رواية أوصيك بقلبي عشقا كاملة بقلم مريم محمد غريب عبر مدونة كوكب الروايات
رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الخامس و العشرون 25
“أمي ؛ أنا لستُ مسخًا، أنا لمى… طفلتك !”
_ لمى
إكتئاب ما بعد الولادة …
لم يكن عارض نفسي شائع كما يحدث مع أغلب النساء حول العالم، بل كان له سبب، سبب قوي، تتذكر أنها كرهت طفلتها كثيرًا لما ولدتها، لكنها أجبرت على التظاهر بعكس ذلك، عانت وحدها، خاصةً لإدراكها كيف أتت صغيرتها
تلك الليلة التي زرعها والدها برحمها، لا يمكن نسيانها، بعد محاولات طبيعية فاشلة للإنجاب.. نجحت هذه المحاولة الشنعاء !!!
مجددًا أراد أن يجبرها على القيام بأمورٍ لا ترضي الله، تنافي الفطرة و تسحق الكرامة الإنسانية، فجهرت بالرفض و هي تصرخ بوجهه :
-لأ يا سيف. مش هانعيده تاني. قلت لك لأ. و انت وعدتني إنك مش هاتعمل كده تاني !!
رد عليها باسلوبه الفجّ :
-أنا مايتقاليش أعمل إيه و ماعملش إيه. إللي أنا عايزه بس هو إللي هايحصل.. ماتنسيش نفسك يا حبيبتي إنتي تشكري ربك و تبوسي إيدك وش و ضهر إنك مراتي و إني صابر عليكي و إلا ماكنتيش هاتلاقي راااجل يعبّرك !
ضغطت على عينيها بشدة، استعدت لسماع كلماتٍ أخرى منه على وشك أن تقتلها تمامًا فقط أن تقول هذا :
-انت صح. أنا ماستهلكش. النعمة إللي أنا فيها دي كتير عليا.. طلّقني يا سيف و شوف لك واحدة أشرف مني تتجوزها. طلّقني و ريح نفسك و ريحيني !
تصاعدت الدماء إلى وجهه و هو يغمم بينما جسمه كله يرتجف من الغضب :
-عايزاني أطلّقك عشان تمشي على مزاجك صح ؟ عشان تاخدي إللي مش لاقياه معايا من كل راجل تشوفيه برا …
و صرخت متألمة حين نالت أول صفعة من يده، ثم الثانية هكذا وصولًا إى غرفة النوم، تبكي و تتلقّى الإهانة و الضرب بينما يصيح فيها :
-طول ما أنا عايش مش هاتشوفي الراحة و لا هاتدوقي السعادة يا إيمان. كل يوم في حياتك هايبقى ألعن من إللي قبله. و هاتفضلي طول عمرك مجبرة تعيشي معايا و تمثلي إنك أسعد زوجة. هاتختاري جحيمي و هاترضي بيه غصب عنك و إلا كله هايعرف وساختك. و أولهم أخوكي.. سامعة. أدهم هايعرف كل حاجة !!!
لطالما كان هذا أكبر مخاوفها حقًا
أن يعلم أخيها بالذات
أدركت أنه محق، و فجأة فقدت مقاومتها و استسلمت له، لم يكن بحاجة ليقيّد معصميها بحزامه الآن، لم يكن بحاجة لإخضاعها بهذه القسوة كلها، لقد رضخت طواعية
لم يعزز هذا شيئًا سوى الألم لديها، بينما كان يتفنن بإقامة طقوس مجونه و فسوقه عليها، حقق ما أراد
و بكت هي. بكت، بكت كثيرًا
حتى إنها تاذت هذه المرة و نزفت أنحاء مختلفة بجسمها، كانت الذكرى الأشد سوءًا على الإطلاق
فعل ما فعله، ثم تقمّص دور الحمل الوديع، بعد استنزفها بالكامل، أخذ يتودد إليها و يعتذر عمّا بدر منه، ثم و كأنه يسند شجرةً آيلة للسقوط بقشّة، منحها في الأخير الشكل الطبيعي للعلاقة
و بنهاية الليلة استقرت طفلتها بداخلها …
في اليوم التالي سافر إلى والده من أجل العمل، تركها في عهدة أمها و أخيها، حتى أنه شرط ألا تعيش وحدها بشقتهما بحجة خوفه عليها، لم يعود إلا بعد شهران، عندما زفت إليه أمه خبر حمل زوجته
كاد يطير من السعادة، لم تره “إيمان” أكثر محبةً و لطف هكذا من قبل، و ربما أملت أن يستمر الوضع، لكنه لم يحدث.. فسرعان ما إنقلب عليها من جديد
مثل عادته.. تارةً عنيفٌ و سادي، و تارةٌ أخرى وديعٌ و حنون
لم يكن لديه وسط، كان إما أسود جدًا، أو أبيض جدًا
و بين هذا و ذاك فقدت “إيمان” نفسها و ضاعت متخيّلة ألا هناك مهرب …
_____
كانت تشعر و كأنها نامت لسنواتٍ طويلة.. و ها هي قد استيقظت للتو !
لحظة …
إنها حيّة !!؟؟؟
لماذا بحق الجحيم ؟؟؟
لماذا بعد أن ظنّت بأنه الخلاص… تعود مجددًا !!!!
موصولةً بالأجهزة، و أنابيب الأكسجين بفتحتيّ أنفها، أحسّت بهبوطٍ حاد في قواها، لم تتحرّك بسهولة كذلك فتحت عينيها بصعوبةٍ بينما يخرج صوتها عبارةً عن همهمة …
-إيمـان !
سمعت صوت أمها فوق رأسها، ثم ميّزت لمستها على وجهها و شعرها، أزاحت جفناها بجهدٍ و رأت خيالاتٍ بادئ الأمر
حتى صفت الرؤية تدريجيًا و وضح وجه أمها أمام عينيها ؛
صاحت “أمينة” بتلهفٍ بينما الدموع تفيض من عينيها :
-حبيبتي يابنتي. حمدلله على سلامتك. أنا كنت بموت يا إيمان. من خوفي عليكي.. ربنا رحم قلبي. يارب يطمني عليكي يابنتي ماشوفش فيكي سوء تاني يا إيمان !!
كانت مصابة بالجفاف لدرجة أنها بدأت تبكي دون ذرف دمعةٍ واحدة، ضمتها أمها إلى صدرها مواسية :
-بس. بس يا حبيبتي. اسم الله عليكي.. ماتخافيش أنا امك هنا. جمبك. محدش يقدر يئذيكي طول مانتي في حضني. أنا طول الليل كنت جمبك. ماسبتكيش لحظة !
لم تستوعب “إيمان” إنها غابت عن الوعي ليلةً كاملة، أو لعلها أكثر من ليلة.. لا تدري …
-آ. أ أد هم ! ..تأتأت “إيمان” بمشقةٍ
ردت عليها “أمينة” في الحال :
-بنتك هاتتجنن عليكي. أخوكي راح يجيبها. زمانه على وصول يا حبيبتي اطمني …
و نزحت دموعها بظاهر كفّها قائلة :
-أنا هاروح أدي خبر للدكتور إنك فوقتي. لازم تخرجي من العناية دي. لازم تخرجي من المستشفى دي كلها في أقرب فرصة.. بيتك أولى بيكي يابنتي !
*****
كان يجلس بالمخفر الآن، في قفص الإحتجاز و الأغلال بيديه، لا يدرك أن فمه متوّرم و ينزف ببطٍ جرّاء لكمات ابن خالته، لا زال في نفس الحالة الواجمة التي كان عليها بالمشفى …
تسيطر عليه فكرة فقدانها.. يفكر كيف يمكنه العيش بدونها !؟
بعد ضلّ بعدها لسنواتٍ و عاد ليكتشف بأنها أرضه و قراره
خارطته، وجهته، بوصلته، منارته… إنها امرأة حياته كلها و حبّه الوحيد
لا
سيكون أكبر عقابٌ له
لن يتحمله و لن يقوَ على عيش أيّ حياة !!!
-مـرااااد !
إلتققطت أذنيه نداء والدتها الهلوع، ردة فعله كلها عبارة عن لامبالاة، لم يعير مطلق شيء إهتمام، بينما والديه يقتحمان المخفر معهما المحامي …
ركضت أمه إليه مباشرةً و الفزع يعلو وجهها :
-مراد. إللي حصل ده حقيقي ؟؟؟ ررردددد عليا يا مـراد صحيح إللي خالتك أمينة قالته ده !!؟؟؟؟
لم تحصل منه على أيّ ردٍ، و لم ترى من وجهه شيء سوى أمارات الخواء، فكتمت فمها بكفّيها قبل أن تطلق صراخ الصدمة، ما لبث زوجها أن لحق بها تاركًا المحامي يلج أولًا إلى ملازم القسم ؛
أحاط بكتفيّ زوجته و هو يتطلّع إلى إبنه بغضبٍ مستطير و يهتف من بين أسنانه :
-عملت إيـه يالا. هه. فضتحتنا.. إزاي تعمل كده. كنت بتفكر إزاااي يا حيـوااان. دي بنت خالتـك !!!!
كان “محمود” قد ترك زوجته الآن و إندفع نحو القفص الحديدي محاولًا الوصول لإبنه عبثًا، أتى عسكري ليضع حدًا لتلك المشادّة صائحًا بصرامة :
-ماينفعش كده يا أستاذ. انت مفكر نفسك فين. ابعد عن القفص لو سمحت !
تراجع “محمود” بزوجته مذعنًا للآوامر، في نفس اللحظة يظهر “رامز الأمير” برفقته شخصية معروفة بالمخفر، رجلٌ ضخم أسمر البشرة أعطى أمره للعساكر ليفتحوا القفص حتى يلج “رامز” إلى صديقه …
-مراد إيه إللي حصل ده !؟ .. قالها “رامز” بصوته الأجش ما إن صار بداخل القفص مع صاحبه
أغلق العسكري عليهما، ليقوم “مراد” واقفًا في مواجهته، نظر مباشرةً في عينيه و قال بقتامةٍ :
-رامز.. بعد كل الوقت ده. ماتخيلتش نتقابل تاني في ظروف زي دي !
تنهد “رامز” بعمقٍ متهملًا في ردة فعله و قال :
-أنا حلفت لك. ماعنديش أي فكرة عن كل إللي حصل.. جرى إيه يا مراد. احنا معرفة إمبارح. ده انت صاحبي ياض. صاحبـي !!
عبس “مراد” قائلًا بلهجةٍ ضبابية :
-و عشان انت صاحبي. أنا كلمتك.. قولي يا رامز كنت غلط لما كلمتك !؟
رامز بقوة تنم عن قسوة :
-رامز الأمير بيعرف يقف جمب أصحابه كويس و انت عارف يا مراد..أنا رقبتي ليك
أومأ له و قد لاح شبح ابتسامة على ثغره، دنى منه قليلًا ليسأله :
-الواد إللي اسمه مالك ده. وقع في سكتك إزاي ؟
جاوبه “رامز” على الفور :
-أخوه كان بيسهر مع شلّتنا من زمان. اتعرفت على سيف بعد ما سافرت انت علطول. ماكنش صاحبي أوي بس كان بيجي عندي و كنت بجيب له drug pills من إللي بنوزعها في سهراتنا بس لاقيته دخل في سكة أكبر و غوّط أوي ف قطعت معاه. لحد ما عرفت بعد فترة إنه مات أوفردوز و روحت أعزّي فيه و شفت مالك. من هنا بدأت صحوبيتنا. هو بان جدع و بصراحة ماعرفش اتخدعت فيه إزاي.. فهمني بقى انت إيه الحكاية !!؟
كان “مراد” يصوّغ جيدًا القصة التي سردها صديقه للتو.. بينما الأخير لا يزال بانتظار ردّه …
-مشيّته من عندك ؟ .. سأله “مراد” محدقًا بعينيه من جديد
أومأ “رامز” : مشي بعد ما مشيت انت علطول
-تعرف تجيبه تاني ؟
-سهلة. عايزه فين ؟
رد “مراد” ساهمًا و كأنما يرى لقطةً من المستقبل أمام عينيه :
-في نفس المكان. عندك.. تجيبه و ماتسبهوش غير لما أطلع و أجي لك !
رغم إنه لم يكن واثقًا ما إذا كان سيخرج من هنا …
*****
تم نقلها بالفعل إلى غرفة مخصصة، بعد التأكد من إفاقتها التامة و الإطمئنان على مؤشراتها الحيوية، بعد قضاء أكثر من ثماني عشر ساعة بالعناية الفائقة.. تلقّى “أدهم” البشرى من أمه عبر الهاتف بينما كان يقود في طريقه إلى المشفى
كانت إبنة أخته تجلس في الكرسي بجواره، و قد كفّت عن البكاء بصعوبة بعد أن شرح لها “أدهم” على قدر استيعابها سبب تواجد أمها بالمشفى، دون الخوض في أيّ تفاصيل، نجح في ترويض خوفها على أمها و وعدها أن كل شيء بخير
من جهة أخرى عقله هو لم يكف عن التفكير، كذا لم يكف عن محاولة التواصل مع زوج أخته.. “مالك”… لكن ذاك الأخير لا يرد أبدًا على إتصالاته !
أين هو يا ترى ؟
إن البارحة كلها لغزًا، لن يفك هذا اللغز سوى واحدٌ من ثلاثة.. “إيمان” أو “مالك”… أو “مراد” !!!
على أيّة حال لن يثقل على أخته الآن، لتتحسن حالتها أولًا، ثم لكل حادثٍ حديث، و لن يترك ثأرها أبدًا مهما كلفه الأمر …
-السلام عليكم ! .. قالها “أدهم” و هو يلج إلى الغرفة الخاصة بأخته
تركت “لمى” يدهو ركضت نحو السرير الذي تركض فوقه “إيمان” …
كان “أدهم” يحمل في يده الأخرى حقيبة صغيرة بداخلها بعض الملابس لـ”إيمان” بعثت “أمينة” في طلبها من زوجة إبنها، رتبتها “سلاف” بنفسها و أرسلتها مع زوجها، مضت “أمينة” نحو ابنها و أخذتها منه متمتمة :
-تسلم إيدك يا حبيبي. هات عنك
-مـامــي ! .. هتفت “لمى” بشوقٍ و لهفة على أمها
كانت تقفز محاولة الصعود إلى جوارها، حتى جاء خالها و رفعها على ذراعه لتجلس على حافة السرير بجانب أمها، ثم تراجع للوراء مانحًا إيّاهما بعض المساحة
في هذه الأثناء كانت “إيمان” ترمق إبنتها بغرابة، كانت تراها بعينٍ أخرى، و كأنها تنظر إليها لأول مرة.. لا تعرف لماذا خافت بغتةً !
-سلامتك يا مامي ! .. تمتمت الصغيرة بصوتها الموسيقي الحلو
طوّقت عنق أمها بذراعيها القصيرين و احتضنتها بقوةٍ، ثم ارتدّت لتنظر إليها ثانيةً و هي تقول بتلك الإبتسامة الموروثة :
-بعد الشر عليكي …
إنقبض قلب “إيمان” و هي تحملق فيها، لا يسعها إلا رؤية “سيف”.. “سيف” قام من الأموات الآن و يتجسّد أمامها… حتى أن رائحة الطفلة و كأنها رائحته هو تمامًا تنبعث من خلال شعرها و ثيابها و كل شبرٍ منها
و كأن قنبلة خوف انفجرت بداخلها، شحذت “إيمان” قواها لتدفع بإبنتها من حضنها، لدرجة أن حركته المفاجئة أذتها أولًا و انتزعت الأنابيب التي تحيط برسغيها
سقطت “لمى” فوق الأرض بقسوةٍ و صدمت رأسها …
-آاااااه ! .. تأوّهت “لمى” متألمةٍ و شعرت بالصدمة من تصرّف أمها
بينما يندفع “أدهم” نحوها مسرعًا و هو يصيح :
-إيـــه يا إيمــان. لمــى قومـي يا حبيبتي على مهلك !!!
و تطلّع إلى أخته بغضبٍ، كانت “أمينة” قد تركت ما بيدها و أسرعت إلى إبنتها، أحاطت بكتفيها هاتفة :
-إيمان. مالك يابنتي حصل إيـه !؟؟
إهتاجت “إيمان” و هي تنظر إلى صغيرتها بين أحضان خالها و صرخت بهسترية :
-خدوها من هنا. ابعدوها عنـي. مش عايـزة أشوفهـا مش عايزااااهـااااااااااااااااا …
لكنها لم تصمت، و لم تهدأ أبدًا، و كأن شيطانًا تلبّسها …
-خدها من هنـا. مشيّها. دي مش بنتي. دي بنت سيـف. بنته هـو مش بنتـــي خدهـااااااااااااا …
بدأ صوت بكاء الصغيرة يملأ الغرفة، و ناحت من بين عويلها و هي تكافح ذراعيّ خالها لتحاول العودة لأحضان أمها :
-مامي. أنا لمى. أنا مش عفريتة.. ماتخافيش مني. أنا لمى يا مامي !!!
لم تؤثر فيها مثقال ذرة و صممت “إيمان” على رغبتها بصراخٍ مستميت :
-خدوهـا من هنـا. أنا بكرهـها. بكرهـها و بكره اليوم إللي جت فيه. خدوا بنت سيف من هنا مش عـايزاهــاااااااااااا …
كان هذا كارثيًا على الطفلة أن تسمعه، حتى أن “أدهم” وضع كفّيه على أذنيها لكي لا تسمع ما تقوله أمها، ثم ما لبث أن قام و أخذها بالفعل إلى الخارج
ظل يحتضنها و يهدهد لها ماشيًا بها في الرواق :
-إششش. خلاص يا حبيبتي. ماتعيطيش.. حقك عليا أنا. قوليلي في حاجة بتوجعك !؟
و جلس فوق أحد الكراسي المعدنية و أجلسها فوق قدمه، أخذ يتفحّص رأسها متمتمَا :
-إتعوّرتي و لا حاجة !؟
لكنها تقريبًا لم تكن تسمعه، فغير بكائها الذي غطى على صوته بأذنها، كانت كلمات أمها تتردد على مسامعها مرارًا و تكرارًا.. هذه الطفلة الصغيرة المسكينة
اليوم عرفت ما هي الصدمة !
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية أوصيك بقلبي عشقا ) اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق