Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الثامن 8 - بقلم مريم محمد غريب

   رواية أوصيك بقلبي عشقا كاملة  بقلم مريم محمد غريب  عبر مدونة كوكب الروايات


 رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الثامن 8

 
“هربتُ لأنّك لو بقيتَ أمامي أكثر، فإني أخشى أن يغويني شيطاني و أُخطئ من جديد ؛ هربتُ لأنني ما زلتُ أحبك !”
_ إيمان
طالع “مراد” خالته مشدوهًا للحظاتٍ، قبل أن يدفعه عقله للحديث أخيرًا :
-يعني إيه سابت البيت ؟ هي متعودة تمشي فجأة كده !؟؟
هزت “أمينة” رأسها نفيًا :
-لأ يابني طبعًا. إيمان عمرها ما عملتها !!
-طيب إيه العمل دلوقت. أكلم أدهم ينزل يدور عليها ! .. و همّ بإخراج هاتفه ليجري الاتصال
استوقفته “أمينة” فورًا :
-لأ ماتتصلش بأدهم. سيبه ماتزعجهوش.. أنا هاكلمها الأول
و استدارت باحثة عن هاتفها الخلوي، سرعان ما وجدته فوق طاولة جانبية، أمسكت به و عبثت فيه لحظاتٍ، ثم وضعته على أذنها و انتظرت ؛
لم يطول إنتظارها، إلا و صاحت ملتاعةً :
-إيمـان… إنتي فين يابنتي ؟ روحتي فين يا إيمـان ردي عليا…. إيـه ؟ و إيه إللي وداكي عند راجية.. طيب إزاي تمشي كده منغير ما تقولي لحد… لأ يا إيمان إللي عملتيه مايصحش أبدًا. أقول إيه لأخوكي لما يسأل عنك… طيب هاترجعي إمتى.. ماشي يا إيمان. ماشي !
و أقفلت الخط معها مُطلقة تنهيدة عميقة …
نظرت إلتفتت نحو “مراد” ثانيةً و قالت :
-الحمدلله على الأقل اطمنت عليها ..
تساءل “مراد” بترددٍ :
-خير يا خالتو حصل إيه ؟
-خير.. قامت الصبح بدري على رسالة من عمتها راجية. أم المرحوم سيف أبو لمى. كلهم كان نفسهم يشوفوها هي و البنت وحشينهم. ف لمت هدومهم و راحت تقعد لها كام يوم عندهم
-طيب الحمدلله طلع الموضوع بسيط ! .. علّق “مراد” مرتاحًا، و تابع بضحك متوتر :
-أنا كنت مفكرها مشيت بسببي يعني
أمينة ببلاهة متعمّدة :
-و هي هاتمشي بسببك ليه يا مراد !؟
تندّى جبينه و هو يجاوبها هاربًا بعينيه من نظراتها الثاقبة :
-يعني. ممكن تكون مش واخدة راحتها في وجودي.. و عندها حق بصراحة. أنا ماكنش ينفع أطب عليكوا كده و أقلب نظام البيت !
إرتفعت زاوية فمها و هي ترد بشيء من التهكم :
-بتتكلم كأنك حد غريب عننا. أنا فاكرة إنك انت و إيمان كنتوا قريبين من بعض في يوم من الأيام …
و هنا نظر “مراد” إليها، أجفل مرتبكًا بادئ الأمر، لكنه ما لبث أن قال بثباتٍ متكلف :
-صحيح. كنا صغيرين و بتربط بينّا صداقة قوية.. و لحد إنهاردة. إيمان غالية عليا أوي
تنامى صمت سحيق بينهما لدقيقةٍ كاملة، لم يتخلّى “مراد” عن هدوئه، إلى أن دعته “أمينة” بآلية و هي تدنو من عربة الصغار لتحررهم و ينطلقوا في أرجاء الشقة :
-طيب يلا على السفرة. الفطار لو استنى أكتر من كده مش هايتبلع.. و أنا عارفاك. بتحب الحاجة طازة. فريش يعني
تأكدت من سلامة الصغار الثلاثة، ثم مشيت أمامه فتبعها وصولًا إلى حجرة الطعام، أشارت إليه ليجلس على رأس المائدة، ففعل، و جلست هي إلى جواره، بدأ كليهما في تناول الفطور، و انتظرت “أمينة” بتمحيصٍ مدروس حتى ابتلع بضعة لقيمات كافية ليستقبل حديثها التالي …
-قولي صحيح يا مراد ! .. تكلّمت “أمنية” بلطفٍ و هي تصب له فنجان الشاي
-انت صحيح ناوي ترجّع مراتك ؟
توقف “مراد” عن المضغ ثوانٍ، ثم قال و هو يرفع ناظريه إليها :
-و الله يا خالتو أنا جاي لأدهم مخصوص عشان كده. أنا عملت غلطة كبيرة أوي لما طلّقتها.. بس لسا عندي أمل. و أيوة.. عاوز أرجعها. أنا بحبها !
احتقن وجهها بالدماء في هذه اللحظة، سيطرت على أعصابها بجهدٍ و قد جمدت أصابعها حول دورق الشاي الخزفي، استرعى ذلك إنتباه “مراد”.. لكنه آثر الصمت
و فجأة وضعت “أمينة” كل شيء من يدها، ثم أسندت ذقنها إلى يديها و هي تصوّب نحوه نظراتها الآن …
-لما انت بتحبها أوي كده. إيه إللي جابك لحد هنا تاني ؟ كان ممكن تطلب أدهم يجي لك. ليه تيجي لحد هنا و تخلي إيمان تعيش خيبة الأمل تاني !؟؟
حدق فيها مصعوقًا، و قال بصعوبةٍ :
-إنتي. إنتي عارفة يا خالتو ؟؟
أمينة بحدةٍ : طبعًا عارفة.. عارفة كل حاجة من زمان يا مراد !!!
تضاعفت صدمته و شخصت عيناه على الأخير، إنتابه الخرس تمامًا، بينما تعاود الحديث قائلة :
-من أول يوم و بنتي عمرها ما دارت عني حاجة. قالت لي إنها بتحبك من أول يوم يا مراد. و إنك انت كمان بتحبها حسب قوالتك ليها.. و تعرف سيبتكوا ليه على كده ؟ لأن ثقتي في بنتي مالهاش حدود. و متأكدة دايمًا إنها لا يمكن تعمل حاجة غلط أبدًا.. بس تعرف بردو ؟ أنا طلعت غلطانة. لأن إللي حصل بينكوا زمان ده كان لعب عيال. و كان لازم أفهم إنه مش هايوصّل لأي حاجة غير حسرة و وجع قلب بنتي.. و انت فوق إللي عملته راجع تكمل عليها. و أنا إللي فكرت إنك عقلت و رجعت عشانها !!!!
استغرقه الأمر كله بعض الوقت ليدرك مقاصد خالته بوضوح، و قد تبيّن له بأنها لم تكن تعني بأنها تعلم ما جرى بينهما، لا زال السر محفوظًا، و لا أحد يعلمه سوى هو و “إيمان” و زوجها الراحل، العلاقة الحميمة التي أقاماها في لحظة طيش… لا زالت طيّ الكتمان !!
-يا خالتو أنا عمري ما خدعت إيمان ! .. غمغم “مراد” و الخجل يتآكله
لم يستطع النظر بعينيّ خالته الآن و هو يكمل :
-زي ما قلت لك كنا صغيرين. و أنا حبيتها بجد و الله.. و لسا بحبها. لكن طريقنا اختلف من زمان. أنا و إيمان ماينفعش نمشي سكة واحدة. و ده في الأصل سبب إنفصالنا. إحنا طول عمرنا مختلفين !
ظلّت “أمينة” ساكنة لبرهةٍ، تتمعن كلماته، ثم أومأت متقبلة قراره الأخير و نتيجة محاولتها معه لأجل ابنتها، و قالت بهدوء :
-ماشي يا مراد.. إللي تشوفه طبعًا. و مقدرش أقول غير ربنا يوفقك في حياتك مع أي واحدة تختارها.. انا بردو أبقى خالتك. في مقام أمك يا حبيبي …
ثم قامت فجأة هاتفة :
-أقعد انت كمل فطارك. أنا هاروح أشوف على ولاد أدهم
و لكنه استبقاها مسرعًا :
-لحظة واحدة يا خالتو من فضلك …
قام بدوره عن المائدة، و أتى ليقف أمامها، عبس مطرقًا برأسه و هو يقول بصوتٍ أجش :
-أنا كده كده مش مطول هنا. و ماشي إنهاردة بعد القاعدة إللي اقترحها أدهم.. كلمي إيمان و قوليلها ترجع البيت. أنا عارف إنها مشيت بسببي… عن إذنك !
و لم ينتظر ردها، ولّى هاربًا بسرعة …
*****
بضاحية ما بمدينة القاهرة …
يصل “عثمان البحيري” إلى العنوان الذي بعثه إليه صديقه برسالة مقتضبة، يجد “صالح” ينتظره أسفل البناية المتواضعة
ما إن رآه يترجل من سيارته حتى مضى صوبه مسرعًا و هو يهتف :
-أخيرًا وصلت.. أنا واقف ملطوع هنا بقالي ساعتين و شوفت الزفت مراد و هو طالع. كنت هارتكب جريمة لولا مسكت نفسي
يغلق “عثمان” سيارته وهو يرد عليه ببروده المعهود :
-ياريت بقى تمسك أعصابك أكتر عشان لسا التقبل جاي. أنا ماكنتش عايزك في القاعدة دي أصلًا. ف ماتخلنيش أندم .. و مشى نحو بوابة البناية
تبعه “صالح” مغمغمًا بغيظ :
-إنت شايفني عيل صغير ؟ ماشي هاسيبك إنت تتكلم و أما نشوف أخرتها !
عثمان بضجر : شاطر. ورايا بقى من سكات !
دقيقتان و كانا قد وصلا إلى الطابق الأخير، حيث صارا أمام غرفة مشيدة بالطوب و الحجارة يكسوها طلاء مريح للبصر و يتوسطها باب خشبي مصقول غامق لونه
كان الباب مفتوحًا عن آخره، لكن “عثمان” لم يرى شيئًا خلفه، مجرد ضوء أصفر مشع بالداخل، فسار للأمام يجاوره “صالح”، حتى صارا عند الباب تمامًا …
دق “عثمان” عليه و هو يمد رأسه مستطلعًا …
-سلام عليكوا ! .. صاح “عثمان” بصوته القوي
آتاه صوت رجولي أجش على الفور :
-و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.. اتفضلوا !
مد “عثمان” ساقه و ولج و هو يحث “صالح” على إتباعه، رفع نظراته مستكشفًا، ليرى صديقه و رجلًا آخر وجهه غريب عليه، لا يعرفه إطلاقًا لكنه بدا سمحًا و إمارات الورع تتجلى على ملامحه العذبة الهادئة.. كانا يجلسان أمامه فوق آريكة صغيرة بنهاية الغرفة الأشبه بغرفة مكتب أنيق و قديم الطراز، فتوقف “عثمان” عند نقطة معينة و أشار لـ”صالح” ليقف هو الآخر
تطلع “عثمان” إلى صديقه الجالس هناك على بعد خطوات منه عابس الوجه متوترًا، و تساءل بجمود و هو يشير لذلك الشخص الغريب الذي يجلس إلى جواره :
-مراد باشا ! ممكن أعرف مين الأستاذ ؟
و هنا يرد الرجل ذو الوقار و الرصانة المثيرة للإعجاب نيابة عن “مراد” المتأهب للإنفجار كبركان بأيّ لحظة :
-أنا الشيخ أدهم عمران.. إتفضل يا أخي لو سمحت. كنا في إنتظارك !
في هذه اللحظة تبادل كلًا من “عثمان” و “صالح” النظرات و قالا في صوتٍ واحد :
-شيخ !!!
*****
جحظت عينيّ “إيمان” و هي تستمع إلى كلمات أمها كابحة إنفعالها لكي لا يسمعها أحد في الخارج :
-إزااااااي تعملي كده يا ماما.. مين قالك تقولي كده لمراد !؟؟؟؟
-يعني كنتي عاوزاني أعمل إيه. وأنا شايفاكي مقهورة و بالذات لما جه. قلت أحاول مرة أخيرة يابنتي.. على الأقل عشان ربنا مايحاسبنيش عليكي
-إنتي عارفة عملتي إيـه ؟ إنتي رميتي إللي باقي من كرامتي في الأرض. حرام عليكي يا ماما
-ماتكبريش الموضوع يا إيمان بقى. ماحصلش حاجة. كانوا كلمتين و راحوا لحالهم.. خلاص. بصي المهم دلوقتي تاخدي بعضك انتي و بنتك و ترجعوا دلوقتي حالًا. لسا أخوكي أدهم واخده و راحوا المضافة بتاعة أبوكي. أخوكي سأل عليكي و قلت له بتزوري عمتك. مش هاينفع يرجع مايلاقكيش هنا !
دق باب غرفتها المخصصة، فاضطرت لقطع المكالمة، و استدارت و الدموع ملء عينيها الواسعتين ؛
فإذا بها تجد “مايا” أمامها.. “مايا” شقيقة “سيف” و عمة صغيرتها “لمى” …
-إيمان ! .. هتفت “مايا” بعفوية
-يلا الغدا جاهز
أومأت لها “إيمان” و قالت بصوتٍ أبح :
-حاضر يا مايا جاية وراكي
قطبت الأخيرة حاجبيها و هي تشير ناحيتها بذقنها :
-إنتي معيطة و لا إيه يا إيمان !؟
لم تنكر “إيمان”.. لكنها اختلقت كذبة و هي تكفكف دموعها بظاهر يدها :
-أيوة. شوية.. أصلي افتكرت سيف الله يرحمه. وحشني أوي يا مايا !
تأثرت “مايا” كثيرًا و دلفت إليها، بدون مقدمات عانقتها و شاطرتها حزنها المفتعل متمتمة بحزنٍ شديد :
-إنتي عارفة كل ما بيوحشني بعمل إيه ؟ ببص في عيون لمى. و بحضنها جامد. لمى حتة من سيف يا إيمان.. لمى هي سيف. مش بيقولوا إللي خلّف مامتش !؟
تنهدت “إيمان” بحرارة، و ابتعدت عنها “مايا”.. ابتسمت لها و دعتها ثانيةً :
-يلا عشان الغدا. كلنا ماستنيينك !
بادلتها “إيمان” الابتسامة و قالت :
-حاضر.. بس أنا مضطرة أمشي بعد الغدا علطول. لازم أرجع البيت
مايا باحباطٍ :ليه كده بس يا إيمان.. هو لحقنا نشبع منكوا ؟؟
إيمان متأسفة : معلش يا مايا. ماما تعبت و سلاف كلمتني من وراها.. لازم أكون جمبها !
*****
جلس كلًا من “عثمان” و “صالح” إلى مقعدين متجاورين، بينما يجلس مقابلهما ذلك الرجل المهيب ذو اللحية السوداء الكثة المشذبة بعناية، و “مراد” الذي ما زال صامتًا حتى الآن و لم ينطق بحرف …
هذا السكون الثقيل قد بدأ يوتر الأجواء، حتى أن بعض تململ أصاب “صالح” و شعر بأنه قاب قوسين أو أدنى من فقدان سيطرته على نفسه.. إلا أن صوت المدعو “أدهم” سرعان ما برز قالبًا موازين الجلسة إلى صالحه فقط …
-منورين مكاني المتواضع يا سادة ! .. قالها “أدهم” بصوته القوي مزيدًا الترحيب بضيوفه
رد “عثمان” التحية بنفسه و نيابة عن إبن عمه الغضوب :
-بنورك يا دكتور أدهم. متشكرين أوي على حسن إستقبالك لينا و خاصةً إننا أغراب عنك
أدهم معاتبًا بحليمية :
-عيب تقول كده يا أستاذ عثمان. مراد ده يبقى إبن خالتي حتى لو مش بنشوفه إلا كل كام سنة مرة .. و ضحك مكملًا :
-و حضرتك تبقى صاحبه و صديق عمره زي ما حكالي. يعني تقريبًا بقيت مننا و علينا زي ما بيقولوا
-صحح كلامك يا أدهم من فضلك ! .. صاح “مراد” بحدة فجأة
تركزت الأنظار عليه، ليتابع بنفس الإسلوب :
-الصداقة دي كانت في الماضي و خلاص خلصت.. أنا صحابي رجالة. مش زبالة و أنجاس زيه !
يتمالك “عثمان” أعصابه بصعوبة عندما سمع هذا الكلام يخرج من فم صديقه المقرب لأول مرة، بينما يلتفت “أدهم” نحو “مراد” موبخًا :
-مراد ! إحنا قولنا إيه ؟ القاعدة دي إتعملت عشان نحل الموضوع مش نعقده و نجرح في الناس كده منغير ما نفهم كل حاجة كويس
مراد بسخرية : إنت فاكر إن ده بيتجرح ؟ ده أبرد من لوح التلج. ده يجيبلك شلل و إنت قاعد صلى عالنبي يا أدهم إنت ماتعرفوش أدي
أدهم بهدوء : عليه الصلاة و السلام.. يا سيدي طبيعي ماعرفوش و إنت تعرفه أكتر مني عشان صاحبك. بس لازم نتكلم و نتناقش بالمعروف. دي مش طريقة يا مراد إهدا عشان تفهم
يقطب “مراد” جبينه بشدة مغمغمًا :
-أنا مش طايقه. مش طايق أي حاجة تيجي من ناحيته. و مش عارف يا أدهم إنت صممت على القاعدة دي ليه ؟ ده واحد قذر عايش طول عمره في نجاسة و قرف و ماستبعدش أبدًا إنه يكون غوى بنت عمه و إنهم إستغفلوني هما الإتنين
في هذه اللحظة لم يستطع “صالح” كبح نفسه أكثر، فقفز واقفًا لينقض على “مراد” بلمح البصر، فيكيل له الضرب و اللكمات العنيفة …
يهب على الفور كلًا من “عثمان” و “أدهم” للحؤول بينهما، و رغم أن ذلك كان صعبًا بادئ الأمر خاصةً و أن “مراد” إستطاع أن يتغلب على “صالح” في لحظة و كاد ينال منه.. ألا أن “عثمان” حال دون ذلك و أمسك بتلابيب إبن عمه و إجتذبه بعنف صائحًا :
-تعالى هنـــا ! إنت إتجننت ؟ إثبت. إرجع مكانك و إوعى تتحرك سامعنـــي ؟ يا إما تنزل تستناني تحت !
يتراجع “صالح” مذعنًا لأمر “عثمان”.. لكن ما زال غضبه يتفاقم، فيدس يده يجيب سترته و يخرج قارورة الكحول الفضية التي يحملها دائمًا و بدون مقدمات يفتحها و يفرغ منها بقوة داخل جوفه …
بنفس اللحظة “أدهم” يترك “مراد” بعد أن ضمن سيطرته على نفسه، يلتفت فيرى “صالح” يتجرع هذا الشيء، فتجحظ عيناه و هو يصيح بلهجة مهددة :
-إنت بتشرب إيه يا بيـه ؟؟؟
أبعد “صالح” القارورة عن فمه، لينقل نظراته بينها و بين ذاك الذي أطلق سؤاله الساذج بالنسبة إليه، ثم يرد بمنتهى البساطة :
-تيكيلا !
-خمـــرة !!! .. هدر “أدهم” بغضب شديد
-بـــراااااا. إطلعوا بـــراااااااا كلكوا !!!
حاول “عثمان” أن يهدئ “أدهم” عبثًا لم يستطع التفاهم معه، إذ كان مصممًا على طردهم و بدا أن لا نقاش سيجدي معه.. ورغم شدة إضطراب “عثمان” إلا أنه أصر ألا يخرج من هنا إلا بالحل النهائي، فهداه عقله إلى تصرف يرضي مضيفهم
ليلتفت نحو إبن عمه بوجهه المحتقن غضبًا، يدفع به إلى خارج الغرفة بطريقته الهمجية ليخفف من غضب “أدهم” عليهم.. و هكذا طرد “صالح” و أمره بالبقاء في الأسفل ريثما يهبط إليه، ثم عاد إلى المجلس الصغير و قال و هو يعدل هندامه الذي تشعث كليًا إثر هذه الفوضى :
-إللي إنت عايزه يادكتور أدهم.. ماتزعلش نفسك. صالح مشي خالص. ممكن بقى نتكلم في المفيد ؟ أنا سامع !
أغمض “أدهم” عيناه مطلقًا زفيرًا مشحونًا و قال بجفاف شديد :
-أستغفر الله.. بص يا أستاذ عثمان. إنتوا بصراحة ماتشجعوش على أي نقاش. لسا ردود أفعالكوا هوجاء و طايشين و ده ماينفعش. إذا كنت إنت و لا إبن خالتي إنتوا الإتنين غلطانين !
عثمان بصلابة : أنا مش جاي أسأل مين الغلطان يا دكتور. أنا جيت عشان حضرتك كلمتني و قولتلي جايز الموضوع يتحل.. أنا عايز أعرف بقى هايتحل إزاي ؟؟؟
صمت “أدهم” قليلًا يستجمع عقلانيته كاملةً، ثم أشار نحو “مراد” قائلًا :
-البيه ده لسا بيحب بنت عم حضرتك و عايزها و ندمان على إللي عمله. سيبك من كلامه ده. أنا متأكد من إللي بقوله هو بس كان رافض يصارحني عشان رجولته ناقحة عليه أوي !
عقد “عثمان” حاجبيه ممعنًا النظر بكلماته، تطلع إلى صديقه فوجده يجلس نفس الجلسة المتوترة و منكمشًا على نفسه بطريقة مضطربة …
بعد تأمله لبرهة بدأ يقتنع بأقوال “أدهم” نوعًا ما، لكنه عاد يقول له بجدية :
-الكلام ده جميل. و من ناحيتي أقسملك بالله إن مافيش حاجة حصلت بيني و بين بنت عمي و إنها طول عمرها زي أختي. و طبعًا رجوعها لمراد شيء هايبسطنا و يريحنا كلنا.. بس إزاي يا دكتور ؟!!
أدهم بجدية مماثلة :
-ده إللي كنت عاوزك فيه.. مراد زي ما قولتلك رافض يصارحني. هو قالي إنه طلقها أكتر من مرة. بس بيلف و يدور عليا مش عايز يقولي كام مرة بالظبط
-3 مرات يا دكتور ! .. أجابه “عثمان” بصرامة
عبس “أدهم” قائلًا بلهجة متشددة :
-متأكد ؟!
أومأ “عثمان” : متأكد
و هنا ساد صمت مريب، فتململ “مراد” قلقًا و رغمًا عنه تطلع نحو “أدهم” منتظرًا رده.. فلم يجعله ينتظر طويلًا …
-كده يبقى الموضوع منتهي !
مراد بتوتر : يعني إيه منتهي يا أدهم ؟!!
نظر “أدهم” له و قال بصوته القوي :
-يعني خلاص متحرمة عليك يا مراد. لازم محلل.. و المحلل عندنا في الدين لو بغرض الرجوع للزوج الأولاني محرم لقول النبي صلى الله عليه و سلم: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ»،
-طيب ما هو زواج المحلل مش محرم يا دكتور ! .. قالها “عثمان” مستفهمًا
إلتفت “أدهم” إليه، ليكمل موضحًا :
-في ناس كتير بتعمل كده. أعتقد إنه شيء مكروه في الدين لكن مش محرم !
رفع “أدهم” حاجبيه مدهوشًا من تفكيره و جداله حتى بعد أن آتاه بالبينة …
أراد أن يبرهن له أكثر على صحة كلامه، لكنه أمسك بآخر لحظة و عوض ذلك قال بغلظة :
-حتى لو ده ينفع.. أعتقد مافيش راجل يقبلها على نفسه !
عثمان بتساؤل : يقبل إيه بالظبط ؟ الجواز ؟ و مين الزوج و لا المحلل ؟!!
أدهم بحدة : الإتنين. و بعدين ده مش مجرد جواز على ورق.. شروط المحلل عشان ترجع للزوج الأول ماتطلقش “حتى يذوق عُسيلتها و تذوق عُسيلته”.. ده حديث عن النبي بردو
مراد بقلق أكبر:
-يعني إيه الكلام ده يا أدهم ؟؟!!!
نظر “أدهم” إليه من جديد و فسر له بمنتهى الصراحة :
-يعني المحلل ده لازم يدخل عليها يا رايق عشان ترجعلك !
جحظت عينيّ “مراد” بصدمة و ما لبث أن نقل ناظريه نحو “عثمان” و كأنه أخيرًا يناشده الحل و المساعدة …
إلا أن “عثمان” لم يكن هنا أبدًا، كان يفكر بعمق… بمسألة حساسة جدًا للغاية ! ……………………………………………………………………………………………………………………………………………………..
 
reaction:

تعليقات