رواية حجر ينبض بقلم فريحه خالد
رواية حجر ينبض الفصل العاشر 10
أوّل ما فتح باب الشقّة ، شهقت من الخضّة وِ رجعت خطوة لِـ ورىٰ مفزوعة ، وِ قبل ما يدّيني فُرصة أتكلّم ، أو حتّىٰ أم علاء تلحق تتكلّم كان شادِد ايدي مدّخلني لِـ جوّه البيت وِ قافل الباب بِـ كُل قوّته في وِشّها...
كان نفسي عالي وِ بحاول أرجع بعيد عنّه ؛ علشان أحمي نفسي لكنّه كان لسّه قابض على ايدي كإنه مقبض حديد وِ هوّ بيقول بهدوء خوّفني أكتر :
- حذّرتك ولاّ محذّرتكيش يا فيروز؟؟
- هـ... هشرحلك اسمعني بس.. ااااه..
ملحقتش أتكلّم ولاقيت كف ايده بينزل على وشّي بقوة فَـ صرّخت ، وِ مع أول صرخة ليّا لاقيت أم علاء بتخبّط علىٰ الباب جامد وِ تزعق علشان يفتح..
اكتشفت إنها كانت لسّه واقفة قدام الباب ، اتمنّيت تفضل واقفة يمكن مع اصرارها علىٰ الخبط علىٰ الباب يفتح وِ تنقذني منّه ، لكن هوّ مفرقش معاه وفي ثانية لاقيت طرحتي علىٰ الأرض وِ شعري بين ايده وهوّ بيقول :
- رُدي عليا سبق وِ حذّرتك ولا محذّرتكيش يا فيروز؟!!
- اهدىٰ بس واللّهِ كُنت في المستوصف...
وِ لِـ تاني مرّة يقطع كلامي وِ ينزّل قلم علىٰ وشّي ، المرّادي كان أقوىٰ وِ صرختي كانت أعلىٰ ، سمعت أم علاء وهيّ بتضاعِف الخبط على الباب وتزعّق :
- افتح يا صَـالِـح الباب أحسن قسمًا باللّي خلقني أفضحك في نص الحارة وِ أخلّي الناس تيجي تكسر الباب عَلىٰ نافوخك.
اتوسّلته وِ اترجّيته كتير يدّيني فُرصة بس أتكلّم علشان أفهمه لكن هوّ كان أصم وِ أعمىٰ ، مش شايف ومش سامع حاجة من حواليه غير صُوته وِ هوّ بيزعّقلي إني بدأت أتمرّد عليه وِ أنسىٰ أوامره ليّا وِ إنّي بخطط أهرب منّه..
ضربني قلم ورىٰ قلم وِ كل مرة كانت بتبقىٰ أقوىٰ من اللي قبلها ، الدّم نزل من مناخيري وِ بدأت أحس إني هَـ يُغمىٰ عليّا بين ايديه خلاص ، فقدت طاقتي من الضّرب وِ الصّريخ زقّني بعيد عنّه وِ هوّ بيقول :
- حذّرتك يا فيروز.. حذّرتك بدل المرة متين وِ قلتلك لو رجعت البيت ملاقتكيش موجودة هخليكِي تصرفي فلوسك علىٰ علاجك ، حذّرتك من إنك تفكّري تتمرّدي عليا وما تسمعيش كلامي ، حذّرتك إنك تفكّري تهربي منّي ، لكن الهانم كل اللي بتفكّر فيه إزاي تكسر كلامي!!
حاولت أبعد عنّه قدر الإمكان وِ أنا بقول بتقطّع :
- والله مكنش قصدي.. مكنش قصدي إني مسمعش كلامك ، ولا أهرب ولا أي حاجة واللّهِ ، أنا.. أنا رحت المستشفىٰ حتّى أسأل أم علاء.
ضحك بِـ استهزاء وِ هوّ بيبص ناحية الباب اللي هيّ واقفة وراه بتخبّط وتنادي بِصوتها كُله ، وبعدين رجع بصّلي وِ قال :
- انتِ فاكرة إن الفيلم العبيط ده هيدخل عليّا؟! تبقي غبية يا فيروز واللّهِ ، وِ تبقي غبيّة أكتر لو ما نطقتيش وِ قلتيلي كُنتي فين وِ بتخططي لِـ إيه بالظّبط؟؟!!
عيّطت أكتر وِ قلتله بنبرة رُعب من شكّه فيّا :
- واللّه كنت في المستشفىٰ وِ حياة ربّنا كنت في المُستشفىٰ ، دكتور الصيدلية الصبح قالّي لازم أكشف بسبب الترجيع المستمر والألم اللي بحس بيه علشان ممكن أكون حامل ، وِ رحت المستشفىٰ وِ طلعت حامل فعلا ، والله لو مش مصدقني ممكن تيجي معايا تاني تتأكّد من الدكتورة... والله ما بكذب عليك ، ده اللي حصل بالظبط وِ أنا فعلا حامل.
سكت شويّة معرفتش أفسّر سبب سكوته ، حسّيت إنه هَدىٰ لمّا عرف إني حامل ، بس كان رد فعله أسوأ رد فعل شفته منه في حياتي..
اتحرّك ناحية التليفزيون ، وِ سحب فجأة السّلك منّه ، لفّه علىٰ ايده وِ بمنتهىٰ القسوة ضربني بيه ، حاولت أدافع عن اللي في بطني ، كنت بحاول أبعد عنه قدر الإمكان علشان أنقذ اللي جوايّا..
فَديت أي ضربة تيجي علىٰ بطني بِـ دراعاتي وِ ضهري وِ حتّى وشّي لكن هوّ كان اتمكّن منه القسوة وعدم الرّحمة وِ الشّك كمان وصوته كان عالي وهوّ بيقول :
- حامل إيه انتِ هتستعبطيني يا بنت الـكلب ، انتِ فاكراني عبيط هصدّق الهبل ده ، أنا متجوزّك من كام شهر إيه لحقتي تشيلي في بطنك!!!
فاكراني مختوم علىٰ قفايا ، عايزة تغفّليني وِ تهربي منّي يا فيروز!!!
بعينك ، واللّهِ بعينك وِ ما هتطلعي من الحارة هنا إلا علىٰ قبرك ، سااامعة واللّهِ ما هتطلعي إلا علىٰ قبرِك.
سلك التليفزيون وَصل لِـ كل حتّة في جسمي حرفيًّا ، مكنش بيضرب بالسّلك وِ بس ، كان بيساعد بِـ ايده وِ رجله وقعت في الأرض وِ معتش قادرة أقاوم ، وِ معتش قادرة أصرّخ ، كنت بعيّط بِـ صُوت مكتوم..
آخر حاجة حسّيت بيها إنّه ضربني كذه مرّة في جسمي بِـ رجله وبعدها شُفت الدّم بينزل منّي بِـ غزارة ، عيني كانت بتغمّض بِـاستسلام لِـ الدوّامة اللي بدأت تسحبني جوّاها..
ومقدرتش أقاومه وِ هو بيسحبني من شعري يِسحِلني وراه لحد ما وصل لِـ باب البيت اللي أم علاء كانت قرّبت تكسره من كتر الخبط والزّعيق قُصاده..
فتحه فجأة وِ رماني برّه وِ هوّ بيقول بصوت عالي :
- هسيبك تباتي في الشّارع النهاردة يا فيروز علشان تتربي ، وِ عزّة جلالة اللّه لو فكّرتي تُدخلي بيت حد تبيّتي فيه هطلّعك مِنُّه علىٰ قبرك.
قفل الباب بكل قوّة وِ أنا غمّضت عُيوني مُستسلمة لِـ المُوت اللي بصارعُه دلوقتي ، آخر حاجة سمعتها صُوت صويت أم علاء وِ عياطها وهيّ حضناني وِ أنا علىٰ الأرض غرقانة في دمّي..!
.........
بعد مُدّة طويلة ، فتحت عيني بِـصعوبة ، لاقيت نفسي علىٰ السّرير في المُستشفىٰ ، متوصّل بيّا محلول ، اتأوّهت بِـ صُوت عالي أوّل ما حاولت أتحرّك من مكاني ، وِ لاقيت مُمرّضة واقفة قصادي وهيّ بتقول :
- حمد الله علىٰ سلامتك يا مدام فيروز ، قلقتينا عليكي.
- اللّه يسلمك ، مُمكن تقوليلي إيه اللي حصلّي؟!
- انتِ جيتي المُستشفىٰ مُغمىٰ عليكي وِ بتنزِفي وِفيه آثار ضرب وِ جروح في جسمك.
سألتها بِـ سُرعة وِ لهفة وِ الرُّعب اتمكّن منّي في ثواني :
- نزِيف؟؟ أنا.. أنا كُنت حامل ، حامل في الشهر التاني كمان ، هوّ الطفل نزل؟؟
قطعت كلامي بِـابتسامة وِ قالتلي :
- لأ انتِ ربّنا بيحبّك وِ الجنين كويّس ، الضّرب اللي اتعرضّتيله مآذاش طِفلك في شيء ، لكن سببلك نزيف وِ الحمد لله إننا لحقناه بِـسُرعة وِ ياريت يعني لو تاخدي بالك من نفسك لإن مش كل مرّة هتسلم الجَرّة.
كمِّلت بأسف :
- المرّادي قدرنا نلحقك من النزيف ، يا عالم المرّة الجايّة هنقدر نلحقك ولا لأ ، وِ يا عالم طفلك هيكون سليم ولا لأ.
هزّيت راسي بِـ حُزن وِ سألتها :
- طب أنا هنا من امتىٰ ومين جابني هنا أساسًا؟!!
- ياستّي انتِ هنا من حوالي ست ساعات ، واللي جابك هنا راجل واتنين ستّات بس كانوا هيموتوا من القلق عليكي ، وِ رفضوا يروّحوا لحد ما تفوقي ، أنا هطلع أبلّغهم حالا إنك فوقتي.
خرجت ، وِ دخل وراها أم علاء وهيّ فرحانة وِ بتمسح دُموعها حضنتني وِ قالتلي بحُب :
- حمد الله على سلامتك ، حمد الله على سلامتك يا غالية ، حقّك علينا إحنا.. حقّك علينا يا حبيبتي.. حقّك علينااا متزعليش.
كانت بتعيّط وِ أنا كمان عيّطت في حضنها ، بكيت وِ أنا بقولها :
- كنت هموت يا شكرية ، شُفت الموت بعيني علىٰ ايده ، قلتله إني حامل ، و قلبه ماحنّش ولا رحمني وِ رأف بحالي.
- ما تزعليش يا حبّة عيني ما تزعليش ، ربنا ينتقملك منّه شر انتقام بحق اللي عمله فيكي بِـ قسوِته وِ جحوده وِ قلبه الحجر.
خرجت من حضنها وِ أنا بمسح دُموعي وِ بسألها :
- انتِ جيبتيني هنا إزاي؟
- ده أنا فضحته وِ لمّيت الحارة كُلها عليه ، أول ما لاقيتك مرميّة بين ايديا وِ بتنزفي وِ مغمّضة فكّرت بعد الشر حصلك حاجة ، سيبتك وِ جاريت على بره وِ في نص الحارة وِ وقفت أصوّت بكل صوتي :
- يلاااااااهووي الحقوووني يا ناااس..
الحقوني يا أهل الحارة..
الحقوووني صَـالِـح دروِيش قتل مراته..
النّاس كُلها اتلمّت عليّا ، وِ دخلوا معايا لِـ قدّام البيت من جوّه وِ همّا مصدومين من منظرك وانتِ سايحة في دمّك ، لحد ما الشّيخ نوح قال لِـ حد من اللي كانوا واقفين يروح يجيب توكتوك وِ طلب منّي أنا وِ هناء نساعده نركبّك فيه وِ جبناكي علىٰ هنا.
دُموعي نزلت شفقة علىٰ حالِـي ، أخدت نفس عميق وِ بصيت لِـ أم علاء :
- مش عارفة أشكركم إزاي بجد واللّهِ ، من غيركم وخصوصًا من غيرك يا أم علاء كان زماني ميّتة دلوقتي.
- بعد الشر يا فيروز ما تقوليش كده ، ربنا يِمد في عُمرك وتعيشي وِ تربّي ابنك أو بنتك اللي جايين وانتِ في أحسن حال ، وبعدين ده واجبنا معاكِي..
طب تعرفي أم سُميّة اللي هيّ هناء صاحبة محل اللبس اللي في أول الشّارِع ، أوّل ما الدكتور طمّنا إنك كويّسة بس نايمة بِـسبب المُهدّئ ، راحت جابتلك فستان وطرحة عشان تغيّري قبل ما نمشي وِ واقفة برّه أهو مستنيّة تُدخل تطّمن عليكِ..
وحتّىٰ الشّيخ نُوح راح الحارة طمّن الناس هناك ؛ علشان كانوا عايزين يبلّغوا لمّا شافوكي واقعة كده ، وِ رجع تاني وِ قال مش ماشي غير وانتِ معانا ، الحارة كلها مستنيّة تِطّمِن عليكي يا ست فيروز.
شكرت أم علاء بِـامتنان ، وِ وسط حُزني بدأت أشوف بصيص أمل ينوّر الضّلمة جوّه قلبي ، ناس هتكون ليّا عيلة قلقانة عليّا وِ بتحبني بجد..!
دخلت هناء ، وِ عرفت إنها متجوّزة وِ عندها بنوتة عندها سنتين اسمها سُميّة ، دار بينّا كذه حوار إحنا التّلاتة وِ من هنا بدأ يكون بينّا علاقة صداقة حِلوة ، خِلص المحلول ، وِ غيّرت هدومي اللي كانت متبهدلة وِ آثار الدم عليها ، وِ لبست الطرحة وِ الفستان اللي جابتهم هناء وبعدين دخلت انتَ يا شيخ نوح وكان أول مرة أشوفك فيها ، ساعتها قلتلي :
- ازّيك يا بنتي ، حمد الله على سلامتك.
- اللّه يسلمك يا شيخ نُوح ، مش عارفة أشكركم إزاي والله على وقفتكم جنبي دي.
- إحنا اللي مش عارفين نعتذر منّك ازّاي عن اللي حصّلك بسبب حد مننا.
- وانتم ذنبكم إيه يا شيخ ، ده نصيبي والحمد لله على كل حال.
سندت علىٰ هناء وشكرية وطلعت من المستشفى ، بعد ما الدكتور كتبلي على علاج للجروح المُلتهبة في جسمي وِ وشّي ، وِ علاج للكدمات بجانب علاج جديد للحمل والأنيميا..
وصلت الحارة وِ طول الطّريق كنت بفكّر عملت إيه في حياتي عشان أتعاقب بالطريقة عديمة الرحمة دي!!
في عِز شبابي وبقيت مُشوّهة وِ جسمي متكسّر ويا عالم هيحصلّي إيه تاني..
أوّل ما نزلنا من التوكتوك النّاس بدأت تيجي وِ تطّمن عليا وِ تواسيني وِ أنا واقفة في مكاني..
كُنت سعيدة وِ أنا شايفة أي حد شُفته أول يوم نزلت فيه هِنا وِ بصلّي بنظرات احتقار وِ ذلّني لمجرّد إني مرات صَـالِـح دروِيش ، واقِف قصادي بيبصلي بِـحُب حقيقي وبيعتذر منّي وِ بيعرض أي مُساعدة..
كإنُّهم أدركوا فجأة إنّي مُجرّد ضحيّة ليه ، وإنّي مغلوبة علىٰ أمري معاه وِ بعيدة كُل البُعد عن صِفاته..!
وَصلت لحد باب البيت ، السّاعة وقتها كانت تقريبًا عشرة وِ شويّة ، طلبت من هناء وِ شكرية يمشوا وِ أنا هدخل لوحدي ، وتحت اصراري سمعوا كلامي وِ فضلت لوحدي قدام باب البيت..
خبّطت مرّة واتنين و تلاتة بس مفيش رد..
بعد حوالي عشر دقايق ، البوابة اتفتحت وِ ظهر صَـالِـح من وراها وِ هو بيترنّح وِ باين إنه كان بيشم مُخدّرات كَـ عادته ، حاولت أدخل بس منعني وهو بيقول بِـ سُخريّة :
- انتِ لسه عايشة ، أحسبك غورتي في داهية!
- للأسف مكتوبلي أكفّر عن ذُنوبي وِ أفضل عايشة عُمري معاك.
- عارفة يا فيروز مشكلتك إيه؟! مشكلتك إن لسانك أطول منك ، ورغم إنك لسه طالعة من المُستشفىٰ وِ كنتي هتموتي علىٰ ايدي وِ برضه ما حرمتيش ولسّه بِـتقلّي أدبك..
كمّل سُخريته وهوّ بيوسّعلي أدخل وبيقفل البوابة :
- بس وماله ملحوقة ، أنا لسه عند وعدِي ليكِ ، وِ مش هتباتي في البيت النهاردة.
طلع درجتين السّلم وِ وقف قدام باب الشّقة وِ قال :
- أنا دخّلتك من البوابة لِـ أجل بس تفضلي تحت عيني ، لكن مش هتدخلي من باب الشّقة خلّيكي مرميّة زي الكلبة قُدام الباب كده.
اتنفضت في مكاني علىٰ صُوت الباب وهوّ بيقفله ، فضلت واقفة في مكاني شويّة مصدُومة ، وبعدين لاقيت نفسي بستسلم للأمر الواقِع وبطلع درجات السّلم بهدوء وِ قعدت علىٰ جنب الشقّة من برّه ، فكّيت طرحتي ولفّيتها حوالين جسمي علشان ما أبردش وِ ميّلت راسي علىٰ الحيطة وِ نِمت بكل الحُزن وِ الكسرة اللي جوايّا....
.........
- انتِ يا زفتة اتنيّلي خُشّي جُوه حضّريلي الفِطار.
بصّيتله بِـاحتقار غصب عنّي ، بقيت بشمئز من مجرد رؤيته ، ساعدت نفسي وِ قمت بِـ صعوبة من مكاني وِ دخلت البيت..
لمحت آثار الدم في مدخل البيت من جُوه مكان ما سحلني من شعري وأنا بموت في ايده إمبارح ، اتخطّيت المكان وِ رحت أحضّر الفِطار..
- الفِطار جاهز علىٰ السّفرة.
خرج من الأوضة وِ قعد ياكل نادىٰ عليّا قبل ما أرجع المطبخ تاني وهوّ بيقولّي :
- مفيش نزول الشّارِع تاني ، سيبتك أسبوع أهو تعيشي حياتك وتستذكي نفسك بس من النهاردة هقفل الباب عليكي بالمُفتاح وِ أنا خارِج زي ما كنت بعمل.
اتصدمت وِ رجعتله وأنا متعصّبة وردّيت عليه بِـ اندفاع :
- إنتَ إيه يا آخي.. إيييه.. جنس ملّتك إييه!!!
إنتَ استحالة تكون إنسان ، إنتَ شيطان.. إبليس متجسّد في صورة بني آدم ، ظلمك.. واللّهِ ظلمك اللي سمّاك صَـالِـح الأولىٰ كان اسمك يبقىٰ طَـالِـح ، صَـالِـح ازاااي وانتَ حياتك كلها طلاح وِ فساد وِ قرف..
إيه عايز تحبسني وتصرف عليا وعلىٰ اللي في بطني من فلوس حرام!! بعينك بقىٰ يا صَـالِـح وبقولهالك وأنا مش خايفة منك إن شالله أموت في ايدك.. سامعني يا صَـالِـح بعيينك مش هقبل قِرش حرام عليا أو علىٰ اللي في بطني..
وهنزل الشّارع غصب عنك وهشتغل علشان اللي في بطني يعيش عيشة حلال ، كِفاية أبوه مُدمن وتاجر مُخدّرات وفيه كُل الصّفات القذرة اللي في الدنيا ، وِ أعلىٰ ما في خيلك اركبه يا صَـالِـح ، أنا مش هيجرالي حاجة أكتر من اللي جرالي خلاص.
انفجرت فيه بِـكُل اللي جوّايا ، أول مرة من يوم ما اتجوّزته صُوتي يطلع عليه ، أوّل مرة أكلمه بالاسلوب ده ، لكن أنا إنسان عبارة عن طاقة وِ هوّ استنذفها كُلّها ، كُنت متوقّعة إنه هيزعق وِ يقوم يضربني ، عادي متفآجئتش..
سابني وِ نزل بعد ما قضىٰ علىٰ أي حاجة حِلوة جوايّا ، قعدت في رُكن في الصّالة وحضنت نفسي وانفجرت في العياط ، بس فجأة سمعت صُوت خبط علىٰ الشبّاك وِ ناس متجمّعة تحت مسحت دموعي وجريت غسلت وشّي وحطّيت طرحة علىٰ راسي وفتحته واتفآجأت بالمنظر قُصادي...
شكرية وهناء والشيخ نوح ودكتور الصيدلية وستات كتير من الشّارع متجمعين تحت الشباك ، لسّه هتكلّم لاقيت الشيخ نوح بيسألني بخضّة :
- انتِ بِـخير يا بنتي؟!
- أيوة الحمد لله في إيه يا شيخ؟
- انتِ مُتأكّدة إن اللي اسمه صَـالِـح ده معملكيش حاجة؟
- لأ يا أم علاء واللّه أنا بخير الحمد لله أهو.
- أصله طلع من البوابة وقفلها بالقفل من برّه ، فَـ قلقنا عليكي يا بنتي ، اللي شافته أم شاكر وجت قالتلي وأنا قلقت فَـ بلغتهم نيجي نشوفك جوه ولا لأ ونطمن عليكي.
- تسلمي يا أم سُميّة ، أنا الحمد لله بخير متقلقوش ، هوّ قافلها علشان مخرجش أروح في حتّة بس وهوّ مش موجود.
بدأ الكُل يتحرّك بعد ما اطّمن عليّا وفضل معايا شكرية وهناء فَـ سألتني شكرية :
- انتِ معتش هتنزلي تقعدي معايا على الفرشة؟!
- الظاهر لأ ، غصب عني ، قافل عليا الشقة و البوابة وواخد مني مفاتيحي.
- طب افرضي عُزتي حاجة كده ولا كده من تحت مين هجيبهالك وهوّ بره؟
- أي حاجة البيت بيحتاجها هوّ بيجيبها يا هناء ، أنا بس عايزة أجيب الروشتة بتاعة الدكتور لو ينفع حد يجيبها ويناولهالي علشان أبدا آخد الدوا.
- آه طبعا هاتيها وإحنا نجيبهالك.
ناولتلهم الروشتة وِ أصريّت إن أدفع أنا الحساب بعد ما كانوا رافضين ، وفضلت واقفة مستنيّاهم يرجعوا ، وِبعد خمس دقايق..
- الروشتّة أهي ، وكمان الفلوس أهي يا فيروز.
- برضه يا شكرية ، برضه!! أنا مش قلتلك مش هاخد الدوا إلا من فلوسي.
- ما هو مش إحنا اللي دفعنا الفلوس.
- أومال مين مش فاهمة؟
- الدكتور عبد العزيز صاحب الصيدلية ، رفض ياخد مننا فلوس لما عرف إن الدوا بتاعك ، وبيعتذرلك عن ظنه السيّء فيكي قبل كده.
- اشكرهولي بجد يا هناء ، والله ما عارفة أودّي جمايلكم دي فين!
- مفيش جمايل ولا حاجة يا بت ، هتعوزي حاجة تانية بقىٰ ألا المحل لوحده.
- لا سلامتك يا أم سُميّة تسلميلي.
مشت هناء وفضلت واقفة معايا شكرية ، بصتلي وقالتلي بتساؤل :
- أوعي يا فيروز تكوني مش هتنزلي تاني خالص تقعدي معايا ، أنا اتعودت علىٰ وقفتك جنبي في الفرشة.
- للأسف يا شكرية زي ما انتِ شايفة كده ، شكلي مش هشوف الشارع تاني.
- طب وكان ليه يسيبك تنزلي من الأول لما هيرجع يمنعك تاني؟!
- صَـالِـح خايفني أهرب من الحارة ، ميعرفش إني مليش مكان أروحله لو هربت ، ميعرفش إني مليش ضهر أتحامىٰ فيه لو هربت..
كان سايبني الأول علشان كان عارف إن محدش هيشغلني ، ولما عرف إني اشتغلت معاكي علىٰ فرشة الخُضار كان مستنّي الفُرصة اللي يتلكك بيها ويرجع يحبسني من تاني وأهي جتله على طبق من دهب إمبارح.
- طب يعني هوّ بعد ما قعّدك كده ، هيصرف عليكِي وعلى اللي في بطنك ولاّ لأ؟!
- مش عارفة هوّ ناوي على إيه يا شكرية ، هوّ مكنش مصدّق إني حامل بجد وكان مفكرني بكدب عليه وإن دي حجة قلتها والسّلام علشان رحت مشوار من غير إذنه ، بس النهاردة لما رجعت أكدت على كلامي وأكدت عليه إني هشتغل علشاني وعلشان اللي في بطني ، مد ايده عليّا وقالّي كده بالنّص :
- إنتِ وِهوّ متفرقوش معايا بِـشلن ، ونزول من البيت مفيش ولو هتموتي و إذا مكنش عاجبك حيطان البيت كتير.
أنا مش عايزاه يصرف علينا يا شكرية وفي نفس الوقت مش عارفة أتصرّف شوري عليّا.
- طب انتِ ومش هتشتغلي تاني مش عايزاه يصرف عليكي ليه بقى ، مش كفاية عليكي حملك وشغل البيت مُصرّة تشتغلي ليه!
- معلش يا شكرية أنا كده هبقىٰ مستريحة ، بفكّر لو أجيب بالفلوس اللي كنت حايشاها على جنب لفرشة الخضار اللي كنا هنجيبها ليا ، أجيب مكنة خياطة أنا كنت شغالة في مصنع ملابس في الجيزة وأنا في الثانوي وعندي فكرة إزاي أخيّط وأفصّل.
- تصدّقي فكرة يا بت ، هسألك على تمنها وأشوف لو ينفع تتقّسط وأعرّفك.
هزّيت راسي وِ شكرتها وقفلت الشبّاك ، وقفت وراه دقيقة مُبتسمة وأنا بحسس على بطني بحنيّة وبقول :
- تعرف هتبقىٰ الحاجة الوحيدة الحلوة اللي عملها صَـالِـح في حياتي ، صدّقني هعمل كل اللي أقدر عليه علشان أحميك من كل سوء أبوك.
مرّ اليوم زي ما مَر أي يوم قبله ، رتبت البيت وجهّزت الغدا ليه ، وأكلت لوحدي قبل ما يرجع كالعادة من الأكل اللي كنت جيباه لنفسي أول الأسبوع وأخدت الدوا ، وأول ما دخل حضرتله غداه ودخلت الأوضة ، بقيت مش بحتك بيه بأي طريقة تكن ، وأول ما يدخل أشغل نفسي بعيد عنه علشان ميتخانقش معايا..
كنت بقرأ في كتب التفسير والسنة والفقه اللي لاقيتهم في البيت أول ما جيت ، لاقيت فيها مبادئ حلوة أوي يا بخت اللي يتحلّى بيها ، و يابخته أكتر اللي يتعامل مع ناس عندها المبادئ دي!
عدت الأيّام والحال على ما هو عليه ، لحد ما مرة كنت بكلم أم علاء من الشبّاك وقالتلي :
- أنا لاقيتلك مكنة خياطة هيّ مستعملة بس حِلوة و هتنفعك وعلىٰ قد القرشين اللي معاكي مش هتعوزي تقسّطي ولا حاجة.
- حلو أووي يا أم علاء هتجيبهالي امتىٰ؟!
- النهاردة لو حبيتي.
- ومالو ، بس لو صَـالِـح كان هنا خليها عندك النهاردة لحد بكرة ، مش عايزاه يعرف خالص أي حاجة عن الكلام ده.
- طيّب وهدخليها البيت إزاي بقىٰ؟
- من الشبّاك عادي وهخبيها في الأوضة التانية علشان مش ضامنة هوّ هيعمل إيه لو عرف.
- ماشي يا فيروز ربنا يصلحلك الحال ، أنا همشي بقى.
يومها بعد الضهر جابتلي المكنة و أخدتها حطيتها على ترابيزة صغيرة في الأوضة التّانية وحاولت أشغّلها لحد ما عرفت ابتسمت وأنا حاسّة بانتصار..
بدأت شكرية وهناء يقولوا في المنطقة إني بخيّط هدوم بس أي حد عايز يجيلي ، يبعتلي معاهم وهما عليهم يجيبوهالي وبعد ما أخلصها يوصلوهالهم ، علشان صَـالِـح ميعرفش إني بشتغل على مكنة خياطة.
فضلت شغّالة عليها من ورىٰ صَـالِـح وكل حاجة كانت ماشية تمام ، كنت بشتغل عليها وهوّ مش في البيت ، ولإنه مكنش بيدخل الأوضة دي خالص مكتشفش حاجة ، بس برضه كنت بعمل حسابي وقبل ما يجي أخبي أي حاجة معايا تحت السرير وأغطّي المكنة بملاية..
الناس في الحارة كانت متعاونة معايا لأقصىٰ حد ، حتّى الأطفال كانت لما تشوفني واقفة في الشبّاك باخد شغل أو بسلّمه لشكرية أو هناء عشان يدوه للناس ، كانوا بيجروا عليا أول ما صَـالِـح يجي على أوّل الشّارع يعرفوني آخد بالي.
عيشت أول سبع شهور حمل في سلام تام ، محبوسة بين أربع حيطان أيوة ، بس كنت بعمل كل حاجة عايزاها من خلال الشبّاك ، ومكنش فيه أي حد بيتأخر عليّا بل أوقات كان فيه ستات من الحارة لو نازلين السوق يعدوا عليا علشان لو عايزة حاجة يجيبوهالي ، عِرفت وقتها معني حُب النّاس بجد.
وعلى الجانب التّاني صَـالِـح كان مفكّرني سمعت كلامه ، وباكل وبشرب من فلوسه الحرام ، في حين إني بدفع فلوس لقمتي من تعبي ، كنت بستغل أي وقت يكون فيه في البيت في إني أقرأ في الكتب الموجودة ، الأول كنت بقرأ علشان أشغل نفسي بعيد عنه ، بس بعدين بقيت بقرأ فيها علشان أربي ابني أو بنتي على الأخلاق والمبادئ اللي اتعلّمتها من الكُتب دي.
مر شهر كمان ، وكنت خلاص بدأت أتعب أكتر من أي شهر قبل كده ، ومكنتش ببقىٰ قادرة على مجهود الخياطة ومع ذلك كنت مِكمّلة ، كُنت بضغط على نفسي أكمل غصب عني ، أنا هكون محتاجة مصاريف للولادة ، ومصاريف زيادة للطفل اللي جايّ وِ فوق كل ده مش هقدر أشتغل فترة لحد ما أبقى كويّسة ، وفي يوم دخل عليّا صَـالِـح وِ أنا قاعدة على الكُرسي في الصّالة عرقانة وبنهج كإن روحي هتطلع ، فَـ قال :
- قاعدة كده ليه مالك؟!
- حاسّة إنّي هولِد قبل معادي مش مستحملة كميّة الألم اللي في ضهري وبطني ، كإن روحي بتطلع بالبطيء ، أنا لازم أكشف ضروري علشان أنا بدأت التّاسِع خلاص عايزة أعرف هولد امتىٰ.
- امممم وهتكشفي فين؟!
- معرفش ، ممكن أروح المستشفى اللي كشفت فيها لما عرفت إني حامل أو أشوف أي عيادة نسا وِ ولادة هنا.
- طيّب لو هتروحي المُستشفىٰ أو العيادة فَـ في الحالتين مش هتخرجي غير معايا ، هودّيكي وِ أجيبك ومش هتخرجي تاني لحد يوم ما تولدي علشان يكون في علمك بس.
سابني وِ دخل جوّه المطبخ ، قُمت بتعب وِ دخلت وراه كان بيشرب من التّلاجة ، سألته بعيون دبلانة من كُتر التعب :
- هوّ إنتَ بتذلّ فيّا كده ليه يا صَـالِـح؟ أذيتك في إيه علشان تتعامل معايا علىٰ إني عبده عندك؟! حابسني جوّه أربع حيطان ومبشوفش الشمس ، بتشُك فيّا ولو اتنفّست هتقولي انتِ بتفكّري تهربي..
هوّ أنا لو عندي حد أهرب ليه إيه هيخلّيني أستحمل المرار اللي بشوفه منّك ده؟؟؟
إيه هيخلّيني أفضل على ذمّة مُدمن وتاجر مُخدّرات ويا عالِم بيعمل إيه تاني؟!
لو عايزة أهرب منك يا صَـالِـح وحياة اللي خلقني ولا مية قِفل علىٰ باب يمنعوني إني أهرب ، بس إنتَ مش فاهم مش فاهم ولا عارف إني مليش حد غيرك ، من يوم ما دبّستني في مُصيبتك السّوده في الجيزة وأنا مليش حد غيرك...
فَـ متحرمنيش من أبسط حُقوقي يا آخي وخلّيك إنسان ولو لمرّة في حياتك وسيبني على الأقل أنزل الشّارع ، وأشوف الدُّنيا.
قفل باب التّلاجة وقرّب مني ، وقف قُصادي ، كُنت خايفة منه وفي نفس الوقت تعبانة ، مش حِمل المِناهدة معاه خالص ، بدأ يتكلّم بهدوء من غير عصبيّة لأول مرّة معايا :
- عارفة يا فيروز أنا لو سيبت نفسي لِـدماغي وعملت فيكي اللي بفكّر فيه ، مش هتشوفي لا شمس ولا دُنيا تاني ، وِ بكلّمك بِـمُنتهىٰ الهُدوء اللي في الدنيا ارضي يا فيروز ، ارضي بِـنصيبك وِ حياتك معايا زي ما هيّ كده ، لا تسألي بتعمل كده ليه ولا عشان إيه ، وعيشي وسيبي اللي في بطنك يعيش ، بدل ما أفقد سيطرتي علىٰ نفسي وأخلص منكم بسبب لسانك اللي ما بيسكتش.
سابني وِ خرج ، وأنا أخدت نفس عميق وِ خرّجته في مُحاولة منّي أسيطر علىٰ دُموعي اللي مابقتش تنشف من على خدودي ، حطيتله الغدا على السّفرة ومع كل خطوة أخطيها أحس بوخز في ضهري وبطني..
كنت كُل شويّة أمسح العرق من على وشّي بطرف هدومي ، وِ مع آخر طبق حطّيته على السفرة لاقيت نفسي بصرّخ ، في الأوّل أخد ثواني يقتنع إني بتوجّع فعلاً وِ مش بكذب ، وبعدها لاقيته بيناولني طرحتي وهوّ بيقول باستعجال :
- تعالي هنروح المستشفىٰ بسرعة.
- مش قادرة يا صَـالِـح ، بموووت ، مش قااادرة خلاص ، مش قاااادرررة.
طلع بيّا وقتها من البيت والناس اتجمّعت على صراخي جنبي ، معظمهم أدرك إني هولِد خلاص ، وشكرية وهناء جم بسرعة عليّا وركبوني توكتوك مع صَـالِـح ، وقالولي هيجوا ورايا..
كنت بعيّط بعلو الصّوت وِ أصرّخ ، كنت بستغيث بربّنا ، الألم بيزيد بطريقة مش طبيعية ، الوخز بيزيد كإن سكاكين بتخترق بطني تُخرج من ضهري!! خرجت مني آاااه قويّة ، وِ مع كل اللي بيحصل ده مفتكرش إنه اتكلّم وِ فكر يخفّف عني حتّىٰ!!!
وصلت المُستشفى وِ أنا لسّه في نفس الحال ، دخلت أوضة العمليّات ، المُوت أهون عليّا من الألم ده كله..
- يااااا رحيييييم يااارب... الرّحمممة من عندك يارب..
الرّحمممة..
يا رحيييييم.. يا رحيييم..
يااااارب...
كنت بنهج كإني في سباق ، صوت صريخي شايل المُستشفىٰ ، فضلت أصرّخ وِ أعيّط وأنا بقول يارحيم ، فضلت الكلمة علىٰ لساني لحد ما سمعت صُوت صرخة مرافقة لصرختي..
ابتسمت وأنا صدري بيعلىٰ وينزل من المجهود و مسحت عرقي ، وبدأت آخد نفسي ، بصّيت للطفل اللي الدكتور بيخبط علىٰ ضهره أول ما نزل ، وهوّ بدأ يصرّخ ويعيّط حسّيت بانتصار أخيرًا قدرت أحافظ عليك لحد ما أجيبك للدّنيا..
الدكتور وقتها طمّني وقال إني جبت ولد ، وهياخدوه يطمّنوا عليه ويجيبهولي ، دخلت شكرية وهناء وهمّا بيباركولي بفرحة :
- مبرووك يا فيروز ، ألف حمد الله على سلامتك.
- الله يسلمك يا شكرية.
- يتربّي في عزّك يا فيروزة ، الدكتور قال لباباه برّه إنه ولد ، أكيد هيطلع قمر زي مامته.
- حبيبتي يا هناء ربنا يكرمك.
كنت برد بِـ وهن وتعب ، بس فضولي خلّاني سألت :
- هوّ صَـالِـح راح فين؟!
- برّه تقريبًا بيدفع فلوس العملية.
- لأ.
ردّيت بنفي وِ فزع مُفاجئ فَـ سألوا باستغراب :
- لأ إيه؟!
- شكرية أبوس ايدك روحي قوليله ميدفعش ، هدفع أنا مش عايزاه يدفعلي حاجة.
- لا بقىٰ يا فيروز انتِ عبيطة ولا بتستعبطي؟! هوّ ده وقته تعاندي؟ شايفة حالتك يعني تسمح إنّك تتخانقي معاه ومتخلّيهوش يدفع مصاريف ولادة ابنه ده واجب عليه يا بنتي.
- انتِ مش فاهمة حاجة يا شكرية ، طب خلاص أنا هتصرّف لمّا أفوق ، بس محتاجاكم في خدمة.
- قولي؟!
- عايزاكي تروحي البيت تجيبلي هدوم ليّا ، وانتِ يا هناء عايزاكي تجيبلي الشّنطة اللي فيها البطّانية والهدوم بتاعة البيبي اللي كنت موصياكي تجيبيهم وتخليهم عندك لحد ما أولد ، بس أوعي صَـالِـح يعرف إني أنا اللي شرياهم ، لو سألك لو يعني.. قوليله انتِ جيباهم هديّة ليا عشان عندك محل لبس وكده ماشي؟
- ماشي يا فيروز يا حبيبتي ، بس انتِ استريّحي ومتشغليش بالك بِـ حاجة انتِ لسه تعبانة يا حبيبتي وبطنك مفتوحة.
دخل فجأة صَـالِـح وقالّي أول ما عيني جت في عينه :
- حمد الله على سلامتك.
- الله يسلّمك ، مبروك يا صَـالِـح ، إنتَ بقيت أب!!
كنت ببتسم بتعب ، وِ بحاول أوصلّه مشاعر الفرحة بس هوّ ابتسم وهز راسه وسكت فَـ أخدت نفس وقلتله :
- ممكن تدّي أم علاء المفتاح تجيبلي هدوم ليّا من هناك؟!
مقدرش يمنع نفسه إنه يبصلّي بشك حتّىٰ وأنا بطني مفتوحة ونايمة قصاده على السرير بتكلّم بالعافية فَـ كمّلت كلام بصدق واللّهِ :
- علشان عايزاك تفضل إنتَ معايا هنا ، عايزة تكون إنتَ أوّل حد يشيل ابننا.
رغم إني كان عندي احساس إنه ميفرقش معاه ، بس أنا كنت عايزة أخليه يجرب المشاعر دي جايز قلبه يتحرّك ويفتكر إنه بني آدم بيحِس ، هز راسه بعدم اقتناع أوي ، وِ خرّج المُفتاح عطاهولها ، أخدته وِ استأذنت وخرجت هيّ وِ هناء ، يدوب خرجوا وِ المُمرضة دخلت وهيّ شايلاه بين ايديها..
اتعدلت بِـلهفة مصحوبة بِـتعب وِ فضلت مركّزة علىٰ ايديها لحد ما وصلت قُصادي وأنا ابتسامتي مالية وشّي ، ناولته لِـ صَـالِـح اللي أخده بِـصدمة وهيّ بتقول قبل ما تطلع :
- يتربّىٰ في عزّكم ، مبروك عليكم.
ابتسمت لِـ صَـالِـح وهوّ واقف جنبي شايله بِـصدمة وقلتله بابتسامة ولهفة :
- كبّر في وِدنه اليمين يا صَـالِـح.
- ها أعمل إيه؟!
- كبّر في ودنه اليمين ، قول الآذان في ودنه ، قرأت في كتاب إن الرسّول صلى الله عليه وسلم أذّن في أُذن أولاد السيّدة فاطمة بنته يوم ولادتهم.
بلع ريقه وكان متوتّر حطّه علىٰ ايدي وِ هو بيقول :
- خُدي اعملي انتِ اللي عايزاه أحسن.
سمّيت الله وِ أخدته في حُضني أول ما بصّيت ليه وهوّ ملفوف وعيونه مغمّضة وِ شفت ملامحه عيوني دمّعت ، خرجت منّي تنهيدة طويلة نزل بعدها دُموعي وأنا مُبتسمة ، مش قادرة أصدّق إني شايلة ابني علىٰ ايدي ، دفعت كتير أوي لأجل أوصل لِـ اللحظة دي!!
بدأت أقول الآذان في وِدانه اليمين بصوت مهزوز بدموعي ، وِ أخدته في حضني بحمد ربنا عليه ، بعد شويّة بصّيت لِـ صَـالِـح اللي كان قاعد على كُرسي جنبي وقلتله :
- هنسمّيه إيه يا صَـالِـح؟!
- مِش عارف اللي انتِ عايزاه براحتك.
كان بيرد بعدم اهتمام ، رجعت بصّيت لِيه في حُضني وابتسمت وِ أنا بقول :
- هَـسمّيه رَحِـيـم ، لعل ربنا يجعل ليه حظ من اسمه ويبقىٰ قلبه مليان رحمة وِ حنيّة وِ حُب للناس ، وِ ينزع مِنّه الجحود والقسوة وِ الكُره.
رفعت راسي وِ عيني جت في عيون صَـالِـح وكمّلت :
- رَحِـيـم صَـالِـح دروِيش.
هز راسه وِسَكَت وأنا اتمنّيت بيني وبين نفسي إن ربّنا يِـخلق الرّحمة من رَحِم القسوة..
ويخلق الحب والحنيّة من رَحِم الجُحود..
ويخلق إنسان من صُلب حجر..
ويجعل رحيم اسم وِ صفة لِـ ابني في نفس الوقت.
يتبع الفصل التالي: اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: " رواية حجر ينبض" اضغط على أسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق