رواية جبر السلسبيل الفصل العشرون 20 بقلم نسمة مالك
رواية جبر السلسبيل الفصل العشرون 20 بقلم نسمة مالك
أخبروني ماذا تفعل امرأة حُرمت من كل شيء في سنوات حياتها التي لم تُكمل العشرون عامًا حين تجد أخيرًا رجل يضمها بين ذراعيه لا يضربها بهما؟!..
تلك ال "سلسبيل" التي لم تري من والدها إلا الذل، و الإهانة، و من بعده وقعت في يد زوجها و والدته و عانت بما يكفي، تحملت عذاب لن يقدر عليه أحد،
و الآن بعدما وجدت سند، شعرت بالأمان معه، حقق حلمها البسيط و حصلت على عناق من زوجها لطالما كان محور الكون بالنسبة لها، تشتهي عناقًا يعالج جروحات قلبها الغائرة،
أغمضت عينيها لأول مرة براحة لم تذق طعمها من قبل، و استسلمت لعناقه الذي يحتويها بحماية و يفصلها عن العالم أجمع،
يعاملها كما لو كانت قطعة من البلور نادرة الوجود يخشى عليها من الخدش..
بصعوبة بالغة توقف عن إلتهام شفتيها بقبلاته الجائعة حين شعر أنه سيفقد التحكم بمشاعره معاها، خشي عليها من نفسه..
تخشبت بين يديه حين شعرت بأنفاسه اللاهثه تلفح بشرتها الناعمة، نظر لعينيها بعمق نظرة يملؤها العشق و الرغبة معًا، و يده تجول على جسدها بجرائة، و أصابعه تعبث بأزرار منامتها واحد تلو الأخر و هم بخلعها عنها إلا إنها شهقت بصوتٍ خفيض مرددة بستحياء..
"عشان خاطري كفايا يا عبد الجبار و أخرج قبل ما أبلة خضرا تطلع و تشوفك هنا معايا"..
"أنتي مَراتي زيك زيها يا سلسبيل و لا ناسية"..
أردف بها و هو يدفعها برفق للخلف، اجلسها على حافة حوض الاستحمام، و أخذ منها ثيابها وضعهم على المشجب المعلق خلف باب الحمام الذي أغلقه عليهما بالمفتاح من الداخل..
ابتلعت " سلسبيل " لعابها بصعوبة حين رأته يخلع جلبابه الصعيدي أمام عينيها المتسعتين بصدمة..
"أنت بتعمل أيه!!!"..
"هسبحك بيدي".. هكذا أجابها بمنتهي الهدوء و هو يغمز لها بعينيه السوداء شديدة الجاذبية قبل أن يتخلص من كنزته أيضًا و بقي بسرواله الداخلي عاري الصدر لتظهر ضخامة عضلاته البارزة أمام عينيها الجاحظة بهيئة خطفت أنفاسها، و جعلت نبضات قلبها تتسارع..
هبت واقفه و سارت نحوه بخطي مرتجفة، و أمسكت جلبابه و كنزته مدت يدها بهما له، و همست بنبرة متوسلة..
"ألبس هدومك تاني من فضلك و أخرج أرجوك عشان اللي بتقوله ده مستحيل يحصل"..
جذبها فجأة من خصرها عليه، ارتطمت
بصدره ذو العضلات السداسية مصدرة آهة متألمة
،مال عليها واضعًا جبهته على جبهتها و همس مداعبًا إيها.. "هحققلك المستحيل حالاً يا مليحة"..
................ لا إله إلا الله وحده لا شريك له.....
"خضرا"..
تصعد الدرج راكضة بأقصى سرعة لديها، كما لو كانت شياطين الأرض تلحقها، وجهها أصبح كتلة حمراء من شدة غضبها، و غيظها، مندفعة تجاه الحمام المقابل لغرفة "سلسبيل" و قفت أمامه تلهث بأنفاس متقطعه، و بكل ما تمتلك من قوة بدأت تطرق على الباب بكلتا يديها معًا بعدما حاولت فتحه و وجدته مغلقًا،بل وصل بها الأمر أن تدفع الباب بكتفها و قدميها مرددة بهياج..
"أفتحي يا خسيسة يا قليلة الأصل"..
كتمت "سلسبيل" صرخة حادة و قفزت مكانها داخل حضن زوجها تعلقت بعنقه تختبئ فيه بخوف حين سمعت طرقاتها العنيفة المتتالية على الباب كادت أن تحطمه، و صراختها الحادة كمن فقدت عقلها..
"أفتح الباب يا عبد الچبار"..
انتفضت" سلسبيل " بذعر بين يديه، و أسرعت برفع يدها المرتعشة بكنزته و ألبسته إياها و من بعدها جلبابه،بينما هو ظل محاوط خصرها بكلتا و ضغط عليه بعنف محبب، وفتح فمه حتى يتحدث إلا أنها رفعت كف يدها وضعتها على فمه، و همست له بشفتيها دون إصدار صوتٍ..
"لو غالية عندك أسكت يا عبد الجبار و أوعى تزعل أبلة خضرا.. هي بتعمل كده من غيرتها عليك و معاها كل الحق"..
لثم باطن يدها بقبلة مطولة رغم ملامحه العابسة من تصرفات زوجته الجديدة عليها كليًا، لتعتلي ملامحه الصدمة و الذهول معًا حين وجد معشوقه الصغيرة تلتصق بجسده أسفل كتفه الأيمن كالعلقة، و جذبت جلبابه فوقها فاختفت داخله تمامًا..
لم يستطيع كبح ضحكاته حين طلت برأسها من ياقته و نظرت له بعينيها الجميلتين رغم الحزن الظاهر بهما، و خوفها الحقيقي البادي علي ملامحها، و همست بشقاوة اذهلته و أعجبته بأنٍ واحد..
"أنا هستخبي منها"..
قالتها و أختفت داخل جلبابه الواسعة للغاية من حسن حظها..
أختفت ابتسامته و رسم مكانها الغضب، و مد يده فتح باب الحمام على مصرعه فجأة، و إذا ب "خضرا" تدلف للداخل مندفعة كقذيفة اللهب المشتعلة فقدت السيطرة على توازنها، و التحكم بقدمها التي كانت تركض دون إرادة منها حتى اصتدمت بالجدار و سقطت على حين غرة داخل حوض الاستحمام المملوء بالمياه و سائل الاستحمام..
"يا مُري يا بوي"..
كان "عبد الجبار" يقف بطوله المهيب يتابعها ببرود مصطنع عكس نيران قلبه بفضل زوجته التي أجبرها ذعرها على لف كلتا قدميها حول إحدي قدميه كما لو كانت تتسلق شجرة، و سارت بيدها على بطنه و ظهره ببطء و حرص شديد حاوطت خصره بحميمية دون قصد منها..
"هي فين".. قالتها "خضرا" بصراخ و هي تدور بعينيها بالارجاء تبحث عنها، حاولت النهوض لكنها فشلت فشل ذريع، فنظرت لزوجها الذي يرمقها بنظرات حارقة و تابعت ..
"سلسبيل فين يا عبد الچبار"..
"في عبي".. نطق بها ببرود لا يخفى نبرته الحاده، بينما تلك المختبئة بداخله انكمشت على نفسها أكثر دافنه وجهها بجانبه الأيمن..
بالطبع ظنت "خضرا" أنه يمزح بجملته هذه، فهدأت وتيرة غضبها على الفور حين تأكدت أن غريمتها غير موجودة برفقة زوجها، والتقط أنفاسها المسلوبة..
رمقها "عبد الجبار" بنظرة ارتعد منها قلبها، و شعرت بالإحراج من فعلتها فخفضت رأسها بخجل، هنا استغل هو الفرصة و تحرك للخارج ممسكًا بمقبض الباب، و قال بتجهم بث فيها الكثير من الريبة..
"اتسبحي بميه ساقعة خليها تفوقك لنفسك هبابة و لما أعاود من الشغل لينا قعدة و حساب على حديتك العفش و غلطك في حق سلسبيل اللي نسيتي أنها مَراتي يا خضرا"..
أنهى جملته و أغلق الباب عليها، تنفست "سلسبيل" الصعداء و فكت حصرها حوله و كم ضايقه بعدها عنه، ود لو تظل مختبئه داخل ضلوعه هكذا للأبد..
طلت برأسها من ياقته ثانيةً تتأكد من عدم وجود أحد حولهما، ليستغل هو الفرصة و يحاوطها بذراعيه رفعها بضعة انشات و مال عليها بوجهه طابعًا قبلة شغوفة فوق شفتيها أمام أعين "بخيتة" التي تتجسس عليهم كعادتها،
أخذت "سلسبيل" تكافح بضراوة للإفلات منه حتى تركها على مضض فهرولت بخطوات شبه راكضه نحو غرفتها فتحت الباب، و دلف للداخل، ليلقي هو لها قبلة في الهواء قبل أن تغلق الباب بحذر حتى لا يصل صوته ل "خضرا" التي تستشيط غيظًا حين رأت ثيابها معلقة خلف الباب، إذن زوجها لم يكن يمزح حين قال لها أنها داخل جلبابه..
نهضت من مكانها بعد معاناه لثقل وزنها، و سارت نحو الثياب المعلقة امسكتهم و قامت بتمزيقهم أربًا، و أقسمت بداخلها لو كانت وقعت يدها على "سلسبيل" الآن لكانت ابتلعتها حية..
"غلطت و غلطي واعر لما وافجت على چوازك منِها.. أنت كنت رافض و إني اللي طلبتهالك بيدي"..
أسودت عينيها بنظرة تحمل الشرر لأول مرة بحياتها، و تابعت بوعيد..
"و طلاقها منِك هيبقي على يدي"..
................ سبحان الله العظيم........
"جابر"..
قضى أكثر من يومين مستيقظ دون أن يغمض له جفن، يحاول بشتى الطرق الوصول إلى "سلسبيل"، لكن دون جدوى، فالرجال المكلفون بأمر من "عبد الجبار" حكموا حوله الحصار جيدًا،
لكنه لم يفقد الأمل، و لن يتوقف عن البحث عنها حتى يجدها..
أرتمي بتعب على فراشه،يستعد لنومٍ مجهد، إلا أنه استمع لصوت جرس الباب، فهرول مسرعًا تجاهه يظن إنهم أصدقاءه أتو بمعلومة له تساعده بالوصول إليها..
فتح الباب بلهفة ليتفاجئ بأخر شخص يود رؤيته بهذا التوقيت..
"جابر!!.. يا حبيبي يا ابني"..
صرخت بها "سعاد" والدته و هي تقطع المسافة بينهما، و تعانقه بقوة، تقبل كتفيه و وجهه، و تعاود ضمه من جديد و هي تقول ببكاء..
"بركة إنك رجعتلي بالسلامة يا غالي.. الحمد لله على سلامتك يا حبيبي.. واحشتني يا قلب أمك"..
احتضنت وجهه الخالي من أي تعبير بين كفيها و همست مستفسرة..
"رجعت أمتي يا ضنايا"..
"من عشر أيام".. غمغم بها ببرود يغلفه الجمود، و هو يبعد يدها عن وجهه ببطء، و عينيه ترمقها بنظرة عاتبه توترت بسببها..
نظرت له بملامح منذهلة مرددة..
" من 10 أيام و متجليش ولا تسأل عني يا جابر!!"..
أبتسم لها إبتسامة مصطنعة مدمدمًا..
"اممم.. أجيلك!!.. أجيلك فين!!.. بيت جوزك يا أم جابر!!!"..
" أنتي هنا يا سعاد"..
نطق بها" فؤاد" والدها الذي خرج للتو من غرفته، أنقذها من سؤال إبنها التي تشعرها بالذنب، و يذكرها بالماضي الأليم..
" أيوه يابا أنا هنا"..
أردفت بها و هي تسير نحوه و أخذت بيده نحو أقرب مقعد..
"أيه الغيبة دي كلها يا سعاد.. أول مرة تغيبي عني بالاسبوعين يا بنتي.. هونت عليكِ"..
مالت عليه قبلت رأسه و يده و بتنهيدة حزينة قالت..
"حقك عليا يابا.. أنت عارف ميمنعنيش عنك إلا الشديد القوي"..
" و جوزك بقي هو الشديد القوي اللي منعك عن أبوكي "..صاح بها بلهجة غاضبة و هو يعقد ذراعيه أمام صدره و يتطلع لها بترقب..
" لا مش جوزي يا إبن بطني"..
نطقت بها بحدة، و صمتت لدقيقة كاملة، و من ثم تابعت بصوتٍ تحشرج بالبكاء..
"صفا بنتي جوازتها باظت قبل الفرح بكام يوم بسبب القايمة.. و البت يا حبة عيني نفسيتها كانت تعبانة أوي و حابسة نفسها في أوضتها مبتخرجش منها خالص، و مكنتش قادرة اسيبها في حالتها دي لتعمل في نفسها حاجة الشر برة وبعيد عننا و عن الجميع يارب"..
عقد "جابر" حاجيبه و هو يقول بتعجب..
" بنتك إزاي يعني مش فاهم !!"..
نفخت بضيق و إجابته بنفاذ صبر..
" واد أنت ما تعدل طريقة كلامك الناشفة دي معايا، و لا هي الغربة و عيشة الأجانب علمتك قلة الأدب و نستك إني أمك و لا أيه!!"..
صمتت فجأة، و اعتلت ملامحها إبتسامة واسعة، و تابعت ببلاهه..
"صفا تبقي بنت جوزي اللي أنا مربيها على أيدي.. مش بنتي.. يعني تجوزلك يا واد يا جابر"..
" جابر راجع عشان يدور على سلسبيل بنت أختك يا سعاد"..
نطق بها" فؤاد " حين وصل لسمعه صوت أنفاس حفيده المتلاحقة التي تدل أن غضبه وصل لذروته، و من الممكن أن يتحدث مع والدته بطريقة غير لائقة..
تهللت أسارير" سعاد " و بلهفة قالت..
"عرفت طريقها و لا عرفت عنها أي حاجة يا جابر؟ "..
" أيوه عرفت طريقها و هتبقي معايا هنا في أقرب وقت ممكن ".. قالها "جابر" بثقة و إصرار..
أطلق "فؤاد" زفرة نزقة من صدره و هو يقول..
"تبقي معاك إزاي بس يا ابني.. مش يمكن تكون عايشه مع جوزها برضاها و مش عايزة تطلق منه"..
اندهشت "سعاد" حين تفهمت ما يدور بخاطر ابنها و تحدثت بهدوء ما يسبق العاصفة قائلة..
"هو أنت لسه بتفكر فيها بعد السنين دي كلها!!.. لدرجة إنك عايز تطلقها من جوزها يا جابر!!"..
............................. صلِ على الحبيب........
" خضرا "..
فور خروجها من الحمام دلفت داخل غرفتها، و ظلت داخلها لم تخرج منها بأمر من زوجها الذي غادر المنزل و ذهب لعمله مرة أخرى، أخذت تبحث عن فكرة تستطيع أبعاد زوجها عن غريمتها بأي طريقة إلى أن الهمها عقلها بالإتصال على الطبيب المعالج ل "سلسبيل" لكنهم أخبروها أنه داخل غرفة العمليات، فطلبت من مساعدته أن تبلغه باتصالها، و تجعله يهاتفها فور إنهاء عمله..
تجلس على أحر من الجمر تنتظر إتصال الطبيب بها، حتى أخيرًا صدح صوت رنين هاتفها، ضغطت زر الفتح بلهفة ليأتيها صوت الطبيب مغمغمًا..
"خير يا مدام خضرا بلغوني إن حضرتك عايزاني ضروري"..
إجابته بلهجة حادة قائلة..
"أيوه.. أني هچبلك سلسبيل المستشفى دلوجيت و لو عبد الچبار سألك قوله أنت اللي طلبتها تيچي لاچل ما تعملها شوية فحوصات ضرورية، و تخليها تبات حداكم ليلتين تلاته، و إني هعطيك المبلغ اللي تطلبه"..
"أمرك يا خضرا هانم.. هاتيها و تعالى أنا في إنتظارك"..
أغلقت الهاتف" خضرا " الهاتف و هرولت مسرعة ترتدي عباءتها السوداء و حجابها، و غادرت غرفتها على عجل متوجهه لغرفة"سلسبيل" وقفت أمام الباب المغلق، و رسمت ابتسامتها الحانية قبل أن تطرق عليه و تدلف للداخل دون إنتظار إذن..
ارتعد قلب" سلسبيل " حين رأت تعابير وجهها المصطنعة لأول مرة، و نظرتها الحاقدة عليها فشلت في إخفاءها، لكنها تغاضت عن كل ما تراه و تحدثت بقلق ملحوظ..
"أنتي خارجة و لا أيه يا أبلة خضرا!!"..
لم ترد عليها، و سارت تجاه خزينة ثيابها أخرجت لها عباءه و حجاب ألقتهما بجوارها على الفراش مدمدمة..
"اممم.. عبد الچبار قالي اچهزك و اوديكي المستشفى.. معاد متابعتك مع الدكتور انهارده.. ألبسي يله قوام"..
حركت "سلسبيل" رأسها لها بالايجاب، و تناولت عباءتها و حجابها ارتدتهما بصمت..
تابعتها "خضرا" بهدوء ظاهر على وجهها عكس ضجيج قلبها و هلعه، فهي ستخطو لخارج المنزل دون إذن من زوجها..
..................يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث......
" عبد الجبار"..
كان يجلس على مكتبه بأريحية يتابع المكالمة الهاتفية الدائرة بين طبيب "سلسبيل" و زوجته، أنتظر حتى أغلق الطبيب الهاتف و تحدث قائلاً..
"كتر خيرك يا دكتور.. تقدر تتفضل أنت دلوجيت، و فوت علي الحسابات في طريقك"..
أردف بها و هو ينتصب واقفًا و قام بجمع أغراضة، و تابع حديثه مكملاً بأمر..
"حسان خد الدكتور و اسبقني على بيت الست سلسبيل هانم "..
أعتلت ملامحه ابتسامة عاشقة و تابع بتنهيدة مشتاقة..
"على ما أچيبها و أچي وراكم"..
يتتبع الفصل التالي اضغط هنا
الفهرس يحتوي علي جميع فصول الرواية " رواية جبر السلسبيل " اضغط علي اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق