رواية شمس الحياة الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم روان سلامة
رواية شمس الحياة الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم روان سلامة
Rawan
هل عندكِ شكٌّ أنّكِ جزءٌ من ذاتي
وبأنّي من عَيْنَيْكِ سرقتُ النارَ. .
وقمتُ بأخطر ثَوْرَاتي
أيّتها الوردةُ .. والياقُوتَةُ .. والرَيْحَانةُ ..
والسلطانةُ .. والشَعْبِيَّةُ ..
والشَرْعيَّةُ بين جميع الملِكَاتِ . .
يا سَمَكَاً يَسْبَحُ في ماءِ حياتي
يا قَمَراً يطلع كلَّ مساءٍ من نافذة الكلِمَاتِ . .
يا أعظمَ فَتْحٍ بين جميع فُتُوحاتي
يا آخرَ وطنٍ أُولَدُ فيهِ . .
وأُدْفَنُ فيه ..
وأنْشُرُ فيه كِتَابَاتي . .
في صباح يوم جديد استيقظ نديم وارتدى ملابسه، وكانت روجين ماتزال نائمة، فذهب وجلس بجوارها قائلا:
_يا روجين... يلا حبيبتي قومي.
قالت هي بنعاس:
_نديم بقولك إيه سبني أنام شوية بقى، النهاردة أجازة مفيش شغل.
سألها بخبث:
_أصل أنا كنت محضرلك خروجة بس لو مش عايزة براحتك يعني.
هتفت وهي تنهض مسرعة:
_لأ مش عايزة إيه بص خمس ثواني وهتلاقيني عندك.
بعد مرور أكثر من ساعة.... خرجت وهي ترتدي فستانا أزرق اللون يصل طوله إلى ركبتيها، ذو حمالات عريضة، وتترك شعرها منسدلا على ظهرها.
قال لها نديم بحنق:
_هو ده اللي خمس ثواني وهبقى عندك! ده إنتي بقالك ساعة ونص.
احتضنته قائلة:
_معلش يلا نخرج بقى.
عندما نزلا إلى الأسفل كانت تتجه روجين إلى طاولة الطعام، فجذبها نديم برفق قائلا:
_رايحة فين؟ إحنا مش هنفطر.
نظرت له بتأثر مصطنع قائلة له:
_نديم أنا جعانة، أنت بتحرمني من الأكل.
ضحك هو عليها قائلا:
_مش هنفطر عشان اتأخرنا.
أردفت بإصرار:
_أيوه بس أنا جعانة، جعانة عايزة آكل.
قال لها بنفاذ صبر:
_يا بنتي اهدي بقى هفطرك برا.
أردفت بنزق:
_خلاص يعني لو هتفطرني برا يبقى نخرج بقى.
ثم أمسكت يده وذهبت معه إلى الخارج.
*********
استيقظت نارفين من نومها ونزلت إلى الأسفل لتبحث عن نديم ولكنها لم تجده، فجلست على كرسي في الحديقة بعدما بدأت تشعر بالدوار .
_إنتي كويسة؟
هتف بها يزيد عندما رآها تجلس ويظهر على وجهها الإنهاك.
أجابته باقتضاب:
_آه كويسة.
سألها بهدوء:
_كنتي بتدوري على حد؟
أجابته بانزعاج فشلت في إخفائه:
_بدور على نديم....خلصت تحقيق ولا لسه؟
قال لها ببسمة صغيرة:
_ده مش تحقيق يا نارفين، وأنا جاي أعتذرلك على أسلوبي معاكي، بس ده كان غصب عني... مقدرتش أتحمل وأنا شايف تصرفاتك كلها شبهها كده.
قالت متسائلة:
_شبه مين؟!
أجابها وهو يتنهد بألم:
_الموضوع ده طويل أوي خليه لبعدين.... أنا هروح الشغل ولو احتاجتي حاجة ابقي قولي لجدو، هو قاعد في البيت النهاردة.
كانت تنظر له وهو يذهب باستغراب، وتتحدث مع نفسها بصوت مرتفع قائلة:
_ده عنده انفصام، من يومين كان بيتخانق معايا ومش طايقني والنهاردة جاي يعتذر إيه ال........
قطع حديثها صوت زياد قائلا والبسمة تعلو وجهه:
_عيلة غريبة جدا صح؟
أجابته بتلقائية:
_بصراحة آه.
ابتسم هو على حديثها ثم سألها قائلا:
_إنتي قاعدة هنا ليه شكلك تعبانة؟
أجابته بتردد:
_بصراحة أنا كنت بدور على نديم بس مش لقياه.
_نديم هيرجع متأخر، عايزة منه حاجة ولا إيه؟
_بصراحة آه.....زياد أنا ممكن أطلب منك طلب؟
أجابها بمزاح:
_ما إنتي خدتي عليا كل شوية طلب، اتفضلي يا ستي في إيه؟
قالت بترد:
_أنا خايفة على ماما سامية و..... وكنت عايزة أجيبها من اسكندرية تقعد في أي بيت هنا، لأن سامح وسعد مضوني على تنازل عن البيت.... وأنا خايفة يأذوها وعايزة أروح أقعد معاها في البيت اللي هتقعد فيه في القاهرة.
قال زياد بعد لحظات قصيرة:
_بصي إحنا هنروح ناخدها دلوقتي ونقعدها في بيت قريب من هنا بس بشرط.... إنتي مش هتسيبي البيت ده يا نارفين.
_زياد أنا مفيش أي سبب يخليني أفضل هنا... حتى أمي مش هنا، على الأقل أقعد مع ماما سامية ومسبهاش لوحدها.
سألها زياد بحزن:
_وتسيبينا إحنا لوحدنا عادي؟
قالت له برجاء:
_طب عشان خاطري نتكلم وإحنا في الطريق، أنا خايفة عليها أوي.
_حاضر يلا نروحلها.
*********
كان يجلس إياد مع نور في مقر الشركة.
قالت له بصوت مرتفع قليلا لتخرجه من شروده:
_إياد أنت رحت فين؟ أنت مش سامعني؟
أجابها قائلا كالتائه:
_معلش يا نور كنتي بتقولي إيه؟
_كنت بوريك الحملة هتبدأ ازاي وتنتهي ازاي، وإيه المراحل بتاعتها عشان نبدأ فيها من بكرة.
قال بإنهاك:
_نور ما كفاية كلام عن الشغل عشان أنا مش مركز بصراحة.
أردفت متسائلة:
_هنتكلم في إيه يعني؟
قال متسائلا بغموض:
_نور إنتي كنتي بتقولي إيه لكريم امبارح؟
_حاجة خاصة بينا ومظنش أن أنا مجبرة أقولك هي إيه.
نهض مقتربا منها، لتشعر بأنفاسه الحارقة على عنقها قائلا لها:
_نور إنتي في حاجة بينك وبين كريم؟
أجابته بتوتر وهي تحاول الابتعاد عنه:
_حاجة....حاجة زي إيه يعني؟..... لأ طبعا مفيش حاجة.
قال لها بهمس:
_نور إنتي تهميني وأنا مش هسمح لأي حد أن هو يقرب منك.
طبع قبلة رقيقة على عنقها، وكأنه يوقع على عقد ملكيته لها.
فذهبت هي سريعا إلى الخارج بعدما توردت وجنتاها من الخجل، وهي تشعر بتسارع خفقات قلبها.
********
أوقف نديم سيارته أمام منزل أقل ما يقال عنه أنه رائع، ذو حديقة كبيرة يوجد بها أجمل أنواع الورود، فوقفت روجين تنظر حولها بانبهار قائلة لنديم:
_نديم إحنا بنعمل إيه هنا؟
أجابها بحب:
_ده من النهاردة هيبقى بيتنا المكان اللي هنهرب فيه من كل الناس ونبقى لوحدنا فيه.
احتضنته وهي تشعر بالغبطة قائلة:
_نديم أنا بحبك أوي بجد.
قال لها وهو يتجه نحو باب المنزل:
_وأنا بحبك فوق ما تتصوري.
فتح باب المنزل وهو ممسكا بيدها وكأنها ملك له وحده، أخذت تتجول في المنزل بسعادة وكأنها طفل صغير، ثم ذهبت وطبعت قبلة رقيقة على وجنته قائلة له:
_نديم أنت أحسن إنسان أنا عرفته في حياتي.
علت البسمة ثغره ليردف:
_إنتي الشمس اللي نورتلي قلبي بعد ما كان ضلمة.
أجلسها على كرسي في الحديقة قائلا:
_اقعدي هنا بقى على ما أجبلك الفطار.
بعد وقت قليل كان يجلس قبالتها وهي تتناول الإفطار بنهم قائلة له:
_نديم أنت تحضرلي الفطار على طول بقى، أنت طلعت شيف ممتاز.
_خلاص ليكي عليا أفطرك كل يوم.
بعدما أنتهيا من الفطور كانت تجلس بين أحضانه في حديقة المنزل.
قال لها و هو يداعب خصلاتها:
_روجين أنا عايزك لما تزعلي مني أو نتخانق في يوم متهربيش وتبعدي عني.... أنا عايز أي مشكلة تحصل بينا نيجي البيت ده ونحلها فيه مهما كانت صغيرة أو كبيرة، البيت ده هيبقى السور اللي بيحمي حبنا.
قالت له بقلق:
_نديم توعدني أن إحنا هنقدر نحل أي مشكلة تحصل بينا؟
أجابها بغرام:
_أوعدك أن طول ما قلبي بيدق عمري ما هسمح أن أي مشكلة تفرق بينا.
*********
كان وِقَّاص يتحدث مع صبا على الهاتف وهو يشعر أن صوتها به لمحة من الحزن.
قال متسائلا:
_صبا إنتي كويسة؟ في حاجة مديقاكي؟
أجابته هي محاولة إخفاء ضيقها:
_مفيش يا وِقَّاص شوية مشاكل في البيت عادي.
_صبا إيه اللي حصل؟
اجابته بإنهاك:
_شوية مشاكل في شغل بابا وكان واخد قروض باسم الشركة لازم يسدها، متشيلش هم هتتحل.
_صبا اقفلي أنا جاي أخدك من البيت.
أغلق الهاتف وذهب إلى سيارته مسرعا لكي يصل إليها بأسرع وقت.
وصل بعد قليل من الوقت إلى أسفل منزلها، فرأته هي من نافذتها وأشارت له، ثم نزلت إليه سريعا لتضع جسدها بين أحضانه بهدوء وكأنها كانت تتوق لوضع رأسها فوق صدره وسماعها إلى صوت خفقات قلبه.
قال لها بحنان وهو يمسد فوق خصلاتها الحريرية:
_إنتي كويسة؟
أجابته برقة:
_بقيت كويسة لما شفتك.
_تعالي نتمشى شوية واحكيلي حصل إيه.
كانت صبا ما تزال بين أحضانه وهو يسير بجانبها، بدأت حديثها بصوت وهن:
_بابا بقاله سنة الشركة بتخسر وفيها مشاكل، وكان ساحب قروض من البنك ومش عارف يسدها.
أكملت بتردد:
_وبعد كده...... وبعد كده راح استلف من حد من الناس اللي بتاخد الفلوس بفوايد.... ومضى على وصولات أمانة ودلوقتي هما عايزين فلوسهم، وبابا معهوش يدفع وماما بتتخانق معاه، يعني الوضع كله ملخبط.
قال لها محاولا إيجاد حل:
_أنا عندي حل..... ممكن أنا أدي والدك الفلوس يدفعلهم و......
قاطعته بحدة قائلة وهي تبتعد عنه:
_وِقَّاص أنا مقلتش ليك عشان أصعب عليك وتديني شوية فلوس.
أردف محاولا تهدئتها:
_صبا ممكن تهدي، وبعدين أنا وإنتي مكتوب كتابنا فيها إيه لما أساعدك وأديكي الفلوس... ابقي رجعيهالي بعدين يا ستي لو هترتاحي كده.
هتفت بصوت مرتفع وهي تذهب:
_أنت لو فاكرني عرفتك أو قبلت أتجوزك عشان فلوسك يبقى إحنا نبعد عن بعض أحسن.
جذبها من يدها بقوة قائلا بامتعاض:
_صبا اسمعيني الأول ومتمشيش وتسيبيني تاني وأنا بكلمك، أنا بحاول أساعدك، ما هو أنا مش هقعد أتفرج عليكي وإنتي بتعيطي بسبب تصرفات أبوكي وأسكت.
سحبت يدها بقوة قائلة له بحنق:
_ده على أساس أن أنا أبويا مستني منك قرشين ترميهملنا عشان تريح بيهم ضميرك صح؟ لأ برافو عليك بصراحة فعلا عرفت تقف جنبي.
ذهبت سريعا إلى المنزل وعبراتها تسيل فوق وجنتيها، بينما كان يقف هو والضيق يعتلي وجهه بسبب كلماتها اللاذعة التي تلفظت بها قبل ذهابها.
********
كان زياد يقود السيارة وبجانبه نارفين متجهين نحو عروس البحر المتوسط.
قال زياد بتردد:
_نارفين أنا كنت عايز أسألك على حاجة؟
ابتسمت بخفة قائلة:
_أكيد اسأل.
_أنا كنت عايز أعرف كل حاجة حصلت معاكي زمان وإيه قصة ولاد عمك دول وعايزين منك إيه؟
ظهر الألم على وجهها قائلة:
_ياه ده الموضوع كبير أوي، بس هقولك وإحنا قدامنا 3 ساعات في الطريق.
بدأت تقص عليه ما حدث قائلة بامتعاض:
_قبل 15 سنة مش فاكرة غير أن أنا كنت قاعدة في الجنينة... وفجأة.... فجأة لقيت واحد داخل عليا ولابس حاجة مغطي بيها وشه وجه خطفني.
اغرورقت عيناها بالدموع مكملة حديثها:
_حاولت أصرخ أنادي على أي حد بس محدش سمعني، وبعد كده محستش بأي حاجة لغاية ما لقيت نفسي في الشارع، مرمية في الشارع زي أي حاجة ملهاش لازمة.... في راجل غريب خدني شغلني أبيع مناديل في الشارع ومكنتش لوحدي، كان في زيي كتير أوي.
انهمرت دموعها وهي تتذكر آلامها مكملة:
_ولو في يوم مبعناش فيه كتير أو محدش ادانا فلوس كان بيضربنا ويحبسنا في أوضة ضلمة.
رفعت له أكمام ثيابها قليلا مشيرة إلى أثر جرح كبير أسفل كوعها قائلة:
_دي علامة من أول مرة ضربني فيها، كل واحد فينا كان عنده علامة في جسمه..... كأنه بيسيب توقيعه على جسم كل واحد فينا، توقيعه اللي هيفضل ملازمنا طول العمر عشان مننساش.
أكملت ببسمة ساخرة علت ثغرها صحبتها نبرة صوت متألمة:
_أنت فاهم يعني إيه أبقى بنت عمرها خمس سنين أبسط أحلامي أن أنا أجيب عروسة أو أرجع لأمي زي أي طفل كنت بشوفه في الشارع، كنت أنا ببيع المناديل وهما.... وهما ماسكين إيدين أمهاتهم وكل واحد في إيده لعبته.
كان يظهر على وجهه علامات الحزن، وامتلأت عيناه بالدموع، فكيف تحملت كل هذا الألم وحدها وهي طفلة صغيرة؟ وكأن مقولة فيكتور هوجو كتبت لتمثل آلامها حيث قال "_ما الشيء الرخيص اليوم؟
=كل شيء غالٍ، ليس من شيء رخيص غير آلام الناس، إن آلام الناس مجانية".
أكملت ويظهر على وجهها بسمة انكسار:
_جه اليوم اللي فكرت فيه أهرب من كل حاجة، وأنا بجري لقيت دار أيتام خارج منها بنات لابسين هدوم حلوة ومسرحين شعرهم ورايحين المدرسة.... ساعتها قلت أنا عايزة أبقى زيهم أنا كمان، أنا مش عايزة أعيش طول حياتي ببيع مناديل في الشارع.... ودخلت قعدت هناك سنة وبعد كده جت ماما سامية وبابا إبراهيم، كانوا عايزين يتبنوا طفل وكان نفسهم أوي في بنت.... لما قعدت ماما سامية واتكلمت معايا وعرفت قصتي......
صمتت عدة لحظات تلتقط بها أنفاسها وتبتلع غصة عالقة بحلقها مستطردة:
_صعبت عليها، أيوه متسغرب من إيه؟ صعبت عليها فقرروا يتبنوني... ومن وقتها حياتي اتغيرت.
أكملت بامتنان:
_كانوا بيعاملوني كأني بنتهم بالظبط، فجأة لقيت نفسي عندي أوضة لوحدي مكنتش أحلم بيها وبقى عندي لبس ولعب... بقى عندي كل حاجة، أنا مقدرش أوفيهم حقهم أبدا، بابا إبراهيم وقف في وش عيلته كلها عشاني ومكنش بيسمح لأي حد يقول عليا كلمة مش كويسة..... حاول يدور كتير على أهلي بس معرفش يوصلهم.
أكملت بحزن:
_وبعد ما مات ولاد أخوه حاولوا ياخدوا مني الميراث اللي هو كتبهولي، وعارف وقتها قالولي إيه؟ قالولي إنتي حقيقتك جوا الملجأ اللي هما خرجوكي منه.... وإحنا مش هنسيب حقنا يروح لواحدة تربية ملاجئ.
وقفت في وشهم ودافعت عن ماما سامية، كان عندي استعداد أسيب أي حاجة إلا البيت..... البيت اللي فاضلي منه واللي مراته قاعدة فيه.
أكملت ببكاء:
_حتى ده مسابوهوش وخدوه مني...... الحاجة الوحيدة اللي فضلالي منه خدوها، أنا مش عارفة هقول إيه لماما سامية.... هقولها أنا ضعيفة حتى البيت ضيعته من إيدي.
صف زياد السيارة بجانب الطريق، ثم احتضنها بقوة وكأنه يحاول إبعاد جميع آلام الماضي عنها، ثم قال لها بصدق:
_لأ إنتي مش ضعيفة يا نارفين، إنتي أقوى من أي حد.... مفيش حد كان هيتحمل كل ده غيرك إنتي وبس.
كانت تبكي هي بضعف وانهيار بين أحضانه، وكأنها وجدت بداخل أحضانه شعورها بالأمان الذي افتقدته طويلا، بكت بانكسار وكأنها تبكي مخرجة جميع آلامها، فهي تعيش كل يوم واقعا يفوق الخيال في قسوته.
*******
في باريس:
كانت ناردين تجلس مع يوسف في غرفة الفندق.
قال لها يوسف بتردد:
_ناردين بقولك إيه إنتي مزهقتيش؟
هتفت مسرعة:
_يوسف أنا هطق.
قال الاثنان في نفس الصوت:
_ما تيجي نرجع مصر.
انفجرا ضاحكين، فقالت ناردين متصنعة الحزن:
_يوسف أنت لحقت تزهق مني بسرعة كده؟
أجابها مستنكرا:
_يا سلام، ناردين إنتي بتمثلي على مين، أنا حافظك، وبعدين ما إحنا هنقعد في وش بعض في مصر وإنتي أصلا لسة قيلالي نرجع.
قالت بحنق:
_بوظت الخناقة يا يوسف مينفعش كده على فكرة، أنا هتخانق معاك عشان بوظت الخناقة.
همس لها بحب:
_ناردين أنا بحبك.
ابتسمت قائلة له:
_وأنا كمان بحبك.
أكملت بحنق متذكرة ما حدث منذ بضع لحظات:
_يوسف أنت بتثبتني يعني، ماشي بس هفوتهالك عشان عجبتني بصراحة.
قالت له متسائلة بعد عدة لحظات:
_بقولك إيه أكلم نديم؟ أكلمه صح؟ أنا هكلمه.
_يا بنتي هو إنتي بتسألي وتردي على نفسك.
أخرجت له لسانها في حركة طفولية وهي تتصل بنديم، فأتاها صوته قائلا بمزاح:
_موحشتينيش خالص بصراحة.
_كده يا نديم! ماشي أنا أصلا كنت بتصل عشان روجين.
_خلاص يا بنتي إنتي ما صدقتي.
قالت له سريعا متناسية غضبها:
_نديم أنت وحشتني أوي.
أردف يوسف بحنق:
_ناردين أنا هنا راعي وجودي شوية.
أكملت ناردين قائلة:
_نديم أنتو عاملين إيه؟ في جديد؟
أجابها بغرور مصطنع:
_إحنا الجديد كله عندنا يا بنتي، أنا لو قلتلك حصل إيه مش هتصدقي.
_طب قولي بقى وأنا هشوف أصدق ولا لأ.
_بت إنتي اتعلمتي الغلاسة دي من يوسف صح؟ أنا عشان كده كنت خايف من الجوازة دي.
قالت بإصرار:
_يا نديم قولي بقى حصل إيه؟
قص عليها جميع ما حدث وكيف وجد نارفين، فعلت الصدمة وجهها وامتلأت عيناها بالدموع قائلة:
_نديم ده بجد أوعى تكون بتضحك عليا.
أجابها بحنان:
_يا حبيبتي بجد والله، وبعدين بتعيطي ليه؟ هو أنتو تفرحوا تعيطوا تزعلوا تعيطوا برضه!
قالت ناردين ليوسف بعدم تصديق:
_يوسف نديم لقى نارفين ورجعت البيت.
أخذ الهاتف من يدها قائلا بعدم تصديق:
_نديم أنت بتكلم بجد لقيتها؟
أجابه نديم بنفاذ صبر:
_والله لقيتها أنتو مش مصدقين ليه؟!
أجابه يوسف:
_عشان ببساطة هي بقالها 15 سنة منعرفش هي فين.
أردف نديم بدوره:
_أقولك تعالوا مصر وشوفوها عشان تصدقوا.... واقفل بقى عشان أنا مش فاضيلكم بصراحة، بتتصلوا في أوقات غريبة.
قالت ناردين وهي تحتضن يوسف:
_يوسف أنا مش مصدقة أن هو لقاها بجد، أخيرا بعد 15 سنة لقاها، أكيد عمتو لما شافتها فرحت أوي.
أردف يوسف بسعادة:
_أكيد هتتحسن وتقبل تتعالج.
نهضت ناردين متجهة نحو الخزانة قائلة:
_إحنا هنرجع مصر حالا.
********
كانت تضع روجين رأسها فوق صدر نديم وتستمع إلى خفقات قلبه بهدوء.
قالت له متسائلة:
_نديم أنا عرفت كل حاجة عنك، مش عايز أنت بقى تعرف كل حاجة عني؟
أجابها قائلا:
_هو أولا إنتي معرفتيش كل حاجة عني في حاجات مش هتعرفيها غير لما تتعاملي معايا سنين، ثانيا أكيد عايز أعرف أي حاجة تخصك.
_تعرف وأنا صغيرة كان نفسي أطلع إيه؟
_إيه؟
أجابته باستنكار:
_كان نفسي أطلع دكتورة قلب.
سألها قائلا:
_اشمعنا قلب بالذات وليه محققتيش حلمك؟
قالت بوهن:
_أنا كان نفسي أطلع دكتورة قلب لأن ماما كان عندها القلب ولما ماتت وأنا صغيرة كان نفسي لما أكبر أعالج كل الأمهات اللي تعبانة عشان محدش يعيش من غير أم...بس خفت.
أكملت بألم:
_لما كبرت خفت أطلع دكتورة وأكون أنا سبب في موتهم بدل ما أكون سبب في شفاهم، ومن وقتها قررت أن أنا هفتح مستشفى للقلب.
ضمها إلى صدره بقوة أكبر قائلا:
_إنتي أحن إنسانة أنا شفتها في حياتي.
أردفت بابتسامة قائلة:
_أنت عارف أنا عرفت إني حبيتك إزاي؟
_عرفتي إزاي؟
_لما افتكرت جملة ماما، هي دايما كانت تقولي "الحب الحقيقي تعرفيه لما تحبي عيوب اللي قدامك وتقبليه بأخطائه" وأنا حبيت عيوبك وكل حاجة فيك يا نديم.
ثم رفعت رأسها لتنظر بداخل عينيه قائلة:
_عندما أحببتك لم أحب قلبك فقط، بل أحببت مدينة بأكملها، مدينة مليئة بالعشق والحب، أنا أحببت كل شيء يتعلق بك.
********
وصلت نارفين بصحبة زياد إلى منزل سامية وعندما نزلت من السيارة وجدت العديد من الناس الملتفة حول المنزل فنظرت إلى زياد باستغراب قائلة:
_هو في إيه الناس ملمومة حوالين البيت ليه؟!
أخذت تتخطى هي وزياد الناس إلى أن وصلت إلى المنزل، وعندما دخلت الى الداخل وجدت المنزل فارغا، لا يوجد به أي أثاث ولا أي شخص باستثناء سعد وسامح، فانتابها شعور بالقلق على سامية، وتسلل الخوف إلى قلبها حين راودتها فكرة إصابتها بمكروه أو أذى بسببهما.
*******
طرقت مدبرة المنزل باب غرفة سليمان المنزلاوي فسمح لها بالدخول.
قالت وهي تمد له يدها بظرف قائلة:
_الجواب ده وصل لحضرتك اتفضل.
أخذه من يدها مشيرا لها بالذهاب ثم أخذ يقلبه بين يديه فلم يجد اسم أو عنوان يكتب عليه من الخارج، ففتحه وقرأ ما بداخله "فاروق المنزلاوي هو السبب في موت محمد ابنك هو ومراته، أنا حاولت أقولك أكتر من مرة بس مقدرتش، خفت على ابني، خفت يعرف مكانه ويأذيه، أنا بترجاك متعرفوش مكاننا وتحمي ابني منه."
__________________________________________
تعليقات
إرسال تعليق