رواية عينيكي وطني وعنواني كاملة بقلم أمل نصر عبر مدونة كوكب الروايات
رواية عينيكي وطني وعنواني الفصل الخامس 5
صدحت أصوات ألأغاني العالية بقوة تصُم الاَذان، وعُلقت اعقادُ الإنارة ذا الأشكال والألوان المختلفة اعلى المبنى وجانبيه .. لتُنبئ الجميع بافتتاح محل المعلم علاء ادهم المصري للأدوات الصحية .. يتلقى التهانى من أشخاص بعضهم يعلمهُم و اَخرين لا يعلمهم .. كان يرتدي حُلة بالون الازرق القاتم على جسده الرياضي الطويل فزادته بهاءًا وجمالًا ..يوزع البسمات على الوجوه المباركة كما يوزع الزجاجات الغازية والمشروبات الأخرى .. ولكن تظل عيناه عالقة بشرفتها التي هجرتها من ايام ..عسى ان تطل برأسها عليه فتشاركه فرحته ولو بوجهها العابس الجامد ..فيكفيه رؤيتها من بعيد رغم اشتياقه المضني لرؤية عيناها التى علقت بذهنه وأصبحت تتخلل أحلامه من وقت ان راَها بهذا القرب داخل منزله.. لكم يتمنى رؤيته الاَن ، لكم يشتااااق .
– معلم علاء .
اجفل منتبهاً على صوت شقيقه الصغير وهو يقترب منه بضحكة صافية فاتحاً ذراعيه :
– حبيب قلبي ..الف مبروووك.
بادله علاء العناق بفرحة مشددًا عليه بذراعيه :
– الله يبارك ياغالي .. وحشتنى ياض.
– وانت اكتر والنعمة .
تابع وعيناه تدور يمينًا ويساًر .. داخل المحل وخارجه :
– بس ايه ياعم الحلاوة دي ياعم ؟ لحقت تعمل الحاجات دي كلها امتى ؟
– طبعًا ما انت غايب عن زيارة والدتك بقالك اكتر من اسبوع.. هاتعرف منين بقى ؟
– يابني اضطريت اسافر الغردقة عشان مشكلة حصلت مع الوفد السياحي .. ما انت عارف الشركة ومشاكلها.
غمز بعيناه يقول بمشاكسة :
– ايوه ياباشا فكرتني بالسياح بقى والنسوان الحلوة .
– طب وانت تعرف عن اخوك كدة برضوا ياريس .
– حيبي انت حسحس تربية اخوك بجد ياض .
لف عليه بزراعه يدفعه للأمام قائلًا :
– تعالى بقى افرجك على المحل من الداخل عشان تشوف اخوك وافكاره الجامدة.دا انت هاتنبهر .
…………………..
– مش ناوية بقى تقومي و تتفرجي ؟ دي الدنيا هيلمان بره .
رفعت عيناها عن شاشة التلفاز وهي جالسة على الاريكة الاثيرة ..قائلة بسأم :
– مش قايمة ولا زفت .. يعني هاشوف الهنا…اهي زيطة وخلاص.
– زيطة وخلاص !
اقتربت منها فدنت اليها برأسها تسألها :
– في ايه يابنتي؟ انتي مقفلة كده ليه ؟ بقولك هيلمان ناس رايحة وجاية وانوار ملعلطة فى الميدان كله .. دا بابا قاعد هناك وسط الرجالة اللي بتهني وماما من العصر مع الست زهيرة بتساعدها وواقفة معاها فى استقبال الستات اللي بتهنيها ولا ابراهيم دا كمان هو واصحابه بيرقصوا مهرجانات ولا اكنهم فى فرح بلدي ..
زفرت حانقة قبل ان تعود ببصرها ناحية التلفاز مرة أخرى :
– ربنا يفرح الكل ياستي ..انا مالي بقى ؟
مطت شروق شفتيها وهي تتحرك للأبتعاد بخطواتها :
– براحتك ياأختى .. على العموم انا رايحة اتفرج من بلكونة اؤضتك وبرضوا هارجع واحكيلك.. عشان اغيظك.
تنهدت بيأس من تلهف شقيقتها وابويها لحضور الافتتاح العظيم ورؤيته مع اصرار والدتها المستمر على رأسها بضرورة الذهاب للجارة أم المحروس لتهنئتها والعمل بالأصول…وكأنها تهتم ..فلتذهب الأصول الى الجحيم .. فهي ابدًا لن تعيد دخولها هذا البيت كما حجبت نفسها عن النظر بالشرفة رغم صعوبة القرار عليها .. ولكن يكفي ألا تلتقي بوجههِ البغيض .
………………………….
بين أجواء المرح ورقص الفتيان الصغار والنتقل بين الأفراد المهنئين انشغل علاء قليلًا عما يدور بعقله ويحتل فكره ..اما حسين فقد اتخذ موقعًا جيدًا بجانب المحل وهو ينظر فى الأعلى لشروق التي احتلت شرفة شقيقتها وهى تتابع الحفل بابتسامة رائعة مثلها.. فجأة اعتدل بوقفته حينما وقعت عيناه على اَخر شخص توقع حضوره فى هذه المناسبة ..بوجهٍ قلق تابع اباه وهو يخرج من سيارته ويتقدم نحو اخيه الذي سمرته المفاجأة هو الاَخر فوقف جامداً امام ابيه الذي قطع السكون بينهم حينما جذبه من ذراعهِ يعانقه بحنان أبوي قلما يصدر من الحاج أدهم المصري .. ومع ابنه المحبوب علاء الذي تدارك نفسهِ سريعاً فتبادل العناق مشدداً ذراعيه على ابيه بقوة واشتياق .
– حسين باشا .
انتفض مجفلًا بلمسة لكف كبيرة على ذراعهِ .. فتبسم مرحبًا بابن حارته وصديق اخيه الصدوق ..صافحه بحرارة قائلًا :
– أهلُا…ازيك ياسعد ..ليك وحشة والله .
– ياراجل.. هو انا لو واحشك فعلًا ماتجيش بقى تعدي عليا ولو مرة واحدة حتى وتسأل .
– مشاغل ياعمنا ماانت عارف الشركة بقى والظروف اللى مرينا بيها في الأيام اللى فاتت .
اومأ برأسه موافقًا:
– عارف ياحسين عارف.. بس اهي الظروف ابتدت تتحسن زي ما انا شايف اهو .
لوح برأسه ناحية ادهم وهو يتحدث بحميمية مع ولده علاء ..فتبسم حسين وقال :
– بصراحة انا نفسي ما كنتش متوقع مجيته هنا بنفسه عشان يبارك لعلاء ..بس دا الحاج ادهم المصري. يعني ماحدش نهائي هايفهم دماغه .
اومأ سعد برأسه مرة ثانية قبل ان يتحرك مستئذنًا:
– طب عن إذنك بقى اروح اسلم انا على الاتنين .
بعد أن تركه سعد وذهب بعيدًا عنه ..رفع رأسه ناحية الشرفة مرة أخرى ليعود ببصره اليها ولكن اصابته خيبة أمل حينما لم يجدها.. ليفاجأ بصرخة من جهة قريبة لامرأة غريبة وهرولة من الرجال بصخب ناحيتها مع توقف مجموعة من السيارت واصواتٍ تصيح باصطدام سيارة لطفل ..وقبل ان يدرك ماحدث جيدًا تفاجأ بصرخة صادرة منها وهي خارجة من البناية التي تقطنها :
– إبراهييييم .
……………………..
بداخل غرفتها كانت مستلقية على فراشها تتحدث مع صديقتها المتذمرة والغاضبة في الهاتف .. قالت اَخيرًا بعد ان استمعت جيدًا لكلماتها الساخطة .
– طيب ممكن بقى افهم انتي ايه اللي مزعلك بالظبط ؟ زن والدتك بالموافقة على عريس الهنا ولا زنها إنك تباركي لوالدة علاء بنفسك .
جاءها الصوت الشاكي من الناحية الأخرى :
– الاتنين ياسحر ..عايزاني اوافق بالعريس وعايزاني اروح للست دي غصب عني ..قال ايه.. قال عشان الست زهيرة بتسألها عني كل ما تشوفها وهاتموت وتشوفني .
– طيب ما يمكن صح يابنتي الست حبتك ونفسها تشوفك ..تاخديها ليه بذنب ابنها ؟
بلهجة محذرة قالت :
– إنهي الكلام في الموضوع دا ياسحر ..انا مش ناقصاكي.
– ماشي ياستي ننهي الموضوع خالص كمان.. طب والعريس ابن صاحب والدك بقى .. ماتفكري في الراجل مدام مهندس ومحترم زي مافهمت منك .. حتى عشان ترضي والدتك..دي نفسها تفرح بيكي .
وصلها الصوت المتهكم :
– شوفوا مين اللي بيتكلم ؟ طيب ياست سحر ماتفكري انت كمان بدال ما انتي تاعبة والدتك طنت رجاء وفرحي الست بيكي بقى .
– يابنتي افهمي.. انا حاولت كتير لكن مافيش حاجة بتم ..مش عارفة بقى دا عيب فيا ولا غباء من الآخرين.
صدر صوت ضحكة صغيرة من فجر فاأكملت سحر بضحك هي الأخرى :
– ههه اسكتي صح يابنتى .. مش انا امبارح كلمت مرات خالي عشان اباركلها على أمل إن اخلص من زن والدتي ..يالهوي على اللي حصل ..خلتني أكلم العروسة بنتها كمان ..تصوري يافجر البت صوتها عيالي ومسرسع زي المعزة بعيد عنك وعن السامعين..بس ايه بقى حظوظ .
– ايوه يااختي حظو……
انقطع صوت الهاتف فجأة.. فقالت سحر بقلق :
– سكتي ليه يافجر ؟ في حاجة عندك ؟
لم تسمع رد منها فقط سمعت صرخة قوية تصدر من مسافة ليست بعيدة:
– أخويا انا إبراهيم عمل حادثة؟
………………………
بصرخات ملتاعة خطت سميرة ومعها ابنتها فجر المتماسكة زورًا امام والدتها بداخل رواق المستشفى يبحثن عن حجرة العمليات المختصة بقسم الحوادث كما دلتها الفتاة الممرضة.. صرختها زادت عندما رأت زوجها الجالس على إحدى المقاعد يسبح بسبحته وبجواره أدهم المصري يربت على أرجله يعطيه الدعم .. ومن الناحية الأخرى كان ألأبناء علاء وحسين على أرجلهم واقفين بجوار الحجرة ومعهم اَخرين لاتعلمهم وعلى جانب اَخر.. وحدها كانت شروق جالسة على إحدى المقاعد ترتجف باكية :
– إبني جراله ايه ياشاكر ؟ أخوكي جراله إيه ياشروق ؟ حد يطمني على ابني ياناس ؟
نهض شاكر مجفلًا ليُطمئن زوجته على ابنها وقد سبقته شروق ترتمي بأحضانها .
– انا خرجت انده على ابراهيم زي ماقولتي ياماما.. بس لقيته مرمي في الأرض وشه مغرقه الدم والناس حواليه .. انا خايفة عليه أوي ياماما .
زجرها من خلفها والدها بحدة :
– بس يابنت اخوكي كويس ماتفوليش عليه بكلامك ده؟
هتفت سميرة بتشكك :
– ولما هو كويس .. قاعد جوا فى اؤضة العمليات بيعمل إيه ياشاكر ؟ ابني ماله ياشاكر ؟
جاء صوته بالقرب منهم .
– اطمني ياخالتي سميرة ..حالة إبراهيم مش بالصعوبة دي اللي في دماغك أنا شوفته بنفسي .. أكيد خير إن شاء الله .
رفعت فجر عيناها عليه وهو يتحدث فتفاجأت بنظرة منه ناحيتها لم تفهمها إن كانت اشفاق أو حنان أو شئ اَخر .
صاحت عليهم سميرة وابنتها مازالت متشبثة بأحضانها :
– بس انا لايمكن هاسامحكم لو جرت لابني حاجة عشان سيبتوني ومشيتوا.. هو انا مش والدته عشان اطمن عليه بنفسي .
زفر شاكر بنفاذ صبر :
– دا وقت كلام دلوقتي ياسميرة .. مش كتر خيره علاء شال الواض وحطه في عربيته وجري بيه هو صاحبه عشان يلحقوه .. على ما وصلنا احنا فى عربية والده واخوه حسين .. يعني كنتي عايزانا نسيب الواض سايح فى دمه على مانندهلك ونجيبك معانا .
تركت جميع ما تفوه به وأتت على جملة واحدة تسأل بجزع:
– يعني الواض كان سايح في دمه ياشاكر؟
– يووووه..دا انت مافيش فايدة في الكلام وياكي ..انا ماعنديش دماغ ليكي .
قالها وهو يلوح بكفه قبل ان ينتقل للجلوس مرة أخرى بجوار الحاج أدهم ..اقترب علاء من الثلاثة قائلًا بلطف يتناول كف المرأة يجذبها:
– تعالي ياخالتي سميرة اقعدي هنا على الكرسي وريحي نفسك بدال ماتتعبي على الفاضي .. تعالي معاها يافجر انتي وشروق .
اذعنت فجر لكلماته مضطرة وهي تدفع والدتها برفق للجلوس على مقاعد المشفى.. جلست هي بجوارها مع شروق المتشبثة بوالدتها وكأنها طفلة صغيرة ..رغم امتعاضها منه ومن توجيهه الكلمات لها.. ولكن ظل اسمها يتردد فى ذهنها بصوته بشكل غريب..فهذه اول مرة يناديها بتسمها دون أبلة !!!
وهكذا قُضي الوقت المتبقي فى الإنتظار ..شاكر والحاج ادهم المصري جالسان فى جهة وسميرة وبناتها جالسات فى جهة أخرى.. تحت انظار الشباب الثلاثة الواقفين حسين الناظر لحبيبته يبثها الاَمان من عيناه وعلاء الذي لم يكن يتوقع ولو في أحلامه أن يراها الليلة بهذا القرب منه ويرى عينيها الجميلتان والمتلألأتين بحزن بعد أن تمنى من قلبه رؤيتهم ..برغم ان المناسبة غيرة سارة على الإطلاق.. وسعد ..الذي كان يتنقل بنظراته بين شروق الصغيرة الجميلة والشبيهه بشكل كبير من فاتن التي كانت فعلًا فاتنة بحق ولكن غبية كما يذكر .. وفجر التي كااانت قديمًا صغيرة بجسدٍ هش وضغيف وقد اصبحت الاَن مثال المرأة المكتملة الأوصاف ..لقد عرفها رغم تغيرها ومرور عدت سنوات على رؤيتها اَخر مرة ولكنه عرفها !!!
………………………………
بعد مرور الوقت
كان ابراهيم الصغير ممدًا على تخت المشفى ..محاط بالأربطة الطبية التي التفت على رأسه و قدمه اليسرى
والدته ووالديه خارج الغرفة مع الجميع بأمر الطبيب بعد أن اطمأنوا عليه قليلًا .. سميرة كانت تفرك بكفيها قائلة بتوتر :
– ياحبيبي يابني .. الواض وشه اصفر زي اللمونة ياشاكر .
حرك شاكر رأسه بيأس من زوجته قائلًا بتعب:
– تاني ياسميرة .. يعني مش تحمدي ربنا انها جات على قد كده وربنا نجاه بدال الزن بتاعك ده.
قال من خلفه أدهم بصوته الرزين :
– سيبها يااستاذ شاكر..هي بردوا أم وقلبها محروق من الخوف على ابنها.
سميرة بعتب وهي ناظرة الى زوجها :
– قولوا ياابوعلاء خليه يبطل جمودية القلب دي عليا .
رد زوجها بنظرة حانقة موجهة اليها أثارت ابتسامة أدهم النادرة لدرجة تعجب لها ولديه وازدادت دهشتهم وهم يتابعون حديثه المنبسط مع الجار الجديد وزوجته :
– الله ياجماعة ..هو انتوا بتبصوا لبعض كده ليه؟ أنا مش عايزة اكون السبب فى خناقة مابينكم.
تبسم الاثنان ببعض المرح استجابة لدعابته.. فقال شاكر بامتنان :
– تعبناكم معانا ياابوعلاء وقطعنا عليكم فرحة المحل الجديد .
قال علاء والذي كان واقفًا بالقرب منهم مع أخيه حسين :
– ماتقولش كده ياعم شاكر دا واجب علينا ..دي سلامة إبراهيم بالدنيا كلها.
اومأ شاكر برأسه فارتسم الفخر جليًا على وجه أدهم كما ارتسمت سعادة غير مرئية على وجه سميرة التي انتقلت عيناها تلقائيًا ناحية ابنتها الجالسة على إحدى المقاعد:
– هي شروق أختك راحت فين يافجر ؟
تمتمت بصوت خفيض :
– نزلت تجيب مية معدنية وشوية عصاير من كانتين المستشفى.
أجفلها حسين بقوله منزعجًا:
– كدة نزلت لوحدها من غير ماتقول ..مش يمكن ماتعرفش مكان الكانتين ولا الكافتيريا حتى ؟
هزت رأسها ولم تعلم بما تجيبه فتفاجأت بالحاج ادهم وهو يأمر ولده :
– روح ياحسين وراها واطمن عليها دي المستشفى كبيرة وممكن تتوه فيها .
ذهب حسين سريعا أم علاء فقد قطب حاجيبه دهشًة من سلسلة المواقف الغربية لوالده هذه الليلة قبل ان يتحرك اَليا ويجلس بجوارها على احدى مقاعد المشفى متمتمًا بخبث :
– اَااه ..دا انا رجلي تعبتني اوي من الوقفة الليلادي.
تشجنجت هى بجلستها وقد شعرت بجسده الضخم قد احتل المسافة الفاصلة بينها وبينه وقدميه الكبيرتان تكاد تلتصق بأقدامها الصغيرة ..رائحتة القوية سيطرت على حواسها فطغت على رائحة المشفى..تململت بعدم راحة تريد القفز من جواره ولكنها تذكرت ابتسامته السخيفة لها.. لابد انها ستصبح ضحكة كبيرة الاَن حينما يراها تهرب من جواره ..زفرت داخلها استسلامًا وهي تهمس بصوت مكتوم وصل لمسامعه فابتسم بانتشاء:
– استغفرالله العظيم يارب
………………………….
امام بائع الكانتين وقفت بمشترياتها خلف رجل وامرأة سبقوها لدفع الحساب وهي تتابع جدال المرأة مع البائع في ثمن الأشياء بانتباه حتى اجفلت على صوتٍ غريب :
– عاملة إيه دلوقتي يا أنسة شروق ؟
شهقت منتفضة وهي ترى هذا الغريب يحادثها بهذا القرب لأول وهلة .. قبل ان تستعيد ذاكرتها وتعلمُه:
– هو انت حضرتك تعرفني ؟
قال بابتسامة:
– طبعًا اعرفك هو انت نسيتي ولا ايه؟ انا صاحب علاء…
– عارفة عارفة انك صاحب جارنا علاء .
قالتها بمقاطعة وصوتها خارج بتوتر وتابعت :
– وعارفة كمان انك شيلت اخويا معاه وجيبتوا على المستشفى قبل ما نوصل انا ووالدي.. بس يعني إنت تعرفني منين عشان تندهني على طول كده بأسمي ؟
شعرت بتأنيب الضمير وهى ترى تاثير كلماتها الحادة على وجهه وشفتيه التى كانت تتحرك بارتباك.. فعادت قائلة بلطف:
– انا اسفة يااستاذ.. بس معلش بقى متأخذنيش انا لسة متأثرة بحادثة أخويا ومش قادرة اميز أي كلمة خارجة مني .
أومأ برأسه :
– عندك حق يااَنسة.. ويمكن اكون خضيتك بس انا بجد قلقت عليكي .
– قلقت عليا !!
– يااَنسة .
أجفلت على صوت الفتى البائع لتجد ان الدور قد أتى عليها في دفع الحساب بعد انصراف من كانوا قبلها .. قالت وهي تتحرك سريعًا :
– طب عن إذنك بقى .
لم تنتظر إجابة فقد وجدتها فرصة للهرب من هذا الغريب ونظراته المسلطة عليها.. فلا تعلم لما شعرت بعدم الراحه نحوه .
حينما انهت حسابها مع البائع خرجت فورًا تتجاهل النظر نحوه وهي تسرع بخطواتها للخروج من الكانتين .. تنفست بارتياح وهي ترى حسين ينزل الدرج اللولبي للمشفى لتجده سريعًا قد أتى أمامها .. فتوجه اليها قائلًا بانزعاج :
– انتي ازي تنزلي هنا لوحدك مش خايفة لتوهي فى المستشفى الواسعة دي ؟
قالت مبتسمة وقد اسعدها ما رأته في عيناه نحوها :
– اصل كنت عطشانة فسألت الممرضة ودلتنى .. بس انت نازل على السلم ليه مادام في انساسير؟
قال بحزم محبب :
– عطشانة تبقى تقولي واحنا الرجالة نتصرف بدال ماتخليني…تخلينا نقلق عليكي ..دا انا ماقدرتش استنى الاسانسير ونزلت جري اشوفك .
تهللت اساريرها فرحًا من جملة قيلت لها مرتين هذه الليلة ولكن من حسين وقعها على سمعها كانت وكأنها أجمل كلمات العشق .
– إنتِ هاتفضلي متنحة كده وساكتة مش ياللا بقى خلينا نلحق الجماعة فوق وادي الاسانسير اتفتح اهو .
اوقفته بيدها قائلة :
– لا انا عايزة اطلع على السلم مش بالأسانسير .
حرك رأسه موافقًا بابتسامة رائعة يقول :
– ماشي ياشروق .. مع ان النزول كان عليه فرهدة بس موافق برضوا .. هاتي اللي في إيدك دا بقى .
قال الاَخيرو وهو يتناول منها المشتريات قبل ان يصعد معًا الدرج اللولبي بناءً على رغبته وكم أسعده طلبها هذا .. غافلين عن زوجُ من الأعين ترصدتهم وتابعتهم حتى اختفوا.
…………………………..
بعد انتهاء الليلة العصيبة والاطمئنان على الطفل المصاب .. كان لابد من العودة ليلًا إلى المنزل بعد اصرار مسؤلي المشفي الخاصة بذهاب الجميع حتى أهل المريض .. تطوع حسين بأن اقل أسرة الأستاذ شاكر زوجته وابنتيه.. اما الحاج أدهم فقد عاد مع ابنه علاء وصديقه سعد .
بداخل السيارة خاطب علاء ابيه قائلًا :
– متشكرين اوي ياحج على اللي عملته معانا النهاردة :
– بتشكرني على ايه بالظبط ؟
– يعني ياوالدي على كل حاجة الصراحة.. من أول مجيتك الإفتتاح الليلة لوقفتك مع الجيران ..دا دي لوحدها كبيرة قوي عندي ..خصوصًا إنهم ناس غريبة عنك ومتعرفهاش .
قال أدهم بحزم :
– مدام جيرانك يبقوا مش اغراب ولا حاجة ..ثانيًا بقى أنا سألت كويس عن الناس دي وعرفت إنهم ناس محترمين قوي .
نقل عيناه عن الطريق لينظر فجأة لأبيه قائلًا بجدية:
– هو انت فعلًا سألت عنهم ؟
قال بثقة :
– طبعًا سألت عنهم ؟ أمال يعني اسيب ناس تدخل لوالدتك وانا مش عارف أصلهم ايه ولا فصلهم ؟
عاد للطريق وهو يمط شفتيه قائلًا :
– والدتي !! قولتلي بقا.
عند هذه النقطة غير دفة الحديث فجأة وهو يسأل صديقه الغارق فى افكاره وهو ناظر لخارج الطريق من النافذة :
– سرحان في ايه ياسعد انت كمان ؟
اجفل من شرود قائلًا:
– هااا .. إنت بتكلمني ياعلاء ؟
قال الحاج أدهم ساخرًا :
– هه ياسعد دا انت مش معانا خالص ..إيه اللي واخد يابن مدبولي ؟
بشبه ابتسامة أومأ برأسه ولم يجيب وهو يعود لأفكاره مرة أخرى.
عندما توقفت السيارة امام المنزل الذي احتل بمساحته قطعة كبيرة من الحارة.. وجدها فى شرفتها تنظر اليهم بترقب قبل ان تتركها وتنزل سريعًا إليهم .. ترجل أدهم من السيارة وهو يدعوا ابنه للدخول:
– مش هاتنزل تشرب الشاي حتى ؟
قال بجمود :
– معلش يا والدي خليها مرة تانية.. الدنيا ليلت .
– وافرض حتى الدنيا ليلت مش بيتك ده وبيت ابوك؟ تعالى ادخل انت وصاحبك.
خرج صوت سعد من الكرسي الخلفي :
– خليها مرة تانية ياعم أدهم وانا هاجيبه بنفسي ونقعد معاك .
قبل ان يرد أدهم جاء صوتها المتلهف :
– حمد الله على السلامة ياحج .
سك علاء على فكه غيظًا من وقفتها على باب المنزل بزبنتها المتكلفة وعبائتها البيتيه الخفيفة غير مقدرة لمكانة ابيه الرجل الوقور ..فقال بغيظ :
– عن إذنك ياولدي يادوبك اوصل سعد على بيته دا زمانه والدته قلقانة عليه .
– ماشي ياعلاء ..تصبح على خير .
قالها أدهم وهو يصفق باب السيارة بعنف.. ليذهب الى زوجته التى استقبلته بقلق مبالغ فيه :
– كده برضوا ياأدهم تسيبنى كده على اعصابي وانا هاموت من القلق عليك.. هو إنت إيه اللى أخرك الوقت دا كله ؟
اغلق باب المنزل خلفه قائلًا بسأم :
– بعدين يا نيرمين..هاقولك بعدين ..بس سيبني بس اريح شوية الاول .
مصمصت بشفتيها حانقة وهى ناظرة فى اثره بعد ان تركها وسط البهو الكبير .
…………………
وبداخل السيارة تكلم سعد اَخيرًا بانتباه الى صديقه:
– احسن حاجة عملتها ياعلاء .. عشان انا عايزك فى موضوع ضروري.
– موضوع ايه اللي ضروري ياسعد؟ احنا دخلنا فى نص الليل وانا على أخري.
قال برجاء :
– معلش والنبي ياعلاء اتحامل على نفسك نص ساعة بس واسمعني .
تأثر علاء برجاء صديقه فقال :
– ماشي ياسعد ..تحب نقعد فين بقى ؟
أجاب سريعًا بلهفة :
– عند القهوة اللى ورانا بيتنا ..دي بتبقى فاتحة للصبح .
بعد نصف ساعة وبعد ان سرد سعد ما يطلبه وانتظر رد صديقه الذي بهت وجهه لبعض الوقت قبل ان يقول اَخيرًا:
– انت متأكد من طلبك دا ياسعد ؟
– و انا يعني لو مش متأكد هاطلب منك ياعلاء ؟
كان يحاول جاهدًا انتقاء كلماته :
– ياسعد افهمني ..البت صغيرة اوى عليك .. دا غير كمان ظروف اخوها.
– ان كان على ظروف اخوها فالواض اكيد بكرة يتحسن .. وان كان على سنها فدي مش مشكلة لو انت اتدخلت بشطارتك معاهم ..انا عرفت انهم بيعزوك من معاملتهم ليك.. وحسب ماعرفت انهم عيلة على قدهم ومتوسطة الحال.. وانا زي ما انت عارف ظروفى مشيت كويس دلوقتى وبقيت اكسب كويس من ورشتي .
– ياحبيبي انا عارف كلامك ده بس .. انا بس مش عارف افاتحهم ازاي والله؟
قال برجاء مع اصرار شديد ارتسم على وجهه :
– بقولك إيه ياعلاء ..انا قصدتك وانت صاحبي..ارجوك بقى اقف معايا فى الموضوع ده..انا من ساعة ماشوفت البت وانا قلبي اتعلق بيها.. وبجد بقى لو انت صاحبي بجد وحقيقى توقف معايا في موضوع جوازي من شروق !!
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية عينيكي وطني وعنواني ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق