتعاد عنه، لا تعلم اذا كان هذا خجل ام خوف.
-اخرج لو سمحت، ابعد عني و اخرج.
اندهش من ردها هذا، و ابتعد عنها واقفاً، و اومئ برأسه.
و كأنه يؤكد داخله شيئاً، ثم اتجه سريعاً تاركها وحدها بالغرفة.
و عند خروجه في الرواق، تقابل مع صديقته
بوجه محتد.
-الله مالك خارج وشك مقلوب كده.
سايب مراتك تعبانه، ورايح على فين؟
مالك وهو يتركها و يرحل
-هاصلي الظهر عندك مانع انتي كمان.
رانيا برعب منه
-لالالاء ابداً اتفضل حضرتك، حرماً مقدماً
لتتجه الي داخل الغرفه، وتجلس بجانب تلك الباكيه، تحاول أن تطعمها بيدها.
-يلا يا حبيبتي لازم تاكلي، عشان تعوضي الدم اللي نزفتيه ده.
شذي بنحيب
-لاء مش عايزة، مش عايزة حاجه ابداً.
-شذي مش شايفة انك مصعبه الأمور عليكي، و عليه اوي.
-هو يعني يأما يمشي الي في دماغه، يأما ابقى بصعب الأمور.
رانيا مؤكدة
-اه طبعاً دا الطبيعي، الرجالة كلهم كده.
-يا سلام، و انا ايش عرفني بقى، اني لما اتصرف علي طبيعتي، و اخد حريتي شويه ابقى بالطريقة دي بضايق الدكتور،
و أقل مزاجه لاء وكمان استحق العقاب، يجبني هنا عشان يحبسني لوحدي، و يسيبني طول الليل في الضلمه.
و جاي بكل هدوء يقولي اصلي نسيت ارفع مفاتيح الكهربا.
رانيا بخوف من ان يكون استمع الي صوتها العالي، مغلقه الباب عليهم
-ششششش وطي صوتك شويه احسن يسمعنا.
بصي انا مش عايزه اعرف ايه اللي حصل، ما بينكم بس كل اللي هقولهولك.
ليه تاخدي الأمور كده، حتى لو هو فعلاً جابك هنا، عشان يعاقبك زي ما بيقول،
انتهزى انتي الفرصه يا عبيطه، و خليه احلى عقاب، لتغمز لها بعيناها اليسرى، و تبتسم.
شذي بحزن
-هو مش متقبلني يا رانيا.
لم تتمالك رانيا نفسها من الضحك
-مين ده مالك!
اصلك ماشيفتهوش كان بيسوق زي المجنون ازاي؟ من كتر خوفه عليكي، ده بمجرد ما فتح الرسايل بتاعتك، ماصبرش ثانية واحده.
يا بنتي دا كان غيران عليكي مني، مارديش يخليني ادخل معاكي الحمام، و لا حتى اساعده في تغير لبسك.
شذي بغيظ منه
-طبعاً مش عشان يستغل الفرصه، قليل…ده…
رانيا بضحك
-و ماله يا بنتي مش جوزك، سبيه يستغل براحته، بطلي انتي بس حكاية النزيف النفسي دي، عشان هو يعرف يستغل هههههه.
يلا انا هامشي بقى، عشان ده ميعاد خروج الولاد من المدرسه.
سلام يا حبيبتي، اشوفك يوم الخميس في الحسين بقى.
– رانيا من فضلك بلاش تقولي حاجه لخالتو.
-هو انتي اي حكايتك، انتي و جوزك حد قالكم عليا فتانه.
اومئت شذي برأسها لها، توافقها الكلام ليضحكو سوياً، قبل أن تتركها و ترحل.
❈-❈-❈
الساعة الان الثالثة عصراً، كانت شبه غافيه تتوسط الفراش، لتشعر به و تفتح عيناها لتراه، يجلس بجانبها، يتأكد من تلك الكالونه المغروزه في وريدها، و يعطيها بها بعض الدواء.
شذي وقد المها الدواء : كفايه بقى، شيل الحقنه دي ايدي وجعتني.
مالك بأرهاق
-خليها لحد ما تخلصي الحقن، ولا عايزه تحسي بشكتها كل شويه.
شذي وقد شعرت به
-مالك هو انت تعبان، اوعي تكون اتعديت مني.
مالك وهو يميل رأسه على الوساده، يتمدد بجانبها
-لاء ماتخفيش انا عملت حسابي و اخدت علاج، بس انا مانمتش من امبارح، وهاموت و انام ساعه.
-طب هو انت اكلت اصلاً حاجه، و لا هتنام من غير اكل.
مالك بنوم
-اما اصحى ابقى ااكل، يلا نامي انتي كمان عشان ترتاحي.
شذي مندهشة من تمدده بجانبها
-انت هتنام هنا؟
مالك وقد جن جنونه منها وعلا صوته
-اومال هنام في الشارع، بره الجو برد، و مافيش غير السرير ده في الشقه كلها.
اكيد يعني مش هنام على الأرض، و انا تعبان ممكن تناميييي بقى.
شذي وهي تبتعد عنه، معطياه ظهرها بخوف
-حاضر، و انا قولت حاجه.
❈-❈-❈
اما في حي الحسين، كانو الزوجين يجلسون و كل منهم تبدو على ملامح وجهه كم هائل من من الاسئله، لتبدء الزوجه والسيده الأولى في هذا المنزل بسؤالها، لكن بطريقة محتدة.
-شيفاك حالك متغير يا شيخ حسان، مالك يا اخويا، من ساعة ما عرفت ان الواد اخد عروسته وراح شقته، و انت مش طايق نفسك، و لا طايقنا ليه؟
الشيخ حسان ساخراً
-عروسته ! جري ايه يا حجه، انتي هاتكذبي الكذبه و تصدقيها كمان، مانتي اللي خططتي لكل حاجه، عشان الجواز دي تحصل،
و مش بعيد تكوني متفقة مع اختك و بنتها، لأجل ما تدبسو ابني فيها.
لتستفهم الحجه مجيدة بمكرها الداهي
-غريبة يعني أنك جاي تقول الكلام ده دلوقتي، مانت كنت راضي، و قعدت مع ابنك، و هو بيكتب الكتاب، غيرت رأيك ليه يا شيخنا.
الشيخ حسان بلوم
-كنتي عايزانى اجي على ابني انا كمان، و افضحه زي ما انتي كنتي هاتعملي.
-فشر انا برضو اتسبب في
فضيحة لابني، بالعكس بقى يا شيخ حسان، انا دورت له على سعادته، وحطتها بين ايديه.
-و هي سعادته في انه يبعد عن بيته يا حجة ، سعادته في انه ينسى الضريح، اللي كان مقسم وقته بينه و بين شغله، سعادته في انه يبعد عن دينه يا حجة؟
-و هو كل اللي بيتجوز بيبعد عن دينه! يا اخويا هدى أعصابك كده وصلي على النبي عليه افضل الصلاة والسلام، دا اللي يسمعك كده يقول انك غيران على الواد من مراته.
الشيخ حسان مستعداً للرحيل، بوجه تكسوه القسوة
-لاء يا حجة، انا مش غيران على ابني، عارفه ليه؟ لأني واثق و متأكد ان
الجوازه دي لا تمت و لا هتم.
الحجة مجيدة بضحك
-ههههههه لأ اتطمن يا شيخنا الجوازه تمت، و العيال راحو شقتهم عشان يتهنو يومين مع بعض، لوحدهم من غير ما حد يضايقهم…
ابنك بنفسه هو اللي قال كده
الشيخ حسان مؤكداً عليها
-و الله حتى لو شوفتها بعيني، نايمة في حضنه، برضو مش هتكون تمت يا مجيدة، انا رايح اصلي المغرب في الضريح.
ليتركها وسط حيرتها، تنظر إلى طيفه و يذهب.
لتحدث الحجة مجيدة نفسها
-انت ماتقولش حاجه الا و بتطلع صح يا حسان، بس لاء المرة دي ربنا هيخلف ظنك بأذنه، هو الواحد الأحد.
و انا هاقعد أهري و انكت في نفسي كده، لاء انا هاتصل عليه، عشان اعرف راسي من رجليا، اقله اطمن اختي الغلبانة على بنتها، هو فين المحمول بتاعي ده كمان.
❈-❈-❈
ما أحلى النعاس و بين يديه حورية من حور الجنه.
ما أحلى النوم و هي تلتحم به، بكل ارادتها و كأنها تتشبث به، و تحتمي فيه.
لكن ما هذا الرنين المزعج، الذي بدء يعلو داخل اذنيهم، ليوقظهم سوياً و تتشابك نظراتهم ببعض، ليتوهو بين تلك النظرات، ويحاول ضمها اليه اكثر، و هي مرحبه و مستسلمة له.
لم ينتبهو الي ذلك الصوت، ولم يحلو وثاق بعضهم، مازلت هي نائمة على ذراعه، و يده تعبث في خصالها، والأخرى تمتلك خصرها.
اما يديها كانت ملتفه حول عنقه بحب، و لا تريد تركه.
شذي بهدوء
نمالك..
مالك مسحور بجمالها
-نعم عايزة حاجة.
شذي بخجل
-موبايلك بيرن، سيبني و رد عليه.
مالك و هو يغمر وجهه في ثنايا عنقها
-لاء مش مهم، انا مش عايز حاجه تزعجني، و تخليني اقوم دلوقتي.
-لاء سيبني بقى، وشوف مين احسن تكون ماما.
مالك بضحك
-على فكره بقى انتي اللي مسكاني، و حضناني كمان.
شذي وقد حاولت حل وثاق يدها من عليه
-اااانا اسفه مأخدتش بالي.
وضع ده على كفيها من الخلف، قاصداً عدم افلاتهم.
-خليكي كده يا شذى، انا حابب قربنا ده من بعض.
شذي و هي تلومه على كلماته اللازعه لها
-عايز تقرب مني ليه، اذا كنت ناوي تسيبني.
مالك و هو ينتبه لما تقوله
-انا من ناحيتي مش هاسيبك، الا لو انتي طلبتي مني ده، لكن طول مانتي ماطلبتيهاش يبقى اتأكدي اني مش هعمل كده.
بالعكس انا مش هاكون اب ليكي بس، دانا هاكون زوج و حبيب، عشاق للون عنيكي اللي بيسحرني ده.
شذي بحب، و همس مقابل لكلامته
-عايزة يا مالك.
مالك وهو يقبل وجنتها مقترباً هامساً على شفتيها، قبل أن يقطف رحيقهما
-من غير خوف يا شذى.
اومئت له برأسها، واغمضت عيناها لتشعر بقبلته، لكن عوضاً عن ذلك شعرت بأنفاسه المبتعدة عن وجهها.
مالك معتدلاً على ظهره واضعاً رأسها
على صدره.
-عندي شرط واحد بس، عشان نبدأ حياتنا على نور.
بوجه عابث نظرت اليه، دون أن تتحدث!
-تحكيلي كل حاجه حصلتلك يا شذى.
شذي و قد ابتعدت عنه فجأه و اعتدلت في جلستها.
-انا حكيت ليك كل حاجه، ليه مش عايز تصدقني.
مالك و قد أرتفع بجزعه العلوي ممسكاً بعضضها، و مجتذبها اليه مره اخرى، ليغلق على جسدها و يحتويها بيديه.
-حكتيلي اه، و مصدقك في كل كلمه قولتيها، بس انتي ماقولتيش الحقيقة كامله، في حاجات لسه مدرياها عني، والسخونية اللي جاتلك خلتك تقولي كلام منها، و انتي مش حاسة.
-كدب كدب ماحصلش، انا ماقولتش حاجه.
كانت تصرخ بتلك الكلمات، و هي تهرب من بين يديه، و تجري خارج الغرفة.
غير مهتمه بوهنها، وخطواتها المتعثرة.
لتثبت له بما تفعله بأنها تخفي عنه سراً، لربما تكون نتائجه فاظه، لا يريد حتى أن يتخيله، والا ستكون العواقب وخيمة.
نهض من علي الفراش بتروي واستعد ليلحق بها محاولاً تهدئة نفسه، و عدم افلات اعصابه حتى لا يخيفها.
لكنه توقف قبل أن يخطو خارج الغرفة عندما اصدح رنين هاتفه مره اخرى، ليعود اليه و يرى هاوية المتصل، و يفتحه ليجيب.
-السلام عليكم يا أمي.
الحجة مجيدة : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته، جري اي واد يا دكتور، بقالي ساعة عمالة ارن عليك، وانت مابتردش عليا، نموسيتك بمبي يا… امك.
التوي ثغره بعلامة الصخب، إلا انه فضل ان لا يصفح لها بشئ، فقرر البحث عن تلك الباكية، وهو يتحدث عبر الهاتف ليطمئنها، انه لا ينتوي الشر لها.
-كنا نايمين يا أمي، والموبايل كان بعيد عني ماسمعتوش.
-نوم العوافي يا قلب امك، طب ما تطمني و تريح قلبي عليك، و على البت بقى يا مالك، قولي خلاص ولا لسه.
مالك ناظراً في عيون شذي، التي كانت تسكب سيلاً وفير من الدموع.
-خلاص يا أمي، اطمني شذي كويسة، و زي الفل.
الحاجة مجيدة بفرحة كبيرة
-يا الف نهار ابيض، الف مبروك يا حبيب قلب امك، شوفت بقى امك مش هتختار ليك اي حد ازاي، اومال ايه دي بنت خالتك، مش جمال و بس، لاء و أدب و تربية، انا نظرتي فيها ماخيبتش ابداً.
فتح صوت المكالمه لتستمع معه إلى حديث والدتها، الذي عوضاً عن ان يفرحها، و يبدل حالتها من الحزن الي الفرح اسأها اكثر!!
و كأنه يفتح لها جرح ملتئم، منذ فترة لتزيد من شهقاتها، و يبتعد هو عنها كاتماً الصوت، حتى لا يصل إلى والدته.
مالك منهياً الحديث
-الله يبارك فيكي يا أمي، ممكن بقى تقفلي، قولتلك مش عايزين ازعاج.
-حاضر يا حبيبي بس اديني شذي ابارك لها، و متخافش هاقفل على طول.
-دي في الحمام، لما تخرج انا هابلغها يا ستي ها خدمه تاني.
-تسلملي يا غالي.
-طب اقفلي بقى يا مجيدة، سلام و ماحدش يتصل تاني.
الحاجة مجيدة بضحك
-طب يا اخويا ماتزوقش كده سلام يا عريس، مع الف سلامه يا حبيبي.
اغلق الهاتف مع والدته والتفت إليها ساخراً،
-امي بتقولك الف مبروك يا عروسه.
-❈
أصبحت عليه شمس اليوم الثاني، متسلله على وجهه بشعاعها، عبر زجاج تلك النافذة المغلقه، نائماً على تلك الاريكة، و حين ضايقه هذا الضوء، بدء يتململ في رقدته، يشعر بألم جسده، أثر تلك النومه الغير مريحة.
اعتدل في جلسته، ليجد ذلك الغطاء الثقيل مدثر حوله جيداَ، علم بأنها هي من دثرته، بعد أن اطمئنت بأنه قد ذهب في نوم عميق.
ليتذكر ما امسو عليه في ليلتهم السابقه.
تلك الليلة السوداء، حولت مجري حياتهم التي لم تبدء بعد، الي مشارف الجحيم.
فلاش باك
ظل واقفاً متمسكاً بهاتفه، ينتظر ردها على حديثه مع والدته، او حتى ترد سخريته عليها بهجومها المعتاد و صياحها العالي.
لكنها خذلته، بقيت على حالتها التي ازدادت سوء.
مالك و قد بدء يفقد السيطرة على اعصابه…
-ممكن تتكلمي عشان الحاله اللي انتي فيها دي بتوترني، و تخلي تفكيري يروح في حتة انا مش عايز افكر فيها يا شذى.
تكورت علي نفسها، و ضمت ركبتيها الي صدرها، ناظره للأمام، دون أن تلتفت له.
شذي ساخرة من كلماته ايضاً
-مش خلاص طمنت مامتك، و قولتلها ان كل حاجه تمام، هيفرق معاك في ايه بقى.
بكل قوته اجتذبها بين يديه، قد فقد كل السيطرة على اعصابه بالفعل، و تملك منه شيطانه.
-انتي فاكرة ان الكلمتين اللي قولتهم لأمي دول، الموضوع كده انتهى خلاص، المفروض بقى اني ارضى بالأمر الواقع، مش كده؟
شذي محاولة الافلات من بين يديه دون جدوى..
-ماقولتش ليك ارضى بحاجه، بس انت كمان ماتجبرنيش اني اتكلم عن حاجة تخصني انا لوحدي.
ما زادت كلماتها الا افلات اعصابه، و غرز اصابعه في لحم ذراعيها.
-تخصك لوحدك دا على اساس انك مش متجوزة، دا انتي لسه من شوية كنتي بتقولي انك عايزة نفضل مع بعض.
منين بتقولي كده، و انتي جواكي سر مخبياه عني.
أخيراً ما فكت حصار يده، و انتفضت مبتعدة عنه بصراخ.
-ااااه سيبني في حالي بقى، قولتلك مش عايزة حاجة، و لو عايز تطلقني دلوقتي طلقني.
رفع سبابته امام وجهها بتحذير.
-انتي كده بتثبتي ليا ان تفكيري صح، عارفة معنى كلامك ده ايه، عارفه معنى انك تمنعيني أقرب منك ايه يا شذى.
شذي بكل غضب…
-افهم اللي تفهمه، انا ما يهمنيش،
اومئ برأسه موافقاً كلامها، و عم الصمت المكان لدقيقة كامله.
ثم انحني بجزعه عليها، همس لها وهو يجذب خصال شعرها بيده، ليجبرها على النظر في عينه.
-انتي مش بنت صح يا شذى.
تفاجئت بكلمته اللازعة، و لم تجيبه، ليكمل و هو يشد على شعرها بقوه.
-و يا تري بقى كان مين فيهم.
ابن عمتك القاتل، و لا خطيبك اللي اتقتل، و لا يمكن يكون في واحد تالت انا معرفوش.
اصلي أشك بصراحة، ان الحكاية دي تكون تمت غصب عنك.
شكلك كنتي راضية، و مرحبة كمان عشان كده بتداري، و مش عايزة تتكلمي.
و أخيراً ما نفض يده من علي شعرها، ليرتطم رأسها على يد المقعد الخشبي، بقوه و تسيل الدماء من حاجبها الأيمن بغزارة.
نظرت اليه، و الدماء تسيل على عيناها، نزولاً الي وجنتها.
شذي وهي تقف، وتهرب من أمامه، واضعة يدها على جرحها.
-تصدق انا مش هالومك، اشمعني يعني انت اللي مش هتسيئ الظن فيا، منك لله يا شيخ.
جرت للداخل سريعاً، و وقف هو يصرخ بصوت جاهور.
-ماتفتكريش انك هتصعبي عليا المرة دي، كمان
لاء يا هانم دا انتي هاتشوفي ايام سوده.
يا ريت بس ترحمي نفسك مني، و تعترفي بسرعة.
ولجت الي غرفة نومها سريعاً، و جلست على الفراش ساحبة من علي الكمود، بجوارها انينة الكوحل و علبة المحارم الورقية محاولة تطهير
جرحها و كتم الدماء.
الا انها وجدته يدلف الي الغرفه خلفها، و رنين هاتفه يصدح بيده، لم يجيب المتصل الا و هو يجلس بجوارها.
كتم شهقاتها داخل صدره، شدد على شعرها مره اخرى، معنفها ومحاولاً كبت شهقاتها
-عارفة ده مين!!
ده الظابط اللي ماسك قضية ابوكي يا هانم، اخرسي خالص، و اسمعي بنفسك هيقول ايه.
ليضغط على الهاتف؛ مجيب الاتصال بينهم…
-الو السلام عليكم يا مصطفى باشا.
الظابط : و عليكم السلام، ازاي حضرتك يا دكتور.
-بخير و الحمد لله، خير يا حضرة الظابط في جديد في القضية.
-اه طبعاً، انا بتصل بيك دلوقتي، عشان ابلغك ان اشرف اتقبض عليه.
بس الآنسة شذي لازم تحضر، عشان تسجل اقوالها قصاد النيابة، لأن طبعاً اي اخطار بالحضور بيتبعت على عنوانها هنا.
و بيتثبت انها مش موجوده، ودا مش في صالحها، و لا في صالح القضية.
مالك و هو يثبت رأسها، التي بدئت تهتز بالنفي
-حاضر طبعاً انا هاجيب مدام شذي بنفسي و نيجي، بس يا ريت حضرتك تبلغني بالميعاد قبلها.
-اه طبعاَ هابلغك بس معلش عندي سؤال، هي شذي انسه و لا مدام، اللي اعرفه انها مش متجوزة.
مالك ناظراً في عينيها بقوه
-لاء يا حضرة الظابط، انا و شذي اتجوزنا من كام يوم بس.
-كده الف مبروك، خلاص يا دكتور انشاء الله لينا اتصال مع بعض، ابلغك فيه بالميعاد.
مالك ضاممها اليه بقوه، و عنف محاولاً التملك من رجفة جسدها، و السيطرة عليها مغلقاً الحديث، عبر الهاتف.
-الله يبارك فيك، و في انتظار مكالمتك، في اي وقت مع الف سلامه.
اغلق الهاتف و قذفه من يده، و قذفها هي الاخري على الوسادة بجانبه، وصاح فيها بصوت جاهور.
-بطلي خوف و رعشه بقى، خلاص واحد مات و التاني اتحبس، خايفة من ايه و بتخبي ليه،
بتداري على مين تاني يا شذى؟
شذي بشعور بالوهن.
-ابعد عني بقى قولتلك ماعنديش حاجه اقولها، و مش هاروح معاك في حته، مش هسافر فاهم مش هسافر.
مالك و هو يعدلها بعنف، لتجلس امامه، و يضمد لها جرح حاجبها بعين كالجمر.
-مش بمزاجك يا هانم هتسافري، و اللي بتحاولي تخبيه عني هاتقوليه قصاد الناس كلها.
باك
❈-❈-❈
كانت تقف امام الطاهي، تضع عليه اناء اللبن حتى يغلو، و لكنها في حقيقة الوضع…
لم تكن منتبهه الي اي شئ، فقط شاردة حزينة، تفكر في ذلك الحال الذي لم تتمنى ابداً ان يصلوا اليه.
هي بالفعل احبته و لا تنكر هذا، بل و تتمني ان يبادلها نفس شعورها.
تريد هذا الذي احتمت في ضلعه، من عيون كل الرجال.
تريد هذا الذي دائماً ما يحارب شيطانه، باللجوء الي ربه و السجود له، في إحدى بيوت اوليائه الصالحين.
لا تريد هذا العنيف المتعصب، الذي قهرها و امساها ليلة مبكية مدمية.
لتفيق من شرودها على صوت رنين الطاهي، حين ارتفع فوارن اللبن، وانسكب عليه.
و بعفوية منها دون أن تنتبه، أمسكت الإناء الساخن جداً بيديها، لترفعه بعيداً عن النار.
فيحترقو اصابعها أثر سخونة الإناء، و تتركه لينسكب بالكامل على الأرض الرخامية ، و هي تصرخ بشده.
انفزع هو حين استمع لصراخها، جرى بأتجاه الصوت، ليجدها تجلس بجانب اناء اللبن المسكوب، تحني رأسها، و تبكي بشده.
مالك بلهفه
-شذي فيكي ايه، انتي قاعدة في الأرض كده ليه.
رفعت وجهها اليه، متشوقه لتلك اللهفة التي تراها في عينه.
و بوجه تملئه الدموع، رفعت له كفيها لتريه ما حدث لهم، و بشهقات متقطعة اجابته.
اللبن غلي، و انا مش واخدة بالي، و مسكت اللبانة بأيدي.
ليست هي وحدها التي كسرها الشوق، هو أيضاً كان الشوق يقتله.
لم يكن بحسبانه بمجرد ان يتمو ليلتهم بذلك الشكل الحزين، سيتمزق قلبه لابتعاده عن سماء عيناها الصافية.
لكن ليس بيده حيلة أخرى، ربما بهذه الطريقة تبوح عن ما بداخلها له.
مالك معنفاً اياها
-حتى شوية لبن مش عارفة تنتبهي ليهم يا…
قومي نضفي ال… اللي عملتيه دا، و اعملي ليا فنجان قهوة مظبوط، لحد ما اصلي و البس عشان اروح شغلي يلااااااا.
ذهب من امامها، و تركها وسط بكائها الحار، و قلبها المنكسر.
ولج الي غرفة نومه و جلس على الفراش هي تظنه قد كرهها، و هو قلبه يتألم على المها.
يشعر بضعفها، وحسرة قلبها لكن يريدها الا تخفي عنه شئ.
سيضغط عليها بكل قوته، لتأتي له خاشعة، تبوح له بما في داخلها.
ليهدئ قلبه و يسكنها بداخله مره اخرى.
مهلاً كيف ستفعل ما أمرها به، و يديها بهذا المنظر.
هل انتزعت من قلبه الرحمه الي هذا الحد، لابد أن يداوي جرحها، حتى و ان ظل على عناده هذا.
دلف إليها مره اخرى، وجدها تحاول أن تمسك بأطراف اصابعها المحارم الورقيه، لتنظف ما فعلته، و الدموع تنهمر على وجنتيها، كسيل المطر.
وقف خلفها تماماً ملصقها بصدره، و امسك معصميها لينفض ما بيدها، و ينزع تلك الكالون، التي مازلت ملتصقة بوريدها.
ثم فتح صنبور المياه، ليضع كفيها تحته.
و اه من لمستك يا فتاتي، اه من رحيق شعرك الجميل، اشتقت لعبيرك وشذاكي يا شذى.
شعرت به و بلين قلبه، برأسه المائل على كتفها.
بنفسه المنتظم على عنقها فمالت عليه أكثر، و كأنها تقولها له، انا ملكك انت، و ليس لغيرك.
لفها بين يديه، تشابكت نظراتهم، قربها اليه اكثر، بدء يتوه في مشاعره، ليحاصر خصرها بيديه، و يجفف دمعتها بشفتيه.
و بدورها لفت ذراعيها حول عنقه، و تركته يفعل ما يشاء.
حملها بين يديه، وضعها على البساط الرخامي،
مقبلها قبل رقيقة، و حين تلامست شفاههم سوياً، تحولت إلى قبلة شغوفة، و بعد أن ابتعد عنها، حاول حل وثاقها من حول عنقه.
لكنها ابت، و تمسكت به جيداً، ملقية برأسها على صدره.
مالك بعكس ما بداخله
-اوعي سيبيني.
هزت رأسها يميناً و يساراً بالنفي، و همست له…
شذي بدموع
-لاءه مش عايزة اسيبك ابداً.
مالك بحب
-مش قولتي انك مش عايزانى، فكراني لعبة في ايدك، كل شويه برأي.
وريني ايدك عشان اعالجها ليكي، مانا تقريباً اتجوزتك عشان اعالج جروحك بس يا هانم.
بدموع غزيرة، حلت يدها من حول عنقه، ضمهم هو بين كفيه، وشرع في تضميدهم.
لتهمس له وهي منحنية الراس.
-انا مش مخبية عنك حاجة يا مالك، ااانا ب….
قطع كلمتها، أنزلها من علي البساط بصياحه العالي.
-انتي كدابة يا شذى، اوعي تقوليها لاني مش هصدقها منك، طول مانتي مخبية عني حاجه، عمري ما هاصدقك يا شذى.
اطلعي برة المطبخ دلوقتي حالاً، مش عايز اشوفك قدامي.
جرت من أمامه واختفت عن نظره، ليطيح هو
بصف الكؤس الموضوع على البساط، و يتهشم بأكمله.
❈-❈-❈
كان يظن انه سيهدئ، برحيله عنها وتركها وحدها.
و كعادته يهرب من أحزانه، و مشاكله بالعمل بجد و اجتهاد.
و لأول مره بتاريخه المشرف في جراحة القلب، يشرد أثناء إجراء عملية لمريض، وتكون هي سبب شروده و ارتباكه.
لينبهه صديقه و يزجه للخارج، حتى يترك له ساحة العمل، ذهب هو الي غرفة مكتبه الخاص.
جلس خلف مكتبه بوجه تكسوه علامات الدهشه و الغضب، و يده موصودة امام عينه.
الي ان فتح صديقه الباب عنوه، واذا به يلقى عليه بهذا السؤال الذي ينتظره.
-في ايه يا مالك.
مالك محاولاً إنهاء الحديث قبل أن يبدء
-ممكن تسكت دلوقتي، انا في حاله ماتسمحش اني اسمع اي كلمه من اي حد، مهما كان.
حسام معنفاً له
– يا سلام المفروض اني اسمع الكلمتين دول و اقول حاضر ، و لا كأن في حاجة حصلت.
و لا يمكن حضرتك مش واخد بالك، ان كان في انسان هيموت تحت ايدك من شوية.
مالك منفعلاً بصياح
-يوووووه خلاص بقى، ايه يا اخي انت هاتعلمني شغلي، هو انا مش بني آدم برضو و وارد اني اغلط.
-لاء مش وارد طبعاً، انت عارف كويس اوي، ان الغلطة في شغلنا بروح بني آدم أئتمنك على حياته قبل ما يدخل العملية.
ثم من امتى و احنا بنفكر في مشاكلنا أثناء الشغل يا مالك، انت من يوم ما اتجوزت، و انت مابقتش طبيعي فوق يا دكتور.
انت الدكتور مالك الرفاعي اللي عمره ما غلط في عملية، لو مش قادر تنسى حبك القديم، و حاسس انك ظالم بنت خالتك معاك يبقى تطلقها، و تريح نفسك من تعب الأعصاب اللي انت فيه ده.
مالك مأنباً لصديقه
-ايه اللي جاب السيرة دي دلوقتي، و مين قالك اني ظالم مراتي، بالعكس انا…
انصت اليه صديقة ليشجعه على الإفصاح عما بداخله
-انت ايه يا مالك، كمل سكت ليه.
لكن الاخر قد خزله، و لملم اشيائه سريعاً متأهباً للرحيل.
انا ماشي يا حسام،
❈-❈-❈
أوقف سيارته بالساحة الكبيرة، لمكانه المفضل مسجد الحسين رضي الله عنه.
تركها و ذهب ليجلس بجانب ضريحه يناجي حبيبه، ويشكو له ما بداخله، الي ان يحين موعد الصلاة.
مالك مخاطباً ربه
-يا الله و لما كل هذا التخبط برأسي، ألم اكن انا من قال اني لا أريدها.
ألم اقل اني سأكون أباً لها فقط، لماذا يتسلل بداخلي هذا الشعور الغريب.
مالي بها اذا كانت ذو خطية ام لا.
اريد ان ابوح بشئ داخل صدري، وان لم يخرج على لساني، سأفقد صوابي حقاً، بل اني أشعر انه يخنقني، و يزهق روحي.
واذا به ينظر للضريح، و يوجه حديثه له، وكأنه يرى سيدنا الحسين امامه.
و من لي غيرك يا حبيبي ابوح له، والقى بجعبتي بجانبه، ليس لي كاتم أسرار غيرك انت، الجئ اليه وقت حوجتي.
انا اعترف لنفسي ولك اني احبها، أريدها لي زوجتي، حبيبتي، وأيضاً طفلتي.
إهدها لي يا حسين، و جنبني الخطأ، و ارشدني الي الصواب.
كن معي يا الله، اللهم لا تصدمني بها، صونها واعفها لي يا رب.
-كنت عارف انك مش هتسيب حبيبك كتير، و هيوحشك…
ومن يكون هذا سوي والده، الذي جلس من خلفه، وربما يكون انصت الي حديثه مع ربه.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية ساكن الضريح ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق