رواية المرآة وابنة الشماس البارت الخامس بقلم أحلام حسين غنيمات
رواية المرآة وابنة الشماس الفصل الخامس 5
مضى حسن وشموس في طريقهما، إلى أن وصلا إلى ساحة التدريب، تلك التي خُصصت لتنمية المهارات والقدرات، لدى كل أفراد عالم الشماس، لكن هُم اكتسبوها بالفطرة، وهو عليه اكتسابها بالجهد والعمل، حتى يُصبح فردًا منتجًا لا عائقًا أو حملًا زائدًا عليهم.
_ اليوم سأعلمك قراءة الأفكار، بما أنك أصبحت تُجيد السير، لكن عليك عدم استخدام هذه القوى، إلا بإذن حفاظًا على خصوصية الجميع.
_ حسنًا.
_ هيا دع العنان لخيالك، وفكر بأحدٍ تشتاق له.
_ وهل هُناك من أشتاق له بوجودك، كانت تلك أفكار حسن التي ابتسمت لها شموس حين عِلمِها بها، لكن عليها تخطي الأمر كأنها لم تعلم.
_ حسن، هيا، ما بالك؟ أطلق العنان لأفكارك، واسمح لي بالولوج لها ممكن؟.
_ وهل هُناك أفكار ستتزاحم وأنت تحتلين الفكر والوجدان، وحين أراكِ أصبح ذاك الفتى الغِر الذي لا يرى أمامه سوى أحلام المراهقة، تقول لي أطلق عنان أفكارك، وهل أفكاري تتمحور بغيرها بطلة.
كل هذه الأفكار تزاحمت تِباعًا على عقل حسن، وكلها أصبحت قيد المعرفة لدى شموس، الذي اتخذ وجهها لونه من ألوان الطيف السبعة، لِتُوقف أفكاره وتمحورها عنها، بأن صاحت به قائلة:
_ حسن ما بالك، قلت اسمح لي بالولوج، وفكر بمن تركتهم خلفك بالأرض، وهل حقًا تحتاجين للولوج لأفكاره شموس، فقد اخترقتها بدون وجه حق أو إذن، كان ذاك تأنيب شموس لذاتها على ما فعلت من اختراق.
_ حسنًا أسمح بذلك، ولم يعلم بأنه لم يكن هناك من داعٍ لإذنه، فقد تم اختراق أفكاره والعلم بكل ما تُكنه نفسه، ليبدأ بالتفكير بوالده ووالدته، وكيف هم الآن.
_ هُم بخير، لا تقلق، لكن هم يشعرون بالاشتياق لك، هذا مؤكد، كانت هذه محادثة شموس الموجهة لأفكار حسن، لكن وجهتها على شكل أفكار حتى يستطيع التعلم.
_ لينظر حسن لشموس قائلًا لها بأفكاره: أنتِ بداخل عقلي, أسمعك كأنك تتحدثين لي.
_ نعم، وأنا أسمعك، وأعلم ما يدور بعقلك من أفكار، فحاذر، قالت ذلك مع ابتسامة لعوب، علَّه يفهم بأن أفكاره الآن أصبحت جميعها متاحة لها.
لتزوغ عينا حسن بمختلف الأمكنة، معتقدًا بأنه لن يفكر بها، حتى لا تتمكن من العلم بطريقة تفكيره بها وإحساسه تجاهها، ولم يعلم بأنها علمت بذلك، ودقات قلبها تسارعت كما تتسارع دقات الطبول في العزف.
_ هيا حسن، تابع التفكير بمن ترغب.
ليبدأ حسن حينها بالتفكير بريماس والتساؤل بما حلَّ بها ومعها، لتتسائل شموس عن من تكون هذه الفتاة الذي يُفكر بها، ليجيبها بأنها مخطوبته، لتشعر شموس وقتها وكأن سكينًا غُرس بقلبها الفتي، الذي وللمرة الأولى يشعر بدقاته المتسارعة، والموجهة نحو شخص، لتحاول الثبات والمواصلة، مُتسائلة ما بالها؟، ليقول لها بأن يوم قدومه هُنا كان يوم زفافه منها، وبأن عدم مجيئه سيسبب لها المشكلات، لتعلم وقتها، بأنها ارتكبت أكبر خطأ بنطقها للكلمات السرية، والسماح له بالعبور، لكن ما تفعل وهي لم تكن المتحكمة بالأمر، بل قوى أخرى فاقت قدراتها على التحكم، وللآن لا تعلم ما هي، لتنهي شموس الدرس على عجل، متخذة الحجّة بأنها نسيت أمرًا عليها فعله.
تأنيب الضمير أصبح ملازمًا لشموس، يمنعها من مقابلة حسن، فهي من أوقعته بهذا المأزق، وجلبته هنا، معتقدة بأن حسن يُكن المشاعر لريماس، متناسية ما علمته من أفكار وأحاسيس موجهة لها، علمت بها منه هو شخصيًا، حتى ولو تم اختراقها كما فعلت.
ولم يقل تأنيب حسن لنفسه عنها، فكيف سمح لقلبه بالميلان تجاه شموس، وريماس خطيبته والتي كان من المفترض أن تكون زوجته الآن، والعهد الذي قطعه لأبيه، الذي يُكبله بأغلال من فولاذ، ولم يعلم بأن ريماس الآن زوجة لآخر، وحُلت الأغلال المكبلة، وحُلَّ معها العهد المنطوق، وبدأ عهد جديد أطلقه حسن على نفسه، بأن ينسى مشاعره تجاه شموس، لحين العودة وإتمامه لعهده الملزم به لوالده، وواجبه المستحق تجاه ريماس، فهي الأحق والأولى بمشاعره.
وهناك عند ريماس، لم تعد تفكر بما حصل معها، ولا ما فعل بها حسن، ولا لأي سبب قام بذلك، فقد أصبح شُغلها الشاغل معتز، ومعاملته لها كالأميرة، وحبه الظاهر للعيان، فلم يعد يقدر على كتمان مشاعره كما السابق، بل أصبح يتفاخر بها أمام الجميع، وهذا كان عنصرًا مفقودًا لديها من حسن، فلم يظهر لها الحب أبدًا، بل كان يعاملها باحترام ومودة، ولم تشعر بأنه يبادلها الحب الذي كانت تُكنه له، وهل كانت تحبه حقًا؟، وأثناء ذلك كانت ترتب أغراض معتز، وتقوم بوضعها بالخزانة، ليقع نظرها على دفتر متواجد تحت بعض الألبسة الخاصة بمعتز، لتتناوله وتبدأ بتصفحه، ليتأكد لها حب معتز المكنون، الذي كان مَخفيًا عنها منذ أبدٍ بعيد، لتبدأ بقراءة بعض من أشعاره وخواطره بصوت مرتفع:
إليك
إليكَ يا مَنْ ملكتَ رُوحي بِهَمَسَّاتِك
وَقَلبي بُكَلِماتِك
وَعَقلي بُضَّحِكاتِك
حَبيبي أَنْتَ مُنْذُ الصِّغَر
فَلَم أَعلَم لِسِّواكَ حُبًا كَما القمر
أستَجِيبُ لِحبٍ أَهدَىٰ مِنْ السَّهر
وَعُمرًا قَدْ انقضىٰ في حُبك كَلْمحِ البَصْر
لِتستَمر بالقراءة، وتقع عينها أيضًا على خاطرة خطفت قلبها وروحها
لأجلك أطلقت العنان لأفكاري
لأجلك أبوح بكل أسراري
فأنت الروح والحياة من كل بُدّ
ولو غدر الزمان بي سأظل أحبك إلى الأبد
ولم تعلم بأن هناك قلب عاشق فريد، يقف منتظرًا منها القبول والتقبل، فهل سيسمح قلب الماس خاصته له بالتوغل فيه والأسبار، وتعلق روحه بمحيطات روحها.
وعند محمود وأنوار، كان يمضي كل يوم عليهم وكأنه ألف سنة، بفراق وبعد أغلى الأحبة، من تربى على يديهم، ليصبح شابًا ملىء العين، بوجوده الروح تطيب وتزدهر، لكن ما كان يخيفهم أكثر بأن كل عمليات البحث الدائرة، لم تَعُد عليهم بالنفع، وكأن الأرض انشقت وابتلعت حسن ولم يعد له من أثرٍ عليها، ولم يعلم أي منهم بأن الحل لعودته فتح باب العودة له، ولن يتم ذلك إلا بقيام أحدهم بفتحه، فهل سَيُفتح له الباب يا تُرى؟.
مضت الأيام، وبدأ الشماس يُلاحظ ابتعاد كل من حسن وشموس عن الآخر، مع ظهور التعب المماثل لكليهما من البعد، وتولي آخر أمر استكمال تدريب حسن، بعد اعتذار شموس عن ذلك، ليتخذ طريقه بالذهاب والاستعلام من حسن عما يحدث، لانه على يقين بأن شموس لن تخبره شيئًا، فالكتمان طبع لديها لا يستطيع تغييره، ويأمل أن يكون حسن بعكسها.
_ حسن، هل لي بالتحدث معك؟
_ بالتأكيد، فأنت مُرَحب بك في أي وقت.
_ سأكون واضحًا معك، ما الذي حدث بينك وبين شموس؟، لما أنتما بعيدان هكذا؟، ولما لم تعد هي لتدريبك؟
_ وأنا سأكون أكثر وضوحًا منك، حقيقة لا أعلم لما هي ابتعدت، ولما لم تعد لتدريبي، ما أعلمه أنني أحاول الثبات والسيطرة على ذاتي ومشاعري من التوغل فيها أكثر، فأنا ملتزم بعهد، وبواجبي تجاه مخطوبتي كما أخبرتك سابقًا.
_ هل أحببتها؟ كان هذا السؤال الذي وجهه الشماس لحسن دون مواربة.
ليجيبه حسن بصدق:
_ لا أعلم حقًا، فأنا معها وحولها أشعر بالطيران، بعدم الثبات والتوازن، أفقد ذاتي وتوازني، أحلق بسمائها، أبحر بفضائها، جذبتني، بل لنقل خطفتني، رغم قرب معرفتي بها، لكنني لا أرغب بالبعد، رغم اضطراري لذلك، بسبب الأغلال التي تُقيدني بألف قيد.
لينظر الشماس بحزن عليه وعلى ابنته، ولما ستعانيه هي وقرينها الرفيق من البعد، إن بقي على موقفه، فشموس ستموت ان هو عاد لوطنه، فهي ستبقى هنا مقيدةً هي الأخرى بقوانين هذا العالم، التي اتبعتها ليسري عليها ما سرى على غيرها من الأفراد، أن تفقد روحها أو تموت، وحسن يعود لعالمه بلا تأثر من تبعات الختم، لكنه سيتأثر من البعد، من فقد الشعور بالحياة، لفقده الحبيب، ليقرر بأنه حان الوقت لإعلام حسن بما كان مَخفيًا عنه وعن شموس بشأن الختم، علَّ حسن يُعرِض عن فكرة البعد ويبقى، ليعطي لنفسه ولها فرصة بالحياة.
_ هناك ما يجب عليك معرفته، بعدها لك حرية القرار، إما القرب وإما البعد، فما أراه منك وما أنا مُيقن به، بأنك تعشقها، ما قلته ليس احساسًا عابرًا أو تخبط، هو العشق بعينه، فلا فِرار منه أو تجاهل.
_ ماذا هناك ولا أعلمه؟! كان هذا سؤال حسن، الذي بدأ يشعر بالحيرة من حديث الشماس، فغموض كلماته أصابت الهدف، وبات هو مشتت الفكر.
ليبدأ الشماس بالحديث:
_ بني هنا كما تعلم من يحيا معنا ونسمح له بالعيش تسري عليه قوانيننا وكل ما جُبلنا عليه، وأبسطها أمر القرين الرفيق، وما لا تعلمه أنت بأنك القرين الرفيق لشموس، فقد ظهر الختم على عنق كُلٍ منكما بمجرد عبورك لعالمنا، فإن أنت غادرت هذا العالم، تموت شموس أو تبقى جسدًا بلا روح، وتفقد كل قدراتها التي اكتسبتها في هذا العالم بعد عناء وتدريب دام لسنوات، وهي لن تستطيع العبور معك من الباب للنجاة من أمر محتم هنا، فالباب الذي عبرت منه مختلف عن الباب الذي عبرت هي منه في التوازي والتعامد.
لتظهر الصدمة جلية على صفيحة وجه حسن مما أدركه للتو، معنى كلام الشماس بأن شموس ليست من هذا العالم، وأنها عابرة مثله تمامًا، والقلق بدأ ينهش قلبه خوفًا عليها، بشأن أمر الختم، الذي تأكد الآن من شكوكه التي ساورته سابقًا عنه ولكنه تجاهلها، فقد ظن بأنه يُهيىء له ذلك، ليبتلع ريقه، ويتوجه بسؤال الشماس علَّه ينكر ما قد وصل له من فهم:
_ هل تعني بقولك بأن شموس ليست ابنتك، وأنها ليست من هذا العالم، كيف هذا؟ وهي تتمتع بجميع مزاياكم، والختم، كيف لي أن أتمتع بهذه الميزة أنا وهيَّ، إن لم نكن من هذا العالم؟، أخبرني رجاءً، لا تقف هكذا، أنا أعلم بأن هذه الميزة لأبناء جنسك فقط، لم أكن أعلم بأننا نتميز بها.
_ حين أسمح بتواجدكم في هذا العالم، يعني أن تكتسب جميع قدراتنا وميزاتنا، لكن هناك اختلاف بسيط، بالنسبة للقرين الرفيق، فلن يمتلك العابر إلى عالمنا ميزة القرين الرفيق منذ الولادة كما اكتسبناها نحن؛ بل عليه البحث عنه حتى يجده، وبالتأكيد لن يكون من أبناء عالمي، بل سيكون من عابر آخر كمثلك، أما بالنسبة لكونها ابنتي، فهي دقة القلب وأنيسة الروح، من كانت العوض الجميل من بعد أشماس ابنتي، لقد عبرت هنا مثلك تمامًا، لكن الفرق! بأنها عبرت طفلة، لم تتجاوز الثامنة من عمرها، حين فُتح الباب، ونطقت أشماس الكلمات السرية للباب، بعد أن سمحت لها شموس كما سمحت أنت، وحاولت العودة مرارًا، لكن الباب قد أُغلِق ولم يُفتح بعدها، كانت مستمرة بالذهاب للباب والنداء، علَّ أحد من أهلها يقوم بفتح الباب لها، لكن فُتح لعبورك، فتأكدت حينها بأن الباب تغير موقعه من الجانب الآخر ولا أعلم السبب.
وهل سيُعلم السبب يا تُرى؟
_ اليوم سأعلمك قراءة الأفكار، بما أنك أصبحت تُجيد السير، لكن عليك عدم استخدام هذه القوى، إلا بإذن حفاظًا على خصوصية الجميع.
_ حسنًا.
_ هيا دع العنان لخيالك، وفكر بأحدٍ تشتاق له.
_ وهل هُناك من أشتاق له بوجودك، كانت تلك أفكار حسن التي ابتسمت لها شموس حين عِلمِها بها، لكن عليها تخطي الأمر كأنها لم تعلم.
_ حسن، هيا، ما بالك؟ أطلق العنان لأفكارك، واسمح لي بالولوج لها ممكن؟.
_ وهل هُناك أفكار ستتزاحم وأنت تحتلين الفكر والوجدان، وحين أراكِ أصبح ذاك الفتى الغِر الذي لا يرى أمامه سوى أحلام المراهقة، تقول لي أطلق عنان أفكارك، وهل أفكاري تتمحور بغيرها بطلة.
كل هذه الأفكار تزاحمت تِباعًا على عقل حسن، وكلها أصبحت قيد المعرفة لدى شموس، الذي اتخذ وجهها لونه من ألوان الطيف السبعة، لِتُوقف أفكاره وتمحورها عنها، بأن صاحت به قائلة:
_ حسن ما بالك، قلت اسمح لي بالولوج، وفكر بمن تركتهم خلفك بالأرض، وهل حقًا تحتاجين للولوج لأفكاره شموس، فقد اخترقتها بدون وجه حق أو إذن، كان ذاك تأنيب شموس لذاتها على ما فعلت من اختراق.
_ حسنًا أسمح بذلك، ولم يعلم بأنه لم يكن هناك من داعٍ لإذنه، فقد تم اختراق أفكاره والعلم بكل ما تُكنه نفسه، ليبدأ بالتفكير بوالده ووالدته، وكيف هم الآن.
_ هُم بخير، لا تقلق، لكن هم يشعرون بالاشتياق لك، هذا مؤكد، كانت هذه محادثة شموس الموجهة لأفكار حسن، لكن وجهتها على شكل أفكار حتى يستطيع التعلم.
_ لينظر حسن لشموس قائلًا لها بأفكاره: أنتِ بداخل عقلي, أسمعك كأنك تتحدثين لي.
_ نعم، وأنا أسمعك، وأعلم ما يدور بعقلك من أفكار، فحاذر، قالت ذلك مع ابتسامة لعوب، علَّه يفهم بأن أفكاره الآن أصبحت جميعها متاحة لها.
لتزوغ عينا حسن بمختلف الأمكنة، معتقدًا بأنه لن يفكر بها، حتى لا تتمكن من العلم بطريقة تفكيره بها وإحساسه تجاهها، ولم يعلم بأنها علمت بذلك، ودقات قلبها تسارعت كما تتسارع دقات الطبول في العزف.
_ هيا حسن، تابع التفكير بمن ترغب.
ليبدأ حسن حينها بالتفكير بريماس والتساؤل بما حلَّ بها ومعها، لتتسائل شموس عن من تكون هذه الفتاة الذي يُفكر بها، ليجيبها بأنها مخطوبته، لتشعر شموس وقتها وكأن سكينًا غُرس بقلبها الفتي، الذي وللمرة الأولى يشعر بدقاته المتسارعة، والموجهة نحو شخص، لتحاول الثبات والمواصلة، مُتسائلة ما بالها؟، ليقول لها بأن يوم قدومه هُنا كان يوم زفافه منها، وبأن عدم مجيئه سيسبب لها المشكلات، لتعلم وقتها، بأنها ارتكبت أكبر خطأ بنطقها للكلمات السرية، والسماح له بالعبور، لكن ما تفعل وهي لم تكن المتحكمة بالأمر، بل قوى أخرى فاقت قدراتها على التحكم، وللآن لا تعلم ما هي، لتنهي شموس الدرس على عجل، متخذة الحجّة بأنها نسيت أمرًا عليها فعله.
تأنيب الضمير أصبح ملازمًا لشموس، يمنعها من مقابلة حسن، فهي من أوقعته بهذا المأزق، وجلبته هنا، معتقدة بأن حسن يُكن المشاعر لريماس، متناسية ما علمته من أفكار وأحاسيس موجهة لها، علمت بها منه هو شخصيًا، حتى ولو تم اختراقها كما فعلت.
ولم يقل تأنيب حسن لنفسه عنها، فكيف سمح لقلبه بالميلان تجاه شموس، وريماس خطيبته والتي كان من المفترض أن تكون زوجته الآن، والعهد الذي قطعه لأبيه، الذي يُكبله بأغلال من فولاذ، ولم يعلم بأن ريماس الآن زوجة لآخر، وحُلت الأغلال المكبلة، وحُلَّ معها العهد المنطوق، وبدأ عهد جديد أطلقه حسن على نفسه، بأن ينسى مشاعره تجاه شموس، لحين العودة وإتمامه لعهده الملزم به لوالده، وواجبه المستحق تجاه ريماس، فهي الأحق والأولى بمشاعره.
وهناك عند ريماس، لم تعد تفكر بما حصل معها، ولا ما فعل بها حسن، ولا لأي سبب قام بذلك، فقد أصبح شُغلها الشاغل معتز، ومعاملته لها كالأميرة، وحبه الظاهر للعيان، فلم يعد يقدر على كتمان مشاعره كما السابق، بل أصبح يتفاخر بها أمام الجميع، وهذا كان عنصرًا مفقودًا لديها من حسن، فلم يظهر لها الحب أبدًا، بل كان يعاملها باحترام ومودة، ولم تشعر بأنه يبادلها الحب الذي كانت تُكنه له، وهل كانت تحبه حقًا؟، وأثناء ذلك كانت ترتب أغراض معتز، وتقوم بوضعها بالخزانة، ليقع نظرها على دفتر متواجد تحت بعض الألبسة الخاصة بمعتز، لتتناوله وتبدأ بتصفحه، ليتأكد لها حب معتز المكنون، الذي كان مَخفيًا عنها منذ أبدٍ بعيد، لتبدأ بقراءة بعض من أشعاره وخواطره بصوت مرتفع:
إليك
إليكَ يا مَنْ ملكتَ رُوحي بِهَمَسَّاتِك
وَقَلبي بُكَلِماتِك
وَعَقلي بُضَّحِكاتِك
حَبيبي أَنْتَ مُنْذُ الصِّغَر
فَلَم أَعلَم لِسِّواكَ حُبًا كَما القمر
أستَجِيبُ لِحبٍ أَهدَىٰ مِنْ السَّهر
وَعُمرًا قَدْ انقضىٰ في حُبك كَلْمحِ البَصْر
لِتستَمر بالقراءة، وتقع عينها أيضًا على خاطرة خطفت قلبها وروحها
لأجلك أطلقت العنان لأفكاري
لأجلك أبوح بكل أسراري
فأنت الروح والحياة من كل بُدّ
ولو غدر الزمان بي سأظل أحبك إلى الأبد
ولم تعلم بأن هناك قلب عاشق فريد، يقف منتظرًا منها القبول والتقبل، فهل سيسمح قلب الماس خاصته له بالتوغل فيه والأسبار، وتعلق روحه بمحيطات روحها.
وعند محمود وأنوار، كان يمضي كل يوم عليهم وكأنه ألف سنة، بفراق وبعد أغلى الأحبة، من تربى على يديهم، ليصبح شابًا ملىء العين، بوجوده الروح تطيب وتزدهر، لكن ما كان يخيفهم أكثر بأن كل عمليات البحث الدائرة، لم تَعُد عليهم بالنفع، وكأن الأرض انشقت وابتلعت حسن ولم يعد له من أثرٍ عليها، ولم يعلم أي منهم بأن الحل لعودته فتح باب العودة له، ولن يتم ذلك إلا بقيام أحدهم بفتحه، فهل سَيُفتح له الباب يا تُرى؟.
مضت الأيام، وبدأ الشماس يُلاحظ ابتعاد كل من حسن وشموس عن الآخر، مع ظهور التعب المماثل لكليهما من البعد، وتولي آخر أمر استكمال تدريب حسن، بعد اعتذار شموس عن ذلك، ليتخذ طريقه بالذهاب والاستعلام من حسن عما يحدث، لانه على يقين بأن شموس لن تخبره شيئًا، فالكتمان طبع لديها لا يستطيع تغييره، ويأمل أن يكون حسن بعكسها.
_ حسن، هل لي بالتحدث معك؟
_ بالتأكيد، فأنت مُرَحب بك في أي وقت.
_ سأكون واضحًا معك، ما الذي حدث بينك وبين شموس؟، لما أنتما بعيدان هكذا؟، ولما لم تعد هي لتدريبك؟
_ وأنا سأكون أكثر وضوحًا منك، حقيقة لا أعلم لما هي ابتعدت، ولما لم تعد لتدريبي، ما أعلمه أنني أحاول الثبات والسيطرة على ذاتي ومشاعري من التوغل فيها أكثر، فأنا ملتزم بعهد، وبواجبي تجاه مخطوبتي كما أخبرتك سابقًا.
_ هل أحببتها؟ كان هذا السؤال الذي وجهه الشماس لحسن دون مواربة.
ليجيبه حسن بصدق:
_ لا أعلم حقًا، فأنا معها وحولها أشعر بالطيران، بعدم الثبات والتوازن، أفقد ذاتي وتوازني، أحلق بسمائها، أبحر بفضائها، جذبتني، بل لنقل خطفتني، رغم قرب معرفتي بها، لكنني لا أرغب بالبعد، رغم اضطراري لذلك، بسبب الأغلال التي تُقيدني بألف قيد.
لينظر الشماس بحزن عليه وعلى ابنته، ولما ستعانيه هي وقرينها الرفيق من البعد، إن بقي على موقفه، فشموس ستموت ان هو عاد لوطنه، فهي ستبقى هنا مقيدةً هي الأخرى بقوانين هذا العالم، التي اتبعتها ليسري عليها ما سرى على غيرها من الأفراد، أن تفقد روحها أو تموت، وحسن يعود لعالمه بلا تأثر من تبعات الختم، لكنه سيتأثر من البعد، من فقد الشعور بالحياة، لفقده الحبيب، ليقرر بأنه حان الوقت لإعلام حسن بما كان مَخفيًا عنه وعن شموس بشأن الختم، علَّ حسن يُعرِض عن فكرة البعد ويبقى، ليعطي لنفسه ولها فرصة بالحياة.
_ هناك ما يجب عليك معرفته، بعدها لك حرية القرار، إما القرب وإما البعد، فما أراه منك وما أنا مُيقن به، بأنك تعشقها، ما قلته ليس احساسًا عابرًا أو تخبط، هو العشق بعينه، فلا فِرار منه أو تجاهل.
_ ماذا هناك ولا أعلمه؟! كان هذا سؤال حسن، الذي بدأ يشعر بالحيرة من حديث الشماس، فغموض كلماته أصابت الهدف، وبات هو مشتت الفكر.
ليبدأ الشماس بالحديث:
_ بني هنا كما تعلم من يحيا معنا ونسمح له بالعيش تسري عليه قوانيننا وكل ما جُبلنا عليه، وأبسطها أمر القرين الرفيق، وما لا تعلمه أنت بأنك القرين الرفيق لشموس، فقد ظهر الختم على عنق كُلٍ منكما بمجرد عبورك لعالمنا، فإن أنت غادرت هذا العالم، تموت شموس أو تبقى جسدًا بلا روح، وتفقد كل قدراتها التي اكتسبتها في هذا العالم بعد عناء وتدريب دام لسنوات، وهي لن تستطيع العبور معك من الباب للنجاة من أمر محتم هنا، فالباب الذي عبرت منه مختلف عن الباب الذي عبرت هي منه في التوازي والتعامد.
لتظهر الصدمة جلية على صفيحة وجه حسن مما أدركه للتو، معنى كلام الشماس بأن شموس ليست من هذا العالم، وأنها عابرة مثله تمامًا، والقلق بدأ ينهش قلبه خوفًا عليها، بشأن أمر الختم، الذي تأكد الآن من شكوكه التي ساورته سابقًا عنه ولكنه تجاهلها، فقد ظن بأنه يُهيىء له ذلك، ليبتلع ريقه، ويتوجه بسؤال الشماس علَّه ينكر ما قد وصل له من فهم:
_ هل تعني بقولك بأن شموس ليست ابنتك، وأنها ليست من هذا العالم، كيف هذا؟ وهي تتمتع بجميع مزاياكم، والختم، كيف لي أن أتمتع بهذه الميزة أنا وهيَّ، إن لم نكن من هذا العالم؟، أخبرني رجاءً، لا تقف هكذا، أنا أعلم بأن هذه الميزة لأبناء جنسك فقط، لم أكن أعلم بأننا نتميز بها.
_ حين أسمح بتواجدكم في هذا العالم، يعني أن تكتسب جميع قدراتنا وميزاتنا، لكن هناك اختلاف بسيط، بالنسبة للقرين الرفيق، فلن يمتلك العابر إلى عالمنا ميزة القرين الرفيق منذ الولادة كما اكتسبناها نحن؛ بل عليه البحث عنه حتى يجده، وبالتأكيد لن يكون من أبناء عالمي، بل سيكون من عابر آخر كمثلك، أما بالنسبة لكونها ابنتي، فهي دقة القلب وأنيسة الروح، من كانت العوض الجميل من بعد أشماس ابنتي، لقد عبرت هنا مثلك تمامًا، لكن الفرق! بأنها عبرت طفلة، لم تتجاوز الثامنة من عمرها، حين فُتح الباب، ونطقت أشماس الكلمات السرية للباب، بعد أن سمحت لها شموس كما سمحت أنت، وحاولت العودة مرارًا، لكن الباب قد أُغلِق ولم يُفتح بعدها، كانت مستمرة بالذهاب للباب والنداء، علَّ أحد من أهلها يقوم بفتح الباب لها، لكن فُتح لعبورك، فتأكدت حينها بأن الباب تغير موقعه من الجانب الآخر ولا أعلم السبب.
وهل سيُعلم السبب يا تُرى؟
يتبع الفصل السادس اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المرآة وابنة الشماس" اضغط على اسم الرواية
تعليقات
إرسال تعليق