رواية فداء الروح الفصل الثاني بقلم أمينة يونس
رواية فداء الروح الفصل الثاني بقلم أمينة يونس
لفصل الثاني
أسرعت دلال لفتح الباب لتري ذلك الزائر المتطفل الذي يدق الباب بتلك الطريقة الهمجية التي تُثير الفزع في نفوس أهل البيت
دلال بحدة وهل تمسك بها من أعلي ملابسها : هل هذه أنتِ كان يجب أن أعرف ذلك
حاولت كارلا تخليص نفسها وهي تهتف بتبرم : خالتي لقد كبرت علي تلك الحركة
دلال بغضب وهي ترفع يدها تنوي ضربها : وماذا عن دق الباب بتلك الطريقة ألم تكبري عليه أيضاً
نجحت أخيراً في تخليص نفسها من يدي خالتها وهتفت وهي تركض دون أن تنتظر إجابة : فداء في غرفتها أليس كذلك ؟
ضربت دلال كفيها ببعضهما وهي تتحدث بفقدان أمل : لن تكبر أبداً
دخلت إلي الغرفة وجلست علي الفراش دون دعوة لتجد فداء واقفة أمامها تضع يديها فوق خصرها وتنظر لها بغيظ
تسطحت كارلا علي الفراش بلا مبالاة وهي تشير لفداء بيدها : اجلسي حبيبتي المنزل منزلك
جلست فداء علي طرف الفراش بنفاذ صبر : ألن تتغيري أبداً ؟
هزت كارلا كتفيها بلامبالاة وهي تتناول ثمرة تفاح وجدتها موضوع بطبق جوار الفراش : ولمَ أتغير الحياة قصيرة يجب أن أحياها كما أريد طالما لا أضر أحد ولا أخرج عن حدود الدين ولا العرف
فداء باستغراب : بتلك البساطة ؟
كارلا بتأكيد : طبعاً بتلك البساطة الحياة أبسط مما نتخيل ولكن نحن من نعقد الأمور
شردت في كلمات كارلا قليلاً وهي تفكر أهي بالفعل من تُعقد الأمور أم ما مرت به هو ما يجبرها علي تعقيد الأمور
أفاقت من شرودها علي صوت كارلا
كارلا بتذمر : ألن تدعيني لتناول شيء
نظرت إليها فداء شزراً وإلي طبق الفاكهة الفارغ الموضوع أمامها : وهل أنتِ في حاجة لدعوة ؟
كارلا وهي تَلُك ثمرة فاكهة في فمها : فداء نحن أهل ليس بيننا تلك الشكليات
ضحكت فداء بعدم تصديق : من يراكِ الآن لا يصدق أنكِ تلك المهندسة التي يهابها الكبير قبل الصغير في الموقع
أزاحت شعرها للخلف بغرور بعد أن نزعت حجابها الذي جاءت به وأسدلت شعرها علي كتفيها : تلك قدرات يا حبيبتي
ثم تابعت بنبرة آمرة وهي تشير لها بيدها : أعدي لنا شيئاً نتناوله بدلاً من جلوسك بدون منفعة
نظرت لها فداء وكأن لها رأسان فلم تعيرها أي اهتمام وصبت جم اهتمامها علي الهاتف الذي بيدها ويبدو أنها تدرس تصميم ما
لم تجد فداء بُداً من إعداد بعض الطعام فقد بدأ الجوع يتسلل إليها هي أيضاً دخلت إلي المطبخ لتجد دلال واقفة تجهز الطاولة
دلال بحنان : ماذا تفعلين هنا حبيبتي اذهبي للجلوس مع كارلا وحين انتهي من إعداد الطعام سأنادي عليكما
هزت فداء كتفيها بضحك : تلك أوامر الهانم
عقدت دلال ما بين حاجبيها وهي تبحث عن أي شيء وكأنها تستعد للانقضاض عليها : تلك الفتاة لن تكبر أبداُ وأنا سأربيها من جديد هل أتت لتتأمر علينا في منزلنا
فداء بتهدئة : اهدئ أمي هي لم تفعل شيئاً إن اجمل ما فيها تلك الطفولة التي تعطي لوناً ليومنا ولا تنسي أنها ابنة شقيقتك أكاد أجزم أنها تشبهك في شبابك
قالت تلك الكلمات وركضت من أمامها ابتسمت دلال وهي تتمتم مع نفسها : أنا أشبه تلك المعتوهة
وأخذ يلمع بذهنها بعض اللمحات من الماضي حين كانت طالبة بالمرحلة الثانوية ذات جدائل بنية طويلة تتحرك جيئة وذهاباً مع حركتها كانت فتاة جميلة تسر العين كانت شبه مخطوبة لابن الجيران الذي أحبها منذ نعومة أظفارها وكانت تبادله حباً بحب ولكن حدثت الطامة الكبرى توفي والدها العائل الوحيد لعائلتها وانقطع مصدر دخلهم فقد كان والدها يعمل سائقاً لسيارة نقل فاضطرت والدتها إلي العمل فعملت بمنزل أهل فداء وسافر خطيبها للخارج ليحاول توفير مصاريف الزواج فلا يطلب منها شيئاً لتتراكم الديون علي والدتها فقد اقترضت من عدة أشخاص أثناء مرض والدها وترتب علي ذلك عدم دفع إيجار المنزل فاقترحت عليها الأسرة التي تعمل لديهم لتسديد قروضها فرفضت بشدة ولكنهم أصروا علي أن تخصم من راتبها علي المدي البعيد وتم توفير غرفتين لها ولابنتيها دلال وحنان ومن هنا انقطعت أخبار ذلك الخطيب حب الطفولة والمراهقة لترفض بعدها كل عروض الزواج التي قُدمت لها لتحيا علي ذكري ذلك الحب البريء
أفاقت من شرودها علي صوت فداء
فداء بقلق : أمي هل أنتِ بخير ؟
أجابت وهي تمسح تلك الدمعة التي تسللت من عينيها دون شعور منها حتي لا يلاحظها أحد فتثير التساؤلات : أنا بخير لا تقلقي
فداء : أناديكِ منذ فترة ولا تجيبي فقلقت عليكِ
دلال : يبدو أنني شردت قليلاً
ثم نظرت إليها وتسآلت : هل تريدين شيئاً
هزت فداء رأسها علامة النفي : لا جئت كي أساعد في إعداد الطعام
دلال : حبيبتي أنا علي وشك الانتهاء فلا تتعبي نفسك
فداء بإلحاح : كلا سأساعدك
رضخت لها دلال : حسناً لا مشكلة قومي بتقطيع تلك الخضروات
بعد مرور بعض الوقت أقبلت كارلا : هل أنتم في حاجة لبعض المساعدة
نظرت لها دلال شزراً : هل تذكرتي الآن ؟ ثم تابعت بلهجة آمرة حضري عصيراً طازجاً ثم ابدأي بإعداد المائدة
بعد عدة دقائق التف الجميع حول طاولة الطعام يتناولون طعامهم في جو أسري تسوده المحبة
بعد تناول الطعام جلست الفتاتان علي الفراش تأكلان بعض التسالي وتتحدثان في مواضيع شتي
كارلا بجدية : هل تعلمين فداء أنني قررت الذهاب لطبيبة نفسية ؟
اعتدلت فداء في جلستها ونظرت لها باستغراب : لماذا كارلا أري أنكِ لا تحتاجين لذلك
ابتسمت كارلا ابتسامة مريرة : فداء أنا أحاول أن أبدو بخير لكني مدمرة حرفياً
فداء : كارلا لا تحملي نفسك فوق طاقتها ما حدث لم يكن ذنبك كان حادثاً
كارلا وقد بدأت الدموع تتساقط من مقلتيها : بل أنا من قتلته الشعور بالذنب يكاد يقتلني يطاردني حتي أثناء نومي
احتضنتها فداء وهي تربت علي ظهرها في محاولة للتهوين عليها
استمر بكاءها لفترة طويلة حتي أنهكها التعب فنامت
ساعدتها علي التسطح علي الفراش وقامت بتغطيتها وخرجت لتخبر والدتها لتهاتف والدة كارلا وتخبرها بأن كارلا ستقضي الليلة لديهم
أمسكت دلال بهاتفها لتتصل بشقيقتها حنان
دلال : مرحباً حنان
استمعت إلي الطرف الآخر ثم تابعت : لا تقلقي عليها ستبيت ليلتها معنا لقد نامت تصبحين على خير
نظرت دلال لفداء نظرة ثاقبة تحاول سبر أغوارها لكنها لم تصل إلي شيء فتحدثت : ماذا بها كارلا لماذا كانت تبكي كل ذلك الوقت
تلجلجت فداء في الحديث : هي بخير شعرت فقط أنها بحاجة لذلك
دلال بعدم تصديق : فقط ألا تخفين عني شيئاً ؟
فداء بمراوغة : وماذا سأخفي عنكِ بالطبع لا أخفي شيئاً
ثم شرعت في التثاؤب : أنا أشعر بالنعاس سأذهب للنوم
ثم تركتها ورحلت تنظر في أثرها بشرود تشعر أن هناك ما تخفيه الفتاتان وهو أمر جلل جلست تفكر لبعض الوقت فلم تصل لشيء فقررت الخلود للنوم هي الأخرى
كانت رهف تتحدث في الهاتف مع خطيبها عمر حب عمرها بأكمله
عمر بتنهيدة فرح حقيقية : لا أصدق نفسي أخيراً و بعد كل تلك السنوات خطبتنا نهاية الأسبوع يكاد قلبي يتوقف من فرط السعادة
ابتسمت رهف وقلبها يرفرف من السعادة فأي سعادة تضاهي سعادتها في تلك اللحظة لكنها تحدثت بعتاب : لا تقل ذلك مرة أخري بعيد الشر عنك
عمر : هل تخافين عليّ ؟
رهف : بالطبع عمر وعلي من سأخاف إذن ؟ يكفي أنك قبلت بي علي الرغم
قاطعها عمر بحزم وحدة : إياكي أن تكملي رهف لا تقللي من نفسك لأي سبب فليس هناك ما يعيبك وأنا لا أري غيرك ولا أري أي نقص بكِ
حُبُكِ يَسري في عروقي كالنار في الهشيم ، إن سألتني عن الحب سأقول رهف وكفي ، إن سألتني عن نبضات قلبي سأقول تحيا بحبك ، إن سألتني عن عمري سأقول ما قبلك كان سراب وبدونك الحياة هباء ووجودك هو الأساس
ابتسمت رهف بسعادة وترقرقت الدموع بعينيها فماذا تريد أنثي أكثر من ذلك أن يعشقها حبيبها حد الجنون تكون بالنسبة له الزوجة والصديقة والحبيبة
فتحدثت بصوت متحشرج من البكاء : أحبك عمر وكفي
ابتسم عمر : لو كنت أمامك لمسحت تلك الدموع ولكن تلك الكلمات تكفيني كأنك رويت قلبي الظمآن بعد سنوات عجاف
استمر حديثهم لساعات طويلة من الليل دون كلل أو ملل
كانت عبير جالسة علي الأرجوحة في شرفة منزلها تنظر إلي الفراغ تفكر أنها إلي الآن راضية عما فعلته تمام الرضا دون إبداء أي ذرة ندم ولو عاد الزمن مرات ومرات لفعلتها ثانية هي ليست مذنبة ولكنها استغلت فرصة قُدمت إليها علي طبق من فضة
وإذا كانت قد خسرت صديقتها فقد ربحت ما هو أهم في المقابل فمن وجهة نظرها أنه يجب عليها الوصول لمبتغاها مهما كلفها ذلك من ثمن ومهما فقدت أثناء الطريق المهم أن تصل في النهاية
أفاقت من شرودها علي صوت زوجها فابتسمت بسعادة وهي تركض إلي أحضانه لتنعم بدفء أحضانه فهذا مكانها الذي طالما حلمت به
عبير بحب : حمداً علي سلامتك حبيبي يا لها من مفاجأة سارة ألم تخبرني أنك ستأتي غداً
ابتسم لها تلك الابتسامة التي طالما سلبت لبها : انتهي عملي باكراً فقررت صنع مفاجأة لكِ والقدوم اليوم
ابتسمت له بسعادة : سأعد لك الطعام
قاطعها ممسكاً بيدها مقبلاً راحتها : لا تتعبي نفسك حبيبتي فقد أحضرت طعاماً جاهزاً في طريقي لأستطيع الجلوس معكِ فقد اشتقت إليكِ
هنا وقد وصلت سعادتها عنان السماء فقد عاد مبكراً من رحلة عمله لمفاجأتها وها هو يريحها من عناء إعداد الطعم ليستطيع قضاء الوقت بصحبتها
هو حبها الوحيد مهما مرت السنون والذي بذلت قصاري جهدها للحصول عليه وهي علي استعداد تام لفعل أكثر من ذلك في سبيل المحافظة عليه
أفاقت من شرودها علي صوته : حبيبتي ألن تسألي عن هديتك ؟
ابتسمت بعذوبة وتحدثت بحب : حبيبي أنت هديتي في هذه الحياة ولا أحتاج غير وجودك بجانبي
بادلها ابتسامتها بأخري وهي يخرج من جيب قميصه علبه قطيفة كحلية اللون وقدمها إليها قائلاً بحنان : الألماس للألماس
التقطتها من كفه وبمجرد فتحها حتي شهقت بفرحة حقيقة فأمامها كان سوار من الألماس يتوسطه حبات من الياقوت الأحمر
احتضنته بسعادة وهي لا تزال مبهورة بتلك السوار
بعد مرور بعض الوقت كانا جالسين علي طاولة الطعام يتناولان طعامهم حتي قاطعهم رنين هاتف عبير فأجابت علي الفور لتجد إحدى زميلتها في العمل والتي تجد في النميمة متعتها تخبرها تفاصيل خطبة رهف
نظرت إلي زوجها الذي كان يتناول طعامه بلا مبالاة ظاهرية لكنها لاحظت اهتزاز بؤبؤ عينيه في لمحة خاطفة ولكنها شديدة التركيز في كل ما يخص زوجها
في نهاية الأسبوع كان العمل علي قدم وساق في منزل رهف استعداداً للخطبة المنتظرة فقد تقرر عقد الخطبة في المنزل علي أن تقتصر الدعوة علي الأهل والأصدقاء المقربين
قضت فداء اليوم بصحبة رهف تساعدها فيما ينقصها
رهف بامتنان: شكرا فداء لا أعلم ماذا كنت سأفعل لولا وجودك
فداء بعتاب : لا تقولي ذلك رهف فنحن إخوة وسعادتي بك اليوم لا توصف
في تمام الساعة مساءاً كانت خبيرة التجميل تضع اللمسات الأخيرة علي وجه رهف والتي طلبت منها أن تضع رتوش خفيفة فظهرت بطلة ملائكية في ذلك الفستان الفضي والذي كان محكم حول خصرها فأظهر قدها المثالي وينزل باتساع لتبدو كأميرة من أميرات الأساطير
في حين ارتدت فداء فستان بلون النبيذ الأحمر والذي ناسبها كأنه صنع خصيصاً من أجلها فكان محكم حول جسدها حتي ركبتيها ثم يتسع بعدهما لتشبه عروس البحر في القصص الخيالية
تعالت الزغاريد في المنزل معلنة عن وصول العريس ابتسمت رهف بسعادة ممزوجة بالخجل لتطالع انعكاس هيئتها في المرآة وتبتسم بثقة علي مظهرها الذي نال إعجابها
طلبت منها أن تقف معطية ظهرها للباب حتي يدخل العريس
لحظات وتعالي صوت الزغاريد من جديد لتعرف بأنه خلفها فاستدارت بهدوء وهالها النظرة التي رأتها بعينيه تلك النظرة التي لن تنساها أبداً نظرة رجل يري حلمه متجسداً أمامه في شخصها بعد صراع خاضه للحصول عليها اقترب منها مقبلاً يدها ليخرج ممسكاً بيدها حتي جلسا في المكان المخصص لهما
كانت فداء تتحرك بين الحضور بخفة الفراشة تبتسم بسعادة للجميع غافلة عن تلك العينين التي تراقبها منذ بداية الحفل
في منتصف الحفل قدمت للعروسين صينية الشبكة ليلبس كلاً منهما الخاتم للآخر في سعادة مع تعالي موسيقي أغنية يا دبلة الخطوبة
كانت رهف تتهامس مع عمر حتي أقترب منهما ابن خالتها فادي
فادي : مبارك لكما
رهف برقة : شكر لك فادي العقبي لك
في حين عانقه عمر : العقبي لك فادي
فادي وهو يشير حيث تقف فداء : من تلك الجميلة رهف ؟
ابتسمت رهف بخبث وهي تدعي عدم الفهم : من تقصد ؟
زفر فادي بنفاذ صبر : لا تدعي الغباء رهف أقصد صديقتك التي تلازمك منذ بداية الحفل
عمر بحدة : لا تتحدث مع خطيبتي بتلك الطريقة
ابتسمت رهف برقة : أهدئ حبيبي لم يحدث شيء
نظر إليها وهي يهديها وصلة من الغزل العفيف وهي تبتسم بخجل
نظر إليهما فادي بغيظ : أعذراني علي قطع حديثكما المهم ولكن هلا أخبرتني من تكون ؟
نظرت له رهف بصمت ولامبالاة لعدة دقائق حتي تحدثت أخيراً : إنها صديقتي فداء
نظر فادي حوله يبحث عنها حتي سمع صوت رهف وهي تتحدث ببرود : نسيت أن أخبرك أنها كانت عائدة للمنزل حتي لا تتأخر
كاد فادي أن يضربها في تلك اللحظة ولكنه تمالك نفسه وخرج بغضب
عادت إلي المنزل لتجد دلال تشاهد التلفاز فاستأذنت منها لتبدل ملابسها وتعود علي الفور
وقفت أمام المرآة وهي تنزع ذلك الوشاح ذي الألوان الزاهية والذي لفته حول عنقها في ذلك البرد القارص نظرت إلي انعكاس صورتها في المرآة بشرود وهي تمرر يدها على عنقها تتحسه وهي تتذكر ذلك اليوم
يتبع الفصل الثالث اضغط هنا
تعليقات
إرسال تعليق