رواية حجر ينبض بقلم فريحه خالد
رواية حجر ينبض الفصل الرابع عشر 14
- شيماء!! انتِ لابسة وخارجة علىٰ فين نُص الليل كده؟!!
- رايحة المُستشفىٰ يا بابا ، مصيبة ولازم ألحقها عن إذنك.
- شيماء استنّي بس ، ما ينفعش تمشي من غير أخوكِ ، إحنا نُص الليل يا بنتي.
- عبد الرّحمن برّه يا بابا ، أرجوك أنا مش صغيرة ما تقلقش عليّا ، لازم أمشي بعد إذنك التأخير مش في مصلحتي واللّهِ.
- إيه!! عبد الرحمن برّه؟! طب ثواني أنا هاجي أوصّلك.
لبس بابا وِ خرج معايا وِ أنا كنت متوتّرة وِ كل شويّة أرّن على عبد الرحمن بس تليفونه مقفول ، كنت ميّتة من الرّعب وفي دماغي ألف سؤال وِ سُؤال..
عبد الرحمن رايح لِـصَـالِـح دروِيش ليه؟!
هوّ عبد الرحمن كان عارِف بوجود صَـالِـح دروِيش أساسا!!
والأهم من ده كُله يا ترىٰ إيه المُصيبة اللي عُديّ بيقولي إن عبد الرحمن ناوي عليها؟!!
اتنّهدت بِـصُوت عالي وِ قُلت بقلق :
- يارب استرها.. يااارب.
- مالِك بس يا شيماء مش على بعضك ليه كده يا بنتي النهاردة!؟
وِ مُصيبة إيه اللي في المُستشفى خير بس؟!!
- مفيش يا حبيبي ما تقلقش ، أنا هدخل بقىٰ وِ لما أخلص هرن عليك تيجي تاخدني.
نزلت من العربية وِ في ثواني كنت بجري في الطّرقة اللي فيها أوضة صَـالِـح دروِيش ، قابلني عُديّ وقّفني وِ هوّ بيقولي بارتباك :
- شيماء..
الحقي أخوكِ أبوس إيدك لو حد شم حاجة من اللي بتحصل دلوقتي هنروح كلنا في داهية.
- فيه إيه يا عُديّ ، أنا مش فاهمة حاجة ، إيه اللي جاب عبد الرحمن هنا ، وبيعمل إيه جوه؟؟
- كلّمني من شويّة قالّي إنك تعبانة ومنهارة بسبب حالة في الشّغل وسألني إيه اللي حصل خلاّكِ تنهاري كده..
فَـ أنا حكيتله اللي حصل كُله من أول ما دخلنا أوضة صَـالِـح دروِيش لكلامه الغريب عن إنك ندىٰ ، وِ قلتله إن ده ممكن يكون السبب..
قفل من غير ما يتكلّم كلمة ومعدّاش دقايق ولاقيته قُصادِي هنا وِ دخل الأوضة فجأة وهوّ متعصّب وفي حالة مش طبيعية ، وقافل الباب من جوه ومش عارف أدخله ولا عارف إيه بيحصل جوه!
أبوس ايديكِ يا شيماء اتصرّفي ، أنا مش فاهم إيه اللي بيحصل بالظبط!!
وِ لو دكتور معتز أو دكتور عمر عرفوا حاجة عن اقتحام أوضة مريض بالشكل ده هروح في داهية.
- طب وسّع يا عُديّ أنا هتصرّف ربنا يسترها.
اتحرّكت بقلق لِـ ناحية باب الأوضة ، حاولت أفتحها ما عرفتش ، بدأت أخبّط بهدوء وأنا بقول بتوتر :
- عبد الرحمن إنتَ سامعني؟!
طب لو سامعني ممكن تفتح الباب؟
عبد الرحمن!! أرجوك افتحلي الباب ، وبلاش تعمل أي حاجة ، بالله عليك اهدىٰ وِ حكّم عقلك وما تتصرّفش بتهوّر.
حاولت أزّق الباب ما قدرتش ، هوّ سانده بحاجة قويّة من جوه تمنع اللي برّه يدخل إلا إذا حرّك اللي موجود ورى الباب ، بدأت أعيّط من كتر القلق وأنا بخبّط علىٰ الباب بقوّة وبقول :
- افتح علشان خاطري ماتسيبنيش أموت من القلق كده بالله عليك.
عُديّ كان واقِف جنبي وهوّ مستغرب ومش فاهم إيه بيحصل ، بعد مُدّة صوتي راح من كُتر المناديّة وعيوني دبلت من كتر ما عيّطت ، عُديّ كان بيحاول يفتح الباب هوّ كمان بس عبد الرحمن كان سادد الباب من جوه بِـإحكام ، وِ فجأة..
اتفتح الباب وِ خرج عبد الرحمن..
أول ما خرج حضنته بسرعة ، كان شكله تعبان وِ مُرهق وعيونه وارمة وفيه آثار دُموع على وشّه ، طبطب على ضهري وكلّمني بهدوء وهوّ بيقول بصوت حزين :
- انتِ عرفتِ كُل حاجة مِش كده؟
هزيت راسي من سُكات وأنا لسّه حضناه ، عُديّ دخل الأوضة علشان يطمّن إن ماحصلش حاجة لِـ صَـالِـح ، وِ تقريبًا حس إن فيه حاجة غلط بتحصل فَـحب يسيبلنا مساحة من الخُصوصية ، عبد الرحمن رجع كمّل كلام وِ قال بنبرة صُوت مخنوقة وكإنه ماسك نفسه من العياط بالعافية :
- أنا آسف حقك عليا ، أنا السبب في انهيارك بالشّكل ده ، أنا مقدرتش أحافظ عليكِ وِ أحميكِ مِنُّه.
بعدت عنه خطوة ، مسكت وِشه بكفوف إيدي بحنيّة ، بصيّت بعيوني اللي بتبكي لِـعيونه اللي ورمت من كتر البُكا ، هزيت راسي يمين وشمال وِ أنا بقول بِـحُب :
- أنا اللي آسفة ، حقك علىٰ قلبي أنا ، أنا اللي آسفة واللّهِ.
إنتَ أجمل أخ في الدُّنيا ، إنتَ أكتر حد حافظ عليّا وِحماني.
إنتَ.. إنتَ شيلت مسؤوليّتي وشيلت كل الهموم دي لوحدك من غير ما تحسّسني بأي حاجة!!
أنا اللي آسفة واللّهِ ، أنا اللي آسفة.
رميت نفسي في حُضنه تاني وعيّطت ، وِ هوّ كمان كان بيعيّط كإن جرحه اللي بقاله سنين وسنين بيمثّل إنه مقفول اتفتح فجأة وِ بيوجعه بقسوة!!
دُموعه كانت بتنزل على كِتفي وبقينا إحنا الإتنين نطبطب على بعض.
بعد دقايق بسيطة ، بعدني عن حُضنه لما عُديّ اتنحنح من وراه ، مسح دُموعه وِ مسحلي دُموعي بسرعة ، حاوط كتفي بإيده وِ ادّير لِـ عُديّ وِ قال بصوت حاول يكون طبيعي :
- معلش يا دُكتور عُديّ ، سُوء تفاهم بسيط ، و ما تقلقش المريض اللي جوّه مافيهوش حاجة ، أنا كنت بتكلم معاه كلمتين بس.
عُديّ هز راسه بِـصمت وهوّ بيوزّع نظره بيني وبين عبد الرحمن بقلق ، استأذن عبد الرحمن وأخدني في إيده ومشينا ، كنت بتحرّك معاه من غير ما أتكلّم ، ركبنا عربيّته وِ اتحرّكنا في طريقنا للبيت..
كُـل شوية كنت أحاول أتكلم وكل مرة الكلام يقف على طرف لساني ومأقدرش أقول حاجة ، لحد ما سمعت صُوت عبد الرحمن المبحوح وهو بيقول :
- عندك أسئلة كتير مش كده؟
هزيت راسي وِ ردّيت عليه بابتسامة مُرهقة :
- مايفرقش معايا أي إجابة منهم ، كل اللي يفرق معايا إنك تكون بخير ، وما أشوفكش في الحالة دي أبدًا.
عُيونه دمّعت ، فَـوقّف العربية في حركة مُفاجأة ، جسمي اتحدَف لِـقُدّام ، وِ هوّ مسح بإيده علىٰ وشّه ، حسّيته زي الطّفل الصُّغير اللي يبقى بيبكي وعايز يمنع دُموعه إنها تنزل من غير إرادته فـ كُـل شوية يمسح عيونه بقوّة لعلها تستجيب لإرادته وِ تُقف ، بصلّي وقال بوجع :
- أنا تعبان ، تعبان أوي!!
جرحي اللي دفنته صاحي من سنين وِ سنين اتفتح فجأة وبقىٰ ينزِف بقوّة.
الذّكريات اللي كُنت بجبر نفسي أنساها بتهاجمني بِـشراسة.
كُل حاجة عملتها في حياتي علشانك وعلشان أحافظ عليكِ ، اتهدّت في ثواني وأنا شايفك مُنهارة قُصاد عُيوني بسببه!!
أنا تعبان وحاسس بالهزيمة ، كُنت أتمنّى أموت وما أشوفش وِشّه مرة تانية في حياتي ، كُنت أتمنّى أفضل مخبّي الماضي عنّك عُمري كله وما أشوفكيش بتعاني بالشكل ده!
حط دراعه الشّمال على الدركسيون بتاع العربية وِ سند راسه عليه ، ساب نفسه لِـدُموعه...
حطّيت إيدي على كتفه وقلتله بثبات رغم دموعي :
- طُول ما إنتَ جنبي أنا عُمري ما هَـعاني بسبب أي شيء يكن!
وِ طول ما إنتَ بخير أنا هكون بخير وِ عمرك ما هتشوفني مُنهارة نهائي.
نبرة صوتي اهتّزت وأنا بقول :
- بلاش تشيل فوق طاقتك!
إنتَ ملكش ذنب في أي حاجة حصلت زمان وِ أنا اكتشفتها دلوقتي ، المُذنب الوحيد هو صَـالِـح دروِيش.
عدّى ثواني وهوّ جفف دموعه واتحرك بهدوء بالعربية من تاني من غير ما يقول حرف حتّى!
متأكدة إنه في صراع مع دوّامة من الذكريات جواه دلوقتي.
............
- بابا إنتَ لسه صاحي لحد دلوقتي؟!
- تليفونك مقفول يا أستاذ عبد الرحمن ، ونزلت من غير ما تعرفني حتى ولولا شيماء قالتلي ماكنتش هعرف!
بابا كان واقف قُدام عبد الرحمن وهو متعصب ، وعبد الرحمن كان ساند نفسه بالعافية ، حمحم بهدوء ورد بإحراج :
- معلش يا بابا ، أنا كنت مش مركز ومستعجل ونسيت أبلغك خالص ، وتقريبا موبايلي فصل شحن والله ما أخدت بالي.
- أومال عرفت إن شيماء في المُستشفى إزاي؟ أنا فكرتها رنت عليك تروح تاخدها.
- لأ ، أنا كنت في المستشفى أساسًا.
- كنت في المستشفى!! خير كان فيه حاجة ولا إيه؟!
- آسف يا بابا الصّبح هبقى أتكلم معاك وأفهمك كل حاجة ، أنا مرهق جدا دلوقتي وعايز أنام.
كنت واقفة ساكتة بتابع إرهاق عبد الرحمن الواضح جدا عليه وإنه مش قادر حتّى يطلع الحروف من لسانه ، و عصبية بابا اللي اتحوّلت في ثواني لخوف وقلق في نبرة صوته وهو بيقول :
- يعني إنتَ بخير طيب؟
ابتسم عبد الرحمن وباس راسه وسحبني من إيدي بهدوء وحضنا إحنا الاتنين وقال بتنهيدة :
- أنا بخير دايما طول ما أنتم بخير.
استأذن عبد الرحمن ودخل الأوضة ، بصيت لبابا وقبل ما يسألني على حاجة قلتله بابتسامة ثقة :
- ما تقلقش عبد الرحمن قوّي وعُمر الظروف ما تقدر توقعه أو تهزمه.
- طب انتِ عارفة هوّ كان في المُستشفى ليه؟
- تقريبًا ، بس الأحسن تسمع مِنُّه هوّ ، وِ زي ما قلتلك عبد الرحمن ما يتخافش عليه أبدًا أبدًا ، هوّ يغلب كل حاجة وِما يتغلبش.
استأذنت من بابا وِ دخلت على جوّه ، غيّرت هدومي وحاولت أنام بس ما عرفتش رغم إن يومي النهاردة من أصعب أيامي وقلبلي موازين حياتي كلها إلا إني مش قادرة أغمض عيني..
حاسة إن عيني هتطلع من مكانها من كتر ما عيطت ، وِ راسي هتنفجر من كتر التفكير ، وحاسة روحي مُشتتة بأقصى طريقة ، و الأسئلة اللي ملهاش إجابة بتتردد جوايا ترهقني أكتر..
هوّ أنا مش فاكرة أي حاجة من اللي حصلت زمان وحكهالي الشيخ نوح ليه؟
طب إيه اللي حصل يخلي رحيم وِ ندىٰ صَـالِـح دروِيش عبد الرحمن وِ شيماء منصور البحراوي؟
طب هوّ مين منصور البحراوي أساسًا وليه.. ليه يعمل معانا كل ده؟!!
وِ يا ترى إيه اللي حصل لما عبد الرحمن دخل لِـ صَـالِـح درويش؟
صَـالِـح دروِيش!!
هوّ كمان عنده حاجات كتير كان بيترجّاني أسمعها الصبح!
ممكن كان هيقولي على اللي خايف يعرفوا مكانه ويقتلوه؟
ولا كان هيحكيلي على اللي حصله قبل ما يدخل الغيبوبة؟
أيًّا كان هوّ عنده إيه هوّ مايستاهلش إني أسمعه حتّىٰ..
صَـالِـح دروِيش مايستاهلش من قلبك لحظة شفقة!!
بُصّي لكسرة أخوكِ من ساعات ، بصي لِـدُموع قهرته وِ حزنه لما جروح الماضي اللي كان هوّ السبب الوحيد فيها اتفتحت من تاني وِ وجعته بسببه برضه!!
بُصّي لِـنفسك وِ لِـوجع قلبك وروحك المتكسّرة مية حتّة لمّا عرفتي اللي حصل في أمك وأختك وأخوكِ على إيده زمان!!
لو بإيدي.. كُنت مسحت من ذاكرتي النهاردة بكل تفاصيله المُرّة ، زي ما ممسوح منها كل اللي حصل أيام زمان.
............
- محدّش بيصحيني من النوم غير مُكلماتك يا عُديّ!
إنتَ بتلحق تنام امتىٰ؟ أنا ملحقتش أغمّض ساعتين على بعض واللّهِ!!
- ما هو أنا مش فاهم حاجة يا شيماء ومش هلاقي تفسير غير عندك!
عبد الرحمن إيه علاقته بالراجل اللي هنا ده؟
وانتِ إيه علاقتك بيه وِ بِـ ندىٰ اللي بينادي عليها دي؟
وليه انهيارك انتِ وعبد الرحمن بالشكل الغريب ده بسببه!!
والأهم من ده كله..
ليه طلب يسيب المُستشفى وِ يخرج منها على مسؤوليته أول ما عبد الرحمن أخوكِ خرج من أوضته ، رغم إنه لسه محتاج عناية ورعاية كويسة؟!!!
بلعت ريقي وِ قلت بتردد و خوف :
- هو ساب المُستشفى وِ خرج يا عُديّ؟!
يتبع الفصل التالي: اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: " رواية حجر ينبض" اضغط على أسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق