Ads by Google X

القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية فداء الروح الفصل الخامس بقلم أمينة يونس

 رواية فداء الروح الفصل الخامس بقلم أمينة يونس

رواية فداء الروح

رواية فداء الروح الفصل الخامس بقلم أمينة يونس

الفصل الخامس والأخير

خرجت وهي شاردة في حديث الطبيب لتصطدم بسيدة ما لم تري ملامحها

تمتمت كارلا باعتذار : أنا أسفة لم أقصد

تجمدت كارلا مكانها حين استمعت لذلك الصوت والذي ذكرها بذلك الحادث ووفاة والدها

استدارت لتتأكد من هوية صاحبة الصوت

وعندما رأت ملامح وجهها تأكدت أنها تلك السيدة التي كانت شاهدة علي وفاة والدها والتي اختفت منذ ذلك اليوم فلم تأتي حتي لتطالب بحقها في الميراث الأمر الذي آثار استغراب كارلا لكنها لم تسأل حتي لا تثير ريبة والدتها

كارلا : هل هذه أنتِ ؟ وأين كنتِ طوال تلك المدة ؟ ولمَ اختفيتِ وقت الحادثة ؟

نظرت لها السيدة بتدقيق حتي تبينت ملامحها : كارلا

كارلا بنفاذ صبر : نعم

السيدة : أنا صباح وكنت زوجةً لوالدكِ

كارلا بغضب : أعلم ذلك ولكن لماذا هربتِ ذلك اليوم عندما صدمت أبي السيارة ؟

صباح وهي تحاول تهدئة كارلا : اهدئي وأنا سأخبرك كل شيء ولكن لنجلس بمكان هادئ أولاً

حاولت كارلا التحلي ببعض الصبر وهي تذهب خلفها

وصلت كلتاهما إلي كافتيريا في مكان هادئ سحبت كارلا كرسياً وجلست مقابل صباح

بدأت صباح تحكي ما حدث معها : في اليوم الذي رأيتني فيه بصحبة والدكِ كنا قد تطلقنا

وقعت الكلمات علي أسماع كارلا كالطلقات فتحدثت بصوت متحشرج: كيف ذلك ؟

صباح بدموع محبوسة : كان والدكِ يعتبرني خطأ في حياته قام بها في لحظة تهور وقرر أن يصلح ذلك الخطأ

نظرت لها كارلا باستفهام : وكيف أصلحه ؟

صباح بجمود: بتطليقي

كارلا بغضب : ولماذا أخبرتني بأنكِ زوجته

صباح بدموع : كنت ذاهبة إليه في ذلك اليوم ليردني إلي عصمته ولكنه رفض بشدة ففكرت أنني إذا قلت أنني زوجته أمامكِ سيضطر أن يردني

كارلا بثورة عارمة : يا لكِ من

كادت أن تسبها سبة ناحية ولكنها تراجعت علي الفور فتلك ليست تربيتها قررت أن تنصرف من أمامها قبل أن ترتكب جريمة لكن ما إن همت بالانصراف حتي سمعت صوت صباح يتعالى : والدك لم يمت بسبب الحادثة

كانت تلك الكلمات بمثابة صدمة جمدت أوصالها فاستدارت علي الفور وجلست بمقعدها ثانية : ماذا تقصدين ؟

ازدرت صباح ريقها وعادت بذاكرتها إلي ذلك اليوم

بعد ذهاب الجميع إلي المشفى وقفت للحظات تحاول الاستيعاب ثم تحركت أخيراً في اتجاه المشفى وصلت إلي المشفى لتجد أن كارلا قد تم نقلها إلي غرفة أخري سألت الطبيب عن حالة المريض الذي وصل إلي المشفى في حادثة فهي تعمل في المقهى الذي يمتلكه

الطبيب بأسف : أنا آسف فقد جاء ميت

تساقطت الدموع من عينيها : ولكن الصدمة لم تكن قوية لتلك الدرجة

الطبيب بعملية : سيدتي المتوفي كان يعاني من ورم ليفي في الكبد أنا أعرفه فقد كان يتابع معي

صباح باستغراب : ورم ! ولكن ما علاقة ذلك بالحادث ؟

الطبيب : سيدتي المتوفي مات قبل حتي أن تصدمه السيارة فهو لم يمت بسبب الاصطدام بدليل عدم وجود أي آثار للدماء علي جسده

عادت صباح إلي أرض الواقع بعد أن انتهت من سرد ما حدث في ذلك اليوم

كانت الصدمة مرسومة علي ملامح كارلا وهي لا تكاد تصدق ما تسمع فطوال المدة المنصرمة كانت تحمل نفسها ذنب موت والدها وأنه لولا خروجه خلفها لمَ صدمته السيارة انفرجت شفتاها عن ابتسامة باهتة

سيظل ألم فقد والدها يلازمها طوال حياتها في كل موقف تحتاج إليه في كل موقف تشعر بالنقص من عدم وجوده حولها في زفافها وهي تبحث عنه بكل الوجوه في كل تفاصيل حياتها القادمة والتي مهما بلغت سعادتها فيها سينقصها دوماَ وجوده لكنها قد تحررت أخيراً من عقدة الذنب والتي لازمتها طويلاً

حملت حقيبتها وانصرفت وهي عازمة علي ترك الماضي دون النبش فيه ثانيةً فأياً كان سبب زواج والدها من صباح أو تطليقه لها فهذا لا يعنيها وسيظل والدها في النهاية أعظم الرجال يحيا في قلبها حتي الرحيل لتلحق به في أعالي الجنان في معية الرحمن الرحيم

كانت قد قررت الرحيل مبكراً اليوم فقد انتهت من إلقاء محاضراتها لليوم لتجد رهف تجرها من يدها إلي قاعة المؤتمرات بالجامعة حيث تم استضافة المهندس ومصمم الأزياء المشهور فادي رضوان ليتحدث عن أحدث تصاميمه وبداياته كمصمم ليكون قدوةً للشباب الصاعدة طاوعتها فداء فالمهندس ابن خال رهف لذا أصرت علي حضورها سارت خلفها وهي متأكدة بأنها ستشعر بالضجر والسأم وربما النعاس أثناء حديث ذلك المهندس الذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة خصوصًا بعد تصميمه لعدد من المشاهير كانت قد رأت صوره علي مواقع التواصل الاجتماعي والكثير من اللقاءات التي تم استضافته بها وكذلك رأته بخطبة رهف جلست علي كرسي في المقدمة برفقة بعض الزملاء والعجب لم تشعر بالسأم مطلقاً بل كان جل اهتمامها منصب عليه لا تعلم لمَ تشعر بأن هناك رابط خفي يربط بينها وبين ذلك الفادي رغم أن هذا هو اللقاء الثاني لهما كما أن صوته ليس بغريب علي أذنه فقد سمعته من قبل ولكن لا تتذكر أين

انتهي المؤتمر والتف الطلاب حوله منهم من يريد نصيحة ومنهم من يريد توقيع ومنهم من يريد صورة وبعض الفتيات تتهافت عليه وتحاول التقرب منه

كانت واقفة بصحبة رهف فقد طلبت منها الانتظار معها حتي تسلم عليه كانت تعض علي شفتها السفلي غيظاً وهي تري تصرفات تلك الفتيات لطالما كرهت ذلك النوع من الفتيات الذي يتودد للرجل الوسيم

تباً هل قالت عنه وسيم للتو هي بالتأكيد لم تقصد نعته بالوسيم رفعت أنظارها لتتأكد من وسامته وياليتها لم ترفعه فقد ضبطها بالجرم المشهود وهي تنظر إليه فابتسم لها ابتسامة جذابة أظهرت حفرة في وجنته اليمني

بعد قليل اقترب منهم وتلك الابتسامة تزين ثغره سلم علي رهف وتحدث معها لثواني ثم اتجه بأنظاره إليها ماداً يده للمصافحة وتحدث بصوت رخيم : مرحباً آنسه

ترددت للحظات في مد يدها ولكنها حسمت أمرها وحاولت أن تجلي صوتها فأجبت دون مد يدها : مرحباً سيد فادي أنرت الجامعة

كانت يده لا تزال ممدودة فتنحنح بحرج حين أدرك أنها لن تمد يدها بالسلام : منيرة بوجودكِ آنسة فداء

ضغط على حروف اسمها وكأنه يخبرها أن الجامعة منيرة بوجودها هي دون غيرها

هزت رأسها دون إجابة وابتسامة خجولة تزين ثغرها

شعرت ببعض التعب فهمت لرهف ببعض الكلمات وهي تستأذن للرحيل لكن وبمجرد تحركها شعرت بأن الأرض تميد من تحت قدميها وسقطت مغشياً عليها

صرخت رهف بفزع وهي تحاول إفاقتها أما هو فالصدمة قد جمدته للحظات لكن سرعان ما استعاد ثباته فحملها سريعاً وتم نقلها إلي المشفى أستند علي الجدار بالمشفى ليتذكر موقف مشابه قبل عدة سنوات وهو يحمل فتاة راكضاً بها بين أروقة المشفى

أفاق من شروده علي صوت الطبيب : زوجتك بخيرٍ سيدي لا تقلق لقد انخفض ضغطها فجأة وقمنا بتعليق بعض المحاليل لها

حاول أن يصحح المعلومة لذلك الطبيب ولكن رهف لم تعطه فرصة حين تحدثت بقلق : هل أنت متأكد أنها بخير

الطبيب بتأكيد : بالطبع هي بخير لا تقلقي

رهف : هل بإمكاننا رؤيتها ؟

الطبيب : لا مشكلة

قال تلك الكلمات وانصرف حاول فادي الحديث والسؤال عن شيء ما ليتأكد مما يجول في خاطره ولكن قاطعه مجيء عمر خطيب رهف والذي يبدو أنها اتصلت به

دخلت رهف للاطمئنان علي فداء أولاً وضبطت لها حجابها لتسمح لهم بالدلوف

عمر : حمداً علي سلامتك فداء

فداء بتعب : شكراً لك عمر سلمك الله

فادي بقلق : هل أنتِ بخير آنسة فداء ؟

فداء : أنا بخير سيد فادي شكراً لك

كان يشعر بالغيظ يتصاعد بداخله لمَ تتحدث مع عمر بتلك الأريحية بل وتنادي اسمه مجرداً في حين تصر أن تسبق اسمه بكلمة سيد وتكررها في كل جملة حتي أشعرته أن اسمه الأول سيد سخر من نفسه علي هذا التفكير فالحديث بينهما لم يدم سوي لبضع دقائق

أفاق من أفكاره علي صوت رهف التي هتفت بتساؤل: هل أنتِ متأكدة أنكِ بخير فداء

فداء : أجل أنا بخير وأريد العودة للمنزل حتي لا تقلق أمي

لم يستطع منع نفسه من السؤال الذي يراوده منذ حملها بين ذراعيه فحاول انتقاء الكلمات المناسبة : آنسة فداء هل تعرضتِ لحادث سير منذ عدة سنوات

جمدتها الكلمات للحظات وهي تعيد إليها ذكريات جاهدت لنسيانها الآن تذكرت أين سمعت ذلك الصوت قبلاً إذن فقد رأها في أكثر لحظاتها ضعفاً حين كانت السواد يخيم بظلاله علي حياتها نفضت تلك الأفكار عن رأسها وحاولت أن يخرج صوتها طبيعياً فأجابت بجمود : نعم

ولم تضف كلمة واتجهت بأنظارها إلي رهف : رهف هلا ساعدتني علي النهوض

ساعدتها رهف علي النهوض فاستندت عليها واتجهت للخروج كان يشيعها بنظراته وهو لا يعلم هل ضايقها بسؤاله ؟ هل تضايقت لأنه بات يعرف بذلك السر عن حياتها وأنها حاولت الانتحار يوماً لكنه لم يحكم عليها أبداً فربما كُتب لها عمراً جديداً حتي تكون أقوي مما كانت عليه

أفاق من شروده ليجد أنه بمفرده في الغرفة وأن الجميع قد غادر ركض للخارج ليجدها تستقل السيارة بصحبة رهف وخطيبها

رأي أنه يجب عليه الانسحاب الآن وأن لا يتبعهم وبالفعل ذهب باتجاه سيارته وجلس فيها مستنداً إلي عجلة القيادة ليتذكر ذلك اليوم قبل عدة سنوات حين كان ذاهباً باتجاه المطار وقد رأي فتاة ترمي بنفسها أمام سيارة تتحرك بسرعة كبيرة حاول منعها لكمه لم يفلح رأي السائق وهو يضغط على المكابح في محاولة منه لإيقاف السيارة لكنه لم ينجح أيضاً ولكنه نجح في تقليل السرعة صدمتها السيارة ولكن لم تكن الصدمة مميتة حملها بمساعدة ذلك السائق وتم وضعها في السيارة ليتم نقلها إلي المشفى كان بين الفنية والأخرى يضرب ضربات خفيفة علي وجنتها وهو يناديها آنسة آنسة أفيقي

ولكنها لم تستجب فقد كانت في عالم آخر تري به والديها وجدتها

وصلوا إلي المشفى وتم نقلها مباشرة لغرفة العمليات نظر إلي ساعة يده ليجد أن الوقت أزف وسيفوت طائرته فهو مرتبط بمواعيد وبمؤتمر يجب عليه حضوره اضطر إلي الرحيل بعد أن تبرع لها بالدم فقد نزفت الكثير من الدماء رحل وترك قلبه معلق بتلك الفتاة الغريبة

عاد إلي الواقع علي أصوات أبواق السيارات ليجد أنه يقف بمنتصف الطريق أدار عجلة القيادة وتحرك في اتجاه المنزل

وصلت إلي المنزل لتطمئن دلال عليها ودخلت إلي غرفتها لتستريح لكن ما لبست أن خرجت بعد بعض الوقت مرتدية كامل ملابسها في طريقها للخروج لتجد دلال تسألها باستغراب : إلي أين أنتِ ذاهبة حبيبتي يجب أن ترتاحي اليوم

دنت منها مقبلة أعلي رأسها : لا تقلقي أنا بخير سأذهب فقط لطبيبتي النفسية ولن أتأخر

دلال بقلق : ولكن حبيبتي

فداء وهي تحاول أن تطمأنها : لن أتأخر حتي تجهزي الطعام سأكون قد عدت

هزت دلال رأسها بيأس فهي تعلم أنها لن تخبرها علي البقاء في المنزل: حسناً ولكن سأتصل للاطمئنان عليكِ ولا تتأخري

هزت فداء رأسها بالإيجاب: حسناً

خرجت فداء من المنزل في اتجاه الطبيبة لتجد العيادة فارغة فتدخل علي الفور جلست أمام الطبيبة بصمت حتي قاطعها صوت الطبيبة : لم تخبريني ماذا حدث بعد وفاة جدتك

عادت فداء بذاكرتها إلي ذلك اليوم الذي استيقظت فيه لتكتشف وفاة جدتها وتم تنويمها بفعل الأدوية

استيقظت في اليوم التالي لتجد دلال تجلس علي الكرسي المجاور لفراشها تقرأ آيات من الذكر الحكيم

دلال بقلق : هل أنتِ بخير حبيبتي

تجمعت الدموع بمقلتيها لكنها أجابت : أنا بخير

نظرت حولها للحظات ثم تسآلت : أين هو ؟

تهربت دلال من الإجابة : هل أحضر لك الفطور ؟

تجاهلت فداء سؤالها : هل هو بالخارج ؟ اعتدلت في جلستها وهي تتابع اسمحي له بالدخول

لم تجد دلال بُداً من إخبارها بالحقيقة دنت منها وهي تمد يدها بمظروفٍ مغلق

كانت فداء تقلبه بين يديها وهي تتسآل باستغراب : ما هذا ؟

دلال وهي تتظاهر بالجمود: افتحيه

لا تعلم فداء لمَ شعرت بالقلق يتسلل لها بدأت تفتحه بتوتر لتجد بداخله رسالة لتبدأ في قرأتها

" فداء يشهد الله أني أحببتكِ بصدق لكن يبدو أن حبي لم يكن كافياً لأستمر في هذه العلاقة أنا أنسحب وهذا في مصلحتك فمهما حاولت كنت سأنسحب يوماً ما لذا اخترت أن يكون اليوم قبل غد فنحن مازلنا في البداية أتمني لكِ كل السعادة مع شخص يحبكِ ويقدركِ كما أنتِ وذلك الشخص بكل أسف ليس أنا "

كانت تقرأ الرسالة والدموع تنساب من مقلتيها لا تصدق أنه تخلي عنها في أحلك ظروفها وأصعب لحظاتها من كانت تظن أنه الداعم والسند كان أول من خذلها يا الله ما أقسي ذلك الشعور حين تكون الطعنة من حيث لا نتوقع صدق من قال إن المواقف تُظهر معادن الرجال لا يمكن حتي وصفه بكلمة رجل فلو كان رجلاً هل كان سيترك خطيبته في موقف كهذا بعد أن فقدت كل قريبِ سواه

كادت أن تضع الرسالة في المظروف مجدداً لتفاجئ بحلقة فضية هي ما يربط بينهما وكأنه بذلك يمزق ذلك الرباط فتتلاشي بينهما العلاقات والروابط

لم تكد تفق من تلك الصدمة حتي وصل إليها خبر خطبته لأعز صديقة لها أو من كانت تعتقدها كذلك والتي كانت تضع لها الأعذار لعدم السؤال عنها طوال الفترة المنصرمة لتكون الطامة الكبرى حين يطلب موظف الشئون القانونية بالشركة التي تركها والديها والذي كان يديرها أحد أصدقاء والدها مقابلتها

الموظف : آنسة فداء يؤسفني أن أخبرك أن السيد بهاء قد أخذ قروض بمبالغ طائلة بضمان الشركة وقد تم الحجز عليها ولن تفي بالمبلغ لذا سنضطر إلي بيع القصر

إلي هنا وفقدت كل قدرة علي الاحتمال اختطف الموت جميع أهلها تركها خطيبها بعد أن أصيبت بحرق والآن فقدت كل ما تبقي لها بعد رحيل والديها ركضت من المشفى لترمي بنفسها أمام أول سيارة ظهرت في طريقها ليتم إنقاذها علي يد شخص لم تعلم عنه سوي صوته الذي كان يسألها عن حالها بلهفة وقلق لتخرج بعد ذلك الحادث وقد تغيرت تماماً من قطة ناعمة إلي لبؤة شرسة تدرس وتعمل تعيش مع دلال التي أصبحت بمثابة أمٍ لها حتي قابلته اليوم مجدداً من أنقذ حياتها ذلك اليوم اليوم الذي تحاول جاهدة نسيانه فهي إلي الآن لا تصدق أنها أقدمت علي تلك الخطوة وفكرت في الانتحار أي تفكير هي لم تفكر مطلقاً فقد تصرفت دون تفكير تحمد الله أنها نجت من ذلك الحادث للتكفير عن ذنبها ليعود هو ويكون شاهداً علي أكثر لحظاتها ضعفاً وانكساراً كيف سيفكر بها الآن

عادت إلي الواقع علي صوت الطبيبة وهي تتسآل بخبث: هل ما يضايقكِ عودة ذكريات تلك الفترة أم أن فادي كان شاهداً علي لحظات اندفاعكِ وتهوركِ

ظهر الاستغراب جلياً علي ملامح وجهها وهي لا تصدق أنها شفافة أمامها لتلك الدرجة نظرت أرضاً ولم تجب

ابتسمت الطبيبة وتابعت وهي تعدل نظارتها : فداء حينما لا يؤثر ماضيكِ علي حاضركِ وقتها فقط يمكننا القول أنكِ تجاوزتِ الماضي بكل ما فيه حين تنظري لانعكاس صورتكِ في المرآة وأنتِ تبتسمين عندما يدخل حياتكِ شخص يشعركِ أنكِ أجمل أنثي رأتها عيناه حينها فقط سترمي بالماضي وراء ظهركِ وأعتقد أن ذلك وشيك

كان جالس في مكان هادئ يفكر في حياته يسترجع ذكرياته حينما كان طالباً في السنة النهائية من كلية الهندسة وكان ذاهباً للقاء بعض أصدقائه والذين كانوا معها بنفس الكلية وهناك رآها لأول مرة سلبت لبه فقرر الحديث معها وزاد القرب بينهما حتي تقدم لخطبتها كان كل شيء يسير علي ما يرام سوي نظرات صديقتها له والتي كانت تبدو مريبة لكنه كان يتجاهلها حتي أتي ذلك اليوم الذي اتصلت به دلال مربيتها تدعوه إلي المشفى وهناك تفاجئ بما حدث انتهي من الأوراق اللازمة لدفن جدتها وتم الأمر بسهولة ويسر يومها عاد إلي المشفى مسرعاً ليطمئن علي حالتها يومها أخبره الطبيب بالحرف أن الحروق ليست هينة وتحتاج إلى صبر وإيمان وتحتاج إلي جراحات مكلفة وقد تبقي بعض الندبات حتي بعد الجراحة

يومها جلس مع نفسه طويلاً يفكر هل سيتحمل هل يستحق حبه لها أن يفني سنوات من عمره لعلاجها والأدهى من ذلك هل حبه لها كافي ليكمل باقي عمره معها وإن لم تُشفي تلك الندبات بعد تفكير دام لساعات اهتدي إلي أنه لن يستطيع التحمل ربما حبه ليس كافياً ربما هو عديم المسئولية تخلي عنها وقت الحاجة ولكن كل ذلك لا يعنيه المهم أنه سينهي ذلك الارتباط وللأبد وبمجرد بزوغ شمس اليوم التالي هرع إلي المشفى وسلم تلك الرسالة لدلال والتي وضع بها كلمة النهاية لقصتهم معاً

لم تمضِ أيام علي إنهاء ارتباطهم حتي أصبحت صديقتها عبير تظهر له بكل مكان وتلتف حوله كحية رقطاء لا ينكر إعجابه بها وقد كان يعلم بحبها له مما أشعره بالرضا والغرور لذا عزم علي الارتباط بها وأعلنوا خطبتهم في غضون أيام ولم تستمر خطبتهم سوي شهور حتي تم الزواج ولكن بعد الزواج بدأ يشعر بالملل وبالحنين إلي حياة العزوبية والسأم من المسئوليات لذا دائماً ما كان يأخذ سفريات العمل ذريعة ليعود إلي حياة اللهو والمرح ويعود محملاً بالهدايا كأنه يريح ضميره تجاه زوجته هو متأكد أن زوجته ليست ذلك الملاك الذي يرفرف بأجنحته ولكنه يعلم كذلك صدق حبها

أفاق من شروده علي صوت النادل وهو يطلب منه الحساب رفع أنظاره وهناك رآها جالسة بكبرياء وأناقة لا تليق إلا بها فمن يراها الآن لا يصدق أن ما مرت به يهدم جبال في حين تجلس هي بكل ذلك الإباء دون ذرة انكسار

في أثناء عودتها للمنزل قررت الذهاب إلي مقهي لاحتساء فنجان من القهوة دلفت إلي المقهى وجلست علي طاولة في مكان منزوي تحتسي قهوتها بهدوء حتي لحظت ظل طويل يدنو من طاولتها رفعت أنظارها لتجده أمامها يقف بكل شموخ وكأنه لم يحطم حياتها قبل عدة سنوات : مرحباً فداء

ارتدت قناع الجمود : عفواً

جلس علي الكرسي المقابل لها دون دعوة : ألم تعرفيني ؟

فداء باستغراب مصطنع : أسفة يبدو أنك تقصد شخصاً آخر

حملت حقيبتها وهي تهم بالرحيل حاول إمساك يدها ولكنها نفضتها بعنف رافعة إصبعها في وجهه : إياك أن تجرؤ علي فعلها

قاطعها صوت صفقات عالية : يا له من مشهد هزلي

يتبعها طرقات حذاءها العالي علي الأرضية الرخامية رفعت فداء أنظارها لتجد عدوتها اللدودة التي كانت يوماً صديقتها المقربة عبير

تعالي صوت عبير : هل تنوين خطف زوجي ؟

لوت فداء فمها بسخرية: لقد تركته لكِ علي طبقٍ من فضة ولكن السؤال المناسب هنا ثم صمتت للحظات بتفكير مصطنع مما آثار الريبة في نفس عبير حتي تحدثت أخيراً : هل هو لكِ في الأساس حتي اخطفه منكِ

كانت تلك الكلمات بمثابة طعنات توجه إلي عبير: كانت تعلم بخيانة زوجها المستمرة لها ولكنها كانت تغض الطرف عن الأمر مادام يعود لها في النهاية ولكن تُلقي الحقيقة في وجهها كسر شيئاً بداخلها ولكنها تظاهرت بالجمود وتحدثت بثقة : حبيبتي لم تقدميه لي بل هو من ترككِ من أجلي بعد أن أصبحتِ

صمتت ولم تكمل جملتها تقصد الإهانة ولكن فداء لم تهتز بها شعرة وتحدثت : من يتخلى عن امرأة بوقت أزمتها لأجل امرأة ثانية يتخلى عنها هي الأخري لأجل امرأةٍ ثالثة

قالت تلك الكلمات وحملت حقيبتها وغادرت تاركة حرب النظرات مشتعل بين الزوجين

عبير بانفعال: ماذا كنت تفعل معها ؟

جلس باسم بهدوء علي الكرسي خلفه دون رد فتابعت عبير : ألن تبرر لي ؟

باسم ببرود : عبير لا تدعي أنكِ مظلومة أعرف أنكِ تعرفين بخيانتي لكِ

بهتت عبير حين تابع : وأعلم أنكِ تقابلين تلك الخيانة بحرماني من الأولاد

ونظر إلي عينيها وهو يضغط على حروف الكلمات : عبير أعلم أنكِ عاقر ودائماً ما تخبريني أنه لا مشكلة وأنها مسألة وقت

تهاوت قدميها فجلست علي المقعد المجاور لها وهي لا تصدق أنه يعلم كل ذلك لكن لماذا لم يطلقها إلي الآن

لكنه لم يترك لها الفرصة لتطرح السؤال حين تابع هو : دائماً ما كنت أعطيكِ المبرر وأقول إن حبكِ هو ما يحرككِ لكن يبدو أن ذلك لم يكن حباً بل كان هوساً بما في يد صديقتك وقد تأكدت من ذلك حين رأيتكِ تتشدقين بأنني تركتها من أجلك في حين أنكِ من كان يلتف حولي كالحية

تساقطت دموعها وهي تتحدث: أقسم أن الأمر ليس كذلك لقد أحببتك منذ البداية قبل حتي أن تحبها

تابعت وهي تبتسم ابتسامة باهتة من بين دموعها : لم أنم تلك الليلة حين هاتفتني لتخبرني بأنك تود مقابلتي وضعت ألف سيناريو وسيناريو وجميعها تعترف لي بحبك لأفاجئ في اليوم التالي وأنت تطلب مني التلميح لصديقتي المقربة بحبك واستشف رد فعلها عندها وجهت لقلبي نصل مسموم قررت الابتعاد ولم أتدخل بينكما مطلقاً كما أنني لم اقترب منك إلا بعد أن تركتها فأنا لم أوقع بينكما

صممت وأجهشت في بكاء مرير فاقترب منها مربتاً علي كتفها وتحدث بعقلانية : عبير أري أن تلك العلاقة مؤذية لكلانا أنتِ تستحقين الأفضل وأنا استحق أن أصبح أب

نظرت له بتساؤل فتابع أنتِ طالق

شهقت بخفوت كانت تعلم أنه سيأتي يوم وتنتهي تلك العلاقة سيأتي يوم ويتولى عنها حين يعلم يسرها لا تعلم لمَ أقحمت نفسها مع شخص لا يحبها بل وارتضت بالذل وهي تعلم خيانته لها لمَ لم تنتظر شخصاً يحبها ويقدرها فهي تستحق

كل أنثي تستحق الأفضل تستحق شخصاً يحبها كما هي دون شروط أو قيود بطريقة مميزة أن تكون فتاة أحلامه التي لا يري غيرها تستحق كل ذلك دون أي مجهود منها فهي ملكة متوجة علي كل من يريدها أن يقدم كل غالي ونفيس

كانت رهف تزور زوجة خالها جلست تتحدث معها في موضوعات شتي وحين لاحظت اقتراب فادي تعمدت أن ترفع صوتها بخبث : يجب علي الرحيل للذهاب لصديقتي فداء فقد تحدثت معي منذ قليل بأنه تريدني في موضوع هام يبدو إن في الموضوع عريساً

قالت تلك الكلمات وسلمت على زوجة خالها وركضت إلي الخارج

تجمد فادي في موضعه هل سبقه شخص آخر ولكنه طمأن نفسه بأنها مجرد تكهنات من رهف

قرر أن يفاتح والدته في الموضوع ويري ردة فعلها اقترب من والدتها التي تجلس علي الأريكة تتابع مسلساً في شاشة التلفاز وجلس بجانبها تنحنح بحرج : إمي أريد الحديث معكِ بأمرٍ هام

أغلقت والدته التلفاز ونظرت له باهتمام في حين تابع هو حديثه : أمي لقد قررت الزواج

تهللت أساريرها : حقاً هذا أسعد خبرٍ سمعته بحياتي

ظهر التوتر علي ملامح فادي : ولكن أمي

قطبت والدته ما بين حاجبيها : هل هناك مشكلة بالعروس ؟

عاد بذاكرتها إلي قبل عدة أيام حين حملها للمشفى وفي ظل محاولاتهم لإفاقتها قامت رهف بفك حجابها قليلاً لتستطيع التنفس ظهرت الصدمة علي ملامح وجهه حين رأي ندبات الحروق التي تملأ رقبتها

تمني في تلك اللحظة أن يكون قد تعرف عليها قبلاً ليكون بجوارها وقت تلك الحادثة

عاد من شروده وهو يقص علي والدته كل شيء يتعلق بفداء نظر إليها بعد أن انتهي ليستشف موقفها ولكنه لم يستطع فك شفرات وجهها

تحدثت والدته بعقلانية : فادي لن أنكر أنني كأم أتمني لأبني الأفضل ولكن الأفضل بالنسبة لي قد يختلف عن الأفضل بالنسبة لبعض الأمهات

نظر لها بتساؤل فتابعت : أي أن ما يهمني هو سعادة ابني فإن كنت تري أن سعادتك معها فلا مشكلة لدي

احتضنها فادي بسعادة ولكنها تحدثت بحدة : ولكن

فادي : ولكن ماذا ؟

والدته : لا تحاول أن تقلل منها بيوم من الأيام لا يجعلها تشعر بأن هناك ما ينقصها ستكون زوجة العمر لذا فادي إذا كنت ستحزنها يوماً فلا تفكر بها مطلقاً واتركها لمن يقدرها

جلس شارداً في حديث والدتها فبالفعل يجب عليه أن يفكر ملياً قبل اتخاذ أي قرار

وأخيراً بعد بعض الوقت اتخذ القرار المناسب من وجهة نظره

تمت

يتبع الفصل التالى اضغط هنا

الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية (رواية فداء الروح )اضغط على اسم الرواية


reaction:

تعليقات

3 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق