رواية فداء الروح الفصل الرابع بقلم أمينة يونس
رواية فداء الروح الفصل الرابع بقلم أمينة يونس
خرج فادي ووالدته ليلي إلي ردهة المنزل بهدوء حتي لا يشعر بهما اللص أو أياً من كان بالخارج في حين اتخذ فادي وضع الهجوم ممسكاً بالمكنسة بحرص وكأنها سلاحه الفتاك وظلت والدته في الخلف تحسباً لأي حركة من الخصم وما إن اقتربا من ذلك الغريب والذي كان معطياً ظهره لهما حتي استدار فجأة فرفع فادي المكنسة ليهوي بها علي رأسه ولكن تعلقت يده في الهواء حين رأي وجه ذلك الغريب
اندفعت ليلي من خلف فادي وهي تركض تجاهه وهي تتلمس وجهه بحنان والدموع تترقرق بعينيها فها قد عاد قرة عينها من سفره بعد أن سافر منذ عدة سنوات لأحد الدول الأجنبية للحصول علي درجة الدكتوراه في الطب
اندس هادي في أحضان والدته وهو يبكي كطفل صغير حُرم من حنان أمه لفترة طويلة وها هو قد عاد لينعم بحضنها الذي افتقده طوال سنوات
كان فادي يتابعهم ودموعه تتساقط فها قد عاد توأمه نصفه الآخر كان هادي قد بقي في أحضان والدته لفترة طويلة وأخيراً ابتعد عنها ليتجه إلي توأمه الذي احتضنه بسعادة و دموع كلاً منهما تتساقط كالشلالات
من قال إن بكاء الرجال ضعف وهل علي الرجل أن يكون تمثال جامد يتحرك كالآلة وفقاً لما تمليها عليه رجولته لا دموع لا مشاعر لا أحاسيس فالرجل يجب أن يظل في إطار معين تبعاً للعادات والتقاليد ومن وضع تلك العادات والتقاليد البالية أليس نحن فمن حق الرجل أن يحب أن يعبر عن حبه
كانت تتعرق وتهذي أثناء نومها أنه نفس الكابوس المزعج الذي يراودها منذ ذلك الحادث الأليم تري نفسها في مكان مجهول تتآكله ألسنة النيران من كل جانب في حين تنظر إليها بعض الوجوه والابتسامة الشامتة علي وجوههم فلم يهرع أي منهم إلي مساعدتها حتي أتي هو من بعيد وهو يمد لها يد العون حتي خرج بها من ذلك المكان الموحش إلي أراضي خضراء شاسعة مترامية الأطراف ملتفة الأغصان يعلو بها صوت تغريد العصافير وعند مد البصر تجد بركة مياه كبيرة تعلوها شلالات المياه الشاهقة الارتفاع من يراها يكاد يجزم أنها جنة علي الأرض كانت مأخوذة بكل ما تري حولها فلم تتبين ملامح ذلك الغريب الذي أنقذها
استيقظت من نومها ومدت يدها إلي الكومود الملاصق للسرير فالتقطت كوباَ من الماء وتجرعته دفعة واحدة استندت برأسها إلي ظهر السرير وهي تفكر في ذلك الكابوس الذي ينقلب في النهاية لحلم جميل والذي ما يزال يراودها إلي ما يقارب الخمس سنوات أغمضت عينيها وهي تتنهد بعمق وقد عادت بذاكرتها إلي عدة سنوات خلت
كانت حياتها تسير علي ما يرام فقد اعتادت الحياة دون والديها وألفت الحياة لدي جدتها بل أحبت مربيتها دلال
وبدأت بدراستها الجامعية وهناك رأته لأول مرة كان طالباً في السنة النهائية لكلية الهندسة ولكن كان لديه بعض الزملاء في تخصصها وكان يأتي لرؤيتهم فتم التعارف بينهما وتوطدت العلاقة حتي وقعت في حبه ووقع في حبها أو كما خُيل لها أخبرته أنها لا تحب الارتباطات الغير رسمية وأخبرها بأنه يحبها بصدق ودمغ حبه بالأدلة حين تقدم لخطبتها كانت السعادة لا تسعها في ذلك اليوم علي الرغم من معارضة جدتها والتي لم تعرف سببها ولكنها أزعنت لها في النهاية
كانت تعيش قصة حب وردية مع فارس الأحلام الذي كان يمطرها
بكلمات من الغزل ويغدق عليها من الهدايا
كانت عبير صديقتها المقربة تسير معها كل خطوة في حياتها وكانت فداء تأتمنها علي كل أسرارها كانت تلاحظ تغيرها في الآونة الأخيرة
فداء بقلق : عبير هل هناك ما يضايقك ؟
أظلمت ملامح عبير لعدة لاحظت فلم تلاحظها فداء : لا تشغلي بالك أنا بخير فقط أشعر ببعض الألم برأسي سأعود للبيت لأستريح وسأكون بخير
قالت تلك الكلمات و رحلت من أمامها
نظرت فداء في أثرها باستغراب ولكنها سرعان ما نفضت الأمر عن رأسها ولم تعيره أي اهتمام حين تجسد أمامها فارس الأحلام وفي يدها ورود حمراء كما تحبها
مد يده بالورود : الورد لا يُهدي إلا للورد
ابتسمت بخجل وهي تسير ألي جواره بسعادة
سارت الحياة علي وتيرة واحدة ولكن علي من ذلك كان يسودها السعادة حتي أتي ذلك اليوم الذي قلب حياتها رأساً علي عقب
فداء بتساؤل : جدتي هل لدينا أم علي ؟
سهير باستغراب : ولمَ تسألين ؟
فداء : أتت علي بالي فقط
صمتت هي وصمتت جدتها بعد مرور بعض الوقت استأذنت جدتها للصعود لغرفتها
كانت دلال قد ذهبت ذلك اليوم إلي أختها لتقضي اليوم بصحبتها
سارت الجدة في اتجاه المطبخ وأخذت تعبث في الأشياء لبعض الوقت حتي وجدت ضالتها ابتسمت بنصر وبدأت في تحضير حلوي أم علي الحلوى المفضلة لفداء وضعتها في الفرن ثم تذكرت أنها نسيت شباك غرفتها مفتوح فذهبت لإغلاقه حتي تعالي رنين هاتفها فجلست علي الكرسي بغرفتها لتجيب علي الهاتف اندمجت في الحديث في الهاتف ونسيت الحلوى في الفرن شعرت بتثاقل جفنيها فاستأذنت من المتصل وراحت في ثبات عميق
لتستيقظ بعدها فداء علي صرخات جدها ودخان يملأ المنزل هرعت من غرفتها لتحاول إنقاذ جدتها ولكنها لم تستطع وللأسف طالتها ألسنة اللهب هي أيضاً
أفاقت في اليوم التالي لتجد نفسها في غرفة بيضاء بدأت تفتح عينيها ببطء حتي تعتاد علي الإضاءة القوية لتكتشف أنها في المشفى والشاش يحيط برقبتها وكلتا يديها
صرخت بفزع وهي تتذكر ما حدث حاولت النهوض لتطمئن علي صحة جدتها ولكن كان جميع جسدها يؤلمها ولا تتحمل آلام الحروق هرعت الممرضة إلي الغرفة لتكتشف سقوطها بجانب الفراش هي تأن بألم ودموعها تتساقط كالشلالات ساعدتها علي النهوض والتسطح علي السرير لتتسآل فداء : أين جدتي ؟
نظرت لها الممرضة بشفقة ولم تعرف بماذا تجيب فحاولت الهروب بعينيها والخروج من الغرفة لكن فداء فطنت للأمر المحتوم وهو أن جدتها لم تنجو من ذلك الحادث الأليم مما يعني فقدها لآخر فرد من عائلتها تعالت صرخاتها حتي شعرت بأن أحبالها الصوتية قد تقطعت
قامت الممرضة بمناداة الطبيب والذي قام بحقنها بحقنة مهدئة لتسقط في نوم عميق
أفاقت من شرودها علي يد توضع علي كتفها لتجدها دلال التي اقتربت منها مقبلة أعلي رأسها : هوني عليكِ حبيبتي
ارتمت فداء في أحضانها و أجهشت في بكاء مرير قاطعهم رنين هاتفها لتجد أنها كارلا أجابت علي الفور لتسمع صوت كارلا المختلط بشهقات بكاءها وهي تخبرها بنبرة يملأها القلق : أمي مريضة ونقلناها إلي المشفى المركزي
قالت تلك الكلمات وأغلقت الهاتف
ضربت دلال علي صدرها وهي تشهق بفزع: يا إلهي أرجو أن تكون بخير
حاولت فداء أن تطمأنها بأنها ستكون بخير
ارتدت كلٌ منهم ملابسها علي عجالة ووصلتا إلي المشفى في وقت قياسي
ركضت فداء إلي الاستقبال تسأل عن غرفة خالتها أجل فهي تعتبرها خالتها وتعتبر عائلة دلال هي عائلتها
وصلت إلي الغرفة لتجد كارلا تجلس علي أرضية المشفى تستند بظهرها إلي جدار الغرفة تضع وجهها بين كفيها وتبكي بعنف
اقتربت منها فداء واضعة يدها علي كتفها وبمجرد أن رأتها ارتمت في أحضانها وتعالت شهقاتها وهي تهتف : هل سأفقد أمي هي الأخرى
ربتت فداء علي ظهرها وهي تشاركها البكاء أما عن دلال فكانت دموعها تتساقط وهي تتمتم ببعض الأدعية فشقيقتها هي من بقيت لها من عائلتها
خرج الطبيب من الغرفة وهو ينظر بشفقة إلي ابنة المريضة والتي لم يتبين ملامحها إلي الآن فهي منذ وصلت إلي المشفى ودموعها لم تتوقف عن الهطول
تنحنح الطبيب معلناً عن وجوده اتجهت الأنظار إليه في حين هبت كارلا من مكانها ودموعها لم تتوقف عن الهطول : كيف حال أمي ؟ هل هي بخير ؟
نظر إليها الطبيب بعيونها المنتفخة من البكاء وأنفها الأحمر كانت تبدو كطفلة تائهة تخشي فقدان والدتها ولا يعلم لمَ شعر بالألم تجاهها : هي بخير لا تقلقي لقد كانت غيبوبة سكر مفاجأة وهي الآن بخير يجب عليكم الاهتمام بها وبمواعيد أدويتها و
لم تتنظر كارلا أن يكمل حديثه وركضت إلي غرفة والدتها للاطمئنان عليها
نظر في أثرها بشرود وهو يفكر في تلك الطفلة التي يبدو وكأن قلبها عاد ينبض من جديد عند سماع أن والدتها بخير
عاد من شروده علي صوت الممرضة : دكتور هادي دكتور هادي لمَ تقف هنا ؟
نظر حوله ليجد أنه يقف بمفرده أمام الغرفة تنحنح بحرج وهو يحاول أن يجلي صوته : كنت في طريقي لمتابعة أحد الحالات
قال تلك الكلمات وتركها وغادر نظرت الممرضة في أثره باستغراب فقد كان يقف بمفرده في منتصف المشفى ويبدو أنه شارد في البعيد
بعد عدة ساعات كانت حنان قد عادت إلي المنزل أراحت كارلا ظهر والدتها علي الفراش وهي تتسآل: هل أنتِ بخير أمي ؟
ربتت والدتها علي كتفها لا تقلقي أنا بخير ولكن أحتاج للراحة سأنام قليلاً
خرجت كارلا من الغرفة وتركت والدتها لترتاح لتجد خالتها في المطبخ تعد الطعام لوالدتها وفداء تجلس علي الأريكة بردهة المنزل
جلست كارلا بجانبها مغمضة العينين وقد أرجعت رأسها للخلف
ربتت فداء علي فخذها : هوني عليكِ هي بخير
تنهدت كارلا بتعب : لقد عشت لحظات من الرعب الحقيقي
بعد مرور عدة أيام كانت كارلا تجلس أمام الطبيبة المختصة تسترجع الأحداث التي كبلتها بعقدة الذنب إلي اليوم
تجمدت في مكانها وهي تري والدها جالساً في جانب متواري عن الأنظار بصحبة أمرأه تكاد تقاربها في العمر ممسكاً بيدها وتعالي أصوات ضحكاتهم
خرج صوتها متحشرجاً من آثار الدموع التي تجمعت بعينيها : أبي
كانت الصدمة جلية علي ملامح والدها فلم يكن يتوقع قدومها في ذلك الوقت ولم يرد أن تشاهده في ذلك الموقف أبداً
وقف والدها وقدماها لا تحملاها كان يتمني الموت علي أن تراه ابنته في موقف كهذا
اقتربت كارلا منه ودموعها لا تتوقف عن البكاء وسألته وهي تتمني أن ينفي حديثها : أبي هل تخون أمي ؟
توقفت الكلمات بحلقه وعجز عن الرد لتصدر تلك السيدة التي لم تتبين ملامحها إلي الآن صوتاً يدل علي السخرية انتبهت لها كارلا ونظرت لها من رأسها إلي أخمص قدميها بتقييم لتحاول أن تجد بها أي شيء قد يجذب انتباه والدها لكنها لم تجد بداً من العلكة التي لم تتوقف عن مضغها وأحمر الشفاه القاني وكمية مستحضرات التجميل التي تضع منها بكثرة وكأنها تضع أخد دهانات الحوائط علي وجهها وفستانها المبهرج أكثر من اللازم وكأنه لعروس لأحد الموالد
أشرت إليها باشمئزاز: هل تلك تستحق أن تكون خائناً بسببها ؟
وضعت تلك السيدة يدها في خصرها وهي تمضغ علكتها: أري أني لا أعجبك ولكن رأيك لا يهمني البتة فمن يهمني رأيه أعجبه وبشدة
نظرت إلي والدها وكأنها تنتظر منه تفسيراً فتحدث أخيراً : حبيبتي اهدئي فأنت لا تفهمين الموضوع
شهقت تلك السيدة بفزع : لماذا تبرر لها أخبرها الحقيقة أخبرها أنني زوجتك
نزلت تلك الكلمات علي رأس كارلا كأنها حمم بركانية ساخنة لا تصدق أن والدها من عاشت عمرها تقدره وتري به الأب المثالي والزوج المثالي وتتمني زوجاً مثله متزوج علي والدتها
لم تستطع كارلا تحمل ما يحدث أمامها لذا ركضت من أمامهم ركض والدها خلفها محاولاً اللحاق بها : كارلا كارلا اسمعيني أولاً لكنها لم تتوقف ولم تلتفت خلفها حتي سمعت صوت اصطدام قوي خلفها فاستدارت لكي تري ما حدث لتجد والدها مسجي علي الأرض بلا حراك اقتربت منه بفزع وهي تصرخ في الجميع أن يطلب أحدهم سيارة إسعاف
بعد عدة دقائق وصلت سيارة الإسعاف وتم نقله إلي المشفى لكن وبمجرد وصوله أعلن الطبيب عن وفاته
الطبيب بعملية : آسف لقد أتي ميتاً
عندما قال الطبيب تلك الكلمات شعرت كأن الأرض تميد من تحت قدميها هاهي قد فقدت السند والدعم فخرجت صراختها متألمة : انتظر أبي لا ترحل لقد تبقي الكثير كي نحياه معاً
لكن هل الدموع تُعيد الموتى ولا حتي الصراخ والعويل فلو كان الأمر كذلك لمَ توقفت عيوننا عن ذرف دموع الألم والحسرة لفقد الأحباء
كم جفت الدموع علي فقد الأحباء ورغم ذلك فالزمن لا يرجع للخلف ومن رحل لا يعود
لم تشعر بنفسها منذ تلك اللحظة إلا عند استيقظت لتجد نفسها علي فراش بارد بالمشفى لتكتشف أنها نائمة منذ عدة أيام بفعل الأدوية المنومة وأن جنازة والدها قد تمت دونها وأن والدتها كانت صامدة قوي بعكسها تماماً
خرجت من المشفى وبقيت صامتة لمدة أسبوع كامل تنظر للفراغ أمامها دون حديث حاولت والدتها أن تخرجها من حالتها تلك ولكن دون جدوي
حاولت فداء الحديث معها عدة مرات لكنها فشلت كذلك ومع ذلك لم تيأس واستمرت في محاولاتها حتي نجحت أخيراً وأخبرتها كارلا ما حدث معها ذلك اليوم كم حاولت فداء التهوين عليها وحاولت كارلا أن تُظهر أنها بخير حتي لا تقلق والدتها ولكن رغم ذلك كان الإحساس بالذنب يقتلها كل يوم وبنفس الوقت رفضت أن تخبر والدتها ما حدث فوالدها قد مات وسيموت ذلك السر أيضاً فلن تقلل من شأن والدها في عين والدتها بعد وفاته أن تذهب إلي طبيبة مختصة
انتهت من السرد لتنظر إلي الطبيبة بتساؤل صمتت الطبيبة للحظات حتي تحدثت أخيراً : كارلا كوني علي يقين أن ما حدث كان مقدر له الحدوث قبل ميلاد والدكِ حتي فلكل إنسان موعد إذا أتي ذلك الموعد لا يتأخر ساعة ولا يتقدم حتي لو لم تذهبي إلي هناك فعمر والدكِ انتهي ولا سبيل للعودة
لا تحملي نفسكِ فوق طاقتها فما حدث قد حدث حتي والدكِ لن يكون سعيداً وأنتِ علي هذا الحال لا تحملي نفسكِ ذنباً لم ترتكبيه
خرجت وهي شاردة في حديث الطبيب لتصطدم بسيدة ما لم تري ملامحها
تمتمت كارلا باعتذار : أنا أسفة لم أقصد
تجمدت كارلا مكانها حين استمعت لذلك الصوت
يتبع الفصل الخامس اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جمبع فصول الرواية (رواية فداء الروح ) اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق